loading
المذكرة الإيضاحية

مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الرابع ، الصفحة : 425

مذكرة المشروع التمهيدي :

1 - ينتهى القرض عادة بانتهاء الأجل المحدد ، فإن لم يحدد أجل اتبعت القواعد العامة (م 395 من المشروع ) . و تتبع القواعد العامة أيضا ، فينتهى القرض ، إذا أعسر المقترض بعد تمام العقد أو كان معسرا قبل ذلك ولكن المقرض لم يعلم بالإعسار إلا بعد أن تم القرض ، فإن الإعسار من مسقطات الأجل (م 396 من المشروع )

2 - وكل ما تقدم إنما هو تطبيق للقواعد العامة ، ولكن المشروع أورد سببين جديدين لانتهاء القرض : ( أولها ) مضي ستة أشهر دون أن ينفذ القرض . فنصت المادة ۷۳۰ على أنه يسقط حق المقترض في المطالبة بتسليم الشيء الذي اقترضه ، وحق المقرض في إلزام المقترض بتسلم ذلك الشيء بمضي ستة أشهر من اليوم المعين للتسليم، فإن انصراف المتعاقدين عن تنفيذ القرض طول هذه المدة يؤخذ دليلا على عدوها عنه ، فإذا عادا إليه كان هذا عقدا جديدا . ( و السبب الثاني ) .ضي ستة أشهر منذ تنفيذ القرض ، فإن كان متفقا في العقد على سعر للفائدة يزيد على السعر القانوني ( أي 4 % ) كان للمقترض أن يعلن المقرض بإنهاء القرض بعد ستة أشهر من هذا الإعلان . ويتبين من ذلك أن المفترض يبقى ملتزما بالفوائد التي تزيد على السعر القانوني ( دون أن تزيد طبعا على السعر الاتفاق ) مدة سنة كاملة على الأقل إذا حدد للقرض مدة أطول من سنة . ثم يستطيع إنهاء القرض بعد ذلك . وفي هذا تيسير على المدين ، إذا نزل سعر الفائدة في السوق ، إذ يستطيع أن يتخفف من دین فوائده مرتفعة إلى دين فوائده أقل .

المشروع في لجنة المراجعة

تليت المادة ۷۳۱ من المشروع فأقرتها اللجنة مع تحويرات لفظية و أصبح نصها :

إذا اتفق على سعر للفوائد يزيد على السعر الذي يحدده القانون عند عدم الاتفاق كان اليدين إذا انقضت ستة أشهر على القرض ، أن يعلن رغبته في إلغاء العقد ورد ما اقترضه ، على ألا يتم الرد إلا بعد مضي ستة أشهر من هذا الإعلان . وحق المقترض في الرد لايجوز الاتفاق على إسقاطه أو على الحد منه .

وأصبح رقم المادة 572 في المشروع النهائي .

المشروع في مجلس النواب

وافق المجلس على المادة دون تعديل تحت رقم 572

المشروع في مجلس الشيوخ

مناقشات لجنة القانون المدني :

محضر الجلسة التاسعة والعشرين

تليت المادة 572 ولأنها ستطبق في المواد التجارية أيضا فقد اقترح سعادة الرئيس تعديلها بحيث تتضمن الحكم بعدم جواز تقاضى الدائن أي تعويض بعد الرد لأن الحادث فعلاً أن البنوك في حالة أداء القروض قبل حلول أجلها تتقاضى فوائد ستة أشهر وفوائد ستة أشهر أخرى كتعويض .

فناقشت اللجنة هذا الاقتراح واستمرت تبحث عن صيغة لتحقيقه ، وأخيراً اهتدت إلى الصيغة الآتية :

مادة 572 إذا اتفق على فوائد كان للمدين إذا انقضت ستة أشهر على القرض أن يعلن رغبته في إلغاء العقد ورد ما اقترضه على أن يتم الرد في أجل لا يتجاوز ستة أشهر من تاريخ هذا الإعلان ، وفي هذه الحالة يلزم المدين بأداء الفوائد المستحقة .

عن ستة الأشهر التالية للإعلان ولا يجوز بوجه من الوجوه إلزامه بأن يؤدى فائدة أو مقابلاً من أي نوع بسبب تعجيل الوفاء ، ولا يجوز الإتفاق على إسقاط حق المقترض أو الحد منه .

تقرير اللجنة :

عدلت هذه المادة تعديلاً يجعل المدين الذي اقترض بسعر يزيد على السعر المقرر الفوائد القانونية أن يعلن رغبته في إلغاء العقد ورد ما افترضه على أن يتم الرد في أجل لا يتجاوز ستة أشهر من تاريخ هذا الإعلان ، ويلزم الدين في هذه الحالة بأداء الفوائد المستحقة عن ستة الأشهر المالية الإعلان ولا يجوز إلزامه بأن يؤدى فائدة أو مقابلاً من أي نوع بسبب تعجيل الوفاء ولا يجوز الاتفاق على إسقاط حق المقترض في الرد أو الحد منه .

وبهذا التعديل أصبح الحكم أكثر تمشياً مع حاجات المتعاملين ، وقد كان النص المقدم من الحكومة لا يجيز الرد إلا بعد مضي ستة أشهر من تاريخ الإعلان ولم يكن ينظم تنظيمها مفصلاً علاقة الدائن بالمدين على نحو ما فعلت اللجنة .

وأصبح رقم المادة 544

مناقشات المجلس :

وافق المجلس على المادة ما عدلتها اللجنة .

شرح خبراء القانون

تنص المادة 543 من التقنين المدني على ما يأتي :

 " ينتهي القرض بإنتهاء الميعاد المتفق عليه " .

وتنص المادة 544 على ما يأتي :

 " إذا اتفق على الفوائد ، كان للمدين إذا كان للمدين إذا انقضت ستة أشهر على القرض أن يعلن رغبته في إلغاء العقد ورد ما اقترضه ، على أن يتم الرد في أجل لا يجاوز ستة أشهر من تاريخ هذا الإعلان ، وفي هذه الحالة يلزم المدين بأداء الفوائد المستحقة عن ستة الأشهر التالية للإعلان ، ولا يجوز بوجه من الوجوه إلزامه بأن يؤدي فائدة أو مقابلاً من أي نوع بسبب تعجيل الوفاء ، ولا يجوز الاتفاق على إسقاط حق المقترض في الرد أو الحد منه .

ويؤخذ من النصوص المتقدمة الذكر أنه بانتهاء القرض يجب على المقترض رد المثل ، فنبحث : ( أولاً ) ما يرده المقترض وفي أي مكان يكون الرد . ( ثانياً ) الوقت الذي يجب فيه الرد .

 المطلب الأول

 ما يرده المقترض وفي أي مكان يكون الرد

رد المثل :عند نهاية القرض يجب على المقترض أن يرد للمقرض مثل ما اقترضه ، وتقول المادة 538 مدني في هذا الصدد كما رأينا : " القرض عقد يلتزم به المقرض أن ينقل إلى المقترض ملكية مبلغ من النقود أو أي شيء مثلي آخر ، على أن يرد إليه المقترض عند نهاية القرض شيئاً مثله في مقداره ونوعه وصفته " .

فإذا كان الشيء المقترض أشياء مثلية غير النقود كغلال أو قطن ، وجب على المقترض أن يرد كميات مماثلة في المقدار والنوع والصفة  .

ولا عبرة بغلو السعر أو برخصه فإذا غلت أسعار الغلال أو القطن أو رخصت ، فإن المقرض يبقى ملتزماً برد مثل ما اقترض ولو غلا سعره فينضر أو رخص سعره فينتفع وإذا انقطع مثل الشيء المقترض عن السوق ، كان المقرض بالحيازة أما أن ينتظر حتى يعود الشيء إلى السوق فيرد له المقرض المثل ، وإما أن يطالب المقترض بقيمة الشيء المقترض في الزمان والمكان اللذين يجب فيهما الرد.

وكذلك الحكم إذا كان الشيء المقترض هو مبلغ من النقود ، كما هو الغالب في القروض ، فلا يلتزم المقترض أن يرد للمقرض إلا مقداراً من النقود يعادل في عدده المقدار الذي اقترض ، دون أن يكون لارتفاع قيمة النقود أو لإنخفاضها أثر  فإذا اقترض شخص ألف جنيه مصري ، ردها ألفاً بمقدار عددها ، نزل سعر النقود أو ارتفع ، وله أن يرد النقود بعددها عملة ورقية ذات سعر إلزامي ، حتى لو قبضها ذهباً ونزل سعر العملة الورقية ، وقد سبق أن بينا حكم العملة الورقية ذات السعر القانوني ، وحكم العملة الورقية ذات السعر الإلزامي ، وحكم ما يسمى بشرط الذهب أو شرط الوفاء بما يعادل قيمة الذهب في كل من القانون المصري والقانون الفرنسي .

ويجوز ايضاً أن يكون الرد قبل الاجل إذا نزل عنه من له مصلحة لا ينهض بذاته وفاء مبرئا لذمة ساحبه بل يظل الوفاء معلقا على شرط تحصيل قيمة الشيك و لمحكمة الموضوع سلطة موضوعية في استخلاص واقعة صرف الشيك من واقع الدعوى ومستنداتها متى كان استخلاصها سائغاً .

- المكان الذي يجب فيه الرد : وقد كان المشروع التمهيدي للتقنين المدني الجديد ينص في المادة 726 / 1 و 2 منه على ما يأتي :

1 - على المقرض أن يرد المثل في المكان والزمان المتفق عليهما .

2 - فإذا لم يتفق على المكان ،كان الرد واجباً في موطن المقترض .

وقد حذف هذا النص في لجنة المراجعة، لأن أحكامه مستفادة من القواعد العامة وتتضمن المادة 347 مدني القواعد العامة في هذا الشأن ، وهي تقضي بأنه إذا اتفق الطرفان على مكان معين يكون فيه الرد ، وجب على المقترض أن يرد المثل في هذا المكان ، أما إذا لم يوجد اتفاق في هذا الشأن، فالرد يكون في المكان الذي يوجد فيه موطن المدين وقت الوفاء ، فيرد المقترض المثل ، في هذه الحالة ، في المكان الذي يوجد فيه موطنه وقت الرد ، وعلى الدائن تحمل مصروفات سعيه إلى موطن المقترض، وذلك ما لم يكن المقترض قد تأخر عن الدفع في الميعاد فقاضاه المقرض ، فتكون المصروفات على المقترض .

 المطلب الثاني

 الوقت الذي يجب فيه الرد

  التمييز بين ما إذا حدد للرد أجل أو لم يحدد : الوقت الذي يجب فيه على المقترض أن يرد المثل أمر بالغ الأهمية في عقد القرض ولذلك أوردناه بالبحث ، ويجب التمييز في هذا الصدد بين ما إذا كان الطرفان قد اتفقا عل أجل للرد ، أو سكتا عن ذلك .

 يوجد اتفاق على أجل للرد – سقوط الأجل أو النزول عنه : يغلب أن يكون الطرفان قد اتفقا على أجل للرد ، فيجب على المقترض أن يرد المثل إلى المقرض بمجرد أن يحل هذا الأجل ، وقد رأينا أن الأجل يحل إما بإنقضائه وإما بسقوطه .

فيحل الأجل بإنقضائه إذا انقضى الميعاد المضروب ، وعند ذلك يجب على المقترض رد المثل بمجرد انقضاء الميعاد. 

ويحل الأجل بسقوطه : (1) إذا شهر إفلاسه المقترض أو إعساره (2) إذا أضعف المقترض بفعله إلى حد كبير ما أعطى المقرض من تأمين خاص ، ما لم يؤثر المقرض أن يطالب بتكملة التأمين ، فإذا كان إضعاف التأمين يرجع إلى سبب لا دخل لإدارة المقترض فيه ، فإن الأجل يسقط ما لم يقدم المقترض للمقرض تأميناً كافياً . (3) إذا لم يقدم المقترض للمقرض ما وعد في العقد بتقديمه من التأمينات ويجوز أيضاً أن يكون الرد قبل الأجل إذا نزل عنه من له مصلحة فيه ويغلب ، إذا كان القرض بغير فائدة ، أن يكون الأجل لمصلحة المقترض فله إذن أن ينزل عن الأجل وأن يرد المثل قبل حلوله أما إذا كان القرض بفائدة ، فالأجل في مصلحة الطرفين، وذلك فيما عدا الحالة التي سنبسطها فيما يلي .

الرد قبل الميعاد في القرض بفوائد :فقد قضت المادة 544 مدني فيما قدمنا ، بأنه يجوز استثناء للمقترض أن يرد المثل قبل حلول  الأجل ، ولو كن الأجل روعيت فيه مصلحة المقرض ودون حاجة إلى رضاء هذا ، إذا توافرت الشروط الآتية :

1 - أن يكون القرض بفائدة وقد عين له أجل للرد ، ويستوي أن يكون سعر الفائدة يزيد أو يعادل أو يقل عن السعر القانوني .

2 - أن تنقضي ستة أشهر على تسلم المقترض لمبلغ القرض و سريان الفوائد ، وهذا الشرط يتضمن بداهة أن يكون الأجل المحدد للرد أطول من ستة أشهر .

3 - أن يعلن المقترض المقرض برغبته في إنهاء القرض وفي رد ما اقترضه ، ولم يشترط القانون شكلاً خاصاً لهذا الإعلان ، فيصبح أن يكون بإنذار على يد محضر أو بكتاب مسجل أو بكتاب غير مسجل أو شفوياً ، ولكن عبء الإثبات يقع على المقترض ، فيحسن تيسيراً للإثبات أن يكون الإعلان بكتاب مسجل .

4 - أن يرد المقترض المثل فعلاً في أجل لا يجاوز ستة أشهر من تاريخ وصول الإعلان إلى المقرض . وهذا الشرط يتضمن أيضاً أن يكون الأجل الذي كان محدداً للرد أطول من سنة ، حتى يتصور إنقاصه إلى سنة ، إذ يشترط كما رأينا انقضاء ستة أشهر من وقت القرض وستة أخرى من وقت الإعلان .

5 - أن يدفع المقترض فوائد الستة الأشهر التي انقضت من وقت القرض وفوائد الستة الأشهر الأخرى التي تلت الإعلان ، وذلك سواء رد المثل قبل انقضاء هذه الستة الأشهر الأخرى أو عند انقضائها ، فتكون  الفوائد التي يدفعها هي فوائد سنة كاملة ، وهذا يدل كما قدمنا على أن القرض كان لمدة أطول من سنة حتى يمكن المقترض أن يفيد من الرد فتسقط عنه الفوائد فيما زاد على السنة ، ولا يلزم المقترض أن يؤدي فائدة أو مقابلاً من أي نوع غير ما قدمناه ، بسبب تعجيل الوفاء .

فإذا توافرت هذه الشروط ، انقضى القرض قبل حلول الأجل بإرادة المقترض وحده ، ولو أن الأجل كان مشترطاً لمصلحة المقرض ولم يطلب هذا تعجيل الوفاء ، وقد لوحظ في هذا الحكم الذي استحدثه التقنين المدني الجديد أن ييسر على المقترض رد القرض قبل الميعاد ، إذا كان هذا الميعاد أطول من سنة ، حتى يتخفف من دفع فوائد المدة كلها فلا يدفع منها إلا فوائد سنة واحدة ، ويعمد المقترض إلى الاستفادة من هذا التيسير إذا توافر عنده ما يسدد به القرض قبل الميعاد ، وكذلك إذا كان سعر الفائدة المشترطة عالياً واستطاع أن يقترض بسعر أقل فيستبدل القرض ذا السعر الأدنى بالقرض ذي السعر الأعلى .

والحكم المتقدم الذكر يعتبر من النظام العام بصريح النص ، إذ تقول العبارة الأخيرة من المادة 544 مدني : " ولا يجوز الاتفاق على إسقاط حق المقترض في الرد أو الحد منه " . فلا يجوز إذن أن يشترط المقرض أن ينزل المقترض عن حقه في تعجيل الرد على النحو الذي قدمناه ، أو أن يحد من هذا الحق بأن يشترط مثلاً على المقترض إلا يعجل الرد إلا بعد مدة أطول من سنة . (الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفي الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ الخامس الصفحة/ 585)

يلتزم المقترض بأن يرد للمقرض عند انتهاء القرض مثل ما اقترضه ، فإن كان غلالاً أو قطناً وجب عليه رد كميات مماثلة في المقدار والنوع والصفة أما إذا رد بموجب شرط مقداراً أكبر كان الزائد أجراً للقرض ، أو رد مقداراً أقل كان الباقی هبة، فإذا رد شيئاً من نوع آخر كان العقد مقايضة ، فإذا كان الشئ الآخر نقودا كان العقد بيعاً ، ولا عبرة بغلو السعر أو برخصة فإذا تأخر المقترض في الرد وأعذره المقرض، فان هذا يسترد الشيء المقترض مع تعویض هو قيمة ما لحقه من خسارة ، وما فاته من کسب بسبب تأخر المقترض في الرد ، ويكون الرد في المكان المتفق عليه ، فإن لم يوجد اتفاق يكون الرد في موطن المقترض ، و على المقرض تحمل مصروفات سعيه إليه ما لم يكن المقترض تأخر عن الدفع في الميعاد فقاضاه المقرض فتكون المصروفات على المقترض. كما يتم الرد بحلول الأجل المتفق عليه فإن لم يوجد اتفاق سرت القواعد العامة وهي تقضي بتفسير نية المتعاقدين فان ظهر أنهما قصداً أن يكون الرد عند طلب المقرض تعيين أعمال ذلك ، ويجوز للقاضي أن يمنح المقترض نظرة ميسرة ، أما إذا انصرف قصدهما لميسرة المقترض أو مقدرته على الوفاء وجب اتباع هذا الحكم وعند الشك تفسر النية بأن الرد يكون عند الميسرة ويعين القاضي هنا ميعاداً مناسباً لحلول الأجل مراعياً في ذلك موارد المقترض الحالية والمستقبلة ومقتضياً منه عناية الرجل الحريص على الوفاء بإلتزامه .

كما يحل الأجل بسقوطه إذا أشهر افلاس المقترض أو إعساره أو أضعف بفعله إلى حد كبير ما أعطى المقرض من تأمين ما لم يؤثر المقرض أن يطالب بتكملة التأمين، فاذا كان أضعاف التأمين يرجع إلى سبب لا دخل لإرادة المقترض فيه فإن الأجل يسقط ما لم يقدم المقترض تأميناً كافياً ، كما يسقط الأجل إذا لم يقدم المقترض ما وعد به في العقد بتقديمه من التأمينات .

ويجوز الرد قبل الأجل، فإن كان القرض بفائدة ، فالأجل لمصلحة الطرفين فلا يجوز النزول عنه ورد المثل إلا بإتفاق الطرفين ولكن يستثني أنه يجوز للمقترض أن يرد المثل قبل الأجل بشرط أن يكون القرض بفائدة وعين له أجل للرد وأن تنقضي ستة أشهر على تسلم المقترض المبلغ القرض وسريان الفوائد وأن يعلن المقترض الفرض برغبته في إنهاء القرض، ولا يوجد شكل خاص لهذا الإعلان فقد يكون بإنذار على يد محضر أو بكتاب مسجل أو غير مسجل ويقع على المقترض عبء اثباته ، كما يشترط أن يرد المقترض المثل فعلا في أجل لا يجاوز ستة أشهر من تاريخ وصول الإعلان للمقرض وأن يدفع المقترض فوائد الستة أشهر التي انقضت وفوائد الستة أشهر الأخرى التي تلت الإعلان سواء رد المثل قبل انقضاء هذه الستة أشهر الأخرى أو عند انقضائها فتكون الفوائد التي يدفعها هي فوائد سنة، ولا يلتزم المقترض أن يؤديه فائدة أو مقابلاً من أي نوع غير ما سلف بسبب تعجيل الوفاء وأى اتفاق يخالف ذلك يقع باطلاً لمخالفته للنظام العام.

وإن انقضى ما يجاوز الستة أشهر جاز أيضاً الرد وتحتسب الفوائد على أساس تجاوز مدة السنة باعتبار هذه المدة حدا أدنى لاستحقاق الدائن للفوائد. (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء / السابع الصفحة/365)

ويشترط لتطبيق هذا النص توافر الشروط الآتية :

1 - أن يكون القرض بفائدة لأجل معين يزيد على سنة أياً كان سعر الفائدة وقد كانت المادة 731 من المشروع التمهيدي تشترط أن يكون سعر الفائدة المتفق عليه في العقد يزيد على السعر القانوني لها، ثم حذف هذا القيد في لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ ، ومن ثم أصبح إنهاء القرض جائزاً للمقترض متى التزم فيه بدفع فائدة ، ولو قلت عن الفائدة القانونية أما إذا كان القرض بغير فائدة ، فيجوز له التنازل عن الأجل طبقاً للقواعد العامة كما رأينا سلفاً - دون حاجة إلى المادة 544 ، وبغير التقيد بأحكامها ، ويجب أن يكون أجل القرض زائداً على سنة.

2 - أن يعلن المقترض رغبته في إلغاء العقد ورد ما اقترضه ، ولم يستلزم القانون شكلاً خاصاً لصول هذا الإعلان، ولم ينص على بيانات معينة يجب ذكرها فيه.

ومن ثم يجوز أن يكون بإنذار على يد محضر أو بخطاب مسجل أو بخطاب عادي أو شفوي .

غير أن إثبات حصول هذا الإعلان يقع على عاتق المقترض ، ولذلك فإن موجبات الحرص تتطلب من المقترض أن يوجه إعلانه كتابة.

3 - أن يتم الإعلان بعد انقضاء ستة أشهر على القرض ، وقد راعى المشرع في هذا القيد مصلحة المقرض بإبقاء العقد مدة معقولة.

4 - أن يرد المقترض مثل الشيء المقترض في مدة لا تجاوز ستة أشهر من تاريخ وصول الإعلان إلى المقرض.

وهذا ما يبرر ما ذكرناه في الشرط الأول من اشتراط أن تكون مدة القرض أكثر من سنة، حتى يتصور إنقاصه إلى سنة، إذ يتطلب النص انقضاء سنة أشهر من وقت القرض وستة أشهر أخرى من وقت الإعلان.

5 - أن يدفع المقترض فوائد ستة الأشهر السابقة على الإعلان وستة الأشهر اللاحقة عليه أي يدفع فوائد سنة كاملة.

فإذا توافرت الشروط السالفة انتهى القرض بعد ستة أشهر من تاريخ الإعلان.

وقد رأى المشرع في هذه المادة تيسيراً على المدين إذا نزل سعر الفائدة في السوق إذ يستطيع أن يخفف من دین فوائده مرتفعة إلى دين فوائده أقل ،  كما أن الحق المقرر بمقتضى النص السالف للأفراد في حدود القانون الخاص ، يوازن الحق الثابت للدولة بمقتضى مبادئ القانون المالي في تمويل الديون العامة ، وبذلك يفيد أشخاص القانون الخاص من انخفاض سعر الفائدة ، مثل إفادة أشخاص القانون العام . 

وقد حظرت المادة إلزام المقترض بأي وجه من الوجوه بأن يؤدى فائدة أو مقابلاً من أي نوع بسبب تعجيل الوفاء .

وحكم المادة مما يتعلق بالنظام العام ، فلا يجوز الاتفاق بين المتعاقدين على أن ينزل المقترض عن حقه في تعجيل الرد أو أن يحد من هذا الحق بالاتفاق على ألا يعجل المقترض الرد إلا بعد مدة أطول من سنة.

أسباب أخرى لانتهاء القرض :

هناك أسباب أخرى ينقضي بها القرض كما ينقضي بها سائر الالتزامات وهي :

1 - الوفاء

2 - التجديد.

3 - المقاصة.

4 - اتحاد الذمة.

5 - الإبراء.

6 - استحالة التنفيذ.

7 - التقادم .

(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ السادس الصفحة/ 468) 

الفقة الإسلامي

 الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الثاني  والعشرون  ، الصفحة /  49

رِبًا

التَّعْرِيفُ:

1 - الرِّبَا فِي اللُّغَةِ: اسْمٌ مَقْصُورٌ عَلَى الأْشْهَرِ، وَهُوَ مِنْ رَبَا يَرْبُو رَبْوًا، وَرُبُوًّا وَرِبَاءً.

