مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الرابع ، الصفحة : 366
مذكرة المشروع التمهيدي للمادة 710 من المشروع :
يعدد نص هذه المادة بجميع فقراتها أسباب انقضاء الشركة ، ومن بين هذه الأسباب ما لا يحتاج إلى شرح أو تعلیق ، کانقضاء الشركة بانتهاء العمل الذي قامت من أجله، أو بإجماع الشركاء على حلها ، كما أن انقضاء الشركة بحكم قضائي يصدر تحلها سنعرض له بالتفصيل عند الكلام على المادة 714 من المشروع التي تنظمه . ولذلك سيقتصر كلامنا على الأسباب الأربعة الباقية : انقضاء الميعاد المحدد للشركة ، وهلاك مال الشركة وموت أحد الشركاء أو الحجر عليه أو إفلاسه ، وانسحاب أحد الشركاء .
1 - تنقضي الشركة بانتهاء الأجل المحدد لها ، لأن العقد شريعة المتعاقدين وما دام الميعاد المحدد في عقد الشركة لبقائها قد انقضى فإن الشركة تنتهي بقوة القانون .
حتى لو كان هذا ضد رغبة الشركاء وما عليهم ، إذا أرادوا الاستمرار في المشروع، إلا أن يتفقوا على إنشاء شركة جديدة ، على أنه يجوز أن تستمر الشركة في أعمالها بعد انتهاء الأجل المتفق عليه .
(أ) إذا لم يكن الأجل مطلقاً ، كما إذا تبين من الظروف أن تحديده كان بوجه التقريب على اعتبار أن العمل الذي أنشئت الشركة من أجله لا يستغرق وقتاً أطول، لأن الاتفاق يجب تفسيره وفقاً لنية المتعاقدين .
(ب) وكذلك إذا اتفق الشركاء قبل انتهاء المدة على مد أجلها إلى وقت آخر.
ويلزم لذلك إجماع الشركاء جميعاً ، أو على الأقل موافقة الأغلبية المشترطة صراحة بالعقد ، وكما يجوز للشركاء مد أجل الشركة قبل حلوله ، كذلك يجوز لهم تقصيره فيتفقون على حل الشركة قبل انقضاء أجلها ، كما تنحل الشركة قبل حلول أجلها إذا اجتمعت كل الحصص في يد شخص واحد.
2 - كذلك تنتهي الشركة بهلاك مالها، سواء أكان الهلاك مادياً أو معنوياً كما إذا استحال على الشركة استعمال أموالها الاستعمال المقصود من وضعها في الشركة السبب سحب الامتياز الممنوح لها مثلاً ، والشرط الأساسي هو أن الهلاك يترتب عليه استحالة استمرار الشركة في عملها ، وعلى ذلك إذا هلكت مباني الشركة بسبب الحريق مثلاً ، فإن ذلك لا ينهي عقد الشركة إذا كان هناك مبلغ تأمين يسمح بإعادة بنائها من جديد ، وهلاك بعض أموال الشركة كهلاكها كلها ، بشرط أن يكون الجزء الباقي غير كاف للقيام بعمل نافع من الأعمال التي تدخل في أغراض الشركة ، و ليس هناك حل ثابت للهلاك الجزئي إذا وصل إليه يجب حل الشركة ، بل المسألة تقديرية متروكة للقاضي ، وإن كان الغالب أن ينص في عقد الشركة على نسبة معينة كالثلث أو الربع بحب عندها الحل .
3 - ويترتب على وفاة أحد الشركاء أو الحجر عليه أو إعساره أو إفلاسه أو تصفية أمواله تصفية قضائية انقضاء الشركة ، ولكن ذلك قادر على شركات الأشخاص ، حيث شخصية الشريك تكون محل اعتبار ، وحيث تقوم الشركة على الثقة الشخصية بين الشركاء ، و كل الأسباب السابقة تؤدي إلى زوال هذه الثقة ، أضف إلى ذلك أن الشريك يحل محله الوارث أو القيم أو السنديك أو المصفي ، وكلهم أجانب من الشركة لاصلة لهم بالشركاء، فبوفاة أحد الشركاء تنقضي الشركة ، ولاحل ورثة المتوفي محله فيها إلا إذا اتفق على ذلك ( انظر م 713 من المشروع ) ، والحجر أيضاً يترتب عليه بحكم القانون انحلال الشركة ، ويستوي في ذلك أن يكون الحجر قانونياً بناءً على عقوبة جنائية أم قضائية لعته أو جنون أو سفه ، وكذلك تنقضي الشركة بحكم القانون إذا أفلس أحد الشركاء أو أعسر أو صفيت أمواله تصفية قضائية ويلاحظ أن القيم على الشريك المحجور عليه أو سنديك تفليسته أو المصفي لأمواله لا يحلون محله في الشركة المنقضية بسبب الحجر عليه أو إفلاسه أو تصفية أمواله .
4 - في الشركات التي لها أجل محدد لا يجوز للشريك أن ينفصل عنها قبل حلول أجلها ، لأن القواعد العامة لا تجيز لأحد المتعاقدين أن يستقل بإنهاء العقد من جانبه بدون رضاء باقي الشركاء ، ولكن المشرع خرج عن هذا المبدأ في الشركات التي ليس لها أجل معلوم ، فأجاز للشريك أن ينسحب منها بمجرد إرادته المنفردة ، لأنه لا يجوز لشخص أن يرتبط بالتزام يقيد حريته إلى أجل غير محدد لتنافي ذلك مع الحرية الشخصية التي هي من النظام العام ، وكل اتفاق على خلاف ذلك يكون باطلاً ، ويمكن قياس هذه الحالة على عقد العمل غير محدد المدة حيث يجوز فسخه في أي وقت بمجرد إرادة أحمد المتعاقدين (م 404/ 492 من التقنين الحالي و م 960 من المشروع) - ولكن حتى يكون للشريك حق الإنسحاب لا بد أن تكون الشركة غير محددة المدة ( و يستوى في ذلك أن تكون الشركة قد حدد لبقائها مدة حياة الشركاء أو أجل يستغرق عمر الإنسان العادي ) ، وألا يكون للشريك حق التنازل عن حصته في الشركة بلا قید و شرط، لأن القصد من تقرير هذا الحق للشريك هو السماح له بأن يتجلل في أي وقت يشاء من الالتزام الذي يقيد حريته لمدة غير محددة ، وإذا كان يجوز له في أي وقت بلا قيد ولا شرط أن يخرج من الشركة عن طريق التنازل عن حصته فإنه لا يمكن مطلقاً تبرير حقه في الإنسحاب مجرد إرادته المنفردة ، فيقضى بذلك على الشركةوالفقه والقضاء بجمعان على هذا الرأي ( استئناف مختلط 22 مايو سنة 1920 ب 32 ص 323) ، ويبدو من النص أنه حتى يصح انسحاب الشريك لا بد من توافر شرطين :
(1) أن يكون الإنسحاب حاصلاً بحسن نية، ولم يحدد المشروع حسن النية بل ترك تقديره لظروف ، ومن المقرر في هذا الصدد أن الشريك لا يعتبر حسن النية إذا كان لم ينسحب من الشركة إلا لكي يتمكن من الانفراد بربحها .
(2) ألا يحصل الانسحاب في وقت غير لائق ، و تحديد ذلك مرتبط بالظروف والمرجع فيه تقدير القاضي ، و يعتبر الانسحاب حاصلاً في وقت غير لائق إذا حدث مثلاً في إبان أزمة ، أو أثناء الفترة الأولى لاستقرار الشركة وقبل حصولها على أرباح قريبة منتظرة ، و يفترض حسن نية الشريك المنسحب ، وعلى من يدعي العكس إثبات ذلك ، وقد اشترط المشروع فيما يتعلق بشكل الانسحاب وميعاد حصوله بإعلان لبقية الشركاء ، وأن يتم الإعلان قبل الانسحاب بثلاثة أشهر على الأقل ، وإلا كان باطلاً بطلانا نسبياً لمصلحة بقية الشركاء ، ويترتب على الانسحاب انتهاء الشركة بحكم القانون إلا إذا اتفق على خلاف ذلك ( انظر م 713 من المشروع )، وأخيراً يلاحظ أن حق الشريك في الانسحاب من الشركة بإرادته المنفردة هو حق شخصي محض ، ولذلك لا يجوز لدائنيه استعماله عن طريق الدعوى غير المباشرة .
المشروع في لجنة المراجعة
تليت المادة 710 من المشروع، واقترح معالي السنهورى باشا إعادة صياغتها وترتيبها ترتيباً يمنع من التكرار، ويجمع ما بين الأحكام المتقاربة مع حذف بعض أحكام تفصيلية ، وأصبح النص النهائي ما يأتي :
1- تنتهي الشركة بانسحاب أحد الشركاء إذا كانت مدتها غير محددة على أن يعلن الشريك إرادته في الانسحاب لسائر الشركاء قبل حصوله بثلاثة أشهر، وعلى ألا يكون انسحابه عن غش أو في وقت غير لائق .
2 - وتنتهي أيضاً بإجماع الشركاء على حلها .
وأصبح رقم المادة 557 في المشروع النهائي .
وقدمت بعد استبدال كلمة « معينة » بكلمة « محددة »، في الفقرة الأولى .
المشروع في مجلس النواب
وافق المجلس على المادة دون تعديل تحت رقم 557
المشروع في مجلس الشيوخ
مناقشات لجنة القانون المدني :
محضر الجلسة التاسعة والعشرين
تليت المادة 557 فرأى سعادة الرئيس أن مدة ثلاثة الأشهر المحددة ليعلن الشريك إرادته في الانسحاب من الشركة لا محل لها ، لأنه ليس من الجائز أن يوجد الشركاء، وخصوصاً في الشركات الصغيرة، في حرج طيلة هذه المدة .
وقد أيده في هذه الملاحظة الدكتور بغدادی بعد الرجوع إلى النصوص المقابلة في التشريعات الأجنبية .
قرار اللجنة :
وافقت اللجنة على حذف و بثلاثة أشهر ، من الفقرة الأولى من المادة 557 لأن قيد المدة قد يكون مرهقا لسائر الشركاء ، و في القيدين الآخرين ما يفي بتحقيق الغرض الذي يتوخاه الشارع .
تقرير اللجنة :
رأت اللجنة حذف عبارة بثلاثة أشهر من الفقرة الأولى واكتفت بأن الشريك الذي يريد أن ينسحب من شركة غير محددة المدة يعلن انسحابه إلى سائر الشركاء قبل حصوله دون تقيد بزمن، على ألا يكون الانسحاب واقعاً عن غش أو في وقت غير لائق لأن قيد المدة ، قد يكون مرهقاً لا يتفق مع قواعد العدالة .
وأصبح رقمها 529
مناقشات المجلس :
وافق المجلس على المادة كما عدلتها اللجنة .
1- مؤدى نص المادة 58 من القانون التجارى أنه يجب شهر إنقضاء الشركة إذا كان نتيجة لإرادة الشركاء كإجماعهم على فسخها قبل إنتهاء مدتها أو إنسحاب أحد الشركاء منها ، أما إذا كان الإنقضاء نتيجة إنهاء الميعاد المحدد للشركة فلا يلزم شهره .
