مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الرابع ، الصفحة : 297
مذكرة المشروع التمهيدي :
أ - إذا تم الرجوع في الهبة ، بالتراضي أو بالتقاضي ، كان هذا فسخاً لها ، وكان الفسخ أثر رجعي، فتعتبر الهبة كأن لم تسكن، ويلاحظ ما يأتي : (أ) يجب على الموهوب له أن يرد الشيء الموهوب إلى الواهب، فإن هلك قبل الرد بعد إعذاره بالتسليم كان مسئولاً عن الهلاك حتى لو كان بسبب أجنبي ، على أن الموهوب يعود للواهب مثقلاً بما كسبه الغير حسن النية من حقوق ، ولا رجوع من الواهب على الموهوب له بسبب هذه الحقوق . (ب) يجب على الموهوب له أن يرد الثمرات من وقت التراضي ، أو من وقت رفع الدعوى ، وله أن يسترد جميع المصروفات الضرورية وأقل القيمتين من المصروفات النافعة .
2 - أما إذا لم يرجع الواهب في الهبة ، فھی لازمة كما تقدم ، ولا يجوز أن يسترد الواهب الشيء الموهوب، ولو فعل لأجبر على إعادته للموهوب له ، فإن هلك في يد الواهب كان مسئولاً عن التعويض ، حتى لو كان الهلاك بسبب أجنبي أو بسبب الإستعمال.
1- مفاد الفقرة الأولى من المادتين 550 , 503 من القانون المدنى أنه إذا أراد الواهب الرجوع فى الهبة وتراضى معه الموهوب له على هذا الرجوع، فإن هذا يكون إقالة من الهبة تمت بإيجاب وقبول جديدين، غير أن الإقالة بنص القانون لها أثر رجعى فتعتبر الهبة كأن لم تكن، لما كان ذلك، وكان الثابت أن الطاعن قد أقام دعواه بطلب الرجوع فى الهبة الصادرة منه للمطعون ضدهم الثلاثة الأول ومثل المطعون ضده الثالث أمام محكمة الاستئناف وسلم بطلبات الطاعن فقدتم التراضى بينهما على الرجوع فى الهبة فتعتبر كأن بالنسبة له وإذ لم يعمل الحكم المطعون فيه أثر ذلك التراضى فإنه يكون قد خالف الثابت بالأوراق مما جرة إلى الخطأ فى تطبيق القانون.
(الطعن رقم 1296 لسنة 57 جلسة 1995/12/26 س 46 ع 2 ص 1465 ق 287)
2- حق الواهب فى استرداد المال الموهوب فى حالة تحقق الشرط الفاسخ للهبة يقوم على أساس استرداد ما دفع بغير وجه حق وقد أكدت المادة 182 من القانون المدني هذا المعنى بنصها على إنه يصح استرداد غير المستحق إذا كان الوفاء قد تم تنفيذاً لإلتزام زال سببه بعد أن تحقق، إلا أنه لما كان الثابت أن المطعون عليه رفع دعواه بطلب رد المبلغ الموهوب، وكان الطاعن قد نازعه فى ذلك وكان رد المبلغ لا يقضى به فى هذه الحالة إلا كأثر من الآثار المترتبة على انفساخ العقد طبقاً للمادة 160 من القانون المدني التي تقضى بأنه إذا فسخ العقد أعيد المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد، وكانت دعوى الفسخ لا تخضع للتقادم الثلاثي المنصوص عليه فى المادة 187 من القانون المدني ولا تتقادم إلا بمضي خمس عشرة سنة، فإنه طالما يكون للواهب أن يرفع هذه الدعوى فإنه يكون له أن يطالب بالآثار المترتبة عليها ومنها رد المال الموهوب، إذ لا يكون هذا المال مستحق الأداء ممكناً المطالبة به إلا بعد تقرير الفسخ، إذ كان ذلك فإن النعي على الحكم بالخطأ فى تطبيق القانون يكون على غير أساس.
(الطعن رقم 351 لسنة 44 جلسة 1978/03/16 س 29 ع 1 ص 773 ق 152)
إذا رجع الواهب في الهبة ، سواء كان رجوعه بالتراضي أو بالتقاضي على النحو الذي قدمناه ، فإن الهبة تفسخ، وإذا كان للفسخ أثر رجعي فيما بين المتعاقدين ، فإن الهبة تعتبر كأن لم تكن (م 503 / 1 مدني).
