مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الرابع ، الصفحة : 290
مذكرة المشروع التمهيدي :
1 - من خصائص الهبة أنه يجوز الرجوع فيها ، وقد نقل المشروع أحكام الشريعة الإسلامية في ذلك ، فالأصل أنه يجوز الرجوع في الهبة بالتراضي، أو بالتقاضي العذر مقبول إلا إذا وجد المانع.
2 - ويتبين من ذلك أن الرجوع في الحبسة ليس تحكمية من جهة الواهب ، بل هو لا يستطيع الرجوع إلا إذا تراضي على ذلك مع الموهوب له (م 683 من المشروع
( ويقابلها م 515 و 527 فقرة أولى من قانون الأحوال الشخصية )، ويعتبر هذا التراضي إقالة من الهبة .
3 - فإذا لم يكن هناك تراض ، فلا يجوز للواهب الرجوع إلا لعذر يقبله القاضي ، ويمتنع الرجوع إذا لم يوجد العذر المقبول ، فالهبة إذن لا تزال محتفظة بصفتها الملزمة إلى حد كبير .
وقد نقل المشروع أمثلة للعذر المقبول عن الشرائع الأجنبية ، وذكر ثلاثة منها لا على سبيل الحصر، فمن الأعذار المقبولة : (ا) أن يصدر من الموهوب له ما يدل على جحود كبير نحو الواهب أو نحو أحد من أقاربه ، كان يرتكب جريمة لا عذر له فيها ضد أحد من هؤلاء ، و يترك تقدير ذلك للقاضي، (ب) أن يصبح الواهب عاجزاً عن أن يوفر لنفسه أسباب العيش بما يتفق مع مكانته الاجتماعية ، فليس من الضروري أن يقع الواهب في فقر مدقع ، بل يكفي أن ينزل عن المستوى اللائق لمكانته ، ومثل ذلك أيضاً أن يصبح الواهب عاجزاً عن النفقة على من تجب عليه شفقته قانوناً، (ج) أن يرزق الواهب بعد الهبة ولداً يظل حياً إلى وقت الرجوع، والمفروض في ذلك أن الواهب لم يكن لديه ولد وقت الهبة ثم رزق الولد بعدها ، أو كان له ولد ظنه ميتاً فوهب ، ثم ظهر الولد فرجع في الهبة ، أما إذا كان له ولد وقت الهية ثم رزق ولداً بعد ذلك فليس له الرجوع.
4- وإذا طلب الواهب الفسخ وقدم لذلك عذرا مقبولاً ، فإن القاضي بالرغم من ذلك لا يحكم بالفسخ إذا وجد مانع من موانع الرجوع في الهبة ، بخلاف الفسخ بالتراضي ، فلا يحول بالبداهة دونه مانع.
وموانع الرجوع معروفة في الشريعة الإسلامية ، نقلها المشروع كما هي ، ويمكن
حصرها فيما يأتي :
(1) إذا تغير الموهوب زيادة أو نقصاً ، فالتغيير بالزيادة أن تحصل الموهوب زيادة متصلة موجبة لزيادة قيمته كالبناء على الأرض الموهوبة ، فإذا زال المانع عاد حق الرجوع ، أما الزيادة غير المتصلة ، سواء تولدت من الشيء كالنتاج أو لم تولد كآلة ري وضعت في الأرض الموهوبة ، فلا تمنع من الرجوع ، وكذلك لا يمنع من الرجوع إرتفاع ثمن الموهوب ، ( انظر م 516 فقرة ثانية من قانون الأحوال الشخصية )، والتغيير بالنقص أن يهلك الموهوب أو يتلف في يد الموهوب له سواء كان ذلك بفعله أو بسبب أجنبي أو بسبب الإستعمال، فإذا لم يملك إلا بعض الشيء جاز الرجوع في الباقي، وللملاك التصرف في الموهوب كله أو بعضه ، فإن فسخ التصرف عاد حق الرجوع (م 518 فقرة ثانية من قانون الأحوال الشخصية ).
(ب) إذا كانت هناك علاقة عائلية بين الواهب والموهوب بأن كانت الهبة من الزوج لزوجته ، فلا يجوز الرجوع فيها حتى بعد انقضاء الزوجية ، أو كانت الهبة لذي رحم محرم .
(ج) إذا أسقط الواهب حقه في الرجوع بأن قبل عوضاً عن الموهوب له بعد الهبة و بقي العوض في يده، أما إذا استحق العوض كله أو بعضه عاد للواهب الحق في الرجوع إذا هو رد للموهوب له ما لم يستحق من العوض ، وإذا أعطى العوض عن بعض الموهوب جهاز الرجوع في الباقي ، ويشترط ألا يكون العوض هو بعض الموهوب لأن الهية تكون قد تمحضت تبرعاً في الباقي فيجوز الرجوع فيه، وقد يسقط الواهب حقه في الرجوع لا لفائدة مادية يتلقاها من الموهوب له بل الفائدة أدبية ، وذلك بأن تكون الهبة صدقة ، فلا يجوز الرجوع في الصدقة لأنها قرية الوجه الله ولو كانت لغتي (م 529 فقرة 2 من قانون الأحوال الشخصية )، ويلاحظ أن الواهب إذا تنازل عن حق الرجوع ، فإن تنازله لا يعتبر ، ويجوز له الرجوع بالرغم من هذا التنازل (م 515 من قانون الأحوال الشخصية ).
(د) إذا مات الواهب أو الموهوب له ، فإن حق الرجوع لا يكون لورثة هذا أو ذاك .
المشروع في لجنة المراجعة
تليت المادة 686 من المشروع، واقترح معالي السنهورى باشا تعديلات لفظية واقترح أحد حضرات الأعضاء تعديل الفقرة «د»، بما يجعل الحكم عاما يشمل الزوجين كما اقترح تعديل الفقرة «ز» ، بأن يكون تقديم العوض مانعا للرجوع في الهبة ، سواء أكان العوض معاصراً للهبة أم لا حقاً لها، عملاً بالرأي الراجح في الشريعة الإسلامية فوافقت اللجنة على ذلك ، وأصبح النص النهائى للمادة ما يأتي :
يرفض طلب الرجوع في الهبة إذا وجد مانع من الموانع الآتية :
(أ) إذا حصل للشيء الموهوب زيادة متصلة موجبة لزيادة قيمته ، فإذا زال المانع عاد حق الرجوع.
(ب) إذا مات أحد طرفي عقد الهبة .
(ج) إذا تصرف الموهوب له في الشيء الموهوب تصرفاً نهائياً ، فإذا اقتصر التعرف على بعض الموهوب جاز للواهب أن يرجع في الباقي .
(د) إذا كانت الهبة من أحد الزوجين للآخر حتى لو أراد الواهب الرجوع بعد إنقضاء الزوجية .
(هـ) إذا كانت الهبة لذي رحم محرم .
(و) إذا هلك الشيء الموهوب في يد الموهوب له ، سواء أكان الهلاك بفعله ، أم بحادث أجنبي لا يد له فيه أم بسبب الإستعمال، فإذا لم يهلك إلا بعض الشيء جاز الرجوع في الباقي .
(ز) إذا قدم الموهوب له عوضاً عن الهبة .
(ح) إذا كانت الهبة صدقة .
وأصبح رقمها 530 في المشروع النهائي .
المشروع في مجلس النواب
وافق المجلس على المادة دون تعديل تحت رقم 530
المشروع في مجلس الشيوخ
مناقشات لجنة القانون المدني :
محضر الجلسة التاسعة والعشرين
تليت المادة ووافقت عليها اللجنة مع إضافة عبارة « أو عملاً من أعمال البر إلى الفقرة (ح)، حتى ترتفع شبهة أن الصدقة في هذه لا تشمل أعمال البر لأنها في الواقع تشملها ».
تقرير اللجنة :
أضيفت إلى الفقرة (ح)، عبارة « أو عملاً من أعمال البر »، لمنع رجوع الواهب في هبته إذا كانت الهبة قد قصد بها أن تخصص لعمل من هذه الأعمال.
وأصبح رقمها 502
مناقشات المجلس :
وافق المجلس على المادة كما عدلتها اللجنة .
(ملحوظة من مركز الراية للدراسات القانونية: حكمت المحكمة الدستورية العليا فى الدعوى رقم 97 لسنة 30 ق دستورية بجلسة 2021/10/9 بعدم دستورية الفقرة (هــ) من المادة 502 من القانون المدني في مجال سريانها على هبة أي من الوالدين لولده).
1- يشترط للرجوع فى الهبة على ما نصت عليه المادة 500 من القانون المدني فى حالة عدم قبول الموهوب له أن يستند الواهب فى الرجوع إلى عذر يقبله القاضى و ألا يوجد مانع من موانع الرجوع ، فإذا كانت محكمة الموضوع قد أعملت هذه المادة وانتهت إلى عدم أحقية الطاعن فى استرداد مبلغ الشبكة لما رأته فى حدود سلطتها التقديرية و للأسباب السائغة التى أوردتها من انتفاء العذر المقبول الذى يبرر رجوع الطاعن فى هبته فإن الحكم المطعون فيه لا يكون قد خالف القانون .
(الطعن رقم 302 لسنة 28 جلسة 1963/10/24 س 14 ع 3 ص 967 ق 135)
2- لما كان يجوز للواهب طبقاً لنص المادة 500 من القانون المدنى الرجوع فى الهبة إذا تراضى على ذلك مع الموهوب له أوإستند إلى عذر يقبله القاضى إلاإذا وجد مانع من الرجوع فى الهبة وكانت المادة 502 من القانون المدنى قد عددت موانع الرجوع فى الهبة ومن بينها ما نصت عليه الفقرة " ه " من أنه " إذا كانت الهبة لذى رحم محرم " ولما كان نص هذه الفقرة قد جاء عاماً بغير تخصيص مطلقاً بغير قيد فيسرى على جميع الهبات التى تربط الواهب فيها بالموهوب له قرابة الرحم والمحرمين إذ هى هبات لازمة لتحقق غرض الواهب منها وهو صلة الرحم بصدور الهبة ذاتها فلا يجوز للواهب الرجوع فيها بغير التراضى مع الموهوب له ولما كان المقرر شرعاً أن بنات الإبن يعتبرون رحماً محرماً فإنه لا يجوز للطاعن الرجوع فى الهبة الصادرة منه للمطعون ضدهن الخمس الأول مما يعتبر معه العقد المشهر فى 1965/9/4 برقم 26667 توثيق الإسكندرية بيعاً صحيحاً ناقلاً لملكية العقار الكائنة به شقة النزاع للمطعون ضدهن الخمس الأول .
(الطعن رقم 544 لسنة 49 جلسة 1984/12/27 س 35 ع 2 ص 2241 ق 425)
3- لما كان التكييف الصحيح لتداخل طرف ثالث فى عقد بيع العقاروقيامه بدفع كامل الثمن من ماله إلى البائع على سبيل التبرع مقابل أن تنتقل الملكية من الأخير إلى المشترى مباشرة أن هذا التصرف فى حقيقة هبة غير مباشرة وأن المال الموهوب ليس هو الثمن بل هو العقار المبيع ذاته وكان الثابت من عقد البيع موضوع الدعوى أن مورثة الطاعنين كانت طرفاً فيه وقد تضمن هذا العقد إنها هى التى دفعت إلى البائعين كامل الثمن من مالها تبرعاً منها للمشترين مما مفاده أن المورثة هى المشترية الحقيقية للأطيان المبيعة وقد قصدت بتصرفها أن تختصر الطريق والإجراءات فلا تشترى بعقد ثم تهب بآخر بل يتم الأمران بعقد واحد وكان التكييف الصحيح لهذا التصرف إنه هبه غير مباشرة منها لولدها وزوجته وأولادهما وان المال الموهوب فى الحقيقة ليس هو الثمن كما هو وارد بالعقد بل هو الأطيان المبيعة ذاتها لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر وجرى فى قضائه على أن المورثه لم تكن طرفاً فى العقد وإستخلص من عبارات العقد أن المال الموهوب هو الثمن وليس الأطيان المبيعة وأن هذا الثمن قد هلك بدفعه من المشترين إلى البائعين ورتب الحكم على هذا الإستخلاص الفاسد عدم جواز الرجوع فى الهبة تطبيقاً لنص الفقرة السادسة من المادة 502 من القانون المدنى و تحجب بذلك عن مواجهة ما أثارته الواهبة من جحود المطعون ضدها الأولى فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ فى تطبيقه وشابه قصور فى التسبيب .