وَأَلِفُ الرِّبَا بَدَلٌ عَنْ وَاوٍ، وَيُنْسَبُ إِلَيْهِ فَيُقَالُ: رِبَوِيٌّ، وَيُثَنَّى بِالْوَاوِ عَلَى الأَْصْلِ فَيُقَالُ: رِبَوَانِ، وَقَدْ يُقَالُ: رِبَيَانِ - بِالْيَاءِ - لِلإْمَالَةِ السَّائِغَةِ فِيهِ مِنْ أَجْلِ الْكَسْرَةِ.

وَالأْصْلُ فِي مَعْنَاهُ الزِّيَادَةُ، يُقَالُ: رَبَا الشَّيْءُ إِذَا زَادَ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : ( يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِيالصَّدَقَاتِ )وَأَرْبَى الرَّجُلُ: عَامَلَ بِالرِّبَا أَوْ دَخَلَ فِيهِ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «مَنْ أَجْبَى فَقَدْ أَرْبَى» وَالإْجْبَاءُ: بَيْعُ الزَّرْعِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلاَحُهُ.

وَيُقَالُ: الرِّبَا وَالرَّمَا وَالرَّمَاءُ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ  رضي الله تعالي عنه قَوْلُهُ: إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمُ الرَّمَا، يَعْنِي الرِّبَا.

وَالرُّبْيَةُ - بِالضَّمِّ وَالتَّخْفِيفِ - اسْمٌ مِنَ الرِّبَا، وَالرُّبِّيَّةُ: الرِّبَاءُ، وَفِي الْحَدِيثِ «عَنِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم فِي صُلْحِ أَهْلِ نَجْرَانَ: أَنْ لَيْسَ عَلَيْهِمْ رُبِّيَّةٌ وَلاَ دَمٌ».

قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: هَكَذَا رُوِيَ بِتَشْدِيدِ الْبَاءِ وَالْيَاءِ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: أَرَادَ بِهَا الرِّبَا الَّذِي كَانَ عَلَيْهِمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَالدِّمَاءَ الَّتِي كَانُوا يَطْلُبُونَ بِهَا، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ أَسْقَطَ عَنْهُمْ كُلَّ رِبًا كَانَ عَلَيْهِمْ إِلاَّ رُءُوسَ الأْمْوَالِ فَإِنَّهُمْ يَرُدُّونَهَا.

وَالرِّبَا فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ:

عَرَّفَهُ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ: فَضْلٌ خَالٍ عَنْ عِوَضٍ بِمِعْيَارٍ شَرْعِيٍّ مَشْرُوطٍ لأِحَدِ  الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي الْمُعَاوَضَةِ.

وَعَرَّفَهُ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ: عَقْدٌ عَلَى عِوَضٍ مَخْصُوصٍ غَيْرِ مَعْلُومِ التَّمَاثُلِ فِي مِعْيَارِ الشَّرْعِ حَالَةَ الْعَقْدِ أَوْ مَعَ تَأْخِيرٍ فِي الْبَدَلَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا.

وَعَرَّفَهُ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ: تَفَاضُلٌ فِي أَشْيَاءَ، وَنَسْءٌ فِي أَشْيَاءَ، مُخْتَصٌّ بِأَشْيَاءَ وَرَدَ الشَّرْعُ بِتَحْرِيمِهَا - أَيْ تَحْرِيمِ الرِّبَا فِيهَا - نَصًّا فِي الْبَعْضِ، وَقِيَاسًا فِي الْبَاقِي مِنْهَا.

وَعَرَّفَ الْمَالِكِيَّةُ كُلَّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الرِّبَا عَلَى حِدَةٍ.

الأْلْفَاظُ  ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - الْبَيْعُ:

2 - الْبَيْعُ لُغَةً: مَصْدَرُ بَاعَ، وَالأَْصْلُ فِيهِ أَنَّهُ مُبَادَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ، وَأُطْلِقَ عَلَى الْعَقْدِ مَجَازًا لأِنَّهُ سَبَبُ التَّمْلِيكِ وَالتَّمَلُّكِ.

وَالْبَيْعُ مِنَ الأْضْدَادِ مِثْلُ الشِّرَاءِ، وَيُطْلَقُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لَفْظُ بَائِعٍ، وَلَكِنَّ اللَّفْظَ إِذَا أُطْلِقَ فَالْمُتَبَادَرُ إِلَى الذِّهْنِ بَاذِلُ السِّلْعَةِ، وَيُطْلَقُ الْبَيْعُ عَلَى الْمَبِيعِ فَيُقَالُ: بَيْعٌ جَيِّدٌ.

وَفِي الاِصْطِلاَحِ: عَرَّفَهُ الْقَلْيُوبِيُّ بِأَنَّهُ: عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ مَالِيَّةٍ تُفِيدُ مِلْكَ عَيْنٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ عَلَى التَّأْبِيدِ لاَ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ.

وَلِلْفُقَهَاءِ فِي تَعْرِيفِ الْبَيْعِ أَقْوَالٌ أُخْرَى سَبَقَتْ فِي مُصْطَلَحِ: (بَيْعٌ ).

وَالْبَيْعُ فِي الْجُمْلَةِ حَلاَلٌ، وَالرِّبَا حَرَامٌ.

ب - الْعَرَايَا:

3 - الْعَرِيَّةُ لُغَةً: النَّخْلَةُ يُعْرِيهَا صَاحِبُهَا غَيْرَهُ لِيَأْكُلَ ثَمَرَتَهَا فَيَعْرُوهَا أَيْ يَأْتِيهَا، أَوْ هِيَ النَّخْلَةُ الَّتِي أُكِلَ مَا عَلَيْهَا، وَالْجَمْعُ عَرَايَا، وَيُقَالُ: اسْتَعْرَى النَّاسُ أَيْ: أَكَلُوا الرُّطَبَ.

وَعَرَّفَ الشَّافِعِيَّةُ بَيْعَ الْعَرَايَا بِأَنَّهُ: بَيْعُ الرُّطَبِ عَلَى النَّخْلِ بِتَمْرٍ فِي الأْرْضِ، أَوِ الْعِنَبِ فِي الشَّجَرِ بِزَبِيبٍ، فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ بِتَقْدِيرِ الْجَفَافِ بِمِثْلِهِ.

وَيَذْهَبُ آخَرُونَ فِي تَعْرِيفِ بَيْعِ الْعَرَايَا وَحُكْمِهِ مَذَاهِبَ يُرْجَعُ فِي تَفْصِيلِهَا إِلَى مُصْطَلَحِ: (تَعْرِيَةٌ) (وَبَيْعُ الْعَرَايَا) مِنَ الْمَوْسُوعَةِ  9/ 91.

وَبَيْعُ الْعَرَايَا مِنَ الْمُزَابَنَةِ، وَفِيهِ مَا فِي الْمُزَابَنَةِ مِنَ الرِّبَا أَوْ شُبْهَتِهِ، لَكِنَّهُ أُجِيزَ بِالنَّصِّ، وَمِنْهُ مَا رُوِيَ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ، وَرَخَّصَ فِي الْعَرِيَّةِ أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا يَأْكُلُهَا أَهْلُهَا رُطَبًا»،، وَفِي لَفْظٍ: «عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ» وَقَالَ: ذَلِكَ الرِّبَا تِلْكَ الْمُزَابَنَةُ، إِلاَّ أَنَّهُ رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرِيَّةِ: «النَّخْلَةِ وَالنَّخْلَتَيْنِ يَأْخُذُهَا أَهْلُ الْبَيْتِ بِخَرْصِهَا تَمْرًا يَأْكُلُونَهَا رُطَبًا».

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:

4 - الرِّبَا مُحَرَّمٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالإْجْمَاعِ، وَهُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ، وَمِنَ السَّبْعِ الْمُوبِقَاتِ، وَلَمْ يُؤْذِنِ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ عَاصِيًا بِالْحَرْبِ سِوَى آكِلِ الرِّبَا، وَمَنِ اسْتَحَلَّهُ فَقَدْ كَفَرَ - لإِنْكَارِهِ مَعْلُومًا مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ - فَيُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ وَإِلاَّ قُتِلَ، أَمَّا مَنْ تَعَامَلَ بِالرِّبَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مُسْتَحِلًّا لَهُ فَهُوَ فَاسِقٌ.

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ: إِنَّ الرِّبَا لَمْ يَحِلَّ فِي شَرِيعَةٍ قَطُّ لقوله تعالي: ( وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ ) يَعْنِي فِي الْكُتُبِ السَّابِقَةِ.

وَدَلِيلُ التَّحْرِيمِ مِنَ الْكِتَابِ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : ( وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ).

وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ  : (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُالشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ).

5 - قَالَ السَّرَخْسِيُّ: ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى لآِكِلِ الرِّبَا خَمْسًا مِنَ الْعُقُوبَاتِ:

إِحْدَاهَا: التَّخَبُّطُ.. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ( لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُالشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ).

الثَّانِيَةُ: الْمَحْقُ.. قَالَ تَعَالَى : ( يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا ) وَالْمُرَادُ الْهَلاَكُ وَالاِسْتِئْصَالُ، وَقِيلَ: ذَهَابُ الْبَرَكَةِ وَالاِسْتِمْتَاعِ حَتَّى لاَ يَنْتَفِعَ بِهِ، وَلاَ وَلَدُهُ بَعْدَهُ.

الثَّالِثَةُ: الْحَرْبُ.. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ( فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ).

الرَّابِعَةُ: الْكُفْرُ.. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ( وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) وَقَالَ سُبْحَانَهُ بَعْدَ ذِكْرِ الرِّبَا : ( وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ) أَيْ: كَفَّارٍ بِاسْتِحْلاَلِ الرِّبَا، أَثِيمٍ فَاجِرٍ بِأَكْلِ الرِّبَا.

الْخَامِسَةُ: الْخُلُودُ فِي النَّارِ. قَالَ تَعَالَى : ( وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ).

وَكَذَلِكَ - قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًامُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ : ( أَضْعَافًامُضَاعَفَةً ) لَيْسَ لِتَقْيِيدِ النَّهْيِ بِهِ، بَلْ لِمُرَاعَاةِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الْعَادَةِ تَوْبِيخًا لَهُمْ بِذَلِكَ، إِذْ كَانَ الرَّجُلُ يُرْبِي إِلَى أَجَلٍ، فَإِذَا حَلَّ الأْجَلُ  قَالَ لِلْمَدِينِ: زِدْنِي فِي الْمَالِ حَتَّى أَزِيدَكَ فِي الأْجَلِ، فَيَفْعَلُ، وَهَكَذَا عِنْدَ مَحَلِّ كُلِّ أَجَلٍ، فَيَسْتَغْرِقُ بِالشَّيْءِ الطَّفِيفِ مَالَهُ بِالْكُلِّيَّةِ، فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ وَنَزَلَتِ الآْيَةُ.

6 - وَدَلِيلُ التَّحْرِيمِ مِنَ السُّنَّةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا:

مَا وَرَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالي عنه عَنِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ »

قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاَتِ الْمُؤْمِنَاتِ».

وَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله تعالي عنهما  قَالَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ».

وَأَجْمَعَتِ الأْمَّةُ عَلَى أَصْلِ تَحْرِيمِ الرِّبَا.

وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي تَفْصِيلِ مَسَائِلِهِ وَتَبْيِينِ أَحْكَامِهِ وَتَفْسِيرِ شَرَائِطِهِ.

7 - هَذَا، وَيَجِبُ عَلَى مَنْ يُقْرِضُ أَوْ يَقْتَرِضُ أَوْ يَبِيعُ أَوْ يَشْتَرِي أَنْ يَبْدَأَ بِتَعَلُّمِ أَحْكَامِ هَذِهِ الْمُعَامَلاَتِ قَبْلَ أَنْ يُبَاشِرَهَا، حَتَّى تَكُونَ صَحِيحَةً وَبَعِيدَةً عَنِ الْحَرَامِ وَالشُّبُهَاتِ، وَمَا لاَ يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلاَّ بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ، وَتَرْكُهُ إِثْمٌ وَخَطِيئَةٌ، وَهُوَ إِنْ لَمْ يَتَعَلَّمْ هَذِهِ الأْحْكَامَ قَدْ يَقَعُ فِي الرِّبَا دُونَ أَنْ يَقْصِدَ الإْرْبَاءَ، بَلْ قَدْ يَخُوضُ فِي الرِّبَا وَهُوَ يَجْهَلُ أَنَّهُ تَرَدَّى فِي الْحَرَامِ وَسَقَطَ فِي النَّارِ، وَجَهْلُهُ لاَ يُعْفِيهِ مِنَ الإْثْمِ وَلاَ يُنَجِّيهِ مِنَ النَّارِ؛ لأِنَّ  الْجَهْلَ وَالْقَصْدَ لَيْسَا مِنْ شُرُوطِ تَرَتُّبِ الْجَزَاءِ عَلَى الرِّبَا، فَالرِّبَا بِمُجَرَّدِ فِعْلِهِ - مِنَ الْمُكَلَّفِ - مُوجِبٌ لِلْعَذَابِ الْعَظِيمِ الَّذِي تَوَعَّدَ اللَّهُ جَلَّ جَلاَلُهُ بِهِ الْمُرَابِينَ، يَقُولُ الْقُرْطُبِيُّ: لَوْ لَمْ يَكُنِ الرِّبَا إِلاَّ عَلَى مَنْ قَصَدَهُ مَا حُرِّمَ إِلاَّ عَلَى الْفُقَهَاءِ.

وَقَدْ أُثِرَ عَنِ السَّلَفِ أَنَّهُمْ كَانُوا يُحَذِّرُونَ مِنَ الاِتِّجَارِ قَبْلَ تَعَلُّمِ مَا يَصُونُ الْمُعَامَلاَتِ التِّجَارِيَّةَ مِنَ التَّخَبُّطِ فِي الرِّبَا، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ عُمَرَ رضي الله تعالي عنهلاَ يَتَّجِرُ فِي سُوقِنَا إِلاَّ مَنْ فَقِهَ، وَإِلاَّ أَكَلَ الرِّبَا، وَقَوْلُ عَلِيٍّ رضي الله تعالي عنهمَنِ اتَّجَرَ قَبْلَ أَنْ يَتَفَقَّهَ ارْتَطَمَ فِي الرِّبَا ثُمَّ ارْتَطَمَ ثُمَّ ارْتَطَمَ، أَيْ: وَقَعَ وَارْتَبَكَ وَنَشِبَ.

وَقَدْ حَرَصَ الشَّارِعُ عَلَى سَدِّ الذَّرَائِعِ الْمُفْضِيَةِ إِلَى الرِّبَا؛ لأِنَّ  مَا أَفْضَى إِلَى الْحَرَامِ حَرَامٌ، وَكُلُّ ذَرِيعَةٍ إِلَى الْحَرَامِ هِيَ حَرَامٌ، رَوَى أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدِهِ عَنْ جَابِرٍ رضي الله تعالي عنه قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ : ( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلممَنْ لَمْ يَذَرِ الْمُخَابَرَةَ فَلْيُؤْذَنْ بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ» قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: وَإِنَّمَا حُرِّمَتِ الْمُخَابَرَةُ وَهِيَ الْمُزَارَعَةُ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنَ الأْرْضِ، وَالْمُزَابَنَةُ وَهِيَ اشْتِرَاءُ الرُّطَبِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ بِالتَّمْرِ عَلَى وَجْهِ الأْرْضِ، وَالْمُحَاقَلَةُ وَهِيَ اشْتِرَاءُ الْحَبِّ فِي سُنْبُلِهِ فِي الْحَقْلِ بِالْحَبِّ عَلَى وَجْهِ الأْرْضِ، إِنَّمَا حُرِّمَتْ هَذِهِ الأْشْيَاءُ وَمَا شَاكَلَهَا حَسْمًا لِمَادَّةِ الرِّبَا؛ لأِنَّهُ لاَ يُعْلَمُ التَّسَاوِي بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ قَبْلَ الْجَفَافِ، وَلِهَذَا قَالَ الْفُقَهَاءُ: الْجَهْلُ بِالْمُمَاثَلَةِ كَحَقِيقَةِ الْمُفَاضَلَةِ، وَمِنْ هَذَا حَرَّمُوا أَشْيَاءَ بِمَا فَهِمُوا مِنْ تَضْيِيقِ الْمَسَالِكِ الْمُفْضِيَةِ إِلَى الرِّبَا وَالْوَسَائِلِ الْمُوَصِّلَةِ إِلَيْهِ، وَتَفَاوَتَ نَظَرُهُمْ بِحَسَبِ مَا وَهَبَ اللَّهُ لِكُلٍّ مِنْهُمْ مِنَ الْعِلْمِ.

8 - وَبَابُ الرِّبَا مِنْ أَشْكَلِ الأَْبْوَابِ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَدْ قَالَ عُمَرُ رضي الله تعالي عنهثَلاَثٌ وَدِدْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم عَهِدَ إِلَيْنَا فِيهِنَّ عَهْدًا نَنْتَهِي إِلَيْهِ: الْجَدُّ وَالْكَلاَلَةُ وَأَبْوَابٌ مِنَ الرِّبَا، يَعْنِي - كَمَا قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ - بِذَلِكَ بَعْضَ الْمَسَائِلِ الَّتِي فِيهَا شَائِبَةُ الرِّبَا، وَعَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمَا أَنَّ عُمَرَ رضي الله تعالي عنه قَالَ: مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ آيَةُ الرِّبَا، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم قُبِضَ قَبْلَ أَنْ يُفَسِّرَهَا لَنَا، فَدَعُوا الرِّبَا وَالرِّيبَةَ، وَعَنْهُ رضي الله تعالي عنه قَالَ: ثَلاَثٌ لأَنْ  يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم بَيَّنَهُنَّ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا: الْكَلاَلَةُ، وَالرِّبَا، وَالْخِلاَفَةُ.

حِكْمَةُ تَحْرِيمِ الرِّبَا:

9 - أَوْرَدَ الْمُفَسِّرُونَ لِتَحْرِيمِ الرِّبَا حِكَمًا تَشْرِيعِيَّةً:

مِنْهَا: أَنَّ الرِّبَا يَقْتَضِي أَخْذَ مَالِ الإْنْسَانِ  مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ؛ لأِنَّ  مَنْ يَبِيعُ الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ نَقْدًا أَوْ نَسِيئَةً تَحْصُلُ لَهُ زِيَادَةُ دِرْهَمٍ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ، وَمَالُ الْمُسْلِمِ مُتَعَلِّقُ حَاجَتِهِ، وَلَهُ حُرْمَةٌ عَظِيمَةٌ، قَالَ صلي الله عليه وسلم: «حُرْمَةُ مَالِ الْمُسْلِمِ كَحُرْمَةِ دَمِهِ» وَإِبْقَاءُ الْمَالِ فِي يَدِهِ مُدَّةً مَدِيدَةً وَتَمْكِينُهُ مِنْ أَنْ يَتَّجِرَ فِيهِ وَيَنْتَفِعَ بِهِ أَمْرٌ مَوْهُومٌ، فَقَدْ يَحْصُلُ وَقَدْ لاَ يَحْصُلُ، وَأَخْذُ الدِّرْهَمِ الزَّائِدِ مُتَيَقَّنٌ، وَتَفْوِيتُ الْمُتَيَقَّنِ لأِجْلِ الْمَوْهُومِ لاَ يَخْلُو مِنْ ضَرَرٍ.

وَمِنْهَا: أَنَّ الرِّبَا يَمْنَعُ النَّاسَ مِنْ الاِشْتِغَالِ بِالْمَكَاسِبِ؛ لأِنَّ  صَاحِبَ الدِّرْهَمِ إِذَا تَمَكَّنَ بِوَاسِطَةِ عَقْدِ الرِّبَا مِنْ تَحْصِيلِ الدِّرْهَمِ الزَّائِدِ نَقْدًا كَانَ أَوْ نَسِيئَةً خَفَّ عَلَيْهِ اكْتِسَابُ وَجْهِ الْمَعِيشَةِ، فَلاَ يَكَادُ يَتَحَمَّلُ مَشَقَّةَ الْكَسْبِ وَالتِّجَارَةِ وَالصِّنَاعَاتِ الشَّاقَّةِ، وَذَلِكَ يُفْضِي إِلَى انْقِطَاعِ مَنَافِعِ الْخَلْقِ الَّتِي لاَ تَنْتَظِمُ إِلاَّ بِالتِّجَارَاتِ وَالْحِرَفِ وَالصِّنَاعَاتِ وَالْعِمَارَاتِ.

وَمِنْهَا: أَنَّ الرِّبَا يُفْضِي إِلَى انْقِطَاعِ الْمَعْرُوفِ بَيْنَ النَّاسِ مِنَ الْقَرْضِ؛ لأِنَّ  الرِّبَا إِذَا حُرِّمَ طَابَتِ النُّفُوسُ بِقَرْضِ الدِّرْهَمِ وَاسْتِرْجَاعِ مِثْلِهِ، وَلَوْ حَلَّ الرِّبَا لَكَانَتْ حَاجَةُ الْمُحْتَاجِ تَحْمِلُهُ عَلَى أَخْذِ الدِّرْهَمِ بِدِرْهَمَيْنِ، فَيُفْضِي إِلَى انْقِطَاعِ الْمُوَاسَاةِ وَالْمَعْرُوفِ وَالإْحْسَانِ.

وَمِنْ ذَلِكَ مَا قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ... فَرِبَا النَّسِيئَةِ، وَهُوَ الَّذِي كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، مِثْلَ أَنْ يُؤَخِّرَ دَيْنَهُ وَيَزِيدَهُ فِي الْمَالِ، وَكُلَّمَا أَخَّرَهُ زَادَ فِي الْمَالِ، حَتَّى تَصِيرَ الْمِائَةُ عِنْدَهُ آلاَفًا مُؤَلَّفَةً، وَفِي الْغَالِبِ لاَ يَفْعَلُ ذَلِكَ إِلاَّ مُعْدِمٌ مُحْتَاجٌ، فَإِذَا رَأَى أَنَّ الْمُسْتَحِقَّ يُؤَخِّرُ مُطَالَبَتَهُ وَيَصْبِرُ عَلَيْهِ بِزِيَادَةٍ يَبْذُلُهَا لَهُ تَكَلَّفَ بَذْلَهَا لِيَفْتَدِيَ مِنْ أَسْرِ الْمُطَالَبَةِ وَالْحَبْسِ، وَيُدَافِعُ مِنْ وَقْتٍ إِلَى وَقْتٍ، فَيَشْتَدُّ ضَرَرُهُ، وَتَعْظُمُ مُصِيبَتُهُ، وَيَعْلُوهُ الدَّيْنُ حَتَّى يَسْتَغْرِقَ جَمِيعَ مَوْجُودِهِ، فَيَرْبُو الْمَالُ عَلَى الْمُحْتَاجِ مِنْ غَيْرِ نَفْعٍ يَحْصُلُ لَهُ، وَيَزِيدُ مَالُ الْمُرَابِي مِنْ غَيْرِ نَفْعٍ يَحْصُلُ مِنْهُ لأَِخِيهِ، فَيَأْكُلُ مَالَ أَخِيهِ بِالْبَاطِلِ، وَيَحْصُلُ أَخُوهُ عَلَى غَايَةِ الضَّرَرِ، فَمِنْ رَحْمَةِ أَرْحَمِ الرَّاحِمِينَ وَحِكْمَتِهِ وَإِحْسَانِهِ إِلَى خَلْقِهِ أَنْ حَرَّمَ الرِّبَا...

10 - وَأَمَّا الأْصْنَافُ السِّتَّةُ الَّتِي حُرِّمَ فِيهَا الرِّبَا بِمَا رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رضي الله تعالي عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلاً بِمِثْلٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَمَنْ زَادَ أَوِ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى، الآْخِذُ وَالْمُعْطِي فِيهِ سَوَاءٌ».

