loading
المذكرة الإيضاحية

مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الرابع ، الصفحة : 418

مذكرة المشروع التمهيدي :

1 - يلتزم المقترض برد المثل . وفي هذا لايختلف المشروع كثيراً عن التقنين الحالى ( م 475 - 476 / 578 - 580 ) ، فالمقترض يرد المثل في المكان والزمان المتفق عليهما، فإذا لم يتفق على مكان ، وجب اتباع القواعد العامة ، وهي تقضي بأن يكون الرد في موطن المقترض ( ويقضى التقنين الحالى بأن يكون الرد في المحل الذي حصلت فيه العارية : م 476 / 580 ) ، وإذا لم يتفق على ميعاد للرد ، أو اتفق على أن الرد يكون عند المقدرة أو الميسرة ، وجب الرجوع إلى القواعد العامة في حلول الأجل ، وهي تقضي بأن عدد القاضي ميعاداً مناسباً الحلول الأجل ، مراعياً في ذلك موارد المدين الحالية والمستقبلة ، ومقتضياً منه عناية الرجل الحريص على الوفاء بالتزامه (م 395 من المشروع، وانظر م 475 / 579 من التقنين الحالى ).

2 - ويلتزم المقترض بدفع الفوائد ، والأصل أن يكون القرض بغير فائدة ، إلا إذا حصل عليها اتفاق ، فيلتزم المقترض بدفعها في مواعيد استحقاقها ، ولا يجوز أن تزيد الفائدة المتفق عليها على السعر الذي حدده القانون للفائدة الاتفاقية ( 7 % م 305 من المشروع)، فإذا زادت أنقصت إلى هذا السعر، وما دفعه المقترض زيادة يسترده ، سواء دفع عن علم أو عن غلط . 

الأحكام

1- إن العلاقة بين البنوك وعملائها تخضع بحسب الاصل لمبدأ سلطات الارادة بما مؤداه ان النص فى العقود التى تبرد معهم على تخويل البنك الدائن رخصه رفع سعر الفائدة المتفق عليها دون حاجه لموافقة مجددة من المدين وذلك طبقاً لما يصدره البنك المركزى من قرارات ثم قيام البنك المقرض بتعاطى هذه الرخصة ليس معناه ان تعديل سعر الفائدة بالزيادة فى هذه الحالة راجعاً الى محض ارادة الدائن وحده بل هو نتيجه لتلاقى كامل ارادة طرفى القرض على تعيين سعر الفائدة بما يحدده البنك المركزى من احد اقصى وفقاً لما يجد من عموم متغيرات الظروف الاقتصادية بما يكفل صالح الاقتصاد القومى فى مجموعة بغض النظر عن المصلحة الفردية التى قد تعود على المقترض من استثمار مبلغ القروض وما يحققه له ذلك من عائد ونسبته .

(الطعن رقم 3321 لسنة 59 جلسة 1996/11/07 س 47 ع 2 ص 1261 ق 229)

2- حرم الشارع بنص المادة 227 من القانون المدنى زيادة فائدة الديون على حد أقصى معلوم مقداره 7 % و نص على تخفيضها إليه و حرم على الدائن قبض الزيادة و إلزامه برد ما قبضه منها - مما مؤداه أن كل إتفاق على فائدة تزيد على هذا الحد يكون باطلاً بطلاناً مطلقاً لا تلحقه الإجازة و ذلك لإعتبارات النظام العام التى تستوجب حماية الطرف الضعيف فى العقد من الإستغلال .

(الطعن رقم 1607 لسنة 48 جلسة 1983/06/27 س 34 ع 2 ص 1480 ق 290)

3- أجاز فى المادة السابعة فقرة " د " من القانون رقم 120 لسنة 1975 بشأن البنك المركزى المصرى والجهاز المصرفى المنطبقة على الواقع فى الدعوى قبل وبعد تعديلها بالقانون رقم 37 لسنة 1992 لمجلس إدارة ذلك البنك تحديد أسعار الخصم والفائدة الدائنة والمدينة على العمليات المصرفية حسب طبيعة هذه العمليات وآجالها ومقدار الحاجة إليها وفقاً لسياسة النقد والائتمان دون التقيد بالحدود المنصوص عليها فى أى تشريع آخر . مما يدل على اتجاه قصد الشارع إلى استثناء العمليات المصرفية من قيد الحد الأقصى للفائدة الاتفاقية المنصوص عليها فى المادة 227 من القانون المدنى بالترخيص لمجلس إدارة البنك المركزى فى إصدار قرارات بتحديد أسعار الفائدة التى يجوز للبنوك أن تتعاقد فى حدودها بالنسبة لكل نوع من هذه العمليات وذلك وفقاً لضوابط تتسم بالمرونة وتتمشى مع سياسة النقد والائتمان التى تقررها الدولة فى مواجهة ما يجد من الظروف الاقتصادية المتغيرة وتسرى هذه الأسعار على العقود والعمليات التى تبرم أو تجدد فى ظل سريان أحكام القانونين السابق الإشارة إليهما وكذا العقود السابقة فى حالة سماحها بذلك .

(الطعن رقم 1607 لسنة 48 جلسة 1983/06/27 س 34 ع 2 ص 1480 ق 290)

4- إنه و إن كان الترخيص المشار إليه قد صدر لمجلس إدارة البنك المركزى فى إطار المادتين الأولى والسابعة من القانون رقم 120 لسنة 1975 اللتين تمنحان للبنك المركزى سلطة تنظيم السياسة النقدية والإئتمانية والمصرفية والإشراف على تنفيذها وفقاً للخطة العامة للتنمية الإقتصادية والإجتماعية طبقاً للسياسة العامة للدولة إلا أن ذلك لا يعنى أن القرارات التى يصدرها مجلس إدارة البنك المركزى إستناداً إلى الفقرة [ د ] من المادة السابعة المشار إليها وتتضمن رفعاً لسعر الفائدة الذى يجوز للبنوك التعاقد عليها فى عملياتها المصرفية تعتبر من قبيل القواعد المتعلقة بالنظام العام التى تسرى بأثر مباشر على ما يستحق فى ظلها من فوائد العقود السابقة على العمل بها ، ذلك أن الأصل فى إستحقاق الفوائد الإتفاقية هو إتفاق الدائن مع المدين ، فإذا إتفق الطرفان على سعر معين فلا يجوز للدائن أن يستقل برفعه ، ويبين من النعى المشار إليه أن الشارع إلتزم هذا الأصل ، إذ تدل صياغته على أن الشارع قصد سريان الأسعار الجديدة على العقود التى تبرمها البنوك بعد العمل بهذه الأسعار ، مما مؤداه أن تظل العقود السابقة محكومة بالأسعار ، المتفق عليها فيها و خاضعة للقوانين التى نشأت فى ظلها وهو ما إلتزمت به القرارات الصادرة من مجلس إدارة البنك المركزى فى هذا الشأن حيث نصت القاعدة الثامنة من القواعد العامة التى تصدرت كتاب البنك المركزى الصادر فى أول يوليو سنة 1979 بأسعار الخدمات المصرفية الموحدة على أن " تسرى هذه الأسعار على العقود و العمليات التى أبرمت فى ظلها أما بالنسبة للعمليات القائمة التى أبرمت قبل صدورها فإن العبرة بما تم عليه التعاقد أى أن العقود تظل محكومة بالأسعار التى كانت سارية وقت التعاقد " كما تضمنت قرارات البنك المركزى الأخرى التى صدرت إستناداً إلى الفقرة [ د ] المشار إليها بنداً يقضى بسريان الأسعار الواردة بها على العقود الجديدة والعقود المجددة والعقود القائمة فى حالة سماحها بذلك وهو ما يؤكد أن قصد الشارع لم ينصرف إلى سريان الأسعار المرتفعة الجديدة تلقائياً على ما يستحق فى ظلها من فوائد العقود السابقة على العمل بها ، لما كان ذلك و كانت العلاقة بين البنوك وعملائها تخضع بحسب الأصل لمبدأ سلطان الإرادة ، فإن قرارات البنك المركزى المشار إليها لا تعتبرعلى إطلاقها من قبيل القواعد القانونية المتعلقة بالنظام العام ولا يترتب البطلان على مخالفتها فيما تعقده البنوك مع عملائها من عقود مصرفية إلا إذا جاوز سعر الفائدة المتفق عليه بها الحد الأقصى الذى تحدده تلك القرارات إذ يجرى عليها فى هذه الحالة ذات الحكم المقرر بالنسبة لتجاوز الحد الأقصى للفوائد المنصوص عليه فى المادة 227 من القانون المدنى ، إعتباراً بأن الحد الأقصى المقرر للفائدة التى يجوز الإتفاق عليها قانوناً هو - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - مما يتصل بقواعد النظام العام .

(الطعن رقم 1607 لسنة 48 جلسة 1983/06/27 س 34 ع 2 ص 1480 ق 290)

5- الفوائد المستحقة على أصل السند الإذنى متى كان معتبراً عملاً تجارياً تسرى من تاريخ تحرير برتستو عدم الدفع وفقاً للمادتين 187 ، 189 من قانون التجارة . وإذ كان الثابت بالأوراق أن المطعون عليه قد وجه إلى الطاعن إحتجاجاً بعدم الدفع فى اليوم التالى لحلول ميعاد إستحقاق كل من السندات الصادرة منه  فإنه لا على الحكم المطعون فيه أن إنتهى إلى أن الإيداع غير مبرىء لذمة الطاعن من الدين لعدم سداد الفوائد .

(الطعن رقم 72 لسنة 39 جلسة 1974/06/06 س25 ع 1 ص 1002 ق 165)

6- مفاد نص المادة العاشرة من المرسوم بقانون رقم 317 لسنة 1952 أن المشرع أجاز لأصحاب الأعمال إقراض العمال ، وأنه فى سبيل التوفيق بين مصلحة العامل فى قبض أجره بالكامل وبين حق صاحب العمل فى التمسك بإنقضاء الأجر مقاصة مع القرض وضع قيوداً على طريقة الوفاء بما لا يرهق العامل ، كما حرم تقاضى فوائد على هذا القرض حماية للعامل و منعا من إستغلاله ، ولم يقصد المشرع أن يقيد صاحب العمل فى إستغلال نشاطه أوأن يتنازل عن أرباحه منه للعامل ، فإذا أقبل عامل بأحد البنوك على طلب قرض بمحض رغبته من هذا البنك وإلتزم فى العقد بالفائدة التى يتقاضاها البنك من عملائه عن القروض التى هى من صميم أعماله ، فإن العامل يكون ملزما بالفائدة التى تمثل أرباح البنك من نشاطه ، ولا يمتد إليها الحظر المقرر بالمادة العاشرة من المرسوم بقانون رقم 317 لسنة 1952.

(الطعن رقم 270 لسنة 35 جلسة 1970/05/13 س 21 ع 2 ص 820 ق 133)

7- لاتستحق الفوائد التأخيرية على ما تقضى به المادة 226 من القانون المدنى إلا من تاريخ المطالبة القضائية بها . فإذا كان الثابت من الحكم المطعون فيه أن الطاعنة أوفت بالدين ولم يسبق هذا الوفاء مطالبة قضائية بفوائد عنه فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بفوائد تأخيرية عن هذا الدين فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون .

(الطعن رقم 383 لسنة 31 جلسة 1966/03/15 س 17 ع 2 ص 591 ق 81)

شرح خبراء القانون

قدمنا أن القرض في الأصل عقد تبرع ، فلا تجب فوائد على المقترض ، حتى لو كان القرض تجارياً ، إلا إذا كان هناك اتفاق على ذلك بينه وبين المقرض  وتقول المادة 542 مدني صراحة في هذا المعنى : " …فإذا لم يكن هناك اتفاق على فوائد اعتبر القرض بغير أجر " .

على أنه إذا لم يتفق الطرفان على فوائد للقرض ، فإن ذلك لا يمنع من أنه إذا حل ميعاد رد القرض وتأخر المقترض في الرد ، استحقت عليه فوائد تأخيرية بالسعر القانوني - 4% في القروض المدنية و 5% في القروض التجارية – وفقاً للقواعد المقررة في الفوائد التأخيرية ، فتسري هذه الفوائد من تاريخ المطالبة القضائية بها ، دون حاجة إلى أن يثبت المقرض ضرراً لحقه من التأخير ( م 226 و م 228 مدني ) ، وقد سبق أن بينا شروط استحقاق الفوائد التأخيرية عند الكلام في نظرية الالتزام فنحيل هنا على ما أوردناه هناك .

وبالرغم من أن القرض في الأصل عقد تبرع وأن الفوائد لا تدب إلا إذا اتفق عليها الطرفان، فإن في الغالب في العمل أن يشترط المقرض على المقترض دفع فوائد بسعر معين ، ويثبت هذا الشرط وفقاً للقواعد العامة في الإثبات ، ففي القروض التجارية ، وكذلك في القروض المدنية إذا لم يزد مجموع الفوائد على عشرة جنيهات، يجوز الإثبات بجميع الطرق ومنها البينة والقرائن ، وفي غير ذلك تجب الكتابة أو ما يقوم مقامها.

سعر الفائدة – إحالة : فإذا اشترط المقرض على المقترض دفع فوائد ، فيغلب أن يقدر سعرها ، ولا يجوز له في تقدير هذا السعر أن يجاوز الحد الأقصى المسموح به وهو 7% وتسري القواعد المقررة في هذا الشأن ، وقد سبق أن بسطناها في النظرية العامة للالتزام، فبينا سعر الفوائد التعويضية ، وجزاء مجاوزة سعر الفائدة ، ومتى يجوز النزول عن هذه الحدود المقررة ومتى تجوز الزيادة عليها ، وعدم جواز تقاضي فوائد على متجمد الفوائد ، وعدم جواز زيادة الفوائد في مجموعها على رأس المال ، وغير ذلك من المسائل المتعلقة بهذا الموضوع .

وقد يقع أن يشترط المقرض على المقترض دفع فوائد دون أن يقدر سعرها ، ففي هذه الحالة يجب على المقترض أن يدفع فوائد بالسعر القانوني، فتكون هذه الفوائد 4% في القروض المدنية و 5% في القروض التجارية وتعتبر القروض تجارية حتى لو كانت تجارية من جانب المقترض وحده بأن خصص القرض لعمل تجاري، أو كانت تجارية من جانب المقرض وحده بأن كان هذا المقرض هو أحد المصارف مثلاً .

تنص المادة 542 من التقنين المدني على ما يأتي :

 على المقترض أن يدفع الفوائد المتفق عليها عند حلول مواعيد استحقاقها ، فإذا لم يكن هناك اتفاق على الفوائد اعتبر القرض بغير أجر.

وقد قدمنا أن الأصل في القرض أن يكون بغير فائدة ، فإذا أراد المقرض أن يتقاضى فوائد وجب عليه أن يشترط ذلك على المقترض ، وأشرنا فيما تقدم إلى القيود التي ترد على اشتراط الفوائد والى الحد الأقصى لسعر الفائدة  وبقى هنا أن تبين عن أية مدة تدفع الفوائد ، والمكان والزمان اللذين تدفع فيهما ، والجزاء الذي يترتب على عدم دفع الفوائد ، وجواز أن يسترد المقترض ما دفعه إلى المقرض من فوائد غير مستحقة .

إذا اشترط المقرض على المقترض أن يدفع فوائد على القرض بسعر معين ، فالأصل أن هذه الفوائد تستحق من اليوم الذي يتسلم فيه المقترض مبلغ القرض ، لا قبل ذلك  حتى لو انقضت مدة ما بين تمام القرض وتسلم المبلغ المقترض ، لم يجب على المقترض أن يدفع فوائد عن هذه المدة ، لأن الفوائد مقابل الانتفاع بمبلغ القرض ، والمقترض لا ينتفع بمبلغ القرض إلا من يوم تسلمه إياه .

وينتهي سريان الفوائد في اليوم الذي ينتهي فيه القرض وتدفع الفوائد في المواعيد التي يتفق عليها ، فقد يشترط المقرض أن يدفع المقترض في الفوائد كل شهر أو كل ستة أشهر أو يدفعها كلها مرة واحدة عند نهاية القرض ، والواجب في جميع هذه الأحوال إلا يجاوز ما يدفعه المقترض من فوائد على 7% من المبلغ المقترض عن كل سنة ، ولو كانت الفوائد تدفع عن مدد أقل من السنة ، فإذا لم يبين عقد القرض المواعيد التي تدفع فيها الفوائد ، فإنها تدفع كل سنة عقب نهايتها .

وتدفع الفوائد في المكان الذي يبين في عقد القرض ، فإذا لم يعين عقد القرض مكان دفع الفوائد ، سرت القواعد العامة ، ووجب دفع الفوائد في مكان المدين أي المقترض .

فإذا لم يدفع المقترض الفوائد في المواعيد المحددة لها ، جاز للمقرض إجباره على دفعها بالطرق المقررة فيجوز له ، إذا كان عنده سند قابل للتنفيذ ، أن ينفذ على أموال المقترض بالفوائد المستحقة .

ويجوز للمقرض كذلك أن يطلب فسخ القرض لإخلال المقترض بالتزامه من دفع الفوائد في مواعيدها ، ولما كان القرض عقداً ملزماً للجانبين ، فإن القواعد العامة في الفسخ تسري  فإذا ما أجاب القاضي المقرض إلى طلبه وحكم بفسخ القرض ، استرد المقرض مبلغ القرض والفوائد المستحقة و التعويض المحكوم به من وقت الحكم بالفسخ ولا يكون للفسخ أثر رجعي ، لأن القرض عقد زمني فينتج أثره إلى يوم الفسخ . 

كان المشروع التمهيدي يتضمن نصاً – هو المادة 728 من هذا المشروع – يجري على الوجه الآتي : " إذا دفع المقترض فوائد تزيد على السعر الجائز قانوناً ، كان له في جميع الأحوال أن يسترد الزيادة ، سواء دفع عن علم أو عن غلط " ، وقد حذف هذا النص في لجنة المراجعة ، بعد أن نص على حكمه في نص سابق هو آخر الفقرة الأولي من المادة 227 مدني والعبارة الأخيرة من الفقرة المشار إليها ، وقد جاءت عقب الكلام في تحريم اتفاق المتعاقدين على سعر للفائدة أكثر من 7% ، تقول : " فإذا اتفقا على فوائد تزيد على هذا السعر ، وجب تخفيضها إلى سبعة في المائة ، وتعين رد ما دفع زائداً على هذا القدر " .

وقد قدمنا أن المقترض إذا دفع فوائد تزيد على الحد الأقصى المسموح به قانوناً - 7% - جاز له أن يسترد ما دفعه زيادة على هذا الحد، حتى لو كان قد دفع وهو عالم بأن الزائد غير مستحق عليه ويعتبر التزام المقرض بالرد في هذه الحالة التزاماً برد غير المستحق ، فيسقط بمضي ثلاث سنوات أو بمضي خمس عشرة سنة وفقاً لأحكام المادة 187 مدني .

ويجوز للمقترض أن يثبت أنه دفع فوائد أكثر من الحد الأقصى المسموح به بجميع طرق الإثبات، ومنها البينة والقرائن، لأن الربا الفاحش مخالف للنظام العام .

ويسترد المقترض غير المستحق من الفوائد أيضاً حتى لو لم يزد السعر على الحد الأقصى المسموح به ، إذا كان قد دفع فوائد عن مدة لا تستحق فيها الفوائد . مثل ذلك أن يدفع فوائد عن المدة التي انقضت بين تمام القرض وتسلمه لمبلغ القرض ، أو أن يقع غلط حسابي في مقدار الفوائد يترتب عليه أن يدفع المقترض فوائد أكثر من المستحق ، والرد في هذه الأحوال يقوم على أساس رد غير المستحق ، فتسرى قواعده ، ويدخل في ذلك مدة التقادم ، ولكن الإثبات هنا يخضع للقواعد العامة ، فيجب الإثبات بالكتابة أو بما يقوم مقامها فيما جاوز عشرون جنيهاً . (الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفي الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ الخامس الصفحة/   552)

متى تضمن القرض فوائد بسعر معين فإنها تستحق من اليوم الذي يتسلم فيه المقترض مبلغ القرض دون اعتبار لتاريخ إبرام القرض، فالفوائد مقابل الانتفاع بمبلغ القرض ولا يتحقق ذلك إلا بالتسليم ما لم يكن عدم التسليم راجعاً لخطأ المفترض أو لتأخره في التسلم ما دام المقرض مستعد للتسليم في أي وقت، ويقع على المقرض إثبات ذلك، ومتى انتهى القرض أوقف سريان الفوائد ، وقد يشترط سريانها بالسعر المتفق عليه بعد مدة القرض وحتي يرد المقترض المبلغ ، وتستحق الفوائد في المواعيد المتفق عليها على ألا يجاوز ما يدفعه المقترض من فوائد 7% من المبلغ المقترض عن كل سنة، وأن لم يبين العقد مواعيد استحقاقها فتستحق كل سنة ، كما أنها تدفع في المكان المحدد بالعقد فإن خلا من ذلك وجب دفعها بموطن المقترض فهو المدين بها.

فإذا أخل المقترض بالتزامه بدفع الفوائد فللمقرض إجباره على ذلك بالتنفيذ على أمواله بها، كما له أن يطلب فسخ القرض وفقاً للقواعد العامة ومن ثم وجب إعذار المقترض قبل طلب الفسخ إلا إذا اشترط عدم الإعذار، كما يجوز فسخ القرض لعدم دفع الأقساط في مواعيدها - أو الفوائد - ولو تساهل المقرض في بعض الأقساط المتأخرة ، ومتى حكم بفسخ القرض استرد المقرض القرض والفوائد والتعويض من وقت الحكم ويقدر التعويض بما كان يستحقه المقرض من فوائد إذا اكتملت مدة القرض ، فالقرض عقد زمني کالإيجار ليس للفسخ فيه أثر رجعي .