ولكن حتى تفسخ الهبة ، يجب التقايل منها بالتراضي على الرجوع ، أو صدور حكم قضائي بفسخها لعذر مقبول كما سبق القول، وقبل التراضي أو التقاضي تكون الهبة قائمة ، ولا يستطيع الواهب أن يمتنع عن تسليم الشيء الموهوب إذا كان لم يسلمه ، ولا يستطيع أن يسترده إذا كان قد سلمه فإذا استرده بعد أن سلمه ، بغير التراضي أو التقاضي ، كان غاضباً وكانت يده يد ضمان، ويترتب على ذلك أن الشيء إذا هلك في يده بعد إسترداده ، سواء كان قد استهلك الشيء بالإستعمال أو هلك الشيء بفعله أو هلك بسبب أجنبي ، كان ضامناً ، ووجب عليه أن يدفع للموهوب له قيمة الشيء وقت الهلاك ( م 504 / 1 مدني )، ذلك أن الشيء لا يزال مملوكاً للموهوب له وقد هلك في يد غاصب ، فتجب القيمة وقت هلاكه، بل أن الواهب في هذه الحالة لا يستطيع أن يدراً مسئولية عن الهلاك برجوعه في الهبة إذا قام عنده عذر مقبول ، ذلك أن الرجوع في الهبة يمتنع على الواهب إذا هلك الشيء كما قدمنا .
أما ثمرات الشيء الموهوب فتبقى ملكاً للموهوب له إلى يوم التراضي أو التقاضي، فا إلي هذا اليوم يعتبر الموهوب له حسن النية ، إذ هو يجنى ثمرات ملكه ، فلا يكون مسئولاً عن ردها إلى الواهب .
أما من يوم التراضي على الرجوع ، أو من يوم رفع الدعوى الرجوع لعذر مقبول ، فإن الموهوب له يصبح سيء النية فلا يملك الثمرات، ومن ثم يجب عليه ردها إلى الواهب من ذلك الوقت ( م 503 / 2 مدني ).
ومن جهة أخرى يرجع الموهوب له على الواهب بما أنفقه من المصروفات على الشيء الموهوب بالتفصيل الآتي :
إذا كانت المصروفات ضرورية ، رجع بها كلها على الواهب ( م 503 / 2 مدني ) .
وإذا كانت المصروفات نافعة ، رجع على الواهب بأقل القيمتين : المصروفات التي أنفقها أو زيادة قيمة الشيء الموهوب بسبب هذه المصروفات ( م 503 / 2 مدني ) .
وإذا كانت المصروفات كمالية ، لم يرجع بشيء على الواهب، ولكن يجوز له أن ينزع من الشيء الموهوب ما استحدثه من منشآت على أن يعيد الشيء إلى حالته الأولي ، وذلك ما لم يختر الواهب أن يستبقي هذه المنشآت بدفع قيمتها مستحقة الإزالة، وليس في هذا إلا تطبيق للقواعد العامة التي قررتها المادة 980 / 3 مدني إذ تقول : " فإذا كانت المصروفات كمالية فليس للحائز أن يطالب بشيء منها ، ومع ذلك يجوز له أن ينزع ما استحدثه من منشآت على أن يعيد الشيء إلى حالته الأولي ، إلا إذا اختار المالك أن يستبقيها مقابل دفع قيمتها مستحقة الإزالة " .
ويبدو أن الواهب إذا ألزم برد المصروفات للموهوب له على التفصيل الذي قدمناه ، يستطيع أن ينتفع بالأحكام المقررة في المادة 982 مدني ، فيطلب أن يكون الوفاء بهذه المصروفات على أقساط دورية بشرط تقديم الضمانات اللازمة ، وتقول المادة 982 مدني في هذا الصدد : " يجوز للقاضي بناءً على طلب المالك أن يقرر ما يراه مناسباً للوفاء بالمصروفات المنصوص عليها في المادتين السابقتين، وله أن يقضي بأن يكون الوفاء على أقساط دورية بشرط تقديم الضمانات اللازمة، وللمالك أن يتحلل من هذا الإلتزام إذا هو عجل مبلغاً يوازي قيمة هذه الأقساط ، مخصوماً منها فوائدها بالسعر القانوني لغاية مواعيد استحقاقها " . (الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ الخامس الصفحة/ 261)
تنفسخ الهبة وتعتبر كأن لم تكن إذا رجع الواهب فيها بالتراضي أو بالتقاضي وتبقى ثمرات الموهوب للموهوب له إلى يوم التراضي أو التقاضي أي رفع الدعوى للرجوع لعذر مقبول أما بعد ذلك فيصبح الموهوب له سيئ النية فلا يملك الثمرات ويلتزم بردها من ذلك الوقت، كما يرجع الموهوب له بما انفقه من مصروفات ضرورية، أما المصروفات النافعة فيرجع بأقل القيمتين : المصروفات التي أفقها أو زيادة قيمة الموهوب بسبب هذه المصروفات، أما المصروفات الكمالية فلا يرجع بشيء منها وله نزع ما استحدثه بشرط عدم الإضرار بالموهوب إلا إذا رغب المواهب في إستبقائه على أن يدفع قيمته مستحقاً الإزالة ويستطيع الواهب الوفاء بالمصروفات على أقساط دورية بشرط تقديم ضمان م 982 .