(الطعن رقم 2342 لسنة 55 جلسة 1988/10/25 س 39 ع 2 ص 1130 ق 188)
4- إن الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه على أنه لا يجوز للطاعن الرجوع فى الهبة لقيام مانع من موانع الرجوع المنصوص عليها فى المادة 502 / ه من القانون المدنى ولو قام لدية عذر مقبول، وهى دعامة كافية لحمل قضائه، ولا يؤثر فى الحكم ما تزيد فيه من ان الإقرار الصادر من المطعون ضدهم الثالثة الأول يفيد أن الهبة اقتصرت على الثمن وإنه اتفاق مستقل بشأن استغلال العقار، ومن ثم فإن النعى على الحكم بالتناقض يكون غير منتج ولا جدوى فيه.
(الطعن رقم 1296 لسنة 57 جلسة 1995/12/26 س 46 ع 2 ص 1465 ق 287)
5- لما كان الثابت أن الطاعن أجاب على الدعوى التى أقامها والده بطلب الحكم بالرجوع فى الهبة - بالدفع بهلاك المال الموهوب بما يمتنع معه الرجوع فى الهبة فإنه بذلك يصير مدعيا مطالبا بأن يقيم الدليل على ما يدعيه .
(الطعن رقم 49 لسنة 43 جلسة 1979/03/13 س 30 ع 1 ص 778 ق 142)
6 ـ حكم المحكمة الدستورية العليا .
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت التاسع مــــن أكتوبر سنة 2021م، الموافق الثانى من ربيع الأول سنة 1443 هـ.
برئاسة السيد المستشار / سعيد مرعى عمرو رئيس المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: محمد خيرى طه النجار ورجب عبد الحكيم سليم ومحمود محمد غنيم والدكتور عبد العزيز محمد سالمان وطارق عبد العليم أبو العطا وعلاء الدين أحمد السيد نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عماد طارق البشرى رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد / محمـد ناجى عبد السميع أمين السر
أصدرت الحكم الآتى
فى الدعوى المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 97 لسنة 30 قضائية "دستورية".
المقامة من
عبد الجليل محمد أحمد عبد العليم
ضــــد
1- رئيس الجمهورية 2- رئيس مجلس الوزراء
3- وزير العدل 4- رئيس مجلس الشعب (النواب حاليًا)
5- الممثل القانونى للهيئة القومية للبريد
6- داليا عبد الجليل محمد أحمد عبد العليم
7- دعاء عبد الجليل محمد أحمد عبد العليم
الإجـــراءات
بتاريخ الثالث عشر من مارس سنة 2008، أودع المدعى صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة الدستورية العليا، طالبًا الحكم بعدم دستورية نص البند "هــ" من المادة (502) من القانون المدنى، فيما تضمنه من اعتبار الهبة لذى رحم محرم مانعًا من الرجوع فى الهبة.
وقدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم، أصليًا: بعدم قبول الدعوى، واحتياطيًا: برفضها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرًا برأيها.
ونُظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.
المحكمــــة
بعد الاطلاع على الأوراق ، والمداولة.
حيث إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - فى أن المدعى كان قد أقام الدعوى 1360 لسنة 2006 مدنى كلى، أمام محكمة بورسعيد الابتدائية، ضد المدعى عليهم الخامس والسادسة والسابعة فى الدعوى المعروضة، طالبًا الحكم باعتبار الهبة كأن لم تكن، مع كل ما يترتب على ذلك من آثار قانونية بما فيها إلغاء التوكيل العام رقم 370/هــ لسنة 2005 توثيق بورسعيد. وقال بيانًــــا لدعواه، إنه وهب لنجلتيه المدعى عليهما السادسة والسابعة نصيبه فى تركة زوجته – والدتهما - سعاد أحمد حسن عطية، ويشمل حصة فى شقتين بالعقار المبين بصحيفة الدعوى، ومبلغًـــــا ماليًا بدفتر توفير لدى الهيئة القومية للبريد، وشقة يمتلكها بالعقار ذاته، وحرر لهما توكيلاً بالتصرف فى تلك الأموال، إلا أنهما قد أغضبهما زواجه من أخرى، أنجبت له ولدين، فقدمتا ضده عدة بلاغات كيدية، كما أقامتا دعوى قضى فيها بإلزامه بأن يؤدى لهما نفقة شهرية، فضلاً عن أنه ملتزم بالإنفاق على زوجته وولديه، وكذا نفقة ومصروفات علاج شقيقه، مما أرهق كاهله، بعد أن زادت التزاماته المالية، الأمر الذى يوفر له العديد من الأعذار للرجوع فى هبته، فأقام دعواه بالطلبات السالفة البيان. وأثناء نظر الدعوى بجلسة 29/1/2008، دفع بعدم دستورية نص البند "هـــ" من المادة (502) من القانون المدنى، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية الدفع وصرحت له بإقامة الدعوى الدستورية، فأقام الدعوى المعروضة.
وحيث إن المادة (502) من القانون المدنى الصادر بالقانون رقم 131 لسنة 1948 تنص على أنه "يرفض طلب الرجوع فى الهبة، إذا وجد مانع من الموانع الآتية:
(أ) ............ (ب)........... (ج) ............ (د) ...........
(هـ) إذا كانت الهبة لذى رحم محرم ..................".
وحيث إن من المقــــــرر فى قضاء هذه المحكمة أن مناط المصلحة الشخصية المباشرة فى الدعوى الدستورية – وهى شرط قبولها – أن يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة فى الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الفصل فى المسألة الدستورية لازمًا للفصل فى الطلبات المرتبطة بها المطروحة على محكمة الموضوع. متى كان ذلك، وكان المدعى يبتغى من دعواه الموضوعية الترخيص له بالرجوع عن هبته لابنتيه، لقيام موجبات ذلك فى حقه. وكان نص البند "هــ" من المادة (502) من القانون المدنى يحول دون تحقيق مبتغاه، الأمر الذى يوفر له مصلحة شخصية مباشرة فى الطعن على هذا البند فى مجال سريانه على هبـــــــــــة أى من الوالدين لولده، وبها يتحـــــدد نطـــــاق هذه الدعـــــوى، دون سائر ما انطوى عليه نص هذا البند من أحكام لطبقات أخرى من ذوى رحم محرم.
وحيث إن المدعى ينعى على النص المطعون فيه مخالفة أحكام المادتين (2، 40) من دستور سنة 1971، المقابلة لأحكام المادتين (2، 53) من دستور سنة 2014، لمخالفته مبادئ الشريعة الإسلامية، التى حضت على البر بالوالدين وعدم عقوقهما، وأكدت معظم مذاهبها على أحقية الوالد فى الرجوع عن هبته لولده، دون أية أعذار، فضلاً عن انطواء النص على تمييز غير مبرر، بأن منع الواهب لولده من الرجــــوع فــــى الهبة، حــــال أن غيره مــــن الواهبين يجــــوز لهم الرجــــوع فى الهبة إذا توافر عذر يبيح لهم ذلك.
وحيث إن الرقابة الدستورية على القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التى تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة إنما تستهدف أصلاً – على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة – صون الدستور القائم وحمايته من الخروج على أحكامه، لكون نصوصه تمثل دائمًـــــا القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التى يتعين التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات باعتبارها أسمى القواعد الآمرة. متى كان ذلك، وكانت المناعى التى وجهها المدعى للنص المطعون عليه – فى النطاق السالف تحديده – تندرج تحت المناعى الموضوعية، التى تقوم فى مبناها على مخالفة نص تشريعى معين لقاعدة فى الدستور من حيث محتواها الموضوعى. ومن ثم، فإن المحكمة تباشر رقابتها على النص المطعون عليه – الذى مازال ساريًا ومعمولاً بأحكامه – من خلال أحكام دستور سنة 2014، باعتباره الوثيقة الدستورية السارية.
وحيث إن القانون المدنى الصادر بالقانون رقم 131 لسنة 1948، قد خصص الكتاب الثانى منه للعقود المسماة، وأورد فى الباب الأول منه العقود التى تقع على الملكية، وأفرد الفصل الثالث منه لعقد الهبة، فى المواد من (486) حتى (504)، مبينـــًا فيها أركان الهبة، وآثارها، والرجوع فيها، وموانع الرجوع، معرفـــًا فى المادة (486) الهبة بأنها عقد يبرم بين الأحياء، بموجبه يتصرف الواهب فى ماله دون عوض، مع جواز أن يفرض الواهب على الموهوب له القيام بالتزام معين. ووفقـــًا للمادة (487)، لا تتم الهبة إلا إذا قبلها الموهوب له أو نائبه. ومن خصائص الهبة – على ما أوردت الأعمال التحضيرية للنص المطعـــــون فيه والتنظيم التشريعـــــى للهبة – أنه يجـــــوز الرجوع فيها رضـــــاءً أو قضاءً إذا وجد عذر ولم يوجد مانع، وقد نظمها المشرع مراعيًا هذا الأصل، فأكد فى المادة (500) من القانـــــون المدنـــــى على أنه "يجـــــوز للواهب أن يرجـــــع الهبـــــة إذا قبل الموهوب له ذلك، فإذا لم يقبل، جاز للواهب أن يطلب من القضاء الترخيص له فى الرجوع، متى كان يستند فى ذلك إلى عذر مقبول، ولم يوجد مانع من الرجوع. وتأكيدًا على جواز الرجوع فى الهبة، وضع المشرع فى المادة (501) من القانون ذاته أمثلة لهذه الأعذار، تيسيرًا على القاضى، كما حدد فى المادة (502) من ذلك القانون، حصرًا لموانع الرجوع فى الهبة، ومن بينها حالة الهبة لذى رحم محرم، ومن ذلك هبة أى من الوالدين لولده. ومؤدى العبارة الواردة بصدر نص تلك المادة من أن " يرفض طلب الرجوع فى الهبة "، نهي القضاة عن التعرض لموضوع الرجوع، أيـــًا كانت الأعذار التى بنى عليها، إذا توافر أحد موانع الرجوع الواردة فى تلك المادة، عملاً بقاعدة جواز تقييد القاضى بالزمان والمكان والأحداث والأشخاص. وشرط صحة تلك القاعدة أن يكون النهى مؤسسًـــا على أسباب موضوعية، ترتبط بالغاية المتوخاة منه.
وحيث إنه عن نعى المدعى مخالفة النص المطعون عليه – فى النطاق السالف تحديده - لمبادئ الشريعة الإسلامية، ونص المادة الثانية من الدستور، فمن المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن إلزام المشرع باتخاذ مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع، طبقًا لنص المادة الثانية من الدستور الصادر سنة 1971، بعد تعديلها بتاريخ 22/5/1980 – وتقابلها المادة الثانية من الدستور الحالى الصادر سنة 2014 – لا ينصرف سوى إلى التشريعات التى تصــــدر بعد التاريخ الذى فُـرض فيه هذا الإلزام، بحيث إذا انطــــــــوى أى منها على ما يتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية يكون قد وقع فى حومة المخالفة الدستورية، أما التشريعات السابقة على ذلك التاريخ، فلا يتأتى إعمال حكم الإلزام المشار إليه بالنسبة لها، لصدورها فعلاً من قبله، فى وقت لم يكن القيد المتضمن هذا الإلزام قائمًا، واجب الإعمال، ومن ثم فإن هذه التشريعات تكون بمنأى عن إعمال هذا القيد، وهو مناط الرقابة الدستورية، وهو القيد الذى يبقى قائمًا وحاكمًا لتلك التشريعات، بعد أن ردد الدستور الحالى الصادر سنة 2014، الأحكام ذاتها فى المادة الثانية منه.