(الطعن رقم 1190 لسنة 48 جلسة 1981/05/25 س 32 ع 2 ص 1598 ق 288)
2- يجوز فى شركات التضامن نزول أحد الشركاء عن حصته فى الشركة لواحد من شركائه فيها ويقع التنازل صحيحاً منتجاً لآثاره فيما بين المتنازل والمتنازل إليه . وإذ كانت المواد 48 و ما بعدها من قانون التجارة قد أوجبت شهر عقد شركة التضامن وما يطرأ عليه من تعديلات وكان تنازل الشريك عن حصته فى الشركة تتضمن تعديلاً للعقد بخروج أحد الشركاء من الشركة ، فإنه يتعين لذلك شهره ويقع واجب الإشهار على عاتق كل شريك إلا أنه إذا تخلف صاحب المصلحة فى إجرائه ليضع حدا لمسئولية قبل الغير فإن ذلك يعد منه تقصيراً ولا يجوز له أن يتمسك بعدم حصول الشهر ليفيد من تقصيره وليتخلص من إلتزاماته قبل المتنازل له من الشركاء . وإذا كانت الطاعنة - إحدى الشركاء - قد تمسكت أمام محكمة الإستئناف بأن المطعون ضدها الثانية قد باعت إليها حصتها وحصة المطعون ضده الأول التى آلت إليها ملكيتها من قبل بطريق الشراء منه ، وأنها أوفت لها بالثمن كاملاً فخلصت لها ملكية الفندق وإنقضت بذلك الشركة لخروج الشريكين السابقين منها وإجتماع كل حصص الفندق فى يدها ، وأنه لاوجه لإحتجاج أحدهما أوكلاهما ببطلان تعديل شركة إعتبرت منقضية لعدم إشهاره ، وقد رد الحكم الطعون فيه على ذلك بقوله " إن حصول تعديل بخروج شريكين من الشركة وعدم شهره مما يوجب بطلان هذا التعديل ويظل عقد الشركة صحيحاً كما هو إذ يقتصر البطلان على هذا التعديل ويحتفظ كل من المطعون ضدهما الأول والثانية بحصتيهما المطالبة بتثبيت الملكية عنها فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون إذ لا يترتب على عدم الإشهار إستفادة من قصر فى القيام به ، كما لا يترتب عليه عودة المبيع إلى من باعه لتعارضه مع الضمان الملزم به .
(الطعن رقم 298 لسنة 41 جلسة 1976/03/22 س 27 ع 1 ص 718 ق 142)
3- الأصل فى حصة الشريك فى شركات الأشخاص أنها غير قابلة للتنازل إلا بموافقة سائر الشركاء أخذاً بأن الشريك قد لوحظت فيه اعتبارات شخصية عند قبوله شريكاً ، إلا أنه مع ذلك يجوز له أن يتنازل عن حقوقه إلى الغير بدون موافقتهم وإذا وقع التنازل بغير الحصول على موافقة الشركاء فلا يحتج به عليهم ويبقى هذا التنازل قائماً بين طرفيه لأن الشريك إنما يتصرف فى حق من حقوقه الشخصية التى تتمثل فى نصيب فى الأرباح وفى موجودات الشركة عند تصفيتها ولكن لا يكون هذا التنازل نافذاً فى حق الشركة أوالشركاء ويبقى هذا الغير أجنبياً عن الشركة وهو ما نصت عليه المادة 441 من التقنين المدنى السابق ولكن التقنين المدنى الحالى لم يأت بنص مقابل لأن حكمه يتفق مع القواعد العامة .
(الطعن رقم 28 لسنة 40 جلسة 1974/03/27 س 25 ع 1 ص 587 ق 94)
4- متى كان الحكم المطعون فيه قد نفى ما أدعاه أحد الشركاء المتضامن - وهو من موظفى شركات القطاع العام - من بيع حصته فى شركة تجارية وإنسحابه منها ، وقضى بإشهار إفلاسه على هذا الأساس ، فإنه لا يكون قد خالف القانون .
(الطعن رقم 454 لسنة 38 جلسة 1974/02/21 س 25 ع 1 ص 404 ق 66)
تنص المادة 529 من التقنين المدني على ما يأتي :
تنتهي الشركة بانسحاب أحد الشركاء إذا كانت مدتها غير معينة ، على أن يعلن الشريك إرادته في الانسحاب إلى سائر الشركاء قبل حصوله ، وألا يكون انسحابه عن غش أو في وقت غير لائق " .
وتنتهي أيضاً بإجماع الشركاء على حلها .
ويخلص من هذا النص أنه إذا كانت الشركة غير معينة المدة ، جاز لأي شريك أن ينسحب منها بشروط معينة ، ويترتب على انسحابه انقضاء الشركة .
فيجب إذن جواز انسحاب الشريك أن تكون الشركة غير معينة المدة فإذا كانت مدتها معينة من حيث الوقت أو من حيث العمل ، بأن كانت مدتها مثلاً خمس سنوات أو كان العمل الذي تقوم به هو بيع أراض محددة ، لم يجز للشريك أن ينسحب منها ، ووجب عليه البقاء إلى إنتهاء المدة أو إلى انتهاء العمل ، وليس له في هذه الحالة إلا أن يطلب من القضاء إخراجه من الشركة متى استند في ذلك إلى أسباب معقولة ، وفقاً للفقرة الثانية من المادة 531 مدني وسيأتي بيانها ، أما إذا كانت الشركة غير معينة المدة وغير محددة العمل ، فقد أجاز القانون لكل شريك كما قدمنا أن ينسحب منها ، إذا لا يجوز لشخص أن يرتبط بالتزام يقيد حريته إلى أجل غير محدد ، لتعارض ذلك مع الحرية الشخصية التي هي من النظام العام ، وكل اتفاق على خلاف ذلك يكون باطلاً وتقاس هذه الحالة على عقد العمل غير محدد المدة ( م 694 / 2 مدني ) أو على عقد الإيجار غير محدد المدة ( م 563 مدني ) ، حيث يجوز لكل من المتعاقدين أن يضع حداً لعلاقته مع المتعاقد الآخر بإخطار يصدره منه وحده ، وتعتبر الشركة غير معينة المدية إذا حددت لها مدة حياة الشركاء ، أو مدة طويلة تستغرق العمر العادي للإنسان وقد تكون الشركة غير معينة المدة ومع ذلك لا يجوز للشريك أن ينسحب منها ، إذا كان له الحق في التنازل عن نصيبه في الشركة دون قيد أو شرط ، وتقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد : " لأن القصد من تقرير هذا الحق للشريك هو السماح له بأن يتحلل في أي وقت يشاء من الإلتزام الذي يقيد حريته لمدة غير محددة ، وإذا كان يجوز له في أي وقت بلا قيد ولا شرط أن يخرج من الشركة عن طريق التنازل عن حصته ، فإنه لا يمكن مطلقاً تبرير حقه في الانسحاب بمجرد إرادته المنفردة بذلك على الشركةوالفقه والقضاء مجمعان على هذا الرأي : استئناف مختلط 22 مايو سنة 1920 م 32ص 323 " .
فإذا كانت الشركة غير معينة المدة وغير محددة العمل ولم يكن للشريك حق التنازل عن نصيبه في الشركة دون قيد أو شرط ، جاز له ، كما قدمنا ، أن ينسحب من الشركة ، ولكن يشترط لجواز انسحابه أن يعلن إرادته في الانسحاب إلى سائر الشركاء قبل حصوله ، وأن يكون حسن النية في الانسحاب ، وألا ينسحب في وقت غير لائق أما إعلان الانسحاب فليس له شكل خاص ، فيصح أن يكون على يد محضر ، كما يصح أن يكون بكتاب مسجل أو غير مسجل ، بل يصح أن يكون شفوياً لكن عبء الإثبات يقع عليه ولا ميعاد للإعلان ، وقد كان المشروع التمهيدي للتقنين المدني الجديد يحدد له ميعاداً ثلاثة أشهر قبل حصول الانسحاب ولكن لجنة مجلس الشيوخ حذفت هذا الميعاد واكتفت بألا يكون الانسحاب في وقت غير لائق " لأن قيد المدة قد يكون مرهقاً لا يتفق مع قواعد العدالة وأما أن يكون الشريك المنسحب حسن النية في انسحابه ، فذلك حتى لا يسئ إستعمال حقه في الانسحاب ، فيكون مترقباً مثلاً صفقة تدخل في أعمال الشركة ولو بقى فيها عادت أرباح الصفقة على الشركة ، فيعمد إلى الانسحاب ثم يعقد هذه الصفقة وحده حتى ينفرد بالأرباح وأما أن يكون الانسحاب غير واقع في وقت غير لائق ، فذلك حتى لا تضطرب أعمال الشركة وتضار بخروج الشريك وانحلال الشركة في وقت أزمة مثلاً أو في وقت كانت الشركة تنتظر فيها أرباحاً قريبة ، أو في وقت شرعت الشركة فيه في عمل فأصبح من مصلحتها أن يؤجل انحلالها ، وتحديد ذلك مرتبط بالظروف ، والمراجع فيه تقدير القاضي عند اختلاف الشركاء. (الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفي الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ الخامس ، الصفحة/460)
يجوز للشريك الانسحاب من الشركة إذا كانت الشركة غير معينة المدة - وتعتبر كذلك إذا تجاوزت مدتها عمر الإنسان العادي وغير محددة العمل ولم يكن للشريك حق التنازل عن نصيبه في الشركة دون قيد ولا شرط ومن ثم اذا كانت الشركة معينة المدة أو محددة العمل أو كان للشريك الحق في التنازل عن نصيبه دون قید و شرط ، كان الانسحاب غير جائز ويبقي بالرغم من انسحابه شریکاً ويجب أن يكون حسن النية في انسحابه فلا يقصد من وراء ذلك أن يحصل لنفسه على الربح الذي كان الشركاء سيحصلون عليه، كأن يرغب في الانسحاب لشراء أشياء تريد الشركة شراءها، كما يجب ألا ينسحب في وقت غير لائق كما إذا كانت أعمال الشركة غير تامة ويهم الشركة أن يتأخر انقضائها ويجب أخيراً أن يعلن باقي الشركاء بانسحابه ، وليس لهذا الإعلان شكل خاص فيكون بإعلان على يد محضر أو بكتاب مسجل أو غير مسجل أو شفاهة، ويقع عبء إثباته على الشريك المنسحب، ولما كان إعلان الانسحاب تصرفاً قانونياً فيشترط لإثباته الكتابة أو ما يقوم مقامها فيما يزيد على نصاب البينة، ولا ميعاد للإعلان، ومتى توافرت هذه الشروط جاز للشريك الانسحاب من الشركة، ومن يدعي من الشركاء أن الانسحاب كان في وقت غير لائق أو لم يكن بحسن نية تحمل عبء الإثبات ويجوز ذلك بكافة الطرق، ويكون تحديد تاريخ الانسحاب بالنسبة لغير الشركاء وخاصة دائني تفليسة الشركة هو تاریخ شهر سند انقضاء الشركة، ويترتب على الانسحاب انقضاء الشركة بحكم القانون ولكن يجوز لباقی الشركاء أن يتفقوا على بقاء الشركة فيما بينهم ولا يسرى الانقضاء على الشركات المساهمة لقابلية أسهمها للتداول .
ويصح الاتفاق على أن يكون للشريك الحق في الانسحاب في أي وقت ولو كان سيء النية أو كان الوقت غير لائق ولكن لا يجوز الاتفاق على التنازل عن حق الانسحاب وإلا كان الاتفاق باطلاً لمخالفته للنظام العام، وحق الشريك في الانسحاب هو حق شخصي محض فلا يجوز لدائنيه استعماله عن طريق الدعوى غير المباشرة، ويجوز للشركاء أن يتفقوا جميعاً على حل الشركة ويعتبر ذلك تفاسخاً منهم للشركة ويثبت وفقاً للقواعد العامة، وتسرى هذه الأحكام على الشركات عموماً سواء كانت مدنية أو تجارية فيما عدا ما تعلق بالإثبات .
الانسحاب من الشركة والتنازل عن الحصة :
تختلف أحكام الانسحاب من الشركة أو التنازل عن الحصة فيها وفقاً لنوع الشركة، ففي الشركات المساهمة يحظر التنازل عن أسهم التأسيس إلا بعد انقضاء عامين كاملين على وجودها حسبما تنص عليه المادة 45 من القانون رقم 159 لسنة 1981 بشأن الشركات وإلا كان التنازل باطلاً بطلاناً مطلقاً .