ووفقاً للمادة 227 لا يجوز الاتفاق على فائدة تجاوز 7% سنوياً ويكون للمقترض استرداد الزائد عن هذا الحد على أساس رد غير المستحق سواء كان عالماً بهذا التجاوز أو غير عالم، ويسقط حقه بمضي ثلاث سنوات أو بمضي خمس عشرة سنة (م 187) وللمقترض إثبات الفوائد الربوية التي تجاوز الحد المشار إليه بجميع طرق الإثبات ولكن ليس من حقة أن يوجه اليمين الحاسمة للمقرض التعلق ذلك بجريمة ، ويجب لإحالة الدعوى للتحقيق لإثبات الفوائد الربوية أن تقوم قرائن جدية على احتمال وجود هذه الفوائد ، كما يجوز للمقترض استرداد غير المستحق من الفوائد إذا دفعها عن مدة لا تستحق فيها الفوائد أو كان هناك غلط في الحساب وذلك على أساس رد غير المستحق فتسرى قواعده ومنها مدة التقادم وهي ثلاث سنوات ويخضع الإثبات في الحالتين الأخيرتين للقواعد العامة .

فإذا لم يتضمن عقد القرض - أو ملحقة - اتفاقاً على فوائد ، أعتبر القرض بدون فوائد، وحينئذ لا تستحق الفوائد القانونية إلا من تاريخ المطالبة القضائية بها فلا يكفي لسريانها المطالبة بأصل مبلغ القرض. (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ السابع الصفحة/361)

أوجبت المادة على المقترض أن يدفع الفوائد المتفق عليها عند حلول مواعيد استحقاقها .

ويتضح من هذه المادة أن الأصل أن يكون القرض سواء كان مدنياً أو تجارياً بدون فوائد ، ولا تستحق فوائد على القرض إلا إذا كان هناك اتفاق صريح بين الطرفين على ذلك ، فلا يكفي أن يستنتج ذلك الاتفاق استناداً إلى إرادة العاقدين الضمنية من عبارات العقد وظروف التعاقد  .

وفي بعض الحالات ينص القانون على تحريم تقاضي فوائد عن القرض الاعتبارات تتعلق بحماية بعض الطوائف کالعمال ، ومثل ذلك ما نصت عليه المادة 40 من قانون العمل رقم 137 لسنة 1981 من أنه: "لا يجوز لصاحب العمل أن يقتطع من أجر العامل أكثر من 10% وفاء لما يكون قد أقرضه من مال أثناء سريان العقد ولا أن يتقاضى أية فائدة ويسرى ذلك الحكم على الأجور المدفوعة مقدماً"- ويشمل هذا الحظر الفائدة الاتفاقية والفائدة القانونية ، وهذا النص آمر متعلق بالنظام العام ، وقد هدف الشارع من حظر الحصول على الفائدة حماية العامل والحيلولة دون استغلاله.

غير أن محكمة النقض استثنت من هذا الحظر القروض التي تكون من الأعمال التي يمارسها صاحب العمل، إذا كان العامل قد طلبها بمحض إرادته ، ومثل ذلك أن تكون المنشأة أحد البنوك التي تقوم بالإقراض ، ولعلها استندت في ذلك ، إلى أن مثل هذه القروض يكون ملحوظا فيها علاقة العمل التي تربط صاحب العمل بالعامل مما يندفع به مظنة استغلال صاحب العمل للعامل .

صور الفائدة :

تشترط الفائدة في صور مختلفة منها :

1 - اشتراط فائدة سنوية بنسبة مئوية من المبلغ ، ولا تسرى الفائدة إلا من تاريخ تسلم مبلغ القرض إلا إذا كان التأخر في تسلمه بخطأ من المقترض.

2 - اشتراط مبلغ إجمالي فوق القرض ( زيادة على مبلغ القرض ) تدفع في نهاية القرض.

وهذه الزيادة يجب أن تخضع للحد الأقصى للفائدة ، فإذا عجل المقترض الرد قبل الميعاد لم يجب عليه من هذه الزيادة إلا ما يتناسب مع الوقت السابق على الرد.

3 - اشتراط رد القرض أقساطة سنوية متساوية، يتضمن القسط الأول فوائد القرض كله عن السنة الأولى مع جزء بسيط من رأس المال ، والقسط الثاني يشمل فوائد ما بقي من القرض مع جزء أكبر من رأس المال وتتدرج الأقساط بحيث تقل في كل عام نسبة ما يؤدي من الفائدة (مع ثبات سعرها) وتزيد نسبة ما يؤدي من رأس المال حتى يحل القسط الأخير فتكون الفائدة فيه على الجزء المتبقي من رأس المال مع سداد هذا الجزء نفسه .

  سعر الفائدة :

إذا اتفق الطرفان على أن يكون القرض بفائدة، واتفقا على سعر الفائدة، فإن هذا السعر هو الذي يسري، غير أنه يجب ألا يجاوز الحد الأقصى المسموح به قانونا وهو 7% عملاً بالمادة 227 مدنی.

أما إذا اتفق الطرفان على استحقاق الفائدة دون تحديد سعرها، فإن المقترض يلتزم بالسعر القانوني للفائدة وهو 4% في القروض المدنية و 5% في القروض التجارية (م 226 مدنی ) والسبب في أن سعر الفائدة في المسائل التجارية أكبر منه في المسائل المدنية هو أن الأموال التي تستغل في التجارة تربح أكثر من غيرها ، كما أنها أكثر عرضة للضياع.

ويكون القرض تجارياً إذا كان معداً لاستغلال تجاري وعلى العكس يكون مدنياً إذا كان معدا لاستعمال غیر تجاری .

ولا يشترط لاستحقاق فوائد التأخير أن يثبت الدائن أن ضرراً لحقه من هذا التأخير، فالمشرع افترض الضرر إفتراضاً غير قابل لإثبات العكس.

وضع الشارع حداً أقصى للفائدة حماية للطرف الضعيف في العقد المقترض من الاستغلال، ومن ثم فإن هذا الحكم يكون متعلقا بالنظام العام ، ويبطل الاتفاق على تقاضي فائدة تزيد على هذا الحد بطلاناً مطلقاً و يحق للمقرض استرداد الزائد على الحد المذكور.

أن الشارع استثنى العمليات المصرفية ومن بينها القروض من الحد الأقصى للفائدة الاتفاقية المنصوص عليه في المادة 227 من القانون المدني.

إذا حل میعاد رد القرض ولم يقم المقترض برده في الميعاد، فإنه تستحق علية فوائد تأخيرية طبقاً للقواعد العامة بواقع 4% في القروض المدنية و5% في القرض التجارية، ما لم يكن متفقا بين الطرفين على فائدة أخرى بحيث لا تجاوز الحد الأقصى للفائدة ، عدا ما استثنى وتستحق فوائد التأخير ولو كان القرض أصلاً على سبيل التبرع.

وتحسب هذه الفوائد من تاريخ المطالبة القضائية وسواء حدث ضرر للدائن أو لد يحدث عملاً بالمادة 226 مدني التي تجري على أن : "إذ كان محل الالتزام مبلغاً من النقود وكان معلوم المقدار وقت الطلب وتأخر المدين في الوفاء به، كان ملزماً بأن يدفع للدائن على سبيل التعويض عن التأخر فوائد قدرها أربعة في المائة في المسنات المدنية وخمسة في المائة في المسائل التجارية ، وتسري هذه الفوائد من تاريخ المطالبة القضائية بها، إن لم يحدد الاتفاق أو العرف التجاري تاريخاً آخر لسريانها ، وهذا كله ما لم ينص القانون على غيره".

وأعمالا للاستثناء المنصوص عليه بالمادة وبما جرى عليه العرف التجاري والعادات التجارية، نصت المادة 64 من قانون التجارة الجديد رقم 17 لسنة 1999 المعدل على أن : "يستحق العائد عن التأخير في الوفاء بالديون التجارية بمجرد استحقاقها ما لم ينص القانون أو الاتفاق على غير ذلك .

تستحق الفوائد عن القرض - إذا كان متفقا فيه على فائدة - من اليوم الذي يتسلم فيه المقترض القرض إلا إذا كان التأخير في تسلمه بخطأ من المقرض ، تأسيساً على أن الفائدة هي مقابل الانتفاع بمبلغ القرض.

وينتهى استحقاق الفوائد من اليوم الذي ينتهي فيه القرض.

وإذا تأخر المقترض عن رد القرض بعد انتهائه واستحقت قبله فوائد تأخيرية بنسبة 4% في القروض المدنية، 5% في القروض التجارية من تاريخ المطالبة القضائية، ما لم يكن المتعاقدان قد اتفقا على سريان الفائدة المتفق عليها في حالة التأخير في رد القرض.

مقتضى القواعد العامة أن تدفع الفوائد في المواعيد التي يتفق عليها المتعاقدان، سواء كل شهر أو ثلاثة أشهر أو ستة أشهر أو سنة ، أو تدفع مرة واحدة عند نهاية القرض.

أما إذا خلا الاتفاق من تعيين موعد لأداء الفوائد، فإنها تستحق في نهاية كل سنة من سنوات القرض:

تدفع فوائد القرض في المكان الذي يتفق عليه المتعاقدان، فإذا لم يوجد هذا الاتفاق، تعين الرجوع إلى القواعد العامة، وهذه القواعد توجب دفع الفوائد في مكان المدين وهو المقترض عملاً بالمادة 347 مدني التي تقضي بأن: "

1 - إذا كان محل الالتزام شيئاً معيناً بالذات وجب تسليمه في المكان الذي كان موجودا فيه وقت نشوء الالتزام، ما لم يوجد اتفاق أو نص يقضي بغير ذلك.

2 - أما في الالتزامات الأخرى فيكون الوفاء في المكان الذي يوجد فيه موطن المدين وقت الوفاء، أو في المكان الذي يوجد فيه مركز أعمال المدين إذا كان الالتزام متعلقاً بهذه الأعمال".

إذا لم يدفع المقترض الفوائد المستحقة في تاريخ استحقاقها، جاز للمقرض مطالبته بأدائها طبقاً للقواعد العامة، وله التنفيذ على أمواله إذا حصل على حكم واجب النفاذ بإلزامه بهذه الفوائد.

ولما كان عقد القرض من العقود الملزمة للجانبين، فإن عدم أداء المقترض الفوائد يشكل إخلالاً بأحد التزامات المقترض الناشئة عن عقد القرض وتجیز للمقرض طلب فسخ العقد ، ولا يكون للفسخ أثر رجعي ، لأن عقد القرض من العقود الزمنية، ومن ثم يقضي بالفسخ من وقت الحكم ، ويترتب عليه استرداد المقرض لمبلغ القرض والفوائد المستحقة، وما قد يقضي به من تعويض.

مصاريف القرض تشمل رسوم الدمغة ومصروفات تحرير العقد إذا اتفق على أن يكون رسميا وأتعاب المحامي والسمسرة ومصاريف تسلم القرض ورده وغير ذلك.

ولم يرد نص في عقد القرض يحدد الملزم بهذه المصاريف.

وقد ورد نص في ذلك في عقد البيع إذ نص المادة 463 يقضي بأن هذه المصاريف على المشتري إذ جرت المادة على أن : "نفقات عقد البيع ورسوم "الدمغة" والتسجيل وغير ذلك من مصروفات تكون على المشتري ما لم يوجد اتفاق أو عرف يقضي بغير ذلك".

كما ورد نص آخر في عقد الرهن، إذ تقضي الفقرة الثانية من المادة 1031 على أن: "ونفقات العقد على الراهن إلا إذا اتفق على غير ذلك".

ومن ثم فإنه قياسا على هاتين المادتين تكون مصاريف القرض على المقترض، ما لم يوجد اتفاق على خلاف ذلك بين المتعاقدين أو يجرى عرف بخلافه، ومما يقضي به العرف أن السمسرة يتحملها الطرفان مناصفة . (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ السادس الصفحة / 440) 

الفقة الإسلامي

 الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الثاني  والعشرون  ، الصفحة /  49

رِبًا

التَّعْرِيفُ:

1 - الرِّبَا فِي اللُّغَةِ: اسْمٌ مَقْصُورٌ عَلَى الأْشْهَرِ، وَهُوَ مِنْ رَبَا يَرْبُو رَبْوًا، وَرُبُوًّا وَرِبَاءً.

وَأَلِفُ الرِّبَا بَدَلٌ عَنْ وَاوٍ، وَيُنْسَبُ إِلَيْهِ فَيُقَالُ: رِبَوِيٌّ، وَيُثَنَّى بِالْوَاوِ عَلَى الأَْصْلِ فَيُقَالُ: رِبَوَانِ، وَقَدْ يُقَالُ: رِبَيَانِ - بِالْيَاءِ - لِلإْمَالَةِ السَّائِغَةِ فِيهِ مِنْ أَجْلِ الْكَسْرَةِ.

وَالأْصْلُ فِي مَعْنَاهُ الزِّيَادَةُ، يُقَالُ: رَبَا الشَّيْءُ إِذَا زَادَ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : ( يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِيالصَّدَقَاتِ )وَأَرْبَى الرَّجُلُ: عَامَلَ بِالرِّبَا أَوْ دَخَلَ فِيهِ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «مَنْ أَجْبَى فَقَدْ أَرْبَى» وَالإْجْبَاءُ: بَيْعُ الزَّرْعِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلاَحُهُ.

وَيُقَالُ: الرِّبَا وَالرَّمَا وَالرَّمَاءُ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ  رضي الله تعالي عنه قَوْلُهُ: إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمُ الرَّمَا، يَعْنِي الرِّبَا.

وَالرُّبْيَةُ - بِالضَّمِّ وَالتَّخْفِيفِ - اسْمٌ مِنَ الرِّبَا، وَالرُّبِّيَّةُ: الرِّبَاءُ، وَفِي الْحَدِيثِ «عَنِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم فِي صُلْحِ أَهْلِ نَجْرَانَ: أَنْ لَيْسَ عَلَيْهِمْ رُبِّيَّةٌ وَلاَ دَمٌ».

قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هَكَذَا رُوِيَ بِتَشْدِيدِ الْبَاءِ وَالْيَاءِ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: أَرَادَ بِهَا الرِّبَا الَّذِي كَانَ عَلَيْهِمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَالدِّمَاءَ الَّتِي كَانُوا يَطْلُبُونَ بِهَا، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ أَسْقَطَ عَنْهُمْ كُلَّ رِبًا كَانَ عَلَيْهِمْ إِلاَّ رُءُوسَ الأْمْوَالِ فَإِنَّهُمْ يَرُدُّونَهَا.

وَالرِّبَا فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ:

عَرَّفَهُ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ: فَضْلٌ خَالٍ عَنْ عِوَضٍ بِمِعْيَارٍ شَرْعِيٍّ مَشْرُوطٍ لأِحَدِ  الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي الْمُعَاوَضَةِ.

وَعَرَّفَهُ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ: عَقْدٌ عَلَى عِوَضٍ مَخْصُوصٍ غَيْرِ مَعْلُومِ التَّمَاثُلِ فِي مِعْيَارِ الشَّرْعِ حَالَةَ الْعَقْدِ أَوْ مَعَ تَأْخِيرٍ فِي الْبَدَلَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا.

وَعَرَّفَهُ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ: تَفَاضُلٌ فِي أَشْيَاءَ، وَنَسْءٌ فِي أَشْيَاءَ، مُخْتَصٌّ بِأَشْيَاءَ وَرَدَ الشَّرْعُ بِتَحْرِيمِهَا - أَيْ تَحْرِيمِ الرِّبَا فِيهَا - نَصًّا فِي الْبَعْضِ، وَقِيَاسًا فِي الْبَاقِي مِنْهَا.

وَعَرَّفَ الْمَالِكِيَّةُ كُلَّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الرِّبَا عَلَى حِدَةٍ.

الأْلْفَاظُ  ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - الْبَيْعُ:

2 - الْبَيْعُ لُغَةً: مَصْدَرُ بَاعَ، وَالأَْصْلُ فِيهِ أَنَّهُ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ، وَأُطْلِقَ عَلَى الْعَقْدِ مَجَازًا لأِنَّهُ سَبَبُ التَّمْلِيكِ وَالتَّمَلُّكِ.

وَالْبَيْعُ مِنَ الأْضْدَادِ مِثْلُ الشِّرَاءِ، وَيُطْلَقُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لَفْظُ بَائِعٍ، وَلَكِنَّ اللَّفْظَ إِذَا أُطْلِقَ فَالْمُتَبَادَرُ إِلَى الذِّهْنِ بَاذِلُ السِّلْعَةِ، وَيُطْلَقُ الْبَيْعُ عَلَى الْمَبِيعِ فَيُقَالُ: بَيْعٌ جَيِّدٌ.

وَفِي الاِصْطِلاَحِ: عَرَّفَهُ الْقَلْيُوبِيُّ بِأَنَّهُ: عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ مَالِيَّةٍ تُفِيدُ مِلْكَ عَيْنٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ عَلَى التَّأْبِيدِ لاَ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ.

وَلِلْفُقَهَاءِ فِي تَعْرِيفِ الْبَيْعِ أَقْوَالٌ أُخْرَى سَبَقَتْ فِي مُصْطَلَحِ: (بَيْعٌ ).

وَالْبَيْعُ فِي الْجُمْلَةِ حَلاَلٌ، وَالرِّبَا حَرَامٌ.

ب - الْعَرَايَا:

3 - الْعَرِيَّةُ لُغَةً: النَّخْلَةُ يُعْرِيهَا صَاحِبُهَا غَيْرَهُ لِيَأْكُلَ ثَمَرَتَهَا فَيَعْرُوهَا أَيْ يَأْتِيهَا، أَوْ هِيَ النَّخْلَةُ الَّتِي أُكِلَ مَا عَلَيْهَا، وَالْجَمْعُ عَرَايَا، وَيُقَالُ: اسْتَعْرَى النَّاسُ أَيْ: أَكَلُوا الرُّطَبَ.

وَعَرَّفَ الشَّافِعِيَّةُ بَيْعَ الْعَرَايَا بِأَنَّهُ: بَيْعُ الرُّطَبِ عَلَى النَّخْلِ بِتَمْرٍ فِي الأْرْضِ، أَوِ الْعِنَبِ فِي الشَّجَرِ بِزَبِيبٍ، فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ بِتَقْدِيرِ الْجَفَافِ بِمِثْلِهِ.

وَيَذْهَبُ آخَرُونَ فِي تَعْرِيفِ بَيْعِ الْعَرَايَا وَحُكْمِهِ مَذَاهِبَ يُرْجَعُ فِي تَفْصِيلِهَا إِلَى مُصْطَلَحِ: (تَعْرِيَةٌ) (وَبَيْعُ الْعَرَايَا) مِنَ الْمَوْسُوعَةِ  9/ 91.

وَبَيْعُ الْعَرَايَا مِنَ الْمُزَابَنَةِ، وَفِيهِ مَا فِي الْمُزَابَنَةِ مِنَ الرِّبَا أَوْ شُبْهَتِهِ، لَكِنَّهُ أُجِيزَ بِالنَّصِّ، وَمِنْهُ مَا رُوِيَ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ، وَرَخَّصَ فِي الْعَرِيَّةِ أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا يَأْكُلُهَا أَهْلُهَا رُطَبًا»،، وَفِي لَفْظٍ: «عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ» وَقَالَ: ذَلِكَ الرِّبَا تِلْكَ الْمُزَابَنَةُ، إِلاَّ أَنَّهُ رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرِيَّةِ: «النَّخْلَةِ وَالنَّخْلَتَيْنِ يَأْخُذُهَا أَهْلُ الْبَيْتِ بِخَرْصِهَا تَمْرًا يَأْكُلُونَهَا رُطَبًا».

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:

4 - الرِّبَا مُحَرَّمٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالإْجْمَاعِ، وَهُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ، وَمِنَ السَّبْعِ الْمُوبِقَاتِ، وَلَمْ يُؤْذِنِ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ عَاصِيًا بِالْحَرْبِ سِوَى آكِلِ الرِّبَا، وَمَنِ اسْتَحَلَّهُ فَقَدْ كَفَرَ - لإِنْكَارِهِ مَعْلُومًا مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ - فَيُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ وَإِلاَّ قُتِلَ، أَمَّا مَنْ تَعَامَلَ بِالرِّبَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مُسْتَحِلًّا لَهُ فَهُوَ فَاسِقٌ.

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ: إِنَّ الرِّبَا لَمْ يَحِلَّ فِي شَرِيعَةٍ قَطُّ لقوله تعالي: ( وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ ) يَعْنِي فِي الْكُتُبِ السَّابِقَةِ.

وَدَلِيلُ التَّحْرِيمِ مِنَ الْكِتَابِ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : ( وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ).

وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ  : (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُالشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ).

5 - قَالَ السَّرَخْسِيُّ: ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى لآِكِلِ الرِّبَا خَمْسًا مِنَ الْعُقُوبَاتِ:

إِحْدَاهَا: التَّخَبُّطُ.. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ( لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُالشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ).

الثَّانِيَةُ: الْمَحْقُ.. قَالَ تَعَالَى : ( يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا ) وَالْمُرَادُ الْهَلاَكُ وَالاِسْتِئْصَالُ، وَقِيلَ: ذَهَابُ الْبَرَكَةِ وَالاِسْتِمْتَاعِ حَتَّى لاَ يَنْتَفِعَ بِهِ، وَلاَ وَلَدُهُ بَعْدَهُ.