ولما كان رد الموهوب له الثمرات أثر من آثار رفع دعوى الرجوع، فإنه يجب للقضاء بردها ألا يعترض سير الخصومة في الدعوى عارض يؤدي إلى زوال آثارها كما لو قضی بشطبها ولم نجدد في الميعاد، إذ تصبح الدعوى كأن لم تكن ولو لم يصدر قضاء فيها بذلك، بحيث إذا رفعت دعوى جديدة بالرجوع، فلا يرتد أثرها إلى تاريخ الدعوى السابقة، وبالتالي لا يقضي برد الثمرات إلا من تاريخ رفع الدعوى الأخيرة، وللموهوب له طلب ضم الدعوى السابقة وطلب الحكم بإعتبارها كأن لم تكن حتى يزول أثرها.
وإذا ما رجع الواهب في الهبة، كان له إسترداده الشئ الموهوب بموجب دعوى شخصية لا يطلب منه فيها اثبات ملكيته، إنما يكفي للقضاء له بذلك أن يثبت التصرف الذي تمت به الهبة، فدعوى استرداد الشيء الموهوب بعد الرجوع في الهبة ليست دعوى استحقاق مما يلزم فيها إثبات الملكية.
أثر الرجوع بالنسبة للغير :
إذا تصرف الموهوب له تصرفا نهائياً ببيع أو هبة أصبحت الهبة لازمة وامتنع على الواهب الرجوع ويستوي في ذلك العقار والمنقول ومتى امتنع الرجوع امتنع على الواهب المطالبة بتعويض يقوم مقام الموهوب.
وإذا رتب الموهوب له حقاً عينياً على الموهوب كحق انتفاع أو ارتفاق أو رهن فتسرى القواعد العامة، ومن ثم إذا كان الموهوب عقاراً وترتب للغير حق بعد تسجيل صحيفة الرجوع في الهبة أو بعد تسجيل التراضي على الرجوع فلا يسرى حق الغير بالنسبة للواهب فيسترد الواهب العقار خالياً من أي حق للغير ويرجع الغير على الموهوب له، أما إذا ترتب حق الغير قبل تسجيل الصحيفة أو التراضی وكان حسن النية لا يعلم بقيام عذر مقبول للرجوع في الهبة سرى حقه بالنسبة للواهب، فإن كان الغير سيء النية لا يسرى حقه بالنسبة للواهب واسترد الأخير العقار خالياً من حقوق الغير.
أما أن كان الموهوب منقولاً ورجع الواهب بالتراضي فلا يؤثر الرجوع في حقوق الغير، أما إذا كان الرجوع بالتقاضي فان فسخ الهبة بحكم القضاء يكون له أثر رجعي حتى بالنسبة إلى الغير فيسترد الواهب المنقول خالياً من الحق العيني المترتب للغير ما لم يكن الغير قد حاز حقه العيني وهو حسن النية ففي هذه الحالة تكون الحيازة في المنقول سنداً لحق الغير فلا يسترد المنقول إلا مثقلاً بالحق العيني الذي ترتب للغير .
الآثار المترتبة على فسخ وبطلان الهبة :
الهبة، عقد مالي من العقود المسماة، خصها المشرع بأحكام الرجوع نظرة لطبيعتها التي تميزها عن سائر تلك العقود فيما يتعلق بالمقابل فيها، ويترتب على هذا الرجوع، إنحلالها بأثر رجعي.