وحيث كان ما تقدم، وكان نص البند (هـ) من المادة (502) من القانون المدنى الصادر بالقانون رقم 131 لسنة 1948 لم يلحقه أى تعديل بعد تاريخ 22/5/1980، مما كان لزامه عدم خضوعه لقيد الالتزام بمبادئ الشريعة الإسلامية، والمادة الثانية من الدستور، إلا أنه بالرغم من ذلك، وعلى ما ورد بالأعمال التحضيرية للقانون المدنى، فقد استقى المشرع الأحكام الموضوعية للهبة من أحكام الشريعة الإسلامية. وفى شأن مدى جواز الرجوع فى الهبة، أخذ بمذهب الفقه الحنفى، الذى أجاز الرجوع فى الهبة إذا توافر العذر المبرر، وانعدم المانع، ويشمل عدم جواز الرجوع فى الهبة لذى رحم محرم، ومن ذلك هبة الوالد لولده، على سند من أن الغاية من الهبة فى هذه الحالة صلة الأرحام، وقد تحققت بصدور الهبة. وإذ كان الرأى الذى تبناه المشرع فى هذا الشأن لا يخرج عن كونه اجتهادًا فى الفقة الحنفى، فقد ذهب مالك والشافعى وابن حنبل وعلماء المدينة إلى جواز رجوع الوالد فى هبته لولده، وهو ما يعرف باعتصار الهبة، أى أخذ المال الموهوب قسرًا عن الابن، مستدلين فى ذلك بحديث طاووس من أن النبى صلى الله عليه وسلم، قال " لا يحل لواهب أن يرجع فى هبته إلا الوالد فيما يهب لولده"، وفى رواية أخرى " لا يحل للرجل أن يعطى عطية أو يهب هبة ويرجع فيها إلا الوالد فيما يهب لولده"، وفى رواية ثالثة " لا يرجع الواهب فى هبته إلا الوالد فيما يهب لولده". وقد دل الفقهاء باختلافهم هذا على عدم وجود نص قطعى الثبوت أو الدلالة، أو بهما معًــا فى مبادئ الشريعة الإسلامية، يحكم هذه المسألة، ومن ثم تعتبر من المسائل الظنية التى يرد عليها الاجتهاد، وتلك المسائل بطبيعتها متطورة، تتغير بتغير الزمان والمكان، وإذا كان الاجتهاد فيها وربطها منطقيًّــا بمصالح الناس حقًــا لأهل الاجتهاد، فأولى أن يكون هذا الحق لولى الأمر، ينظر فى كل مسألة بخصوصها بما يناسبها، وبمراعاة أن يكون الاجتهاد دومًــا واقعًــا فى إطار الأصول الكلية للشريعة لا يجاوزها، ملتزمًــا ضوابطها الثابتة، متحريًــا مناهج الاستدلال على الأحكام العملية والقواعد الضابطة لفروعها، كافلاً صون المقاصد الكلية للشريعة، بما تقوم عليه من حفاظ على الدين والنفس والعقل والعرض والمال، مستلزمًــا فى ذلك كله حقيقة أن المصالح المعتبرة هى تلك التى تكون مناسبة لمقاصد الشريعة ومتلاقية معها، ومن ثم كان حقًــا لولى الأمر عند الخيار بين أمرين مراعاة أيسرهما، ما لم يكن إثمًــا، وكان واجبًــا عليه كذلك ألا يشرع حكمًــا يضيق على الناس أو يرهقهم فى أمرهم عسرًا، وإلا كان مصادمًــا لقوله تعالى " مَا يُرِيدُ اللًّه ليَجعَلَ عَلَيكُم فى الدين من حَرَجِ ".
وحيث إن نص البند (هـ) من المادة (502) من القانون المدنى، منع الرجوع فى الهبة لذى رحم محرم، وقد ورد هذا النص بصيغة عامة ومطلقة، ليشمل هبة أى من الوالدين لولده. واستقى المشرع هذا المانع من المذهب الحنفى، منتهجًــا بذلك نهجًــا مخالفًــا لاجتهاد باقى المذاهب الإسلامية، معللاً ذلك المانع بتحقق غاية الواهب من الهبة، ممثلة فى صلة الرحم. وقد صدَّر المشرع نص تلك المادة بعبارة " يرفض طلب الرجوع فى الهبة إذا وجد مانع من الموانع الآتية ....."، مما مؤداه نهى القضاء عن بحث الأعذار التى قد تحل بالوالد الواهب وتستدعى رجوعه فى الهبة، وإن كانت تلك الأعذار من بين الأمثلة التى ورد النص عليها فى المادة (501) من ذلك القانون، ومن ذلك: " أن يخل الموهوب له بما يجب عليه نحو الواهب، أو نحو أحد أقاربه، بحيث يكون هذا الإخلال جحودًا كبيرًا من جانبه، أو أن يصبح الواهب عاجزًا عن أن يوفر لنفسه أسباب المعيشة بما يتفق مع مكانته الاجتماعية، أو يصبح غير قادر على الوفاء بما يفرضه عليه القانون من نفقة على الغير ". ومؤدى ذلك أن النص المطعون فيه، وإن وقع فى دائرة الاجتهاد المباح شرعًــا لولى الأمر، إلا أنه – فى حدود نطاقه المطروح فى الدعوى المعروضة – يجعل الوالد الواهب فى حرج شديد، ويرهقه من أمره عسرًا، ويعرضه لمذلة الحاجة بعد أن بلغ من العمر عتيّا، إذا ما ألمت به ظروف أحوجته لاسترداد المال الموهوب، وامتنع الابن عن إقالته من الهبة، إضرارًا به، مستغلاً فى ذلك المانع الوارد بالنص المطعون فيه، الذى يحول بين الوالد والحصول على ترخيص من القضاء بالرجوع فى الهبة، ضاربًــا عرض الحائط بالواجب الشرعى لبر الوالدين، والإحسان إليهما، وصلتهما، وطاعتهما فى غير معصية، والامتناع عن كل ما يفضى إلى قطيعتهما. فضلاً عن أن ما توخاه المشرع من ذلك المانع، بالحفاظ على صلة الأرحام، ينافيه مواجهة حالة حجود الأبناء، وعقوقهم لوالديهم. ومن ثم يكون منع القضاء من الترخيص للوالد بالرجوع فى هبته لولده، ولو كان هناك عذر يبيح له ذلك، مصادمًــا لضوابط الاجتهاد والمقاصد الكلية للشريعة الإسلامية، ومخالفًا بذلك نص المادة (2) من الدستور.
وحيث إن المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن القيم الدينية والخلقية لا تعمل بعيدًا أو انعزالاً عن التقاليد التى تؤمن بها الجماعة، بل تعززها وتزكيها بما يصون حدودها ويرعى مقوماتها، ومن أجل ذلك جعل الدستور فى المادة (10) منه، قوام الأسرة الدين والأخلاق والوطنية، كما جعل الأخلاق والقيم والتقاليد، والحفاظ عليها والتمكين لها، التزامًــا على عاتق الدولة بسلطاتها المختلفة، والمجتمع ككل، وغدا ذلك قيدًا على السلطة التشريعية، فلا يجوز لها أن تسن تشريعًــا يخل بها، ذلك أنه، وفقًــا لنص المادة (92) من الدستور، وإن كان الأصل فى سلطة المشرع فى موضوع تنظيم الحقوق والحريات أنها سلطة تقديرية، إلا أن المشرع يلتزم فيما يسنه من قوانين باحترام الأُطر الدستورية لممارسته اختصاصاته، وأن يراعى كذلك أن كل تنظيم للحقوق، لا يجوز أن يصل فى منتهاه إلى إهدار هذه الحقوق أو الانتقاص منها، ولا أن يرهق محتواها بقيود لا تكفل فاعليتها. الأمر الذى يضحى معه النص المطعون عليه، فيما تضمنه من رفض طلب رجوع الوالد فى هبته لولده، إذا وجد مانع، مخالفًــا أيضًا – نصى المادتين (10، 92) من الدستور.
وحيث إنه عن النعى بإخلال النص المطعون عليه – فى النطاق السالف تحديده – بحق الواهب لولده، دون غيره مــــن الواهبين لغير ذى رحم محرم، فى الحصول على ترخيص من القضاء بالرجوع فى الهبة عند توافر العذر، فإن ما نص عليه الدستور فــــى المادة (97) من أن " التقاضى حق مصون ومكفــــول للكافــــة "، قد دل على أن هذا الحق فى أصل شرعته، من الحقوق العامة المقررة للناس جميعًا لا يتمايزون فيما بينهم فى مجال النفاذ إليه، وإنما تتكافأ مراكزهم القانونية فى سعيهم لرد الإخلال بالحقوق التى يدعونها ولتأمين مصالحهم التى ترتبط بها، مما مؤداه أن قصر مباشرة حق التقاضى على فئة من بينهم أو الحرمــــان منه فى أحــــوال بذاتها، أو إرهاقــــه بعوائــــق منافية لطبيعته، إنما يُعــــد عملاً مخالفًا للدستور الذى لم يجــــز إلا تنظيم هذا الحق، وجعل الكافة ســــــواء فى الارتكان إليه، ومن ثم، فإن غلق أبوابــــــــه دون أحدهم أو فريق منهم، إنما ينحل إلى إهداره، ويكرس بقاء العدوان على الحقوق التى يطلبونها، وعدم حصولهم على الترضية القضائية باعتبارها الغاية النهائية التى يناضل المتقاضون من أجل الحصول عليها لجبر الأضرار التى أصابتهم من جراء العدوان على تلك الحقوق.
وحيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون، المنصوص عليه فى المادة (53) من الدستور الحالى، ورددته الدساتير المصرية المتعاقبة جميعها، بحسبانه ركيزة أساسية للحقوق والحريات على اختلافها وأساسًا للعدل والسلام الاجتماعى، غايته صون الحقوق والحريات فى مواجهة صور التمييز التى تنال منها أو تقيد ممارستها، باعتباره وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التى لا تمييز فيها بين المراكز القانونية المتماثلة، وقيدًا على السلطة التقديرية التى يملكها المشرع فى مجال تنظيم الحقوق، التى لا يجوز بحال أن تؤول إلى التمييز بين المراكز القانونية التى تتحد وفق شروط موضوعية يتكافأ المواطنون خلالها أمام القانون، فإن خرج المشرع على ذلك سقط فى حمأة المخالفة الدستورية.
وحيث إن الأصـــــل فى كل تنظيم تشريعى أن يكـــــون منطويًا علــــى تقسيم، أو تصنيف، أو تمييز من خلال الأعباء التى يلقيها على البعض، أو عن طريق المزايا، أو الحقوق التى يكفلها لفئة دون غيرها، إلا أن اتفاق هذا التنظيم مع أحكام الدستور، يفترض ألا تنفصل النصوص القانونية التى نظم بها المشرع موضوعًا محددًا، عن أهدافها، ليكون اتصال الأغراض التى توخاها، بالوسائل المؤدية إليها، منطقيًـــا، وليس واهيًـــا أو واهنًــا، بما يخل بالأسس الموضوعية التى يقوم عليها التمييز المبرر دستوريًا. ومرد ذلك، أن المشرع لا ينظم موضوعًا معينًا تنظيمًا مجردًا أو نظريًا، بل يتغيا بلوغ أغراض بعينها، تعكس مشروعيتها إطارًا لمصلحة عامة لها اعتبارها، يقوم عليها هذا التنظيم، متخذًا من القواعد القانونية التى أقرها، مدخلاً لها، فإذا انقطع اتصال هذه القواعد بأهدافها، كان التمييز بين المواطنين فى مجال تطبيقها، تحكميًا، ومنهيًا عنه بنص المادة ( 53) من الدستور.