الثَّالِثَةُ: الْحَرْبُ.. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ( فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ).

الرَّابِعَةُ: الْكُفْرُ.. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ( وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) وَقَالَ سُبْحَانَهُ بَعْدَ ذِكْرِ الرِّبَا : ( وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ) أَيْ: كَفَّارٍ بِاسْتِحْلاَلِ الرِّبَا، أَثِيمٍ فَاجِرٍ بِأَكْلِ الرِّبَا.

الْخَامِسَةُ: الْخُلُودُ فِي النَّارِ. قَالَ تَعَالَى : ( وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ).

وَكَذَلِكَ - قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًامُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ : ( أَضْعَافًامُضَاعَفَةً ) لَيْسَ لِتَقْيِيدِ النَّهْيِ بِهِ، بَلْ لِمُرَاعَاةِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الْعَادَةِ تَوْبِيخًا لَهُمْ بِذَلِكَ، إِذْ كَانَ الرَّجُلُ يُرْبِي إِلَى أَجَلٍ، فَإِذَا حَلَّ الأْجَلُ  قَالَ لِلْمَدِينِ: زِدْنِي فِي الْمَالِ حَتَّى أَزِيدَكَ فِي الأْجَلِ، فَيَفْعَلُ، وَهَكَذَا عِنْدَ مَحَلِّ كُلِّ أَجَلٍ، فَيَسْتَغْرِقُ بِالشَّيْءِ الطَّفِيفِ مَالَهُ بِالْكُلِّيَّةِ، فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ وَنَزَلَتِ الآْيَةُ.

6 - وَدَلِيلُ التَّحْرِيمِ مِنَ السُّنَّةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا:

مَا وَرَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالي عنه عَنِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ »

قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاَتِ الْمُؤْمِنَاتِ».

وَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله تعالي عنهما  قَالَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ».

وَأَجْمَعَتِ الأْمَّةُ عَلَى أَصْلِ تَحْرِيمِ الرِّبَا.

وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي تَفْصِيلِ مَسَائِلِهِ وَتَبْيِينِ أَحْكَامِهِ وَتَفْسِيرِ شَرَائِطِهِ.

7 - هَذَا، وَيَجِبُ عَلَى مَنْ يُقْرِضُ أَوْ يَقْتَرِضُ أَوْ يَبِيعُ أَوْ يَشْتَرِي أَنْ يَبْدَأَ بِتَعَلُّمِ أَحْكَامِ هَذِهِ الْمُعَامَلاَتِ قَبْلَ أَنْ يُبَاشِرَهَا، حَتَّى تَكُونَ صَحِيحَةً وَبَعِيدَةً عَنِ الْحَرَامِ وَالشُّبُهَاتِ، وَمَا لاَ يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلاَّ بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ، وَتَرْكُهُ إِثْمٌ وَخَطِيئَةٌ، وَهُوَ إِنْ لَمْ يَتَعَلَّمْ هَذِهِ الأْحْكَامَ قَدْ يَقَعُ فِي الرِّبَا دُونَ أَنْ يَقْصِدَ الإْرْبَاءَ، بَلْ قَدْ يَخُوضُ فِي الرِّبَا وَهُوَ يَجْهَلُ أَنَّهُ تَرَدَّى فِي الْحَرَامِ وَسَقَطَ فِي النَّارِ، وَجَهْلُهُ لاَ يُعْفِيهِ مِنَ الإْثْمِ وَلاَ يُنَجِّيهِ مِنَ النَّارِ؛ لأِنَّ  الْجَهْلَ وَالْقَصْدَ لَيْسَا مِنْ شُرُوطِ تَرَتُّبِ الْجَزَاءِ عَلَى الرِّبَا، فَالرِّبَا بِمُجَرَّدِ فِعْلِهِ - مِنَ الْمُكَلَّفِ - مُوجِبٌ لِلْعَذَابِ الْعَظِيمِ الَّذِي تَوَعَّدَ اللَّهُ جَلَّ جَلاَلُهُ بِهِ الْمُرَابِينَ، يَقُولُ الْقُرْطُبِيُّ: لَوْ لَمْ يَكُنِ الرِّبَا إِلاَّ عَلَى مَنْ قَصَدَهُ مَا حُرِّمَ إِلاَّ عَلَى الْفُقَهَاءِ.

وَقَدْ أُثِرَ عَنِ السَّلَفِ أَنَّهُمْ كَانُوا يُحَذِّرُونَ مِنَ الاِتِّجَارِ قَبْلَ تَعَلُّمِ مَا يَصُونُ الْمُعَامَلاَتِ التِّجَارِيَّةَ مِنَ التَّخَبُّطِ فِي الرِّبَا، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ عُمَرَ رضي الله تعالي عنهلاَ يَتَّجِرُ فِي سُوقِنَا إِلاَّ مَنْ فَقِهَ، وَإِلاَّ أَكَلَ الرِّبَا، وَقَوْلُ عَلِيٍّ رضي الله تعالي عنهمَنِ اتَّجَرَ قَبْلَ أَنْ يَتَفَقَّهَ ارْتَطَمَ فِي الرِّبَا ثُمَّ ارْتَطَمَ ثُمَّ ارْتَطَمَ، أَيْ: وَقَعَ وَارْتَبَكَ وَنَشِبَ.

وَقَدْ حَرَصَ الشَّارِعُ عَلَى سَدِّ الذَّرَائِعِ الْمُفْضِيَةِ إِلَى الرِّبَا؛ لأِنَّ  مَا أَفْضَى إِلَى الْحَرَامِ حَرَامٌ، وَكُلُّ ذَرِيعَةٍ إِلَى الْحَرَامِ هِيَ حَرَامٌ، رَوَى أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدِهِ عَنْ جَابِرٍ رضي الله تعالي عنه قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ : ( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلممَنْ لَمْ يَذَرِ الْمُخَابَرَةَ فَلْيُؤْذَنْ بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ» قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: وَإِنَّمَا حُرِّمَتِ الْمُخَابَرَةُ وَهِيَ الْمُزَارَعَةُ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنَ الأْرْضِ، وَالْمُزَابَنَةُ وَهِيَ اشْتِرَاءُ الرُّطَبِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ بِالتَّمْرِ عَلَى وَجْهِ الأْرْضِ، وَالْمُحَاقَلَةُ وَهِيَ اشْتِرَاءُ الْحَبِّ فِي سُنْبُلِهِ فِي الْحَقْلِ بِالْحَبِّ عَلَى وَجْهِ الأْرْضِ، إِنَّمَا حُرِّمَتْ هَذِهِ الأْشْيَاءُ وَمَا شَاكَلَهَا حَسْمًا لِمَادَّةِ الرِّبَا؛ لأِنَّهُ لاَ يُعْلَمُ التَّسَاوِي بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ قَبْلَ الْجَفَافِ، وَلِهَذَا قَالَ الْفُقَهَاءُ: الْجَهْلُ بِالْمُمَاثَلَةِ كَحَقِيقَةِ الْمُفَاضَلَةِ، وَمِنْ هَذَا حَرَّمُوا أَشْيَاءَ بِمَا فَهِمُوا مِنْ تَضْيِيقِ الْمَسَالِكِ الْمُفْضِيَةِ إِلَى الرِّبَا وَالْوَسَائِلِ الْمُوَصِّلَةِ إِلَيْهِ، وَتَفَاوَتَ نَظَرُهُمْ بِحَسَبِ مَا وَهَبَ اللَّهُ لِكُلٍّ مِنْهُمْ مِنَ الْعِلْمِ.

8 - وَبَابُ الرِّبَا مِنْ أَشْكَلِ الأَْبْوَابِ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَدْ قَالَ عُمَرُ رضي الله تعالي عنهثَلاَثٌ وَدِدْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم عَهِدَ إِلَيْنَا فِيهِنَّ عَهْدًا نَنْتَهِي إِلَيْهِ: الْجَدُّ وَالْكَلاَلَةُ وَأَبْوَابٌ مِنَ الرِّبَا، يَعْنِي - كَمَا قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ - بِذَلِكَ بَعْضَ الْمَسَائِلِ الَّتِي فِيهَا شَائِبَةُ الرِّبَا، وَعَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمَا أَنَّ عُمَرَ رضي الله تعالي عنه قَالَ: مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ آيَةُ الرِّبَا، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم قُبِضَ قَبْلَ أَنْ يُفَسِّرَهَا لَنَا، فَدَعُوا الرِّبَا وَالرِّيبَةَ، وَعَنْهُ رضي الله تعالي عنه قَالَ: ثَلاَثٌ لأَنْ  يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم بَيَّنَهُنَّ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا: الْكَلاَلَةُ، وَالرِّبَا، وَالْخِلاَفَةُ.

حِكْمَةُ تَحْرِيمِ الرِّبَا:

9 - أَوْرَدَ الْمُفَسِّرُونَ لِتَحْرِيمِ الرِّبَا حِكَمًا تَشْرِيعِيَّةً:

مِنْهَا: أَنَّ الرِّبَا يَقْتَضِي أَخْذَ مَالِ الإْنْسَانِ  مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ؛ لأِنَّ  مَنْ يَبِيعُ الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ نَقْدًا أَوْ نَسِيئَةً تَحْصُلُ لَهُ زِيَادَةُ دِرْهَمٍ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ، وَمَالُ الْمُسْلِمِ مُتَعَلِّقُ حَاجَتِهِ، وَلَهُ حُرْمَةٌ عَظِيمَةٌ، قَالَ صلي الله عليه وسلم: «حُرْمَةُ مَالِ الْمُسْلِمِ كَحُرْمَةِ دَمِهِ» وَإِبْقَاءُ الْمَالِ فِي يَدِهِ مُدَّةً مَدِيدَةً وَتَمْكِينُهُ مِنْ أَنْ يَتَّجِرَ فِيهِ وَيَنْتَفِعَ بِهِ أَمْرٌ مَوْهُومٌ، فَقَدْ يَحْصُلُ وَقَدْ لاَ يَحْصُلُ، وَأَخْذُ الدِّرْهَمِ الزَّائِدِ مُتَيَقَّنٌ، وَتَفْوِيتُ الْمُتَيَقَّنِ لأِجْلِ الْمَوْهُومِ لاَ يَخْلُو مِنْ ضَرَرٍ.

وَمِنْهَا: أَنَّ الرِّبَا يَمْنَعُ النَّاسَ مِنْ الاِشْتِغَالِ بِالْمَكَاسِبِ؛ لأِنَّ  صَاحِبَ الدِّرْهَمِ إِذَا تَمَكَّنَ بِوَاسِطَةِ عَقْدِ الرِّبَا مِنْ تَحْصِيلِ الدِّرْهَمِ الزَّائِدِ نَقْدًا كَانَ أَوْ نَسِيئَةً خَفَّ عَلَيْهِ اكْتِسَابُ وَجْهِ الْمَعِيشَةِ، فَلاَ يَكَادُ يَتَحَمَّلُ مَشَقَّةَ الْكَسْبِ وَالتِّجَارَةِ وَالصِّنَاعَاتِ الشَّاقَّةِ، وَذَلِكَ يُفْضِي إِلَى انْقِطَاعِ مَنَافِعِ الْخَلْقِ الَّتِي لاَ تَنْتَظِمُ إِلاَّ بِالتِّجَارَاتِ وَالْحِرَفِ وَالصِّنَاعَاتِ وَالْعِمَارَاتِ.

وَمِنْهَا: أَنَّ الرِّبَا يُفْضِي إِلَى انْقِطَاعِ الْمَعْرُوفِ بَيْنَ النَّاسِ مِنَ الْقَرْضِ؛ لأِنَّ  الرِّبَا إِذَا حُرِّمَ طَابَتِ النُّفُوسُ بِقَرْضِ الدِّرْهَمِ وَاسْتِرْجَاعِ مِثْلِهِ، وَلَوْ حَلَّ الرِّبَا لَكَانَتْ حَاجَةُ الْمُحْتَاجِ تَحْمِلُهُ عَلَى أَخْذِ الدِّرْهَمِ بِدِرْهَمَيْنِ، فَيُفْضِي إِلَى انْقِطَاعِ الْمُوَاسَاةِ وَالْمَعْرُوفِ وَالإْحْسَانِ.

وَمِنْ ذَلِكَ مَا قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ... فَرِبَا النَّسِيئَةِ، وَهُوَ الَّذِي كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، مِثْلَ أَنْ يُؤَخِّرَ دَيْنَهُ وَيَزِيدَهُ فِي الْمَالِ، وَكُلَّمَا أَخَّرَهُ زَادَ فِي الْمَالِ، حَتَّى تَصِيرَ الْمِائَةُ عِنْدَهُ آلاَفًا مُؤَلَّفَةً، وَفِي الْغَالِبِ لاَ يَفْعَلُ ذَلِكَ إِلاَّ مُعْدِمٌ مُحْتَاجٌ، فَإِذَا رَأَى أَنَّ الْمُسْتَحِقَّ يُؤَخِّرُ مُطَالَبَتَهُ وَيَصْبِرُ عَلَيْهِ بِزِيَادَةٍ يَبْذُلُهَا لَهُ تَكَلَّفَ بَذْلَهَا لِيَفْتَدِيَ مِنْ أَسْرِ الْمُطَالَبَةِ وَالْحَبْسِ، وَيُدَافِعُ مِنْ وَقْتٍ إِلَى وَقْتٍ، فَيَشْتَدُّ ضَرَرُهُ، وَتَعْظُمُ مُصِيبَتُهُ، وَيَعْلُوهُ الدَّيْنُ حَتَّى يَسْتَغْرِقَ جَمِيعَ مَوْجُودِهِ، فَيَرْبُو الْمَالُ عَلَى الْمُحْتَاجِ مِنْ غَيْرِ نَفْعٍ يَحْصُلُ لَهُ، وَيَزِيدُ مَالُ الْمُرَابِي مِنْ غَيْرِ نَفْعٍ يَحْصُلُ مِنْهُ لأَِخِيهِ، فَيَأْكُلُ مَالَ أَخِيهِ بِالْبَاطِلِ، وَيَحْصُلُ أَخُوهُ عَلَى غَايَةِ الضَّرَرِ، فَمِنْ رَحْمَةِ أَرْحَمِ الرَّاحِمِينَ وَحِكْمَتِهِ وَإِحْسَانِهِ إِلَى خَلْقِهِ أَنْ حَرَّمَ الرِّبَا...

10 - وَأَمَّا الأْصْنَافُ السِّتَّةُ الَّتِي حُرِّمَ فِيهَا الرِّبَا بِمَا رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رضي الله تعالي عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلاً بِمِثْلٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَمَنْ زَادَ أَوِ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى، الآْخِذُ وَالْمُعْطِي فِيهِ سَوَاءٌ».

11 - أَمَّا هَذِهِ الأْصْنَافُ فَقَدْ أَجْمَلَ ابْنُ الْقَيِّمِ حِكْمَةَ تَحْرِيمِ الرِّبَا فِيهَا حَيْثُ قَالَ: وَسِرُّ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُمْ مَنَعُوا مِنَ التِّجَارَةِ فِي الأْثْمَانِ - أَيِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ - بِجِنْسِهَا لأِنَّ  ذَلِكَ يُفْسِدُ عَلَيْهِمْ مَقْصُودَ الأْثْمَانِ، وَمَنَعُوا التِّجَارَةَ فِي الأْقْوَاتِ - أَيِ الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالْمِلْحِ - بِجِنْسِهَا لأِنَّ  ذَلِكَ يُفْسِدُ عَلَيْهِمْ مَقْصُودَ الأْقْوَاتِ.

وَفَصَّلَ ابْنُ الْقَيِّمِ فَقَالَ: الصَّحِيحُ بَلِ الصَّوَابُ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ هِيَ الثَّمَنِيَّةُ، فَإِنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ أَثْمَانُ الْمَبِيعَاتِ، وَالثَّمَنُ هُوَ الْمِعْيَارُ الَّذِي يُعْرَفُ بِهِ تَقْوِيمُ الأْمْوَالِ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَحْدُودًا مَضْبُوطًا لاَ يَرْتَفِعُ وَلاَ يَنْخَفِضُ، إِذْ لَوْ كَانَ الثَّمَنُ يَرْتَفِعُ وَيَنْخَفِضُ كَالسِّلَعِ لَمْ يَكُنْ لَنَا ثَمَنٌ نَعْتَبِرُ بِهِ الْمَبِيعَاتِ، بَلِ الْجَمِيعُ سِلَعٌ، وَحَاجَةُ النَّاسِ إِلَى ثَمَنٍ يَعْتَبِرُونَ بِهِ الْمَبِيعَاتِ حَاجَةٌ ضَرُورِيَّةٌ عَامَّةٌ، وَذَلِكَ لاَ يُعْرَفُ إِلاَّ بِسِعْرٍ تُعْرَفُ بِهِ الْقِيمَةُ، وَذَلِكَ لاَ يَكُونُ إِلاَّ بِثَمَنٍ تُقَوَّمُ بِهِ الأْشْيَاءُ وَيَسْتَمِرُّ عَلَى حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلاَ يُقَوَّمُ هُوَ بِغَيْرِهِ، إِذْ يَصِيرُ سِلْعَةً يَرْتَفِعُ وَيَنْخَفِضُ، فَتَفْسُدُ مُعَامَلاَتُ النَّاسِ وَيَقَعُ الْخُلْفُ وَيَشْتَدُّ الضَّرَرُ... فَالأْثْمَانُ لاَ تُقْصَدُ لأِعْيَانِهَا، بَلْ يُقْصَدُ التَّوَصُّلُ بِهَا إِلَى السِّلَعِ، فَإِذَا صَارَتْ فِي أَنْفُسِهَا سِلَعًا تُقْصَدُ لأِعْيَانِهَا فَسَدَ أَمْرُ النَّاسِ.

وَأَضَافَ: وَأَمَّا الأْصْنَافُ الأْرْبَعَةُ الْمَطْعُومَةُ فَحَاجَةُ النَّاسِ إِلَيْهَا أَعْظَمُ مِنْ حَاجَتِهِمْ إِلَى غَيْرِهَا؛ لأِنَّ هَا أَقْوَاتُ الْعَالَمِ، فَمِنْ رِعَايَةِ مَصَالِحِ الْعِبَادِ أَنْ مُنِعُوا مِنْ بَيْعِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ إِلَى أَجَلٍ، سَوَاءٌ اتَّحَدَ الْجِنْسُ أَوِ اخْتَلَفَ، وَمُنِعُوا مِنْ بَيْعِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ حَالًّا مُتَفَاضِلاً وَإِنِ اخْتَلَفَتْ صِفَاتُهَا، وَجُوِّزَ لَهُمُ التَّفَاضُلُ مَعَ اخْتِلاَفِ أَجْنَاسِهَا.

فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَسِرُّ ذَلِكَ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ لَوْ جَوَّزَ بَيْعَ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ نَسَاءً لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ أَحَدٌ إِلاَّ إِذَا رَبِحَ، وَحِينَئِذٍ تَسْمَحُ نَفْسُهُ بِبَيْعِهَا حَالَّةً لِطَمَعِهِ فِي الرِّبْحِ، فَيَعِزُّ الطَّعَامُ عَلَى الْمُحْتَاجِ وَيَشْتَدُّ ضَرَرُهُ، فَكَانَ مِنْ رَحْمَةِ الشَّارِعِ بِهِمْ وَحِكْمَتِهِ أَنْ مَنَعَهُمْ مِنْ رِبَا النَّسَاءِ فِيهَا كَمَا مَنَعَهُمْ مِنْ رِبَا النَّسَاءِ فِي الأْثْمَانِ؛ إِذْ لَوْ جَوَّزَ لَهُمُ النَّسَاءَ فِيهَا لَدَخَلَهَا «إِمَّا أَنْ تَقْضِيَ وَإِمَّا أَنْ تُرْبِيَ» فَيَصِيرُ الصَّاعُ الْوَاحِدُ لَوْ أُخِذَ قُفْزَانًا كَثِيرَةً، فَفُطِمُوا عَنِ النَّسَاءِ، ثُمَّ فُطِمُوا عَنْ بَيْعِهَا مُتَفَاضِلاً يَدًا بِيَدٍ، إِذْ تَجُرُّهُمْ حَلاَوَةُ الرِّبْحِ وَظَفَرُ الْكَسْبِ إِلَى التِّجَارَةِ فِيهَا نَسَاءً وَهُوَ عَيْنُ الْمَفْسَدَةِ، وَهَذَا بِخِلاَفِ الْجِنْسَيْنِ الْمُتَبَايِنَيْنِ فَإِنَّ حَقَائِقَهُمَا وَصِفَاتِهِمَا وَمَقَاصِدَهُمَا مُخْتَلِفَةٌ، فَفِي إِلْزَامِهِمُ الْمُسَاوَاةَ فِي بَيْعِهَا إِضْرَارٌ بِهِمْ، وَلاَ يَفْعَلُونَهُ، وَفِي تَجْوِيزِ النَّسَاءِ بَيْنَهَا ذَرِيعَةٌ إِلَى «إِمَّا أَنْ تَقْضِيَ وَإِمَّا أَنْ تُرْبِيَ» فَكَانَ مِنْ تَمَامِ رِعَايَةِ مَصَالِحِهِمْ أَنْ قَصَرَهُمْ عَلَى بَيْعِهَا يَدًا بِيَدٍ كَيْفَ شَاءُوا، فَحَصَلَتْ لَهُمُ الْمُبَادَلَةُ، وَانْدَفَعَتْ عَنْهُمْ مَفْسَدَةُ «إِمَّا أَنْ تَقْضِيَ وَإِمَّا أَنْ تُرْبِيَ» وَهَذَا بِخِلاَفِ مَا إِذَا بِيعَتْ بِالدَّرَاهِمِ أَوْ غَيْرِهَا مِنَ الْمَوْزُونَاتِ نَسَاءً فَإِنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إِلَى ذَلِكَ، فَلَوْ مُنِعُوا مِنْهُ لأَضَرَّ بِهِمْ، وَلاَمْتَنَعَ السَّلَمُ الَّذِي هُوَ مِنْ مَصَالِحِهِمْ فِيمَا هُمْ مُحْتَاجُونَ إِلَيْهِ، وَالشَّرِيعَةُ لاَ تَأْتِي بِهَذَا، وَلَيْسَ بِهِمْ حَاجَةٌ فِي بَيْعِ هَذِهِ الأْصْنَافِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ نَسَاءً، وَهُوَ ذَرِيعَةٌ قَرِيبَةٌ إِلَى مَفْسَدَةِ الرِّبَا، فَأُبِيحَ لَهُمْ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ مَا تَدْعُو إِلَيْهِ حَاجَتُهُمْ وَلَيْسَ بِذَرِيعَةٍ إِلَى مَفْسَدَةٍ رَاجِحَةٍ، وَمُنِعُوا مِمَّا لاَ تَدْعُو الْحَاجَةُ إِلَيْهِ وَيُتَذَرَّعُ بِهِ غَالِبًا إِلَى مَفْسَدَةٍ رَاجِحَةٍ.