11 - أَمَّا هَذِهِ الأْصْنَافُ فَقَدْ أَجْمَلَ ابْنُ الْقَيِّمِ حِكْمَةَ تَحْرِيمِ الرِّبَا فِيهَا حَيْثُ قَالَ: وَسِرُّ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُمْ مَنَعُوا مِنَ التِّجَارَةِ فِي الأْثْمَانِ - أَيِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ - بِجِنْسِهَا لأِنَّ  ذَلِكَ يُفْسِدُ عَلَيْهِمْ مَقْصُودَ الأْثْمَانِ، وَمَنَعُوا التِّجَارَةَ فِي الأْقْوَاتِ - أَيِ الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالْمِلْحِ - بِجِنْسِهَا لأِنَّ  ذَلِكَ يُفْسِدُ عَلَيْهِمْ مَقْصُودَ الأْقْوَاتِ.

وَفَصَّلَ ابْنُ الْقَيِّمِ فَقَالَ: الصَّحِيحُ بَلِ الصَّوَابُ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ هِيَ الثَّمَنِيَّةُ، فَإِنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ أَثْمَانُ الْمَبِيعَاتِ، وَالثَّمَنُ هُوَ الْمِعْيَارُ الَّذِي يُعْرَفُ بِهِ تَقْوِيمُ الأْمْوَالِ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَحْدُودًا مَضْبُوطًا لاَ يَرْتَفِعُ وَلاَ يَنْخَفِضُ، إِذْ لَوْ كَانَ الثَّمَنُ يَرْتَفِعُ وَيَنْخَفِضُ كَالسِّلَعِ لَمْ يَكُنْ لَنَا ثَمَنٌ نَعْتَبِرُ بِهِ الْمَبِيعَاتِ، بَلِ الْجَمِيعُ سِلَعٌ، وَحَاجَةُ النَّاسِ إِلَى ثَمَنٍ يَعْتَبِرُونَ بِهِ الْمَبِيعَاتِ حَاجَةٌ ضَرُورِيَّةٌ عَامَّةٌ، وَذَلِكَ لاَ يُعْرَفُ إِلاَّ بِسِعْرٍ تُعْرَفُ بِهِ الْقِيمَةُ، وَذَلِكَ لاَ يَكُونُ إِلاَّ بِثَمَنٍ تُقَوَّمُ بِهِ الأْشْيَاءُ وَيَسْتَمِرُّ عَلَى حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلاَ يُقَوَّمُ هُوَ بِغَيْرِهِ، إِذْ يَصِيرُ سِلْعَةً يَرْتَفِعُ وَيَنْخَفِضُ، فَتَفْسُدُ مُعَامَلاَتُ النَّاسِ وَيَقَعُ الْخُلْفُ وَيَشْتَدُّ الضَّرَرُ... فَالأْثْمَانُ لاَ تُقْصَدُ لأِعْيَانِهَا، بَلْ يُقْصَدُ التَّوَصُّلُ بِهَا إِلَى السِّلَعِ، فَإِذَا صَارَتْ فِي أَنْفُسِهَا سِلَعًا تُقْصَدُ لأِعْيَانِهَا فَسَدَ أَمْرُ النَّاسِ.

وَأَضَافَ: وَأَمَّا الأْصْنَافُ الأْرْبَعَةُ الْمَطْعُومَةُ فَحَاجَةُ النَّاسِ إِلَيْهَا أَعْظَمُ مِنْ حَاجَتِهِمْ إِلَى غَيْرِهَا؛ لأِنَّ هَا أَقْوَاتُ الْعَالَمِ، فَمِنْ رِعَايَةِ مَصَالِحِ الْعِبَادِ أَنْ مُنِعُوا مِنْ بَيْعِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ إِلَى أَجَلٍ، سَوَاءٌ اتَّحَدَ الْجِنْسُ أَوِ اخْتَلَفَ، وَمُنِعُوا مِنْ بَيْعِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ حَالًّا مُتَفَاضِلاً وَإِنِ اخْتَلَفَتْ صِفَاتُهَا، وَجُوِّزَ لَهُمُ التَّفَاضُلُ مَعَ اخْتِلاَفِ أَجْنَاسِهَا.

فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَسِرُّ ذَلِكَ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ لَوْ جَوَّزَ بَيْعَ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ نَسَاءً لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ أَحَدٌ إِلاَّ إِذَا رَبِحَ، وَحِينَئِذٍ تَسْمَحُ نَفْسُهُ بِبَيْعِهَا حَالَّةً لِطَمَعِهِ فِي الرِّبْحِ، فَيَعِزُّ الطَّعَامُ عَلَى الْمُحْتَاجِ وَيَشْتَدُّ ضَرَرُهُ، فَكَانَ مِنْ رَحْمَةِ الشَّارِعِ بِهِمْ وَحِكْمَتِهِ أَنْ مَنَعَهُمْ مِنْ رِبَا النَّسَاءِ فِيهَا كَمَا مَنَعَهُمْ مِنْ رِبَا النَّسَاءِ فِي الأْثْمَانِ؛ إِذْ لَوْ جَوَّزَ لَهُمُ النَّسَاءَ فِيهَا لَدَخَلَهَا «إِمَّا أَنْ تَقْضِيَ وَإِمَّا أَنْ تُرْبِيَ» فَيَصِيرُ الصَّاعُ الْوَاحِدُ لَوْ أُخِذَ قُفْزَانًا كَثِيرَةً، فَفُطِمُوا عَنِ النَّسَاءِ، ثُمَّ فُطِمُوا عَنْ بَيْعِهَا مُتَفَاضِلاً يَدًا بِيَدٍ، إِذْ تَجُرُّهُمْ حَلاَوَةُ الرِّبْحِ وَظَفَرُ الْكَسْبِ إِلَى التِّجَارَةِ فِيهَا نَسَاءً وَهُوَ عَيْنُ الْمَفْسَدَةِ، وَهَذَا بِخِلاَفِ الْجِنْسَيْنِ الْمُتَبَايِنَيْنِ فَإِنَّ حَقَائِقَهُمَا وَصِفَاتِهِمَا وَمَقَاصِدَهُمَا مُخْتَلِفَةٌ، فَفِي إِلْزَامِهِمُ الْمُسَاوَاةَ فِي بَيْعِهَا إِضْرَارٌ بِهِمْ، وَلاَ يَفْعَلُونَهُ، وَفِي تَجْوِيزِ النَّسَاءِ بَيْنَهَا ذَرِيعَةٌ إِلَى «إِمَّا أَنْ تَقْضِيَ وَإِمَّا أَنْ تُرْبِيَ» فَكَانَ مِنْ تَمَامِ رِعَايَةِ مَصَالِحِهِمْ أَنْ قَصَرَهُمْ عَلَى بَيْعِهَا يَدًا بِيَدٍ كَيْفَ شَاءُوا، فَحَصَلَتْ لَهُمُ الْمُبَادَلَةُ، وَانْدَفَعَتْ عَنْهُمْ مَفْسَدَةُ «إِمَّا أَنْ تَقْضِيَ وَإِمَّا أَنْ تُرْبِيَ» وَهَذَا بِخِلاَفِ مَا إِذَا بِيعَتْ بِالدَّرَاهِمِ أَوْ غَيْرِهَا مِنَ الْمَوْزُونَاتِ نَسَاءً فَإِنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إِلَى ذَلِكَ، فَلَوْ مُنِعُوا مِنْهُ لأَضَرَّ بِهِمْ، وَلاَمْتَنَعَ السَّلَمُ الَّذِي هُوَ مِنْ مَصَالِحِهِمْ فِيمَا هُمْ مُحْتَاجُونَ إِلَيْهِ، وَالشَّرِيعَةُ لاَ تَأْتِي بِهَذَا، وَلَيْسَ بِهِمْ حَاجَةٌ فِي بَيْعِ هَذِهِ الأْصْنَافِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ نَسَاءً، وَهُوَ ذَرِيعَةٌ قَرِيبَةٌ إِلَى مَفْسَدَةِ الرِّبَا، فَأُبِيحَ لَهُمْ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ مَا تَدْعُو إِلَيْهِ حَاجَتُهُمْ وَلَيْسَ بِذَرِيعَةٍ إِلَى مَفْسَدَةٍ رَاجِحَةٍ، وَمُنِعُوا مِمَّا لاَ تَدْعُو الْحَاجَةُ إِلَيْهِ وَيُتَذَرَّعُ بِهِ غَالِبًا إِلَى مَفْسَدَةٍ رَاجِحَةٍ.

أَقْسَامُ الرِّبَا:

رِبَا الْبَيْعِ (رِبَا الْفَضْلِ):

12 - وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ فِي الأْعْيَانِ الرِّبَوِيَّةِ، وَالَّذِي عُنِيَ الْفُقَهَاءُ بِتَعْرِيفِهِ وَتَفْصِيلِ أَحْكَامِهِ فِي الْبُيُوعِ، وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي عَدَدِ أَنْوَاعِهِ: فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ نَوْعَانِ:

1 - رِبَا الْفَضْلِ.. وَعَرَّفَهُ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ فَضْلٌ خَالٍ عَنْ عِوَضٍ بِمِعْيَارٍ شَرْعِيٍّ مَشْرُوطٍ لأِحَدِ  الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي الْمُعَاوَضَةِ.

2 - رِبَا النَّسِيئَةِ... وَهُوَ: فَضْلُ الْحُلُولِ عَلَى الأْجَلِ، وَفَضْلُ الْعَيْنِ عَلَى الدَّيْنِ فِي الْمَكِيلَيْنِ أَوِ الْمَوْزُونَيْنِ عِنْدَ اخْتِلاَفِ الْجِنْسِ، أَوْ فِي غَيْرِ الْمَكِيلَيْنِ أَوِ الْمَوْزُونَيْنِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ رِبَا الْبَيْعِ ثَلاَثَةُ أَنْوَاعٍ:

1 - رِبَا الْفَضْلِ.. وَهُوَ الْبَيْعُ مَعَ زِيَادَةِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ عَنِ الآْخَرِ فِي مُتَّحِدِ الْجِنْسِ.

2 - رِبَا الْيَدِ.. وَهُوَ الْبَيْعُ مَعَ تَأْخِيرِ قَبْضِ الْعِوَضَيْنِ أَوْ قَبْضِ أَحَدِهِمَا مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ أَجَلٍ.

3 - رِبَا النَّسَاءِ.. وَهُوَ الْبَيْعُ بِشَرْطِ أَجَلٍ وَلَوْ قَصِيرًا فِي أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ.

وَزَادَ الْمُتَوَلِّي مِنَ الشَّافِعِيَّةِ رِبَا الْقَرْضِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ جَرُّ نَفْعٍ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيُمْكِنُ رَدُّهُ إِلَى رِبَا الْفَضْلِ، وَقَالَ الرَّمْلِيُّ: إِنَّهُ مِنْ رِبَا الْفَضْلِ، وَعَلَّلَ الشَّبْرَامَلِّسِيُّ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: إِنَّمَا جُعِلَ رِبَا الْقَرْضِ مِنْ رِبَا الْفَضْلِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ - يَعْنِي الْبَيْعَ -؛ لأِنَّهُ لَمَّا شَرَطَ نَفْعًا لِلْمُقْرِضِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ أَنَّهُ بَاعَ مَا أَقْرَضَهُ بِمَا يَزِيدُ عَلَيْهِ مِنْ جِنْسِهِ فَهُوَ مِنْهُ حُكْمًا.

رِبَا النَّسِيئَةِ:

13 - وَهُوَ الزِّيَادَةُ فِي الدَّيْنِ نَظِيرَ الأْجَلِ أَوِ الزِّيَادَةِ فِيهِ وَسُمِّيَ هَذَا النَّوْعُ مِنَ الرِّبَا رِبَا النَّسِيئَةِ مِنْ أَنْسَأْتُهُ الدَّيْنَ: أَخَّرْتُهُ - لأِنَّ  الزِّيَادَةَ فِيهِ مُقَابِلُ الأْجَلِ أَيًّا كَانَ سَبَبُ الدَّيْنِ بَيْعًا كَانَ أَوْ قَرْضًا.

وَسُمِّيَ رِبَا الْقُرْآنِ؛ لأِنَّهُ حُرِّمَ بِالْقُرْآنِ الْكَرِيمِ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً ).

ثُمَّ أَكَّدَتِ السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ تَحْرِيمَهُ فِي خُطْبَةِ الْوَدَاعِ وَفِي أَحَادِيثَ أُخْرَى.

ثُمَّ انْعَقَدَ إِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى تَحْرِيمِهِ.

وَسُمِّيَ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ، لأِنَّ  تَعَامُلَ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ بِالرِّبَا لَمْ يَكُنْ إِلاَّ بِهِ كَمَا قَالَ الْجَصَّاصُ.

وَالرِّبَا الَّذِي كَانَتِ الْعَرَبُ تَعْرِفُهُ وَتَفْعَلُهُ إِنَّمَا كَانَ قَرْضَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ إِلَى أَجَلٍ بِزِيَادَةٍ عَلَى مِقْدَارِ مَا اسْتَقْرَضَ عَلَى مَا يَتَرَاضَوْنَ بِهِ.

وَسُمِّيَ أَيْضًا الرِّبَا الْجَلِيَّ، قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: الْجَلِيُّ: رِبَا النَّسِيئَةِ، وَهُوَ الَّذِي كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، مِثْلَ أَنْ يُؤَخِّرَ دَيْنَهُ وَيَزِيدَهُ فِي الْمَالِ، وَكُلَّمَا أَخَّرَهُ زَادَهُ فِي الْمَالِ حَتَّى تَصِيرَ الْمِائَةُ عِنْدَهُ آلاَفًا مُؤَلَّفَةً..

14 - وَرِبَا الْفَضْلِ يَكُونُ بِالتَّفَاضُلِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنْ أَمْوَالِ الرِّبَا إِذَا بِيعَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ، كَبَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ نَقْدًا، أَوْ بَيْعِ صَاعِ قَمْحٍ بِصَاعَيْنِ مِنَ الْقَمْحِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.

وَيُسَمَّى رِبَا الْفَضْلِ لِفَضْلِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ عَلَى الآْخَرِ، وَإِطْلاَقُ التَّفَاضُلِ عَلَى الْفَضْلِ مِنْ بَابِ الْمَجَازِ، فَإِنَّ الْفَضْلَ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ دُونَ الآْخَرِ.

وَيُسَمَّى رِبَا النَّقْدِ فِي مُقَابَلَةِ رِبَا النَّسِيئَةِ:

وَيُسَمَّى الرِّبَا الْخَفِيَّ، قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: الرِّبَا نَوْعَانِ: جَلِيٌّ وَخَفِيٌّ، فَالْجَلِيُّ حُرِّمَ، لِمَا فِيهِ مِنَ الضَّرَرِ الْعَظِيمِ، وَالْخَفِيُّ حُرِّمَ، لأِنَّهُ ذَرِيعَةٌ إِلَى الْجَلِيِّ، فَتَحْرِيمُ الأَْوَّلِ قَصْدًا، وَتَحْرِيمُ الثَّانِي لأِنَّهُ وَسِيلَةٌ، فَأَمَّا الْجَلِيُّ فَرِبَا النَّسِيئَةِ وَهُوَ الَّذِي كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ.

وَأَمَّا رِبَا الْفَضْلِ فَتَحْرِيمُهُ مِنْ بَابِ سَدِّ الذَّرَائِعِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله تعالي عنه عَنِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «لاَ تَبِيعُوا الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمُ الرَّمَاءَ» وَالرَّمَاءُ هُوَ الرِّبَا، فَمَنَعَهُمْ مِنْ رِبَا الْفَضْلِ لِمَا يَخَافُهُ عَلَيْهِمْ مِنْ رِبَا النَّسِيئَةِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ إِذَا بَاعُوا دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ - وَلاَ يُفْعَلُ هَذَا إِلاَّ لِلتَّفَاوُتِ الَّذِي بَيْنَ النَّوْعَيْنِ - إِمَّا فِي الْجَوْدَةِ، وَإِمَّا فِي السِّكَّةِ، وَإِمَّا فِي الثِّقَلِ وَالْخِفَّةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ - تَدَرَّجُوا بِالرِّبْحِ الْمُعَجَّلِ فِيهَا إِلَى الرِّبْحِ الْمُؤَخَّرِ وَهُوَ عَيْنُ رِبَا النَّسِيئَةِ، وَهَذَا ذَرِيعَةٌ قَرِيبَةٌ جِدًّا، فَمِنْ حِكْمَةِ الشَّارِعِ أَنْ سَدَّ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الذَّرِيعَةَ، وَهِيَ تَسُدُّ عَلَيْهِمْ بَابَ الْمَفْسَدَةِ.

أَثَرُ الرِّبَا فِي الْعُقُودِ:

15 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْعَقْدَ الَّذِي يُخَالِطُهُ الرِّبَا مَفْسُوخٌ لاَ يَجُوزُ بِحَالٍ، وَأَنَّ مَنْ أَرْبَى يُنْقَضُ عَقْدُهُ وَيُرَدُّ فِعْلُهُ وَإِنْ كَانَ جَاهِلاً؛ لأِنَّهُ فَعَلَ مَا حَرَّمَهُ الشَّارِعُ وَنَهَى عَنْهُ، وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ وَالْفَسَادَ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم«مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» وَلِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله تعالي عنه قَالَ: «جَاءَ بِلاَلٌ - رضي الله تعالي عنه - بِتَمْرٍ بَرْنِيٍّ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلممِنْ أَيْنَ هَذَا؟ فَقَالَ بِلاَلٌ: مِنْ تَمْرٍ كَانَ عِنْدَنَا رَدِيءٍ، فَبِعْتُ مِنْهُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ لِمَطْعَمِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم عِنْدَ ذَلِكَ: أَوَّهْ عَيْنُ الرِّبَا، لاَ تَفْعَلْ، وَلَكِنْ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَشْتَرِيَ التَّمْرَ فَبِعْهُ بِبَيْعٍ آخَرَ ثُمَّ اشْتَرِ بِهِ» فَقَوْلُهُ صلي الله عليه وسلم: «أَوَّهْ عَيْنُ الرِّبَا» أَيْ هُوَ الرِّبَا الْمُحَرَّمُ نَفْسُهُ لاَ مَا يُشْبِهُهُ، وَقَوْلُهُ: «فَهُوَ رَدٌّ» يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ فَسْخِ صَفْقَةِ الرِّبَا وَأَنَّهَا لاَ تَصِحُّ بِوَجْهٍ.

وَرَوَى مُسْلِمٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا: رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ».

وَقَالَ عَنْهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَوْلُهُ: الْمُرَادُ بِالْوَضْعِ الرَّدُّ وَالإْبْطَالُ.

وَفَصَّلَ ابْنُ رُشْدٍ فَقَالَ: مَنْ بَاعَ بَيْعًا أَرْبَى فِيهِ غَيْرَ مُسْتَحِلٍّ لِلرِّبَا فَعَلَيْهِ الْعُقُوبَةُ الْمُوجِعَةُ إِنْ لَمْ يُعْذَرْ بِجَهْلٍ، وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ مَا كَانَ قَائِمًا، وَالْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم أَمَرَ السَّعْدَيْنِ أَنْ يَبِيعَا آنِيَةً مِنَ الْمَغَانِمِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، فَبَاعَا كُلَّ ثَلاَثَةٍ بِأَرْبَعَةٍ عَيْنًا، أَوْ كُلَّ أَرْبَعَةٍ بِثَلاَثَةٍ عَيْنًا، فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلمأَرْبَيْتُمَا فَرُدَّا».

فَإِنْ فَاتَ الْبَيْعُ فَلَيْسَ لَهُ إِلاَّ رَأْسُ مَالِهِ قَبَضَ الرِّبَا أَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ، فَإِنْ كَانَ قَبَضَهُ رَدَّهُ إِلَى صَاحِبِهِ، وَكَذَلِكَ مَنْ أَرْبَى ثُمَّ تَابَ فَلَيْسَ لَهُ إِلاَّ رَأْسُ مَالِهِ، وَمَا قَبَضَ مِنَ الرِّبَا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُ إِلَى مَنْ قَبَضَهُ مِنْهُ، وَأَمَّا مَنْ أَسْلَمَ وَلَهُ رِبًا، فَإِنْ كَانَ قَبَضَهُ فَهُوَ لَهُ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ  : (فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ ) وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم: «مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ لَهُ» وَأَمَّا إِنْ كَانَ لَمْ يَقْبِضِ الرِّبَا فَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ وَهُوَ مَوْضُوعٌ عَنِ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ، وَلاَ خِلاَفَ فِي هَذَا أَعْلَمُهُ.

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: اشْتِرَاطُ الرِّبَا فِي الْبَيْعِ مُفْسِدٌ لِلْبَيْعِ، لَكِنَّهُمْ يُفَرِّقُونَ فِي الْمُعَامَلاَتِ بَيْنَ الْفَاسِدِ وَالْبَاطِلِ، فَيُمْلَكُ الْمَبِيعُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بِالْقَبْضِ، وَلاَ يُمْلَكُ فِي الْبَيْعِ الْبَاطِلِ بِالْقَبْضِ، يَقُولُ ابْنُ عَابِدِينَ: الْفَسَادُ وَالْبُطْلاَنُ فِي الْعِبَادَاتِ سِيَّانِ، أَمَّا فِي الْمُعَامَلاَتِ فَإِنْ لَمْ يَتَرَتَّبْ أَثَرُ الْمُعَامَلَةِ عَلَيْهَا فَهُوَ الْبُطْلاَنُ، وَإِنْ تَرَتَّبَ فَإِنْ كَانَ مَطْلُوبَ التَّفَاسُخِ شَرْعًا فَهُوَ الْفَسَادُ، وَإِلاَّ فَهُوَ الصِّحَّةُ.

وَالْبَيْعُ الرِّبَوِيُّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مِنَ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ، وَحُكْمُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْعِوَضَ يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ وَيَجِبُ رَدُّهُ لَوْ قَائِمًا، وَرَدُّ مِثْلِهِ أَوْ قِيمَتِهِ لَوْ مُسْتَهْلَكًا، وَعَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ رَدُّ الزِّيَادَةِ الرِّبَوِيَّةِ لَوْ قَائِمَةً، لاَ رَدُّ ضَمَانِهَا، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَحَاصِلُهُ أَنَّ فِيهِ حَقَّيْنِ، حَقَّ الْعَبْدِ وَهُوَ رَدُّ عَيْنِهِ لَوْ قَائِمًا وَمِثْلِهِ لَوْ هَالِكًا، وَحَقَّ الشَّرْعِ وَهُوَ رَدُّ عَيْنِهِ لِنَقْضِ الْعَقْدِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ شَرْعًا، وَبَعْدَ الاِسْتِهْلاَكِ لاَ يَتَأَتَّى رَدُّ عَيْنِهِ فَتَعَيَّنَ رَدُّ الْمِثْلِ وَهُوَ مَحْضُ حَقِّ الْعَبْدِ، ثُمَّ إِنَّ رَدَّ عَيْنِهِ لَوْ قَائِمًا فِيمَا لَوْ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى الزَّائِدِ، أَمَّا لَوْ بَاعَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَزَادَهُ دَانِقًا هِبَةً مِنْهُ فَإِنَّهُ لاَ يُفْسِدُ الْعَقْدَ.

الْخِلاَفُ فِي رِبَا الْفَضْلِ:

16 - أَطْبَقَتِ الأْمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ فِي بَيْعِ الرِّبَوِيَّاتِ إِذَا اجْتَمَعَ التَّفَاضُلُ مَعَ النَّسَاءِ، وَأَمَّا إِذَا انْفَرَدَ نَقْدًا فَإِنَّهُ كَانَ فِيهِ خِلاَفٌ قَدِيمٌ: صَحَّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنهم إِبَاحَتُهُ، وَكَذَلِكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما مَعَ رُجُوعِهِ عَنْهُ، وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنهم، وَفِيهِ عَنْ مُعَاوِيَةَ رضي الله تعالي عنه شَيْءٌ مُحْتَمَلٌ، وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنهما مِنَ الصَّحَابَةِ، وَأَمَّا التَّابِعُونَ: فَصَحَّ ذَلِكَ أَيْضًا عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَفُقَهَاءِ الْمَكِّيِّينَ، وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدٍ وَعُرْوَةَ.

انْقِرَاضُ الْخِلاَفِ فِي رِبَا الْفَضْلِ وَدَعْوَى الإْجْمَاعِ عَلَى تَحْرِيمِهِ:

17 - نَقَلَ النَّوَوِيُّ عَنِ ابْنِ الْمُنْذِرِ أَنَّهُ قَالَ: أَجْمَعَ عُلَمَاءُ الأْمْصَارِ: مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَالأْوْزَاعِيُّ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدِ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ، وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ، وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ بَيْعُ ذَهَبٍ بِذَهَبٍ، وَلاَ فِضَّةٍ بِفِضَّةٍ، وَلاَ بُرٍّ بِبُرٍّ، وَلاَ شَعِيرٍ بِشَعِيرٍ، وَلاَ تَمْرٍ بِتَمْرٍ، وَلاَ مِلْحٍ بِمِلْحٍ، مُتَفَاضِلاً يَدًا بِيَدٍ، وَلاَ نَسِيئَةً، وَأَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَرْبَى وَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ، قَالَ: وَقَدْ رَوَيْنَا هَذَا الْقَوْلَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم وَجَمَاعَةٍ يَكْثُرُ عَدَدُهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ.

وَنَاقَشَ السُّبْكِيُّ دَعْوَى الإْجْمَاعِ مِنْ عِدَّةِ وُجُوهٍ، وَانْتَهَى إِلَى الْقَوْلِ: فَعَلَى هَذَا امْتَنَعَ دَعْوَى الإْجْمَاعِ فِي تَحْرِيمِ رِبَا الْفَضْلِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، لَكِنَّا بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى مُسْتَغْنُونَ عَنِ الإْجْمَاعِ فِي ذَلِكَ بِالنُّصُوصِ الصَّحِيحَةِ الْمُتَضَافِرَةِ، وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إِلَى الإْجْمَاعِ فِي مَسْأَلَةٍ خَفِيَّةٍ سَنَدُهَا قِيَاسٌ أَوِ اسْتِنْبَاطٌ دَقِيقٌ.

الأْحَادِيثُ الدَّالَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ رِبَا الْفَضْلِ:

18 - رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي تَحْرِيمِ رِبَا الْفَضْلِ

مِنْهَا: مَا رَوَى عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «لاَ تَبِيعُوا الدِّينَارَ بِالدِّينَارَيْنِ وَلاَ الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ».

وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله تعالي عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم: «الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ، لاَ فَضْلَ بَيْنَهُمَا، فَمَنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ بِوَرِقٍ، فَلْيَصْرِفْهَا بِذَهَبٍ، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ بِذَهَبٍ فَلْيَصْرِفْهَا بِوَرِقٍ، وَالصَّرْفُ هَاءَ وَهَاءَ».

وَمَا رَوَى عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ رضي الله تعالي عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلاً بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأْصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ».

وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ» فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: مِثْلُ هَذَا يُرَادُ بِهِ حَصْرُ الْكَمَالِ وَأَنَّ الرِّبَا الْكَامِلَ إِنَّمَا هُوَ فِي النَّسِيئَةِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْإِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) وَكَقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ: إِنَّمَا الْعَالِمُ الَّذِي يَخْشَى اللَّهَ، وَمِثْلُهُ عِنْدَ ابْنِ حَجَرٍ، قَالَ: قِيلَ الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ: «لاَ رِبًا إِلاَّ فِي النَّسِيئَةِ» الرِّبَا الأَْغْلَظُ الشَّدِيدُ التَّحْرِيمِ الْمُتَوَعَّدُ عَلَيْهِ بِالْعِقَابِ الشَّدِيدِ، كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ: لاَ عَالِمَ فِي الْبَلَدِ إِلاَّ زَيْدٌ مَعَ أَنَّ فِيهَا عُلَمَاءَ غَيْرَهُ، وَإِنَّمَا الْقَصْدُ نَفْيُ الأْكْمَلِ لاَ نَفْيُ الأْصْلِ.

وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ: يُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ مَفْهُومَ حَدِيثِ أُسَامَةَ عَامٌّ؛ لأِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ رِبَا الْفَضْلِ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ سَوَاءٌ أَكَانَ مِنَ الأْجْنَاسِ الرِّبَوِيَّةِ أَمْ لاَ، فَهُوَ أَعَمُّ مِنْهَا مُطْلَقًا، فَيُخَصَّصُ هَذَا الْمَفْهُومُ بِمَنْطُوقِهَا.

الأْجْنَاسُ الَّتِي نُصَّ عَلَى تَحْرِيمِ الرِّبَا فِيهَا:

19 - الأْجْنَاسُ الَّتِي نُصَّ عَلَى تَحْرِيمِ الرِّبَا فِيهَا سِتَّةٌ وَهِيَ: الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَالْبُرُّ وَالشَّعِيرُ وَالتَّمْرُ وَالْمِلْحُ، وَقَدْ وَرَدَ النَّصُّ عَلَيْهَا فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ، مِنْ أَتَمِّهَا حَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ السَّابِقُ.

قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى الْقَوْلِ بِمُقْتَضَى هَذِهِ السُّنَّةِ، وَعَلَيْهَا جَمَاعَةُ فُقَهَاءِ الْمُسْلِمِينَ، إِلاَّ فِي الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ فَإِنَّ مَالِكًا جَعَلَهُمَا صِنْفًا وَاحِدًا، فَلاَ يَجُوزُ مِنْهُمَا اثْنَانِ بِوَاحِدٍ، وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ وَالأْوْزَاعِيِّ وَمُعْظَمِ عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ، وَأَضَافَ مَالِكٌ إِلَيْهِمَا السُّلْتَ.

وَاتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ رِبَا الْفَضْلِ لاَ يَجْرِي إِلاَّ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ، وَلاَ يَجْرِي فِي الْجِنْسَيْنِ وَلَوْ تَقَارَبَا لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم: «بِيعُوا الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ».

وَخَالَفَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ فَقَالَ: كُلُّ شَيْئَيْنِ يَتَقَارَبُ الاِنْتِفَاعُ بِهِمَا لاَ يَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالآْخَرِ مُتَفَاضِلاً، كَالْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ بِالزَّبِيبِ، لأِنَّهُمَا يَتَقَارَبُ نَفْعُهُمَا فَجَرَيَا مَجْرَى نَوْعَيِ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ.

الاِخْتِلاَفُ فِي غَيْرِ هَذِهِ الأْجْنَاسِ:

20 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا سِوَى الأْجْنَاسِ السِّتَّةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله تعالي عنه، وَفِي غَيْرِهِ مِنَ الأْحَادِيثِ، هَلْ يَحْرُمُ الرِّبَا فِيهَا كَمَا يَحْرُمُ فِي هَذِهِ الأْجْنَاسِ السِّتَّةِ أَمْ لاَ يَحْرُمُ؟.

فَذَهَبَ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ تَحْرِيمَ الرِّبَا لاَ يَقْتَصِرُ عَلَى الأْجْنَاسِ السِّتَّةِ، بَلْ يَتَعَدَّى إِلَى مَا فِي مَعْنَاهَا، وَهُوَ مَا وُجِدَتْ فِيهِ الْعِلَّةُ الَّتِي هِيَ سَبَبُ التَّحْرِيمِ فِي الأْجْنَاسِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْحَدِيثِ؛ لأِنَّ  ثُبُوتَ الرِّبَا فِيهَا بِعِلَّةٍ، فَيَثْبُتُ فِي كُلِّ مَا وُجِدَتْ فِيهِ الْعِلَّةُ الَّتِي هِيَ سَبَبُ التَّحْرِيمِ؛ لأِنَّ  الْقِيَاسَ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ، فَتُسْتَخْرَجُ عِلَّةُ الْحُكْمِ وَيَثْبُتُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وُجِدَتْ عِلَّتُهُ فِيهِ.

وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ وَإِسْحَاقَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيَّ رَوَيَا حَدِيثَ تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي الأْعْيَانِ السِّتَّةِ وَفِي آخِرِهِ «وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يُكَالُ وَيُوزَنُ» فَهُوَ تَنْصِيصٌ عَلَى تَعْدِيَةِ الْحُكْمِ إِلَى سَائِرِ الأْمْوَالِ، وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «لاَ تَبِيعُوا الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ وَلاَ الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ فَإِنِّي أَخْشَى عَلَيْكُمُ الرَّمَا» أَيِ الرِّبَا، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ عَيْنَ الصَّاعِ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ الصَّاعِ، كَمَا يُقَالُ خُذْ هَذَا الصَّاعَ أَيْ مَا فِيهِ، وَوَهَبْتُ لِفُلاَنٍ صَاعًا أَيْ مِنَ الطَّعَامِ.

وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم بَعَثَ أَخَا بَنِي عَدِيٍّ الأْنْصَارِيَّ فَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى خَيْبَرَ، فَقَدِمَ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلمأَكُلُّ تَمْرَ خَيْبَرَ هَكَذَا؟ قَالَ: لاَ، وَاللَّهِ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا لَنَشْتَرِي الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ مِنَ الْجَمْعِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم : «لاَ تَفْعَلُوا، وَلَكِنْ مِثْلاً بِمِثْلٍ، أَوْ بِيعُوا هَذَا وَاشْتَرُوا بِثَمَنِهِ مِنْ هَذَا، وَكَذَلِكَ الْمِيزَانُ».

يَعْنِي مَا يُوزَنُ بِالْمِيزَانِ، فَتَبَيَّنَ بِهَذِهِ الآْثَارِ قِيَامُ الدَّلِيلِ عَلَى تَعْدِيَةِ الْحُكْمِ مِنَ الأْشْيَاءِ السِّتَّةِ إِلَى غَيْرِهَا. وَكَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ مَالَ الرِّبَا سِتَّةُ أَشْيَاءَ، وَلَكِنْ ذَكَرَ حُكْمَ الرِّبَا فِي الأْشْيَاءِ السِّتَّةِ.

وَفَائِدَةُ تَخْصِيصِ هَذِهِ الأْجْنَاسِ السِّتَّةِ بِالذِّكْرِ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ عَامَّةَ الْمُعَامَلاَتِ يَوْمَئِذٍ كَانَتْ بِهَا عَلَى مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «كُنَّا فِي الْمَدِينَةِ نَبِيعُ الأْوْسَاقَ وَنَبْتَاعُهَا» وَالْمُرَادُ بِهِ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَسْقِ مِمَّا تَكْثُرُ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ وَهِيَ الأْجْنَاسُ الْمَذْكُورَةُ.

وَحُكِيَ عَنْ طَاوُسٍ وَمَسْرُوقٍ وَالشَّعْبِيِّ وَقَتَادَةَ وَعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ وَنُفَاةِ الْقِيَاسِ أَنَّهُمْ قَصَرُوا التَّحْرِيمَ عَلَى الأْجْنَاسِ الْمَنْصُوصِ عَلَى تَحْرِيمِ الرِّبَا فِيهَا، وَقَالُوا إِنَّ التَّحْرِيمَ لاَ يَجْرِي فِي غَيْرِهَا بَلْ إِنَّهُ عَلَى أَصْلِ الإْبَاحَةِ، وَمِمَّا احْتَجُّوا بِهِ 

أَنَّ الشَّارِعَ خَصَّ مِنَ الْمَكِيلاَتِ وَالْمَطْعُومَاتِ وَالأْقْوَاتِ أَرْبَعَةَ أَشْيَاءَ، فَلَوْ كَانَ الْحُكْمُ ثَابِتًا فِي كُلِّ الْمَكِيلاَتِ أَوْ فِي كُلِّ الْمَطْعُومَاتِ لَقَالَ: لاَ تَبِيعُوا الْمَكِيلَ بِالْمَكِيلِ مُتَفَاضِلاً أَوْ: لاَ تَبِيعُوا الْمَطْعُومَ بِالْمَطْعُومِ مُتَفَاضِلاً، فَإِنَّ هَذَا الْكَلاَمَ يَكُونُ أَشَدَّ اخْتِصَارًا وَأَكْثَرَ فَائِدَةً، فَلَمَّا لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ وَعَدَّ الأْرْبَعَةَ عَلِمْنَا أَنَّ حُكْمَ الْحُرْمَةِ مَقْصُورٌ عَلَيْهَا. وَأَنَّ التَّعْدِيَةَ مِنْ مَحَلِّ النَّصِّ إِلَى غَيْرِ مَحَلِّ النَّصِّ لاَ تُمْكِنُ إِلاَّ بِوَاسِطَةِ تَعْلِيلِ الْحُكْمِ فِي مَوْرِدِ النَّصِّ وَهُوَ عِنْدَ نُفَاةِ الْقِيَاسِ غَيْرُ جَائِزٍ.

عِلَّةُ تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي الأْجْنَاسِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا:

21 - اتَّفَقَ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ تَحْرِيمَ الرِّبَا فِي الأْجْنَاسِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا إِنَّمَا هُوَ لِعِلَّةٍ، وَأَنَّ الْحُكْمَ بِالتَّحْرِيمِ يَتَعَدَّى إِلَى مَا تَثْبُتُ فِيهِ هَذِهِ الْعِلَّةُ، وَأَنَّ عِلَّةَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَاحِدَةٌ، وَعِلَّةَ الأْجْنَاسِ الأْرْبَعَةِ الأْخْرَى وَاحِدَةٌ.. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي تِلْكَ الْعِلَّةِ.

22 - فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: الْعِلَّةُ: الْجِنْسُ وَالْقَدْرُ، وَقَدْ عُرِفَ الْجِنْسُ بِقَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ» وَعُرِفَ الْقَدْرُ بِقَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم: «مِثْلاً بِمِثْلٍ» وَيَعْنِي بِالْقَدْرِ الْكَيْلَ فِيمَا يُكَالُ وَالْوَزْنَ فِيمَا يُوزَنُ لِقَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم «وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا يُكَالُ وَيُوزَنُ»،، وَقَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم: «لاَ تَبِيعُوا الصَّاعَ بِالصَّاعَيْنِ»،، وَهَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ مَكِيلٍ سَوَاءٌ أَكَانَ مَطْعُومًا أَمْ لَمْ يَكُنْ، وَلأِنَّ  الْحُكْمَ مُتَعَلِّقٌ بِالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ إِمَّا إِجْمَاعًا (أَيْ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ) أَوْ؛ لأِنَّ  التَّسَاوِيَ حَقِيقَةً لاَ يُعْرَفُ إِلاَّ بِهِمَا، وَجَعْلُ الْعِلَّةِ مَا هُوَ مُتَعَلِّقُ الْحُكْمِ إِجْمَاعًا أَوْ هُوَ مُعَرِّفٌ لِلتَّسَاوِي حَقِيقَةً أَوْلَى مِنَ الْمَصِيرِ إِلَى مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَلاَ يُعْرَفُ التَّسَاوِي حَقِيقَةً فِيهِ؛ وَلأِنَّ  التَّسَاوِيَ وَالْمُمَاثَلَةَ شَرْطٌ لِقَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم «مِثْلاً بِمِثْلٍ»، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ «سَوَاءً بِسَوَاءٍ» أَوْ صِيَانَةً لأِمْوَالِ النَّاسِ، وَالْمُمَاثَلَةُ بِالصُّورَةِ وَالْمَعْنَى أَتَمُّ، وَذَلِكَ فِيمَا ذُكِرَ؛ لأِنَّ  الْكَيْلَ وَالْوَزْنَ يُوجِبُ الْمُمَاثَلَةَ صُورَةً، وَالْجِنْسُ يُوجِبُهَا مَعْنًى، فَكَانَ أَوْلَى.

23 - وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: عِلَّةُ الرِّبَا فِي النُّقُودِ مُخْتَلَفٌ فِيهَا، فَقِيلَ: غَلَبَةُ الثَّمَنِيَّةِ، وَقِيلَ: مُطْلَقُ الثَّمَنِيَّةِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ عِلَّةُ الرِّبَا فِي النُّقُودِ مَا ذُكِرَ؛ لأِنَّهُ لَوْ لَمْ يُمْنَعِ الرِّبَا فِيهَا لأَدَّى ذَلِكَ إِلَى قِلَّتِهَا فَيَتَضَرَّرُ النَّاسُ.

وَعِلَّةُ رِبَا الْفَضْلِ فِي الطَّعَامِ الاِقْتِيَاتُ وَالاِدِّخَارُ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَقَوْلُ الأْكْثَرِ وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَالاِقْتِيَاتُ مَعْنَاهُ قِيَامُ بِنْيَةِ الآْدَمِيِّ بِهِ - أَيْ حِفْظُهَا وَصِيَانَتُهَا - بِحَيْثُ لاَ تَفْسُدُ بِالاِقْتِصَارِ عَلَيْهِ، وَفِي مَعْنَى الاِقْتِيَاتِ إِصْلاَحُ الْقُوتِ كَمِلْحٍ وَتَوَابِلَ، وَمَعْنَى الاِدِّخَارِ عَدَمُ فَسَادِهِ بِالتَّأْخِيرِ إِلَى الأْجَلِ الْمُبْتَغَى مِنْهُ عَادَةً، وَلاَ حَدَّ لَهُ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ بَلْ هُوَ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ، فَالْمَرْجِعُ فِيهِ لِلْعُرْفِ، وَلاَ بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ الاِدِّخَارُ مُعْتَادًا، وَلاَ عِبْرَةَ بِالاِدِّخَارِ لاَ عَلَى وَجْهِ الْعَادَةِ.

وَإِنَّمَا كَانَ الاِقْتِيَاتُ وَالاِدِّخَارُ عِلَّةَ حُرْمَةِ الرِّبَا فِي الطَّعَامِ لِخَزْنِ النَّاسِ لَهُ حِرْصًا عَلَى طَلَبِ وُفُورِ الرِّبْحِ فِيهِ لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ.

وَعِلَّةُ رِبَا النَّسَاءِ مُجَرَّدُ الطَّعْمِ عَلَى وَجْهِ التَّدَاوِي، فَتَدْخُلُ الْفَاكِهَةُ وَالْخُضَرُ كَبِطِّيخٍ وَقِثَّاءٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

24 - وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْعِلَّةَ فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كَوْنُهُمَا جِنْسَ الأْثْمَانِ غَالِبًا - كَمَا نَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ - وَيُعَبَّرُ عَنْهَا بِجِنْسِيَّةِ الأْثْمَانِ غَالِبًا أَوْ بِجَوْهَرِيَّةِ الأْثْمَانِ غَالِبًا، وَهَذِهِ عِلَّةٌ قَاصِرَةٌ عَلَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لاَ تَتَعَدَّاهُمَا إِذْ لاَ تُوجَدُ فِي غَيْرِهِمَا، فَتَحْرِيمُ الرِّبَا فِيهِمَا لَيْسَ لِمَعْنًى يَتَعَدَّاهُمَا إِلَى غَيْرِهِمَا مِنَ الأْمْوَالِ؛ لأِنَّهُ لَوْ كَانَ لِمَعْنًى يَتَعَدَّاهُمَا إِلَى غَيْرِهِمَا لَمْ يَجُزْ إِسْلاَمُهُمَا فِيمَا سِوَاهُمَا مِنَ الأْمْوَالِ؛ لأِنَّ  كُلَّ شَيْئَيْنِ جَمَعَتْهُمَا عِلَّةٌ وَاحِدَةٌ فِي الرِّبَا لاَ يَجُوزُ إِسْلاَمُ أَحَدِهِمَا فِي الآْخَرِ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ، فَلَمَّا جَازَ إِسْلاَمُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي الْمَوْزُونَاتِ وَالْمَكِيلاَتِ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الأْمْوَالِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ فِيهِمَا لِمَعْنًى لاَ يَتَعَدَّاهُمَا وَهُوَ أَنَّهُمَا مِنْ جِنْسِ الأْثْمَانِ.

وَذُكِرَ لَفْظُ «غَالِبًا» فِي بَيَانِ عِلَّةِ تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِلاِحْتِرَازِ مِنَ الْفُلُوسِ إِذَا رَاجَتْ رَوَاجَ النُّقُودِ، فَإِنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ ثَمَنًا فِي بَعْضِ الْبِلاَدِ فَلَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الأْثْمَانِ غَالِبًا، وَيَدْخُلُ فِيمَا يَجْرِي فِيهِ الرِّبَا الأْوَانِي وَالتِّبْرُ وَنَحْوُهُمَا مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ.

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَقُولُ: الْعِلَّةُ كَوْنُهُمَا قِيَمَ الْمُتْلَفَاتِ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ جَمَعَهُمَا، قَالَ: وَكُلُّهُ قَرِيبٌ.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ: جَزَمَ الشِّيرَازِيُّ فِي التَّنْبِيهِ أَنَّ الْعِلَّةَ كَوْنُهُمَا قِيَمَ الأْشْيَاءِ، وَأَنْكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ عَلَى مَنْ قَالَهُ؛ لأِنَّ  الأْوَانِيَ وَالتِّبْرَ وَالْحُلِيَّ يَجْرِي فِيهَا الرِّبَا، وَلَيْسَتْ مِمَّا يَقُومُ بِهَا، وَلَنَا وَجْهٌ ضَعِيفٌ غَرِيبٌ أَنَّ تَحْرِيمَ الرِّبَا فِيهِمَا بِعَيْنِهِمَا لاَ لِعِلَّةٍ، حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ.

وَمَا سِوَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مِنَ الْمَوْزُونَاتِ كَالْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ وَالْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ وَالصُّوفِ وَالْغَزْلِ وَغَيْرِهَا.. لاَ رِبَا فِيهَا، فَيَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلاً وَمُؤَجَّلاً.

وَالْعِلَّةُ فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي الأْجْنَاسِ الأْرْبَعَةِ وَهِيَ الْبُرُّ وَالشَّعِيرُ وَالتَّمْرُ وَالْمِلْحُ أَنَّهَا مَطْعُومَةٌ، وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ، وَالدَّلِيلُ مَا رَوَى مَعْمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلاً بِمِثْلٍ» فَقَدْ عَلَّقَ الْحُكْمَ بِالطَّعَامِ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الْمَطْعُومِ، وَالْمُعَلَّقُ بِالْمُشْتَقِّ مُعَلَّلٌ بِمَا مِنْهُ الاِشْتِقَاقُ كَالْقَطْعِ وَالْجَلْدِ الْمُعَلَّقَيْنِ بِالسَّارِقِ وَالزَّانِي. وَلأِنَّ  الْحَبَّ مَا دَامَ مَطْعُومًا يَحْرُمُ فِيهِ الرِّبَا، فَإِذَا زُرِعَ وَخَرَجَ عَنْ أَنْ يَكُونَ مَطْعُومًا لَمْ يَحْرُمْ فِيهِ الرِّبَا، فَإِذَا انْعَقَدَ الْحَبُّ وَصَارَ مَطْعُومًا حَرُمَ فِيهِ الرِّبَا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ فِيهِ كَوْنُهُ مَطْعُومًا، فَعَلَى هَذَا يَحْرُمُ الرِّبَا فِي كُلِّ مَا يُطْعَمُ.

وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي الأْجْنَاسِ الأْرْبَعَةِ أَنَّهَا مَطْعُومَةٌ مَكِيلَةٌ أَوْ مَطْعُومَةٌ مَوْزُونَةٌ، وَعَلَيْهِ فَلاَ يَحْرُمُ الرِّبَا إِلاَّ فِي مَطْعُومٍ يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ.

وَالْجَدِيدُ هُوَ الأْظْهَرُ، وَتَفْرِيعُ الشَّافِعِيِّ وَالأْصْحَابِ عَلَيْهِ، قَالُوا: الْمُرَادُ بِالْمَطْعُومِ مَا قُصِدَ لِطَعْمِ الآْدَمِيِّ غَالِبًا، بِأَنْ يَكُونَ أَظْهَرُ مَقَاصِدِهِ الطَّعْمَ وَإِنْ لَمْ يُؤْكَلْ إِلاَّ نَادِرًا، وَالطَّعْمُ يَكُونُ اقْتِيَاتًا أَوْ تَفَكُّهًا أَوْ تَدَاوِيًا، وَالثَّلاَثَةُ تُؤْخَذُ مِنْ حَدِيثِ الأْجْنَاسِ السِّتَّةِ، فَإِنَّهُ نُصَّ فِيهِ عَلَى الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُمَا التَّقَوُّتُ، فَأُلْحِقَ بِهِمَا مَا فِي مَعْنَاهُمَا كَالأْرْزِ وَالذُّرَةِ، وَنُصَّ فِيهِ عَلَى التَّمْرِ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ التَّفَكُّهُ وَالتَّأَدُّمُ، فَأُلْحِقَ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ كَالتِّينِ وَالزَّبِيبِ، وَنُصَّ فِيهِ عَلَى الْمِلْحِ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ الإْصْلاَحُ، فَأُلْحِقَ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ كَالْمُصْطَكَى وَالسَّقَمُونْيَا وَالزَّنْجَبِيلِ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ مَا يُصْلِحُ الْغِذَاءَ وَمَا يُصْلِحُ الْبَدَنَ، فَالأْغْذِيَةُ لِحِفْظِ الصِّحَّةِ وَالأْدْوِيَةُ لِرَدِّ الصِّحَّةِ.

25 - وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي عِلَّةِ تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي الأْجْنَاسِ السِّتَّةِ ثَلاَثُ رِوَايَاتٍ: أَشْهَرُهَا أَنَّ عِلَّةَ الرِّبَا فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كَوْنُهُمَا مَوْزُونَيْ جِنْسٍ، وَفِي الأْجْنَاسِ الْبَاقِيَةِ كَوْنُهَا مَكِيلاَتِ جِنْسٍ، فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَجْرِي الرِّبَا فِي كُلِّ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ بِجِنْسِهِ وَلَوْ كَانَ يَسِيرًا لاَ يَتَأَتَّى كَيْلُهُ كَتَمْرَةٍ بِتَمْرَةٍ أَوْ تَمْرَةٍ بِتَمْرَتَيْنِ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِتَسَاوِيهِمَا فِي الْكَيْلِ، وَلاَ يَتَأَتَّى وَزْنُهُ كَمَا دُونَ الأْرْزَةِ مِنَ الذَّهَبِ أَوِ الْفِضَّةِ وَنَحْوِهِمَا، مَطْعُومًا كَانَ الْمَكِيلُ أَوِ الْمَوْزُونُ أَوْ غَيْرَ مَطْعُومٍ، وَلاَ يَجْرِي الرِّبَا فِي مَطْعُومٍ لاَ يُكَالُ وَلاَ يُوزَنُ كَالْمَعْدُودَاتِ مِنَ التُّفَّاحِ وَالرُّمَّانِ وَالْبِطِّيخِ وَالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ وَنَحْوِهَا، فَيَجُوزُ بَيْعُ بَيْضَةٍ وَخِيَارَةٍ وَبِطِّيخَةٍ بِمِثْلِهَا، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ لأِنَّهُ لَيْسَ مَكِيلاً وَلاَ مَوْزُونًا، لَكِنْ نَقَلَ مُهَنَّا عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ كَرِهَ بَيْعَ بَيْضَةٍ بِبَيْضَتَيْنِ وَقَالَ: لاَ يَصْلُحُ إِلاَّ وَزْنًا بِوَزْنٍ؛ لأِنَّهُ مَطْعُومٌ، وَلاَ يَجْرِي الرِّبَا فِيمَا لاَ يُوزَنُ عُرْفًا لِصِنَاعَتِهِ، وَلَوْ كَانَ أَصْلُهُ الْوَزْنَ غَيْرَ الْمَعْمُولِ مِنَ النَّقْدَيْنِ كَالْمَعْمُولِ مِنَ الصُّفْرِ وَالْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ وَنَحْوِهِ، كَالْخَوَاتِمِ مِنْ غَيْرِ النَّقْدَيْنِ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الأْثْمَانِ الثَّمَنِيَّةُ، وَفِيمَا عَدَاهَا كَوْنُهُ مَطْعُومَ جِنْسٍ فَيَخْتَصُّ بِالْمَطْعُومَاتِ وَيَخْرُجُ مِنْهُ مَا عَدَاهَا؛ لِمَا رَوَى مَعْمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ مِثْلاً بِمِثْلٍ» وَلأِنَّ  الطَّعْمَ وَصْفُ شَرَفٍ إِذْ بِهِ قِوَامُ الأْبْدَانِ، وَالثَّمَنِيَّةَ وَصْفُ شَرَفٍ إِذْ بِهَا قِوَامُ الأْمْوَالِ، فَيَقْتَضِي التَّعْلِيلَ بِهِمَا؛ وَلأِنَّهُ لَوْ كَانَتِ الْعِلَّةُ فِي الأْثْمَانِ الْوَزْنَ لَمْ يَجُزْ إِسْلاَمُهُمَا فِي الْمَوْزُونَاتِ لأِنَّ  أَحَدَ وَصْفَيْ عِلَّةِ الرِّبَا الْفَضْلِ يَكْفِي فِي تَحْرِيمِ النَّسَاءِ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ: الْعِلَّةُ فِيمَا عَدَا الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ كَوْنُهُ مَطْعُومَ جِنْسٍ مَكِيلاً أَوْ مَوْزُونًا فَلاَ يَجْرِي الرِّبَا فِي مَطْعُومٍ لاَ يُكَالُ وَلاَ يُوزَنُ، كَالتُّفَّاحِ وَالرُّمَّانِ وَالْخَوْخِ وَالْبِطِّيخِ وَنَحْوِهَا، وَلاَ فِيمَا لَيْسَ بِمَطْعُومٍ كَالزَّعْفَرَانِ وَالْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ، لأِنَّ  لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الأْصْنَافِ أَثَرًا، وَالْحُكْمُ مَقْرُونٌ بِجَمِيعِهَا فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَلاَ يَجُوزُ حَذْفُهُ؛ وَلأِنَّ  الْكَيْلَ وَالْوَزْنَ وَالْجِنْسَ لاَ يَقْتَضِي وُجُوبَ الْمُمَاثَلَةِ وَإِنَّمَا أَثَرُهُ فِي تَحْقِيقِهَا فِي الْعِلَّةِ مَا يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْحُكْمِ لاَ مَا تَحَقَّقَ شَرْطُهُ.

وَالطَّعْمُ بِمُجَرَّدِهِ لاَ تَتَحَقَّقُ الْمُمَاثَلَةُ بِهِ لِعَدَمِ الْمِعْيَارِ الشَّرْعِيِّ فِيهِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ الْمُمَاثَلَةُ فِي الْمِعْيَارِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ، وَلِهَذَا وَجَبَتِ الْمُسَاوَاةُ فِي الْمَكِيلِ كَيْلاً وَفِي الْمَوْزُونِ وَزْنًا، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الطَّعْمُ مُعْتَبَرًا فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ دُونَ غَيْرِهِمَا، وَالأْحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي هَذَا الْبَابِ يَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَهَا وَتَقْيِيدُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِالآْخَرِ، «فَنَهْيُ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ» يَتَقَيَّدُ بِمَا فِيهِ مِعْيَارٌ شَرْعِيٌّ وَهُوَ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ، وَنَهْيُهُ عَنْ بَيْعِ الصَّاعِ بِالصَّاعَيْنِ يَتَقَيَّدُ بِالْمَطْعُومِ الْمَنْهِيِّ عَنِ التَّفَاضُلِ فِيهِ.

قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَلاَ فَرْقَ فِي الْمَطْعُومَاتِ بَيْنَ مَا يُؤْكَلُ قُوتًا كَالأْرْزِ وَالذُّرَةِ وَالدُّخْنِ، أَوْ أُدْمًا كَالْقُطْنِيَّاتِ وَاللَّحْمِ وَاللَّبَنِ، أَوْ تَفَكُّهًا كَالثِّمَارِ، أَوْ تَدَاوِيًا كَالإْهْلِيلَجِ وَالسَّقَمُونْيَا، فَإِنَّ الْكُلَّ فِي بَابِ الرِّبَا وَاحِدٌ.

مِنْ أَحْكَامِ الرِّبَا:

26 - إِذَا تَحَقَّقَتْ عِلَّةُ تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي مَالٍ مِنَ الأْمْوَالِ، فَإِنْ بِيعَ بِجِنْسِهِ حُرِّمَ فِيهِ التَّفَاضُلُ وَالنَّسَاءُ وَالتَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِمَا رَوَى عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ رضي الله تعالي عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلاً بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأْصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ».

وَهَذَا قَدْرٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، وَفِيمَا عَدَاهُ تَفْصِيلٌ وَخِلاَفٌ بِحَسَبِ اخْتِلاَفِهِمْ فِي الْعِلَّةِ.

وَفِيمَا يَلِي مُجْمَلُ أَحْكَامِ الرِّبَا فِي كُلِّ مَذْهَبٍ عَلَى حِدَةٍ.

27 - قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ عِلَّةَ تَحْرِيمِ الرِّبَا الْقَدْرُ مَعَ الْجِنْسِ، فَإِنْ وُجِدَا حُرِّمَ الْفَضْلُ وَالنَّسَاءُ، فَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ قَفِيزِ بُرٍّ بِقَفِيزَيْنِ مِنْهُ، وَلاَ بَيْعُ قَفِيزِ بُرٍّ بِقَفِيزٍ مِنْهُ وَأَحَدُهُمَا نَسَاءٌ، وَإِنْ عُدِمَا - أَيِ الْقَدْرُ وَالْجِنْسُ - حَلَّ الْبَيْعُ، وَإِنْ وُجِدَ أَحَدُهُمَا أَيِ الْقَدْرُ وَحْدَهُ كَالْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ، أَوِ الْجِنْسُ وَحْدَهُ كَالثَّوْبِ الْهَرَوِيِّ بِهَرَوِيٍّ مِثْلِهِ حَلَّ الْفَضْلُ وَحَرُمَ النَّسَاءُ. قَالُوا: أَمَّا إِذَا وُجِدَ الْمِعْيَارُ وَعُدِمَ الْجِنْسُ كَالْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ وَالذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ، فَلِقَوْلِهِ عليه السلام «إِذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسَانِ، وَيُرْوَى النَّوْعَانِ، فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ يَدًا بِيَدٍ» وَأَمَّا إِذَا وُجِدَتِ الْجِنْسِيَّةُ وَعُدِمَ الْمِعْيَارُ كَالْهَرَوِيِّ بِالْهَرَوِيِّ، فَإِنَّ الْمُعَجَّلَ خَيْرٌ مِنَ الْمُؤَجَّلِ وَلَهُ فَضْلٌ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ الْفَضْلُ مِنْ حَيْثُ التَّعْجِيلُ رِبًا؛ لأِنَّهُ فَضْلٌ يُمْكِنُ الاِحْتِرَازُ عَنْهُ وَهُوَ مَشْرُوطٌ فِي الْعَقْدِ فَيَحْرُمُ.

وَيَحْرُمُ بَيْعُ كَيْلِيٍّ أَوْ وَزْنِيٍّ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلاً وَنَسِيئَةً وَلَوْ غَيْرَ مَطْعُومٍ، كَجِصٍّ كَيْلِيٍّ أَوْ حَدِيدٍ وَزْنِيٍّ، وَيَحِلُّ بَيْعُ ذَلِكَ مُتَمَاثِلاً لاَ مُتَفَاضِلاً وَبِلاَ مِعْيَارٍ شَرْعِيٍّ، فَإِنَّ الشَّرْعَ لَمْ يُقَدِّرِ الْمِعْيَارَ بِالذَّرَّةِ وَبِمَا دُونَ نِصْفِ الصَّاعِ كَحَفْنَةٍ بِحَفْنَتَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ مَا لَمْ يَبْلُغْ نِصْفَ الصَّاعِ، وَكَذَرَّةٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَتُفَّاحَةٍ بِتُفَّاحَتَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا، فَإِنْ كَانَا غَيْرَ مُعَيَّنَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا لَمْ يَجُزْ. وَخَالَفَ مُحَمَّدٌ فَرَأَى تَحْرِيمَ الرِّبَا فِي الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ كَتَمْرَةٍ بِتَمْرَتَيْنِ.

وَجَيِّدُ مَالِ الرِّبَا وَرَدِيئُهُ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ سَوَاءٌ، لِقَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم: «جَيِّدُهَا وَرَدِيئُهَا سَوَاءٌ»؛ وَلأِنَّ  فِي اعْتِبَارِ الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ سَدَّ بَابِ الْبِيَاعَاتِ فَيَلْغُو، وَاسْتَثْنَوْا مَسَائِلَ لاَ يَجُوزُ فِيهَا إِهْدَارُ اعْتِبَارِ الْجَوْدَةِ، وَهِيَ: مَالُ الْيَتِيمِ وَالْوَقْفِ وَالْمَرِيضِ فَلاَ يُبَاعُ الْجَيِّدُ مِنْهُ بِالرَّدِيءِ. وَيَجُوزُ بَيْعُ الرَّدِيءِ بِالْجَيِّدِ وَالْقُلْبِ وَالْمَرْهُونِ إِذَا انْكَسَرَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ وَنَقَصَتْ قِيمَتُهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا بِخِلاَفِ جِنْسِهِ.

وَمَا وَرَدَ النَّصُّ بِكَيْلِهِ فَكَيْلِيٌّ أَبَدًا، وَمَا وَرَدَ النَّصُّ بِوَزْنِهِ فَوَزْنِيٌّ أَبَدًا اتِّبَاعًا لِلنَّصِّ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الْعُرْفِ مُطْلَقًا وَإِنْ كَانَ خِلاَفَ النَّصِّ وَأَشَارَ ابْنُ عَابِدِينَ إِلَى تَقْوِيَتِهِ، وَرَجَّحَهُ الْكَمَالُ ابْنُ الْهُمَامِ؛ لأِنَّ  النَّصَّ عَلَى ذَلِكَ الْكَيْلِ فِي الشَّيْءِ أَوِ الْوَزْنِ فِيهِ مَا كَانَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ إِلاَّ؛ لأِنَّ  الْعَادَةَ إِذْ ذَاكَ كَذَلِكَ، وَقَدْ تَبَدَّلَتْ فَتَبَدَّلَ الْحُكْمُ، حَتَّى لَوْ كَانَ الْعُرْفُ فِي زَمَنِهِ صلي الله عليه وسلم بِالْعَكْسِ لَوَرَدَ النَّصُّ مُوَافِقًا لَهُ، وَلَوْ تَغَيَّرَ الْعُرْفُ فِي حَيَاتِهِ لَنَصَّ عَلَى تَغَيُّرِ الْحُكْمِ.

وَيَجُوزُ بَيْعُ لَحْمٍ بِحَيَوَانٍ وَلَوْ مِنْ جِنْسِهِ وَبَيْعُ قُطْنٍ بِغَزْلِ قُطْنٍ فِي الأْصَحِّ، وَبَيْعُ رُطَبٍ بِرُطَبٍ مُتَمَاثِلاً كَيْلاً، وَبَيْعُ لُحُومٍ مُخْتَلِفَةٍ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ وَلَبَنُ بَقَرٍ بِلَبَنِ غَنَمٍ مُتَفَاضِلاً يَدًا بِيَدٍ، وَيَجُوزُ بَيْعُ اللَّبَنِ بِالْجُبْنِ، وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ الْبُرِّ بِدَقِيقٍ أَوْ سَوِيقٍ، وَلاَ بَيْعُ الزَّيْتِ بِالزَّيْتُونِ.

وَلاَ رِبَا بَيْنَ مُتَفَاوِضَيْنِ وَشَرِيكَيْ عِنَانٍ إِذَا تَبَايَعَا مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ.

28 - وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: لاَ يَجُوزُ بَيْعُ فِضَّةٍ بِفِضَّةٍ وَلاَ ذَهَبٍ بِذَهَبٍ إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ، وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ الْفِضَّةِ بِالذَّهَبِ مُتَفَاضِلاً إِلاَّ يَدًا بِيَدٍ، وَالطَّعَامُ مِنَ الْحُبُوبِ وَالْقُطْنِيَّةِ وَشِبْهِهَا مِمَّا يُدَّخَرُ مِنْ قُوتٍ أَوْ إِدَامٍ لاَ يَجُوزُ الْجِنْسُ مِنْهُ بِجِنْسِهِ إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ، وَلاَ يَجُوزُ فِيهِ تَأْخِيرٌ، وَلاَ يَجُوزُ طَعَامٌ بِطَعَامٍ إِلَى أَجَلٍ، كَانَ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ مِنْ خِلاَفِهِ، كَانَ مِمَّا يُدَّخَرُ أَوْ لاَ يُدَّخَرُ.

وَلاَ بَأْسَ بِالْفَوَاكِهِ وَالْبُقُولِ وَمَا لاَ يُدَّخَرُ مُتَفَاضِلاً وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ يَدًا بِيَدٍ، وَلاَ يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ فِيمَا يُدَّخَرُ مِنَ الْفَوَاكِهِ الْيَابِسَةِ وَسَائِرِ الإِْدَامِ وَالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ إِلاَّ الْمَاءَ وَحْدَهُ، وَمَا اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهُ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ سَائِرِ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ وَالطَّعَامِ فَلاَ بَأْسَ بِالتَّفَاضُلِ فِيهِ يَدًا بِيَدٍ، وَلاَ يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنْهُ إِلاَّ فِي الْخُضَرِ وَالْفَوَاكِهِ، وَالْقَمْحُ وَالشَّعِيرُ وَالسُّلْتُ كَجِنْسٍ وَاحِدٍ فِيمَا يَحِلُّ مِنْهُ وَيَحْرُمُ، وَالزَّبِيبُ كُلُّهُ جِنْسٌ وَالتَّمْرُ كُلُّهُ صِنْفٌ، وَالْقُطْنِيَّةُ أَجْنَاسٌ فِي الْبُيُوعِ، وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِيهَا وَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُ فِي الزَّكَاةِ أَنَّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَلُحُومُ ذَوَاتِ الأْرْبَعِ مِنَ الأْنْعَامِ كَالإْبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالْوَحْشِ كَالْغَزَالِ وَبَقَرِ الْوَحْشِ، وَلُحُومُ الطَّيْرِ كُلُّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَلُحُومُ دَوَابِّ الْمَاءِ كُلُّهَا جِنْسٌ، وَمَا تَوَلَّدَ مِنْ لُحُومِ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنْ شَحْمٍ فَهُوَ كَلَحْمِهِ، وَأَلْبَانُ ذَلِكَ الْجِنْسِ مِنْ ذَوَاتِ الأْرْبَعِ الإْنْسِيِّ مِنْهُ وَالْوَحْشِيِّ كُلُّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَكَذَلِكَ جُبْنُهُ وَسَمْنُهُ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا جِنْسٌ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الثَّلاَثَةِ يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ مُتَمَاثِلاً لاَ مُتَفَاضِلاً.

29 - وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِذَا بِيعَ الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ إِنْ كَانَا جِنْسًا اشْتُرِطَ الْحُلُولُ وَالْمُمَاثَلَةُ وَالتَّقَابُضُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ، أَوْ جِنْسَيْنِ كَحِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ جَازَ التَّفَاضُلُ وَاشْتُرِطَ الْحُلُولُ وَالتَّقَابُضُ، وَلاَ بُدَّ مِنَ الْقَبْضِ الْحَقِيقِيِّ، وَدَقِيقُ الأْصُولِ الْمُخْتَلِفَةِ الْجِنْسِ وَخَلُّهَا وَدُهْنُهَا أَجْنَاسٌ؛ لأِنَّ هَا فُرُوعُ أُصُولٍ مُخْتَلِفَةٍ فَأُعْطِيَتْ حُكْمَ أُصُولِهَا، وَاللُّحُومُ وَالأْلْبَانُ كَذَلِكَ فِي الأْظْهَرِ. وَالنَّقْدُ بِالنَّقْدِ كَالطَّعَامِ بِالطَّعَامِ.

وَالْمُمَاثَلَةُ تُعْتَبَرُ فِي الْمَكِيلِ كَيْلاً وَفِي الْمَوْزُونِ وَزْنًا، وَالْمُعْتَبَرُ غَالِبُ عَادَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم وَمَا جُهِلَ يُرَاعَى فِيهِ بَلَدُ الْبَيْعِ، وَقِيلَ: الْكَيْلُ، وَقِيلَ: الْوَزْنُ، وَقِيلَ: يُتَخَيَّرُ، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ لَهُ أَصْلٌ اعْتُبِرَ.

وَتُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ وَقْتَ الْجَفَافِ؛ لأِنَّهُ «صلي الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ فَقَالَ: أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إِذَا يَبِسَ فَقَالُوا: نَعَمْ، فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ» أَشَارَ صلي الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ: «أَيَنْقُصُ» إِلَى أَنَّ الْمُمَاثَلَةَ إِنَّمَا تُعْتَبَرُ عِنْدَ الْجَفَافِ وَإِلاَّ فَالنُّقْصَانُ أَوْضَحُ مِنْ أَنْ يُسْأَلَ عَنْهُ، وَيُعْتَبَرُ أَيْضًا إِبْقَاؤُهُ عَلَى هَيْئَةٍ يَتَأَتَّى ادِّخَارُهُ عَلَيْهَا كَالتَّمْرِ بِنَوَاهُ، فَلاَ يُبَاعُ رُطَبٌ بِرُطَبٍ وَلاَ بِتَمْرٍ، وَلاَ عِنَبٌ بِعِنَبٍ وَلاَ بِزَبِيبٍ، لِلْجَهْلِ بِالْمُمَاثَلَةِ وَقْتَ الْجَفَافِ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ، وَمَا لاَ جَفَافَ لَهُ كَالْقِثَّاءِ وَالْعِنَبِ الَّذِي لاَ يَتَزَبَّبُ لاَ يُبَاعُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ أَصْلاً قِيَاسًا عَلَى الرُّطَبِ، وَفِي قَوْلٍ مُخَرَّجٍ تَكْفِي مُمَاثَلَتُهُ رُطَبًا؛ لأِنَّ  مُعْظَمَ مَنَافِعِهِ فِي رُطُوبَتِهِ فَكَانَ كَاللَّبَنِ فَيُبَاعُ وَزْنًا وَإِنْ أَمْكَنَ كَيْلُهُ.

وَكُلُّ شَيْئَيْنِ اتَّفَقَا فِي الاِسْمِ الْخَاصِّ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ كَالتَّمْرِ الْبَرْنِيِّ وَالتَّمْرِ الْمَعْقِلِيِّ فَهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَكُلُّ شَيْئَيْنِ اخْتَلَفَا فِي الاِسْمِ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ فَهُمَا جِنْسَانِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم ذَكَرَ سِتَّةَ أَشْيَاءَ وَحَرَّمَ فِيهَا التَّفَاضُلَ إِذَا بِيعَ كُلٌّ مِنْهَا بِمَا وَافَقَهُ فِي الاِسْمِ وَأَبَاحَ فِيهِ التَّفَاضُلَ إِذَا بِيعَ بِمَا خَالَفَهُ فِي الاِسْمِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ كُلَّ شَيْئَيْنِ اتَّفَقَا فِي الاِسْمِ فَهُمَا جِنْسٌ وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الاِسْمِ فَهُمَا جِنْسَانِ.