ولم يحصر المشرع إنحلال الهبة في الرجوع المتمثل في الإقالة منها، وإنما أخضعها كذلك للقواعد العامة المتعلقة بالفسخ والبطلان وفقاً لما قررناه في المواد 140 ،141 ، 157 ،158 ،160 . (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ السابع الصفحة/ 140)
يترتب على فسخ عقد الهبة وإعتباره كأن لم يكن نتيجة للرجوع بالتراضي أو همه بالتقاضى إلتزام الموهوب له بأن يرد إلى الواهب ما يأتي:
1 - رد الشيء الموهوب :
إذا كان الواهب لم يسلم الشيء الموهوب إلى الموهوب له فإنه لا يجوز تسليمه إليه.
أما إذا كان قد سلم إلى الموهوب له إلتزام الموهوب له برده إلى الواهب.
وإذا هلك الشيء الموهوب في يد الموهوب له بفعله أو بإستهلاكه إياه كان ضامناً لهذا الهلاك ووجب عليه تعويض الواهب، أما إذا هلك بسبب أجنبي فإن الهلاك يكون على الواهب.
أما إذا كان الواهب قد أعذر الموهوب له بالتسليم وهلك الموهوب بعد الإعذار فالهلاك يكون على الموهوب له ولو كان بسبب أجنبي.
2 - رد الثمار :
لما كان الرجوع في الهبة فسخا لها له أثره الرجعي، فكان مقتضى ذلك أن يرد الموهوب له الثمرات التي جناها من وقت العقد، إلا أن المشرع رأى أن في مطالبته بما هو مخصص بطبيعته للإنفاق ظلم له، فأعفاه من الرد عن المدة السابقة على الرجوع، فألزمته المادة 2/503 برد الثمرات من وقت الإتفاق على الرجوع في الرجوع الرضائي ومن وقت رفع الدعوى في الرجوع القضائي.
3 - المصروفات :
يتعين التفرقة بين المصروفات الضرورية والمصروفات النافعة والمصروفات الكمالية.
فإذا كانت المصروفات التي أنفقها الواهب من المصروفات الضرورية، كان للموهوب له الرجوع بجميع ما أنفقه من هذه المصروفات.
والغالب أن يكون ما أنفقه الموهوب له أكبر من قدر ما زادته هذه النفقات في قيمة العين الموهوبة، فيكون الفرق بينهما خسارة عليه، على أنه في أحوال استثنائية قد تكون الزيادة في قيمة العين بسببها أكبر مما أنفق فعلاً لحصولها، فظاهر النص ألا يفيد الموهوب له من ذلك، ولا يطالب بقيمة الذي أحدثه اتفاقه في قيمة العين. (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ السادس الصفحة/ 198)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثاني والأربعون ، الصفحة / 154
مَاهِيَّةُ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ:
45 - الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ قَدْ يَكُونُ بِالتَّقَاضِي أَوْ يَكُونُ بِالتَّرَاضِي.
فَإِنْ كَانَ بِالتَّقَاضِي فَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ الرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ يَكُونُ فَسْخًا؛ لأِنَّهُ تَمَّ بِقَضَاءِ الْقَاضِي، وَحُكْمُهُ الْفَسْخُ.
أَمَّا إِذَا كَانَ الرُّجُوعُ بِالتَّرَاضِي فَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ غَيْرَ زُفَرَ إِلَى أَنَّ الرُّجُوعَ فَسْخٌ لِلْهِبَةِ، وَقَالَ زُفَرُ: إِنَّهُ هِبَةٌ مُبْتَدَأَةٌ .
وَحُجَّةُ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّ الْوَاهِبَ بِالْفَسْخِ يَسْتَوْفِي حَقَّ نَفْسِهِ، وَاسْتِيفَاءُ الْحَقِّ لاَ يَتَوَقَّفُ عَلَى قَضَاءِ الْقَاضِي، وَهَذَا بِخِلاَفِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ، فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقٍّ ثَالِثٍ؛ لأِنَّهُ لاَ حَقَّ لِلْمُشْتَرِي فِي الْفَسْخِ، وَإِنَّمَا حَقُّهُ صِفَةُ السَّلاَمَةِ، فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمِ الْمَبِيعَ اخْتَلَّ رِضَاهُ، فَيَثْبُتُ حَقُّ الْفَسْخِ ضَرُورَةً، فَتَوَقَّفَ لُزُومُ مُوجِبِ الْفَسْخِ فِي حَقٍّ ثَالِثٍ عَلَى قَضَاءِ الْقَاضِي.