أَقْسَامُ الرِّبَا:

رِبَا الْبَيْعِ (رِبَا الْفَضْلِ):

12 - وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ فِي الأْعْيَانِ الرِّبَوِيَّةِ، وَالَّذِي عُنِيَ الْفُقَهَاءُ بِتَعْرِيفِهِ وَتَفْصِيلِ أَحْكَامِهِ فِي الْبُيُوعِ، وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي عَدَدِ أَنْوَاعِهِ: فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ نَوْعَانِ:

1 - رِبَا الْفَضْلِ.. وَعَرَّفَهُ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ فَضْلٌ خَالٍ عَنْ عِوَضٍ بِمِعْيَارٍ شَرْعِيٍّ مَشْرُوطٍ لأِحَدِ  الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي الْمُعَاوَضَةِ.

2 - رِبَا النَّسِيئَةِ... وَهُوَ: فَضْلُ الْحُلُولِ عَلَى الأْجَلِ، وَفَضْلُ الْعَيْنِ عَلَى الدَّيْنِ فِي الْمَكِيلَيْنِ أَوِ الْمَوْزُونَيْنِ عِنْدَ اخْتِلاَفِ الْجِنْسِ، أَوْ فِي غَيْرِ الْمَكِيلَيْنِ أَوِ الْمَوْزُونَيْنِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ رِبَا الْبَيْعِ ثَلاَثَةُ أَنْوَاعٍ:

1 - رِبَا الْفَضْلِ.. وَهُوَ الْبَيْعُ مَعَ زِيَادَةِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ عَنِ الآْخَرِ فِي مُتَّحِدِ الْجِنْسِ.

2 - رِبَا الْيَدِ.. وَهُوَ الْبَيْعُ مَعَ تَأْخِيرِ قَبْضِ الْعِوَضَيْنِ أَوْ قَبْضِ أَحَدِهِمَا مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ أَجَلٍ.

3 - رِبَا النَّسَاءِ.. وَهُوَ الْبَيْعُ بِشَرْطِ أَجَلٍ وَلَوْ قَصِيرًا فِي أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ.

وَزَادَ الْمُتَوَلِّي مِنَ الشَّافِعِيَّةِ رِبَا الْقَرْضِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ جَرُّ نَفْعٍ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيُمْكِنُ رَدُّهُ إِلَى رِبَا الْفَضْلِ، وَقَالَ الرَّمْلِيُّ: إِنَّهُ مِنْ رِبَا الْفَضْلِ، وَعَلَّلَ الشَّبْرَامَلِّسِيُّ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: إِنَّمَا جُعِلَ رِبَا الْقَرْضِ مِنْ رِبَا الْفَضْلِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ - يَعْنِي الْبَيْعَ -؛ لأِنَّهُ لَمَّا شَرَطَ نَفْعًا لِلْمُقْرِضِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ أَنَّهُ بَاعَ مَا أَقْرَضَهُ بِمَا يَزِيدُ عَلَيْهِ مِنْ جِنْسِهِ فَهُوَ مِنْهُ حُكْمًا.

رِبَا النَّسِيئَةِ:

13 - وَهُوَ الزِّيَادَةُ فِي الدَّيْنِ نَظِيرَ الأْجَلِ أَوِ الزِّيَادَةِ فِيهِ وَسُمِّيَ هَذَا النَّوْعُ مِنَ الرِّبَا رِبَا النَّسِيئَةِ مِنْ أَنْسَأْتُهُ الدَّيْنَ: أَخَّرْتُهُ - لأِنَّ  الزِّيَادَةَ فِيهِ مُقَابِلُ الأْجَلِ أَيًّا كَانَ سَبَبُ الدَّيْنِ بَيْعًا كَانَ أَوْ قَرْضًا.

وَسُمِّيَ رِبَا الْقُرْآنِ؛ لأِنَّهُ حُرِّمَ بِالْقُرْآنِ الْكَرِيمِ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً ).

ثُمَّ أَكَّدَتِ السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ تَحْرِيمَهُ فِي خُطْبَةِ الْوَدَاعِ وَفِي أَحَادِيثَ أُخْرَى.

ثُمَّ انْعَقَدَ إِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى تَحْرِيمِهِ.

وَسُمِّيَ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ، لأِنَّ  تَعَامُلَ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ بِالرِّبَا لَمْ يَكُنْ إِلاَّ بِهِ كَمَا قَالَ الْجَصَّاصُ.

وَالرِّبَا الَّذِي كَانَتِ الْعَرَبُ تَعْرِفُهُ وَتَفْعَلُهُ إِنَّمَا كَانَ قَرْضَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ إِلَى أَجَلٍ بِزِيَادَةٍ عَلَى مِقْدَارِ مَا اسْتَقْرَضَ عَلَى مَا يَتَرَاضَوْنَ بِهِ.

وَسُمِّيَ أَيْضًا الرِّبَا الْجَلِيَّ، قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: الْجَلِيُّ: رِبَا النَّسِيئَةِ، وَهُوَ الَّذِي كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، مِثْلَ أَنْ يُؤَخِّرَ دَيْنَهُ وَيَزِيدَهُ فِي الْمَالِ، وَكُلَّمَا أَخَّرَهُ زَادَهُ فِي الْمَالِ حَتَّى تَصِيرَ الْمِائَةُ عِنْدَهُ آلاَفًا مُؤَلَّفَةً..

14 - وَرِبَا الْفَضْلِ يَكُونُ بِالتَّفَاضُلِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنْ أَمْوَالِ الرِّبَا إِذَا بِيعَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، كَبَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ نَقْدًا، أَوْ بَيْعِ صَاعِ قَمْحٍ بِصَاعَيْنِ مِنَ الْقَمْحِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.

وَيُسَمَّى رِبَا الْفَضْلِ لِفَضْلِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ عَلَى الآْخَرِ، وَإِطْلاَقُ التَّفَاضُلِ عَلَى الْفَضْلِ مِنْ بَابِ الْمَجَازِ، فَإِنَّ الْفَضْلَ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ دُونَ الآْخَرِ.

وَيُسَمَّى رِبَا النَّقْدِ فِي مُقَابَلَةِ رِبَا النَّسِيئَةِ:

وَيُسَمَّى الرِّبَا الْخَفِيَّ، قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: الرِّبَا نَوْعَانِ: جَلِيٌّ وَخَفِيٌّ، فَالْجَلِيُّ حُرِّمَ، لِمَا فِيهِ مِنَ الضَّرَرِ الْعَظِيمِ، وَالْخَفِيُّ حُرِّمَ، لأِنَّهُ ذَرِيعَةٌ إِلَى الْجَلِيِّ، فَتَحْرِيمُ الأَْوَّلِ قَصْدًا، وَتَحْرِيمُ الثَّانِي لأِنَّهُ وَسِيلَةٌ، فَأَمَّا الْجَلِيُّ فَرِبَا النَّسِيئَةِ وَهُوَ الَّذِي كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ.

وَأَمَّا رِبَا الْفَضْلِ فَتَحْرِيمُهُ مِنْ بَابِ سَدِّ الذَّرَائِعِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله تعالي عنه عَنِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «لاَ تَبِيعُوا الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمُ الرَّمَاءَ» وَالرَّمَاءُ هُوَ الرِّبَا، فَمَنَعَهُمْ مِنْ رِبَا الْفَضْلِ لِمَا يَخَافُهُ عَلَيْهِمْ مِنْ رِبَا النَّسِيئَةِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ إِذَا بَاعُوا دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ - وَلاَ يُفْعَلُ هَذَا إِلاَّ لِلتَّفَاوُتِ الَّذِي بَيْنَ النَّوْعَيْنِ - إِمَّا فِي الْجَوْدَةِ، وَإِمَّا فِي السِّكَّةِ، وَإِمَّا فِي الثِّقَلِ وَالْخِفَّةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ - تَدَرَّجُوا بِالرِّبْحِ الْمُعَجَّلِ فِيهَا إِلَى الرِّبْحِ الْمُؤَخَّرِ وَهُوَ عَيْنُ رِبَا النَّسِيئَةِ، وَهَذَا ذَرِيعَةٌ قَرِيبَةٌ جِدًّا، فَمِنْ حِكْمَةِ الشَّارِعِ أَنْ سَدَّ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الذَّرِيعَةَ، وَهِيَ تَسُدُّ عَلَيْهِمْ بَابَ الْمَفْسَدَةِ.

أَثَرُ الرِّبَا فِي الْعُقُودِ:

15 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْعَقْدَ الَّذِي يُخَالِطُهُ الرِّبَا مَفْسُوخٌ لاَ يَجُوزُ بِحَالٍ، وَأَنَّ مَنْ أَرْبَى يُنْقَضُ عَقْدُهُ وَيُرَدُّ فِعْلُهُ وَإِنْ كَانَ جَاهِلاً؛ لأِنَّهُ فَعَلَ مَا حَرَّمَهُ الشَّارِعُ وَنَهَى عَنْهُ، وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ وَالْفَسَادَ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم«مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» وَلِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله تعالي عنه قَالَ: «جَاءَ بِلاَلٌ - رضي الله تعالي عنه - بِتَمْرٍ بَرْنِيٍّ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلممِنْ أَيْنَ هَذَا؟ فَقَالَ بِلاَلٌ: مِنْ تَمْرٍ كَانَ عِنْدَنَا رَدِيءٍ، فَبِعْتُ مِنْهُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ لِمَطْعَمِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم عِنْدَ ذَلِكَ: أَوَّهْ عَيْنُ الرِّبَا، لاَ تَفْعَلْ، وَلَكِنْ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَشْتَرِيَ التَّمْرَ فَبِعْهُ بِبَيْعٍ آخَرَ ثُمَّ اشْتَرِ بِهِ» فَقَوْلُهُ صلي الله عليه وسلم: «أَوَّهْ عَيْنُ الرِّبَا» أَيْ هُوَ الرِّبَا الْمُحَرَّمُ نَفْسُهُ لاَ مَا يُشْبِهُهُ، وَقَوْلُهُ: «فَهُوَ رَدٌّ» يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ فَسْخِ صَفْقَةِ الرِّبَا وَأَنَّهَا لاَ تَصِحُّ بِوَجْهٍ.

وَرَوَى مُسْلِمٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا: رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ».

وَقَالَ عَنْهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَوْلُهُ: الْمُرَادُ بِالْوَضْعِ الرَّدُّ وَالإْبْطَالُ.

وَفَصَّلَ ابْنُ رُشْدٍ فَقَالَ: مَنْ بَاعَ بَيْعًا أَرْبَى فِيهِ غَيْرَ مُسْتَحِلٍّ لِلرِّبَا فَعَلَيْهِ الْعُقُوبَةُ الْمُوجِعَةُ إِنْ لَمْ يُعْذَرْ بِجَهْلٍ، وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ مَا كَانَ قَائِمًا، وَالْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم أَمَرَ السَّعْدَيْنِ أَنْ يَبِيعَا آنِيَةً مِنَ الْمَغَانِمِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، فَبَاعَا كُلَّ ثَلاَثَةٍ بِأَرْبَعَةٍ عَيْنًا، أَوْ كُلَّ أَرْبَعَةٍ بِثَلاَثَةٍ عَيْنًا، فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلمأَرْبَيْتُمَا فَرُدَّا».

فَإِنْ فَاتَ الْبَيْعُ فَلَيْسَ لَهُ إِلاَّ رَأْسُ مَالِهِ قَبَضَ الرِّبَا أَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ، فَإِنْ كَانَ قَبَضَهُ رَدَّهُ إِلَى صَاحِبِهِ، وَكَذَلِكَ مَنْ أَرْبَى ثُمَّ تَابَ فَلَيْسَ لَهُ إِلاَّ رَأْسُ مَالِهِ، وَمَا قَبَضَ مِنَ الرِّبَا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُ إِلَى مَنْ قَبَضَهُ مِنْهُ، وَأَمَّا مَنْ أَسْلَمَ وَلَهُ رِبًا، فَإِنْ كَانَ قَبَضَهُ فَهُوَ لَهُ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ  : (فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ ) وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم: «مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ لَهُ» وَأَمَّا إِنْ كَانَ لَمْ يَقْبِضِ الرِّبَا فَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ وَهُوَ مَوْضُوعٌ عَنِ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ، وَلاَ خِلاَفَ فِي هَذَا أَعْلَمُهُ.

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: اشْتِرَاطُ الرِّبَا فِي الْبَيْعِ مُفْسِدٌ لِلْبَيْعِ، لَكِنَّهُمْ يُفَرِّقُونَ فِي الْمُعَامَلاَتِ بَيْنَ الْفَاسِدِ وَالْبَاطِلِ، فَيُمْلَكُ الْمَبِيعُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بِالْقَبْضِ، وَلاَ يُمْلَكُ فِي الْبَيْعِ الْبَاطِلِ بِالْقَبْضِ، يَقُولُ ابْنُ عَابِدِينَ: الْفَسَادُ وَالْبُطْلاَنُ فِي الْعِبَادَاتِ سِيَّانِ، أَمَّا فِي الْمُعَامَلاَتِ فَإِنْ لَمْ يَتَرَتَّبْ أَثَرُ الْمُعَامَلَةِ عَلَيْهَا فَهُوَ الْبُطْلاَنُ، وَإِنْ تَرَتَّبَ فَإِنْ كَانَ مَطْلُوبَ التَّفَاسُخِ شَرْعًا فَهُوَ الْفَسَادُ، وَإِلاَّ فَهُوَ الصِّحَّةُ.

وَالْبَيْعُ الرِّبَوِيُّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مِنَ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ، وَحُكْمُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْعِوَضَ يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ وَيَجِبُ رَدُّهُ لَوْ قَائِمًا، وَرَدُّ مِثْلِهِ أَوْ قِيمَتِهِ لَوْ مُسْتَهْلَكًا، وَعَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ رَدُّ الزِّيَادَةِ الرِّبَوِيَّةِ لَوْ قَائِمَةً، لاَ رَدُّ ضَمَانِهَا، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَحَاصِلُهُ أَنَّ فِيهِ حَقَّيْنِ، حَقَّ الْعَبْدِ وَهُوَ رَدُّ عَيْنِهِ لَوْ قَائِمًا وَمِثْلِهِ لَوْ هَالِكًا، وَحَقَّ الشَّرْعِ وَهُوَ رَدُّ عَيْنِهِ لِنَقْضِ الْعَقْدِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ شَرْعًا، وَبَعْدَ الاِسْتِهْلاَكِ لاَ يَتَأَتَّى رَدُّ عَيْنِهِ فَتَعَيَّنَ رَدُّ الْمِثْلِ وَهُوَ مَحْضُ حَقِّ الْعَبْدِ، ثُمَّ إِنَّ رَدَّ عَيْنِهِ لَوْ قَائِمًا فِيمَا لَوْ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى الزَّائِدِ، أَمَّا لَوْ بَاعَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَزَادَهُ دَانِقًا هِبَةً مِنْهُ فَإِنَّهُ لاَ يُفْسِدُ الْعَقْدَ.

الْخِلاَفُ فِي رِبَا الْفَضْلِ:

16 - أَطْبَقَتِ الأْمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ فِي بَيْعِ الرِّبَوِيَّاتِ إِذَا اجْتَمَعَ التَّفَاضُلُ مَعَ النَّسَاءِ، وَأَمَّا إِذَا انْفَرَدَ نَقْدًا فَإِنَّهُ كَانَ فِيهِ خِلاَفٌ قَدِيمٌ: صَحَّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنهم إِبَاحَتُهُ، وَكَذَلِكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما مَعَ رُجُوعِهِ عَنْهُ، وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنهم، وَفِيهِ عَنْ مُعَاوِيَةَ رضي الله تعالي عنه شَيْءٌ مُحْتَمَلٌ، وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنهما مِنَ الصَّحَابَةِ، وَأَمَّا التَّابِعُونَ: فَصَحَّ ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَفُقَهَاءِ الْمَكِّيِّينَ، وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدٍ وَعُرْوَةَ.

انْقِرَاضُ الْخِلاَفِ فِي رِبَا الْفَضْلِ وَدَعْوَى الإْجْمَاعِ عَلَى تَحْرِيمِهِ:

17 - نَقَلَ النَّوَوِيُّ عَنِ ابْنِ الْمُنْذِرِ أَنَّهُ قَالَ: أَجْمَعَ عُلَمَاءُ الأْمْصَارِ: مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَالأْوْزَاعِيُّ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدِ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ، وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ، وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ بَيْعُ ذَهَبٍ بِذَهَبٍ، وَلاَ فِضَّةٍ بِفِضَّةٍ، وَلاَ بُرٍّ بِبُرٍّ، وَلاَ شَعِيرٍ بِشَعِيرٍ، وَلاَ تَمْرٍ بِتَمْرٍ، وَلاَ مِلْحٍ بِمِلْحٍ، مُتَفَاضِلاً يَدًا بِيَدٍ، وَلاَ نَسِيئَةً، وَأَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَرْبَى وَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ، قَالَ: وَقَدْ رَوَيْنَا هَذَا الْقَوْلَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم وَجَمَاعَةٍ يَكْثُرُ عَدَدُهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ.

وَنَاقَشَ السُّبْكِيُّ دَعْوَى الإْجْمَاعِ مِنْ عِدَّةِ وُجُوهٍ، وَانْتَهَى إِلَى الْقَوْلِ: فَعَلَى هَذَا امْتَنَعَ دَعْوَى الإْجْمَاعِ فِي تَحْرِيمِ رِبَا الْفَضْلِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، لَكِنَّا بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى مُسْتَغْنُونَ عَنِ الإْجْمَاعِ فِي ذَلِكَ بِالنُّصُوصِ الصَّحِيحَةِ الْمُتَضَافِرَةِ، وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إِلَى الإْجْمَاعِ فِي مَسْأَلَةٍ خَفِيَّةٍ سَنَدُهَا قِيَاسٌ أَوِ اسْتِنْبَاطٌ دَقِيقٌ.

الأْحَادِيثُ الدَّالَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ رِبَا الْفَضْلِ:

18 - رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي تَحْرِيمِ رِبَا الْفَضْلِ

مِنْهَا: مَا رَوَى عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «لاَ تَبِيعُوا الدِّينَارَ بِالدِّينَارَيْنِ وَلاَ الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ».

وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله تعالي عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم: «الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ، لاَ فَضْلَ بَيْنَهُمَا، فَمَنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ بِوَرِقٍ، فَلْيَصْرِفْهَا بِذَهَبٍ، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ بِذَهَبٍ فَلْيَصْرِفْهَا بِوَرِقٍ، وَالصَّرْفُ هَاءَ وَهَاءَ».

وَمَا رَوَى عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ رضي الله تعالي عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلاً بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأْصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ».

وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ» فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: مِثْلُ هَذَا يُرَادُ بِهِ حَصْرُ الْكَمَالِ وَأَنَّ الرِّبَا الْكَامِلَ إِنَّمَا هُوَ فِي النَّسِيئَةِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْإِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) وَكَقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ: إِنَّمَا الْعَالِمُ الَّذِي يَخْشَى اللَّهَ، وَمِثْلُهُ عِنْدَ ابْنِ حَجَرٍ، قَالَ: قِيلَ الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ: «لاَ رِبًا إِلاَّ فِي النَّسِيئَةِ» الرِّبَا الأَْغْلَظُ الشَّدِيدُ التَّحْرِيمِ الْمُتَوَعَّدُ عَلَيْهِ بِالْعِقَابِ الشَّدِيدِ، كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ: لاَ عَالِمَ فِي الْبَلَدِ إِلاَّ زَيْدٌ مَعَ أَنَّ فِيهَا عُلَمَاءَ غَيْرَهُ، وَإِنَّمَا الْقَصْدُ نَفْيُ الأْكْمَلِ لاَ نَفْيُ الأْصْلِ.

وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ: يُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ مَفْهُومَ حَدِيثِ أُسَامَةَ عَامٌّ؛ لأِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ رِبَا الْفَضْلِ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ سَوَاءٌ أَكَانَ مِنَ الأْجْنَاسِ الرِّبَوِيَّةِ أَمْ لاَ، فَهُوَ أَعَمُّ مِنْهَا مُطْلَقًا، فَيُخَصَّصُ هَذَا الْمَفْهُومُ بِمَنْطُوقِهَا.

الأْجْنَاسُ الَّتِي نُصَّ عَلَى تَحْرِيمِ الرِّبَا فِيهَا:

19 - الأْجْنَاسُ الَّتِي نُصَّ عَلَى تَحْرِيمِ الرِّبَا فِيهَا سِتَّةٌ وَهِيَ: الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَالْبُرُّ وَالشَّعِيرُ وَالتَّمْرُ وَالْمِلْحُ، وَقَدْ وَرَدَ النَّصُّ عَلَيْهَا فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ، مِنْ أَتَمِّهَا حَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ السَّابِقُ.

قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى الْقَوْلِ بِمُقْتَضَى هَذِهِ السُّنَّةِ، وَعَلَيْهَا جَمَاعَةُ فُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ، إِلاَّ فِي الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ فَإِنَّ مَالِكًا جَعَلَهُمَا صِنْفًا وَاحِدًا، فَلاَ يَجُوزُ مِنْهُمَا اثْنَانِ بِوَاحِدٍ، وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ وَالأْوْزَاعِيِّ وَمُعْظَمِ عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ، وَأَضَافَ مَالِكٌ إِلَيْهِمَا السُّلْتَ.

وَاتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ رِبَا الْفَضْلِ لاَ يَجْرِي إِلاَّ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ، وَلاَ يَجْرِي فِي الْجِنْسَيْنِ وَلَوْ تَقَارَبَا لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم: «بِيعُوا الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ».

وَخَالَفَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ فَقَالَ: كُلُّ شَيْئَيْنِ يَتَقَارَبُ الاِنْتِفَاعُ بِهِمَا لاَ يَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالآْخَرِ مُتَفَاضِلاً، كَالْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ بِالزَّبِيبِ، لأِنَّهُمَا يَتَقَارَبُ نَفْعُهُمَا فَجَرَيَا مَجْرَى نَوْعَيِ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ.

الاِخْتِلاَفُ فِي غَيْرِ هَذِهِ الأْجْنَاسِ:

20 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا سِوَى الأْجْنَاسِ السِّتَّةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله تعالي عنه، وَفِي غَيْرِهِ مِنَ الأْحَادِيثِ، هَلْ يَحْرُمُ الرِّبَا فِيهَا كَمَا يَحْرُمُ فِي هَذِهِ الأْجْنَاسِ السِّتَّةِ أَمْ لاَ يَحْرُمُ؟.

فَذَهَبَ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ تَحْرِيمَ الرِّبَا لاَ يَقْتَصِرُ عَلَى الأْجْنَاسِ السِّتَّةِ، بَلْ يَتَعَدَّى إِلَى مَا فِي مَعْنَاهَا، وَهُوَ مَا وُجِدَتْ فِيهِ الْعِلَّةُ الَّتِي هِيَ سَبَبُ التَّحْرِيمِ فِي الأْجْنَاسِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْحَدِيثِ؛ لأِنَّ  ثُبُوتَ الرِّبَا فِيهَا بِعِلَّةٍ، فَيَثْبُتُ فِي كُلِّ مَا وُجِدَتْ فِيهِ الْعِلَّةُ الَّتِي هِيَ سَبَبُ التَّحْرِيمِ؛ لأِنَّ  الْقِيَاسَ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ، فَتُسْتَخْرَجُ عِلَّةُ الْحُكْمِ وَيَثْبُتُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وُجِدَتْ عِلَّتُهُ فِيهِ.

وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ وَإِسْحَاقَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيَّ رَوَيَا حَدِيثَ تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي الأْعْيَانِ السِّتَّةِ وَفِي آخِرِهِ «وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يُكَالُ وَيُوزَنُ» فَهُوَ تَنْصِيصٌ عَلَى تَعْدِيَةِ الْحُكْمِ إِلَى سَائِرِ الأْمْوَالِ، وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «لاَ تَبِيعُوا الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ وَلاَ الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ فَإِنِّي أَخْشَى عَلَيْكُمُ الرَّمَا» أَيِ الرِّبَا، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ عَيْنَ الصَّاعِ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ الصَّاعِ، كَمَا يُقَالُ خُذْ هَذَا الصَّاعَ أَيْ مَا فِيهِ، وَوَهَبْتُ لِفُلاَنٍ صَاعًا أَيْ مِنَ الطَّعَامِ.

وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم بَعَثَ أَخَا بَنِي عَدِيٍّ الأْنْصَارِيَّ فَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى خَيْبَرَ، فَقَدِمَ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلمأَكُلُّ تَمْرَ خَيْبَرَ هَكَذَا؟ قَالَ: لاَ، وَاللَّهِ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا لَنَشْتَرِي الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ مِنَ الْجَمْعِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم : «لاَ تَفْعَلُوا، وَلَكِنْ مِثْلاً بِمِثْلٍ، أَوْ بِيعُوا هَذَا وَاشْتَرُوا بِثَمَنِهِ مِنْ هَذَا، وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ».

يَعْنِي مَا يُوزَنُ بِالْمِيزَانِ، فَتَبَيَّنَ بِهَذِهِ الآْثَارِ قِيَامُ الدَّلِيلِ عَلَى تَعْدِيَةِ الْحُكْمِ مِنَ الأْشْيَاءِ السِّتَّةِ إِلَى غَيْرِهَا. وَكَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ مَالَ الرِّبَا سِتَّةُ أَشْيَاءَ، وَلَكِنْ ذَكَرَ حُكْمَ الرِّبَا فِي الأْشْيَاءِ السِّتَّةِ.

وَفَائِدَةُ تَخْصِيصِ هَذِهِ الأْجْنَاسِ السِّتَّةِ بِالذِّكْرِ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ عَامَّةَ الْمُعَامَلاَتِ يَوْمَئِذٍ كَانَتْ بِهَا عَلَى مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «كُنَّا فِي الْمَدِينَةِ نَبِيعُ الأْوْسَاقَ وَنَبْتَاعُهَا» وَالْمُرَادُ بِهِ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَسْقِ مِمَّا تَكْثُرُ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ وَهِيَ الأْجْنَاسُ الْمَذْكُورَةُ.

وَحُكِيَ عَنْ طَاوُسٍ وَمَسْرُوقٍ وَالشَّعْبِيِّ وَقَتَادَةَ وَعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ وَنُفَاةِ الْقِيَاسِ أَنَّهُمْ قَصَرُوا التَّحْرِيمَ عَلَى الأْجْنَاسِ الْمَنْصُوصِ عَلَى تَحْرِيمِ الرِّبَا فِيهَا، وَقَالُوا إِنَّ التَّحْرِيمَ لاَ يَجْرِي فِي غَيْرِهَا بَلْ إِنَّهُ عَلَى أَصْلِ الإْبَاحَةِ، وَمِمَّا احْتَجُّوا بِهِ 

أَنَّ الشَّارِعَ خَصَّ مِنَ الْمَكِيلاَتِ وَالْمَطْعُومَاتِ وَالأْقْوَاتِ أَرْبَعَةَ أَشْيَاءَ، فَلَوْ كَانَ الْحُكْمُ ثَابِتًا فِي كُلِّ الْمَكِيلاَتِ أَوْ فِي كُلِّ الْمَطْعُومَاتِ لَقَالَ: لاَ تَبِيعُوا الْمَكِيلَ بِالْمَكِيلِ مُتَفَاضِلاً أَوْ: لاَ تَبِيعُوا الْمَطْعُومَ بِالْمَطْعُومِ مُتَفَاضِلاً، فَإِنَّ هَذَا الْكَلاَمَ يَكُونُ أَشَدَّ اخْتِصَارًا وَأَكْثَرَ فَائِدَةً، فَلَمَّا لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ وَعَدَّ الأْرْبَعَةَ عَلِمْنَا أَنَّ حُكْمَ الْحُرْمَةِ مَقْصُورٌ عَلَيْهَا. وَأَنَّ التَّعْدِيَةَ مِنْ مَحَلِّ النَّصِّ إِلَى غَيْرِ مَحَلِّ النَّصِّ لاَ تُمْكِنُ إِلاَّ بِوَاسِطَةِ تَعْلِيلِ الْحُكْمِ فِي مَوْرِدِ النَّصِّ وَهُوَ عِنْدَ نُفَاةِ الْقِيَاسِ غَيْرُ جَائِزٍ.

عِلَّةُ تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي الأْجْنَاسِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا:

21 - اتَّفَقَ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ تَحْرِيمَ الرِّبَا فِي الأْجْنَاسِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا إِنَّمَا هُوَ لِعِلَّةٍ، وَأَنَّ الْحُكْمَ بِالتَّحْرِيمِ يَتَعَدَّى إِلَى مَا تَثْبُتُ فِيهِ هَذِهِ الْعِلَّةُ، وَأَنَّ عِلَّةَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَاحِدَةٌ، وَعِلَّةَ الأْجْنَاسِ الأْرْبَعَةِ الأْخْرَى وَاحِدَةٌ.. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي تِلْكَ الْعِلَّةِ.

22 - فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: الْعِلَّةُ: الْجِنْسُ وَالْقَدْرُ، وَقَدْ عُرِفَ الْجِنْسُ بِقَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ» وَعُرِفَ الْقَدْرُ بِقَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم: «مِثْلاً بِمِثْلٍ» وَيَعْنِي بِالْقَدْرِ الْكَيْلَ فِيمَا يُكَالُ وَالْوَزْنَ فِيمَا يُوزَنُ لِقَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم «وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يُكَالُ وَيُوزَنُ»،، وَقَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم: «لاَ تَبِيعُوا الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ»،، وَهَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ مَكِيلٍ سَوَاءٌ أَكَانَ مَطْعُومًا أَمْ لَمْ يَكُنْ، وَلأِنَّ  الْحُكْمَ مُتَعَلِّقٌ بِالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ إِمَّا إِجْمَاعًا (أَيْ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ) أَوْ؛ لأِنَّ  التَّسَاوِيَ حَقِيقَةً لاَ يُعْرَفُ إِلاَّ بِهِمَا، وَجَعْلُ الْعِلَّةِ مَا هُوَ مُتَعَلِّقُ الْحُكْمِ إِجْمَاعًا أَوْ هُوَ مُعَرِّفٌ لِلتَّسَاوِي حَقِيقَةً أَوْلَى مِنَ الْمَصِيرِ إِلَى مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَلاَ يُعْرَفُ التَّسَاوِي حَقِيقَةً فِيهِ؛ وَلأِنَّ  التَّسَاوِيَ وَالْمُمَاثَلَةَ شَرْطٌ لِقَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم «مِثْلاً بِمِثْلٍ»، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ «سَوَاءً بِسَوَاءٍ» أَوْ صِيَانَةً لأِمْوَالِ النَّاسِ، وَالْمُمَاثَلَةُ بِالصُّورَةِ وَالْمَعْنَى أَتَمُّ، وَذَلِكَ فِيمَا ذُكِرَ؛ لأِنَّ  الْكَيْلَ وَالْوَزْنَ يُوجِبُ الْمُمَاثَلَةَ صُورَةً، وَالْجِنْسُ يُوجِبُهَا مَعْنًى، فَكَانَ أَوْلَى.

23 - وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: عِلَّةُ الرِّبَا فِي النُّقُودِ مُخْتَلَفٌ فِيهَا، فَقِيلَ: غَلَبَةُ الثَّمَنِيَّةِ، وَقِيلَ: مُطْلَقُ الثَّمَنِيَّةِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ عِلَّةُ الرِّبَا فِي النُّقُودِ مَا ذُكِرَ؛ لأِنَّهُ لَوْ لَمْ يُمْنَعِ الرِّبَا فِيهَا لأَدَّى ذَلِكَ إِلَى قِلَّتِهَا فَيَتَضَرَّرُ النَّاسُ.

وَعِلَّةُ رِبَا الْفَضْلِ فِي الطَّعَامِ الاِقْتِيَاتُ وَالاِدِّخَارُ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَقَوْلُ الأْكْثَرِ وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَالاِقْتِيَاتُ مَعْنَاهُ قِيَامُ بِنْيَةِ الآْدَمِيِّ بِهِ - أَيْ حِفْظُهَا وَصِيَانَتُهَا - بِحَيْثُ لاَ تَفْسُدُ بِالاِقْتِصَارِ عَلَيْهِ، وَفِي مَعْنَى الاِقْتِيَاتِ إِصْلاَحُ الْقُوتِ كَمِلْحٍ وَتَوَابِلَ، وَمَعْنَى الاِدِّخَارِ عَدَمُ فَسَادِهِ بِالتَّأْخِيرِ إِلَى الأْجَلِ الْمُبْتَغَى مِنْهُ عَادَةً، وَلاَ حَدَّ لَهُ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ بَلْ هُوَ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ، فَالْمَرْجِعُ فِيهِ لِلْعُرْفِ، وَلاَ بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ الاِدِّخَارُ مُعْتَادًا، وَلاَ عِبْرَةَ بِالاِدِّخَارِ لاَ عَلَى وَجْهِ الْعَادَةِ.

وَإِنَّمَا كَانَ الاِقْتِيَاتُ وَالاِدِّخَارُ عِلَّةَ حُرْمَةِ الرِّبَا فِي الطَّعَامِ لِخَزْنِ النَّاسِ لَهُ حِرْصًا عَلَى طَلَبِ وُفُورِ الرِّبْحِ فِيهِ لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ.

وَعِلَّةُ رِبَا النَّسَاءِ مُجَرَّدُ الطَّعْمِ عَلَى وَجْهِ التَّدَاوِي، فَتَدْخُلُ الْفَاكِهَةُ وَالْخُضَرُ كَبِطِّيخٍ وَقِثَّاءٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

24 - وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْعِلَّةَ فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كَوْنُهُمَا جِنْسَ الأْثْمَانِ غَالِبًا - كَمَا نَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ - وَيُعَبَّرُ عَنْهَا بِجِنْسِيَّةِ الأْثْمَانِ غَالِبًا أَوْ بِجَوْهَرِيَّةِ الأْثْمَانِ غَالِبًا، وَهَذِهِ عِلَّةٌ قَاصِرَةٌ عَلَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لاَ تَتَعَدَّاهُمَا إِذْ لاَ تُوجَدُ فِي غَيْرِهِمَا، فَتَحْرِيمُ الرِّبَا فِيهِمَا لَيْسَ لِمَعْنًى يَتَعَدَّاهُمَا إِلَى غَيْرِهِمَا مِنَ الأْمْوَالِ؛ لأِنَّهُ لَوْ كَانَ لِمَعْنًى يَتَعَدَّاهُمَا إِلَى غَيْرِهِمَا لَمْ يَجُزْ إِسْلاَمُهُمَا فِيمَا سِوَاهُمَا مِنَ الأْمْوَالِ؛ لأِنَّ  كُلَّ شَيْئَيْنِ جَمَعَتْهُمَا عِلَّةٌ وَاحِدَةٌ فِي الرِّبَا لاَ يَجُوزُ إِسْلاَمُ أَحَدِهِمَا فِي الآْخَرِ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ، فَلَمَّا جَازَ إِسْلاَمُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي الْمَوْزُونَاتِ وَالْمَكِيلاَتِ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الأْمْوَالِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ فِيهِمَا لِمَعْنًى لاَ يَتَعَدَّاهُمَا وَهُوَ أَنَّهُمَا مِنْ جِنْسِ الأْثْمَانِ.

وَذُكِرَ لَفْظُ «غَالِبًا» فِي بَيَانِ عِلَّةِ تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِلاِحْتِرَازِ مِنَ الْفُلُوسِ إِذَا رَاجَتْ رَوَاجَ النُّقُودِ، فَإِنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ ثَمَنًا فِي بَعْضِ الْبِلاَدِ فَلَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الأْثْمَانِ غَالِبًا، وَيَدْخُلُ فِيمَا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا الأْوَانِي وَالتِّبْرُ وَنَحْوُهُمَا مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ.

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَقُولُ: الْعِلَّةُ كَوْنُهُمَا قِيَمَ الْمُتْلَفَاتِ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ جَمَعَهُمَا، قَالَ: وَكُلُّهُ قَرِيبٌ.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ: جَزَمَ الشِّيرَازِيُّ فِي التَّنْبِيهِ أَنَّ الْعِلَّةَ كَوْنُهُمَا قِيَمَ الأْشْيَاءِ، وَأَنْكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ عَلَى مَنْ قَالَهُ؛ لأِنَّ  الأْوَانِيَ وَالتِّبْرَ وَالْحُلِيَّ يَجْرِي فِيهَا الرِّبَا، وَلَيْسَتْ مِمَّا يَقُومُ بِهَا، وَلَنَا وَجْهٌ ضَعِيفٌ غَرِيبٌ أَنَّ تَحْرِيمَ الرِّبَا فِيهِمَا بِعَيْنِهِمَا لاَ لِعِلَّةٍ، حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ.

وَمَا سِوَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مِنَ الْمَوْزُونَاتِ كَالْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ وَالْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ وَالصُّوفِ وَالْغَزْلِ وَغَيْرِهَا.. لاَ رِبَا فِيهَا، فَيَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلاً وَمُؤَجَّلاً.

وَالْعِلَّةُ فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي الأْجْنَاسِ الأْرْبَعَةِ وَهِيَ الْبُرُّ وَالشَّعِيرُ وَالتَّمْرُ وَالْمِلْحُ أَنَّهَا مَطْعُومَةٌ، وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ، وَالدَّلِيلُ مَا رَوَى مَعْمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلاً بِمِثْلٍ» فَقَدْ عَلَّقَ الْحُكْمَ بِالطَّعَامِ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الْمَطْعُومِ، وَالْمُعَلَّقُ بِالْمُشْتَقِّ مُعَلَّلٌ بِمَا مِنْهُ الاِشْتِقَاقُ كَالْقَطْعِ وَالْجَلْدِ الْمُعَلَّقَيْنِ بِالسَّارِقِ وَالزَّانِي. وَلأِنَّ  الْحَبَّ مَا دَامَ مَطْعُومًا يَحْرُمُ فِيهِ الرِّبَا، فَإِذَا زُرِعَ وَخَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ مَطْعُومًا لَمْ يَحْرُمْ فِيهِ الرِّبَا، فَإِذَا انْعَقَدَ الْحَبُّ وَصَارَ مَطْعُومًا حَرُمَ فِيهِ الرِّبَا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ فِيهِ كَوْنُهُ مَطْعُومًا، فَعَلَى هَذَا يَحْرُمُ الرِّبَا فِي كُلِّ مَا يُطْعَمُ.

وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي الأْجْنَاسِ الأْرْبَعَةِ أَنَّهَا مَطْعُومَةٌ مَكِيلَةٌ أَوْ مَطْعُومَةٌ مَوْزُونَةٌ، وَعَلَيْهِ فَلاَ يَحْرُمُ الرِّبَا إِلاَّ فِي مَطْعُومٍ يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ.

وَالْجَدِيدُ هُوَ الأْظْهَرُ، وَتَفْرِيعُ الشَّافِعِيِّ وَالأْصْحَابِ عَلَيْهِ، قَالُوا: الْمُرَادُ بِالْمَطْعُومِ مَا قُصِدَ لِطَعْمِ الآْدَمِيِّ غَالِبًا، بِأَنْ يَكُونَ أَظْهَرُ مَقَاصِدِهِ الطَّعْمَ وَإِنْ لَمْ يُؤْكَلْ إِلاَّ نَادِرًا، وَالطَّعْمُ يَكُونُ اقْتِيَاتًا أَوْ تَفَكُّهًا أَوْ تَدَاوِيًا، وَالثَّلاَثَةُ تُؤْخَذُ مِنْ حَدِيثِ الأْجْنَاسِ السِّتَّةِ، فَإِنَّهُ نُصَّ فِيهِ عَلَى الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُمَا التَّقَوُّتُ، فَأُلْحِقَ بِهِمَا مَا فِي مَعْنَاهُمَا كَالأْرْزِ وَالذُّرَةِ، وَنُصَّ فِيهِ عَلَى التَّمْرِ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ التَّفَكُّهُ وَالتَّأَدُّمُ، فَأُلْحِقَ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ كَالتِّينِ وَالزَّبِيبِ، وَنُصَّ فِيهِ عَلَى الْمِلْحِ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ الإْصْلاَحُ، فَأُلْحِقَ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ كَالْمُصْطَكَى وَالسَّقَمُونْيَا وَالزَّنْجَبِيلِ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ مَا يُصْلِحُ الْغِذَاءَ وَمَا يُصْلِحُ الْبَدَنَ، فَالأْغْذِيَةُ لِحِفْظِ الصِّحَّةِ وَالأْدْوِيَةُ لِرَدِّ الصِّحَّةِ.

25 - وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي عِلَّةِ تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي الأْجْنَاسِ السِّتَّةِ ثَلاَثُ رِوَايَاتٍ: أَشْهَرُهَا أَنَّ عِلَّةَ الرِّبَا فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كَوْنُهُمَا مَوْزُونَيْ جِنْسٍ، وَفِي الأْجْنَاسِ الْبَاقِيَةِ كَوْنُهَا مَكِيلاَتِ جِنْسٍ، فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَجْرِي الرِّبَا فِي كُلِّ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ بِجِنْسِهِ وَلَوْ كَانَ يَسِيرًا لاَ يَتَأَتَّى كَيْلُهُ كَتَمْرَةٍ بِتَمْرَةٍ أَوْ تَمْرَةٍ بِتَمْرَتَيْنِ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِتَسَاوِيهِمَا فِي الْكَيْلِ، وَلاَ يَتَأَتَّى وَزْنُهُ كَمَا دُونَ الأْرْزَةِ مِنَ الذَّهَبِ أَوِ الْفِضَّةِ وَنَحْوِهِمَا، مَطْعُومًا كَانَ الْمَكِيلُ أَوِ الْمَوْزُونُ أَوْ غَيْرَ مَطْعُومٍ، وَلاَ يَجْرِي الرِّبَا فِي مَطْعُومٍ لاَ يُكَالُ وَلاَ يُوزَنُ كَالْمَعْدُودَاتِ مِنَ التُّفَّاحِ وَالرُّمَّانِ وَالْبِطِّيخِ وَالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ وَنَحْوِهَا، فَيَجُوزُ بَيْعُ بَيْضَةٍ وَخِيَارَةٍ وَبِطِّيخَةٍ بِمِثْلِهَا، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ لأِنَّهُ لَيْسَ مَكِيلاً وَلاَ مَوْزُونًا، لَكِنْ نَقَلَ مُهَنَّا عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ كَرِهَ بَيْعَ بَيْضَةٍ بِبَيْضَتَيْنِ وَقَالَ: لاَ يَصْلُحُ إِلاَّ وَزْنًا بِوَزْنٍ؛ لأِنَّهُ مَطْعُومٌ، وَلاَ يَجْرِي الرِّبَا فِيمَا لاَ يُوزَنُ عُرْفًا لِصِنَاعَتِهِ، وَلَوْ كَانَ أَصْلُهُ الْوَزْنَ غَيْرَ الْمَعْمُولِ مِنَ النَّقْدَيْنِ كَالْمَعْمُولِ مِنَ الصُّفْرِ وَالْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ وَنَحْوِهِ، كَالْخَوَاتِمِ مِنْ غَيْرِ النَّقْدَيْنِ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الأْثْمَانِ الثَّمَنِيَّةُ، وَفِيمَا عَدَاهَا كَوْنُهُ مَطْعُومَ جِنْسٍ فَيَخْتَصُّ بِالْمَطْعُومَاتِ وَيَخْرُجُ مِنْهُ مَا عَدَاهَا؛ لِمَا رَوَى مَعْمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلاً بِمِثْلٍ» وَلأِنَّ  الطَّعْمَ وَصْفُ شَرَفٍ إِذْ بِهِ قِوَامُ الأْبْدَانِ، وَالثَّمَنِيَّةَ وَصْفُ شَرَفٍ إِذْ بِهَا قِوَامُ الأْمْوَالِ، فَيَقْتَضِي التَّعْلِيلَ بِهِمَا؛ وَلأِنَّهُ لَوْ كَانَتِ الْعِلَّةُ فِي الأْثْمَانِ الْوَزْنَ لَمْ يَجُزْ إِسْلاَمُهُمَا فِي الْمَوْزُونَاتِ لأِنَّ  أَحَدَ وَصْفَيْ عِلَّةِ الرِّبَا الْفَضْلِ يَكْفِي فِي تَحْرِيمِ النَّسَاءِ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ: الْعِلَّةُ فِيمَا عَدَا الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ كَوْنُهُ مَطْعُومَ جِنْسٍ مَكِيلاً أَوْ مَوْزُونًا فَلاَ يَجْرِي الرِّبَا فِي مَطْعُومٍ لاَ يُكَالُ وَلاَ يُوزَنُ، كَالتُّفَّاحِ وَالرُّمَّانِ وَالْخَوْخِ وَالْبِطِّيخِ وَنَحْوِهَا، وَلاَ فِيمَا لَيْسَ بِمَطْعُومٍ كَالزَّعْفَرَانِ وَالْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ، لأِنَّ  لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الأْصْنَافِ أَثَرًا، وَالْحُكْمُ مَقْرُونٌ بِجَمِيعِهَا فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَلاَ يَجُوزُ حَذْفُهُ؛ وَلأِنَّ  الْكَيْلَ وَالْوَزْنَ وَالْجِنْسَ لاَ يَقْتَضِي وُجُوبَ الْمُمَاثَلَةِ وَإِنَّمَا أَثَرُهُ فِي تَحْقِيقِهَا فِي الْعِلَّةِ مَا يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْحُكْمِ لاَ مَا تَحَقَّقَ شَرْطُهُ.

وَالطَّعْمُ بِمُجَرَّدِهِ لاَ تَتَحَقَّقُ الْمُمَاثَلَةُ بِهِ لِعَدَمِ الْمِعْيَارِ الشَّرْعِيِّ فِيهِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ الْمُمَاثَلَةُ فِي الْمِعْيَارِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ، وَلِهَذَا وَجَبَتِ الْمُسَاوَاةُ فِي الْمَكِيلِ كَيْلاً وَفِي الْمَوْزُونِ وَزْنًا، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الطَّعْمُ مُعْتَبَرًا فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ دُونَ غَيْرِهِمَا، وَالأْحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي هَذَا الْبَابِ يَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَهَا وَتَقْيِيدُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِالآْخَرِ، «فَنَهْيُ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ» يَتَقَيَّدُ بِمَا فِيهِ مِعْيَارٌ شَرْعِيٌّ وَهُوَ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ، وَنَهْيُهُ عَنْ بَيْعِ الصَّاعِ بِالصَّاعَيْنِ يَتَقَيَّدُ بِالْمَطْعُومِ الْمَنْهِيِّ عَنِ التَّفَاضُلِ فِيهِ.

قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَلاَ فَرْقَ فِي الْمَطْعُومَاتِ بَيْنَ مَا يُؤْكَلُ قُوتًا كَالأْرْزِ وَالذُّرَةِ وَالدُّخْنِ، أَوْ أُدْمًا كَالْقُطْنِيَّاتِ وَاللَّحْمِ وَاللَّبَنِ، أَوْ تَفَكُّهًا كَالثِّمَارِ، أَوْ تَدَاوِيًا كَالإْهْلِيلَجِ وَالسَّقَمُونْيَا، فَإِنَّ الْكُلَّ فِي بَابِ الرِّبَا وَاحِدٌ.

مِنْ أَحْكَامِ الرِّبَا:

26 - إِذَا تَحَقَّقَتْ عِلَّةُ تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي مَالٍ مِنَ الأْمْوَالِ، فَإِنْ بِيعَ بِجِنْسِهِ حُرِّمَ فِيهِ التَّفَاضُلُ وَالنَّسَاءُ وَالتَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِمَا رَوَى عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ رضي الله تعالي عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلاً بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأْصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ».

وَهَذَا قَدْرٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، وَفِيمَا عَدَاهُ تَفْصِيلٌ وَخِلاَفٌ بِحَسَبِ اخْتِلاَفِهِمْ فِي الْعِلَّةِ.

وَفِيمَا يَلِي مُجْمَلُ أَحْكَامِ الرِّبَا فِي كُلِّ مَذْهَبٍ عَلَى حِدَةٍ.

27 - قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ عِلَّةَ تَحْرِيمِ الرِّبَا الْقَدْرُ مَعَ الْجِنْسِ، فَإِنْ وُجِدَا حُرِّمَ الْفَضْلُ وَالنَّسَاءُ، فَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ قَفِيزِ بُرٍّ بِقَفِيزَيْنِ مِنْهُ، وَلاَ بَيْعُ قَفِيزِ بُرٍّ بِقَفِيزٍ مِنْهُ وَأَحَدُهُمَا نَسَاءٌ، وَإِنْ عُدِمَا - أَيِ الْقَدْرُ وَالْجِنْسُ - حَلَّ الْبَيْعُ، وَإِنْ وُجِدَ أَحَدُهُمَا أَيِ الْقَدْرُ وَحْدَهُ كَالْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ، أَوِ الْجِنْسُ وَحْدَهُ كَالثَّوْبِ الْهَرَوِيِّ بِهَرَوِيٍّ مِثْلِهِ حَلَّ الْفَضْلُ وَحَرُمَ النَّسَاءُ. قَالُوا: أَمَّا إِذَا وُجِدَ الْمِعْيَارُ وَعُدِمَ الْجِنْسُ كَالْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ وَالذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ، فَلِقَوْلِهِ عليه السلام «إِذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسَانِ، وَيُرْوَى النَّوْعَانِ، فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ يَدًا بِيَدٍ» وَأَمَّا إِذَا وُجِدَتِ الْجِنْسِيَّةُ وَعُدِمَ الْمِعْيَارُ كَالْهَرَوِيِّ بِالْهَرَوِيِّ، فَإِنَّ الْمُعَجَّلَ خَيْرٌ مِنَ الْمُؤَجَّلِ وَلَهُ فَضْلٌ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ الْفَضْلُ مِنْ حَيْثُ التَّعْجِيلُ رِبًا؛ لأِنَّهُ فَضْلٌ يُمْكِنُ الاِحْتِرَازُ عَنْهُ وَهُوَ مَشْرُوطٌ فِي الْعَقْدِ فَيَحْرُمُ.

وَيَحْرُمُ بَيْعُ كَيْلِيٍّ أَوْ وَزْنِيٍّ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلاً وَنَسِيئَةً وَلَوْ غَيْرَ مَطْعُومٍ، كَجِصٍّ كَيْلِيٍّ أَوْ حَدِيدٍ وَزْنِيٍّ، وَيَحِلُّ بَيْعُ ذَلِكَ مُتَمَاثِلاً لاَ مُتَفَاضِلاً وَبِلاَ مِعْيَارٍ شَرْعِيٍّ، فَإِنَّ الشَّرْعَ لَمْ يُقَدِّرِ الْمِعْيَارَ بِالذَّرَّةِ وَبِمَا دُونَ نِصْفِ الصَّاعِ كَحَفْنَةٍ بِحَفْنَتَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ مَا لَمْ يَبْلُغْ نِصْفَ الصَّاعِ، وَكَذَرَّةٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَتُفَّاحَةٍ بِتُفَّاحَتَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا، فَإِنْ كَانَا غَيْرَ مُعَيَّنَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا لَمْ يَجُزْ. وَخَالَفَ مُحَمَّدٌ فَرَأَى تَحْرِيمَ الرِّبَا فِي الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ كَتَمْرَةٍ بِتَمْرَتَيْنِ.

وَجَيِّدُ مَالِ الرِّبَا وَرَدِيئُهُ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ سَوَاءٌ، لِقَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم: «جَيِّدُهَا وَرَدِيئُهَا سَوَاءٌ»؛ وَلأِنَّ  فِي اعْتِبَارِ الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ سَدَّ بَابِ الْبِيَاعَاتِ فَيَلْغُو، وَاسْتَثْنَوْا مَسَائِلَ لاَ يَجُوزُ فِيهَا إِهْدَارُ اعْتِبَارِ الْجَوْدَةِ، وَهِيَ: مَالُ الْيَتِيمِ وَالْوَقْفِ وَالْمَرِيضِ فَلاَ يُبَاعُ الْجَيِّدُ مِنْهُ بِالرَّدِيءِ. وَيَجُوزُ بَيْعُ الرَّدِيءِ بِالْجَيِّدِ وَالْقُلْبِ وَالْمَرْهُونِ إِذَا انْكَسَرَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ وَنَقَصَتْ قِيمَتُهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا بِخِلاَفِ جِنْسِهِ.

وَمَا وَرَدَ النَّصُّ بِكَيْلِهِ فَكَيْلِيٌّ أَبَدًا، وَمَا وَرَدَ النَّصُّ بِوَزْنِهِ فَوَزْنِيٌّ أَبَدًا اتِّبَاعًا لِلنَّصِّ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الْعُرْفِ مُطْلَقًا وَإِنْ كَانَ خِلاَفَ النَّصِّ وَأَشَارَ ابْنُ عَابِدِينَ إِلَى تَقْوِيَتِهِ، وَرَجَّحَهُ الْكَمَالُ ابْنُ الْهُمَامِ؛ لأِنَّ  النَّصَّ عَلَى ذَلِكَ الْكَيْلِ فِي الشَّيْءِ أَوِ الْوَزْنِ فِيهِ مَا كَانَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ إِلاَّ؛ لأِنَّ  الْعَادَةَ إِذْ ذَاكَ كَذَلِكَ، وَقَدْ تَبَدَّلَتْ فَتَبَدَّلَ الْحُكْمُ، حَتَّى لَوْ كَانَ الْعُرْفُ فِي زَمَنِهِ صلي الله عليه وسلم بِالْعَكْسِ لَوَرَدَ النَّصُّ مُوَافِقًا لَهُ، وَلَوْ تَغَيَّرَ الْعُرْفُ فِي حَيَاتِهِ لَنَصَّ عَلَى تَغَيُّرِ الْحُكْمِ.

وَيَجُوزُ بَيْعُ لَحْمٍ بِحَيَوَانٍ وَلَوْ مِنْ جِنْسِهِ وَبَيْعُ قُطْنٍ بِغَزْلِ قُطْنٍ فِي الأْصَحِّ، وَبَيْعُ رُطَبٍ بِرُطَبٍ مُتَمَاثِلاً كَيْلاً، وَبَيْعُ لُحُومٍ مُخْتَلِفَةٍ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ وَلَبَنُ بَقَرٍ بِلَبَنِ غَنَمٍ مُتَفَاضِلاً يَدًا بِيَدٍ، وَيَجُوزُ بَيْعُ اللَّبَنِ بِالْجُبْنِ، وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ الْبُرِّ بِدَقِيقٍ أَوْ سَوِيقٍ، وَلاَ بَيْعُ الزَّيْتِ بِالزَّيْتُونِ.

وَلاَ رِبَا بَيْنَ مُتَفَاوِضَيْنِ وَشَرِيكَيْ عِنَانٍ إِذَا تَبَايَعَا مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ.

28 - وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: لاَ يَجُوزُ بَيْعُ فِضَّةٍ بِفِضَّةٍ وَلاَ ذَهَبٍ بِذَهَبٍ إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ، وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ الْفِضَّةِ بِالذَّهَبِ مُتَفَاضِلاً إِلاَّ يَدًا بِيَدٍ، وَالطَّعَامُ مِنَ الْحُبُوبِ وَالْقُطْنِيَّةِ وَشِبْهِهَا مِمَّا يُدَّخَرُ مِنْ قُوتٍ أَوْ إِدَامٍ لاَ يَجُوزُ الْجِنْسُ مِنْهُ بِجِنْسِهِ إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ، وَلاَ يَجُوزُ فِيهِ تَأْخِيرٌ، وَلاَ يَجُوزُ طَعَامٌ بِطَعَامٍ إِلَى أَجَلٍ، كَانَ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ مِنْ خِلاَفِهِ، كَانَ مِمَّا يُدَّخَرُ أَوْ لاَ يُدَّخَرُ.

وَلاَ بَأْسَ بِالْفَوَاكِهِ وَالْبُقُولِ وَمَا لاَ يُدَّخَرُ مُتَفَاضِلاً وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ يَدًا بِيَدٍ، وَلاَ يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ فِيمَا يُدَّخَرُ مِنَ الْفَوَاكِهِ الْيَابِسَةِ وَسَائِرِ الإِْدَامِ وَالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ إِلاَّ الْمَاءَ وَحْدَهُ، وَمَا اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهُ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ سَائِرِ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ وَالطَّعَامِ فَلاَ بَأْسَ بِالتَّفَاضُلِ فِيهِ يَدًا بِيَدٍ، وَلاَ يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنْهُ إِلاَّ فِي الْخُضَرِ وَالْفَوَاكِهِ، وَالْقَمْحُ وَالشَّعِيرُ وَالسُّلْتُ كَجِنْسٍ وَاحِدٍ فِيمَا يَحِلُّ مِنْهُ وَيَحْرُمُ، وَالزَّبِيبُ كُلُّهُ جِنْسٌ وَالتَّمْرُ كُلُّهُ صِنْفٌ، وَالْقُطْنِيَّةُ أَجْنَاسٌ فِي الْبُيُوعِ، وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِيهَا وَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُ فِي الزَّكَاةِ أَنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَلُحُومُ ذَوَاتِ الأْرْبَعِ مِنَ الأْنْعَامِ كَالإْبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالْوَحْشِ كَالْغَزَالِ وَبَقَرِ الْوَحْشِ، وَلُحُومُ الطَّيْرِ كُلُّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَلُحُومُ دَوَابِّ الْمَاءِ كُلُّهَا جِنْسٌ، وَمَا تَوَلَّدَ مِنْ لُحُومِ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنْ شَحْمٍ فَهُوَ كَلَحْمِهِ، وَأَلْبَانُ ذَلِكَ الْجِنْسِ مِنْ ذَوَاتِ الأْرْبَعِ الإْنْسِيِّ مِنْهُ وَالْوَحْشِيِّ كُلُّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَكَذَلِكَ جُبْنُهُ وَسَمْنُهُ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا جِنْسٌ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الثَّلاَثَةِ يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ مُتَمَاثِلاً لاَ مُتَفَاضِلاً.

29 - وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِذَا بِيعَ الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ إِنْ كَانَا جِنْسًا اشْتُرِطَ الْحُلُولُ وَالْمُمَاثَلَةُ وَالتَّقَابُضُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ، أَوْ جِنْسَيْنِ كَحِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ جَازَ التَّفَاضُلُ وَاشْتُرِطَ الْحُلُولُ وَالتَّقَابُضُ، وَلاَ بُدَّ مِنَ الْقَبْضِ الْحَقِيقِيِّ، وَدَقِيقُ الأْصُولِ الْمُخْتَلِفَةِ الْجِنْسِ وَخَلُّهَا وَدُهْنُهَا أَجْنَاسٌ؛ لأِنَّ هَا فُرُوعُ أُصُولٍ مُخْتَلِفَةٍ فَأُعْطِيَتْ حُكْمَ أُصُولِهَا، وَاللُّحُومُ وَالأْلْبَانُ كَذَلِكَ فِي الأْظْهَرِ. وَالنَّقْدُ بِالنَّقْدِ كَالطَّعَامِ بِالطَّعَامِ.

وَالْمُمَاثَلَةُ تُعْتَبَرُ فِي الْمَكِيلِ كَيْلاً وَفِي الْمَوْزُونِ وَزْنًا، وَالْمُعْتَبَرُ غَالِبُ عَادَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم وَمَا جُهِلَ يُرَاعَى فِيهِ بَلَدُ الْبَيْعِ، وَقِيلَ: الْكَيْلُ، وَقِيلَ: الْوَزْنُ، وَقِيلَ: يُتَخَيَّرُ، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ لَهُ أَصْلٌ اعْتُبِرَ.

وَتُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ وَقْتَ الْجَفَافِ؛ لأِنَّهُ «صلي الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ فَقَالَ: أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إِذَا يَبِسَ فَقَالُوا: نَعَمْ، فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ» أَشَارَ صلي الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ: «أَيَنْقُصُ» إِلَى أَنَّ الْمُمَاثَلَةَ إِنَّمَا تُعْتَبَرُ عِنْدَ الْجَفَافِ وَإِلاَّ فَالنُّقْصَانُ أَوْضَحُ مِنْ أَنْ يُسْأَلَ عَنْهُ، وَيُعْتَبَرُ أَيْضًا إِبْقَاؤُهُ عَلَى هَيْئَةٍ يَتَأَتَّى ادِّخَارُهُ عَلَيْهَا كَالتَّمْرِ بِنَوَاهُ، فَلاَ يُبَاعُ رُطَبٌ بِرُطَبٍ وَلاَ بِتَمْرٍ، وَلاَ عِنَبٌ بِعِنَبٍ وَلاَ بِزَبِيبٍ، لِلْجَهْلِ بِالْمُمَاثَلَةِ وَقْتَ الْجَفَافِ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ، وَمَا لاَ جَفَافَ لَهُ كَالْقِثَّاءِ وَالْعِنَبِ الَّذِي لاَ يَتَزَبَّبُ لاَ يُبَاعُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ أَصْلاً قِيَاسًا عَلَى الرُّطَبِ، وَفِي قَوْلٍ مُخَرَّجٍ تَكْفِي مُمَاثَلَتُهُ رُطَبًا؛ لأِنَّ  مُعْظَمَ مَنَافِعِهِ فِي رُطُوبَتِهِ فَكَانَ كَاللَّبَنِ فَيُبَاعُ وَزْنًا وَإِنْ أَمْكَنَ كَيْلُهُ.

وَكُلُّ شَيْئَيْنِ اتَّفَقَا فِي الاِسْمِ الْخَاصِّ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ كَالتَّمْرِ الْبَرْنِيِّ وَالتَّمْرِ الْمَعْقِلِيِّ فَهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَكُلُّ شَيْئَيْنِ اخْتَلَفَا فِي الاِسْمِ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ فَهُمَا جِنْسَانِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم ذَكَرَ سِتَّةَ أَشْيَاءَ وَحَرَّمَ فِيهَا التَّفَاضُلَ إِذَا بِيعَ كُلٌّ مِنْهَا بِمَا وَافَقَهُ فِي الاِسْمِ وَأَبَاحَ فِيهِ التَّفَاضُلَ إِذَا بِيعَ بِمَا خَالَفَهُ فِي الاِسْمِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ كُلَّ شَيْئَيْنِ اتَّفَقَا فِي الاِسْمِ فَهُمَا جِنْسٌ وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الاِسْمِ فَهُمَا جِنْسَانِ.

30 - وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: كُلُّ مَا كِيلَ أَوْ وُزِنَ مِنْ جَمِيعِ الأْشْيَاءِ فَلاَ يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهِ إِذَا كَانَ جِنْسًا وَاحِدًا، وَمَا كَانَ مِنْ جِنْسَيْنِ جَازَ التَّفَاضُلُ فِيهِ يَدًا بِيَدٍ، وَلاَ يَجُوزُ نَسِيئَةً، وَالدَّلِيلُ حَدِيثُ عُبَادَةَ السَّابِقُ، وَمَا كَانَ مِمَّا لاَ يُكَالُ وَلاَ يُوزَنُ فَجَائِزٌ التَّفَاضُلُ فِيهِ يَدًا بِيَدٍ وَنَسِيئَةً سَوَاءٌ بِيعَ بِجِنْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ - فِي أَصَحِّ الرِّوَايَاتِ - وَلاَ يُبَاعُ شَيْءٌ مِنَ الرُّطَبِ بِيَابِسٍ مِنْ جِنْسِهِ إِلاَّ الْعَرَايَا، فَأَمَّا بَيْعُ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ وَالْعِنَبِ بِالْعِنَبِ وَنَحْوِهِمَا مِنَ الرُّطُبِ بِمِثْلِهِ فَيَجُوزُ مَعَ التَّمَاثُلِ، وَأَمَّا مَا لاَ يَيْبَسُ كَالْقِثَّاءِ وَالْخِيَارِ فَعَلَى قَوْلَيْنِ، وَلاَ يُبَاعُ مَا أَصْلُهُ الْكَيْلُ بِشَيْءٍ مِنْ جِنْسِهِ وَزْنًا وَلاَ مَا أَصْلُهُ الْوَزْنُ كَيْلاً، وَالْمَرْجِعُ فِي مَعْرِفَةِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ إِلَى الْعُرْفِ بِالْحِجَازِ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم: «الْمِكْيَالُ مِكْيَالُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْوَزْنُ وَزْنُ أَهْلِ مَكَّةَ».

وَمَا لاَ عُرْفَ فِيهِ بِالْحِجَازِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ:

أَحَدَهُمَا: يُرَدُّ إِلَى أَقْرَبِ الأْشْيَاءِ شَبَهًا بِالْحِجَازِ.

وَالثَّانِيَ: يُعْتَبَرُ عُرْفُهُ فِي مَوْضِعِهِ. وَالتُّمُورُ كُلُّهَا جِنْسٌ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُهَا، وَالْبُرُّ وَالشَّعِيرُ جِنْسَانِ. هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ بِشَيْءٍ مِنْ فُرُوعِهَا 

السَّوِيقُ، وَالدَّقِيقُ فِي الصَّحِيحِ، وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهَا بِالدَّقِيقِ، فَأَمَّا بَيْعُ بَعْضِ فُرُوعِهَا بِبَعْضٍ فَيَجُوزُ بَيْعُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الدَّقِيقِ وَالسَّوِيقِ بِنَوْعِهِ مُتَسَاوِيًا، فَأَمَّا بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالسَّوِيقِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ. وَالأْصَحُّ أَنَّ اللَّحْمَ أَجْنَاسٌ بِاخْتِلاَفِ أُصُولِهِ، وَفِي اللَّبَنِ رِوَايَتَانِإِحْدَاهُمَا: هُوَ جِنْسٌ وَاحِدٌ.

وَالثَّانِيَةُ: هُوَ أَجْنَاسٌ بِاخْتِلاَفِ أُصُولِهِ كَاللَّحْمِ، وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ اللَّحْمِ بِحَيَوَانٍ مِنْ جِنْسِهِ، وَأَمَّا بَيْعُ اللَّحْمِ بِحَيَوَانٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ فَظَاهِرُ كَلاَمِ أَحْمَدَ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ، وَاخْتَارَ الْقَاضِي جَوَازَهُ، وَبَيْعُ اللَّحْمِ بِحَيَوَانٍ غَيْرِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ جَائِزٌ فِي ظَاهِرِ قَوْلِهِمْ، وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ مَالِ الرِّبَا بِأَصْلِهِ الَّذِي فِيهِ مِنْهُ كَالسِّمْسِمِ بِالشَّيْرَجِ وَالزَّيْتُونِ بِالزَّيْتِ وَسَائِرِ الأْدْهَانِ بِأُصُولِهَا وَالْعَصِيرِ بِأَصْلِهِ.

وَبَيْعُ شَيْءٍ مِنَ الْمُعْتَصَرَاتِ بِجِنْسِهِ يَجُوزُ مُتَمَاثِلاً، وَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ مُتَفَاضِلاً وَكَيْفَ شَاءَ؛ لأِنَّهُمَا جِنْسَانِ، وَيُعْتَبَرُ التَّسَاوِي فِيهِمَا بِالْكَيْلِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَا مَطْبُوخَيْنِ أَمْ نِيئَيْنِ، أَمَّا بَيْعُ النِّيءِ بِالْمَطْبُوخِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَلاَ يَجُوزُ.

مِنْ مَسَائِلِ الرِّبَا:

31 - مَسَائِلُ الرِّبَا كَثِيرَةٌ وَمُتَعَدِّدَةٌ، وَالْعِلَّةُ هِيَ  الأْصْلُ الَّذِي يَنْبَنِي عَلَيْهِ عَامَّةُ مَسَائِلِ الرِّبَا.

أَوْ كَمَا قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: اعْلَمْ رَحِمَكَ اللَّهُ أَنَّ مَسَائِلَ هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ وَفُرُوعَهُ مُنْتَشِرَةٌ، وَالَّذِي يَرْبِطُ لَكَ ذَلِكَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى مَا اعْتَبَرَهُ الْعُلَمَاءُ فِي عِلَّةِ الرِّبَا. وَفِيمَا يَلِي أَمْثِلَةٌ وَمُخْتَارَاتٌ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ:

الْمُحَاقَلَةُ:

32 - بَيْعُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا بِحِنْطَةٍ صَافِيَةٍ مِنَ التِّبْنِ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ شَرْعًا لِمَا فِيهِ مِنْ جَهْلِ التَّسَاوِي بَيْنَ الْعِوَضَيْنِ.

وَيُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي (بَيْعُ الْمُحَاقَلَةِ ) (وَمُحَاقَلَةٌ).

الْمُزَابَنَةُ:

33 - بَيْعُ الرُّطَبِ عَلَى النَّخْلِ بِتَمْرٍ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ شَرْعًا؛ لِمَا فِيهِ مِنْ عَدَمِ الْعِلْمِ بِالْمُمَاثَلَةِ.

وَيُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي: (بَيْعُ الْمُزَابَنَةِ ).

الْعِينَةُ:

34 - بَيْعُ السِّلْعَةِ بِثَمَنٍ، إِلَى أَجَلٍ، ثُمَّ شِرَاؤُهَا مِنَ الْمُشْتَرِي بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ، وَهِيَ حَرَامٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ - لأِنَّهُ مِنَ الرِّبَا أَوْ ذَرِيعَةٌ إِلَى الرِّبَا.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (بَيْعُ الْعِينَةِ ).

بَيْعُ الأْعْيَانِ غَيْرِ الرِّبَوِيَّةِ:

35 - الأْعْيَانُ الرِّبَوِيَّةُ نَوْعَانِ:

أ - الأْعْيَانُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهَا فِي حَدِيثَيْ عُبَادَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ رضي الله تعالي عنهما .

ب - الأْعْيَانُ الَّتِي تَحَقَّقَتْ فِيهَا عِلَّةُ تَحْرِيمِ الرِّبَا، وَهِيَ مُخْتَلَفٌ فِيهَا بِحَسَبِ اخْتِلاَفِ الْفُقَهَاءِ فِي الْعِلَّةِ.

قَالَ الشَّافِعِيَّةُ، وَهِيَ أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: إِنَّ مَا عَدَا هَذِهِ الأْعْيَانَ  الرِّبَوِيَّةَ بِنَوْعَيْهَا لاَ يَحْرُمُ فِيهَا الرِّبَا، فَيَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلاً وَنَسِيئَةً، وَيَجُوزُ فِيهَا التَّفَرُّقُ قَبْلَ التَّقَابُضِ؛ لِمَا رَوَى «عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم أَنْ أُجَهِّزَ جَيْشًا فَنَفِدَتِ الإْبِلُ، فَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ عَلَى قِلاَصِ الصَّدَقَةِ، فَكُنْتُ آخُذُ الْبَعِيرَ بِالْبَعِيرَيْنِ إِلَى إِبِلِ الصَّدَقَةِ». وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله تعالي عنه أَنَّهُ بَاعَ جَمَلاً إِلَى أَجَلٍ بِعِشْرِينَ بَعِيرًا، وَبَاعَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله تعالي عنهما  بَعِيرًا بِأَرْبَعَةِ أَبْعِرَةٍ، وَاشْتَرَى ابْنُ عُمَرَ رضي الله تعالي عنهما  رَاحِلَةً بِأَرْبَعِ رَوَاحِلَ وَرَوَاحِلُهُ بِالرَّبَذَةِ، وَاشْتَرَى رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ رضي الله تعالي عنه بَعِيرًا بِبَعِيرَيْنِ فَأَعْطَاهُ أَحَدَهُمَا وَقَالَ: آتِيَكَ بِالآْخَرِ غَدًا.

وَمَنَعَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ، بَيْعَ الشَّيْءِ بِجِنْسِهِ نَسِيئَةً، كَالْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ لِحَدِيثِ سَمُرَةَ - مَرْفُوعًا - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً».

وَلأِنَّ  الْجِنْسَ أَحَدُ وَصْفَيْ عِلَّةِ رِبَا الْفَضْلِ، فَحُرِّمَ النَّسَاءُ كَالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ.

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: يُتَصَوَّرُ الرِّبَا فِي غَيْرِ النَّقْدَيْنِ وَالطَّعَامِ مِنَ الْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ وَسَائِرِ التَّمَلُّكَاتِ، وَذَلِكَ بِاجْتِمَاعِ ثَلاَثَةِ أَوْصَافٍ:

أ - التَّفَاضُلُ.

ب - النَّسِيئَةُ.

ج - اتِّفَاقُ الأْغْرَاضِ وَالْمَنَافِعِ.

كَبَيْعِ ثَوْبٍ بِثَوْبَيْنِ إِلَى أَجَلٍ، وَبَيْعِ فَرَسٍ لِلرُّكُوبِ بِفَرَسَيْنِ لِلرُّكُوبِ إِلَى أَجَلٍ.

فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا لِلرُّكُوبِ دُونَ الآْخَرِ جَازَ؛ لاِخْتِلاَفِ الْمَنَافِعِ.

بَيْعُ الْعَيْنِ بِالتِّبْرِ، وَالْمَصْنُوعِ بِغَيْرِهِ:

36 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ عَيْنَ الذَّهَبِ، وَتِبْرَهُ، وَالصَّحِيحَ، وَالْمَكْسُورَ مِنْهُ، سَوَاءٌ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ مَعَ التَّمَاثُلِ فِي الْمِقْدَارِ وَتَحْرِيمِهِ مَعَ التَّفَاضُلِ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَقَدْ حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم أَنْ يُبَاعَ مِثْقَالُ ذَهَبٍ عَيْنٍ بِمِثْقَالٍ وَشَيْءٍ مِنْ تِبْرٍ غَيْرِ مَضْرُوبٍ، وَكَذَلِكَ حَرَّمَ التَّفَاوُتَ بَيْنَ الْمَضْرُوبِ مِنَ الْفِضَّةِ وَغَيْرِ الْمَضْرُوبِ مِنْهَا، وَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ تِبْرُهَا وَعَيْنُهَا».

وَرُوِيَ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَبَعْضُهُمْ يَرْوِيهِ عَنْ مَالِكٍ، فِي التَّاجِرِ يَحْفِزُهُ الْخُرُوجُ وَبِهِ حَاجَةٌ إِلَى دَرَاهِمَ مَضْرُوبَةٍ أَوْ دَنَانِيرَ مَضْرُوبَةٍ، فَيَأْتِي دَارَ الضَّرْبِ بِفِضَّتِهِ أَوْ ذَهَبِهِ فَيَقُولُ لِلضَّرَّابِ: خُذْ فِضَّتِي هَذِهِ أَوْ ذَهَبِي وَخُذْ قَدْرَ عَمَلِ يَدِكَ وَادْفَعْ إِلَيَّ دَنَانِيرَ مَضْرُوبَةً فِي ذَهَبِي أَوْ دَرَاهِمَ مَضْرُوبَةً فِي فِضَّتِي هَذِهِ لأِنِّي  مَحْفُوزٌ لِلْخُرُوجِ وَأَخَافُ أَنْ يَفُوتَنِي مَنْ أَخْرُجُ مَعَهُ، أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لِلضَّرُورَةِ، وَأَنَّهُ قَدْ عَمِلَ بِهِ بَعْضُ النَّاسِ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي قَبَسِهِ عَنْ مَالِكٍ فِي غَيْرِ التَّاجِرِ وَإِنَّ مَالِكًا قَدْ خَفَّفَ فِي ذَلِكَ، قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَالْحُجَّةُ فِيهِ لِمَالِكٍ بَيِّنَةٌ.

قَالَ الأْبْهَرِيُّ: إِنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الرِّفْقِ لِطَلَبِ التِّجَارَةِ وَلِئَلاَّ يَفُوتَ السُّوقُ وَلَيْسَ الرِّبَا إِلاَّ عَلَى مَنْ أَرَادَ أَنْ يُرْبِيَ مِمَّنْ يَقْصِدُ إِلَى ذَلِكَ وَيَبْتَغِيهِ.

وَحُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ: لاَ يَجُوزُ بَيْعُ الصِّحَاحِ بِالْمُكَسَّرَةِ؛ وَلأِنَّ  لِلصِّنَاعَةِ قِيمَةً بِدَلِيلِ حَالَةِ الإْتْلاَفِ، فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ ضَمَّ قِيمَةَ الصِّنَاعَةِ إِلَى الذَّهَبِ.

وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: إِنْ قَالَ لِصَانِعٍ: اصْنَعْ لِي خَاتَمًا وَزْنَ دِرْهَمٍ، وَأُعْطِيكَ مِثْلَ وَزْنِهِ وَأُجْرَتَكَ دِرْهَمًا فَلَيْسَ ذَلِكَ بَيْعَ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ، وَقَالَ أَصْحَابُنَا: لِلصَّائِغِ أَخْذُ الدِّرْهَمَيْنِ أَحَدُهُمَا فِي مُقَابَلَةِ الْخَاتَمِ وَالثَّانِي أُجْرَةً لَهُ.

الرِّبَا فِي دَارِ الْحَرْبِ:

37 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَأَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ لاَ فَرْقَ فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا بَيْنَ دَارِ الْحَرْبِ وَدَارِ الإْسْلاَمِ، فَمَا كَانَ حَرَامًا فِي دَارِ الإْسْلاَمِ كَانَ حَرَامًا فِي دَارِ الْحَرْبِ، سَوَاءٌ جَرَى بَيْنَ مُسْلِمَيْنِ أَوْ مُسْلِمٍ وَحَرْبِيٍّ، وَسَوَاءٌ دَخَلَهَا الْمُسْلِمُ بِأَمَانٍ أَمْ بِغَيْرِهِ.

وَاسْتَدَلُّوا بِعُمُومِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ؛ وَلأِنَّ  مَا كَانَ رِبًا فِي دَارِ الإْسْلاَمِ كَانَ رِبًا مُحَرَّمًا فِي دَارِ الْحَرْبِ كَمَا لَوْ تَبَايَعَهُ مُسْلِمَانِ مُهَاجِرَانِ وَكَمَا لَوْ تَبَايَعَهُ مُسْلِمٌ وَحَرْبِيٌّ فِي دَارِ الإْسْلاَمِ؛ وَلأِنَّ  مَا حُرِّمَ فِي دَارِ الإْسْلاَمِ حُرِّمَ هُنَاكَ كَالْخَمْرِ وَسَائِرِ الْمَعَاصِي؛ وَلأِنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَا لاَ يَجُوزُ فِي دَارِ الإْسْلاَمِ فَلَمْ يَصِحَّ كَالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ هُنَاكَ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ: لاَ يَحْرُمُ الرِّبَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلاَ بَيْنَ مُسْلِمَيْنِ أَسْلَمَا فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يُهَاجِرَا مِنْهَا؛ لأِنَّ  مَالَهُمْ مُبَاحٌ إِلاَّ أَنَّهُ بِالأْمَانِ حُرِّمَ التَّعَرُّضُ لَهُ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ تَحَرُّزًا عَنِ الْغَدْرِ وَنَقْضِ الْعَهْدِ، فَإِذَا رَضُوا بِهِ حَلَّ أَخْذُ مَالِهِمْ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ، بِخِلاَفِ الْمُسْتَأْمَنِ؛ لأِنَّ  مَالَهُ صَارَ مَحْظُورًا بِالأْمَانِ.

مَسْأَلَةُ مُدِّ عَجْوَةٍ:

38 - إِذَا جَمَعَ الْبَيْعُ رِبَوِيًّا مِنَ الْجَانِبَيْنِ وَاخْتَلَفَ جِنْسُ الْمَبِيعِ مِنْهُمَا بِأَنِ اشْتَمَلَ أَحَدُهُمَا عَلَى جِنْسَيْنِ رِبَوِيَّيْنِ اشْتَمَلَ الآْخَرُ عَلَيْهِمَا، كَمُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ بِمُدٍّ مِنْ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ، وَكَذَا لَوِ اشْتَمَلَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَقَطْ كَمُدٍّ وَدِرْهَمٍ بِمُدَّيْنِ أَوْ دِرْهَمَيْنِ، أَوِ اشْتَمَلاَ جَمِيعُهُمَا عَلَى جِنْسٍ رِبَوِيٍّ وَانْضَمَّ إِلَيْهِ غَيْرُ رِبَوِيٍّ فِيهِمَا كَدِرْهَمٍ وَثَوْبٍ بِدِرْهَمٍ وَثَوْبٍ، أَوْ فِي أَحَدِهِمَا كَدِرْهَمٍ وَثَوْبٍ بِدِرْهَمٍ، أَوِ اخْتَلَفَ نَوْعُ الْمَبِيعِ كَصِحَاحٍ وَمُكَسَّرَةٍ تَنْقُصُ قِيمَتُهَا عَنْ قِيمَةِ الصِّحَاحِ بِهِمَا أَيْ بِصِحَاحٍ وَمُكَسَّرَةٍ، أَوْ بِأَحَدِهِمَا أَيْ بِصِحَاحٍ فَقَطْ أَوْ بِمُكَسَّرَةٍ فَقَطْ... إِذَا كَانَ الْبَيْعُ عَلَى صُورَةٍ مِنْ هَذِهِ الصُّوَرِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَهَذِهِ هِيَ الْمَسْأَلَةُ الْفِقْهِيَّةُ الْمَعْرُوفَةُ بِمَسْأَلَةِ «مُدِّ عَجْوَةٍ». وَالدَّلِيلُ عَلَى بُطْلاَنِ الْبَيْعِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ خَبَرُ مُسْلِمٍ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ رضي الله تعالي عنه قَالَ: «أُتِيَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم بِقِلاَدَةٍ فِيهَا خَرَزٌ وَذَهَبٌ تُبَاعُ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم بِالذَّهَبِ الَّذِي فِي الْقِلاَدَةِ فَنُزِعَ وَحْدَهُ ثُمَّ قَالَ: الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ» وَفِي رِوَايَةٍ: «لاَ تُبَاعُ حَتَّى تُفْصَلَ».

وَاسْتَدَلَّ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى بِأَنَّ قَضِيَّةَ اشْتِمَالِ أَحَدِ طَرَفَيِ الْعَقْدِ عَلَى مَالَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ تَوْزِيعُ مَا فِي الآْخَرِ عَلَيْهِمَا اعْتِبَارًا بِالْقِيمَةِ، وَالتَّوْزِيعُ يُؤَدِّي إِلَى الْمُفَاضَلَةِ أَوِ الْجَهْلِ بِالْمُمَاثَلَةِ؛ لأِنَّهُ إِذَا بَاعَ مُدًّا وَدِرْهَمًا بِمُدَّيْنِ إِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْمُدِّ الَّذِي مَعَ الدِّرْهَمِ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ لَزِمَتْهُ الْمُفَاضَلَةُ، أَوْ مِثْلَهُ فَالْمُمَاثَلَةُ مَجْهُولَةٌ

وَلِجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ الْقَائِلِينَ بِتَحَقُّقِ الرِّبَا فِي مَسْأَلَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ تَفْصِيلٌ وَتَفْرِيعٌ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ أَحْكَامِ الْمَسْأَلَةِ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ إِلَى جَوَازِ ذَلِكَ إِذَا كَانَ الرِّبَوِيُّ الْمُفْرَدُ أَكْثَرَ مِنَ الَّذِي مَعَهُ غَيْرُهُ، أَوْ كَانَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ؛ لأِنَّ  الْعَقْدَ إِذَا أَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَى الصِّحَّةِ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى الْفَسَادِ فَيُجْعَلُ الرِّبَوِيُّ فِي مُقَابَلَةِ قَدْرِهِ مِنَ الرِّبَوِيِّ الآْخَرِ وَيُجْعَلُ الزَّائِدُ فِي مُقَابَلَةِ مَا زَادَ عَنِ الْقَدْرِ الْمُمَاثِلِ.

____________________________________________________________________

كتاب مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان فى المعاملات الشرعية على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان لمؤلفه المغفورله )محمد قدرى باشا) (الطبعة الثانية(بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصرالمحمية سنة1308هجرية  1891 افرنجيه

( مادة 690)

يجوز استقراض الذهب والفضة المضروبين وزناً ويجوز عدداً أيضا اذا كان الوزن مضبوطاً ويوفي بدلها عدداً من نوعها الموافق لها في الوزن أو بدلها وزناً لاعدداً

( مادة 695)

 اذا استقرض مقداراً معيناً من الفلوس الرائجة والنقود غالبة الغش فکسدت و بطل التعامل بها فعلیه رد قيمتها یوم قبضها لا يوم ردها وان استقرض شيئاً من المكيلات او الموزونات أو المسكوكات من الذهب والفضة فرخصت أسعارها أوغلت فعليه رد مثلها ولا عبرة برخصها وغلوها.

( مادة 696)

 اذا لم يكن في وسع المستقرض رد مثل الأعيان المقترضة بأن استهلكها ثم انقطعت عن آیدی الناس يجبر المقرض على الانتظار الى أن يوجد مثلها إلا إذا تراضيا على القيمة.

( مادة 697)

اذا طلب المقرض رد مثل العين المقترضة وكان المستقرض معسراً لامال له فلا يطالبه الاعند يساره. 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مشروع تقنين الشريعة الإسلامية على مذهب الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه إعداد اللجنة التحضيرية لتقنين الشريعة الإسلامية بإشراف مجمع البحوث الإسلامية الطبعة التمهيدية 1392 هــ - 1972 م

 مادة (۱۰۷) :

الربا حرام ويبطل به البيع .

ایضاح الربا : لغة الزيادة وشرعا تفاضل في بيع المكيلات بجنيها والموزونات بجنسها ، و نساء في بيع المكيلات بالمكيلات والموزونات بالموزونات ولو من غير جنسها . 
وهو محرم إجماعا لقوله تعالى : (وأحل الله البيع وحرم الربا). كما أنه من الكبائر لعده صلى الله عليه وسلم في السبع الموبقات في الحديث المتفق عليه . 
ويحرم الربا بين المسلمين ، وبين المسلم والحربي ، في دار الإسلام ودار الحرب ، ولو لم يكن بينهما أمان ، لعموم قوله تعالى : ( وحرم الربا ، وغيره من الأدلة ، إلا بين السيد و رقيقه ولو مدبرا أو مكاتبا ، أو أم ولد لأن المال للسيد. 
مادة (۱۰۸) يكون الربا في كل مكيل أو موزون ، إلا الماء وما أخرجته الصناعة عن الوزن عدا الذهب والفضة . 
إيضاح 
لا يجرى الربا إلا في المكيل أو الموزون ، وأما ما عداها كالمعدود أو المزروع فلار با فيه ، لما روى عبادة بن الصامت أن النبي- - قال: 
والذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثل بمثل يدا بيد فاذا اختلفت هذه الأشياء فبيعوا كيف شئتم يدا بيد » رواه أحمد ومسلم . وعن أبي سعيد مرفوعا نحوه متفق عليه . 
وقد اختلف في العلة التي من أجلها حرم الربا في هذه الأصناف السنة ، والأشهر عن أمامنا و مختار عامة الأصحاب أن علة الربا في النقدين كونهما موزونی جنس ، وفي الأعيان الباقية كونها مكيلات جنس ، فيجري الربا في كل مکيل او موزون بيع بجنسه ولو كان المكبل أو الموزون يسيرة لا يتأتی کیله كثمرة نمرة ، أو نمرة نمرتين لعدم العلم بتساويهما في الكيل ، وكذا إذا كان الموزون يسيرة لا يتأتى وزنه كما دون الأرزة من الذهب والفضة ، وسواء كان المكيل أو الموزون مطعومة أو لا ، كالبر والشعير والحديد ونحو ذلك مما يكال أو بوزن . 
أما غير المكيل والموزون كثياب بحيوان ونحوها فيجوز التفاضل فيهما والنساء ، سواء بيع كل منهما بجنسه أو غير جنسه : « لأمر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمر أن يأخذ على قلائص الصدقة فكان يأخذ البعير بالبعيرين أي إلى إبل الصدقة ) رواه أحمد والدارقطني وصححه. وإذا جاز في الجنس الواحد ، ففي الجنسين أولى . 
ويستثنى من المكيلات والموزونات شيئان لا يجرى فيهما الربا مع تحقق علته . 
الأول : الماء ، لعدم تموله عادة لإباحته في الأصل . 
الثاني : ما أخرجته الصناعة عن الوزن كمصنوعات الحديد والرصاص ونحوها ، كالإبر والسكاكين والثياب والأ كسية من حرير وقطن وغيرها كصوف وشعر ووبر فيجوز بيع سكين بسکينتين ، وإبرة بابرتين ، لأنها ليست بمكيل ولا موزون وإن كان أصلها مكيلا أو موزونا . 
وفي رواية عن الإمام أنه لا يجوز بيع سكينة بسكينتين .. 
هذا : إذا كان المصنوع الذي أخرجته الصناعة عن أصل الوزن من غير الذهب والفضة ، فإن كان منهما حرم الربا مطلقا ، لما روی الأثرم عن عطاء من يسار أن معاوية : « باع سقاية من ذهب أو ورق أكثر من وزنها ، فقال أبو الدرداء : دمعت رسول الله ينتهي عن مثل هذا إلا مثلا بمثل . 
وجوز الشيخ بيع مصنوع مباح الاستعمال كخاتم ونحوه من ذهب أو فضة بيع بجنسه بقيمته حالا ، جعلا للزائد ، عن الوزن في مقابلة الصنعة ، فهو كالأجرة ، وكذا يجوز بيع خاتم بجنسه بقيمته نساء ، ما لم يقصد كونها ثمنا له ، فان قصد ذلك لم يجز النساء. 
أما إن قال لصائغ اصنع لي خاتما وزنه درهم ، وأعطيك مثل وزنه وأجرتك درهم ، فليس ذلك بيع درهم بدرهمين . 
و قال أصحابنا للصائغ أخذ الدرهمين، أحدها في مقابلة فضة الخاتم، 
والثاني : أجرة له في نظير عمله . 

مادة (۱۰۹)
 الربا نوعان : 
(1) ربا الفضل : ويكون في بيع المكيل أو الموزون بجنسه مع زيادة أحد العوضين. 
(ب) ربا النساء : ويكون في بيع المكيل بالمكيل أو الموزون بالموزون بجنسه أو بغير جنسه مع عدم التقابض إلا إذا كان أحد العوضين نقدا . 
إيضاح 
الربا نوعان : الأول - ربا الفضل : والفضل الزيادة ، والقصور به شرها زيادة في أحد العوضين المتفقين في المعيار الشرعي والجنس . فاذا بيع مكيل بمكيل من جنسه أو موزون بموزون من جنسه ، حرم التفاضل . لقوله : « الذهب بالذهب والفضة بالفضة ... الخ مثلا بمثل فمن زاد أو استزاد فهو ربا ) رواه مسلم . 
النوع الثاني : ربا النساء : والنساء بالمد هو التأخير ، يقال : نسأت الشيء وأنسأته أخرته ، والمراد به شرعا : تأخير القبض في بيع المكيل بالمكيل أو الموزون بالموزون بجنسه أو بغير جنسه ، فمن باع مدبر بمدبر ، أو باع برة بشعير. حرم تأخير القبض . 
ويستفاد مماسبق أنه إذا اتفق العوضان في الجنس و المعيار الشرعی فیشرط لصحة البيع المائلة في القدر حتى يخلو البيع من ربا الفضل والقبض قبل التفرق حتى يخلو من ربا النساء. 
أما اذا اتفق العوضان في المعيار الشرعي واختلفا في الجنس كبر بشعير أو حریر بنحاس حرم تأخير القبض فقط ، وجاز التفاضل . لقوله عليه الصلاة والسلام: « إذا اختلفت هذه الأصناف فيبيعوا كيف يدا بيد ) فإن تفرق العاقدان قبل القبض بطل البيع . هذا إذا لم يكن أحد العوضين نقدا ، أما إذا كان أحد العوضين نقدا فلا يحرم النساء ولا يبطل العقد بتأخير القبض ، ولو كان الثاني موزونا كبيع حديد أو نحاس بدنانير أو دراهم . قال المبدع : بغير خلاف لأن الشارع أرخص في السر ، والأصل في رأس ماله النقدان فلو حرم النساء فيه لانسد باب السلم في الموزونات غالبا . 
ولو كان في صرف فلوس(۱) نافقة (۲) بنقد، جاز النساء ، واختاره الشيخ وغيره كابن عقيل وذكره الشيخ رواية . قال في.الرعاية . إن قلنا هي عرض جاز ، وإلا فلا ، خلافا لما في التنقيح من أنه يشترط الحلول والتقابض في صرف نقد بفلوس نافقة ، والذي قاله في التنقيح قدمه في المبدع وذكر في الأنصاف أنه الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب . 
مادة (۱۱۰) 
العبرة بالتساوي في القدر دون القيمة. 
ایضاح 
المعتبر في تماثل الموضين تساويهما في القدر ، کدرهم بدرهم ، أو أردب بأردب ، ولا يضر تفاوت العوضين في القيمة ، بان يكون أحدهما رديئة والأخر جيدة ، جيد الربوی ورديئه وصحيحه ومكسوره وتبره ومضرو به سواء في جواز البيع متماثلا بدا بيد وتحريمه متفاضلا أو مع تأخير القبض ، فلا تعتبر المساواة في القيمة ، فيصح بيع حب جيد بحب خفيف من جنسه أن تساويا کیلا، لما روي عن أبي سعيد قال جاء بلال إلى النبي و بتمر برني فقال له النبي : (من أين هذا يا بلال ؟ قال : كان عندنا تمر رديء فبعت صاعين بصاع ليطعم النبي فقال له النبي لا أوه عين الربا عين الربا لاتفعل إن أردت أن تشتري فبع التمر بيع آخر تم اشتر به . 
مادة (۱۱۱) : 
الجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل . في الحرمة وإبطال البيع . 
ایضاح : 
إذا جهل التساوي بين الربويين ، في الكيل أو الوزن، كأن يكون أحد العوضين مسوسا والآخر سلبا أو يكون أحدها رطبة والآخر یا بسا ، أو لحم نزع عظمه با خر لم ينزع عظمه ، أو يباع عنب بزبيب أو لبن بجبن ، أو حنطة مبلولة أو رطبة بيابسة ، أو المقلى بالنيء لم يجز البيع في كل ذلك للجهل بالتساوي بين العوضين والجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل . 
ومن هذا بيع الفرع بالأصل كالزبد باللبن ، أو الدقيق بالحب وكذلك يع ما مسته النار ښوعه الذي لم تمسه النار ، کهجين شعير بخبزه لذهاب النار ببعض رطوبة أحدهما فيجهل التساوى بينهما . 
ومن هذا أيضا بيع الحب المشتد في سنبله بحب من جنسه ، لأن الحب إذا بيع بجنسه لايعلم مقداره بالكيل والجهل بالتساوي العلم بالتفاضل ، ويسمى هذا البيع بيع المحاقلة وروي عن أنس قوله : « ای النبي عن المحاقلة» رواه البخاري. والنهي يقتضي التحريم والفساد . 
أما إذا علم تساوي العوضين کدقیق بر باخر من جنسه استویا 
نعومة . وخبز بخبز من جنسه استویا نشافة ورطوبة صح البيع ، ولا حرمة للتساوي والقبض • 
مادة (۱۱۲) : 
إذا اختلف العوضان في المعيار الشرعي صح البيع مع التفاضل وعدم القبض . 
إيضاح 
إذا اختلفت علة الربا : كما لو باع مکیلا بموزون جاز التفاضل ، والتفرق قبل القبض ، كأن يكون أحد الموضين مسكين اكبر والآخر موزون كذهب أو فضة ، أو لحم بدقيق أو نحو ذلك ، لأنهما لم يجتمعا في أحد وصفي علة ربا الفضل أشبه الثياب بالحيوان . 
مادة (۱۱۳) : 
(1) لا يجوز بيع المكيل بجنسه وزنا، ولا بيع الموزون بجنسه کیلا، إلا إذا علم تساويهما في المعيار الشرعي .
(ب) إذا اختلف الجنس ، صح البيع وزنا أو كيلا ، أو جزافا بشرط القبض . 
(ج) يجوز بيع صبرة من مكيل بصبرة من جنسه إن علم العاقدان کیلهما وتساويا فيه، أو لم يعامله و تبایعاها مثلا بمثل فكانتا سواء . 
ایضاح 
(۱) لايجوز أن يباع ما أصله الكيل كالحبوب و المائعات بشيء من جنسه وزنا، ولا أن بياعها أصله الوزن بشيء من جنسه کیلا ، إلا إذا علم تساويهما في معياره الشرعي ، لحديث أبي هريرة مرفوعة ( الذهب الذهب والفضة بالفضة وزنا بوزن مثلا بمثل فمن زاد أو استزاد فهو ربا » رواه مسلم ، وروى أبو داود من حديث عبادة ، مرفوعة « البر بالبر مدين بعدين والملح بالملح مدين بمدين والشعير بالشعير مدين بمدين و العمر بالتمر مدين بمدين فمن زاد أو ازداد فقد أربا ، فاعتبر الشارع المساواة في الموزونات بالوزن وفي المسكيلات بالكيل من خالف ذلك خرج عن جنس المشروع المأمور به ، إذ المساواة المعتبرة فيما يحرم فيه التفاضل ، هي المساواة في معياره الشرعي . 
(ب) إذا بيع المكبل بغير جنسه كبر بشعير أو بع الموزون بغير 
جنسه ، كحديد بنحاس مثلا جاز بيع بعضه بعض کیلا أو وزنة أو جزافا أو متفاضلا، بشرط القبض لقوله عليه السلام : « فاذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم يدا بد». 
(حج) إذا یعت صبرة من مسکیل بصبرة أخرى من جنسها وكان المتعاقدان يعلمان کیلوما و تساويهما فيه ، أولا علماه و تبایعاها مثلا بمثل فكيلنا في ان تساويهما في الكيل صح البيع في الصورتين . 
أما إذا كان المتعاقدان يجهلان كيلهما ، أو كل أحدهما و يعلمان کیل الأخرى ، فلا يصح للجهل بالتساوي ، وقد سبق أنه مبطل للبيع كالعلم بالتفاضل . 
مادة (114) : يجوز بيع الرطب على رؤوس النخل خرصا مثله من التمر كيلا ، بالشروط الآتية : 
1- أن يكون الرطب أقل من خمسة أوسق . 
۲ - أن يكون المشتري للرطب محتاجا إليه ، وليس معه نقود . 
٣- أن يكون البيع حالا مع النقابض .
 (1) كشاف القناع ص ۱۲ منتهى الإرادات صور الشرح الكبير ص ۱۰۲ 
إيضاح الأصل أن بيع الرطب على رؤوس النخل بالتمر لا يصح ، للجهل 
بالتساوي ، وقد استثنى من ذلك المرايا التي رخص فيها الرسول ولحاجة الناس . وهي : بيع الرطب في رؤوس النخل خرصا يمثله من التمر کیلا إذا يبس ، لا أقل ولا أكثر ، لأن الشارع أقام الحرص مقام الكيل ولايعدل عنه كما لا يعدل عن الكيل فيما يشرط فيه الكيل ولا يجوز بيعها بخرصها رطبا ولا بزيادة عن خرصها أو أنقص منه الترخيصه عليه الصلاة والسلام في الحديث في العرايا أن تباع بخرصها کیلا . لأن الأصل اعتبار الكيل من الجانبين سقط في أحدهما وأقيم الحرص مقامه الحاجة فيبقى الآخر على مقتضى الأصل . ويشترط لصحة بيع العرايا ماياتي : 
1- أن يكون مقدار الرطب أقل من خمسة أوسق : والوسق ستون صاعا . 
فإن كانت خمسة أوسق أو أكثر لم يصح البيع . لقول أبي هريرة : أن النبي ية «رخص في العرايا أن تباع بخرصها فيما دون خمسة أوسق أو خمسة أوسق ) متفق عليه . شك داود بن الحسين أحد رواته فلا يجوز في الخمسية لوقوع الشك فيه. 
۲- أن يكون المشتري للرطب محتاجا لأكله وليس معه نقود يمكنه الشراء به، لأن ما جاز لحاجة لايجوز عند عدمها ، كالزكاة للمساكين . 
٣- أن يكون البيع حالا وأن يتم التقابض بين الطرفين في مجلس يعها ، والقبض في نخل بتخلية البائع بين المشتري و بينه ، والقبض في تمر بكيله . 
مادة (115) : 
يحرم ويبطل بيع الربوی بجنسه ومع أحدهما أو معهما شيء آخر من غير جنسهما. 
ایضاح 
محرم ولايصح بيع الربوي بجنسه ، إذا كان مع أحد العوضين ، أو معهما من غير جنسهما ، كمد عجوة ودرهم، بمد عجوة ودرهم أو مد عجوة و درهم بمدين من عجوة أو بدرهمين . وكبيع محلى بالذهب بذهب ، أو محلى بالفضة بفضة . وتسمى هذه الصورة مسألة مد عجوة ودرهم ، لأنها مثلت بنك ، ونص على عدم جواز هالحديث فضالة بن عبيد ( أتى النبي و بقلادة فيها ذهب وخرز ابتاعها رجل بتسعة دنانير أو سبعة دنانير فقال النبي و لا. حتى تميز بينهما قال : فرده حتي ميز بينهما ) رواه أبو داود ، ولمسلم أنه عليه الصلاة والسلام أمر بالذهب الذي في القلادة فنزع وحده ثم قال : الذهب بالذهب وزنا بوزن ، ومأخذ البطلان سد ذريعة الربا ، لأنه قد يتخذ ذريعة على الربا المريخ ، کبيع مائية في كيس بمائتين جيلا المائة الثانية في مقابلة الكيس وقد لا يساوي درهما . أو أن الصفقة إذا اشتملت على شيئين مختلفي القيمة قسط الثمن على قيمتهما ، فهو من باب التوزيع على الجمل وهو يؤدي إما إلى يقين التفاضل ، أو إلى الجهل بالتساوي ، وكلاهما يبطل العقد في باب الربا . 
وروي عن الإمام أحمد - أنه يجوز البيع ، بشرط أن يكون المفرد أكثر من الذي معه غير ، أو يكون مع كل واحد منهما من غير جنسه . قال حرب قلت لأحمد : دفعت دينارا كوفية و درهما وأخذت دینارة شامية وزنهما سواء . قال : إلا أن ينقص الدينار فيعطيه بحسابه فضة ، وكذلك روى عن محمد بن أبي حرب الجرجرائي قال أبو داود : سمعت أحمد يسأل عن الدراهم المسيبية بعضها صفر وبعضها فضة بالدراهم فقال لا أقول فيه شيء». 
مادة (116) : 
(1) إذا كان الربوي غير مقصود في البيع ، ولا يمكن بيعه منفردا اعتبر المعدوم ، فيصح بيع ما حواه بجنس الربوي أو بغيره . 
(ب) يصح بيع الربوي بجنسه إذا خلط بما لا يقصد بيعه ، ولا يؤثر في وزنه أو كيله ، أو كان لمصلحته. 
إيضاح 
(1) إذا كان الربوي لايقصد عادة في البيع ولا يباع منفردة : كذهب مموه به سقف دار اعتبر کالمعدوم ، فيجوز بيع الدار المموه سقفها بالذهب بذهب ، أو بدار مثلها لأن الذهب في السقف غير مقصود ولايقابل بشيء من التمن . 
(ب) إذا خلط الر بوی بغيره وكان هذا الغير لايقصد ولا يؤثر في وزن الربوي أو كيله لكونه يسيرة ، الملح فيا يعمل فيه كخبز وجبن و حبات الشعير من الحنطة ولو كان في أحد العوضين دون الآخر صح البيع . لأن ذلك غير مقصود و كرغيف برغيف منه ورطل من جبن برطل من جبن . 
وكذلك يصبح البيع إذا كان غير المقصود الذي خلط الربوي به كثيرة إلا أنه لمصلحة الربوی کالماء في خل التمر والزبيب فيجوز بيع هذه الأصناف بمثلها مثلا بمثل يدا بيد ولا أثر لمافيها من الماء ، لأنه غير مقصود في البيع ولمصلحة الربوي المقصود . 
أما إن كان غير المقصود كثيرا وليس من مصلحة ما أضيف إليه كاللبن المشوب بالماء إذا بيع بمثله ، لم يجز للعلم بالتفاضل . 
مادة (۱۱۷) : 
لا يجوز بيع الدين إلا للمدين به ، ويشترط أن يكون الثمن عينا حاضرة . 
إيضاح 
لايجوز بيع الدين إلا للمدين به ويشترط لصحة ذلك ألا يكون الثمن مؤجلا . بل يجب أن يكون عينة حاضرة لنهيه عليه السلام (عن بيع الكاليء بالكاليء) رواه أبو داود في الغريب وفسره الدين بالدين . 
ولبيع الدين بالدين صور كلها باطلة . إلا هذه الصورة التي نصت عليها المادة . ومن الصور الباطلة ، بيع الدين لغير من هو عليه مطلقة ، أي سواء كان الثمن حاضرة أو مؤجلا وذلك لعدم القدرة على التسليم ، ومنها بيع ما في الذمة حالا من هو عليه بثمن مؤجل، ومنها جعل رأس مال المدينة بأن يكون له دین عند آخر فيقول : جعلت مافي ذمتك رأس مال سب على كذا ، ومنها أن يكون لكل واحد من الاثنين دين على صاحبه من غير جنسه ، كالذهب والفضة وتصار فاهما ولم يحضرا شيئا فإنه لا يجوز ، سواء كانا حالين او مؤجلين ، لأنه بيع دین بدین ؛ فلين أحضر أحد الدينين أو كان أحد العوضين دينا ، والآخر أمانة ؛ أو مغصوبا عند صاحبه جاز . ولم يكن بيع دین بدین بل بعين .