30 - وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: كُلُّ مَا كِيلَ أَوْ وُزِنَ مِنْ جَمِيعِ الأْشْيَاءِ فَلاَ يَجُوزُ التَّفَاضُلُ فِيهِ إِذَا كَانَ جِنْسًا وَاحِدًا، وَمَا كَانَ مِنْ جِنْسَيْنِ جَازَ التَّفَاضُلُ فِيهِ يَدًا بِيَدٍ، وَلاَ يَجُوزُ نَسِيئَةً، وَالدَّلِيلُ حَدِيثُ عُبَادَةَ السَّابِقُ، وَمَا كَانَ مِمَّا لاَ يُكَالُ وَلاَ يُوزَنُ فَجَائِزٌ التَّفَاضُلُ فِيهِ يَدًا بِيَدٍ وَنَسِيئَةً سَوَاءٌ بِيعَ بِجِنْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ - فِي أَصَحِّ الرِّوَايَاتِ - وَلاَ يُبَاعُ شَيْءٌ مِنَ الرُّطَبِ بِيَابِسٍ مِنْ جِنْسِهِ إِلاَّ الْعَرَايَا، فَأَمَّا بَيْعُ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ وَالْعِنَبِ بِالْعِنَبِ وَنَحْوِهِمَا مِنَ الرُّطُبِ بِمِثْلِهِ فَيَجُوزُ مَعَ التَّمَاثُلِ، وَأَمَّا مَا لاَ يَيْبَسُ كَالْقِثَّاءِ وَالْخِيَارِ فَعَلَى قَوْلَيْنِ، وَلاَ يُبَاعُ مَا أَصْلُهُ الْكَيْلُ بِشَيْءٍ مِنْ جِنْسِهِ وَزْنًا وَلاَ مَا أَصْلُهُ الْوَزْنُ كَيْلاً، وَالْمَرْجِعُ فِي مَعْرِفَةِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ إِلَى الْعُرْفِ بِالْحِجَازِ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم: «الْمِكْيَالُ مِكْيَالُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْوَزْنُ وَزْنُ أَهْلِ مَكَّةَ».

وَمَا لاَ عُرْفَ فِيهِ بِالْحِجَازِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ:

أَحَدَهُمَا: يُرَدُّ إِلَى أَقْرَبِ الأْشْيَاءِ شَبَهًا بِالْحِجَازِ.

وَالثَّانِيَ: يُعْتَبَرُ عُرْفُهُ فِي مَوْضِعِهِ. وَالتُّمُورُ كُلُّهَا جِنْسٌ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُهَا، وَالْبُرُّ وَالشَّعِيرُ جِنْسَانِ. هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ، وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ الْحِنْطَةِ بِشَيْءٍ مِنْ فُرُوعِهَا 

السَّوِيقُ، وَالدَّقِيقُ فِي الصَّحِيحِ، وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهَا بِالدَّقِيقِ، فَأَمَّا بَيْعُ بَعْضِ فُرُوعِهَا بِبَعْضٍ فَيَجُوزُ بَيْعُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الدَّقِيقِ وَالسَّوِيقِ بِنَوْعِهِ مُتَسَاوِيًا، فَأَمَّا بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالسَّوِيقِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ. وَالأْصَحُّ أَنَّ اللَّحْمَ أَجْنَاسٌ بِاخْتِلاَفِ أُصُولِهِ، وَفِي اللَّبَنِ رِوَايَتَانِإِحْدَاهُمَا: هُوَ جِنْسٌ وَاحِدٌ.

وَالثَّانِيَةُ: هُوَ أَجْنَاسٌ بِاخْتِلاَفِ أُصُولِهِ كَاللَّحْمِ، وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ اللَّحْمِ بِحَيَوَانٍ مِنْ جِنْسِهِ، وَأَمَّا بَيْعُ اللَّحْمِ بِحَيَوَانٍ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ فَظَاهِرُ كَلاَمِ أَحْمَدَ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ، وَاخْتَارَ الْقَاضِي جَوَازَهُ، وَبَيْعُ اللَّحْمِ بِحَيَوَانٍ غَيْرِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ جَائِزٌ فِي ظَاهِرِ قَوْلِهِمْ، وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ مَالِ الرِّبَا بِأَصْلِهِ الَّذِي فِيهِ مِنْهُ كَالسِّمْسِمِ بِالشَّيْرَجِ وَالزَّيْتُونِ بِالزَّيْتِ وَسَائِرِ الأْدْهَانِ بِأُصُولِهَا وَالْعَصِيرِ بِأَصْلِهِ.

وَبَيْعُ شَيْءٍ مِنَ الْمُعْتَصَرَاتِ بِجِنْسِهِ يَجُوزُ مُتَمَاثِلاً، وَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ مُتَفَاضِلاً وَكَيْفَ شَاءَ؛ لأِنَّهُمَا جِنْسَانِ، وَيُعْتَبَرُ التَّسَاوِي فِيهِمَا بِالْكَيْلِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَا مَطْبُوخَيْنِ أَمْ نِيئَيْنِ، أَمَّا بَيْعُ النِّيءِ بِالْمَطْبُوخِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَلاَ يَجُوزُ.

مِنْ مَسَائِلِ الرِّبَا:

31 - مَسَائِلُ الرِّبَا كَثِيرَةٌ وَمُتَعَدِّدَةٌ، وَالْعِلَّةُ هِيَ  الأْصْلُ الَّذِي يَنْبَنِي عَلَيْهِ عَامَّةُ مَسَائِلِ الرِّبَا.

أَوْ كَمَا قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: اعْلَمْ رَحِمَكَ اللَّهُ أَنَّ مَسَائِلَ هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ وَفُرُوعَهُ مُنْتَشِرَةٌ، وَالَّذِي يَرْبِطُ لَكَ ذَلِكَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى مَا اعْتَبَرَهُ الْعُلَمَاءُ فِي عِلَّةِ الرِّبَا. وَفِيمَا يَلِي أَمْثِلَةٌ وَمُخْتَارَاتٌ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ:

الْمُحَاقَلَةُ:

32 - بَيْعُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا بِحِنْطَةٍ صَافِيَةٍ مِنَ التِّبْنِ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ شَرْعًا لِمَا فِيهِ مِنْ جَهْلِ التَّسَاوِي بَيْنَ الْعِوَضَيْنِ.

وَيُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي (بَيْعُ الْمُحَاقَلَةِ ) (وَمُحَاقَلَةٌ).

الْمُزَابَنَةُ:

33 - بَيْعُ الرُّطَبِ عَلَى النَّخْلِ بِتَمْرٍ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ شَرْعًا؛ لِمَا فِيهِ مِنْ عَدَمِ الْعِلْمِ بِالْمُمَاثَلَةِ.

وَيُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي: (بَيْعُ الْمُزَابَنَةِ ).

الْعِينَةُ:

34 - بَيْعُ السِّلْعَةِ بِثَمَنٍ، إِلَى أَجَلٍ، ثُمَّ شِرَاؤُهَا مِنَ الْمُشْتَرِي بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ، وَهِيَ حَرَامٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ - لأِنَّهُ مِنَ الرِّبَا أَوْ ذَرِيعَةٌ إِلَى الرِّبَا.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (بَيْعُ الْعِينَةِ ).

بَيْعُ الأْعْيَانِ غَيْرِ الرِّبَوِيَّةِ:

35 - الأْعْيَانُ الرِّبَوِيَّةُ نَوْعَانِ:

أ - الأْعْيَانُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهَا فِي حَدِيثَيْ عُبَادَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ رضي الله تعالي عنهما .

ب - الأْعْيَانُ الَّتِي تَحَقَّقَتْ فِيهَا عِلَّةُ تَحْرِيمِ الرِّبَا، وَهِيَ مُخْتَلَفٌ فِيهَا بِحَسَبِ اخْتِلاَفِ الْفُقَهَاءِ فِي الْعِلَّةِ.

قَالَ الشَّافِعِيَّةُ، وَهِيَ أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: إِنَّ مَا عَدَا هَذِهِ الأْعْيَانَ  الرِّبَوِيَّةَ بِنَوْعَيْهَا لاَ يَحْرُمُ فِيهَا الرِّبَا، فَيَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلاً وَنَسِيئَةً، وَيَجُوزُ فِيهَا التَّفَرُّقُ قَبْلَ التَّقَابُضِ؛ لِمَا رَوَى «عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما قَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم أَنْ أُجَهِّزَ جَيْشًا فَنَفِدَتِ الإْبِلُ، فَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ عَلَى قِلاَصِ الصَّدَقَةِ، فَكُنْتُ آخُذُ الْبَعِيرَ بِالْبَعِيرَيْنِ إِلَى إِبِلِ الصَّدَقَةِ». وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله تعالي عنه أَنَّهُ بَاعَ جَمَلاً إِلَى أَجَلٍ بِعِشْرِينَ بَعِيرًا، وَبَاعَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله تعالي عنهما  بَعِيرًا بِأَرْبَعَةِ أَبْعِرَةٍ، وَاشْتَرَى ابْنُ عُمَرَ رضي الله تعالي عنهما  رَاحِلَةً بِأَرْبَعِ رَوَاحِلَ وَرَوَاحِلُهُ بِالرَّبَذَةِ، وَاشْتَرَى رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ رضي الله تعالي عنه بَعِيرًا بِبَعِيرَيْنِ فَأَعْطَاهُ أَحَدَهُمَا وَقَالَ: آتِيَكَ بِالآْخَرِ غَدًا.

وَمَنَعَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ، بَيْعَ الشَّيْءِ بِجِنْسِهِ نَسِيئَةً، كَالْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ لِحَدِيثِ سَمُرَةَ - مَرْفُوعًا - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً».

وَلأِنَّ  الْجِنْسَ أَحَدُ وَصْفَيْ عِلَّةِ رِبَا الْفَضْلِ، فَحُرِّمَ النَّسَاءُ كَالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ.

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: يُتَصَوَّرُ الرِّبَا فِي غَيْرِ النَّقْدَيْنِ وَالطَّعَامِ مِنَ الْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ وَسَائِرِ التَّمَلُّكَاتِ، وَذَلِكَ بِاجْتِمَاعِ ثَلاَثَةِ أَوْصَافٍ:

أ - التَّفَاضُلُ.

ب - النَّسِيئَةُ.

ج - اتِّفَاقُ الأْغْرَاضِ وَالْمَنَافِعِ.

كَبَيْعِ ثَوْبٍ بِثَوْبَيْنِ إِلَى أَجَلٍ، وَبَيْعِ فَرَسٍ لِلرُّكُوبِ بِفَرَسَيْنِ لِلرُّكُوبِ إِلَى أَجَلٍ.

فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا لِلرُّكُوبِ دُونَ الآْخَرِ جَازَ؛ لاِخْتِلاَفِ الْمَنَافِعِ.

بَيْعُ الْعَيْنِ بِالتِّبْرِ، وَالْمَصْنُوعِ بِغَيْرِهِ:

36 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ عَيْنَ الذَّهَبِ، وَتِبْرَهُ، وَالصَّحِيحَ، وَالْمَكْسُورَ مِنْهُ، سَوَاءٌ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ مَعَ التَّمَاثُلِ فِي الْمِقْدَارِ وَتَحْرِيمِهِ مَعَ التَّفَاضُلِ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَقَدْ حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم أَنْ يُبَاعَ مِثْقَالُ ذَهَبٍ عَيْنٍ بِمِثْقَالٍ وَشَيْءٍ مِنْ تِبْرٍ غَيْرِ مَضْرُوبٍ، وَكَذَلِكَ حَرَّمَ التَّفَاوُتَ بَيْنَ الْمَضْرُوبِ مِنَ الْفِضَّةِ وَغَيْرِ الْمَضْرُوبِ مِنْهَا، وَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ تِبْرُهَا وَعَيْنُهَا».

وَرُوِيَ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَبَعْضُهُمْ يَرْوِيهِ عَنْ مَالِكٍ، فِي التَّاجِرِ يَحْفِزُهُ الْخُرُوجُ وَبِهِ حَاجَةٌ إِلَى دَرَاهِمَ مَضْرُوبَةٍ أَوْ دَنَانِيرَ مَضْرُوبَةٍ، فَيَأْتِي دَارَ الضَّرْبِ بِفِضَّتِهِ أَوْ ذَهَبِهِ فَيَقُولُ لِلضَّرَّابِ: خُذْ فِضَّتِي هَذِهِ أَوْ ذَهَبِي وَخُذْ قَدْرَ عَمَلِ يَدِكَ وَادْفَعْ إِلَيَّ دَنَانِيرَ مَضْرُوبَةً فِي ذَهَبِي أَوْ دَرَاهِمَ مَضْرُوبَةً فِي فِضَّتِي هَذِهِ لأِنِّي  مَحْفُوزٌ لِلْخُرُوجِ وَأَخَافُ أَنْ يَفُوتَنِي مَنْ أَخْرُجُ مَعَهُ، أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لِلضَّرُورَةِ، وَأَنَّهُ قَدْ عَمِلَ بِهِ بَعْضُ النَّاسِ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي قَبَسِهِ عَنْ مَالِكٍ فِي غَيْرِ التَّاجِرِ وَإِنَّ مَالِكًا قَدْ خَفَّفَ فِي ذَلِكَ، قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَالْحُجَّةُ فِيهِ لِمَالِكٍ بَيِّنَةٌ.

قَالَ الأْبْهَرِيُّ: إِنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الرِّفْقِ لِطَلَبِ التِّجَارَةِ وَلِئَلاَّ يَفُوتَ السُّوقُ وَلَيْسَ الرِّبَا إِلاَّ عَلَى مَنْ أَرَادَ أَنْ يُرْبِيَ مِمَّنْ يَقْصِدُ إِلَى ذَلِكَ وَيَبْتَغِيهِ.

وَحُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ: لاَ يَجُوزُ بَيْعُ الصِّحَاحِ بِالْمُكَسَّرَةِ؛ وَلأِنَّ  لِلصِّنَاعَةِ قِيمَةً بِدَلِيلِ حَالَةِ الإْتْلاَفِ، فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ ضَمَّ قِيمَةَ الصِّنَاعَةِ إِلَى الذَّهَبِ.

وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: إِنْ قَالَ لِصَانِعٍ: اصْنَعْ لِي خَاتَمًا وَزْنَ دِرْهَمٍ، وَأُعْطِيكَ مِثْلَ وَزْنِهِ وَأُجْرَتَكَ دِرْهَمًا فَلَيْسَ ذَلِكَ بَيْعَ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ، وَقَالَ أَصْحَابُنَا: لِلصَّائِغِ أَخْذُ الدِّرْهَمَيْنِ أَحَدُهُمَا فِي مُقَابَلَةِ الْخَاتَمِ وَالثَّانِي أُجْرَةً لَهُ.

الرِّبَا فِي دَارِ الْحَرْبِ:

37 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَأَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ لاَ فَرْقَ فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا بَيْنَ دَارِ الْحَرْبِ وَدَارِ الإْسْلاَمِ، فَمَا كَانَ حَرَامًا فِي دَارِ الإْسْلاَمِ كَانَ حَرَامًا فِي دَارِ الْحَرْبِ، سَوَاءٌ جَرَى بَيْنَ مُسْلِمَيْنِ أَوْ مُسْلِمٍ وَحَرْبِيٍّ، وَسَوَاءٌ دَخَلَهَا الْمُسْلِمُ بِأَمَانٍ أَمْ بِغَيْرِهِ.

وَاسْتَدَلُّوا بِعُمُومِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ؛ وَلأِنَّ  مَا كَانَ رِبًا فِي دَارِ الإْسْلاَمِ كَانَ رِبًا مُحَرَّمًا فِي دَارِ الْحَرْبِ كَمَا لَوْ تَبَايَعَهُ مُسْلِمَانِ مُهَاجِرَانِ وَكَمَا لَوْ تَبَايَعَهُ مُسْلِمٌ وَحَرْبِيٌّ فِي دَارِ الإْسْلاَمِ؛ وَلأِنَّ  مَا حُرِّمَ فِي دَارِ الإْسْلاَمِ حُرِّمَ هُنَاكَ كَالْخَمْرِ وَسَائِرِ الْمَعَاصِي؛ وَلأِنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَا لاَ يَجُوزُ فِي دَارِ الإْسْلاَمِ فَلَمْ يَصِحَّ كَالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ هُنَاكَ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ: لاَ يَحْرُمُ الرِّبَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلاَ بَيْنَ مُسْلِمَيْنِ أَسْلَمَا فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يُهَاجِرَا مِنْهَا؛ لأِنَّ  مَالَهُمْ مُبَاحٌ إِلاَّ أَنَّهُ بِالأْمَانِ حُرِّمَ التَّعَرُّضُ لَهُ بِغَيْرِ رِضَاهُمْ تَحَرُّزًا عَنِ الْغَدْرِ وَنَقْضِ الْعَهْدِ، فَإِذَا رَضُوا بِهِ حَلَّ أَخْذُ مَالِهِمْ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ، بِخِلاَفِ الْمُسْتَأْمَنِ؛ لأِنَّ  مَالَهُ صَارَ مَحْظُورًا بِالأْمَانِ.

مَسْأَلَةُ مُدِّ عَجْوَةٍ:

38 - إِذَا جَمَعَ الْبَيْعُ رِبَوِيًّا مِنَ الْجَانِبَيْنِ وَاخْتَلَفَ جِنْسُ الْمَبِيعِ مِنْهُمَا بِأَنِ اشْتَمَلَ أَحَدُهُمَا عَلَى جِنْسَيْنِ رِبَوِيَّيْنِ اشْتَمَلَ الآْخَرُ عَلَيْهِمَا، كَمُدِّ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ بِمُدٍّ مِنْ عَجْوَةٍ وَدِرْهَمٍ، وَكَذَا لَوِ اشْتَمَلَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَقَطْ كَمُدٍّ وَدِرْهَمٍ بِمُدَّيْنِ أَوْ دِرْهَمَيْنِ، أَوِ اشْتَمَلاَ جَمِيعُهُمَا عَلَى جِنْسٍ رِبَوِيٍّ وَانْضَمَّ إِلَيْهِ غَيْرُ رِبَوِيٍّ فِيهِمَا كَدِرْهَمٍ وَثَوْبٍ بِدِرْهَمٍ وَثَوْبٍ، أَوْ فِي أَحَدِهِمَا كَدِرْهَمٍ وَثَوْبٍ بِدِرْهَمٍ، أَوِ اخْتَلَفَ نَوْعُ الْمَبِيعِ كَصِحَاحٍ وَمُكَسَّرَةٍ تَنْقُصُ قِيمَتُهَا عَنْ قِيمَةِ الصِّحَاحِ بِهِمَا أَيْ بِصِحَاحٍ وَمُكَسَّرَةٍ، أَوْ بِأَحَدِهِمَا أَيْ بِصِحَاحٍ فَقَطْ أَوْ بِمُكَسَّرَةٍ فَقَطْ... إِذَا كَانَ الْبَيْعُ عَلَى صُورَةٍ مِنْ هَذِهِ الصُّوَرِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَهَذِهِ هِيَ الْمَسْأَلَةُ الْفِقْهِيَّةُ الْمَعْرُوفَةُ بِمَسْأَلَةِ «مُدِّ عَجْوَةٍ». وَالدَّلِيلُ عَلَى بُطْلاَنِ الْبَيْعِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ خَبَرُ مُسْلِمٍ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ رضي الله تعالي عنه قَالَ: «أُتِيَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم بِقِلاَدَةٍ فِيهَا خَرَزٌ وَذَهَبٌ تُبَاعُ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم بِالذَّهَبِ الَّذِي فِي الْقِلاَدَةِ فَنُزِعَ وَحْدَهُ ثُمَّ قَالَ: الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا بِوَزْنٍ» وَفِي رِوَايَةٍ: «لاَ تُبَاعُ حَتَّى تُفْصَلَ».

وَاسْتَدَلَّ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى بِأَنَّ قَضِيَّةَ اشْتِمَالِ أَحَدِ طَرَفَيِ الْعَقْدِ عَلَى مَالَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ تَوْزِيعُ مَا فِي الآْخَرِ عَلَيْهِمَا اعْتِبَارًا بِالْقِيمَةِ، وَالتَّوْزِيعُ يُؤَدِّي إِلَى الْمُفَاضَلَةِ أَوِ الْجَهْلِ بِالْمُمَاثَلَةِ؛ لأِنَّهُ إِذَا بَاعَ مُدًّا وَدِرْهَمًا بِمُدَّيْنِ إِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْمُدِّ الَّذِي مَعَ الدِّرْهَمِ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ لَزِمَتْهُ الْمُفَاضَلَةُ، أَوْ مِثْلَهُ فَالْمُمَاثَلَةُ مَجْهُولَةٌ

وَلِجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ الْقَائِلِينَ بِتَحَقُّقِ الرِّبَا فِي مَسْأَلَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ تَفْصِيلٌ وَتَفْرِيعٌ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ أَحْكَامِ الْمَسْأَلَةِ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ إِلَى جَوَازِ ذَلِكَ إِذَا كَانَ الرِّبَوِيُّ الْمُفْرَدُ أَكْثَرَ مِنَ الَّذِي مَعَهُ غَيْرُهُ، أَوْ كَانَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ؛ لأِنَّ  الْعَقْدَ إِذَا أَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَى الصِّحَّةِ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى الْفَسَادِ فَيُجْعَلُ الرِّبَوِيُّ فِي مُقَابَلَةِ قَدْرِهِ مِنَ الرِّبَوِيِّ الآْخَرِ وَيُجْعَلُ الزَّائِدُ فِي مُقَابَلَةِ مَا زَادَ عَنِ الْقَدْرِ الْمُمَاثِلِ.

الرُّجُوعُ فِي الْعُقُودِ غَيْرِ اللاَّزِمَةِ:

14 - الْعُقُودُ الْجَائِزَةُ (غَيْرُ اللاَّزِمَةِ) كَالْعَارِيَّةِ، وَالْوَصِيَّةِ، وَالشَّرِكَةِ، وَالْمُضَارَبَةِ، وَالْوَكَالَةِ، وَالْوَدِيعَةِ، عُقُودٌ غَيْرُ لاَزِمَةٍ، وَعَدَمُ لُزُومِهَا يُبِيحُ الرُّجُوعَ فِيهَا إِذَا تَوَافَرَتِ الشُّرُوطُ الْمُعْتَبَرَةُ الَّتِي حَدَّدَهَا الْفُقَهَاءُ كَشَرْطِ نُضُوضِ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْمُضَارَبَةِ، وَشَرْطِ عِلْمِ الطَّرَفِ الآْخَرِ بِالْفَسْخِ، وَشَرْطِ عَدَمِ الضَّرَرِ فِي الرُّجُوعِ، فَمَنِ اسْتَعَارَ أَرْضًا لِلزِّرَاعَةِ، وَأَرَادَ الْمُعِيرُ الرُّجُوعَ، فَإِنَّ الرُّجُوعَ الْفِعْلِيَّ يَتَوَقَّفُ حَتَّى يَحْصُدَ الزَّرْعَ، وَمَنْ أَعَارَ مَكَانًا لِدَفْنٍ، وَحَصَلَ الدَّفْنُ فِعْلاً فَلاَ يَرْجِعُ الْمُعِيرُ فِي مَوْضِعِهِ حَتَّى يَنْدَرِسَ أَثَرُ الْمَدْفُونِ، كَمَا أَنَّ الْعَارِيَّةَ الْمُقَيَّدَةَ بِأَجَلٍ أَوْ عَمَلٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ لاَ رُجُوعَ فِيهَا حَتَّى يَنْقَضِيَ الأْجَلُ  أَوِ الْعَمَلُ.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الثالث والثلاثون ، الصفحة / 130

 

اشْتِرَاطُ الزِّيَادَةِ لِلْمُقْرِضِ:

28- لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي أَنَّ اشْتِرَاطَ الزِّيَادَةِ فِي بَدَلِ الْقَرْضِ لِلْمُقْرِضِ مُفْسِدٌ لِعَقْدِ الْقَرْضِ، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الزِّيَادَةُ فِي الْقَدْرِ، بِأَنْ يَرُدَّ الْمُقْتَرِضُ أَكْثَرَ مِمَّا أَخَذَ مِنْ جِنْسِهِ، أَوْ بِأَنْ يَزِيدَهُ هَدِيَّةً مِنْ مَالٍ آخَرَ، أَوْ كَانَتْ فِي الصِّفَةِ، بِأَنْ يَرُدَّ الْمُقْتَرِضُ أَجْوَدَ مِمَّا أَخَذَ، وَإِنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ تُعَدُّ مِنْ قَبِيلِ الرِّبَا .

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَكُلُّ زِيَادَةٍ فِي سَلَفٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ يَنْتَفِعُ بِهَا الْمُسَلِّفُ فَهِيَ رِبًا، وَلَوْ كَانَتْ قَبْضَةً مِنْ عَلَفٍ، وَذَلِكَ حَرَامٌ إِنْ كَانَ بِشَرْطٍ  وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُسَلِّفَ إِذَا شَرَطَ عَلَى الْمُسْتَسْلِفِ زِيَادَةً أَوْ هَدِيَّةً، فَأَسْلَفَ عَلَى ذَلِكَ، أَنَّ أَخْذَ الزِّيَادَةِ عَلَى ذَلِكَ رِبًا .

وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ: بِمَا رُوِيَ مِنَ «النَّهْيِ عَنْ كُلِّ قَرْضٍ جَرَّ نَفْعًا»  أَيْ لِلْمُقْرِضِ.

وَبِأَنَّ مَوْضُوعَ عَقْدِ الْقَرْضِ الإْرْفَاقُ وَالْقُرْبَةُ، فَإِذَا شَرَطَ الْمُقْرِضُ فِيهِ الزِّيَادَةَ لِنَفْسِهِ خَرَجَ عَنْ مَوْضُوعِهِ، فَمَنَعَ صِحَّتَهُ؛ لأِنَّهُ يَكُونُ بِذَلِكَ قَرْضًا لِلزِّيَادَةِ لاَ لِلإْرْفَاقِ وَالْقُرْبَةِ؛ وَلأِنَّ  الزِّيَادَةَ الْمَشْرُوطَةَ تُشْبِهُ الرِّبَا؛ لأِنَّهَا فَضْلٌ لاَ يُقَابِلُهُ عِوَضٌ، وَالتَّحَرُّزُ عَنْ حَقِيقَةِ الرِّبَا وَعَنْ شُبْهَةِ الرِّبَا وَاجِبٌ .

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: وَمِثْلُ ذَلِكَ اشْتِرَاطُ الْمُقْرِضِ أَيَّ عَمَلٍ يَجُرُّ إِلَيْهِ نَفْعًا، كَأَنْ يُسْكِنَهُ الْمُقْتَرِضُ دَارَهُ مَجَّانًا، أَوْ يُعِيرَهُ دَابَّتَهُ، أَوْ يَعْمَلَ لَهُ كَذَا، أَوْ يَنْتَفِعَ بِرَهْنِهِ.. إِلَخْ .

وَلاَ يَخْفَى أَنَّ السَّلَفَ إِذَا وَقَعَ فَاسِدًا وَجَبَ فَسْخُهُ، وَيُرْجَعُ إِلَى الْمِثْلِ فِي ذَوَاتِ الأْمْثَالِ، وَإِلَى الْقِيمَةِ فِي غَيْرِهَا .

الْهَدِيَّةُ لِلْمُقْرِضِ ذَرِيعَةٌ إِلَى الزِّيَادَةِ:

29 - اخْتُلِفَ فِي حُكْمِ هَدِيَّةِ الْمُقْتَرِضِ لِلْمُقْرِضِ قَبْلَ الْوَفَاءِ بِالْقَرْضِ عَلَى أَقْوَالٍ:

(أَحَدُهَا): لِلْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِهَدِيَّةِ مَنْ عَلَيْهِ الْقَرْضُ لِمُقْرِضِهِ، لَكِنَّ الأَْفْضَلَ أَنْ يَتَوَرَّعَ الْمُقْرِضُ عَنْ قَبُولِ هَدِيَّتِهِ إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ إِنَّمَا يُعْطِيهِ لأِجْلِ الْقَرْضِ، أَمَّا إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ يُعْطِيهِ لاَ لأِجْلِ الْقَرْضِ، بَلْ لِقَرَابَةٍ أَوْ صَدَاقَةٍ بَيْنَهُمَا، فَلاَ يَتَوَرَّعُ عَنِ الْقَبُولِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمُسْتَقْرِضُ مَعْرُوفًا بِالْجُودِ وَالسَّخَاءِ، كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ  فَالْحَالَةُ حَالَةُ الإْشْكَالِ، فَيَتَوَرَّعُ عَنْهُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَنَّهُ أَهْدَى لاَ لأِجْلِ الدَّيْنِ .

(وَالثَّانِي): لِلْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ لِلْمُقْتَرِضِ أَنْ يُهْدِيَ الدَّائِنَ رَجَاءَ أَنْ يُؤَخِّرَهُ بِدَيْنِهِ، وَيَحْرُمُ عَلَى الدَّائِنِ قَبُولُهَا إِذَا عَلِمَ أَنَّ غَرَضَ الْمَدِينِ ذَلِكَ، لأِنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى التَّأْخِيرِ مُقَابِلَ الزِّيَادَةِ، ثُمَّ إِنْ كَانَتِ الْهَدِيَّةُ قَائِمَةً وَجَبَ رَدُّهَا، وَإِنْ فَاتَتْ بِمُفَوِّتٍ وَجَبَ رَدُّ مِثْلِهَا إِنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً، وَقِيمَتِهَا يَوْمَ دَخَلَتْ فِي ضَمَانِهِ إِنْ كَانَتْ قِيَمِيَّةً، أَمَّا إِذَا لَمْ يَقْصِدِ الْمَدِينُ ذَلِكَ وَصَحَّتْ نِيَّتُهُ، فَلَهُ أَنْ يُهْدِيَ دَائِنَهُ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لَكِنْ يُكْرَهُ لِذِي الدَّيْنِ أَنْ يَقْبَلَ ذَلِكَ مِنْهُ وَإِنْ تَحَقَّقَ صِحَّةَ نِيَّتِهِ فِي ذَلِكَ إِذَا كَانَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ، لِئَلاَّ يَكُونَ ذَرِيعَةً لاِسْتِجَازَةِ ذَلِكَ حَيْثُ لاَ يَجُوزُ .

ثُمَّ أَوْضَحَ الْمَالِكِيَّةُ ضَابِطَ الْجَوَازِ حَيْثُ صَحَّتِ النِّيَّةُ وَانْتَفَى الْقَصْدُ الْمَحْظُورُ فَقَالُوا: إِنَّ هَدِيَّةَ الْمِدْيَانِ حَرَامٌ إِلاَّ أَنْ يَتَقَدَّمَ مِثْلُ الْهَدِيَّةِ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الْمُدَايَنَةِ، وَعُلِمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ لأِجْلِ الدَّيْنِ، فَإِنَّهَا لاَ تَحْرُمُ حِينَئِذٍ حَالَةَ الْمُدَايَنَةِ، وَإِلاَّ أَنْ يَحْدُثَ مُوجِبٌ لِلْهَدِيَّةِ بَعْدَ الْمُدَايَنَةِ، مِنْ صِهَارَةٍ أَوْ جِوَارٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنَّهَا لاَ تَحْرُمُ أَيْضًا .

(وَالثَّالِثُ) لِلشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ أَنَّهُ لاَ يُكْرَهُ لِلْمُقْرِضِ أَخْذُ هَدِيَّةِ الْمُسْتَقْرِضِ بِلاَ شَرْطٍ وَلَوْ فِي الرِّبَوِيِّ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَالتَّنَزُّهُ عَنْهُ أَوْلَى قَبْلَ رَدِّ الْبَدَلِ .

(وَالرَّابِعُ) لِلْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ أَنَّ الْمُقْتَرِضَ إِذَا أَهْدَى لِمُقْرِضِهِ هَدِيَّةً قَبْلَ الْوَفَاءِ، وَلَمْ يَنْوِ الْمُقْرِضُ احْتِسَابَهَا مِنْ دَيْنِهِ، أَوْ مُكَافَأَتَهُ عَلَيْهَا لَمْ يَجُزْ، إِلاَّ إِذَا جَرَتْ عَادَةٌ بَيْنَهُمَا بِذَلِكَ قَبْلَ الْقَرْضِ، فَإِنْ كَانَتْ جَارِيَةً بِهِ جَازَ أَمَّا إِذَا أَهْدَاهُ بَعْدَ الْوَفَاءِ - بِلاَ شَرْطٍ وَلاَ مُوَاطَأَةٍ - فَهُوَ جَائِزٌ فِي الأْصَحِّ ؛ لأِنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ تِلْكَ الزِّيَادَةَ عِوَضًا فِي الْقَرْضِ وَلاَ وَسِيلَةً إِلَيْهِ، وَلاَ إِلَى اسْتِيفَاءِ دَيْنِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ قَرْضٌ  وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ: بِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم : «إِذَا أَقْرَضَ أَحَدُكُمْ قَرْضًا، فَأَهْدَى إِلَيْهِ أَوْ حَمَلَهُ عَلَى الدَّابَّةِ، فَلاَ يَرْكَبْهَا وَلاَ يَقْبَلْهُ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ قَبْلَ ذَلِكَ»  وَمَا رَوَى ابْنُ سِيرِينَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه أَسْلَفَ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ رضي الله عنه عَشَرَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ، فَأَهْدَى إِلَيْهِ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ مِنْ ثَمَرَةِ أَرْضِهِ، فَرَدَّهَا عَلَيْهِ، وَلَمْ يَقْبَلْهَا، فَأَتَاهُ أُبَيٌّ، فَقَالَ: لَقَدْ عَلِمَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ أَنِّي مِنْ أَطْيَبِهِمْ ثَمَرَةً، وَأَنَّهُ لاَ حَاجَةَ لَنَا، فَبِمَ مَنَعْتَ هَدِيَّتَنَا؟ ثُمَّ أَهْدَى إِلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَبِلَ.

قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: فَكَانَ رَدُّ عُمَرَ لَمَّا تَوَهَّمَ أَنْ تَكُونَ هَدِيَّتُهُ بِسَبَبِ الْقَرْضِ، فَلَمَّا تَيَقَّنَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِسَبَبِ الْقَرْضِ قَبِلَهَا، وَهَذَا فَصْلُ النِّزَاعِ فِي مَسْأَلَةِ هَدِيَّةِ الْمُقْتَرِضِ . وَبِمَا وَرَدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلاَّمٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ لأِبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الأَْشْعَرِيِّ: إِنَّكَ فِي أَرْضٍ الرِّبَا بِهَا فَاشٍ، إِذَا كَانَ لَكَ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ فَأَهْدَى إِلَيْكَ حِمْلَ تِبْنٍ أَوْ حِمْلَ شَعِيرٍ أَوْ حِمْلَ قَتٍّ فَإِنَّهُ رِبًا .

قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَكُلُّ ذَلِكَ سَدًّا لِذَرِيعَةِ أَخْذِ الزِّيَادَةِ فِي الْقَرْضِ الَّذِي مُوجِبُهُ رَدُّ الْمِثْلِ .

وَعَنِ الإْمَامِ  أَحْمَدَ رِوَايَةٌ بِجَوَازِ الْهَدِيَّةِ غَيْرِ الْمَشْرُوطَةِ مِنَ الْمُقْتَرِضِ إِلَى الْمُقْرِضِ .

ز - اشْتِرَاطُ عَقْدٍ آخَرَ فِي الْقَرْضِ:

ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ صُوَرًا مُتَعَدِّدَةً لاِشْتِرَاطِ عَقْدٍ آخَرَ - كَبَيْعٍ وَإِجَارَةٍ وَمُزَارَعَةٍ وَمُسَاقَاةٍ وَقَرْضٍ آخَرَ - فِي عَقْدِ الْقَرْضِ، وَفَرَّقُوا بَيْنَهَا فِي الْحُكْمِ، نَظَرًا لِتَفَاوُتِ مُنَافَاتِهَا لِمُقْتَضَى عَقْدِ الْقَرْضِ، وَذَلِكَ فِي الصُّوَرِ التَّالِيَةِ:

أ - الصُّورَةُ الأْولَى:

30 - إِذَا اشْتُرِطَ فِي عَقْدِ الْقَرْضِ أَنْ يُقْرِضَهُ مَالاً آخَرَ، بِأَنْ قَالَ الْمُقْرِضُ لِلْمُقْتَرِضِ: أَقْرَضْتُكَ كَذَا بِشَرْطِ أَنْ أُقْرِضَكَ غَيْرَهُ كَذَا وَكَذَا، فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ عَقْدَ الْقَرْضِ صَحِيحٌ، وَالشَّرْطُ لاَغٍ فِي حَقِّ الْمُقْرِضِ، فَلاَ يَلْزَمُهُ مَا شَرَطَ عَلَى نَفْسِهِ.

قَالُوا: لأِنَّهُ وَعْدٌ غَيْرُ مُلْزِمٍ، كَمَا لَوْ وَهَبَهُ ثَوْبًا بِشَرْطِ أَنْ يَهَبَهُ غَيْرَهُ .

ب - الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ:

31 - إِذَا اشْتُرِطَ فِي عَقْدِ الْقَرْضِ قَرْضٌ آخَرُ مِنَ الْمُقْتَرِضِ لِمُقْرِضِهِ فِي مُقَابِلِ الْقَرْضِ الأْوَّلِ، وَتُسَمَّى هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ بِأَسْلِفْنِي أُسُلِفْكَ، فَقَدْ نَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ ذَلِكَ، وَعَلَى فَسَادِ هَذَا الشَّرْطِ مَعَ بَقَاءِ الْعَقْدِ صَحِيحًا ؛ لِعَدَمِ تَأْثِيرِ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ عَلَى صِحَّةِ الْعَقْدِ فِي مَذْهَبِهِمْ .

وَالَّذِي يُسْتَفَادُ مِنْ كَلاَمِ الْمَالِكِيَّةِ حَوْلَ هَذِهِ الصُّورَةِ هُوَ كَرَاهَةُ الْقَرْضِ مَعَ ذَلِكَ الشَّرْطِ .

وَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى حُرْمَةِ الشُّرُوطِ فِي الْقَرْضِ، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَفِي الْخُلاَصَةِ الْقَرْضُ بِالشَّرْطِ حَرَامٌ وَالشَّرْطُ لَغْوٌ .

ج - الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ:

32 - إِذَا شُرِطَ فِي عَقْدِ الْقَرْضِ أَنْ يَبِيعَهُ الْمُقْرِضُ شَيْئًا، أَوْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ، أَوْ يُؤَجِّرَهُ، أَوْ يَسْتَأْجِرَ مِنْهُ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَقَدْ نَصَّ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ هَذَا الاِشْتِرَاطِ  وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ: بِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  قَالَ: «لاَ يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ» .

قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَحَرُمَ الْجَمْعُ بَيْنَ السَّلَفِ وَالْبَيْعِ، لِمَا فِيهِ مِنَ الذَّرِيعَةِ إِلَى الرِّبْحِ فِي السَّلَفِ بِأَخْذِ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَى، وَالتَّوَسُّلِ إِلَى ذَلِكَ بِالْبَيْعِ أَوِ الإْجَارَةِ  كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ   وَقَالَ: وَأَمَّا السَّلَفُ وَالْبَيْعُ؛ فَلأِنَّهُ إِذَا أَقْرَضَهُ مِائَةً إِلَى سَنَةٍ، ثُمَّ بَاعَهُ مَا يُسَاوِي خَمْسِينَ بِمِائَةٍ، فَقَدْ جَعَلَ هَذَا الْبَيْعَ ذَرِيعَةً إِلَى الزِّيَادَةِ فِي الْقَرْضِ الَّذِي مُوجِبُهُ رَدُّ الْمِثْلِ، وَلَوْلاَ هَذَا الْبَيْعُ لَمَا أَقْرَضَهُ، وَلَوْلاَ عَقْدُ الْقَرْضِ لَمَا اشْتَرَى ذَلِكَ مِنْهُ  ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الرِّبَا .

وَلأِنَّ هُمَا جَعَلاَ رِفْقَ الْقَرْضِ ثَمَنًا، وَالشَّرْطُ لَغْوٌ، فَيَسْقُطُ بِسُقُوطِهِ بَعْضُ الثَّمَنِ، وَيَصِيرُ الْبَاقِي مَجْهُولاً، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَذَلِكَ فَاسِدٌ؛ لأِنَّهُ إِنَّمَا يُقْرِضُهُ عَلَى أَنْ يُحَابِيَهُ فِي الثَّمَنِ، فَيَدْخُلُ الثَّمَنُ فِي حَدِّ الْجَهَالَةِ .

وَلأِنَّهُ شَرَطَ عَقْدًا فِي عَقْدٍ فَلَمْ يَجُزْ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ دَارَهُ بِشَرْطِ أَنْ يَبِيعَهُ الآْخَرُ دَارَهُ، وَإِنْ شَرَطَ أَنْ يُؤَجِّرَهُ دَارَهُ بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَتِهَا، أَوْ عَلَى أَنْ يَسْتَأْجِرَ دَارَ الْمُقْرِضِ بِأَكْثَرَ مِنْ أُجْرَتِهَا كَانَ أَبْلَغَ فِي التَّحْرِيمِ .

وَلأِنَّ  الْقَرْضَ لَيْسَ مِنْ عُقُودِ الْمُعَاوَضَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ عُقُودِ الْبِرِّ وَالْمُكَارَمَةِ، فَلاَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ لَهُ عِوَضٌ، فَإِنْ قَارَنَ الْقَرْضَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ كَانَ لَهُ حِصَّةٌ مِنَ الْعِوَضِ، فَخَرَجَ عَنْ مُقْتَضَاهُ، فَبَطَلَ وَبَطَلَ مَا قَارَنَهُ مِنْ عُقُودِ الْمُعَاوَضَةِ، وَوَجْهٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْقَرْضُ غَيْرَ مُؤَقَّتٍ فَهُوَ غَيْرُ لاَزِمٍ لِلْمُقْرِضِ، وَالْبَيْعُ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنَ الْعُقُودِ اللاَّزِمَةِ - كَالإْجَارَةِ   وَالنِّكَاحِ - لاَ يَجُوزُ أَنْ يُقَارِنَهَا عَقْدٌ غَيْرُ لاَزِمٍ، لِتَنَافِي حُكْمَيْهِمَا .

33 - وَقَدْ ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ فِي هَذَا الْمَقَامِ مَسْأَلَةً تَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الصُّورَةِ، وَهِيَ شِرَاءُ الْمُقْتَرِضِ الشَّيْءَ الْيَسِيرَ مِنَ الْمُقْرِضِ بِثَمَنٍ غَالٍ لِحَاجَتِهِ لِلْقَرْضِ، وَقَالُوا: يَجُوزُ وَيُكْرَهُ، وَقَدْ عَلَّقَ الْعَلاَّمَةُ ابْنُ عَابِدِينَ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ: أَيْ يَصِحُّ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَهَذَا لَوْ وَقَعَ الشِّرَاءُ بَعْدَ الْقَرْضِ، لِمَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ النَّفْعُ مَشْرُوطًا فِي الْقَرْضِ، وَلَكِنِ اشْتَرَى الْمُسْتَقْرِضُ مِنَ الْمُقْرِضِ بَعْدَ الْقَرْضِ مَتَاعًا بِثَمَنٍ غَالٍ.

فَعَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ: لاَ بَأْسَ بِهِ، وَقَالَ الْخَصَّافُ: مَا أُحِبُّ لَهُ ذَلِكَ، وَذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ: إِنَّهُ حَرَامٌ؛ لأِنَّهُ يَقُولُ لَوْ لَمْ أَكُنِ اشْتَرَيْتُهُ مِنْهُ طَالَبَنِي بِالْقَرْضِ فِي الْحَالِ، وَمُحَمَّدٌ لَمْ يَرَ بِذَلِكَ بَأْسًا، وَقَالَ خُوَاهَرْ زَادَهْ: مَا نُقِلَ عَنِ السَّلَفِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا كَانَتِ الْمَنْفَعَةُ مَشْرُوطَةً، وَذَلِكَ مَكْرُوهٌ بِلاَ خِلاَفٍ، وَمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا كَانَتْ غَيْرَ مَشْرُوطَةٍ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَكْرُوهٍ بِلاَ خِلاَفٍ، وَهَذَا إِذَا تَقَدَّمَ الإْقْرَاضُ عَلَى الْبَيْعِ.

فَإِنْ تَقَدَّمَ الْبَيْعُ - بِأَنْ بَاعَ الْمَطْلُوبَ مِنْهُ الْمُعَامَلَةُ مِنَ الطَّالِبِ ثَوْبًا قِيمَتُهُ عِشْرُونَ دِينَارًا بِأَرْبَعِينَ دِينَارًا، ثُمَّ أَقْرَضَهُ سِتِّينَ دِينَارًا أُخْرَى، حَتَّى صَارَ لَهُ عَلَى الْمُسْتَقْرِضِ مِائَةُ دِينَارٍ، وَحَصَلَ لِلْمُسْتَقْرِضِ ثَمَانُونَ دِينَارًا - ذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ جَائِزٌ، وَهَذَا مَذْهَبُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ إِمَامِ بَلْخٍ، وَكَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِ بَلْخٍ كَانُوا يَكْرَهُونَهُ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ قَرْضٌ جَرَّ مَنْفَعَةً، إِذْ لَوْلاَهُ لَمْ يَتَحَمَّلِ الْمُسْتَقْرِضُ غَلاَءَ الثَّمَنِ، وَمِنَ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ يُكْرَهُ لَوْ كَانَا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، وَإِلاَّ فَلاَ بَأْسَ بِهِ، لأِنَّ  الْمَجْلِسَ الْوَاحِدَ يَجْمَعُ الْكَلِمَاتِ الْمُتَفَرِّقَةَ، فَكَأَنَّهُمَا وُجِدَا مَعًا، فَكَانَتِ الْمَنْفَعَةُ مَشْرُوطَةً فِي الْقَرْضِ، وَكَانَ شَمْسُ الأْئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ يُفْتِي بِقَوْلِ الْخَصَّافِ وَابْنِ سَلَمَةَ، وَيَقُولُ: هَذَا لَيْسَ بِقَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً، بَلْ هَذَا بَيْعٌ جَرَّ مَنْفَعَةً، وَهِيَ الْقَرْضُ .

ح - اشْتِرَاطُ الْجُعْلِ عَلَى الاِقْتِرَاضِ بِالْجَاهِ:

34 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَنِ اسْتَقْرَضَ لِغَيْرِهِ بِجَاهِهِ، هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ جُعْلاً ثَمَنًا لِجَاهِهِ أَمْ لاَ؟

قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ اقْتَرِضْ لِي مِائَةً وَلَكَ عَلَيَّ عَشَرَةٌ فَهُوَ جَعَالَةٌ .

وَقَالَ الإْمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: مَا أُحِبُّ أَنْ يَقْتَرِضَ بِجَاهِهِ لإِخْوَانِهِ، قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى: يَعْنِي إِذَا كَانَ مَنْ يُقْتَرَضُ لَهُ غَيْرَ مَعْرُوفٍ بِالْوَفَاءِ، لِكَوْنِهِ تَغْرِيرًا بِمَالِ الْمُقْرِضِ وَإِضْرَارًا بِهِ، أَمَّا إِذَا كَانَ مَعْرُوفًا بِالْوَفَاءِ فَلاَ يُكْرَهُ؛ لِكَوْنِهِ إِعَانَةً لَهُ وَتَفْرِيجًا لِكُرْبَتِهِ .

وَعَلَى هَذَا، فَإِذَا اسْتَقْرَضَ الإْنْسَانُ  لِغَيْرِهِ بِجَاهِهِ، قَالَ الْحَنَابِلَةُ: لَهُ أَخْذُ جُعْلٍ مِنْهُ مُقَابِلَ اقْتِرَاضِهِ لَهُ بِجَاهِهِ، بِخِلاَفِ أَخْذِ الْجُعْلِ عَلَى كَفَالَتِهِ لَهُ، فَإِنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ  قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: لَوْ قَالَ: اقْتَرِضْ لِي مِنْ فُلاَنٍ مِائَةً، وَلَكَ عَشَرَةٌ، فَلاَ بَأْسَ، وَلَوْ قَالَ: اكْفُلْ عَنِّي وَلَكَ أَلْفٌ لَمْ يَجُزْ، وَذَلِكَ لأِنَّ  قَوْلَهُ اقْتَرِضْ لِي وَلَكَ عَشَرَةٌ جَعَالَةٌ عَلَى فِعْلٍ مُبَاحٍ، فَجَازَتْ، كَمَا لَوْ قَالَ: ابْنِ لِي هَذَا الْحَائِطَ وَلَكَ عَشَرَةٌ، وَأَمَّا الْكَفَالَةُ، فَإِنَّ الْكَفِيلَ يَلْزَمُهُ الدَّيْنُ، فَإِذَا أَدَّاهُ وَجَبَ لَهُ عَلَى الْمَكْفُولِ مِثْلُهُ، فَصَارَ كَالْقَرْضِ، فَإِذَا أَخَذَ عِوَضًا صَارَ الْقَرْضُ جَارًّا لِلْمَنْفَعَةِ، فَلَمْ يَجُزْ .

وَفِي مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ: اخْتُلِفَ فِي ثَمَنِ الْجَاهِ، فَمِنْ قَائِلٍ بِالتَّحْرِيمِ مُطْلَقًا، وَمِنْ قَائِلٍ بِالْكَرَاهَةِ بِإِطْلاَقٍ، وَمِنْ مُفَصِّلٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذُو الْجَاهِ يَحْتَاجُ إِلَى نَفَقَةٍ وَتَعَبٍ وَسَفَرٍ، فَأَخَذَ مِثْلَ أَجْرِهِ، فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَإِلاَّ حَرُمَ، قَالَ التَّسَوُّلِيُّ: وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ .

كتاب مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان فى المعاملات الشرعية على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان لمؤلفه المغفورله )محمد قدرى باشا) (الطبعة الثانية(بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصرالمحمية سنة1308هجرية  1891 افرنجيه

( مادة 690)

يجوز استقراض الذهب والفضة المضروبين وزنا ويجوز عددا أيضا اذا كان الوزن مضبوطا ويوفي بدلها عددا من نوعها الموافق لها في الوزن أو بدلها وزنا لاعددا

( مادة 695)

 اذا استقرض مقدارا معينا من الناس الرائجة والنقود غالبة الغش فکسدت و بطل التعامل بها فعلیه رد قيمتها یوم قبضها الا يوم ردها وان استقرض شيئا من المكيلات او الموزونات أو المسكوكات من الذهب والفضة فرخصت أسعارها أوغلت فعليه رد مثلها ولا عبرة برخصها وغلوها

( مادة 696)

 اذا لم يكن في وسع المستقرض رد مثل الأعيان المقترضة بأن استهلكها ثم انقطعت عن آیدی الناس يجبر المقرض على الانتظار الى أن يوجد مثلها إلا إذا تراضيا على القيمة

( مادة 697)

اذاطلب المقرض رد مثل العين المقترضة وكان المستقرض معسرا لامال له فلا يطالبه الاعند يساره

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مشروع تقنين الشريعة الإسلامية على مذهب الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه إعداد اللجنة التحضيرية لتقنين الشريعة الإسلامية بإشراف مجمع البحوث الإسلامية الطبعة التمهيدية 1392 هــ - 1972 م

 مادة (۱۰۷) :

الربا حرام ويبطل به البيع .

ایضاح الربا : لغة الزيادة وشرعا تفاضل في بيع المكيلات بجنيها والموزونات بجنسها ، و نساء في بيع المكيلات بالمكيلات والموزونات بالموزونات ولو من غير جنسها . 
وهو محرم إجماعا لقوله تعالى : (وأحل الله البيع وحرم الربا). كما أنه من الكبائر لعده صلى الله عليه وسلم في السبع الموبقات في الحديث المتفق عليه . 
ويحرم الربا بين المسلمين ، وبين المسلم والحربي ، في دار الإسلام ودار الحرب ، ولو لم يكن بينهما أمان ، لعموم قوله تعالى : ( وحرم الربا ) ، وغيره من الأدلة ، إلا بين السيد و رقيقه ولو مدبراً أو مكاتباً ، أو أم ولد لأن المال للسيد. 
مادة (۱۰۸) يكون الربا في كل مكيل أو موزون ، إلا الماء وما أخرجته الصناعة عن الوزن عدا الذهب والفضة . 
إيضاح 
لا يجرى الربا إلا في المكيل أو الموزون ، وأما ما عداها كالمعدود أو المزروع فلا ربا فيه ، لما روى عبادة بن الصامت أن النبي- - قال: 
والذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثل بمثل يدا بيد فاذا اختلفت هذه الأشياء فبيعوا كيف شئتم يدا بيد » رواه أحمد ومسلم . وعن أبي سعيد مرفوعا نحوه متفق عليه . 
وقد اختلف في العلة التي من أجلها حرم الربا في هذه الأصناف السنة ، والأشهر عن أمامنا و مختار عامة الأصحاب أن علة الربا في النقدين كونهما موزونی جنس ، وفي الأعيان الباقية كونها مكيلات جنس ، فيجري الربا في كل مکيل او موزون بيع بجنسه ولو كان المكبل أو الموزون يسيرة لا يتأتی کیله كثمرة نمرة ، أو نمرة نمرتين لعدم العلم بتساويهما في الكيل ، وكذا إذا كان الموزون يسيرة لا يتأتى وزنه كما دون الأرزة من الذهب والفضة ، وسواء كان المكيل أو الموزون مطعومة أو لا ، كالبر والشعير والحديد ونحو ذلك مما يكال أو بوزن . 
أما غير المكيل والموزون كثياب بحيوان ونحوها فيجوز التفاضل فيهما والنساء ، سواء بيع كل منهما بجنسه أو غير جنسه : « لأمر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمر أن يأخذ على قلائص الصدقة فكان يأخذ البعير بالبعيرين أي إلى إبل الصدقة ) رواه أحمد والدارقطني وصححه. وإذا جاز في الجنس الواحد ، ففي الجنسين أولى . 
ويستثنى من المكيلات والموزونات شيئان لا يجرى فيهما الربا مع تحقق علته . 
الأول : الماء ، لعدم تموله عادة لإباحته في الأصل . 
الثاني : ما أخرجته الصناعة عن الوزن كمصنوعات الحديد والرصاص ونحوها ، كالإبر والسكاكين والثياب والأ كسية من حرير وقطن وغيرها كصوف وشعر ووبر فيجوز بيع سكين بسکينتين ، وإبرة بابرتين ، لأنها ليست بمكيل ولا موزون وإن كان أصلها مكيلا أو موزونا . 
وفي رواية عن الإمام أنه لا يجوز بيع سكينة بسكينتين .. 
هذا : إذا كان المصنوع الذي أخرجته الصناعة عن أصل الوزن من غير الذهب والفضة ، فإن كان منهما حرم الربا مطلقا ، لما روی الأثرم عن عطاء من يسار أن معاوية : « باع سقاية من ذهب أو ورق أكثر من وزنها ، فقال أبو الدرداء : دمعت رسول الله ينتهي عن مثل هذا إلا مثلا بمثل . 
وجوز الشيخ بيع مصنوع مباح الاستعمال كخاتم ونحوه من ذهب أو فضة بيع بجنسه بقيمته حالا ، جعلا للزائد ، عن الوزن في مقابلة الصنعة ، فهو كالأجرة ، وكذا يجوز بيع خاتم بجنسه بقيمته نساء ، ما لم يقصد كونها ثمنا له ، فان قصد ذلك لم يجز النساء. 
أما إن قال لصائغ اصنع لي خاتما وزنه درهم ، وأعطيك مثل وزنه وأجرتك درهم ، فليس ذلك بيع درهم بدرهمين . 
و قال أصحابنا للصائغ أخذ الدرهمين، أحدها في مقابلة فضة الخاتم، 
والثاني : أجرة له في نظير عمله . 

مادة (۱۰۹)
 الربا نوعان : 
(1) ربا الفضل : ويكون في بيع المكيل أو الموزون بجنسه مع زيادة أحد العوضين. 
(ب) ربا النساء : ويكون في بيع المكيل بالمكيل أو الموزون بالموزون بجنسه أو بغير جنسه مع عدم التقابض إلا إذا كان أحد العوضين نقدا . 
إيضاح 
الربا نوعان : الأول - ربا الفضل : والفضل الزيادة ، والقصور به شرها زيادة في أحد العوضين المتفقين في المعيار الشرعي والجنس . فاذا بيع مكيل بمكيل من جنسه أو موزون بموزون من جنسه ، حرم التفاضل . لقوله : « الذهب بالذهب والفضة بالفضة ... الخ مثلا بمثل فمن زاد أو استزاد فهو ربا ) رواه مسلم . 
النوع الثاني : ربا النساء : والنساء بالمد هو التأخير ، يقال : نسأت الشيء وأنسأته أخرته ، والمراد به شرعا : تأخير القبض في بيع المكيل بالمكيل أو الموزون بالموزون بجنسه أو بغير جنسه ، فمن باع مدبر بمدبر ، أو باع برة بشعير. حرم تأخير القبض . 
ويستفاد مماسبق أنه إذا اتفق العوضان في الجنس و المعيار الشرعی فیشرط لصحة البيع المائلة في القدر حتى يخلو البيع من ربا الفضل والقبض قبل التفرق حتى يخلو من ربا النساء. 
أما اذا اتفق العوضان في المعيار الشرعي واختلفا في الجنس كبر بشعير أو حریر بنحاس حرم تأخير القبض فقط ، وجاز التفاضل . لقوله عليه الصلاة والسلام: « إذا اختلفت هذه الأصناف فيبيعوا كيف يدا بيد ) فإن تفرق العاقدان قبل القبض بطل البيع . هذا إذا لم يكن أحد العوضين نقدا ، أما إذا كان أحد العوضين نقدا فلا يحرم النساء ولا يبطل العقد بتأخير القبض ، ولو كان الثاني موزونا كبيع حديد أو نحاس بدنانير أو دراهم . قال المبدع : بغير خلاف لأن الشارع أرخص في السر ، والأصل في رأس ماله النقدان فلو حرم النساء فيه لانسد باب السلم في الموزونات غالبا . 
ولو كان في صرف فلوس(۱) نافقة (۲) بنقد، جاز النساء ، واختاره الشيخ وغيره كابن عقيل وذكره الشيخ رواية . قال في.الرعاية . إن قلنا هي عرض جاز ، وإلا فلا ، خلافا لما في التنقيح من أنه يشترط الحلول والتقابض في صرف نقد بفلوس نافقة ، والذي قاله في التنقيح قدمه في المبدع وذكر في الأنصاف أنه الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب . 
مادة (۱۱۰) 
العبرة بالتساوي في القدر دون القيمة. 
ایضاح 
المعتبر في تماثل الموضين تساويهما في القدر ، کدرهم بدرهم ، أو أردب بأردب ، ولا يضر تفاوت العوضين في القيمة ، بان يكون أحدهما رديئة والأخر جيدة ، جيد الربوی ورديئه وصحيحه ومكسوره وتبره ومضرو به سواء في جواز البيع متماثلا بدا بيد وتحريمه متفاضلا أو مع تأخير القبض ، فلا تعتبر المساواة في القيمة ، فيصح بيع حب جيد بحب خفيف من جنسه أن تساويا کیلا، لما روي عن أبي سعيد قال جاء بلال إلى النبي و بتمر برني فقال له النبي : (من أين هذا يا بلال ؟ قال : كان عندنا تمر رديء فبعت صاعين بصاع ليطعم النبي فقال له النبي لا أوه عين الربا عين الربا لاتفعل إن أردت أن تشتري فبع التمر بيع آخر تم اشتر به . 
مادة (۱۱۱) : 
الجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل . في الحرمة وإبطال البيع . 
ایضاح : 
إذا جهل التساوي بين الربويين ، في الكيل أو الوزن، كأن يكون أحد العوضين مسوسا والآخر سلبا أو يكون أحدها رطبة والآخر یا بسا ، أو لحم نزع عظمه با خر لم ينزع عظمه ، أو يباع عنب بزبيب أو لبن بجبن ، أو حنطة مبلولة أو رطبة بيابسة ، أو المقلى بالنيء لم يجز البيع في كل ذلك للجهل بالتساوي بين العوضين والجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل . 
ومن هذا بيع الفرع بالأصل كالزبد باللبن ، أو الدقيق بالحب وكذلك يع ما مسته النار ښوعه الذي لم تمسه النار ، کهجين شعير بخبزه لذهاب النار ببعض رطوبة أحدهما فيجهل التساوى بينهما . 
ومن هذا أيضا بيع الحب المشتد في سنبله بحب من جنسه ، لأن الحب إذا بيع بجنسه لايعلم مقداره بالكيل والجهل بالتساوي العلم بالتفاضل ، ويسمى هذا البيع بيع المحاقلة وروي عن أنس قوله : « ای النبي عن المحاقلة» رواه البخاري. والنهي يقتضي التحريم والفساد . 
أما إذا علم تساوي العوضين کدقیق بر باخر من جنسه استویا 
نعومة . وخبز بخبز من جنسه استویا نشافة ورطوبة صح البيع ، ولا حرمة للتساوي والقبض • 
مادة (۱۱۲) : 
إذا اختلف العوضان في المعيار الشرعي صح البيع مع التفاضل وعدم القبض . 
إيضاح 
إذا اختلفت علة الربا : كما لو باع مکیلا بموزون جاز التفاضل ، والتفرق قبل القبض ، كأن يكون أحد الموضين مسكين اكبر والآخر موزون كذهب أو فضة ، أو لحم بدقيق أو نحو ذلك ، لأنهما لم يجتمعا في أحد وصفي علة ربا الفضل أشبه الثياب بالحيوان . 
مادة (۱۱۳) : 
(1) لا يجوز بيع المكيل بجنسه وزنا، ولا بيع الموزون بجنسه کیلا، إلا إذا علم تساويهما في المعيار الشرعي .
(ب) إذا اختلف الجنس ، صح البيع وزنا أو كيلا ، أو جزافا بشرط القبض . 
(ج) يجوز بيع صبرة من مكيل بصبرة من جنسه إن علم العاقدان کیلهما وتساويا فيه، أو لم يعامله و تبایعاها مثلا بمثل فكانتا سواء . 
ایضاح 
(۱) لايجوز أن يباع ما أصله الكيل كالحبوب و المائعات بشيء من جنسه وزنا، ولا أن بياعها أصله الوزن بشيء من جنسه کیلا ، إلا إذا علم تساويهما في معياره الشرعي ، لحديث أبي هريرة مرفوعة ( الذهب الذهب والفضة بالفضة وزنا بوزن مثلا بمثل فمن زاد أو استزاد فهو ربا » رواه مسلم ، وروى أبو داود من حديث عبادة ، مرفوعة « البر بالبر مدين بعدين والملح بالملح مدين بمدين والشعير بالشعير مدين بمدين و العمر بالتمر مدين بمدين فمن زاد أو ازداد فقد أربا ، فاعتبر الشارع المساواة في الموزونات بالوزن وفي المسكيلات بالكيل من خالف ذلك خرج عن جنس المشروع المأمور به ، إذ المساواة المعتبرة فيما يحرم فيه التفاضل ، هي المساواة في معياره الشرعي . 
(ب) إذا بيع المكبل بغير جنسه كبر بشعير أو بع الموزون بغير 
جنسه ، كحديد بنحاس مثلا جاز بيع بعضه بعض کیلا أو وزنة أو جزافا أو متفاضلا، بشرط القبض لقوله عليه السلام : « فاذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم يدا بد». 
(حج) إذا یعت صبرة من مسکیل بصبرة أخرى من جنسها وكان المتعاقدان يعلمان کیلوما و تساويهما فيه ، أولا علماه و تبایعاها مثلا بمثل فكيلنا في ان تساويهما في الكيل صح البيع في الصورتين . 
أما إذا كان المتعاقدان يجهلان كيلهما ، أو كل أحدهما و يعلمان کیل الأخرى ، فلا يصح للجهل بالتساوي ، وقد سبق أنه مبطل للبيع كالعلم بالتفاضل . 
مادة (114) : يجوز بيع الرطب على رؤوس النخل خرصا مثله من التمر كيلا ، بالشروط الآتية : 
1- أن يكون الرطب أقل من خمسة أوسق . 
۲ - أن يكون المشتري للرطب محتاجا إليه ، وليس معه نقود . 
٣- أن يكون البيع حالا مع النقابض .
 (1) كشاف القناع ص ۱۲ منتهى الإرادات صور الشرح الكبير ص ۱۰۲ 
إيضاح الأصل أن بيع الرطب على رؤوس النخل بالتمر لا يصح ، للجهل 
بالتساوي ، وقد استثنى من ذلك المرايا التي رخص فيها الرسول ولحاجة الناس . وهي : بيع الرطب في رؤوس النخل خرصا يمثله من التمر کیلا إذا يبس ، لا أقل ولا أكثر ، لأن الشارع أقام الحرص مقام الكيل ولايعدل عنه كما لا يعدل عن الكيل فيما يشرط فيه الكيل ولا يجوز بيعها بخرصها رطبا ولا بزيادة عن خرصها أو أنقص منه الترخيصه عليه الصلاة والسلام في الحديث في العرايا أن تباع بخرصها کیلا . لأن الأصل اعتبار الكيل من الجانبين سقط في أحدهما وأقيم الحرص مقامه الحاجة فيبقى الآخر على مقتضى الأصل . ويشترط لصحة بيع العرايا ماياتي : 
1- أن يكون مقدار الرطب أقل من خمسة أوسق : والوسق ستون صاعا . 
فإن كانت خمسة أوسق أو أكثر لم يصح البيع . لقول أبي هريرة : أن النبي ية «رخص في العرايا أن تباع بخرصها فيما دون خمسة أوسق أو خمسة أوسق ) متفق عليه . شك داود بن الحسين أحد رواته فلا يجوز في الخمسية لوقوع الشك فيه. 
۲- أن يكون المشتري للرطب محتاجا لأكله وليس معه نقود يمكنه الشراء به، لأن ما جاز لحاجة لايجوز عند عدمها ، كالزكاة للمساكين . 
٣- أن يكون البيع حالا وأن يتم التقابض بين الطرفين في مجلس يعها ، والقبض في نخل بتخلية البائع بين المشتري و بينه ، والقبض في تمر بكيله . 
مادة (115) : 
يحرم ويبطل بيع الربوی بجنسه ومع أحدهما أو معهما شيء آخر من غير جنسهما. 
ایضاح 
محرم ولايصح بيع الربوي بجنسه ، إذا كان مع أحد العوضين ، أو معهما من غير جنسهما ، كمد عجوة ودرهم، بمد عجوة ودرهم أو مد عجوة و درهم بمدين من عجوة أو بدرهمين . وكبيع محلى بالذهب بذهب ، أو محلى بالفضة بفضة . وتسمى هذه الصورة مسألة مد عجوة ودرهم ، لأنها مثلت بنك ، ونص على عدم جواز هالحديث فضالة بن عبيد ( أتى النبي و بقلادة فيها ذهب وخرز ابتاعها رجل بتسعة دنانير أو سبعة دنانير فقال النبي و لا. حتى تميز بينهما قال : فرده حتي ميز بينهما ) رواه أبو داود ، ولمسلم أنه عليه الصلاة والسلام أمر بالذهب الذي في القلادة فنزع وحده ثم قال : الذهب بالذهب وزنا بوزن ، ومأخذ البطلان سد ذريعة الربا ، لأنه قد يتخذ ذريعة على الربا المريخ ، کبيع مائية في كيس بمائتين جيلا المائة الثانية في مقابلة الكيس وقد لا يساوي درهما . أو أن الصفقة إذا اشتملت على شيئين مختلفي القيمة قسط الثمن على قيمتهما ، فهو من باب التوزيع على الجمل وهو يؤدي إما إلى يقين التفاضل ، أو إلى الجهل بالتساوي ، وكلاهما يبطل العقد في باب الربا . 
وروي عن الإمام أحمد - أنه يجوز البيع ، بشرط أن يكون المفرد أكثر من الذي معه غير ، أو يكون مع كل واحد منهما من غير جنسه . قال حرب قلت لأحمد : دفعت دينارا كوفية و درهما وأخذت دینارة شامية وزنهما سواء . قال : إلا أن ينقص الدينار فيعطيه بحسابه فضة ، وكذلك روى عن محمد بن أبي حرب الجرجرائي قال أبو داود : سمعت أحمد يسأل عن الدراهم المسيبية بعضها صفر وبعضها فضة بالدراهم فقال لا أقول فيه شيء». 
مادة (116) : 
(1) إذا كان الربوي غير مقصود في البيع ، ولا يمكن بيعه منفردا اعتبر المعدوم ، فيصح بيع ما حواه بجنس الربوي أو بغيره . 
(ب) يصح بيع الربوي بجنسه إذا خلط بما لا يقصد بيعه ، ولا يؤثر في وزنه أو كيله ، أو كان لمصلحته. 
إيضاح 
(1) إذا كان الربوي لايقصد عادة في البيع ولا يباع منفردة : كذهب مموه به سقف دار اعتبر کالمعدوم ، فيجوز بيع الدار المموه سقفها بالذهب بذهب ، أو بدار مثلها لأن الذهب في السقف غير مقصود ولايقابل بشيء من التمن . 
(ب) إذا خلط الر بوی بغيره وكان هذا الغير لايقصد ولا يؤثر في وزن الربوي أو كيله لكونه يسيرة ، الملح فيا يعمل فيه كخبز وجبن و حبات الشعير من الحنطة ولو كان في أحد العوضين دون الآخر صح البيع . لأن ذلك غير مقصود و كرغيف برغيف منه ورطل من جبن برطل من جبن . 
وكذلك يصبح البيع إذا كان غير المقصود الذي خلط الربوي به كثيرة إلا أنه لمصلحة الربوی کالماء في خل التمر والزبيب فيجوز بيع هذه الأصناف بمثلها مثلا بمثل يدا بيد ولا أثر لمافيها من الماء ، لأنه غير مقصود في البيع ولمصلحة الربوي المقصود . 
أما إن كان غير المقصود كثيرا وليس من مصلحة ما أضيف إليه كاللبن المشوب بالماء إذا بيع بمثله ، لم يجز للعلم بالتفاضل . 
مادة (۱۱۷) : 
لا يجوز بيع الدين إلا للمدين به ، ويشترط أن يكون الثمن عينا حاضرة . 
إيضاح 
لايجوز بيع الدين إلا للمدين به ويشترط لصحة ذلك ألا يكون الثمن مؤجلا . بل يجب أن يكون عينة حاضرة لنهيه عليه السلام (عن بيع الكاليء بالكاليء) رواه أبو داود في الغريب وفسره الدين بالدين . 
ولبيع الدين بالدين صور كلها باطلة . إلا هذه الصورة التي نصت عليها المادة . ومن الصور الباطلة ، بيع الدين لغير من هو عليه مطلقة ، أي سواء كان الثمن حاضرة أو مؤجلا وذلك لعدم القدرة على التسليم ، ومنها بيع ما في الذمة حالا من هو عليه بثمن مؤجل، ومنها جعل رأس مال المدينة بأن يكون له دین عند آخر فيقول : جعلت مافي ذمتك رأس مال سب على كذا ، ومنها أن يكون لكل واحد من الاثنين دين على صاحبه من غير جنسه ، كالذهب والفضة وتصار فاهما ولم يحضرا شيئا فإنه لا يجوز ، سواء كانا حالين او مؤجلين ، لأنه بيع دین بدین ؛ فلين أحضر أحد الدينين أو كان أحد العوضين دينا ، والآخر أمانة ؛ أو مغصوبا عند صاحبه جاز . ولم يكن بيع دین بدین بل بعين . 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مشروع تقنين الشريعة الإسلامية على مذهب الإمام الأعظم ابى حنيفة (رضى الله عنه ) إعداد اللجنة التحضيرية لتقنين الشريعة الإسلامية بإشراف مجمع البحوث الإسلامية الطبعة التمهيدية (1392هـ ـ 1972م  )

15 - ما حرم أخذه حرم إعطاؤه .

المذكرة الإيضاحية يتضح معنى القاعدة في التعامل بالربا مثلا، فكما لا يجوز للإنسان أكل الربا لايجوز له دفعه ، وكذلك الرشوة .