وحيث كان ما تقدم، وكان الواهبون لأموالهم، على اختلاف حالاتهم، وأغراضهم منها، فى مركز قانونى متكافئ، وقد أجاز المشــــرع – على ما سلف بيانه – للواهب الرجوع فى الهبة إذا ألمت به ظروف وأعذار تستدعى هذا الرجوع، وامتنع الموهوب له عن إقالته من الهبة، وناط المشرع بالقاضى سلطة تقديرية فى شأن بحث جدية الأعذار التى يبديها الواهب فى هذا الشأن، ويقضى على ضوء ذلك، إلا أن المشرع خرج عن هذا الأصل، وأورد حالات لمنع الرجوع فى الهبة، ضمنها نص المادة (502) من القانون المدنى، من بينها هبة الوالد لولده، مانعًــا القضاء من بحث الأعذار التى يسوقها الوالد فى هذا الشأن، الأمر الذى يحول بينه والحصول على الترضية القضائية، لمجرد توافر هذه القرابة بينه والموهوب له. فضلاً عن أن الغاية التى توخاها المشرع من ذلك المنع، وهى الحفاظ على صلة الرحم، لم يراع فيها مواجهة عقوق الابن الموهوب له، إذ امتنع طواعية عن إقالة والده من الهبة فى هذه الحالة، بما يزكى هذا العقوق، حال أن المشرع أجاز فى المادة (501) من القانون المدنى الترخيص للواهب بالرجوع فى الهبة إذا أخل الموهوب له بما يجب عليه نحو الواهب، أو أحد أقاربه، بحيث يكون هذا الإخلال جحودًا كبيرًا من جانبه. ومؤدى ذلك أن المانع الوارد بالنص المطعون فيه، فضلاً عن عدم ارتباط الوسيلة التى أوردها فى ذلك النص، بالغاية المتوخاة منها، فإنه يخل بمبدأ المساواة بين الواهبين المتماثلة مراكزهم فى الحصول على الترضية القضائية، وذلك لغير سبب موضوعى، بالمخالفة لنصى المادتين (53، 97) من الدستور.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة بعدم دستورية نص البند (هــ) من المادة (502) من القانون المدنى الصادر بالقانون رقم 131 لسنة 1948، فى مجال سريانها على هبة أى من الوالدين لولده، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائتى جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
(الدعوى رقم 97 لسنة 30 ق - دستورية 9 / 10 / 2021 )
(ملحوظة من مركز الراية للدراسات القانونية : حكمت المحكمة الدستورية العليا بجلسة 9/ 10 / 2021 بعدم دستورية الفقرة (هـ) من المادة 502 من القانون المدني في مجال سريانها على هبة أي من الوالدين لولده).
ويمكن تقسيم موانع الرجوع الثمانية التي عددتها المادة 502 مدني إلى قسمين رئيسيين .
( أ ) موانع قائمة منذ صدور الهبة ، وترجع إلى أن الغرض من الهبة قد تحقق نظراً إلى طبيعة الهبة ذاتها، وهذا الغرض إما أن يكون عوضاً دنيوياً ، أو ثواباً أخروياً، أو براً بين الزوجين ، أو صلة الأرحام، فإذا قدم الموهوب له عوضاً عن الهبة، أو كانت الهبة صدقة أو عملاً من أعمال البر ، أو كانت من أحد الزوجين للآخر، أو كانت لذوى رحم محرم ، فقد تحقق غرض الواهب ، ويتكشف ذلك في وضوح من طبيعة الهبة ذاتها، ويترتب على ذلك أن الهبة في هذه الأحوال الأربعة تكون هبة لازمة منذ صدورها، ولا يجوز للواهب الرجوع فيها ولو لعذر، ما لم يكن الرجوع بالتراضي بينه وبين الموهوب له .
( ب ) موانع تطرأ بعد صدور الهبة، فتحول دون الرجوع لقيام حق أقوى، وهذه الموانع إما أن ترجع إلى أحد المتعاقدين، وإما أن ترجع إلى الشيء الموهوب، فالذي يرجع إلى أحد المتعاقدين هو أن يموت الواهب فلا ينتقل حق الرجوع إلى ورثته ، أو يموت الموهوب له فيكون حق ورثته أقوى من حق الواهب في الرجوع والموانع التي ترجع إلى الشيء الموهوب هو أن يزيد زيادة متصلة أو يهلك أو يتصرف الموهوب له فيه ، فيقوى حق الموهوب له ويرجح على حق الواهب في الرجوع . (الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ الخامس الصفحة/ 227)
حالات الهبة اللازمة التي تمنح الرجوع في الهبة هي :
أ - إذا زاد الشيء الموهوب زيادة متصلة موجبة لزيادة قيمته كالزرع والكبر والبناء ما أصبحت الهبة لازمة لا رجوع فيها، فإذا زالت الزيادة كأن حصد الزرع أو أزيل البناء عادت الهبة إلى هبة غير لازمة للواهب الرجوع فيها، فان كانت الزيادة منفصلة كنتاج الماشية وريع العقار فإنها لا تمنع الواهب من حق الرجوع غير أنه إذا كان ولد الدابة الموهوبة لا يستغني عنها وجب ترکها لدى الموهوب له حتى يستغني عنها ولدها، ولا يمنع من الرجوع إرتفاع ثمن الموهوب.
ب - إذا مات الواهب امتنع على ورثته الرجوع في الهبة إذ أن حق الرجوع حق متصل بشخص الواهب، كذلك إذا مات الموهوب له وانتقل الشئ الموهوب إلى ورثته لم يجز للواهب الرجوع في الهبة و انتزاع الشيء الموهوب من ورثة الموهوب له ذلك أن حق الورثة على الموهوب قد ثبت بالميراث فإذا تعارض حقهم مع حق الواهب في الرجوع كان حقهم أقوى وحال دون الرجوع.
ج - إذا تصرف الموهوب له في الموهوب تصرفاً نهائياً كالبيع أو الهبة أصبحت الهبة لازمة وامتنع على الواهب الرجوع فيها، وفي هذا الحكم حماية للغير الذي انتقل الملك إليه من الموهوب له فيأمن أن يرجع الواهب عليه ويسترد العين منه إذا جاز له الرجوع في هبته، أما إذا كان التصرف غير نهائي وفسخ فإن الموهوب يرجع إلى ملك الموهوب له فيعود للواهب حق الرجوع، أما إذا كان التصرف في بعض الموهوب يبقى حق الرجوع في الباقي، ومتى امتنع على الراهب الرجوع في الهبة امتنع عليه أيضاً المطالبة بتسوية يقوم مقام الموهوب ولو توفر العذر المقبول.
د - الهبة بين الزوجين هبة لازمة منذ صدورها فلا يجوز الرجوع فيها بغير رضاء الموهوب له ولو بعد إنتهاء الزوجية بالطلاق أو الموت، ويشترط أن تصدر حال قیام الزوجية قبل الدخول أو بعده وأن كان للزوجة أن تطعن في الهبة الصادرة منها لزوجها بالإكراه الأدبي أو الشركة والنفوذ من جانب زوجها ولها إثبات ذلك بجميع الطرق فإن أثبتته أبطلت الهبة للإكراه، ومن القرائن على الإكراه مركز الزوجة من زوجها وقيمة الشيء الموهوب والظروف التي صدرت فيها الهبة وفي المذهب الحنفي يجوز للزوجة الرجوع في الهبة إذا ادعت أن زوجها استكرهها عليها، وليس للزوج الرجوع لانتفاء مظنة الإكراه .
هـ - الهبة للمحارم هبة لازمة فلا يجوز للواهب الرجوع فيها بغير التراضي مع الموهوب له ولابد من اجتماع الوصفين للمنع من الرجوع الرحم والمحرمية فإذا وجد إحداهما دون الآخر لم يمتنع الرجوع، وفيما يتعلق بهبة الوالد لأبنه فإنه لا يجوز الرجوع فيها، ويرى السنهوري أن للوالد أن يرجع في هبته حتى بعد القبض ودون حاجة الى تراضي أو تقاض وحتى لو كان قد نزل عن حقه في الرجوع.
و - إذا هلك الموهوب بسبب أجنبي أو بفعل الموهوب له أو باستعماله امتنع على الواهب الرجوع في هبته ذلك لأن الموهوب له لا يضمن الهلاك أو الإستهلاك لأن الهالك أو المستهلك ملكه، فإذا لم يهلك إلا بعض الموهوب جاز للواهب الرجوع في الباقي، ويلتحق بهلاك الموهوب تغيره من حالة الأخرى بأن كان قطعة من ذهب فصيغت حلياً أو قماشاً فصنعه ثوباً ذلك لأن الموهوب قد زال بتغير صورته فأصبح الموجود شيئاً آخر غير الموهوب.
ز- إذا قدم الموهوب له عوضا أو التزم بشروط أو تكاليف المصلحة الواهب أو غيره فإن الهبة تكون. لازمة منذ صدورها ولا يجوز للواهب الرجوع فيها إلا بالتراضي، وإذا قدم العرض بعد الهبة فتلزم الهبة من وقت تقديم العوض أو الالتزام بالشروط والتكاليف بعد أن كانت غير لازمة وقت صدورها
ح - تكون الهبة لازمة فلا يجوز الرجوع فيها الا بالتراضي إذا كانت على سبيل الصدقة ويلحق بها أعمال البر کهبة مال لجمعية خيرية لتأسيس مستشفى أو ملجأ أو نحو ذلك من أعمال البر. (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ السابع الصفحة/ 134)
أوردت المادة 502 مدني ثمانية موانع من الرجوع في الهبة، وهذه الموانع وردت على سبيل الحصر، فلا يجوز إضافة موانع أخرى للرجوع في إليها.
وهذه الموانع منها ما هو قائم وقت الهبة، ومنها ما يطرأ بعد الهبة.
المانع الأول: زيادة الموهوب زيادة متصلة
نصت المادة 502 مدني في الفقرة (أ) منها على هذا المانع بقولها: "إذا حصل للشيء الموهوب زيادة متصلة موجبة لزيادة قيمته فإذا زال المانع عاد حق الرجوع".
فيشترط لتحقق هذا المانع توافر شرطين:
الشرط الأول: أن تحصل زيادة متصلة للشيء الموهوب.
والمقصود بالزيادة المتصلة هي الزيادة في نفس الموهوب.
وقد جاء النص عاماً، ولذلك يستوي - كما يرى فقهاء المذهب الحنفي - أن تكون الزيادة المتصلة متولدة كدابة هزيلة سمنت وثمار الشيء وقد تكون غير متولدة وهي التي لم تنشأ عن الأصل كالبناء والغراس في الأرض الموهوبة، أو كان الموهوب تماشا فصبغ أو قطع قميصا وخيط.
ويستوي أن تكون هذه الزيادة بفعل الموهوب له أو بغير فعله.
أما الزيادة المنفصلة عن الشيء الموهوب فلا تمنع من الرجوع في الهبة، سواء كانت متولدة كنتاج الدابة أو غير متولدة كريع الدار أو كآلة ری توضع في الأرض الموهوبة.
الشرط الثاني :
أن تؤدي هذه الزيادة المتصلة إلى زيادة قيمة الشيء، أما إذا زادت قيمة الشيء دون حدوث زيادة مادية متصلة به نظراً لإقبال الناس عليه في الأسواق أو لنقله إلى مكان تكون له فيه قيمة أكبر فلا يمنع الرجوع .
وإذا كان البناء أو الغراس لا يوجب زيادة في الأرض، فإنه لا يمنع الرجوع.
وإن كان يوجب في قطعة منها، بأن كانت الأرض كبيرة بحيث لا يعد مثله زيادة فيها كلها، امتنع الرجوع في تلك القطعة دون غيرها.
وإذا زالت الزيادة المانعة من الرجوع عاد حق الرجوع.
والزيادة المتصلة مانعة من الرجوع، لأن الرجوع لا يصح إلا في الموهوب، والزيادة ليست بموهوبة، فلا رجوع فيها، والفصل متعذر ليرجع في الأصل دون الزيادة.
أما الزيادة المنفصلة فإنها لا تمنع من الرجوع إذ يستطيع الواهب الرجوع في أصل الشيء الموهوب دون ضرر يلحق الموهوب له، لأنه يمكنه استيفاء الزيادة ورد الموهوب
- المانع الثاني : موت أحد طرفي عقد الهبة :
فموت أحد طرفي عقد الهبة مانع من موانع الرجوع في الهبة، لأن حق الرجوع في الهبة حق شخصی محض يخضع لتقدير الواهب، وهو الذي يقدر الإعتبارات التي يراها مبررا للرجوع في الهبة، ومن ثم لا ينتقل إلى ورثة الواهب بعد موته، فالوارث ليس بواهب وإنما أجنبي عن العقد، وقد أوجب الشارع حق الرجوع للواهب.
كذلك يسقط حق الرجوع إذا مات الموهوب له، لأنه بموت الموهوب له ينتقل ملك الهبة إلى الورثة فصار كما إذا انتقل في حياته، وخروج الموهوب من ملك الموهوب له مانع من الرجوع - كما سيأتي - ولأن تبدل الملك كتبدل العين فصار الموهوب كأنه عين أخرى فلا يكون للواهب عليها من سبيل.
ووفاة أحد طرفي الهبة لا تحول دون الرجوع إلا إذا حدثت قبل رفع دعوى الرجوع، أما إذا رفع الواهب الدعوي ثم توفي فإن الحق ينتقل إلى ورثته كما هو الحال في تعويض الضرر الأدبي .
- المانع الثالث : تصرف الموهوب له في الشيء الموهوب تصرفاً نهائياً فتصرف الموهوب له في الشيء الموهوب تصرفاً نهائياً مانع من موانع الرجوع في الهبة.
ولا يهم نوع التصرف، فقد يكون بيعاً أو مقايضة أو هبة أو غير ذلك، غير أنه يجب أن يكون التصرف نهائياً، فإذا فسخ التصرف أو أبطل وعاد الموهوب إلى ملك الواهب فإنه يعود إليه .
وإذا تصرف الموهوب له في بعض الموهوب فقط كان له حق الرجوع فی الباقي، وكأنه لم يتصرف في شيء منه، ذلك أنه إذا كان الموهوب لم يتم التصرف في شيء منه كان له أن يرجع في البعض ويترك البعض، لأن له حق الرجوع في الكل فله أن يترك الكل إن شاء، وإن شاء ترك البعض فلذا إذا تصرف في بعضه له أن يأخذ الباقي، لأن المانع لم يوجد إلا في البعض فيتعذر الامتناع بقدره.
وهذا المانع يرجع إلى أن خروج الموهوب من ملك الموهوب له وتمليكه لغيره حصل بتسليط الواهب، فلا يمكن من نقض ما تم من جهته، إذ القاعدة أن كل من سعى في نقض ما تم من جهته فسعيه مردود عليه، ولأن تبدل الملك كتبدل العين فصار كعين أخرى فلا يرجع فيها ولا يجوز الرجوع في عين أخري. متقايض عليها لأنها . ليست موهوبة لانعدام ورود العقد عليها، كما لا يجوز الرجوع في قيمة الموهوب.
والتصرف النهائي في الموهوب هو الذي يمنع من الرجوع في الهبة. ومن ثم لا يمنع من الرجوع فيها ترتيب انتفاع أو ارتفاق أو رهن على الشيء الموهوب.
ويرى البعض أنه كان يحسن بالقانون أن ينص على إنتقال حق الواهب إلى الثمن إذا كان الموهوب له قد تصرف في الشيء بعوض لا سيما أن من أحوال الرجوع ما يقوم على عقاب الموهوب له .
- المانع الرابع : الهبة بين الزوجين :
فالهبة تكون الأزمة إبتداءً لا يجوز الرجوع فيها إذا تمت أثناء قيام الزوجية، سواء قبل الدخول أو بعده.
أما إذا وهب شخص لامرأة ثم تزوجها أو وهبت امرأة لرجل ثم تزوجته، فإن الهبة تكون غير لازمة لأن أيهما لم يكن زوجاً للآخر وقت الهبة، ومن ذلك الهبة التي يقدمها أحد الخاطبين للأخر في فترة الخطبة.
ولا تكون الازمة أيضا الهبة التي يقدمها المطلق لمطلقته أو المطلقة لمطلقها، وإنما يجوز الرجوع فيها.
ولا يجوز الرجوع في الهبة، ولو انقضت الزوجية سواء كان ببطلان أو تطليق أو فسخ، ولو كان الإنقضاء لسبب يرجع إلى الموهوب له.
والعلة في هذا المانع أن صلة الزوجية تجري مجرى صلة القرابة الكاملة بدليل أنه يتعلق بها التوارث في جميع الأحوال، فلا يدخلها حجب الحرمان والقرابة الكاملة مانعة من الرجوع فكذا ما يجري مجراها.
كما أن المقصود من هبة كل منهما للآخر الصلة والتواد دون العوض كما في القرابة المحرمية، وقد تحقق غرض الواهب، فلا يرجع فيها بعد حصول المقصود".
- المانع الخامس :
الهبة لذي رحم محرم :
القرابة الرحمية المحرمية هي التي يكون فيها الموهوب له قريبا للواهب ويحرم عقد الزواج بينهما، فيدخل فيها الآباء والأمهات وإن علوا، والأولاد وإن سفلوا، وأولاد البنين والبنات في ذلك سواء، وكذلك الإخوة والأخوات وأولادهم وإن سفلوا، والأعمام والعمات والأخوال والخالات.
والمحرمية بالسبب لا بالقرابة لا تمنع الرجوع، كالآباء والأمهات والأخوة والأخوات من الرضاع، وكذا المحرمية بالمصاهرة كأمهات النساء والربائب وأزواج البنين والبنات وبالتالي يجوز الرجوع في الهبة إذا كانت لذي رحم وليس بمحرم كإبن العم وإبن العمة وابن الخال وابن الخالة وسند عدم الرجوع حديث الرسول عليه السلام " إذا كانت الهبة لذي رحم محرم لم يرجع فيها ".
ولأن المقصود من الهبة صلة الرحم وقد حصل وفي الرجوع قطيعة للرحم فلا يرجع فيها .
- المانع السادس :
هلاك أو إستهلاك الشيء الموهوب :
ومفاد ذلك أن هلاك الشيء الموهوب في كافة الأحوال وأياً كان سبب الهلاك، ولو كان بخطأ من الموهوب له يمنع من الرجوع.
وكذلك إذا هلك الموهوب بسبب الإستعمال، كما لو كان الموهوب ثياباً أو طعاماً.
والسبب في ذلك أن الملكية انتقلت إلى الموهوب له بالهبة، وكان له أن يباشر على الشيء سلطات المالك ومنها الإتلاف، كما أنه بعد الهلاك أصبح لا يوجد محل الرجوع لتعذره بعد الهلاك إذ الموهوب غير مضمون على الموهوب له، فلا سبيل للرجوع في الملك ولا سبيل إلى الرجوع في قيمته لأنها ليست موهوبة لإنعدام ورود العقد عليها.
فإذا لم يهلك إلا بعض الشيء الموهوب، جاز للواهب الرجوع في الباقي لإنتفاء المانع من الرجوع في هذا الباقی .
وإذا ادعى الموهوب له هلاك الشيء الموهوب، فإنه يصير مدعياً ويقع عليه عبء إثبات هذا الهلاك، وهو يجوز له إثبات ذلك بكافة طرق الإثبات القانونية - بما فيها البينة والقرائن.
ويلحق الفقهاء بهلاك الموهوب، تغييره من حالة إلى حالة حتى تزول صورته الأولى واسمه لتغيره من جنس إلى جنس، وتكون له صورة أخرى وأسم جديد جنس جديد، ومثال ذلك أن يكون الموهوب قمحاً فيطحن دقيقاً، أو قماشاً فخيط، أو صنع خبزاً أو ذهباً صيغ حلياً .
فلا يجوز للواهب الرجوع لأن الذي وهبه زال وحل غيره محله والشيء يهلك مد و ال صورته وفقد مشخصاته، فالرجوع في الأصل متعذر والموجود غير ما وهبه .
- المانع السابع :
العوض في الهبة :
فإذا كانت الهبة بعوض، سواء قدم الموهوب له عوضاً عن الهبة أو إلتزم بشروط تأليف لمصلحة الواهب أو لمصلحة أجنبي أو للمصلحة العامة، فإنه لا يجوز الرجوع في إليه، لأن التعويض دليل على أن مقصود الواهب هو الوصول إلى العوض، فإذا سأل قد حصل مقصوده، فيمتنع الرجوع، وسواء قل العوض أو كثر، ولحديث رسول (عليه السلام) " الواهب أحق بهبته ما لم يثب منها ".
ولا يشترط أن يكون العوض من الموهوب له أو من أجنبي بأمر الموهوب له أو بغير أمره.
وإذا كان العرض مقدماً وقت الهبة كان العقد لازماً منذ حصول الهبة، أما إذا قدم بعدها أصبح لازماً من وقت تقديمه.
وإذا كان العرض بعض الموهوب جاز الرجوع في الباقي، وإذا استحق العوض كله أو بعضه عاد للواهب الحق في الرجوع إذا هو رد للموهوب له ما لم يستحق من العوض، وهذه الأحكام نص عليها في مشروع المادة منذ تعديلها وتبقى لإتفاقها مع قصد المتعاقدين وأحكام الفقه الإسلامي .
- المانع الثامن :
إذا كانت الهبة صدقة أو عملاً من أعمال البر :
نصت المادة 502 مدني على هذا المانع في الفقرة (ح) منها بقولها: "إذا كانت الهبة صدقة أو عملاً من أعمال البر".
فإذا كانت الهبة صدقة فإنها تكون الازمة إبتداءً من وقت الهبة ولا يجوز الرجوع فيها، لحصول الثواب الذي هو في معنى العوض بوعد الله تعالى وإن لم يكن عوضاً في الحقيقة إذ العبد لا يستحق على مولاه عوضاً، فالواهب قد تلقى فائدة أدبية نظير هذه الهبة.
وتكون الهبة لازمة، ولو كانت الصدقة على غنی، لأنه يقصد بالصدقة على الغنى الثواب.
التنازل عن الرجوع في الهبة :
يرى أئمة المذهب الحنفي أنه لا يجوز للواهب أن يسقط حقه في الرجوع لأنه حق الشارع .
وعلى هذا نصت المادة 515 من قانون الأحوال الشخصية لقدري باشا بقولها :
" يصح الرجوع في الهبة كلاً أو بعضاً ولو أسقط الواهب حقه ما لم يمنع مانع من الموانع المذكورة في المواد السبعة الآتية :
أما التقنين المدني فقد خلا من النص على الحكم الوارد بالمذهب الحنفى ومع ذلك نصت مذكرة المشروع التمهيدي للتقنين على هذا الحكم بقولها :
ويلاحظ أن الواهب إذا تنازل عن حق الرجوع، فإن تنازله لا يعتبر، ويجوز له رجوع بالرغم من هذا التنازل" م 515 من قانون الأحوال الشخصية .
ويرى جانب من الفقه أن حق الرجوع في الهبة - مقيداً بما سلف من قيود يعتبر من النظام العام، فلا يجوز للواهب أن يتفق مع الموهوب له مقدماً على النزول عنه، وإنما يجوز له بعد قيام العذر في الرجوع أن ينزل عن هذا الحق بعد وجوده أي بعد قيام سببه.
لم يفرد القانون دعوى الرجوع في الهبة بأحكام خاصة، ومن ثم تطبق عليها القواعد العامة.
فإذا كانت دعوى الرجوع تهدف إلى استرجاع عقار فإنه يجب التأشير بالدعوى في هامش تسجيل الهبة أو تسجيل الدعوى إذا كان عقد الهبة لم يشهر (م15 من قانون الشهر العقارى) ويترتب على التأشير بدعوى الرجوع أو تسجيلها أن يكون حق الواهب إذا تقرر بحكم مؤشر به طبق القانون حجة على من ترتبت لهم حقوق عينية إبتداءً من تاريخ تسجيل الدعاوى أو التأشير بها، ولا يكون هذا الحق حجة على الغير الذي كسب حقه بحسن نية قبل التأشير بالدعوى أو تسجيلها على النحو السابق.
ويعتبر الغير حسن النية إذا كان لا يعلم ولا يستطيع أن يعلم بالسبب الذي تستند إليه الدعوى (م 17 من قانون الشهر العقارى).
وتطبيقاً للقواعد العامة لا تسقط دعوى الرجوع إلا بمضي خمس عشرة سنة من وقت علم الواهب بقيام سبب الرجوع.
والأصل أن الشبكة من هدايا الخطبة ولا تكون من المهر ولا تأخذ حكمه إلا في حالتين :
الأولى : أن يتفق عليها مع المهر.
الثانية : أن يجرى العرف على إعتبارها من المهر.
وقد جرى العرف في أغلب بلدان مصر على إعتبار الشبكة جزءاً من المهر، بل تعارف الناس نقصان المهر بقدر قيمة الشبكة عند تقديمها، وزيادته بقدرها إذا لم تقدم، لأنها ستشتري منه بمعرفة المخطوبة .
وقد أفتت دار الإفتاء المصرية بما هو أبعد مدى من ذلك وبأن العرف جرى بإعتبار الشبكة جزءاً من المهر، دون أن تستثني بعض الجهات من هذا العرف.
فقد أفتت بتاريخ 21 يناير سنة 1970 في الطلب رقم 31 لسنة 1970 بأن :
"المقرر شرعاً أن الخطبة ليست عقداً ولا زواجاً، ولا يترتب عليها شيء من آثار العقد والزواج والشبكة التي تقدم للمخطوبة قد جرى العرف بإعتبارها جزءً من المهر وقد جرينا في الإفتاء على هذا وما دامت الشبكة قد اعتبرت عرفاً جزءاً من المهر فإنها تأخذ حكمه .... إلخ - أيضاً الفتوى الصادرة بتاريخ 15/12/1965 في الطلب رقم 772 لسنة 1965.
إلا أن البادي من قضاء محكمة النقض أنها لم تسلم بوجود العرف المشار إليه واعتبرت الشبكة من قبيل هدايا الخطبة ويسرى عليها ما يسرى على هذه الهدايا من أحكام.
وهذا القضاء لا يسري على الحالات التي يتفق فيها على الشبكة مع المهر، لأنها ، بحكم هذا الإتفاق تكون قد اعتبرت جزءاً من المهر . (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ السادس الصفحة/ 170)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثالث ، الصفحة / 233
اسْتِحْقَاقُ الْهِبَةِ بَعْدَ التَّلَفِ:
31 - لِلْعُلَمَاءِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ الْهِبَةِ التَّالِفَةِ اتِّجَاهَانِ:
أ - تَخْيِيرُ الْمُسْتَحِقِّ بَيْنَ الرُّجُوعِ عَلَى الْوَاهِبِ أَوْ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ، أَمَّا عَلَى الْوَاهِبِ فَلأِنَّهُ سَبَبُ إِتْلاَفِ مَالِهِ، وَأَمَّا عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ فَلأِنَّهُ هُوَ الْمُسْتَهْلِكُ لَهُ، وَهُوَ قَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ، غَيْرَ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ جَعَلُوا الرُّجُوعَ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الرُّجُوعِ عَلَى الْوَاهِبِ، وَيَكُونُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ مِنَ الْغَلَّةِ قِيمَةُ عَمَلِهِ وَعِلاَجِهِ.
فَإِنْ رَجَعَ عَلَى الْوَاهِبِ فَلاَ شَيْءَ لَهُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ، صَرَّحَ بِذَلِكَ الشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ. وَإِنْ رَجَعَ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ رَجَعَ هَذَا عَلَى الْوَاهِبِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، ذَكَرَ ذَلِكَ صَاحِبُ كَشَّافِ الْقِنَاعِ قَوْلاً وَاحِدًا، وَشَهَّرَهُ ابْنُ رَجَبٍ لأِنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ ضَامِنٍ لِشَيْءٍ فَهُوَ مَغْرُورٌ. وَالْخِلاَفُ يَجْرِي كَذَلِكَ فِي رُجُوعِ الْمَوْهُوبِ لَهُ عَلَى الْوَاهِبِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَقِيلَ: لاَ يَرْجِعُ عَلَى الْوَاهِبِ؛ لأِنَّ الْوَاهِبَ لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ عِوَضًا فَيَرْجِعُ بِعِوَضِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ رَجُلٌ غَرَّهُ مِنْ أَمْرٍ قَدْ كَانَ لَهُ أَلاَّ يَقْبَلَهُ.
ب - الرُّجُوعُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ دُونَ الْوَاهِبِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ؛ لأِنَّ الْهِبَةَ عَقْدُ تَبَرُّعٍ وَالْوَاهِبُ غَيْرُ عَامِلٍ لَهُ، فَلاَ يَسْتَحِقُّ الْمَوْهُوبُ لَهُ السَّلاَمَةَ، وَلاَ يَثْبُتُ بِهِ الْغُرُورُ؛ وَلأِنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ يَقْبِضُ لِنَفْسِهِ.
بِالنِّسْبَةِ لِلْهِبَةِ:
25 - مَنْ وَهَبَ لِمَنْ يَجُوزُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ - عَلَى خِلاَفٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ، تَفْصِيلُهُ فِي الْهِبَةِ - فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ، وَيَسْتَرِدَّهَا مَا دَامَتْ قَائِمَةً بِعَيْنِهَا.
فَإِنْ زَادَتِ الْهِبَةُ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ، فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً أَوْ مُنْفَصِلَةً، فَإِنْ كَانَتِ الزِّيَادَةُ مُنْفَصِلَةً - كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرَةِ - فَهَذِهِ الزِّيَادَةُ لاَ تَمْنَعُ الاِسْتِرْدَادَ، لَكِنَّهُ يَسْتَرِدُّ الأْصْلَ فَقَطْ، دُونَ الزِّيَادَةِ. وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ.
وَإِنْ كَانَتِ الزِّيَادَةُ مُتَّصِلَةً، فَإِنَّهَا لاَ تَمْنَعُ الرُّجُوعَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَيَرْجِعُ بِالزِّيَادَةِ. أَمَّا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَالْحَنَفِيَّةِ: فَإِنَّ الزِّيَادَةَ الْمُتَّصِلَةَ تَمْنَعُ الرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ. وَإِذَا نَقَصَتِ الْهِبَةُ فِي يَدِ الْوَاهِبِ فَإِنَّهَا لاَ تَمْنَعُ الرُّجُوعَ، وَلِلْوَاهِبِ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا مِنْ غَيْرِ أَرْشِ مَا نَقَصَ .
وَالْهِبَةُ بِشَرْطِ ثَوَابٍ مَعْلُومٍ تَصِحُّ، فَإِنْ كَانَ الثَّوَابُ مَجْهُولاً لَمْ تَصِحَّ، كَمَا يَقُولُ الْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ، وَصَارَتْ كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَحُكْمُهَا حُكْمُهُ، وَتُرَدُّ بِزَوَائِدِهَا الْمُتَّصِلَةِ وَالْمُنْفَصِلَةِ؛ لأَِنَّهَا نَمَاءُ مِلْكِ الْوَاهِبِ.
وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ يُجِيزُ لِلأْبِ، وَلِمَنْ وَهَبَ هِبَةً لِثَوَابٍ الرُّجُوعَ فِيهَا، إِذَا كَانَتْ قَائِمَةً بِعَيْنِهَا، فَإِنْ حَدَثَ فِيهَا تَغْيِيرٌ بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ فَلاَ تُسْتَرَدُّ، أَوْ كَانَ الْوَلَدُ الْمَوْهُوبُ لَهُ تَزَوَّجَ لأِجْلِ الْهِبَةِ، فَذَلِكَ يَمْنَعُ الرُّجُوعَ فِيهَا .
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الرابع والعشرون ، الصفحة / 75
زِيَادَةُ الْمَوْهُوبِ وَأَثَرُهَا فِي الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ:
23 - الزِّيَادَةُ فِي الْمَوْهُوبِ إِمَّا أَنْ تَكُونَ مُتَّصِلَةً، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ مُنْفَصِلَةً. فَإِنْ كَانَتْ مُنْفَصِلَةً كَالثَّمَرَةِ وَالْوَلَدِ فَإِنَّهَا لاَ تُؤَثِّرُ فِي الرُّجُوعِ فِيهَا اتِّفَاقًا.
وَإِنْ كَانَتْ مُتَّصِلَةً مَنَعَتْ مِنَ الرُّجُوعِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ؛ لأِنَّهُ لاَ يُمْكِنُ الرُّجُوعُ فِيهَا دُونَ تِلْكَ الزِّيَادَةِ، وَلاَ سَبِيلَ إِلَى الرُّجُوعِ بِالْهِبَةِ مَعَ تِلْكَ الزِّيَادَةِ لِعَدَمِ وُرُودِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لاَ تَمْنَعُ مِنَ الرُّجُوعِ وَهُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَنَابِلَةُ أَيْضًا فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ أَحْمَدَ لِعَدَمِ تَمْيِيزِهَا فَتَتْبَعُ الأْصْلَ .
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (هِبَةٍ).
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثاني والأربعون ، الصفحة / 149
مَوَانِعُ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ:
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مَوَانِعِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ عَلَى التَّفْصِيلِ التَّالِي:
أَوَّلاً: مَوَانِعُ الرُّجُوعِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ .
40 - مَنَعَ الْحَنَفِيَّةُ الرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ فِي الأْحْوَالِ الآْتِيَةِ:
أ - هَلاَكُ الشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ أَوِ اسْتِهْلاَكُهُ: فَإِذَا تَلِفَ الشَّيْءُ الْمَوْهُوبُ أَوِ اسْتَهْلَكَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ، وَذَلِكَ لأِنَّهُ لاَ سَبِيلَ إِلَى الرُّجُوعِ فِي الشَّيْءِ الْهَالِكِ، كَمَا أَنَّهُ لاَ سَبِيلَ إِلَى الرُّجُوعِ فِي قِيمَتِهِ؛ لأِنَّ قَبْضَ الْمَوْهُوبِ لَهُ لَيْسَ قَبْضًا مَضْمُونًا، وَقِيمَتُهُ لَيْسَتْ مَوْهُوبَةً؛ لِعَدَمِ وُرُودِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا، وَهَذَا فِي الْهَلاَكِ الْكُلِّيِّ.
أَمَّا إِذَا كَانَ الْهَلاَكُ جُزْئِيًّا فَإِنَّهُ لاَ يُمْنَعُ الرُّجُوعَ؛ لأِنَّ الرُّجُوعَ حِينَئِذٍ يَكُونُ رُجُوعًا فِي بَعْضِ الشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ، وَالأْصْلُ أَنَّ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِي بَعْضِ الْمَوْهُوبِ وَهُوَ قَائِمٌ، فَكَذَلِكَ إِذَا نَقَصَ. وَلَيْسَ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ ضَمَانُ النَّقْصِ؛ لأِنَّ الْقَبْضَ فِي الْهِبَةِ لَيْسَ قَبْضَ ضَمَانٍ.
ب - خُرُوجُ الشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ عَنْ مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ، كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْمَوْتِ وَنَحْوِهَا، وَذَلِكَ لأِنَّ الْمِلْكَ يَخْتَلِفُ بِهَذِهِ الأْمُورِ، إِذْ إِنَّ مِلْكَ الشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ سَيَكُونُ لِلْمُشْتَرِي أَوِ الْمَوْهُوبِ لَهُ الثَّانِي أَوِ الْوَارِثِ.
ج - الزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ إِذَا حَدَثَتْ فِي الشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ سَوَاءٌ كَانَتْ بِفِعْلِ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ بِفِعْلِ غَيْرِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ مُتَوَلِّدَةً مِنَ الشَّيْءِ أَمْ لَيْسَتْ مُتَوَلِّدَةً مِنْهُ، نَحْوَ مَا إِذَا كَانَ الشَّيْءُ الْمَوْهُوبُ دَارًا فَبَنَى الْمَوْهُوبُ لَهُ زِيَادَةً فِيهَا، أَوْ كَانَتْ أَرْضًا فَغَرَسَ فِيهَا أَشْجَارًا، أَوْ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ صَبْغًا زَادَ فِي قِيمَتِهِ، أَوْ طَرَأَ سِمَنٌ عَلَى الشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ، فَفِي كُلِّ هَذِهِ الأْحْوَالِ اخْتَلَطَ الْمَوْهُوبُ بِغَيْرِهِ، فَلاَ يَصِحُّ الرُّجُوعُ.
أَمَّا الزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ فَإِنَّهَا لاَ تَمْنَعُ الرُّجُوعَ، سَوَاءٌ كَانَتْ مُتَوَلِّدَةً مِنَ الشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ كَاللَّبَنِ وَالثَّمَرِ، أَوْ غَيْرَ مُتَوَلِّدَةٍ مِنْهُ كَالْكَسْبِ وَالْغَلَّةِ؛ لأِنَّ هَذِهِ الزَّوَائِدَ لَمْ يَرِدْ عَلَيْهَا الْعَقْدُ، وَكَذَلِكَ لاَ يَرِدُ عَلَيْهَا الْفَسْخُ، كَمَا أَنَّهُ يُمْكِنُ فَسْخُ الْعَقْدِ دُونَ الزِّيَادَةِ بِخِلاَفِ الزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ.
أَمَّا نُقْصَانُ الشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ فَلاَ يَمْنَعُ الرُّجُوعَ؛ لأِنَّهُ مَا دَامَ لِلْوَاهِبِ حَقُّ الرُّجُوعِ فِي كُلِّ الشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي بَعْضِهِ مَعَ بَقَائِهِ، فَكَذَا عِنْدَ نُقْصَانِهِ.
د - وُجُودُ الْعِوَضِ: إِذَا كَانَتِ الْهِبَةُ بِعِوَضٍ وَقَبَضَهُ الْوَاهِبُ لَمْ يَجُزْ لَهُ الرُّجُوعُ، وَالْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ: قَوْلُهُ صلي الله عليه وسلم : «الْوَاهِبُ أَحَقُّ بِهِبَتِهِ مَا لَمْ يُثَبْ مِنْهَا» كَمَا أَنَّ التَّعْوِيضَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَقْصُودَ الْوَاهِبِ هُوَ الْوُصُولُ إِلَى الْعِوَضِ، فَإِذَا وَصَلَ إِلَيْهِ فَقَدْ حَصَلَ مَقْصُودُهُ فَيَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ. وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْعِوَضُ قَلِيلاً أَوْ كَثِيرًا.
هـ - إِذَا كَانَ فِي الْهِبَةِ مَا هُوَ فِي مَعْنَى الْعِوَضِ: وَيَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي الأْحْوَالِ التَّالِيَةِ:
- الْهِبَةُ لِصِلَةِ الرَّحِمِ - لاَ رُجُوعَ فِي الْهِبَةِ لِذِي رَحِمِ مُحَرَّمٍ مِنَ الْوَاهِبِ.
وَحُجَّتُهُمْ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم : «الْوَاهِبُ أَحَقُّ بِهِبَتِهِ مَا لَمْ يُثَبْ مِنْهَا» وَمَعْنَاهُ أَنَّ لِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ مَا لَمْ يُعَوَّضْ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ عِوَضٌ مَعْنًى؛ لأِنَّ التَّوَاصُلَ سَبَبٌ لِلتَّنَاصُرِ وَالتَّعَاوُنِ فِي الدُّنْيَا وَسَبَبٌ لِلثَّوَابِ فِي الآْخِرَةِ.
كَمَا أَنَّ الشَّرْعَ قَدْ أَمَرَ بِصِلَةِ الرَّحِمِ، وَأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَدْ مَنَعَ الرُّجُوعَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْهِبَةِ.
أَمَّا إِذَا كَانَتِ الْهِبَةُ لِذِي رَحِمٍ غَيْرِ مُحَرَّمٍ فَيَجُوزُ الرُّجُوعُ لِقُصُورِ مَعْنَى الصِّلَةِ، فَلاَ يَكُونُ فِي مَدَى الْعِوَضِ.
الزَّوْجِيَّةُ: لاَ يَرْجِعُ أَيٌّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ فِيمَا وَهَبَ لِصَاحِبِهِ، وَالْعِبْرَةُ بِقِيَامِ الزَّوْجِيَّةِ وَقْتَ الْهِبَةِ؛ لأِنَّ صِلَةَ الزَّوْجِيَّةِ تَجْرِي مَجْرَى صِلَةِ الْقَرَابَةِ الْكَامِلَةِ، بِدَلِيلِ تَعَلُّقِ التَّوَارُثِ بِهَا فِي جَمِيعِ الأْحْوَالِ.
الثَّوَابُ أَوِ الصَّدَقَةُ: إِذَا كَانَتِ الْهِبَةُ إِلَى فَقِيرٍ فَهِيَ صَدَقَةٌ يُطْلَبُ فِيهَا ثَوَابُ اللَّهِ، وَهُوَ بِمَعْنَى الْعِوَضِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْهِبَةُ لِلأْغْنِيَاءِ .
و - مَوْتُ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ: فَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ التَّسْلِيمِ يَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ؛ لأِنَّهُ بِمَوْتِ الْمَوْهُوبِ لَهُ يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ إِلَى الْوَرَثَةِ كَمَا إِذَا انْتَقَلَ فِي حَالِ حَيَاتِهِ، وَإِذَا مَاتَ الْوَاهِبُ فَوَارِثُهُ أَجْنَبِيٌّ عَنِ الْعَقْدِ.
ز - تَغَيُّرُ الْمَوْهُوبِ: بِأَنْ كَانَ حِنْطَةً فَطَحَنَهَا، أَوْ دَقِيقًا فَخَبَزَهُ، أَوْ سَوِيقًا فَلَتَّهُ بِسَمْنٍ، فَيَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ .
ثَانِيًا: مَوَانِعُ الرُّجُوعِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فِيمَا أَجَازُوا الرُّجُوعَ فِيهِ:
41 - يَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى سُقُوطِ حَقِّ الأْبِ أَوِ الأْمِّ فِي اعْتِصَارِ الْهِبَةِ (أَيِ الرُّجُوعِ فِيهَا) حِينَ يَهَبُ لِوَلَدِهِ بِوُجُودِ أَحَدِ الْمَوَانِعِ الآْتِيَةِ:
أ - أَنْ يَزِيدَ الشَّيْءُ الْمَوْهُوبُ أَوْ يَنْقُصَ فِي ذَاتِهِ، كَأَنْ يَكْبُرَ الصَّغِيرُ أَوْ يَسْمُنَ الْهَزِيلُ أَوْ يَهْزِلَ السَّمِينُ، أَمَّا إِذَا تَغَيَّرَتْ قِيمَةُ الشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ بِسَبَبِ تَغَيُّرِ الأَْسْوَاقِ فَإِنَّ ذَلِكَ لاَ يَمْنَعُ الرُّجُوعَ، لأِنَّ الْهِبَةَ عَلَى حَالِهَا، وَزِيَادَةَ الْقِيمَةِ أَوْ نُقْصَانَهَا لاَ تَعَلُّقَ لَهَا بِالشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ، كَاخْتِلاَفِ السِّعْرِ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ.
ب - أَنْ يَقْصِدَ النَّاسُ مُدَايَنَةَ الْوَلَدِ أَوْ تَزْوِيجَهُ لأِجْلِ الْهِبَةِ، لِكَوْنِهِ أَصْبَحَ بِالْهِبَةِ مُوسِرًا، فَمَنْ عَقَدَ زَوَاجَ الذَّكَرِ أَوِ الأْنْثَى لأِجْلِ يُسْرِهِمَا بِالْهِبَةِ أَوْ أَعْطَى أَحَدَهُمَا دَيْنًا لأِجْلِ ذَلِكَ، أَوِ اشْتَرَيَا شَيْئًا فِي الذِّمَّةِ، فَإِنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلأْبِ الرُّجُوعُ فِي هِبَتِهِ. أَمَّا إِذَا كَانَ الزَّوَاجُ وَالْمُدَايَنَةُ لأِمْرٍ غَيْرِ الْهِبَةِ فَإِنَّهُ لاَ يَمْنَعُ الرُّجُوعَ.
ج - أَنْ يَمْرَضَ الْوَلَدُ الْمَوْهُوبُ لَهُ مَرَضَ الْمَوْتِ؛ وَذَلِكَ لِتَعَلُّقِ حَقِّ وَرَثَتِهِ بِالْهِبَةِ، فَيَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إِذَا مَرِضَ الْوَاهِبُ ذَلِكَ الْمَرَضَ، فَإِنَّ مَرَضَهُ هَذَا يَمْنَعُهُ مِنَ الرُّجُوعِ فِيمَا وَهَبَ لِوَلَدِهِ؛ لأِنَّ رُجُوعَهُ يَكُونُ لِغَيْرِهِ، أَيْ يَمُوتُ فَتَكُونُ الْهِبَةُ الَّتِي رَجَعَ فِيهَا لِغَيْرِ الْوَلَدِ، كَزَوْجَةِ الأْبِ مَثَلاً، أَمَّا إِذَا وَهَبَ الْوَالِدُ وَلَدَهُ الْمُتَزَوِّجَ أَوِ الْمَدِينَ أَوِ الْمَرِيضَ، أَوْ كَانَ الْوَالِدُ مَرِيضًا وَقْتَ الْهِبَةِ - فَإِنَّهُ لاَ يَمْنَعُ الرُّجُوعَ.
د - أَنْ تَفُوتَ الْهِبَةُ عِنْدَ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِمَا يُخْرِجُهَا عَنْ مِلْكِهِ مِنْ بَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا أَوْ تَفُوتَ بِصِفَةٍ فِيهَا مِمَّا يُغَيِّرُهَا عَنْ حَالِهَا كَجَعْلِ الدَّنَانِيرِ حُلِيًّا .
ثَالِثًا: مَوَانِعُ الرُّجُوعِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِيمَا أَجَازُوا الرُّجُوعَ فِيهِ:
42 - يُمْنَعُ الرُّجُوعُ لِلأْبِ وَسَائِرِ الأْصُولِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِذَا خَرَجَ الشَّيْءُ الْمَوْهُوبُ عَنْ سَلْطَنَةِ الْوَلَدِ.
