loading
المذكرة الإيضاحية

مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الرابع ، الصفحة :290

مذكرة المشروع التمهيدي :

1 - من خصائص الهبة أنه يجوز الرجوع فيها ، وقد نقل المشروع أحكام الشريعة الإسلامية في ذلك ، فالأصل أنه يجوز الرجوع في الهبة بالتراضي، أو بالتقاضي العذر مقبول إلا إذا وجد المانع.

2 - ويتبين من ذلك أن الرجوع في الحبسة ليس تحكمية من جهة الواهب ، بل هو لا يستطيع الرجوع إلا إذا تراضي على ذلك مع الموهوب له (م 683 من المشروع، ويقابلها م 515 و 527 فقرة أولى من قانون الأحوال الشخصية)، ويعتبر هذا التراضي إقالة من الهبة .

3 - فإذا لم يكن هناك تراض ، فلا يجوز للواهب الرجوع إلا لعذر يقبله القاضي ، ويمتنع الرجوع إذا لم يوجد العذر المقبول ، فالهبة إذن لا تزال محتفظة بصفتها الملزمة إلى حد كبير .

وقد نقل المشروع أمثلة للعذر المقبول عن الشرائع الأجنبية ، وذكر ثلاثة منها لا على سبيل الحصر، فمن الأعذار المقبولة : (أ) أن يصدر من الموهوب له ما يدل على جحود كبير نحو الواهب أو نحو أحد من أقاربه ، كان يرتكب جريمة لا عذر له فيها ضد أحد من هؤلاء ، و يترك تقدير ذلك للقاضي، (ب) أن يصبح الواهب عاجزاً عن أن يوفر لنفسه أسباب العيش بما يتفق مع مكانته الاجتماعية ، فليس من الضروري أن يقع الواهب في فقر مدقع ، بل يكفي أن ينزل عن المستوى اللائق لمكانته ، ومثل ذلك أيضاً أن يصبح الواهب عاجزاً عن النفقة على من تجب عليه شفقته قانوناً، (ج) أن يرزق الواهب بعد الهبة ولداً يظل حياً إلى وقت الرجوع، والمفروض في ذلك أن الواهب لم يكن لديه ولد وقت الهبة ثم رزق الولد بعدها ، أو كان له ولد ظنه ميتاً فوهب ، ثم ظهر الولد فرجع في الهبة ، أما إذا كان له ولد وقت الهية ثم رزق ولداً بعد ذلك فليس له الرجوع.

4- وإذا طلب الواهب الفسخ وقدم لذلك عذراً مقبولاً ، فإن القاضي بالرغم من ذلك لا يحكم بالفسخ إذا وجد مانع من موانع الرجوع في الهبة ، بخلاف الفسخ بالتراضي ، فلا يحول بالبداهة دونه مانع.

موانع الرجوع معروفة في الشريعة الإسلامية ، نقلها المشروع كما هي ، ويمكن حصرها فيما يأتي :

(1) إذا تغير الموهوب زيادة أو نقصاً ، فالتغيير بالزيادة أن تحصل الموهوب زيادة متصلة موجبة لزيادة قيمته كالبناء على الأرض الموهوبة ، فإذا زال المانع عاد حق الرجوع ، أما الزيادة غير المتصلة ، سواء تولدت من الشيء كالنتاج أو لم تولد كآلة ري وضعت في الأرض الموهوبة ، فلا تمنع من الرجوع ، وكذلك لا يمنع من الرجوع ارتفاع ثمن الموهوب ، (انظر م 516 فقرة ثانية من قانون الأحوال الشخصية)، والتغيير بالنقص أن يهلك الموهوب أو يتلف في يد الموهوب له سواء كان ذلك بفعله أو بسبب أجنبي أو بسبب الإستعمال، فإذا لم يملك إلا بعض الشيء جاز الرجوع في الباقي وكالملاك التصرف في الموهوب كله أو بعضه ، فإن فسخ التصرف عاد حق الرجوع (م 518 فقرة ثانية من قانون الأحوال الشخصية).

(ب) إذا كانت هناك علاقة عائلية بين الواهب والموهوب بأن كانت الهبة من الزوج لزوجته ، فلا يجوز الرجوع فيها حتى بعد إنقضاء الزوجية ، أو كانت الهبة لذي رحم محرم .