أما شركات الأشخاص، وهي شركات التضامن وشركات التوصية البسيطة، فيجيز القانون للشريك ولو فور تكوین الشركة الانسحاب أو التنازل عن حصته بالشروط التي يحددها عقد تأسيسها إذ روعيت في هذا النوع من الشركات اعتبارات شخصية كان لها أثرها في تكوينها ، لذلك لا يجوز التنازل إلى غير الشركاء إلا إذا تضمن العقد شرطاً يبيح ذلك صراحة فلا يكفي مجرد خلوه من مثل هذا الشرط لأن الأصل في شركات الأشخاص عدم جواز التنازل للغير ومن ثم لا يجوز الخروج على هذا الأصل إلا بنص صريح بحيث إن جاء عقد الشركة خلواً منه تعین قصر التنازل فيما بين الشركاء وحظره بالنسبة للغير.
فإن وجد نص صريح يجيز التنازل للغير تعين الالتزام بنطاقه ، فقد يتطلب توافر فإن وجد نص أغلبية معينة أو انقضاء مدة محددة على تكوين الشركة وحينئذ يجب التقيد بذلك وإلا كان التنازل غير نافذ في حق الشركة .
ولما كان التنازل عن الحصة، كعنصر مادی ، لا يؤدي إلى خفض رأس مال الشركة وبالتالي لا يكون للغير شأن فيه لبقاء الضمان العام المقرر له على ما كان عليه قبل التنازل ومن ثم ينفذ هذا التنازل في حق الغير دون حاجة لشهره وهو ما يصدق على تنازل الشريك الموصي عن حصته حسبما نصت عليه المادة 58 من قانون التجارة التي قصرت إجراءات الشهر على كل تبدیل في الشركاء المتضامنين أو خروج أحدهم من الشركة وعلى جميع الشروط أو الاتفاقات الجديدة التي يكون للغير شأن فيها ورتبت البطلان على مخالفة ذلك ، ولما كان انسحاب الشريك المتضامن أو تنازله عن حصته يخضع لنص المادة سالفة البيان ومن ثم تعین شهره وإلا كان باطلاً ، وجاز التمسك به من کل ذى مصلحة ، أما أن تم وفقاً للأحكام المتقدمة كان نافذاً في حق الغير اعتباراً من تاريخ شهره بالنسبة للشريك المتضامن، ومن تاريخ إبرامه بالنسبة للشريك الموصي، والمراد بالغير هنا هو من يعتبر كذلك بالنسبة للشركة وليس بالنسبة للشريك، وليس لدائن الأخير الاعتراض على التنازل إلا عن طريق الدعوى البوليصية أو دعوى الصورية .
أثر الانسحاب على حقوق الغير :
وإذ يترتب على الانسحاب خفض رأس مال الشركة الممثل للضمان العام لدائنيها ومن ثم لا ينفذ في حق الغير إلا من به تاریخ شهر التعديل المتضمن ذلك سواء كان المنسحب أحد المتضامنين أو الموصيين ، وتتحدد حقوق والتزامات الشريك المتضامن في حالتي الانسحاب والتنازل على النحو التالي :
أولاً : ديون الشركة السابقة على إشهار التنازل أو الانسحاب :
يظل الشريك المتضامن مسئولاً عن ديون الشركة السابقة على إشهار التنازل مسئولية كاملة باعتباره شريکاً متضامناً ، فلدائني الشركة التنفيذ على أمواله كلها سواء ما اكتسبه منها قبل الإشهار أو بعده لأن ذمته المالية لا تتجزأ ولأنه مسئول في كل أمواله، وإذا كانت الشركة تجارية وحكم بإفلاسها ، فيشهر إفلاسه تبعاً لإفلاس الشركة ولو لم ينص بمنطوق الحكم على إشهار إفلاسه ، وتخضع تصرفاته لأحكام فترة الريبة ويسرى في حقه حكم الإفلاس بالتقصير أو بالتدليس .
ثانياً : ديون الشركة التالية لاشهار التنازل أو الانسحاب :
يترتب على تنازل الشريك المتضامن وإشهار هذا التنازل، تعديل عقد الشركة بخروج هذا الشريك من الشركة واعتباره أجنبياً عنها ، فلا يسأل عن ديونها التي تترتب في ذمتها وليس للدائن الذي يتعامل مع الشركة أن يحتج بعدم علمه بخروج هذا الشريك لأن الإشهار يقيم قرينة قانونية قاطعة لا تقبل إثبات العكس مفادها علم الكافة بتعديل عقد الشركة.
ويتحمل الشريك المتنازل اثبات أن الدين الذي يحتج به عليه قد ترتب في ذمة الشركة بعد إشهار تنازله ، وله أن يثبت بكافة الطرق أن تاريخ الدين قدم غشاً إضراراً به لإظهار نشوء الدين قبل إشهار التنازل .
فإن كانت الشركة مدنية ، فلا تخضع لنظام الشهر ، ولما كان التنازل يعتبر حوالة حق، فانه يجب إعلانه للشركة أو قبولها له لينفذ في حقها ويجب أن يكون التنازل ثابت التاريخ للاحتجاج به على الغير .
أما أن كانت تجارية فلا تسري أحكام الحوالة وإنما أحكام الشهر والقيد بسجل الشركات الموجود بالشركة وليس لها الامتناع عن القيد إلا إذا كان التنازل غير مستوف للشروط المنصوص عليها بعقد الشركة للشريك إشراك الغير في حصته والرديف : الرديف في اللغة هو من يمتطى الدابة خلف راكبها ، فإن كان محظوراً على الشريك التنازل عن حصته إلا بموافقة نسبة معينة من الشركاء ولم تتوافر هذه النسبة ، كان له بدون هذه الموافقة أن يشرك الغير معه في حصته، فيتخذ من هذا الغير (ردیفاً)، وتنحصر العلاقة فيما بينهما وتكون شركة من الباطن عبارة عن شركة محاصة، فيقتسما فيما بينهما الأرباح والخسائر الخاصة بالشريك، وإذا انقضت الشركة اقتسما الحصة مناصفة .
التنازل بعد حل الشركة :
إذا حلت الشركة أصبح كل شريك مالكاً على الشيوع في أموال الشركة الانقضاء الشخصية المعنوية لها، ومن ثم تسري أحكام الشيوع ويكون للشريك التصرف في حصته للغير دون موافقة باقي الشركاء إذا لم يعد لعقد الشركة وجود، ولكن يجوز لهم استرداد هذه الحصة وفقاً لأحكام الشيوع. (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ السابع الصفحة/ 259)
إذا كان منصوصاً في العقد على بقاء الشركة مدة معينة، فإنه لا يجوز للشر الانسحاب منها، لأن القواعد العامة تقضي بألا يستقل أحد المتعاقدين بإنهاء العقد، كما أنه يترتب على القول بغير ذلك أن يترك لأحد الشركاء إنهاء الشركة بإرادته المنفردة .
إذا لم يكن منصوصاً في العقد على أجل للشركة، فإنه يجوز للشريك الانسحاب منها بإرادته المنفردة.
ويعتبر هذا الحكم متعلقاً بالنظام العام، فلا يجوز الاتفاق على خلافه، لأنه لا يجوز الشخص أن يرتبط بالتزام يقيد حريته إلى أجل غير محدد لتنافي ذلك مع الحرية الشخصية التي هي من النظام العام ، ومن ثم فإن مثل هذا الاتفاق يقع باطلاً إلا أنه يشترط لانسحاب الشريك من الشركة توافر شروط ثلاثة هي :
1 - أن يعلن الشريك إرادته في الانسحاب إلى سائر الشركاء قبل حصوله
والهدف من ذلك أن يستعد باقي الشركاء لنتائج انسحاب الشريك وأهمها انقضاء الشركة نظراً لقيام الشركة على الاعتبار الشخصي، ومن ثم عليه أن يخطرهم بعزمه على الانسحاب .
ولم يحدد القانون كيفية حدوث هذا الإعلان ، ومن ثم يجوز حصوله بأية طريقة إما بإعلان على يد محضر، أو بكتاب موصي عليه ويجوز أيضاً أن يحصل مشافهة مع عدم الإخلال بقواعد الإثبات .
كما لم يحدد القانون میعاداً معيناً لإعلان الشريك رغبته في الانسحاب قبل حصوله، ومن ثم تعد هذه المسألة من المسائل التي يستقل بها قاضى الموضوع .
2 - ألا يكون هذا الانسحاب عن غش
ويعتبر الانسحاب عن غش، إذ قصد الشريك منه أن يحصل لنفسه خاصة على الربح الذي كان الشركاء يقصدون الحصول عليه معاً، كأن يرغب في الانسحاب لشراء أشياء تريد الشركة شراءها .
أو إذا حصل الانسحاب رغم وجود نص في عقد الشركة يجيز للشريك التنازل عن حصته .
3 - ألا يكون الانسحاب في وقت غير لائق
ويعتبر الانسحاب في غير الوقت اللائق إذا كانت الأعمال لا تزال غير تامة ويهم الشركة أن يتأخر انقضاؤها لكون الوقت غير ملائم لبيع أموالها أو تكون الشركة على وشك إجراء أعمال تدر عليها أرباحاً كبيرة.
أو كان الانسحاب عقب إنشاء الشركة بوقت وجيز وقبل أن يتمكن الشركاء من تغطية نفقات التأسيس.
أو في وقت أزمة اقتصادية يصعب معها تصفية أموال الشركة .
وتقدر محكمة الموضوع ظروف الانسحاب متى نشب النزاع بشأنه، فإذا قدرت أن الشريك قرر الانسحاب بغير إخطار سابق أو أنه سيء النية، أو أساء اختيار الوقت ، فلها أن ترفض الانسحاب وتجبر الشريك على الاستمرار في الشركة ، ولها فضلاً عن ذلك أن تطلب الحكم عليه بالتعويض .
يعد الحق في الانسحاب من الشركة حقاً شخصياً يملكه الشريك ذاته ، ومن ثم لا يستطيع دائنو الشركة أو دائنو الشريك استعماله نيابة عنه .
تنتهي الشركة بإجماع الشركاء على حلها، وهذا أمر طبيعي فهؤلاء الشركاء هم الذين ألفوا الشركة فيكون لهم بالتالي الحق في إنهائها .
ويستوي في هذا أن تكون الشركة معينة المدة أو ليست كذلك.
الأصل في حصة الشريك في شركات الأشخاص أنها غير قابلة للتنازل إلا بموافقة سائر الشركاء لأن الشركة تقوم على الإعتبار الشخصي ، وإذا حصل هذا التنازل فإنه يسري بين الطرفين ولا يسرى قبل الشركة .(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ السادس ، الصفحة/ 355)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الحادي عشر ، الصفحة / 5
تَخَارُجٌ
التَّعْرِيفُ:
1 -التَّخَارُجُ فِي اللُّغَةِ: مَصْدَرُ تَخَارَجَ، يُقَالُ: تَخَارَجَ الْقَوْمُ: إِذَا أَخْرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نَفَقَةً عَلَى قَدْرِ نَفَقَةِ صَاحِبِهِ. وَتَخَارَجَ الشُّرَكَاءُ: خَرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ شَرِكَتِهِ عَنْ مِلْكِهِ إِلَى صَاحِبِهِ بِالْبَيْعِ
وَفِي الاِصْطِلاَحِ هُوَ: أَنْ يَصْطَلِحَ الْوَرَثَةُ عَلَى إِخْرَاجِ بَعْضِهِمْ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ .
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الصُّلْحُ:
2 - الصُّلْحُ لُغَةً: اسْمٌ لِلْمُصَالَحَةِ الَّتِي هِيَ الْمُسَالَمَةُ خِلاَفَ الْمُخَاصَمَةِ.
وَاصْطِلاَحًا: عَقْدٌ وُضِعَ لِرَفْعِ الْمُنَازَعَةِ .
وَهُوَ أَعَمُّ مِنَ التَّخَارُجِ؛ لأِنَّهُ يَشْمَلُ الْمُصَالَحَةَ فِي الْمِيرَاثِ وَغَيْرِهِ.
ب - الْقِسْمَةُ (أَوِ التَّقَاسُمُ):
3- الْقِسْمَةُ لُغَةً، اسْمٌ لِلاِقْتِسَامِ أَوِ التَّقْسِيمِ، وَتَقَاسَمُوا الشَّيْءَ: قَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ، وَهُوَ أَنْ يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ نَصِيبَهُ
وَشَرْعًا: جَمْعُ نَصِيبٍ شَائِعٍ فِي مَكَانٍ مُعَيَّنٍ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ فِي الْقِسْمَةِ يَأْخُذُ جُزْءًا مِنَ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ، أَمَّا فِي التَّخَارُجِ فَإِنَّ الْوَارِثَ الَّذِي يَخْرُجُ يَأْخُذُ شَيْئًا مَعْلُومًا، سَوَاءٌ أَكَانَ مِنَ التَّرِكَةِ أَمْ مِنْ غَيْرِهَا.
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
4- التَّخَارُجُ جَائِزٌ عِنْدَ التَّرَاضِي، وَالأْصْلُ فِي جَوَازِهِ مَا رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ رضي الله عنه طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تُمَاضِرَ بِنْتَ الأْصْبَغِ الْكَلْبِيَّةَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، ثُمَّ مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ، فَوَرَّثَهَا عُثْمَانُ رضي الله عنه مَعَ ثَلاَثِ نِسْوَةٍ أُخَرَ، فَصَالَحُوهَا عَنْ رُبْعِ ثُمُنِهَا عَلَى ثَلاَثَةٍ وَثَمَانِينَ أَلْفًا. قِيلَ مِنَ الدَّنَانِيرِ، وَقِيلَ مِنَ الدَّرَاهِمِ .
حَقِيقَةُ التَّخَارُجِ:
5 - الأْصْلُ فِي التَّخَارُجِ أَنَّهُ عَقْدُ صُلْحٍ بَيْنَ الْوَرَثَةِ لإِخْرَاجِ أَحَدِهِمْ، وَلَكِنَّهُ يُعْتَبَرُ عَقْدَ بَيْعٍ إِنْ كَانَ الْبَدَلُ الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ التَّرِكَةِ.
وَيُعْتَبَرُ عَقْدَ قِسْمَةٍ وَمُبَادَلَةٍ، إِنْ كَانَ الْبَدَلُ الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِ التَّرِكَةِ.
وَقَدْ يَكُونُ هِبَةً أَوْ إِسْقَاطًا لِلْبَعْضِ، إِنْ كَانَ الْبَدَلُ الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ أَقَلَّ مِنَ النَّصِيبِ الْمُسْتَحَقِّ . وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ.
وَيُشْتَرَطُ فِي كُلِّ حَالَةٍ شُرُوطُهَا الْخَاصَّةُ.
مَنْ يَمْلِكُ التَّخَارُجَ:
6 -التَّخَارُجُ عَقْدُ صُلْحٍ، وَهُوَ فِي أَغْلَبِ أَحْوَالِهِ يُعْتَبَرُ مِنْ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ، وَلِذَلِكَ يُشْتَرَطُ فِيمَنْ يَمْلِكُ التَّخَارُجَ أَهْلِيَّةَ التَّعَاقُدِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ عَاقِلاً غَيْرَ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ، فَلاَ يَصِحُّ التَّخَارُجُ مِنَ الصَّبِيِّ الَّذِي لاَ يُمَيِّزُ، وَلاَ مِنَ الْمَجْنُونِ وَأَشْبَاهِهِ.
وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ ذَا إِرَادَةٍ؛ لأِنَّ التَّخَارُجَ مَبْنَاهُ عَلَى الرِّضَا. (ر: إِكْرَاهٌ).
وَيُشْتَرَطُ فِيمَنْ يَمْلِكُ التَّخَارُجَ كَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِمَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ. وَفِي تَصَرُّفِ الْفُضُولِيِّ خِلاَفٌ بَيْنَ مَنْ يُجِيزُهُ مَوْقُوفًا عَلَى إِجَازَةِ الْمَالِكِ، وَهُمُ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ، وَبَيْنَ مَنْ لاَ يُجِيزُهُ، وَهُمُ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ. وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ مَوْضِعُهُ مُصْطَلَحُ (فُضُولِيٌّ).
وَقَدْ يَكُونُ مِلْكُ التَّصَرُّفِ بِالْوَكَالَةِ، وَحِينَئِذٍ يَجِبُ أَنْ يَقْتَصِرَ التَّصَرُّفُ عَلَى الْمَأْذُونِ بِهِ لِلْوَكِيلِ. (ر: وَكَالَةٌ).
وَقَدْ يَكُونُ مِلْكُ التَّصَرُّفِ كَذَلِكَ بِالْوِلاَيَةِ الشَّرْعِيَّةِ كَالْوَلِيِّ وَالْوَصِيِّ، وَحِينَئِذٍ يَجِبُ أَنْ يَقْتَصِرَ تَصَرُّفُهُمَا عَلَى مَا فِيهِ الْحَظُّ لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ.
فَقَدْ نَقَلَ ابْنُ فَرْحُونَ عَنْ مُفِيدِ الْحُكَّامِ فِي الأْبِ يُصَالِحُ عَنِ ابْنَتِهِ الْبِكْرِ بِبَعْضِ حَقِّهَا مِنْ مِيرَاثٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَحَقُّهَا بَيِّنٌ لاَ خِصَامَ فِيهِ، أَنَّ صُلْحَهُ غَيْرُ جَائِزٍ، إِذْ لاَ نَظَرَ فِيهِ، أَيْ لاَ مَصْلَحَةَ، وَتَرْجِعُ الاِبْنَةُ بِبَقِيَّتِهِ عَلَى مَنْ هُوَ عَلَيْهِ . وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي: (وِصَايَةٍ، وِلاَيَةٍ).
شُرُوطُ صِحَّةِ التَّخَارُجِ:
لِلتَّخَارُجِ شُرُوطٌ عَامَّةٌ بِاعْتِبَارِهِ عَقْدَ صُلْحٍ، وَشُرُوطٌ خَاصَّةٌ بِصُوَرِ التَّخَارُجِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ الصُّوَرِ، وَسَتُذْكَرُ عِنْدَ بَيَانِهَا.
أَمَّا الشُّرُوطُ الْعَامَّةُ فَهِيَ:
7 - أ - يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ التَّخَارُجِ أَنْ تَكُونَ التَّرِكَةُ - مَحَلَّ التَّخَارُجِ - مَعْلُومَةً، إِذِ التَّخَارُجُ فِي الْغَالِبِ بَيْعٌ فِي صُورَةِ صُلْحٍ، وَبَيْعُ الْمَجْهُولِ لاَ يَجُوزُ، وَكَذَا الصُّلْحُ عَنْهُ، وَذَلِكَ إِذَا أَمْكَنَ الْوُصُولُ إِلَى مَعْرِفَةِ التَّرِكَةِ، فَإِذَا تَعَذَّرَ الْوُصُولُ إِلَى مَعْرِفَتِهَا جَازَ الصُّلْحُ عَنِ الْمَجْهُولِ، كَمَا إِذَا صَالَحَتِ الزَّوْجَةُ عَنْ صَدَاقِهَا، وَلاَ عِلْمَ لَهَا وَلاَ لِلْوَرَثَةِ بِمَبْلَغِهِ، وَهَذَا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالإْمَامِ أَحْمَدَ، وَبَعْضِ الْحَنَابِلَةِ الَّذِينَ لاَ يُجِيزُونَ الصُّلْحَ عَنِ الْمَجْهُولِ. وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ جَوَازُ الصُّلْحِ عَنِ الْمَجْهُولِ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ تَعَذَّرَ عِلْمُهُ أَوْ لَمْ يَتَعَذَّرْ. وَدَلِيلُ الصُّلْحِ عَنِ الْمَجْهُولِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْعِلْمِ بِهِ: «أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم قَالَ لِرَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا فِي مَوَارِيثَ دَرَسَتِ: اقْتَسِمَا وَتَوَخَّيَا الْحَقَّ ثُمَّ اسْتَهِمَا ثُمَّ تَحَالاَّ» .
أَمَّا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فَلاَ يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ أَعْيَانُ التَّرِكَةِ مَعْلُومَةً فِيمَا لاَ يَحْتَاجُ إِلَى قَبْضٍ؛ لأِنَّهُ لاَ حَاجَةَ فِيهِ إِلَى التَّسْلِيمِ، وَبَيْعُ مَا لَمْ يُعْلَمْ قَدْرُهُ جَائِزٌ، كَمَنْ أَقَرَّ بِغَصْبِ شَيْءٍ، فَبَاعَهُ الْمُقَرُّ لَهُ مِنَ الْمُقِرِّ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفَا قَدْرَهُ؛ وَلأِنَّ الْجَهَالَةَ هُنَا لاَ تُفْضِي إِلَى الْمُنَازَعَةِ، وَدَلِيلُ جَوَازِ ذَلِكَ أَثَرُ عُثْمَانَ فِي تَخَارُجِ تُمَاضِرَ امْرَأَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ .
8 - ب - أَنْ يَكُونَ الْبَدَلُ مَالاً مُتَقَوِّمًا مَعْلُومًا مُنْتَفَعًا بِهِ مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ، فَلاَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْبَدَلُ مَجْهُولاً جِنْسًا أَوْ قَدْرًا أَوْ صِفَةً، وَلاَ أَنْ يَكُونَ مِمَّا لاَ يَصْلُحُ عِوَضًا فِي الْبَيْعِ. وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ، إِذْ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: إِذَا كَانَ الْعِوَضُ لاَ يَحْتَاجُ إِلَى تَسْلِيمٍ، وَكَانَ لاَ سَبِيلَ إِلَى مَعْرِفَتِهِ كَالْمُخْتَصِمِينَ فِي مَوَارِيثَ دَارِسَةٍ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ مَعَ الْجَهَالَةِ .
9 - ج - التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ فِيمَا يُعْتَبَرُ صَرْفًا، كَالتَّخَارُجِ عَنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ بِالآْخَرِ، وَكَذَا فِيمَا إِذَا اتَّفَقَ الْمُصَالَحُ عَنْهُ وَالْمُصَالَحُ عَلَيْهِ فِي عِلَّةِ الرِّبَا. وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ فِي الأْصْلِ، مَعَ الاِخْتِلاَفِ فِي التَّفَاصِيلِ الَّتِي سَتَرِدُ عِنْدَ ذِكْرِ صُوَرِ التَّخَارُجِ .
10- د - تَوَافُرُ شُرُوطِ بَيْعِ الدَّيْنِ إِذَا كَانَ لِلتَّرِكَةِ دَيْنٌ عَلَى الْغَيْرِ، وَهَذَا عِنْدَ مَنْ يُجِيزُ بَيْعَ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ كَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، أَوْ يُرَاعَى اسْتِعْمَالُ الْحِيلَةِ لِجَوَازِ التَّخَارُجِ كَالإْبْرَاءِ أَوِ الْحَوَالَةِ بِهِ كَمَا يَقُولُ الْحَنَفِيَّةُ، وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُ ذَلِكَ عِنْدَ ذِكْرِ الصُّوَرِ.
صُوَرُ التَّخَارُجِ:
لَمْ تَرِدْ صُوَرٌ مُفَصَّلَةٌ لِلتَّخَارُجِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَإِنَّمَا وَرَدَ ذَلِكَ مُفَصَّلاً عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ مَعَ الاِخْتِلاَفِ فِي الاِتِّجَاهَاتِ، وَلاَ تَظْهَرُ هَذِهِ الاِتِّجَاهَاتُ إِلاَّ بِذِكْرِ كُلِّ مَذْهَبٍ عَلَى حِدَةٍ.
صُوَرُ التَّخَارُجِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ:
11 -إِذَا تَخَارَجَ الْوَرَثَةُ مَعَ أَحَدِهِمْ عَنْ نَصِيبِهِ فِي التَّرِكَةِ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْمَالِ يَدْفَعُونَهُ لَهُ، فَلِذَلِكَ صُوَرٌ تَخْتَلِفُ بِحَسَبِ نَوْعِ الْبَدَلِ الَّذِي يَدْفَعُونَهُ، وَبِحَسَبِ نَوْعِيَّةِ التَّرِكَةِ، وَذَلِكَ كَمَا يَلِي:
أ - إِذَا كَانَتِ التَّرِكَةُ عَقَارًا أَوْ عَرَضًا، فَأَخْرَجَ الْوَرَثَةُ أَحَدَهُمْ مِنْهَا بِمَالٍ أَعْطَوْهُ إِيَّاهُ، جَازَ التَّخَارُجُ سَوَاءٌ أَكَانَ مَا أَعْطَوْهُ أَقَلَّ مِنْ حِصَّتِهِ أَمْ أَكْثَرَ؛ لأِنَّهُ أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ بَيْعًا، وَالْبَيْعُ يَصِحُّ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ مِنَ الثَّمَنِ. وَلاَ يَصِحُّ جَعْلُهُ إِبْرَاءً؛ لأِنَّ الإِْبْرَاءَ مِنَ الأْعْيَانِ غَيْرِ الْمَضْمُونَةِ لاَ يَصِحُّ.
وَلاَ يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ مِقْدَارِ حِصَّتِهِ مِنَ التَّرِكَةِ؛ إِذِ الْجَهَالَةُ هُنَا لاَ تُفْسِدُ الْبَيْعَ؛ لأِنَّ هَا لاَ تُفْضِي إِلَى النِّزَاعِ؛ لأِنَّ الْمَبِيعَ هُنَا لاَ يَحْتَاجُ إِلَى تَسْلِيمٍ.
ب - إِذَا كَانَتِ التَّرِكَةُ ذَهَبًا فَأَعْطَوْهُ فِضَّةً، أَوْ كَانَتْ فِضَّةً فَأَعْطَوْهُ ذَهَبًا جَازَ الصُّلْحُ أَيْضًا، سَوَاءٌ أَكَانَ مَا أَعْطَوْهُ أَقَلَّ مِنْ نَصِيبِهِ أَمْ أَكْثَرَ؛ لأِنَّهُ بَيْعُ الْجِنْسِ بِخِلاَفِ الْجِنْسِ، فَلاَ يُعْتَبَرُ التَّسَاوِي.
لَكِنْ يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ لِكَوْنِهِ صَرْفًا غَيْرَ أَنَّ الْوَارِثَ الَّذِي فِي يَدِهِ بَقِيَّةُ التَّرِكَةِ إِنْ كَانَ جَاحِدًا وُجُودَهَا فِي يَدِهِ يَكْتَفِي بِذَلِكَ الْقَبْضِ؛ لأِنَّهُ قَبْضُ ضَمَانٍ فَيَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الصُّلْحِ.
وَالأْصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ مَتَى تَجَانَسَ الْقَبْضَانِ، بِأَنْ يَكُونَ قَبْضَ أَمَانَةٍ أَوْ قَبْضَ ضَمَانٍ نَابَ أَحَدُهُمَا مَنَابَ الآْخَرِ، أَمَّا إِذَا اخْتَلَفَا فَالْمَضْمُونُ يَنُوبُ عَنْ غَيْرِهِ.
وَإِنْ كَانَ الَّذِي فِي يَدِهِ بَقِيَّةُ التَّرِكَةِ مُقِرًّا، فَإِنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ تَجْدِيدِ الْقَبْضِ، وَهُوَ الاِنْتِهَاءُ إِلَى مَكَانٍ يَتَمَكَّنُ مِنْ قَبْضِهِ؛ لأِنَّهُ قَبْضُ أَمَانَةٍ، فَلاَ يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الصُّلْحِ.
ج - وَإِنْ كَانَتِ التَّرِكَةُ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ، وَبَدَلُ الصُّلْحِ كَذَلِكَ دَرَاهِمُ وَدَنَانِيرُ، جَازَ الصُّلْحُ كَيْفَمَا كَانَ، صَرْفًا لِلْجِنْسِ إِلَى خِلاَفِ جِنْسِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ، لَكِنْ لاَ بُدَّ مِنَ الْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ لِكَوْنِهِ صَرْفًا.
د - وَإِنْ كَانَتِ التَّرِكَةُ ذَهَبًا وَفِضَّةً وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْعُرُوضِ وَالْعَقَارِ، فَصَالَحُوهُ عَلَى أَحَدِ النَّقْدَيْنِ فَلاَ يَجُوزُ الصُّلْحُ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَا أُعْطِيَ لَهُ أَكْثَرَ مِنْ حِصَّتِهِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ؛ لِيَكُونَ نَصِيبُهُ بِمِثْلِهِ، وَالزِّيَادَةُ تَكُونُ فِي مُقَابِلِ حَقِّهِ مِنْ بَقِيَّةِ التَّرِكَةِ احْتِرَازًا عَنِ الرِّبَا، وَلاَ بُدَّ مِنَ التَّقَابُضِ فِيمَا يُقَابِلُ نَصِيبَهُ؛ لأِنَّهُ صُرِفَ فِي هَذَا الْقَدْرِ.
فَإِنْ كَانَ مَا أَعْطَوْهُ مُسَاوِيًا لِنَصِيبِهِ، أَوْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ نَصِيبِهِ بَطَلَ الصُّلْحُ لِوُجُودِ الرِّبَا؛ لأِنَّهُ إِذَا كَانَ الْبَدَلُ مُسَاوِيًا تَبْقَى الزِّيَادَةُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْبَدَلِ خَالِيَةً عَنِ الْعِوَضِ، فَيَكُونُ رِبًا. وَإِنْ كَانَ الْبَدَلُ أَقَلَّ مِنْ نَصِيبِهِ تَبْقَى الزِّيَادَةُ مِنْ جِنْسِ ذَلِكَ وَمِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ خَالِيَةً عَنِ الْعِوَضِ، فَيَكُونُ رِبًا. وَتَعَذَّرَ تَجْوِيزُهُ بِطَرِيقِ الْمُعَاوَضَةِ لِلُزُومِ الرِّبَا، وَلاَ يَصِحُّ تَجْوِيزُهُ بِطَرِيقِ الإْبْرَاءِ عَنِ الْبَاقِي؛ لأِنَّ الإْبْرَاءَ عَنِ الأْعْيَانِ بَاطِلٌ.
وَكَذَلِكَ يَبْطُلُ التَّخَارُجُ إِنْ كَانَ نَصِيبُهُ مَجْهُولاً لاِحْتِمَالِ الرِّبَا؛ لأِنَّ الْفَسَادَ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ الْبَدَلُ مُسَاوِيًا لَهُ أَوْ أَقَلَّ، فَكَانَ أَرْجَحَ وَأَوْلَى بِالاِعْتِبَارِ.
وَنُقِلَ عَنِ الْحَاكِمِ أَبِي الْفَضْلِ أَنَّ الصُّلْحَ إِنَّمَا يَبْطُلُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ نَصِيبِهِ فِي مَالِ الرِّبَا فِي حَالَةِ التَّصَادُقِ، أَمَّا فِي حَالَةِ التَّنَاكُرِ بِأَنْ أَنْكَرُوا وِرَاثَتَهُ فَالصُّلْحُ جَائِزٌ؛ لأِنَّهُ فِي حَالَةِ الْمُنَاكَرَةِ يَكُونُ الْمَدْفُوعُ لِقَطْعِ الْمُنَازَعَةِ وَلاِفْتِدَاءِ الْيَمِينِ، أَوْ لِحَمْلِهِ عَلَى أَخْذِ عَيْنِ الْحَقِّ فِي قَدْرِ الْمَأْخُوذِ وَإِسْقَاطِ الْحَقِّ فِي الْبَاقِي، كَمَا قَالُوا فِي الصُّلْحِ عَنِ الدَّيْنِ بِأَقَلَّ مِنْ جِنْسِهِ.
هـ - وَلَوْ كَانَتِ التَّرِكَةُ ذَهَبًا وَفِضَّةً وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْعُرُوضِ وَالْعَقَارِ فَصَالَحُوهُ عَلَى عَرَضٍ جَازَ الصُّلْحُ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ أَكَانَ مَا أَعْطَوْهُ أَقَلَّ مِنْ نَصِيبِهِ أَوْ أَكْثَرَ.
و - إِذَا كَانَتْ أَعْيَانُ التَّرِكَةِ مَجْهُولَةً وَالصُّلْحُ عَلَى الْمَكِيلِ أَوِ الْمَوْزُونِ فَفِيهِ اخْتِلاَفٌ. قَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ: لاَ يَجُوزُ الصُّلْحُ لِمَا فِيهِ مِنَ احْتِمَالِ الرِّبَا، بِأَنْ يَكُونَ فِي التَّرِكَةِ مَكِيلٌ أَوْ مَوْزُونٌ مِنْ جِنْسِهِ، فَيَكُونُ فِي حَقِّهِ بَيْعُ الْمُقَدَّرِ بِجِنْسِهِ جُزَافًا.
وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: يَجُوزُ لاِحْتِمَالِ أَنْ لاَ يَكُونَ فِي التَّرِكَةِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ نَصِيبُهُ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ فِي التَّرِكَةِ أَقَلَّ مِمَّا وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ فَلاَ يَلْزَمُ الرِّبَا، وَاحْتِمَالُ أَنْ يَكُونَ نَصِيبُهُ مِنْ ذَلِكَ أَكْثَرَ، أَوْ مِثْلُ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ هُوَ احْتِمَالُ الاِحْتِمَالِ، فَفِيهِ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ وَلَيْسَتْ بِمُعْتَبَرَةٍ.
وَقَوْلُ أَبِي جَعْفَرٍ هُوَ الصَّحِيحُ عَلَى مَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَفَتَاوَى قَاضِيخَانْ.
ز - وَإِنْ كَانَتْ أَعْيَانُ التَّرِكَةِ مَجْهُولَةً، وَهِيَ غَيْرُ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ فِي يَدِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ، وَكَانَ الصُّلْحُ عَلَى الْمَكِيلِ أَوِ الْمَوْزُونِ قِيلَ: لاَ يَجُوزُ؛ لأِنَّهُ بَيْعُ الْمَجْهُولِ؛ لأِنَّ الْمُصَالِحَ بَاعَ نَصِيبَهُ مِنَ التَّرِكَةِ وَهُوَ مَجْهُولٌ بِمَا أَخَذَ مِنَ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ.
وَالأَْصَحُّ أَنَّهُ يَجُوزُ؛ لأِنَّ الْجَهَالَةَ هُنَا لاَ تُفْضِي إِلَى الْمُنَازَعَةِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إِلَى التَّسْلِيمِ، لِقِيَامِ التَّرِكَةِ فِي يَدِهِمْ، حَتَّى لَوْ كَانَتْ فِي يَدِ الْمُصَالِحِ أَوْ بَعْضِهَا لَمْ يَجُزِ الصُّلْحُ، مَا لَمْ يَعْلَمْ جَمِيعَ مَا فِي يَدِهِ لِلْحَاجَةِ إِلَى التَّسْلِيمِ .
صُوَرُ التَّخَارُجِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ:
يُفَرِّقُ الْمَالِكِيَّةُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَدَلُ التَّخَارُجِ مِنْ نَفْسِ التَّرِكَةِ، وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِهَا.
أَوَّلاً: إِذَا كَانَ بَدَلُ التَّخَارُجِ مِنْ نَفْسِ التَّرِكَةِ:
12 - إِذَا كَانَتِ التَّرِكَةُ قَدِ اشْتَمَلَتْ عَلَى عَرَضٍ وَفِضَّةٍ وَذَهَبٍ، وَصَالَحَ الْوَرَثَةُ أَحَدَهُمْ عَنْ إِرْثِهِ. كَزَوْجَةٍ مَثَلاً مَاتَ زَوْجُهَا فَصَالَحَهَا الاِبْنُ عَلَى مَا يَخُصُّهَا مِنَ التَّرِكَةِ، فَإِنَّ الصُّلْحَ يَجُوزُ فِي الْحَالاَتِ الآْتِيَةِ:
أ - إِذَا أَخَذَتْ ذَهَبًا مِنَ التَّرِكَةِ قَدْرَ حِصَّتِهَا مِنْ ذَهَبِ التَّرِكَةِ أَوْ أَقَلَّ، أَوْ أَخَذَتْ دَرَاهِمَ مِنَ التَّرِكَةِ قَدْرَ حِصَّتِهَا مِنْ دَرَاهِمِ التَّرِكَةِ أَوْ أَقَلَّ، وَذَلِكَ كَصُلْحِهَا بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ أَوْ أَقَلَّ وَالذَّهَبُ ثَمَانُونَ عِنْدَ الْفَرْعِ الْوَارِثِ؛ لأِنَّ هَا أَخَذَتْ حَظَّهَا (أَيِ: الثَّمَنَ) مِنَ الدَّنَانِيرِ أَوْ بَعْضَهُ فَيَكُونُ الْبَاقِي كَأَنَّهُ هِبَةٌ لِلْوَرَثَةِ.
وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الذَّهَبُ الَّذِي أَخَذَتْ مِنْهُ حَاضِرًا كُلَّهُ، أَوْ تَكُونَ الدَّرَاهِمُ حَاضِرَةً كُلَّهَا إِنْ أَخَذَتْ مِنْهَا، وَسَوَاءٌ حَضَرَ مَا عَدَا ذَلِكَ مِنَ التَّرِكَةِ أَمْ غَابَ؛ لأِنَّ النَّوْعَ الَّذِي أَخَذَتْ مِنْهُ لَوْ كَانَ بَعْضُهُ غَائِبًا تَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ صُورَةٌ مَمْنُوعَةٌ، وَهِيَ: اشْتِرَاطُ تَعْجِيلِ الثَّمَنِ فِي بَيْعِ الشَّيْءِ الْغَائِبِ بَيْعًا لاَزِمًا .
ب - إِذَا أَخَذَتْ ذَهَبًا مِنَ التَّرِكَةِ زَائِدًا عَلَى حَظِّهَا دِينَارًا وَاحِدًا فَقَطْ. كَصُلْحِهَا بِأَحَدَ عَشَرَ مِنَ الثَّمَانِينَ الْحَاضِرَةِ؛ لأِنَّ هَا أَخَذَتْ نَصِيبَهَا مِنَ الدَّنَانِيرِ، وَبَاعَتْ لِبَاقِي الْوَرَثَةِ حَظَّهَا مِنَ الدَّرَاهِمِ وَالْعَرَضِ بِالدِّينَارِ الزَّائِدِ، فَجَمِيعُ مَا فِيهِ مِنَ الْبَيْعِ وَالصَّرْفِ دِينَارٌ؛ لأِنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَجْتَمِعَ الْبَيْعُ وَالصَّرْفُ فِي أَكْثَرَ مِنْ دِينَارٍ. وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَنْ تَكُونَ التَّرِكَةُ كُلُّهَا مِنْ عَرَضٍ وَنَقْدٍ حَاضِرَةً.
ج - إِذَا صُولِحَتْ بِذَهَبٍ مِنْ ذَهَبِ التَّرِكَةِ، وَكَانَ مَا أَخَذَتْهُ يَزِيدُ عَمَّا يَخُصُّهَا مِنَ الذَّهَبِ أَكْثَرَ مِنْ دِينَارٍ، جَازَ هَذَا الصُّلْحُ إِنْ قَلَّتِ الدَّرَاهِمُ الَّتِي تَسْتَحِقُّهَا عَنْ صَرْفِ دِينَارٍ، أَوْ قَلَّتْ قِيمَةُ الْعُرُوضِ الَّتِي تَسْتَحِقُّهَا عَنْ صَرْفِ دِينَارٍ، أَوْ قَلَّتِ الدَّرَاهِمُ وَالْعُرُوضُ عَنْ صَرْفِ دِينَارٍ.
وَإِنَّمَا جَازَ فِي هَذِهِ الْحَالاَتِ لاِجْتِمَاعِ الْبَيْعِ وَالصَّرْفِ فِي دِينَارٍ وَاحِدٍ فَقَطْ؛ لأِنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَجْتَمِعَ الْبَيْعُ وَالصَّرْفُ فِي أَكْثَرَ مِنْ دِينَارٍ .
وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ التَّرِكَةُ كُلُّهَا مَعْلُومَةً وَحَاضِرَةً.
فَإِنْ كَانَتِ الدَّرَاهِمُ وَقِيمَةُ الْعُرُوضِ أَكْثَرَ مِنْ صَرْفِ دِينَارٍ مُنِعَ الصُّلْحُ حِينَئِذٍ؛ لأِنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى اجْتِمَاعِ الْبَيْعِ وَالصَّرْفِ فِي أَكْثَرَ مِنْ دِينَارٍ.
د - إِذَا صُولِحَتْ بِعَرَضٍ مِنْ عُرُوضِ التَّرِكَةِ جَازَ الصُّلْحُ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ أَكَانَ مَا أَخَذَتْهُ قَدْرَ نَصِيبِهَا أَمْ أَقَلَّ أَمْ أَكْثَرَ.
ثَانِيًا: إِذَا كَانَ بَدَلُ التَّخَارُجِ مِنْ غَيْرِ التَّرِكَةِ:
13 -إِذَا كَانَ بَدَلُ التَّخَارُجِ مِنْ غَيْرِ التَّرِكَةِ فَإِنَّ حُكْمَ الصُّلْحِ يَخْتَلِفُ تَبَعًا لاِخْتِلاَفِ الْحَالاَتِ وَهِيَ:
أ - إِذَا كَانَتِ التَّرِكَةُ عُرُوضًا وَفِضَّةً وَذَهَبًا، وَصَالَحَهَا الْوَرَثَةُ بِذَهَبٍ مِنْ غَيْرِ ذَهَبِ التَّرِكَةِ، أَوْ بِفِضَّةٍ مِنْ غَيْرِ فِضَّةِ التَّرِكَةِ، فَلاَ يَجُوزُ هَذَا الصُّلْحُ، قَلَّ مَا أَخَذَتْهُ عَنْ نَصِيبِهَا أَوْ كَثُرَ؛ لأِنَّهُ بَيْعُ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَعَرَضٍ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، وَهَذَا رِبَا فَضْلٍ، وَفِيهِ رِبَا النَّسَاءِ إِنْ غَابَتِ التَّرِكَةُ كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا؛ لأِنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ النَّقْدِ إِذَا صَاحَبَهُ النَّقْدُ.
ب - إِذَا كَانَتِ التَّرِكَةُ كَمَا ذُكِرَ فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ، وَصَالَحَ الْوَرَثَةُ الزَّوْجَةَ بِعَرَضٍ مِنْ غَيْرِ عَرَضِ التَّرِكَةِ جَازَ هَذَا الصُّلْحُ بِشُرُوطٍ هِيَ:
أَنْ تَكُونَ التَّرِكَةُ كُلُّهَا مَعْلُومَةً لِلْمُتَصَالِحِينَ لِيَكُونَ الصُّلْحُ عَلَى مَعْلُومٍ، وَأَنْ تَكُونَ التَّرِكَةُ جَمِيعُهَا حَاضِرَةً حَقِيقَةً فِي الْعَيْنِ أَوْ حُكْمًا فِي الْعَرَضِ، بِأَنْ كَانَتْ قَرِيبَةَ الْغَيْبَةِ بِحَيْثُ يَجُوزُ النَّقْدُ فِيهِ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْحَاضِرِ، وَأَنْ يَكُونَ الصُّلْحُ عَنْ إِقْرَارٍ، وَأَنْ يُقِرَّ الْمَدِينُ بِمَا عَلَيْهِ إِنْ كَانَ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ، وَأَنْ يَحْضُرَ وَقْتَ الصُّلْحِ إِذْ لَوْ غَابَ لاَحْتُمِلَ إِنْكَارُهُ، وَأَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا.
ج - إِذَا كَانَتِ التَّرِكَةُ دَرَاهِمَ وَعَرَضًا، أَوْ ذَهَبًا وَعَرَضًا، جَازَ الصُّلْحُ بِذَهَبٍ مِنْ غَيْرِ ذَهَبِ التَّرِكَةِ، أَوْ بِفِضَّةٍ مِنْ غَيْرِ التَّرِكَةِ بِشَرْطِ أَنْ لاَ يَجْتَمِعَ الْبَيْعُ وَالصَّرْفُ فِي أَكْثَرَ مِنْ دِينَارٍ .
مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ:
14 -يُفَرِّقُ الشَّافِعِيَّةُ فِي تَخَارُجِ الْوَرَثَةِ بَيْنَ مَا إِذَا كَانَ الصُّلْحُ بَيْنَهُمْ عَنْ إِقْرَارٍ أَوْ عَنْ إِنْكَارٍ، فَإِنْ كَانَ عَنْ إِقْرَارٍ، وَكَانَ الْبَدَلُ مِنْ غَيْرِ الْمُتَصَالَحِ عَلَيْهِ كَانَ بَيْعًا تَثْبُتُ فِيهِ أَحْكَامُ الْبَيْعِ، كَاشْتِرَاطِ الْقَبْضِ إِنِ اتَّفَقَ الْمُصَالَحُ عَنْهُ وَالْمُصَالَحُ عَلَيْهِ فِي عِلَّةِ الرِّبَا، وَكَاشْتِرَاطِ التَّسَاوِي إِذَا كَانَ جِنْسًا رِبَوِيًّا وَغَيْرَ ذَلِكَ.
وَإِنْ جَرَى الصُّلْحُ عَلَى بَعْضِ الْمُتَصَالَحِ عَنْهُ فَهُوَ هِبَةٌ لِلْبَعْضِ، وَتَثْبُتُ فِيهِ أَحْكَامُ الْهِبَةِ.
هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلصُّلْحِ عَنْ إِقْرَارٍ، أَمَّا الصُّلْحُ عَنْ إِنْكَارٍ فَهُوَ بَاطِلٌ عِنْدَهُمْ، لَكِنَّهُمْ يَسْتَثْنُونَ مِنْ بُطْلاَنِ الصُّلْحِ عَلَى الإْنْكَارِ صُلْحَ الْوَرَثَةِ فِيمَا بَيْنَهُمْ لِلضَّرُورَةِ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَا يُعْطَى لِلْمُتَصَالِحِ مِنْ نَفْسِ التَّرِكَةِ لاَ مِنْ غَيْرِهَا، وَيَسْتَوِي أَنْ يَكُونَ التَّصَالُحُ عَلَى تَسَاوٍ أَوْ تَفَاوُتٍ .
مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ:
15 -لَمْ يَذْكُرِ الْحَنَابِلَةُ صُوَرًا لِلتَّخَارُجِ، وَهُوَ يَجْرِي عَلَى قَوَاعِدِ الصُّلْحِ الْعَامَّةِ الَّتِي قَدْ تَكُونُ بَيْعًا أَوْ هِبَةً أَوْ إِبْرَاءً.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْبَدَلُ مِنْ جِنْسِ الْمُتَصَالَحِ عَلَيْهِ وَمِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ بِقَدْرِهِ فَهُوَ اسْتِيفَاءٌ لَهُ، وَإِنْ كَانَ دُونَهُ فَهُوَ اسْتِيفَاءٌ لِبَعْضِهِ وَتَرْكٌ لِلْبَعْضِ الآْخَرِ: إِمَّا عَلَى سَبِيلِ الإْبْرَاءِ أَوْ عَلَى سَبِيلِ الْهِبَةِ.
وَإِنْ كَانَ الْبَدَلُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمُتَصَالَحِ عَلَيْهِ كَانَ بَيْعًا تَجْرِي فِيهِ أَحْكَامُ الْبَيْعِ، وَتُرَاعَى شُرُوطُ الصَّرْفِ إِنْ كَانَ عَنْ نَقْدٍ بِنَقْدٍ وَهَكَذَا.
وَيُشْتَرَطُ - إِنْ كَانَ الصُّلْحُ عَنْ إِنْكَارٍ - أَنْ لاَ يَأْخُذَ الْمُتَصَالِحُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ أَكْثَرَ مِمَّا يَسْتَحِقُّ؛ لأِنَّ الزَّائِدَ لاَ مُقَابِلَ لَهُ، فَيَكُونُ ظَالِمًا بِأَخْذِهِ، بِخِلاَفِ مَا إِذَا أَخَذَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ؛ لأِنَّهُ يَكُونُ بَيْعًا فِي حَقِّ الْمُدَّعِي؛ لاِعْتِقَادِهِ أَخْذَهُ عِوَضًا، وَيَكُونُ فِي حَقِّ الْمُنْكِرِ بِمَنْزِلَةِ الإْبْرَاءِ؛ لأِنَّهُ دَفَعَ الْمَالَ افْتِدَاءً لِيَمِينِهِ وَرَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ .
كَوْنُ بَعْضِ التَّرِكَةِ دَيْنًا قَبْلَ التَّخَارُجِ:
لَوْ كَانَ بَعْضُ التَّرِكَةِ دَيْنًا عَلَى النَّاسِ وَصَالَحَ الْوَرَثَةُ أَحَدَهُمْ عَلَى أَنْ يُخْرِجُوهُ مِنَ الدَّيْنِ وَيَكُونَ لَهُمْ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ الصُّلْحِ حَسَبَ الاِتِّجَاهَاتِ الآْتِيَةِ:
16 - فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ الصُّلْحُ بَاطِلٌ فِي الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ، أَمَّا فِي الدَّيْنِ فَلأِنَّ فِيهِ تَمْلِيكَ الدَّيْنِ - وَهُوَ حِصَّةُ الْمُصَالِحِ - مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَهْمُ الْوَرَثَةُ، وَأَمَّا فِي الْعَيْنِ فَلأِنَّ الصَّفْقَةَ وَاحِدَةٌ، سَوَاءٌ بَيَّنَ حِصَّةَ الدَّيْنِ أَوْ لَمْ يُبَيِّنْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ قَوْلُ صَاحِبَيْهِ عَلَى الأْصَحِّ.
وَقَدْ ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ بَعْضَ الصُّوَرِ لِتَصْحِيحِ هَذَا الصُّلْحِ وَهِيَ:
أ - أَنْ يَشْتَرِطَ الْوَرَثَةُ أَنْ يُبْرِئَ الْمُصَالِحُ الْغُرَمَاءَ مِنْ حِصَّتِهِ مِنَ الدَّيْنِ؛ لأِنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ إِسْقَاطًا، أَوْ هُوَ تَمْلِيكُ الدَّيْنِ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَهُوَ جَائِزٌ.
ب - أَنْ يُعَجِّلَ الْوَرَثَةُ قَضَاءَ نَصِيبِ الْمُصَالَحِ مِنَ الدَّيْنِ مُتَبَرِّعِينَ وَيُحِيلُهُمْ بِحِصَّتِهِ. وَفِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ ضَرَرُ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ؛ لأِنَّ فِي الأْولَى لاَ يُمْكِنُهُمُ الرُّجُوعُ عَلَى الْغُرَمَاءِ بِقَدْرِ الْمُصَالَحِ بِهِ. وَكَذَا فِي الثَّانِيَةِ؛ لأِنَّ النَّقْدَ خَيْرٌ مِنَ النَّسِيئَةِ .
17 - وَالْحَنَابِلَةُ كَالْحَنَفِيَّةِ لاَ يَجُوزُ عِنْدَهُمْ بَيْعُ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ، وَلَكِنْ يَصِحُّ إِبْرَاءُ الْغَرِيمِ مِنْهُ أَوِ الْحَوَالَةُ بِهِ عَلَيْهِ.
18- أَمَّا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ بِشُرُوطِهِ، وَعَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الصُّلْحُ عَنِ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَى الْغَيْرِ، حَيْثُ يَجُوزُ بَيْعُ الدَّيْنِ، وَيُمْتَنَعُ الصُّلْحُ عَنْهُ حَيْثُ يُمْتَنَعُ بَيْعُهُ. فَيَجُوزُ الصُّلْحُ عَنِ الدَّيْنِ إِذَا كَانَ الدَّيْنُ حَيَوَانًا أَوْ عَرَضًا أَوْ طَعَامًا مِنْ قَرْضٍ، وَبِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمَدِينُ حَاضِرًا، وَأَنْ يَكُونَ مُقِرًّا بِالدَّيْنِ، وَأَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا، وَيُمْتَنَعُ فِي غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ .
19 -وَالأْظْهَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ - عَلَى مَا جَاءَ فِي مُغْنِي الْمُحْتَاجِ - بُطْلاَنُ بَيْعِ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ، وَالْمُعْتَمَدُ جَوَازُ بَيْعِهِ لِغَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ بِشُرُوطِهِ، بِأَنْ يَكُونَ الْمَدِينُ مَلِيًّا مُقِرًّا وَالدَّيْنُ حَالًّا مُسْتَقِرًّا.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ: لَوْ قَالَ أَحَدُ الْوَارِثِينَ لِصَاحِبِهِ: صَالَحْتُكَ مِنْ نَصِيبِي عَلَى هَذَا الثَّوْبِ، فَإِنْ كَانَتِ التَّرِكَةُ دُيُونًا عَلَى غَيْرِهِ فَهُوَ بَيْعُ دَيْنٍ لِغَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا عَيْنٌ وَدَيْنٌ عَلَى الْغَيْرِ - وَلَمْ نُجَوِّزْ بَيْعَ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ - بَطَلَ الصُّلْحُ فِي الدَّيْنِ، وَفِي الْعَيْنِ الْقَوْلاَنِ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ.
وَلَوْ مَاتَ شَخْصٌ عَنِ ابْنَيْنِ، وَالتَّرِكَةُ أَلْفَا دِرْهَمٍ وَمِائَةُ دِينَارٍ، وَهِيَ دَيْنٌ فِي ذِمَّةِ الْغَيْرِ، فَصَالَحَ أَحَدُهُمَا أَخَاهُ مِنَ الدَّيْنِ عَلَى أَلْفَيْ دِرْهَمٍ جَازَ؛ لأِنَّهُ إِذَا كَانَ فِي الذِّمَّةِ فَلاَ ضَرُورَةَ إِلَى تَقْدِيرِ الْمُعَاوَضَةِ فِيهِ، فَيُجْعَلُ مُسْتَوْفِيًا لأِحَدِ الأْلْفَيْنِ وَمُعْتَاضًا عَنِ الدَّنَانِيرِ الأْلْفَ الآْخَرَ .
ظُهُورُ دَيْنٍ عَلَى التَّرِكَةِ بَعْدَ التَّخَارُجِ:
20 -الأْصْلُ أَنَّ الدَّيْنَ يَتَعَلَّقُ بِالتَّرِكَةِ، وَيُقَدَّمُ سَدَادُهُ عَلَى تَقْسِيمِ التَّرِكَةِ؛ لقوله تعالي (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ).
لَكِنَّ الْفُقَهَاءَ يَخْتَلِفُونَ فِي وَقْتِ ابْتِدَاءِ مِلْكِيَّةِ الْوَارِثِ لِلتَّرِكَةِ إِذَا كَانَتْ مَدِينَةً.
فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ لاَ تَنْتَقِلُ مِلْكِيَّةُ التَّرِكَةِ إِلَى الْوَرَثَةِ إِلاَّ بَعْدَ سَدَادِ الدَّيْنِ.
وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَإِحْدَى الرِّوَايَاتِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ. تَنْتَقِلُ مِلْكِيَّةُ التَّرِكَةِ لِلْوَارِثِ قَبْلَ سَدَادِ الدَّيْنِ مَعَ تَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِهَا، وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ.
وَفَائِدَةُ هَذَا الْخِلاَفِ أَنَّ الْغَلَّةَ الَّتِي تَحْدُثُ مِنْ وَقْتِ الْوَفَاةِ إِلَى وَقْتِ السَّدَادِ يَتَعَلَّقُ بِهَا الدَّيْنُ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ التَّرِكَةَ لاَ تَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْوَارِثِ مَعَ تَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِهَا. وَتَكُونُ لِلْوَارِثِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ التَّرِكَةَ تَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْوَارِثِ وَلَوْ كَانَتْ مَدِينَةً.
وَمَعَ هَذَا الاِخْتِلاَفِ فَإِنَّهُ إِذَا تَصَالَحَ الْوَرَثَةُ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَأَخْرَجُوا أَحَدَهُمْ، وَاقْتَسَمُوا التَّرِكَةَ، ثُمَّ ظَهَرَ دَيْنٌ بَعْدَ الصُّلْحِ مُحِيطٌ بِالتَّرِكَةِ، فَإِنَّهُ إِذَا قَضَى الْوَرَثَةُ الدَّيْنَ، أَوْ أَبْرَأَ الْغُرَمَاءُ، أَوْ ضَمِنَ رَجُلٌ بِشَرْطِ أَنْ لاَ يَرْجِعَ عَلَى الْوَرَثَةِ مَضَى الصُّلْحُ وَلاَ يَبْطُلُ.
وَإِنِ امْتَنَعَ الْوَرَثَةُ مِنَ الأْدَاءِ، وَلَمْ يَضْمَنْ أَحَدٌ، وَلَمْ يُبْرِئِ الْغُرَمَاءُ بَطَلَ الصُّلْحُ. وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ فِي الْجُمْلَةِ. إِذْ فِي قَوْلٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يُقَيَّدُ الْبُطْلاَنُ بِمَا إِذَا كَانَ الْمَقْسُومُ مُقَوَّمًا. بِخِلاَفِ مَا لَوْ كَانَ عَيْنًا أَوْ مِثْلِيًّا .
وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي (صُلْحٍ - قِسْمَةٍ - دَيْنٍ - تَرِكَةٍ).
ظُهُورُ دَيْنٍ لِلْمَيِّتِ بَعْدَ التَّخَارُجِ
21 - لَوْ صَالَحَ الْوَرَثَةُ أَحَدَهُمْ وَخَرَجَ مِنْ بَيْنِهِمْ، ثُمَّ ظَهَرَ لِلْمَيِّتِ شَيْءٌ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عَيْنًا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ دَيْنًا: فَإِنْ كَانَ عَيْنًا فَالأْشْهَرُ أَنَّهَا لاَ تَنْدَرِجُ تَحْتَ الصُّلْحِ الَّذِي تَمَّ بَيْنَ الْوَرَثَةِ. وَإِنَّمَا تُقْسَمُ بَيْنَ الْكُلِّ، أَيْ يَكُونُ هَذَا الَّذِي ظَهَرَ بَيْنَ الْكُلِّ. وَتُسْمَعُ الدَّعْوَى بِهَا عَلَى هَذَا. وَقِيلَ: تَدْخُلُ فِي الصُّلْحِ فَلاَ تُسْمَعُ الدَّعْوَى بِهَا.
وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ صَدَرَ بَعْدَ الصُّلْحِ إِبْرَاءٌ عَامٌّ، ثُمَّ ظَهَرَ لِلْمُصَالَحِ عَيْنٌ، فَالأْصَحُّ سَمَاعُ الدَّعْوَى بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ دُخُولِهَا تَحْتَ الصُّلْحِ، وَلاَ تُسْمَعُ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِدُخُولِهَا. وَهَذَا إِذَا اعْتَرَفَ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ بِأَنَّ الْعَيْنَ مِنَ التَّرِكَةِ، وَإِلاَّ فَلاَ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ بَعْدَ الإْبْرَاءِ.
وَإِنْ كَانَ مَا ظَهَرَ فِي التَّرِكَةِ دَيْنًا فَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ دُخُولِهِ فِي الصُّلْحِ يَصِحُّ الصُّلْحُ وَيُقْسَمُ الدَّيْنُ بَيْنَ الْكُلِّ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِالدُّخُولِ فَالصُّلْحُ فَاسِدٌ كَمَا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ ظَاهِرًا وَقْتَ الصُّلْحِ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مُخْرِجًا مِنَ الصُّلْحِ، بِأَنْ وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِالصُّلْحِ عَنْ غَيْرِ الدَّيْنِ مِنْ أَعْيَانِ التَّرِكَةِ فَلاَ يَفْسُدُ الصُّلْحُ. وَإِنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى جَمِيعِ التَّرِكَةِ فَسَدَ كَمَا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ ظَاهِرًا وَقْتَ الصُّلْحِ.
هَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَقَوَاعِدُ الْمَذَاهِبِ الأْخْرَى تُسَايِرُ مَا قَالَهُ الْحَنَفِيَّةُ فِي الْجُمْلَةِ .
وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي (صُلْحٍ - إِبْرَاءٍ - دَعْوَى - قِسْمَةٍ).
كَيْفِيَّةُ تَقْسِيمِ التَّرِكَةِ بَعْدَ التَّخَارُجِ:
22 - إِذَا تَصَالَحَ الْوَرَثَةُ مَعَ أَحَدِهِمْ عَلَى أَنْ يَتْرُكَ حِصَّتَهُ لَهُمْ، وَيَأْخُذَ بَدَلَهَا جُزْءًا مُعَيَّنًا مِنَ التَّرِكَةِ، فَإِنَّ طَرِيقَةَ التَّقْسِيمِ أَنْ تُصَحَّحَ الْمَسْأَلَةُ بِاعْتِبَارِ الْمُصَالَحِ مَوْجُودًا بَيْنَ الْوَرَثَةِ، ثُمَّ تُطْرَحُ سِهَامُهُ مِنَ التَّصْحِيحِ، ثُمَّ يُقْسَمُ بَاقِي التَّرِكَةِ عَلَى سِهَامِ الْبَاقِينَ مِنَ الْوَرَثَةِ.
مِثَالُ ذَلِكَ:
تُوُفِّيَتِ امْرَأَةٌ عَنْ زَوْجٍ وَأُمٍّ وَعَمٍّ، فَمَعَ وُجُودِ الزَّوْجِ تَكُونُ الْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ، لِلزَّوْجِ مِنْهَا ثَلاَثَةُ أَسْهُمٍ، وَلِلأْمِّ سَهْمَانِ، وَلِلْعَمِّ الْبَاقِي وَهُوَ سَهْمٌ وَاحِدٌ. فَإِنْ صَالَحَ الزَّوْجُ عَنْ نَصِيبِهِ - الَّذِي هُوَ النِّصْفُ - عَلَى مَا فِي ذِمَّتِهِ لِلزَّوْجَةِ مِنَ الْمَهْرِ عَلَى أَنْ يَخْرُجَ مِنَ التَّرِكَةِ، فَإِنَّ سِهَامَهُ تَسْقُطُ فِي نَظِيرِ مَا أَخَذَ، وَالْبَاقِي مِنَ التَّرِكَةِ - وَهُوَ مَا عَدَا الْمَهْرَ - يُقْسَمُ بَيْنَ الأْمِّ وَالْعَمِّ بِقَدْرِ سِهَامِهِمَا مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فَيَكُونُ لِلأْمِّ سَهْمَانِ وَلِلْعَمِّ سَهْمٌ.
وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ الزَّوْجُ كَأَنَّهُ غَيْرُ مَوْجُودٍ مَا دَامَ قَدْ خَرَجَ عَنْ نَصِيبِهِ؛ لأِنَّهُ لَوْ جُعِلَ كَذَلِكَ وَجُعِلَتِ التَّرِكَةُ مَا وَرَاءَ الْمَهْرِ، وَتَمَّ التَّقْسِيمُ عَلَى هَذَا الأْسَاسِ، لاَنْقَلَبَ فَرْضُ الأْمِّ مِنْ ثُلُثِ أَصْلِ الْمَالِ إِلَى ثُلُثِ مَا بَقِيَ؛ إِذْ يُقْسَمُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا أَثْلاَثًا، فَيَكُونُ لِلأْمِّ سَهْمٌ وَلِلْعَمِّ سَهْمَانِ، وَهُوَ خِلاَفُ الإْجْمَاعِ إِذْ حَقُّهَا ثُلُثُ الأْصْلِ، أَمَّا إِذَا أَدْخَلْنَا الزَّوْجَ كَانَ لِلأْمِّ سَهْمَانِ مِنَ السِّتَّةِ وَلِلْعَمِّ سَهْمٌ وَاحِدٌ، فَيُقْسَمُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ فَتَكُونُ مُسْتَوْفِيَةً حَقَّهَا مِنَ الْمِيرَاثِ.
هَذَا إِذَا كَانَ التَّخَارُجُ عَلَى شَيْءٍ مِنَ التَّرِكَةِ.
23 - أَمَّا إِذَا كَانَ التَّخَارُجُ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ التَّرِكَةِ، فَإِنَّ الْمُتَخَارِجَ يَكُونُ قَدْ بَاعَ نَصِيبَهُ مِنَ التَّرِكَةِ نَظِيرَ الثَّمَنِ الَّذِي دَفَعَهُ سَائِرُ الْوَرَثَةِ مِنْ أَمْوَالِهِمُ الْخَاصَّةِ، لِتَخْلُصَ التَّرِكَةُ كُلُّهَا لَهُمْ.
24 - فَإِذَا كَانَ مَا دَفَعَهُ الْوَرَثَةُ هُوَ بِنِسْبَةِ سِهَامِ كُلٍّ مِنْهُمْ، فَإِنَّ التَّرِكَةَ تُقْسَمُ كَمَا قُسِمَتْ فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَعْرِفَ أَصْلَ الْمَسْأَلَةِ وَالسِّهَامَ الَّتِي تَخُصُّ كُلَّ وَارِثٍ قَبْلَ التَّخَارُجِ، ثُمَّ تَسْقُطُ حِصَّةُ الْمُتَخَارِجِ فِي نَظِيرِ مَا تَخَارَجَ عَلَيْهِ وَتُقْسَمُ التَّرِكَةُ عَلَى بَاقِي الْوَرَثَةِ بِقَدْرِ سِهَامِهِمْ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، ثُمَّ تُقْسَمُ حِصَّةُ الْمُتَخَارِجِ بَيْنَهُمْ بِنِسْبَةِ سِهَامِ كُلٍّ مِنْهُمْ؛ لأِنَّهُ مْ دَفَعُوا الْبَدَلَ عَلَى هَذِهِ النِّسْبَةِ.
وَإِذَا كَانَ مَا دَفَعَهُ الْوَرَثَةُ بِالتَّسَاوِي فَإِنَّ حِصَّةَ الْخَارِجِ تُقْسَمُ بَيْنَهُمْ بِالتَّسَاوِي، وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ يَأْخُذَ كُلٌّ مِنْهُمْ نَصِيبَهُ مِنَ التَّرِكَةِ بِنِسْبَةِ سِهَامِهِ فِيهَا عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ تَخَارُجٌ مِنْ أَحَدٍ.
وَإِنْ كَانَ مَا دَفَعَهُ الْوَرَثَةُ مُتَفَاوِتًا فِي الْقَدْرِ فَإِنَّ حِصَّةَ الْخَارِجِ تُقْسَمُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ هَذَا التَّفَاوُتِ، بَعْدَ أَخْذِ كُلٍّ مِنْهُمْ نَصِيبَهُ مِنَ التَّرِكَةِ بِنِسْبَةِ سِهَامِهِ.
25 -وَإِذَا تَخَارَجَ وَارِثٌ مَعَ وَارِثٍ آخَرَ عَلَى أَنْ يَتْرُكَ لَهُ نَصِيبَهُ، فَإِنَّ التَّرِكَةَ تُقْسَمُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ جَمِيعًا عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ تَخَارُجٌ، وَيَئُولُ نَصِيبُ الْمُتَخَارِجِ بَعْدَ ذَلِكَ لِمَنْ دَفَعَ لَهُ الْبَدَلَ .
تَخَارُجُ الْمُوصَى لَهُ بِشَيْءٍ مِنَ التَّرِكَةِ:
26- الْمُوصَى لَهُ بِشَيْءٍ مِنَ التَّرِكَةِ. يَجُوزُ أَنْ يَتَخَارَجَ مَعَهُ الْوَرَثَةُ عَنْ نَصِيبِهِ الْمُوصَى لَهُ بِهِ. وَالْحُكْمُ فِي ذَلِكَ كَالْحُكْمِ فِي تَخَارُجِ الْوَرَثَةِ مَعَ أَحَدِهِمْ، فَيُرَاعَى فِيهِ الشُّرُوطُ الَّتِي سَبَقَ ذِكْرُهَا فِي صُوَرِ التَّخَارُجِ، مِنَ اعْتِبَارِ كَوْنِ الْبَدَلِ نَقْدًا أَوْ غَيْرَهُ، وَكَوْنِهِ أَقَلَّ مِمَّا يَسْتَحِقُّ أَوْ مُسَاوِيًا أَوْ أَكْثَرَ، وَاعْتِبَارُ شُرُوطِ الصَّرْفِ وَالتَّحَرُّزِ عَنِ الرِّبَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الشُّرُوطِ.
وَفِي كَيْفِيَّةِ تَخَارُجِ الْوَرَثَةِ مَعَ الْمُوصَى لَهُ يَقُولُ ابْنُ عَابِدِينَ: الْمُوصَى لَهُ بِمَبْلَغٍ مِنَ التَّرِكَةِ كَوَارِثٍ. وَصُورَةُ ذَلِكَ:
رَجُلٌ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِدَارٍ وَتَرَكَ ابْنًا وَابْنَةً فَصَالَحَ الاِبْنُ وَالاِبْنَةُ الْمُوصَى لَهُ بِالدَّارِ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ، قَالَ أَبُو يُوسُفَ: إِنْ كَانَتِ الْمِائَةُ مِنْ مَالِهِمَا غَيْرَ الْمِيرَاثِ كَانَتِ الدَّارُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَإِنْ صَالَحَاهُ مِنَ الْمَالِ الَّذِي وَرِثَاهُ عَنْ أَبِيهِمَا كَانَ الْمَالُ بَيْنَهُمَا أَثْلاَثًا؛ لأِنَّ الْمِائَةَ كَانَتْ بَيْنَهُمَا أَثْلاَثًا.
وَذَكَرَ الْخَصَّافُ فِي الْحِيَلِ: إِنْ كَانَ الصُّلْحُ عَنِ إِقْرَارٍ كَانَتِ الدَّارُ الْمُوصَى بِهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَإِنْ كَانَ الصُّلْحُ عَنْ إِنْكَارٍ فَعَلَى قَدْرِ الْمِيرَاثِ. وَعَلَى هَذَا بَعْضُ الْمَشَايِخِ. وَكَذَلِكَ الصُّلْحُ عَنِ الْمِيرَاثِ. كَذَا فِي قَاضِيخَانْ .
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الأربعون ، الصفحة / 9
أَثَرُ النَّضُوضِ فِي فَسْخِ الشَّرِكَةِ:
3 - الشَّرِكَةُ عَقْدٌ جَائِزٌ غَيْرُ لاَزِمٍ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ فَسْخُ الشَّرِكَةِ.
وَهَذَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، إِلاَّ أَنَّ بَعْضَهُمْ يَشْتَرِطُ لِفَسْخِ الشَّرِكَةِ أَنْ يَكُونَ مَالُ الشَّرِكَةِ نَاضًّا، أَيْ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ، فَإِذَا كَانَ مَالُ الشَّرِكَةِ عُرُوضًا فَلاَ يَجُوزُ فَسْخُ الشَّرِكَةِ، وَتَبْقَى قَائِمَةٌ إِلَى أَنْ يَنِضَّ الْمَالُ، وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ.
_________________________________________________________________
مجلة الأحكام العدلية
مادة (1353) انفساخ الشركة
تنفسخ الشركة بفسخ أحد الشريكين لكن علم الآخر بفسخه شرط. لا تنفسخ الشركة ما لم يكن فسخ أحدهما معلوماً للآخر.
مادة (1424) عزل المضارب
إذا عزل رب المال المضارب فيلزم إعلامه بعزله فتكون تصرفات المضارب الواقعة معتبرة حتى يقف على العزل ولا يجوز له بعد التصرف بالنقود التي في يده بعد وقوفه على العزل لكن إذا كان في يده أموال غير النقود فيجوز له أن يبيعها ويبدلها بالنقد.