وَيَتَحَقَّقُ الْخُرُوجُ بِبَيْعِ الشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ كُلِّهِ أَوْ وَقْفِهِ أَوْ هِبَتِهِ لآِخَرَ مَعَ قَبْضِ الْمَوْهُوبِ لَهُ.
أَمَّا غَصْبُ الْمَوْهُوبِ أَوْ رَهْنُهُ أَوْ هِبَتُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ إِجَارَتُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ فَكُلُّ ذَلِكَ لاَ يُزِيلُ سَلْطَنَةَ الْوَلَدِ، فَيَجُوزُ لِلأْبِ الرُّجُوعُ.
وَلَوْ بَاعَ الْوَلَدُ الشَّيْءَ الْمَوْهُوبَ لَهُ مِنْ أَبِيهِ ثُمَّ عَادَ إِلَيْهِ ذَلِكَ الشَّيْءُ بِشِرَاءٍ أَوْ إِرْثٍ لَمْ يَكُنْ لِلأْبِ الرُّجُوعُ فِي الأْصَحِّ ؛ لأِنَّ عَوْدَ السَّلْطَنَةِ هُنَا كَانَ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ.
وَلاَ تَمْنَعُ الزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ الرُّجُوعَ، أَمَّا الزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ فَهِيَ لِلْوَلَدِ؛ وَلأِنَّهَا حَصَلَتْ عَلَى مِلْكِهِ وَيَرْجِعُ الْوَالِدُ بِالشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ
رَابِعًا: مَوَانِعُ الرُّجُوعِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ فِيمَا أَجَازُوا الرُّجُوعَ فِيهِ:
43 - أ - إِذَا خَرَجَ الْمَوْهُوبُ عَنْ مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِأَيِّ سَبَبٍ؛ كَبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ وَقْفٍ أَوْ إِرْثٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، لَمْ يَكُنْ لِلْوَالِدِ الرُّجُوعُ؛ لأِنَّهُ إِبْطَالٌ لِمِلْكِ غَيْرِ الْمَوْهُوبِ لَهُ. وَإِنْ عَادَ الْمِلْكُ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ لَمْ يَمْلِكِ الأْبُ الرُّجُوعَ.
أَمَّا إِنْ عَادَ إِلَيْهِ بِفَسْخِ الْبَيْعِ لِعَيْبٍ أَوْ إِقَالَةٍ أَوْ فَلَسِ الْمُشْتَرِي، فَفِي جَوَازِ رُجُوعِ الأْبِ وَجْهَانِ: الْجَوَازُ وَعَدَمُهُ.
ب - عَدَمُ بَقَاءِ الشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ فِي تَصَرُّفِ الْوَلَدِ بِحَيْثُ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي رَقَبَتِهِ، فَإِنْ رَهَنَهُ أَوْ أَفْلَسَ أَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ، لَمْ يَمْلِكِ الأْبُ الرُّجُوعَ فِيهِ؛ لأِنَّ فِي ذَلِكَ إِبْطَالاً لِحَقِّ غَيْرِ الْوَلَدِ، فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ مِنَ التَّصَرُّفِ جَازَ الرُّجُوعُ.
ج - إِذَا تَعَلَّقَ بِالشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ رَغْبَةً لِغَيْرِ الْوَلَدِ، مِثْلَ أَنْ يَهَبَ الْوَالِدُ لِوَلَدِهِ شَيْئًا، فَيَرْغَبُ النَّاسُ فِي مُعَامَلَتِهِ وَمُدَايَنَتِهِ، أَوْ رَغِبُوا فِي تَزْوِيجِهِ فَزَوَّجُوهُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، فَعَنْ أَحْمَدَ فِي جَوَازِ الرُّجُوعِ رِوَايَتَانِ:
الأْولَى: لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ؛ لأِنَّهُ غَرَّ النَّاسَ بِمَا وَهَبَهُ لِوَلَدِهِ حَتَّى وَثِقُوا بِهِ، فَأَقْدَمُوا عَلَى مُدَايَنَتِهِ أَوْ تَزْوِيجِهِ، فَإِذَا رَجَعَ كَانَ ذَلِكَ إِضْرَارًا بِهِمْ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم : «لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ»، وَلأِنَّ فِي هَذَا الصَّنِيعِ تَحَايُلاً عَلَى إِلْحَاقِ الضَّرَرِ بِالنَّاسِ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ.
الثَّانِيَةُ: لَهُ الرُّجُوعُ؛ لِعُمُومِ الْخَبَرِ عَنِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم فِي رُجُوعِ الأْبِ فِيمَا وَهَبَ لِوَلَدِهِ، وَلأِنَّ حَقَّ الدَّائِنِ وَالْمُتَزَوِّجِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِعَيْنِ الشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ، فَلَمْ يَمْنَعْ مِنَ الرُّجُوعِ.
د - إِذَا زَادَ الشَّيْءُ الْمَوْهُوبُ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً كَالسِّمَنِ وَالْكِبَرِ وَتَعَلُّمِ الصَّنْعَةِ، فَإِنْ زَادَتْ فَعَنْ أَحْمَدَ فِي جَوَازِ الرُّجُوعِ رِوَايَتَانِ:
الأْولَى: يَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ؛ لأِنَّ الزِّيَادَةَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ لِكَوْنِهَا نَمَاءَ مِلْكِهِ، وَلَمْ تَنْتَقِلْ إِلَيْهِ مِنْ جِهَةِ وَالِدِهِ، وَإِذَا امْتَنَعَ الرُّجُوعُ فِيهَا امْتَنَعَ الرُّجُوعُ فِي الأْصْلِ أَيْضًا.
الثَّانِيَةُ: لاَ يَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ؛ لأِنَّهَا زِيَادَةٌ فِي الشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ فَلَمْ تَمْنَعِ الرُّجُوعَ كَالزِّيَادَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَكَالزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ، فَإِنَّهَا لاَ تَمْنَعُ
هـ - وَقَدْ وَرَدَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلزَّوْجَةِ أَنْ تَرْجِعَ فِي صَدَاقِهَا الَّذِي وَهَبَتْهُ لِزَوْجِهَا إِذَا طَلَّقَهَا إِذَا كَانَ الزَّوْجُ قَدْ سَأَلَهَا الْهِبَةَ؛ لأِنَّهَا كَانَتْ بِهَذِهِ الْهِبَةِ تَبْتَغِي اسْتِدَامَةَ النِّكَاحِ، فَلَمَّا طَلَّقَهَا جَازَ لَهَا الرُّجُوعُ. هَذِهِ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ.
وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى: أَنَّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَرْجِعَ، سَوَاءٌ كَانَتِ الْهِبَةُ بِطَلَبٍ مِنَ الزَّوْجِ أَمْ لاَ، وَبِهِ قَالَ شُرَيْحٌ، وَحَكَاهُ الزُّهْرِيُّ عَنِ الْقُضَاةِ.
وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ: أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ الرُّجُوعُ مُطْلَقًا، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالنَّخَعِيِّ، وَرَبِيعَةَ، وَالثَّوْرِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَعَطَاءٍ، وَقَتَادَةَ، .
44 - لَوْ تَصَرَّفَ الأْبُ فِي الشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ لِوَلَدِهِ مِنْ قِبَلِهِ فَإِنَّهُ لاَ يَكُونُ رُجُوعًا.
وَلَوْ أَسْقَطَ الأْبُ حَقَّهُ مِنَ الرُّجُوعِ فَفِي سُقُوطِهِ احْتِمَالاَتٌ:
الأْوَّلُ: لاَ يَسْقُطُ؛ لأِنَّهُ ثَابِتٌ بِالشَّرْعِ.
الثَّانِي: يَسْقُطُ؛ لأِنَّهُ حَقُّهُ فَلَهُ إِسْقَاطُهُ .
_________________________________________________________________
الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ الخامس
وهناك قول في المذهب الحنفي يفرق بين هبة الزوج لزوجته وهبة الزوجة لزوجها ، فالأولى لا يجوز للزوج الرجوع فيها أصلا . أما هبة الزوجة لزوجها ، فيجوز للزوجة الرجوع فيها اذا هي ادعت أن الزوج استكرهها على الهبة ، فدعوی الاكراه ملدموعة من الزوجة لا من الزوج الاعتبار الظاهر ؛ اذ الظاهر أن الزوج يتمكن من اكراد زوجته والزوج لا تتمكن من اكراه زوجها ( الأستاذ أحمد ابراهيم في التزام التبرعات مجلة القانون والاقتصاد ۳ ص 60). ويبدو أن حكيم هذه المسالة في القانون المدني يجب استخلاصه من القواعد العامة : فلا يجوز في الأصل للزوجة ان ترجع في هبتها لزوجها ، ولكن لها أن تطعن في الهبة بالاكراه الأدبي او الشوكة والنفوذ من جانب زوجها ، فان اثبتت ماتدعيه ، ولها أن تثبت ذلك بجميع طرق الإثبات وتدخل فيها البينة والقرائن ، كان لها أن تطاب ابطال الهية اللاكراه . ومن القرائن على الأتراه مركز الزوجة من زوجها ، وقيمة الشی الموهوب ، والظروف التي نشرت فيها الهبة ،"
وقد قدمنا ما قررته المذاهب الثلاثة غير المذهب الحنفي في جواز اعتصار الوالد ( أنظر آنفا فترة 125 وفي الفقه الحنفي يرجع الوالد في هبته لولده بفير قضاء ولا رضاء عن طريق الإنفاق على نفسه من مال ولده عند الحاجة الى ذلك ، لا عن طريق الرجوع في الهبة (المبسوط للسرخسی ۱۲ ص 54 - البدائع 6 ص ۱۲۸ - فتح القدير ۷ ص ۱۳۲). وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بجواز رجوع الوالد فيها وهبه لابنه حتى بعد القبض ودون حاجة الى تراض أو تتاض ، ولو كان الوالد قد نزل عن حقه في الرجوع ( 8 يناير 1924 م 36 ص ۱۱۷)، ويغلب أن يكون ذلك أخذا بالمذهب الحنفي من أن الوالد ينفق على نفسه من مال ولده عند الحاجة
قارن ما قضت محكمة النقض بانه يجوز للواهب، طبقا لنص المادة 500 من القانون المدني الرجوع في الهبة اذا تراضي على ذلك مع الموهوب له أو استند الى عذر يقبله القاضي الا اذا وجد مانع من الرجوع في الهبة من بينها ما نصت عليه الفقرة (ه) وهو «اذا كانت الهبة لذى رحم محرم» ولما كان نص هذه الفقرة قد جاء عاما بغير تخصيص ، مطلقا بغير قيد نیسری على جميع الهبات التي تربط الواهبه فيها بالموهوب له قرابة الرحم والمحرومية ومنها هبة الوالد لولده ، اذ هي هبات لازمة لتحقيق غرض الواهب منها وهو صلة الرحم بصدور الهية ذاتها ، فلا يجوز للواهب الرجوع فيها بغير التراضي مع الموهوب له ، أما القول باخراج هية الوالد لولده من حكم الفترة (ه) سالفة الذكر بحيث يجوز الرجوع فيها طبقا لقواعد الشريعة الاسلامية التي استمد منها القانون المدني الأحكام الموضوعية في الهبة ) فانه يكون تقييدا لمطلق النص بدون قید وتخصيصا لعمومية بغير مخصص وهو ما لا يجوز ( نقض مدنى في ۲۹ أكتوبر سنة 1974 مجموعة أحكام النقض السنة 25 رقم 194 صفحة 1165).
مجلة الأحكام العدلية
مادة (866) الوهب للأصول والفروع
من وهب لأصوله وفروعه أو لأخيه أو لأخته أو لأولادهما أو لعمه وعمته شيئاً فليس له الرجوع.
مادة (874) الصدقة
لا يصح الرجوع عن الصدقة بعد القبض بوجه من الوجوه.