(ج) إذا أسقط الواهب حقه في الرجوع بأن قبل عوضاً عن الموهوب له بعد الهبة و بقي العوض في يده، أما إذا استحق العوض كله أو بعضه عاد للواهب الحق في الرجوع إذا هو رد للموهوب له ما لم يستحق من العوض ، وإذا أعطى العوض عن بعض الموهوب جهاز الرجوع في الباقي ، ويشترط ألا يكون العوض هو بعض الموهوب لأن الهبة تكون قد تمحضت تبرعاً في الباقي فيجوز الرجوع فيه، وقد يسقط الواهب حقه في الرجوع لا لفائدة مادية يتلقاها من الموهوب له ، بل الفائدة أدبية ، وذلك بأن تكون الهبة صدقة ، فلا يجوز الرجوع في الصدقة لأنها قرية لوجه الله ولو كانت لغتي (م 529 فقرة 2 من قانون الأحوال الشخصية) ، ويلاحظ أن الواهب إذا تنازل عن حق الرجوع ، فإن تنازله لا يعتبر ، ويجوز له الرجوع بالرغم من هذا التنازل (م 515 من قانون الأحوال الشخصية ).

(د) إذا مات الواهب أو الموهوب له ، فإن حق الرجوع لا يكون لورثة هذا أو ذاك . 

الأحكام

1-  لما كان يجوز للواهب طبقاً لنص المادة 500 من القانون المدنى الرجوع فى الهبة إذا تراضى على ذلك مع الموهوب له أواستند إلى عذر يقبله القاضى إلا إذا وجد مانع من موانع الرجوع فى الهبة وكانت المادة 502 من القانون ذاته قد عددت موانع الرجوع فى الهبة ومن بينها ما نصت عليه الفقرة (د) وهو إذا كانت الهبة من أحد الزوجين لآخر ولو أراد الواهب الرجوع بعد انقضاء الزوجية والفقرة " ه " وهو إذا كانت الهبة لذى رحم محرم وقد جاء النص عاماً بغير تخصيص ، مطلقاً بغير قيد فيسرى على جميع الهبات التى تربط الواهب فيها بالموهوب له . وهى رابطة الزوجية وقرابة الرحم والمحرمية . ومنها هبة الوالد لولده إذ هى هبات لازمة لتحقيق غرض الواهب منها وهى توثيق عرى الزوجية ما بين الزوجين وصلة الرحم بصدور الهبة ذاتها فلا يجوز للواهب الرجوع فيها بغير التراضى مع الموهوب له أما القول بأن نص المادة 501 من القانون المدنى حدد الأعذار المقبولة للرجوع فى الهبة وجاء عاماً فلا يخصص بما تضمنه نص المادة 502 من القانون ذاته من موانع الرجوع فى الهبة فإنه يكون تقييداً لمطلق نص المادة 500 من القانون المدنى بدون قيد وتخصيصاً لعمومه بغير مخصص وهو ما لا يجوز . وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى بأحقية المطعون ضده الأول زوج الطاعنة الأولى ووالد باقى الطاعنين فى الرجوع فى الهبة للعقار موضوع النزاع لهم على قالة " جحودهم له ونكران جميله وعدم الوفاء بما عليهم من احترام وحماية رعاية لأبيهم وأمه بما يعد عذراً مقبولاً يبرر ذلك " فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون .

(الطعن رقم 7669 لسنة 81 جلسة 2012/03/20 س 63 ص 461 ق 71)

2- لما كان التكييف الصحيح لتداخل طرف ثالث فى عقد بيع العقاروقيامه بدفع كامل الثمن من ماله إلى البائع على سبيل التبرع مقابل أن تنتقل الملكية من الأخير إلى المشترى مباشرة أن هذا التصرف فى حقيقة هبة غير مباشرة وأن المال الموهوب ليس هو الثمن بل هو العقار المبيع ذاته وكان الثابت من عقد البيع موضوع الدعوى أن مورثة الطاعنين كانت طرفاً فيه وقد تضمن هذا العقد إنها هى التى دفعت إلى البائعين كامل الثمن من مالها تبرعاً منها للمشترين مما مفاده أن المورثة هى المشترية الحقيقية للأطيان المبيعة وقد قصدت بتصرفها أن تختصر الطريق والإجراءات فلا تشترى بعقد ثم تهب بآخر بل يتم الأمران بعقد واحد وكان التكييف الصحيح لهذا التصرف إنه هبه غير مباشرة منها لولدها وزوجته وأولادهما وان المال الموهوب فى الحقيقة ليس هو الثمن كما هو وارد بالعقد بل هو الأطيان المبيعة ذاتها لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر وجرى فى قضائه على أن المورثه لم تكن طرفاً فى العقد وإستخلص منعبارات العقد أن المال الموهوب هو الثمن وليس الأطيان المبيعة وأن هذا الثمن قد هلك بدفعه من المشترين إلى البائعين ورتب الحكم على هذا الإستخلاص الفاسد عدم جواز الرجوع فى الهبة تطبيقاً لنص الفقرة السادسة من المادة 502 من القانون المدنى وتحجب بذلك عن مواجهة ما أثارته الواهبة من جحود المطعون ضدها الأولى فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ فى تطبيقه وشابه قصور فى التسبيب .

(الطعن رقم 2342 لسنة 55 جلسة 1988/10/25 س 39 ع 2 ص 1130 ق 188)

3- البين من الإطلاع على الحكم المطعون فيه أنه إستند فى قضائه بتأييد الحكم الإبتدائى إلى أن عدم أداء الطاعن الموهوب له  فوائد شهادات الإستثمار للمطعون عليه الأول الواهب حسبما هو ثابت فى تحقيق النيابة المودع ملف الدعوى يعتبر جحوداً كبيراً منه يجيز لهذا الأخير الرجوع فى الهبة دون ما حاجة لبحث مايثيره الطاعن فى شأن توفر سبب آخر من أسباب الرجوع فى الهبة وهو عجز الواهب عن توفير أسباب المعيشة لنفسه ولزوجته وإذ كان مؤدى ذلك أن المحكمة إكتفت بالجحود سبباً للرجوع فى الهبة وإعتبرته متحققاً لمجرد إمتناع الطاعن عن الوفاء للواهب بالفوائد المستحقة بصرف النظر عن ملاءة الواهب أوإعساره وكان هذا الذى إنتهى إليه الحكم المطعون فيه يقوم على أسباب سائغة تكفى لحمل قضائه فى هذا الخصوص فإن النعى عليه برفضه التحقق من إعسار المطعون عليه الأول يكون غير منتج .

(الطعن رقم 49 لسنة 43 جلسة 1979/03/13 س 30 ع 1 ص 778 ق 142)

4- حق الخاطب الواهب فى إسترداد هدايا الخطبة يخضع لأحكام الرجوع فى الهبة الواردة فى المادة 500 وما بعدها من القانون المدنى وتشترط المادة المذكورة للرجوع فى الهبة فى حالة عدم قبول الموهوب له أن يستند الواهب فى الرجوع إلى عذر يقبله القاضى وإذ كانت محكمة الموضوع قد أعملت حكم هذه المادة وإنتهت فى حدود سلطتها التقديرية إلى عدم أحقية الطاعن فى إسترداد الشبكة والهدايا فإن الحكم المطعون فيه لايكون قد خالف القانون أوأخطأ فى تطبيقه  

(الطعن رقم 62 لسنة 39 جلسة 1974/05/26 س 25 ع 1 ص 948 ق 156)

5- تشترط المادة 500 من القانون المدني للرجوع فى الهبة فى حالة عدم قبول الموهوب له أن يستند الواهب فى الرجوع إلى عذر يقبله القاضي فإذا كان ما تعلل به الطاعن لتبرير حقه فى الرجوع عن تنازله عن الأجرة من وقوعه فى غلط قد ثبت فساده كما أن ما يدعيه من أن دين الأجرة غير قابل للإنقسام غير صحيح فى القانون لأن دين الأجرة وإن كان أصلاً للمورث إلا أنه ما دام بطبيعته قابلاً للإنقسام فهو ينقسم بعد وفاته على الورثة كل بقدر حصته الميراثية إذا كان ذلك فإن العذر الذي استند إليه الطاعن لتبرير حقه فى الرجوع فى إقراره بالتنازل يكون منتفياً.

(الطعن رقم 413 لسنة 30 جلسة 1965/12/16 س 16 ع 3 ص 1278 ق 201)

6- يشترط للرجوع فى الهبة على ما نصت عليه المادة 500 من القانون المدني فى حالة عدم قبول الموهوب له أن يستند الواهب فى الرجوع إلى عذر يقبله القاضى وألا يوجد مانع من موانع الرجوع  فإذا كانت محكمة الموضوع قد أعملت هذه المادة وانتهت إلى عدم أحقية الطاعن فى استرداد مبلغ الشبكة لما رأته فى حدود سلطتها التقديرية وللأسباب السائغة التى أوردتها من انتفاء العذر المقبول الذى يبرررجوع الطاعن فى هبته فإن الحكم المطعون فيه لا يكون قد خالف القانون .

(الطعن رقم 302 لسنة 28 جلسة 1963/10/24 س 14 ع 3 ص 967 ق 135)

شرح خبراء القانون

ويتبين من النص المتقدم الذكر أن الأعذار التي ذكرها المشروع للرجوع في الهبة ليست مذكورة على سبيل الحصر ، وإنما خصت بالذكر لأنها هي الأعذار الغالبة التي تبرر الرجوع في الهبة ، وذلك لا يمنع من أن تقوم أعذار أخرى غير الأعذار المذكورة ، فإذا تقدم الواهب بأي عذر يرى أنه يبرر الرجوع في الهبة ، وأقره القاضي على أن هذا العذر مقبول يبرر الرجوع فسخ القاضي الهبة لهذا العذر، والرجوع في الهبة لعذر مقبول ليس في الواقع من الأمر إلا فسخاً قضائياً للهبة يترك لتقدير القاضي، شأن كل فسخ  قضائي ، ويخلص من ذلك أن من بين الأعذار المقبولة للرجوع في الهبة غير الأعذار التي ذكرها المشروع ، إلا يقوم الموهوب له بالإلتزامات أو التكاليف التي فرضها عليه الهبة ، أو ألا يقدم العوض الذي التزم بتقديمه مقابلاً للهبة ففي هذه الحالة وقد أًصبحت الهبة عقداً ملزماً للجانبين ،وأخل الموهوب له بإلتزامه ، يجوز للواهب أن يطلب فسخ الهبة من القضاء أي أن يطلب الرجوع فيها، ويكون للقاضي حق التقدير ، طبقاً للقواعد المقررة في الفسخ القضائي .

ولقاضي الموضوع سلطة تقديرية في قبول عذر الواهب في الرجوع غير خاضع لرقابة محكمة النقض في تقديره متى كان سائغاً. (الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ الخامس الصفحة/  250)

الأعذار الواردة بالنص ليست على سبيل الحصر وللقاضي أن يستند إلى سواها لا يقضي بفسخ الهبة كعدم قيام الموهوب له بالإلتزامات أو التكاليف التي تفرضها عليه الهبة أو عدم تقديم العرض الذي إلتزم الموهوب له بتقديمه مقابلاً للهبة .

فاذا تحقق القاضي من توافر العذر، فانه لا يقضي بالرجوع في الهبة إلا إذا تبين له أن الهبة غير لازمة، وهذا شرط قانوني للحكم بالرجوع، فيتصدى له القاضي من تلقاء نفسه، وبالتالي إذا وجد مانع من موانع الرجوع في الهبة التي نصت عليها المادة 502 من القانون المدني، قضى برفض الدعوى رغم توافر العذر، فان كان محل الهبة مما يقبل التجزئة، وتعدد الموهوب لهم، وكان الرجوع ممتعاً بالنسبة لبعضهم دون البعض الآخر، جاز الرجوع بالنسبة للآخرين إذا توافر العذر الذي يجيز الرجوع کجحود هؤلاء .

وإذ انتظمت المادة 500 من القانون المدني وما بعدها قواعد الرجوع في الهبة، وهو طريق الإنحلال الهبة، فإن المشرع لم يحصر قواعد إنحلالها في تلك النصوص وحلها، وإنما قصد بها خص الهبة بنوع إضافي من قواعد الإنحلال حسبما تضمنه المصدر التشريعي لها، مبقياً على سائر قواعد الإنحلال التي تخضع لها العقود المالية، وبالتالى يرد على الهبة الفسخ القضائي والفسخ الإتفاقی والتفاسخ والانفساخ، مثلها في ذلك مثل سائر العقود المالية، وتخضع في هذا العدد لكافة القواعد المقررة بالمواد 157، 158، 159، 160، 161 من القانون المدني، فان كان الفسخ قضائياً يستند إلى إخلال الموهوب له بإلتزامه الذي تضمنه عقد الهبة، كعلم الوفاء بالعوض، جاز له توقى الفسخ حتى إقفال باب المرافعة في الاستئناف، وإذا تضمن عقد الهبة شرطاً فاسخاً صريحاً، وجب إعماله متى توافرت الشروط التي أوضحناها بالمادة 158، وهكذا.

ويستند الفسخ إلى إخلال الموهوب له بالتزامه الذي تضمنه عقد الهبة، فهو جزاء على خطأ الموهوب له، بينما يستند الرجوع في الهبة إلى واقعة ظهرت أو إستجدت بعد إبرام الهبة ولا تنطوي على إخلال الموهوب له بإلتزامه، فتكون بمثابة عذر يجوز للواهب الرجوع في هبته.

ويترتب على ذلك، اختلاف السبب في دعوى فسخ الهبة عن السبب في دعوى الرجوع فيها، وبالتالي يجب على المحكمة الإلتزام بسبب الدعوى المرفوعة إليها، فلا يجوز لها تغييره، والعبرة بالسبب الذي استند إليه المدعي في دعواه ، بحيث إذا أخطأ في تكييفه، أنزلت عليه المحكمة التكييف الصحيح ملتزمة في ذلك وقائع الدعوى ومستنداتها، وحينئذ لا يجوز النعي على قضائها بتغيير سبب الدعوى، مثال ذلك أن يرفع الواهب الدعوى طالباً الحكم له بالرجوع في الهبة إستناداً الى أن الموهوب له لم يقم بالوفاء له بالعوض الذي تضمنه عقد الهبة، وحينئذ تنزل المحكمة على الدعوى تكييفها الصحيح، وتعتبر عدم الوفاء بالعوض يمثل إخلالاً من الموهوب له بإلتزامه مما يعتبر معه الدعوى، دعوى فسخ وليست دعوى رجوع، فتقضى بالفسخ، ولا تكون بذلك قد قضت بما لم يطلبه الخصوم أو غيرت سبب الدعوى، لكن لا يجوز لها أن تعتبر هذا الإخلال عذراً يجيز للواهب الرجوع في الهبة إذ تكون بذلك قد غيرت سبب الدعوى من الإخلال بالالتزام إلى توافر العذر للرجوع في الهبة، لاختلاف الاخلال عن العذر طبيعة وحكماً فالأول يجوز الفسخ ولو كانت الهبة لازمة بينما لا يجيز الثانى الرجوع فيها.

كما تخضع الهبة للبطلان الذي تخضع له سائر العقود المالية وفقاً للمادتين 140 ، 141 .

ومناط الإستناد إلى عذر مقبول للرجوع في الهبة ألا يوجد مانع قانوني للرجوع کحالة ما إذا كانت الهبة لذي رحم محرم، نقض 26/2/1989 طعن 420 س 54 ق. (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ السابع  الصفحة/ 128)

الأعذار التي تبرر الرجوع في الهبة والتى نصت عليها المادة ( 501 ) مدني سبعة أعذار ، وقد وردت بالمادة على سبيل المثال لا الحصر ، كما سنرى ونعرض لهذه الأعذار فيما يلي.

العذر الأول

جحود الموهوب له :

فالنص يفترض أنه يقع على عاتق الموهوب له إلتزام حقيقي بالإعتراف بالجميل نحو الواهب بل ونحو أقاربه ، وجعل من الإخلال بهذا الإلتزام عذراً مقبولاً للرجوع في الهبة وكل ما اشترطه القانون هو أن  يكون الإخلال بالإلتزام على درجة من الجسامة بحيث تعتبر جحوداً كبيراً ، فهو قد وضع معياراً مرناً يواجه الحالات المتعددة والحوادث المختلفة، وترك للقاضي في كل حالة تقدير ما يعتبر من الموهوب له جحوداً كبيراً .

ولا يشترط أن تكون الإساءة التي تكشف عن الجحود الكبير، مما يكون جريمة جنائية فأية إساءة بالغة تكفي لتكون جحوداً كبيراً من الموهوب له.

وبالعكس قد يرتكب الموهوب له جريمة ولكنها لا تعتبر إساءة بالغة مثل تسبب الموهوب له بخطئه وإهماله في جرح أو قتل الواهب أو أحد أقاربه، فالموهوب له في هذه الحالة لم يقصد الإساءة إلى الواهب أو أحد أقاربه، ومن ثم لا يكون عمله جحوداً، ويمكن القول أيضاً إن الموهوب له إذا جرح أو قتل الواهب أو أحد أقاربه إستعمالاً لحقه في الدفاع المشروع عن نفسه، لم يعتبر هذا العمل جحوداً منه، إذا هو قصد الدفاع عن نفسه ولم يقصد الإساءة إلى الواهب.

وقد اعتبرت محكمة النقض من قبيل الجحود الكبير أن يكون الوالد وهب ولده مبلغاً من النقود لشراء شهادات إستثمار يقتضي الواهب فوائدها ، دون أن يؤدي الموهوب له هذه الفوائد إلى الواهب.

والملاحظ أن لفظ (الأقارب) جاء مطلقاً ، ويرى البعض التوسع في تفسيره بحيث يشمل الزوج والزوجة.

 العذر الثاني :

عجز الواهب عن توفير أسباب المعيشة لنفسه بما يتفق مع مكانته الإجتماعية أو عجزه عن الإنفاق على الغير :

فليس من الضروري أن يقع الواهب في فقر مدقع ، بل يكفي أن ينزل عن الى اللائق لمكانته الاجتماعية، أو أن يصبح غير قادر على الوفاء بما يفرضه عليه القانون من النفقة للغير كالزوجة والأولاد والأقارب.

ولا يمنع من الرجوع في هذه الحالة أن يظهر الموهوب له استعداده في الإنفاق علي الراهب.

وقاضي الموضوع هنا أيضاً هو الذي يقدر ما إذا كان الضيق المالي الذي وقع فيه الواهب يكفى عذراً للرجوع في الهبة أم لا .

وأساس الرجوع في الهبة في هذه الحالة قريب من نظرية الظروف الطارئة.

- العذر الثالث :

أن يرزق الوالد ولداً بعد الهبة :

والمفروض في ذلك أن الواهب رجل أو إمرأة ، لم يكن له ولد (ذكراً أو أنثى) وقت الهبة ثم رزق الولد بعدها، أو كان له ولد ظنه ميتاً فوهب، ثم ظهر الولد، أما إذا كان له ولد وقت الهبة ثم رزق ولداً آخر بعد ذلك فليس له الرجوع.

وردت الأعذار الثلاثة المنصوص عليها بالمادة 501 على سبيل المثال لا الحصر ويفصح عن ذلك أن المادة نصت في صدرها على أن : "يعتبر بنوع خاص عذراً مقبولاً للرجوع في الهبة" ثم أوردت الأعذار الثلاثة، وقد خصت هذه الأعذار بالذكر لأنها هي الأعذار الغالبة التي تبرر الرجوع في الهبة، ومن ثم يجوز أن تضاف إليها أعذار أخرى تبرر الرجوع في الهبة ، وتخضع هذه الأعذار لتقدير القاضي.

ومن الأعذار الأخرى التي لم يرد النص عليها بالمادة ألا يقوم الموهوب له بالإلتزامات أو التكاليف التي فرضتها عليه الهبة، أو ألا يقدم العرض الذي التزم بتقديمه مقابلاً للهبة أو يقع في غلط عند الهبة.

ومن الأعذار التي تبرر رجوع الخاطب في هدايا الخطبة - وفقاً لقضاء محكمة النقض والمحكمة الدستورية العليا - عدول المخطوبة عن الخطبة السبب لا يرجع إلى الخاطب كتغيير رأيها بشأنه وإمتناعها دون مبرر عن العقد عليها.

وعدول الخاطب عن الخطبة لسبب يرجع إلى المخطوبة بأن تعلن المخطوبة إمتناعها عن الدخول بمسكن الزوجية الذي أعده الخاطب رغم توافر شروطه الشرعية . (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ السادس الصفحة/  165)

الفقة الإسلامي

المذكرة الإيضاحية للإقتراح بمشروع القانون المدني طبقا لاحكام الشريعة الإسلامية

مادة 472

يعتبر على الأخص عذراً مقبولاً للرجوع في الهبة :

(ا) أن يخل الموهوب له بما يجب عليه نحو الواهب ، أو نحو زوجه، أو نحو أحد اقاربه ، بحيث يكون هذا الاخلال جحوداً كبيراً من جانبه .

(ب) أن يصبح الواهب عاجزاً عن أن يوفر لنفسه أسباب المعيشة بما يتفق مع مكانته الاجتماعية ، أو أن يصبح غير قادر على الوفاء بما يفرضه عليه القانون من النفقة على الغير .

(ج) أن يرزق الواهب الذي ليس له ولد وقت الهبة ولداً بعدها، ولو كان جنيناً وقت الهبة متى كان الواهب يجهل ذلك ، أو أن تظهر بعد الهبة حياة ولده الذي كان يظن وقت الهبة أنه میت، على أن يظل الولد في الحالين حياً إلى وقت الرجوع •

(د) أن يخل الموهوب له بما اشترط عليه في العقد من التزامات دون عذر مقبول .

هذه المادة تقابل المادة 501 من التقنين الحالي.

وقد أدخلت على هذه المادة التعديلات الآتية :

ا- أضيف الزوج ، وهو يشمل الزوج والزوجة ، إلى الأشخاص المذكورين في البند الأول ، إذ إن رابطة الزوجية لا تقل عن الرابطة بأقرب قريب •

۲عدلت صياغة البند الثالث على نحو تتضح منه حقيقة الحكم المقصود من النص . فالمفروض في العذر الا يكون للواهب ولد وقت الهبة ، ذكر أو أنثي ، ثم يرزق بولد بعدها . ويتوفر العذر اذا كان الولد ما يزال جنيناً ويجهل الواهب ذلك . وفي جميع الأحوال يجب أن يظل الولد حياً إلى وقت الرجوع.

٣أضيفت إلى المادة بند رابع يقضي بان يعتبر عذراً مقبولاً للرجوع في الهبة اخلال الموهوب له بالتزام يفرضه العقد عوضاً عن الهبة . ويعتبر طلب فسخ الهبة في هذه الحالة تطبيقاً للقواعد العامة .

والمادة المقترحة تقابل المادة 621 من التقنين العراقي .

و تقابل المادة 577 من التقني الأردنی.

و تقابل المادة 538 من التقنين الكويتي.

والظاهر في المذهب الحنفي أن الواهب هو الذي يستقل بتقدير العذر في الرجوع في الهية دون رقابة عليه ، فيكفي في ذلك أن يرفع الواهب الأمر إلى القضاء ، اذا لم يتراض مع الموهوب له على الرجوع ، حتى يجيبه القضاء على طلبه ( أنظر المبسوط للسرخسي ج ۱۲ ص 53 و 54 . البدائع ج 6 ص ۱۲۸ : أحمد ابراهيم في التزام التبرعات ، مجلة القانون والاقتصاد السنة 3 ص 52)، ولكن المشروع، كما فعل التقنين الحالى ، قید من هذا الإطلاق، فأوجب للرجوع في الهبة عذراً مقبولاً، فقد يجيبه القاضي الى طلبه وقد يرفض هذا الطلب . والاعذار المذكورة في المادة المقترحة لم ترد على سبيل الحصر، وانما خصت بالذكر لأنها الاعذار الغالبة التي تبرر الرجوع في الهبة : فقد تقوم اعذار أخرى غيرها .

واشتراط عذر مقبول للرجوع في الهبة يتفق مع الغرض المقصود من الهبة و يتسق مع القواعد العامة في الفقه الاسلامی - وقد رأينا أن المالكية والشافعية والحنابلة ، على خلاف الحنفية ، لا يجيزون الرجوع في الهبة الا في حالة واحدة هي حالة هبة الوالد لولده ، وقد استرشد المشروع في تقييد حق المواهب في الرجوع برأيهم .

أنظر المذكرة الايضاحية للنص المقابل في المشروع التمهيدي للتقنين الحالي (م 685) في مجموعة الأعمال التحضيريه ج 4 ص ۲۹۰ -292