وَحُجَّةُ زُفَرَ: أَنَّ مِلْكَ الشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ عَادَ إِلَى الْوَاهِبِ بِتَرَاضِيهِمَا فَأَشْبَهَ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ فَيُعْتَبَرُ عَقْدًا جَدِيدًا فِي حَقٍّ ثَالِثٍ، كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ هِبَةٌ مُبْتَدَأَةٌ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ: أَنَّ الْمُتَّهَبَ إِذَا رَدَّ الْهِبَةَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَإِنَّهَا تَكُونُ مِنَ الثُّلُثِ، وَهَذَا حُكْمُ الْهِبَةِ
الْمُبْتَدَأَةِ لاَ حُكْمُ الْفَسْخِ.
أَمَّا غَيْرُ الْحَنَفِيَّةِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَشْتَرِطُوا فِي الرُّجُوعِ قَضَاءَ الْقَاضِي وَلاَ التَّرَاضِيَ؛ لأِنَّ هُمْ حِينَ أَجَازُوا رُجُوعَ الأْبِ فِيمَا وَهَبَهُ لِوَلَدِهِ إِنَّمَا اعْتَمَدُوا نَصًّا مِنَ الشَّرْعِ، فَالرُّجُوعُ بَعْدَئِذٍ لاَ يَفْتَقِرُ إِلَى أَيِّ شَرْطٍ؛ لِخُلُوِّ النَّصِّ الَّذِي أَجَازَهُ عَنْ مِثْلِ هَذَا الشَّرْطِ .
فَإِذَا رَجَعَ الأْبُ فَإِنَّهُ خِيَارٌ فِي فَسْخِ عَقْدِ الْهِبَةِ كَالْفَسْخِ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ، وَلاَ يَكُونُ الرُّجُوعُ هِبَةً مُبْتَدَأَةً .
وَإِذَا كَانَتِ الْهِبَةُ بِعِوَضٍ فَإِنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْبَيْعِ وَتَأْخُذُ أَحْكَامَهُ فِي الْفَسْخِ وَالإْقَالَةِ.
وَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّ التَّفَاسُخَ فِي الْهِبَةِ وَالتَّقَايُلَ لَيْسَ رُجُوعًا، فَلاَ تَنْفَسِخُ الْهِبَةُ بِهِمَا .
الآْثَارُ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ:
46 - إِذَا حَصَلَ الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ تَرَتَّبَتْ عَلَيْهِ الآْثَارُ التَّالِيَةُ:
أ - يَعُودُ الشَّيْءُ الْمَوْهُوبُ إِلَى مِلْكِ الْوَاهِبِ.
ب - يَمْلِكُهُ الْوَاهِبُ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ؛ لأِنَّ الْقَبْضَ يُعْتَبَرُ فِي انْتِقَالِ الْمِلْكِ لاَ فِي عَوْدِ مِلْكٍ قَدِيمٍ. وَيَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبْضِ عِنْدَ مَنْ يَرَى أَنَّ الرُّجُوعَ هِبَةٌ مُبْتَدَأَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ.
ج - الشَّيْءُ الْمَوْهُوبُ بَعْدَ الرُّجُوعِ يَكُونُ أَمَانَةً بِيَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ، حَتَّى لَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ لاَ يَضْمَنُ؛ لأَنَّ قَبْضَ الْهِبَةِ قَبْضٌ غَيْرُ مَضْمُونٍ، فَإِذَا انْفَسَخَتِ الْهِبَةُ بَقِيَ قَبْضُ الْوَاهِبِ قَائِمًا وَعَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ أَنْ يُعِيدَ الْهِبَةَ، لاَ يَضْمَنُ إِلاَّ بِالتَّعَدِّي؛ لأِنَّهَا أَمَانَةٌ بِيَدِهِ.
47 - إِذَا وَهَبَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الشَّيْءَ الْمَوْهُوبَ لِلْوَاهِبِ فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ بِتَرَاضٍ لاَ قَضَاءِ قَاضٍ فَإِنَّهُ هِبَةٌ مُبْتَدَأَةٌ.
وَبِنَاءً عَلَيْهِ لَزِمَ مَا يَلِي:
- لاَ يَمْلِكُهُ الْوَاهِبُ حَتَّى يَقْبِضَهُ.
- إِذَا قَبَضَهُ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الرُّجُوعِ بِالتَّرَاضِي أَوِ التَّقَاضِي.
- لَيْسَ لِلْمُتَّهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ .