مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الرابع ، الصفحة : 631
مذكرة المشروع التمهيدي :
1- هذه النصوص لا مقابل لها في التقنين الحالي، فلم يعرض هذا التقنين الإيجار الوقف على أهميته العملية، بل ترك الأمر للقضاء، وطبق القضاء أحكام الشريعة الإسلامية في ذلك، وقنن المشروع هذه الأحكام كما طبقها القضاء، فعرض لمن له الحق في إيجار الوقف و من له الحق في استئجاره، وكيف تقدر أجرة الوقف ولاية مدة يجوز الإيجار، وذكر أن أحكام عقد الإيجار تسري على إيجاره الوقف فيما لم تتعارض فيه، مع هذه الأحكام ( م 850 من المشروع).
2 - أما من له حق إيجار الوقف فهو الناظر (م 841 فقرة أولى من المشروع) ولا ينتهي الإيجار بموته أو بعزله، بل يسري إيجاره الصحيح على الناظر الذي يأتي بعده (م 849 من المشروع). أما المستحق، ولو انحصر فيه الاستحقاق، فلا يملك، الإيجار إلا إذاً أذن له في ذلك الواقف أو الناظر أو القاضي، والناظر هو الذي يقبض الأجرة حتى لو كان المؤجر غيره، إلا إذاً أذن الناظر في القبض لغيره (م 842 من المشروع ).
3- أما من له حق استئجار الوقف فمن يتعاقد معه الناظر على الإيجار ولو كان مستحقاً في الوقف بشرط ألا يكون هو الناظر، فإنه لا يجوز له أن يتعاقده مع نفسه في استئجار الوقف ولو أجر المثل، أما إذا كان المستأجر أحداً من أصوله أو فروعه ( أو ممن لا تقبل شهادتهم له ) فيجوز على أن يكون الإيجار بأجر المثلى (م 843 - 844 من المشروع)، ولم ينقل المشروع المادة 693 من مرشد الحيران و نصها ما يأتي :
و إذا انقضت مدة الإجارة تؤجر بأجر المثل لمن يرغب فيها ولو كان غير المستأجر الأول، ما لم يكن المستأجر الأول حق القرار في العين المستأجرة، فإن كان له حق القرار من بناء أو غراس قائم بحق فهو أولى بالإجارة من غيره بشرط أن يدفع أجر المثل، فيكون للمستأجر الذي بنى أو غرس في أرض الوقف خاص بها للأحكام العامة في عقد الإيجار.
4 - و أجرة الوقف يجب ألا يكون فيها غبن فاحش، فلا يجوز أن تقل عن أربعة أخماس أجر المثل، بل يجب أن تكون أجر المثل في بعض الأحوال كما تقدم، وينطبق هذا الحكم حتى لو كان المؤجر هو المستحق الوحيد الذي له ولاية التصرف في الوقف، لجواز أن يخل بحق المستحق الذي يأتي بعده، وإذا عقد إيجار بغبن فاحش خير المستأجر بين الفسيخ ودفع أجر المثل، ويستطيع الناظر الذي صدر منه الإيجار أن يطالب بذلك (م 845 من المشروع )، ولم ينقل المشروع أحكام الشريعة الإسلامية في حالة ما إذا نقص أجر المثل أو زاد قبل انتهاء الإيجار (م 690 - 962 من مرشد الحيران )، وآثر استقرار التعامل بجعل الأجرة المتفق عليها هي التي تسري إلى أن ينتهي الإيجار .
5- أما مدة الإيجار فيراعى فيها شرط الواقف، فإن عين مدة وجب التقيد بها، و إلا إذا كان في مجاوزتها ضرورة أو نفع لاوقف، فيجوز للناظر في هذه الحالة أن يستأذن القاضي في الإيجار لمدة أطول إذا لم يكن مأذوناً في ذلك من قبل في كتاب الوقف، وإذا لم يحدد الواقف المدة، فالمباني لا يزيد إيجارها عن سنة إلا إذا كانت الزيادة تقتضيها المصلحة و يترك ذلك لتقدير الناظر، والأراضي لا يزيد إيجارها على ثلاث سنوات، إلا إذا كانت المصلحة تقتضى النقص وفقاً لتقدير الناظر م 846 - 847 من المشروع). ولا تزيد مدة الإيجار في كل حال على ثلاث سنوات ولو بعقود مترادفة، فإذا زادت أنقصت إلى ثلاث، ومع ذلك يجوز الإيجار المدة أطول من ثلاث سنوات في حالتين : (أ) إذاً أذن القاضي، ويأذن للضرورة كما لو كان الوقف محتاجاً للعمارة . (ب ) إذا كان الناظر هو المستحق الوحيد، و يسري الإيجار ما دامت نظارته باقية، فإن أنهت جاز للناظر الذي خلفه، إذا لم يكن الإيجار قد انقضى، أن ينقص المدة إلى ثلاث سنوات (م 848 من المشروع ).
المشروع في لجنة المراجعة
تليت المادة 845 من المشروع واقترح تعديل الفقرة الأولى ما يجعل حكم إجارة المستحق الوحيد الذي له ولاية التصرف في الوقف جائزة بالغين الفاحش في حق نفسه لا في حق من يليه من المستحقين، فوافقت اللجنة على كل ذلك وأصبح نص المادة النهائي ما يأتي :
1- لاتصح إجارة الوقف بالغبن الفاحش إلا إذا كان المؤجر هو المستحق الذي له ولاية التصرف في الوقف فتجوز إجارته بالغبن الفاحش في حق نفسه لا في حق من يليه من المستحقين.
2- والغبن الفاحش هو ما يزيد على خمس أجرة المثل والعبرة في تقدير أجرة المثل بالوقت الذي أبرم فيه عقد الإيجار ولا يعتد بالتغيير الحاصل بعد ذلك.
3- وإذا أجر المتولي الوقف بالغبن الفاحش وجب على المستأجر تكملة الأجرة إلى أربعة أخماس أجر المثل وإلا فسخ العقد .
وقدمت بعد إضافة كلمة الوحيد، بعد كلمة المستحق، في الفقرة الأولى، وأصبح رقمها 660 في المشروع النهائي .
المشروع في مجلس النواب
وافق المجلس على المادة دون تعديل تحت رقم 659
المشروع في مجلس الشيوخ
مناقشات لجنة القانون المدني :
محضر الجلسة الحادية والثلاثين
تليت المادة 659 ورأت اللجنة حذف جزء من الفقرة الثانية منها وهو الخاص بتحديد نسبة الغبن الفاحش في إجارة الوقف فقد قررت اللجنة إفرادها في مادة خاصة تكون 659 مكررة على الوجه الآتي .
مادة 659 مكررة – في إجارة الوقف تكون العبرة في تقدير أجر المثل بالوقت الذي أبرم فيه عقد الإيجار ولا يعتد بالتغيير الحاصل بعد ذلك .
وبذلك أصبحت الفقرة الثالثة من المادة فقرة ثانية و تقرر حذف كلمتي أربعة أخماس منها.
تقرير اللجنة :
حذفت الفقرة الثانية من النص وأفردت لها مادة خاصة، أتت في الترتيب بعد هذه المادة مباشرة، وأصبحت الفقرة الثالثة فقرة ثانية وحذفت منها عبارة أربعة أخماس، لأن اللجنة رأت ألا تعين نسبة العين الفاحش في النص وتركت تقديره الأحكام الشريعة الإسلامية - وأصبح رقمها 631
مناقشات المجلس :
وافق المجلس على المادة كما عدلتها اللجنة.
1 ـ إقتصرت المادة 631 من القانون المدنى على تقرير أن إجازة الوقف بالغبن الفاحش لا تصح ، دون أن تبين مسئولية ناظر الوقف عن هذا الغبن كما خلت المواد الأخرى الواردة فى القانون المدنى فى الباب الخاص بإيجار الوقف من تحديد هذه المسئولية لأن موضعها خارج عن نطاق هذا الباب .
(الطعن رقم 384 لسنة 34 جلسة 1968/04/25 س 19 ع 2 ص 875 ق 127)
2 ـ إختلف فقهاء الشريعة الإسلامية فيما إذا كان متولى الوقف يضمن الغبن الفاحش إذا أجر عقار الوقف بأقل من أجر المثل أو لا يضمنه فقال بعض المتقدمين إنه لا يضمنه و إنما يلزم المستأجر أجر المثل و قال البعض من هؤلاء أن المتولى يلزمه تمام أجر المثل و ذهب رأى ثالث إلى أن المتولى يضمن نصفه و نصفه الآخر يضمنه المستأجر بينما ذهب غالبية المتأخرين إلى أن المتولى يضمن الغبن الفاحش و لو كان متعمدا و على قول البعض عالماً به لأن ذلك منه يكون جناية تستوجب عزله . و هذا الرأى الأخير هو ما تأخذ به محكمة النقض لو كان الناظر بغير أجر إذ يعتبر تأجيره أعيان الوقف بالغبن الفاحش و هو متعمد أو عالم به تقصيراً جسيماً فيسأل عنه دائما .
(الطعن رقم 384 لسنة 34 جلسة 1968/04/25 س 19 ع 2 ص 875 ق 127)
قضت المادة بأنه لا يصح تأجير الوقف بالغبن الفاحش، ولكنها لم تحدد مقدار الغبن الذي يعد فاحشاً.
وأجازت المادة الإيجار بالغبن الفاحش إذا كان المؤجر هو المستحق الوحيد الذي له ولاية التصرف في الوقف، والذي له ولاية التصرف في الوقف هو الناظر وقد يكون أيضاً غير الناظر بأن يكون مأذوناً من الناظر أو من الواقف أو من القاضي، فيصح إذن أن يؤجر أحد هؤلاء الوقف بغبن فاحش إذا كان هو المستحق الوحيد لأن الضرر في هذه الحالة يلحقه وحده وقد قبله.
ويكون هذا التأجير مقصوراً على المدة التي يبقى فيها استحقاق الوقف كله للمؤجر، أما متى انتقل الاستحقاق إلى من يليه، فإن المستأجر يلتزم إزاء الأخير بتكملة الأجرة فيما يتعلق بالمدة الباقية من الإيجار.
التقيد بالحد الأقصى للأجرة الوارد بقانوني إيجار الأماكن والإصلاح الزراعية:
يراعى أن النصوص الخاصة بوضع حد أقصى لأجرة الأماكن الواردة بالقانون رقم 49 لسنة 1977 المعدل بالقانون رقم 136 لسنة 1981 والقوانين السابقة عليه، وكذا النصوص الخاصة بوضع حد أقصى لأجرة الأراضي الزراعية الواردة بالمرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952، تسري على أعيان الوقف باعتبارها نصوصاً لاحقة على نصوص القانون المدني من ناحية، ومتعلقة بالنظام العام من ناحية أخرى.(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ السابع ، الصفحة/ 1265)
الأجرة في إيجار الوقف - يلاحظ أن ما تقدم من تعيين حد أقصى الأجرة الأماكن المبنية ولأجرة الأراضي سواء أجرت بالنقد أو بطريقة المزارعة يسري على أجرة أعيان الوقف، ولكن باعتباره جداً أقصى يحتمل النزول عنه إلى أجرة أقل منه مع مراعاة القواعد العامة والقواعد الخاصة بإيجار الوقف، وبناء على ذلك فكل ما سيجيء من أحكام عن أجرة الوقف يجب أن يكون مفهوماً أنه لا يسري إلا في نطاق الحد الأقصى للأجرة الذي تطبقه قوانين إيجار الأماكن والقواعد التي تحكم إيجارات الأراضي الزراعية.
والأصل أنه يجب أن يكون ايجار الوقف بأجر المثل ولو كان المؤجر هو الناظر والمستحق الوحيد، وذلك لاحتمال موت الأخير في أثناء مدة الإجارة، فيضر من يليه من المستحقين إذا كانت الإجارة بأقل من أجر المثل على أنه يجوز التسامح في الغبن اليسير ما لم يكن المستأجر أحد فروع الناظر أو أصوله (راجع النبذة السابقة ).
وقد نصت المادة 631 على أن لا تصح إجارة الوقف بالغبن الفاحش، ولكن يجب ألا يفهم من ذلك أن العين الفاحش بيطل الإيجار، فإن الفقرة الثانية من هذه المادة (وهي قد وردت خطأ على أنها فقرة ثانية من المادة 632) نصت على أنه « إذا آجر الناظر الوقف بالعين الفاحش، وجب على المستأجر تكملة الأجرة الى أجر المثل وإلا فسخ العقد» ، فجعلت جزاء الغبن الفاحش التزام المستأجر بتكملة الأجرة لا بطلان الإيجار فإذا امتنع المستأجر عن التكمله کان مخلاً بالتزامه وجار للمؤجر طلب الفسخ .
ولكن متى يعتبر الذين يسيراً يمكن التجاوز عنه ومتى يعتبر فاحشاً يستوجب التكملة ؟ - كانت المادة 845 من مشروع تنقيح القانون المدني تقضى في الفقرة الثانية منها بأن الغبن الفاحش هو ما يزيد على خمس أجرة المثل ... ولكن لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ رأت ألا تعين نسبة الغبن الفاحش في النص وأن تترك تقديره لأحكام الشريعة الاسلامية فحذفت هذا الجزء من الفقرة الخاصة بتحديد نسبة العين الفاحش في إدارة لوقفه، غير أن هذا لا يغير في المهم، لأن المقرر في الشريعة الإسلامية أن الغبن الفاحش هو ما يزيد على خمس أجرة المثل.(الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ الثامن ،الصفحة/ 893)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثامن عشر ، الصفحة / 60
مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى التَّحْكِيرِ بِغَبَنٍ فَاحِشٍ:
17 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ نَاظِرَ الْوَقْفِ إِذَا آجَرَ الْوَقْفَ بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَبِغَبَنٍ فَاحِشٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فَسَادُ عَقْدِ الإْجَارَةِ . هَذَا، وَإِذَا كَانُوا قَدْ اتَّفَقُوا عَلَى فَسَادِ الْعَقْدِ، فَإِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي النَّتَائِجِ الَّتِي تَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ، فَقَالَ الْخَصَّافُ: إِنِ اسْتَغَلَّهَا فَعَلَيْهِ أَجْرُ الْمِثْلِ، لأِنَّ الْمُتَوَلِّيَ أَبْطَلَ بِالتَّسْمِيَةِ مَا زَادَ عَلَى الْمُسَمَّى إِلَى تَمَامِ أَجْرِ الْمِثْلِ، وَهُوَ لاَ يَمْلِكُهُ، فَيَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ، كَمَا لَوْ آجَرَ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةِ أَجْرٍ. أَمَّا إِذَا لَمْ يَسْتَغِلَّهَا، كَالدَّارِ يَقْبِضُهَا وَلاَ يَسْكُنُهَا، فَهُوَ يَرَى أَنَّهُ لاَ أَجْرَ عَلَيْهِ، لأِنَّ أَجْرَ الْمِثْلِ لاَ يَلْزَمُهُ فِي الإْجَارَةِ الْفَاسِدَةِ، بَلْ لاَ بُدَّ مِنَ اسْتِعْمَالِ الْعَيْنِ الْمَوْقُوفَةِ الْمُؤَجَّرَةِ، كَيْ يَجِبَ أَجْرُ الْمِثْلِ عَلَيْهِ.
وَقَالَ صَاحِبُ الإِسْعَافِ وَابْنُ عَابِدِينَ: إِنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ عَلَى كُلِّ حَالٍ.
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ النَّاظِرَ إِذَا أَكْرَى الْعَيْنَ الْمَوْقُوفَةَ بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ ضَمِنَ تَمَامَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ إِنْ كَانَ مَلِيًّا، وَإِلاَّ رَجَعَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ، لأِنَّهُ مُبَاشِرٌ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ بِصِحَّةِ عَقْدِ الإْجَارَةِ إِذَا آجَرَ النَّاظِرُ الْعَيْنَ الْمَوْقُوفَةَ بِأَقَلَّ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ، حَتَّى إِذَا صَاحَبَ هَذِهِ الإْجَارَةَ غَبْنٌ فَاحِشٌ، فَعَلَى النَّاظِرِ ضَمَانُ النَّقْصِ فِي الأْجْرَةِ فِيمَا لاَ يُتَغَابَنُ بِهِ فِي الْعَادَةِ، إِذَا كَانَ النَّاظِرُ غَيْرَ الْمُسْتَحِقِّ فِي الْوَقْفِ، أَمَّا إِذَا كَانَ النَّاظِرُ هُوَ الْمُسْتَحِقَّ الْوَحِيدَ فِي الْوَقْفِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لاَ يَضْمَنُ.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثامن والعشرون ، الصفحة / 258
يَدُ الأْمَانَةِ وَيَدُ الضَّمَانِ:
66 - الْمَشْهُورُ تَقْسِيمُ الْيَدِ إِلَى قِسْمَيْنِ: يَدِ أَمَانَةٍ، وَيَدِ ضَمَانٍ.
وَيَدُ الأْمَانَةِ، حِيَازَةُ الشَّيْءِ أَوِ الْمَالِ، نِيَابَةً لاَ تَمَلُّكًا، كَيَدِ الْوَدِيعِ، وَالْمُسْتَعِيرِ، وَالْمُسْتَأْجِرِ، وَالشَّرِيكِ، وَالْمُضَارِبِ وَنَاظِرِ الْوَقْفِ، وَالْوَصِيِّ.
وَيَدُ الضَّمَانِ، حِيَازَةُ الْمَالِ لِلتَّمَلُّكِ أَوْ لِمَصْلَحَةِ الْحَائِزِ، كَيَدِ الْمُشْتَرِي وَالْقَابِضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ، وَالْمُرْتَهِنِ، وَالْغَاصِبِ وَالْمَالِكِ، وَالْمُقْتَرِضِ.
وَحُكْمُ يَدِ الأْمَانَةِ، أَنَّ وَاضِعَ الْيَدِ أَمَانَةً، لاَ يَضْمَنُ مَا هُوَ تَحْتَ يَدِهِ، إِلاَّ بِالتَّعَدِّي أَوِ التَّقْصِيرِ، كَالْوَدِيعِ فَإِنَّهُ إِذَا أَوْدَعَ الْوَدِيعَةَ عِنْدَ مَنْ لاَ يُودَعُ مِثْلُهَا عِنْدَ مِثْلِهِ يَضْمَنُهَا.
وَحُكْمُ يَدِ الضَّمَانِ، أَنَّ وَاضِعَ الْيَدِ عَلَى الْمَالِ، عَلَى وَجْهِ التَّمَلُّكِ أَوِ الاِنْتِفَاعِ بِهِ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ، يَضْمَنُهُ فِي كُلِّ حَالٍ، حَتَّى لَوْ هَلَكَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ، أَوْ عَجَزَ عَنْ رَدِّهِ إِلَى صَاحِبِهِ، كَمَا يَضْمَنُهُ بِالتَّلَفِ وَالإْتْلاَفِ.
فَالْمَالِكُ ضَامِنٌ لِمَا يَمْلِكُهُ وَهُوَ تَحْتَ يَدِهِ، فَإِذَا انْتَقَلَتِ الْيَدُ إِلَى غَيْرِهِ بِعَقْدِ الْبَيْعِ، أَوْ بِإِذْنِهِ، كَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ، أَوْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ كَالْمَغْصُوبِ، فَالضَّمَانُ فِي ذَلِكَ عَلَى ذِي الْيَدِ.
وَلَوِ انْتَقَلَتِ الْيَدُ إِلَى غَيْرِهِ، بِعَقْدِ وَدِيعَةٍ أَوْ عَارِيَّةً، فَالضَّمَانُ - أَيْضًا - عَلَى الْمَالِكِ .
أَهَمُّ الأْحْكَامِ وَالْفَوَارِقِ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْيَدَيْنِ:
أ - تَأْثِيرُ السَّبَبِ السَّمَاوِيِّ:
67 - إِذَا هَلَكَ الشَّيْءُ بِسَبَبٍ لاَ دَخْلَ لِلْحَائِزِ فِيهِ وَلاَ لِغَيْرِهِ، انْتَفَى الضَّمَانُ فِي يَدِ الأْمَانَةِ، لاَ فِي يَدِ الضَّمَانِ، فَلَوْ هَلَكَتِ الْعَارِيَّةُ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ بِسَبَبِ الْحَرِّ أَوِ الْبَرْدِ، لاَ يَضْمَنُ الْمُسْتَعِيرُ، لأِنَّ يَدَهُ يَدُ أَمَانَةٍ.
بِخِلاَفِ يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ إِلَى الْمُشْتَرِي، فَإِنَّهُ لاَ يَنْتَفِي الضَّمَانُ بِهَلاَكِهِ بِذَلِكَ، بَلْ يُفْسَخُ الْعَقْدُ، وَيَسْقُطُ الثَّمَنُ، لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ مِنْ بَقَائِهِ، لِعَجْزِ الْبَائِعِ عَنْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ كُلَّمَا طَالَبَ بِالثَّمَنِ، فَامْتَنَعَتِ الْمُطَالَبَةُ، وَارْتَفَعَ الْعَقْدُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ .
وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ مَالِكٍ، انْتِقَالُ الضَّمَانِ إِلَى الْمُشْتَرِي بِنَفْسِ الْعَقْدِ .
ب - تَغَيُّرُ صِفَةِ وَضْعِ الْيَدِ:
68 - تَتَغَيَّرُ صِفَةُ يَدِ الأْمِينِ وَتُصْبِحُ يَدَ ضَمَانٍ بِالتَّعَدِّي، فَإِذَا تَلِفَ الشَّيْءُ بَعْدَ ذَلِكَ ضَمِنَهُ، مَهْمَا كَانَ سَبَبُ التَّلَفِ، وَلَوْ سَمَاوِيًّا.
أ - فَفِي الإْجَارَةِ، يُعْتَبَرُ الأْجِيرُ الْمُشْتَرَكُ أَمِينًا - عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - وَالْمَتَاعُ فِي يَدِهِ أَمَانَةٌ، لاَ يُضْمَنُ إِنْ هَلَكَ بِغَيْرِ عَمَلِهِ، إِلاَّ إِنْ قَصَّرَ فِي حِفْظِهِ، كَالْوَدِيعِ إِذَا قَصَّرَ فِي حِفْظِ الْوَدِيعَةِ أَوْ تَعَمَّدَ الإْتْلاَفَ، أَوْ تَلِفَ الْمَتَاعُ بِفِعْلِهِ، كَتَمَزُّقِ الثَّوْبِ مِنْ دَقِّهِ .
ب - وَفِي الْوَدِيعَةِ، يَضْمَنُ إِذَا تَرَكَ الْحِفْظَ الْمُلْتَزَمَ، كَأَنْ رَأَى إِنْسَانًا يَسْرِقُ الْوَدِيعَةَ، فَتَرَكَهُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْمَنْعِ، أَوْ خَالَفَ فِي كَيْفِيَّةِ الْحِفْظِ، أَوْ أَوْدَعَهَا مَنْ لَيْسَ فِي عِيَالِهِ، أَوْ عِنْدَ مَنْ لاَ تُودَعُ عِنْدَ مِثْلِهِ، أَوْ سَافَرَ بِهَا، أَوْ جَحَدَهَا كَمَا تَقَدَّمَ. انْظُرْ مُصْطَلَحَ: (وَدِيعَة).
ج - وَفِي الْعَارِيَّةِ، وَهِيَ أَمَانَةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، مَا عَدَا الْحَنَابِلَةَ، لاَ تُضْمَنُ إِنْ هَلَكَتْ بِالاِنْتِفَاعِ الْمُعْتَادِ، وَتُضْمَنُ بِالتَّعَدِّي، كَأَنْ يَدُلَّ عَلَيْهَا سَارِقًا أَوْ يُتْلِفَهَا أَوْ يَمْنَعَهَا مِنَ الْمُعِيرِ بَعْدَ الطَّلَبِ، عَلَى تَفْصِيلٍ بَيْنَ مَا يُغَابُ وَمَا لاَ يُغَابُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ .
ج - الْمَوْتُ عَنْ تَجْهِيلٍ:
69 - مَعْنَى التَّجْهِيلِ: أَنْ لاَ يُبَيِّنَ حَالَ الأْمَانَةِ الَّتِي عِنْدَهُ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ وَارِثَهُ لاَ يَعْلَمُ حَالَهَا، كَذَلِكَ فَسَّرَهُ ابْنُ نُجَيْمٍ فَالْوَدِيعُ إِذَا مَاتَ مُجْهِلاً حَالَ الْوَدِيعَةِ الَّتِي عِنْدَهُ، وَوَارِثَهُ لاَ يَعْلَمُ حَالَهَا، يَضْمَنُهَا بِذَلِكَ.
وَمَعْنَى ضَمَانِهَا - كَمَا يَقُولُ ابْنُ نُجَيْمٍ - صَيْرُورَتُهَا دَيْنًا فِي تَرِكَتِهِ .
وَكَذَلِكَ نَاظِرُ الْوَقْفِ، إِذَا مَاتَ مُجْهِلاً لِحَالِ بَدَلِ الْوَقْفِ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ.
وَكَذَا كُلُّ شَيْءٍ أَصْلُهُ أَمَانَةٌ يَصِيرُ دَيْنًا فِي التَّرِكَةِ بِالْمَوْتِ عَنْ تَجْهِيلٍ .
وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ تَرْكَ الإْيصَاءِ فِي الْوَدِيعَةِ يَسْتَوْجِبُ الضَّمَانَ، وَقَالُوا: إِذَا مَرِضَ الْمُودَعُ مَرَضًا مَخُوفًا، أَوْ حُبِسَ لِيُقْتَلَ لَزِمَهُ أَنْ يُوصِيَ، فَإِنْ سَكَتَ عَنْ ذَلِكَ لَزِمَهُ الضَّمَانُ، لأِنَّهُ عَرَّضَهَا لِلْفَوَاتِ، لأِنَّ الْوَارِثَ يَعْتَمِدُ ظَاهِرَ الْعَيْنِ، وَلاَ بُدَّ فِي الْوَصِيَّةِ مِنْ بَيَانِ الْوَدِيعَةِ، حَتَّى لَوْ قَالَ: عِنْدِي لِفُلاَنٍ ثَوْبٌ، وَلَمْ يُوجَدْ فِي تَرِكَتِهِ، ضَمِنَ لِعَدَمِ بَيَانِهِ . (ر: تَجْهِيل).
د - الشَّرْطُ:
70 - لاَ أَثَرَ لِلشَّرْطِ فِي صِفَةِ الْيَدِ الْمُؤْتَمَنَةِ عِنْدَ الأْكْثَرِينَ.
قَالَ الْبَغْدَادِيُّ: اشْتِرَاطُ الضَّمَانِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ بَاطِلٌ، وَقِيلَ: تَصِيرُ مَضْمُونَةً .
وَقَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ: وَاشْتِرَاطُ الضَّمَانِ عَلَى الأْمِينِ بَاطِلٌ، بِهِ يُفْتَى فَلَوْ شَرَطَ الْمُؤَجِّرُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ ضَمَانَ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ، فَالشَّرْطُ فَاسِدٌ.
وَلَوْ شَرَطَ الْمُودَعُ عَلَى الْوَدِيعِ ضَمَانَ الْوَدِيعَةِ فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، وَلاَ ضَمَانَ لَوْ تَلِفَتْ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي سَائِرِ الأْمَانَاتِ .
وَعَلَّلَهُ الْمَالِكِيَّةُ، بِأَنَّهُ لِمَا فِيهِ مِنْ إِخْرَاجِهَا عَنْ حَقِيقَتِهَا الشَّرْعِيَّةِ .
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: لأِنَّهُ شَرْطٌ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ، وَلَوْ قَالَ الْوَدِيعُ: أَنَا ضَامِنٌ لَهَا لَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ بِغَيْرِ تَعَدٍّ وَلاَ تَقْصِيرٍ، لأِنَّ ضَمَانَ الأْمَانَاتِ غَيْرُ صَحِيحٍ .
وَنَصَّ الْقَلْيُوبِيُّ عَلَى أَنَّ شَرْطَ الأْمَانَةِ فِي الْعَارِيَّةِ - وَهِيَ مَضْمُونَةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِذَا هَلَكَتْ بِغَيْرِ الاِسْتِعْمَالِ - هُوَ شَرْطٌ مُفْسِدٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَشَرْطُ أَنْ لاَ ضَمَانَ فِيهَا فَاسِدٌ لاَ مُفْسِدٌ .
وَجَاءَ فِي نُصُوصِ الْحَنَابِلَةِ: كُلُّ مَا كَانَ أَمَانَةً لاَ يَصِيرُ مَضْمُونًا بِشَرْطِهِ، لأِنَّ مُقْتَضَى الْعَقْدِ كَوْنُهُ أَمَانَةً، فَإِذَا شَرَطَ ضَمَانَهُ، فَقَدِ الْتَزَمَ ضَمَانَ مَا لَمْ يُوجَدْ سَبَبُ ضَمَانِهِ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ، كَمَا لَوِ اشْتَرَطَ ضَمَانَ الْوَدِيعَةِ، أَوْ ضَمَانَ مَالٍ فِي يَدِ مَالِكِهِ. وَمَا كَانَ مَضْمُونًا لاَ يَنْتَفِي ضَمَانُهُ بِشَرْطِهِ، لأِنَّ مُقْتَضَى الْعَقْدِ الضَّمَانُ، فَإِذَا شَرَطَ نَفْيَ ضَمَانِهِ لاَ يَنْتَفِي مَعَ وُجُودِ سَبَبِهِ، كَمَا لَوِ اشْتَرَطَ نَفْيَ ضَمَانِ مَا يَتَعَدَّى فِيهِ.
وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ ذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: «الْمُؤْمِنُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الضَّمَانِ بِشَرْطِهِ، وَالأْوَّلُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، لِمَا ذَكَرْنَاهُ .
الْقَوَاعِدُ الْفِقْهِيَّةُ فِي الضَّمَانِ:
الْقَوَاعِدُ فِي الضَّمَانِ كَثِيرَةٌ، نُشِيرُ إِلَى أَهَمِّهَا ، بِاخْتِصَارٍ فِي التَّعْرِيفِ بِهَا، وَالتَّمْثِيلِ لَهَا، كُلَّمَا دَعَتِ الْحَاجَةُ، مُرَتَّبَةً بِحَسَبِ أَوَائِلِ حُرُوفِهَا:
الْقَاعِدَةُ الأْولَى: «الأْجْرُ وَالضَّمَانُ لاَ يَجْتَمِعَانِ » :
71 - الأْجْرُ هُوَ: بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ. وَالضَّمَانُ - هُنَا - هُوَ: الاِلْتِزَامُ بِقِيمَةِ الْعَيْنِ الْمُنْتَفَعِ بِهَا، هَلَكَتْ أَوْ لَمْ تَهْلَكْ، وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ مِنْ قَوَاعِدِ الْحَنَفِيَّةِ، الْمُتَّصِلَةِ بِرَأْيِهِمْ فِي عَدَمِ ضَمَانِ مَنَافِعِ الْمَغْصُوبِ، خِلاَفًا لِلْجُمْهُورِ.
فَلَوِ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً أَوْ سَيَّارَةً، لِحَمْلِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ، فَحَمَّلَهَا شَيْئًا آخَرَ أَوْ أَثْقَلَ مِنْهُ بِخِلاَفِ جِنْسِهِ، كَأَنْ حَمَلَ مَكَانَ الْقُطْنِ حَدِيدًا فَتَلِفَتْ، ضَمِنَ قِيمَتَهَا، وَلاَ أَجْرَ عَلَيْهِ، لأِنَّ هَا هَلَكَتْ بِغَيْرِ الْمَأْذُونِ فِيهِ.
وَكَذَا لَوِ اسْتَأْجَرَهَا، لِيَرْكَبَهَا إِلَى مَكَانٍ مُعَيَّنٍ، فَذَهَبَ بِهَا إِلَى مَكَانٍ آخَرَ فَهَلَكَتْ، ضَمِنَ قِيمَتَهَا، وَلاَ أَجْرَ عَلَيْهِ، لأِنَّ الأْجْرَ وَالضَّمَانَ لاَ يَجْتَمِعَانِ، عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ .
لَكِنِ الْقَاعِدَةُ مَشْرُوطَةٌ عِنْدَهُمْ، بِعَدَمِ اسْتِقْرَارِ الأْجْرِ فِي ذِمَّةِ الضَّامِنِ، كَمَا لَوِ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةَ الدَّابَّةِ - مَثَلاً - فِعْلاً، ثُمَّ تَجَاوَزَ فَصَارَ غَاصِبًا، وَضَمِنَ، يَلْزَمُهُ أَجْرُ مَا سَمَّى عِنْدَهُمْ، إِذَا سَلِمَتِ الدَّابَّةُ وَلَمْ تَهْلَكْ .
وَالْجُمْهُورُ يُوجِبُونَ الأْجْرَ كُلَّمَا كَانَ لِلْمَغْصُوبِ أَجْرٌ، لأِنَّ الْمَنَافِعَ مُتَقَوِّمَةٌ كَالأْعْيَانِ، فَإِذَا تَلِفَتْ أَوْ أَتْلَفَهَا فَقَدْ أَتْلَفَ مُتَقَوِّمًا، فَوَجَبَ ضَمَانُهُ كَالأْعْيَانِ وَإِذَا ذَهَبَ بَعْضُ أَجْزَاءِ الْمَغْصُوبِ فِي مُدَّةِ الْغَصْبِ، وَجَبَ مَعَ الأْجْرَةِ أَرْشُ نَقْصِهِ لاِنْفِرَادِ كُلٍّ بِإِيجَابٍ .
وَلِلْمَالِكِيَّةِ أَقْوَالٌ: وَافَقُوا فِي بَعْضِهَا الْحَنَفِيَّةَ، وَفِي بَعْضِهَا الْجُمْهُورَ وَانْفَرَدُوا بِتَفْصِيلٍ فِي بَعْضِهَا .
الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ: إِذَا اجْتَمَعَ الْمُبَاشِرُ وَالْمُتَسَبِّبُ يُضَافُ الْحُكْمُ إِلَى الْمُبَاشِرِ .
72 - الْمُبَاشِرُ لِلْفِعْلِ: هُوَ الْفَاعِلُ لَهُ بِالذَّاتِ، وَالْمُتَسَبِّبُ هُوَ الْمُفْضِي وَالْمُوَصِّلُ إِلَى وُقُوعِهِ، وَيَتَخَلَّلُ بَيْنَ فِعْلِهِ وَبَيْنَ الأْثَرِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهِ فِعْلُ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ، وَالْمُبَاشِرُ يَحْصُلُ الأْثَرُ بِفِعْلِهِ مِنْ غَيْرِ تَخَلُّلِ فِعْلِ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ.
وَإِنَّمَا قُدِّمَ الْمُبَاشِرُ لأِنَّهُ أَقْرَبُ لإِضَافَةِ الْحُكْمِ إِلَيْهِ مِنَ الْمُتَسَبِّبِ، قَالَ خَلِيلٌ: وَقُدِّمَ عَلَيْهِ الْمُرْدِي فَلَوْ حَفَرَ رَجُلٌ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ الْعَامِّ، بِغَيْرِ إِذْنٍ مِنْ وَلِيِّ الأْمْرِ، فَأَلْقَى شَخْصٌ حَيَوَانَ غَيْرِهِ فِي تِلْكَ الْبِئْرِ، ضَمِنَ الَّذِي أَلْقَى الْحَيَوَانَ، لأِنَّهُ الْعِلَّةُ الْمُؤَثِّرَةُ، دُونَ حَافِرِ الْبِئْرِ، لأِنَّ التَّلَفَ لَمْ يَحْصُلْ بِفِعْلِهِ.
وَلَوْ وَقَعَ الْحَيَوَانُ فِيهِ بِغَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ، ضَمِنَ الْحَافِرُ، لِتَسَبُّبِهِ بِتَعَدِّيهِ بِالْحَفْرِ بِغَيْرِ إِذْنٍ.
وَكَذَلِكَ لَوْ دَلَّ سَارِقًا عَلَى مَتَاعٍ، فَسَرَقَهُ الْمَدْلُولُ، ضَمِنَ السَّارِقُ لاَ الدَّالُّ.
وَلِذَا لَوْ دَفَعَ إِلَى صَبِيٍّ سِكِّينًا، فَوَجَأَ بِهِ نَفْسَهُ، لاَ يَضْمَنُ الدَّافِعُ، لِتَخَلُّلِ فِعْلِ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ. وَلَوْ وَقَعَ السِّكِّينُ عَلَى رِجْلِ الصَّبِيِّ فَجَرَحَهَا ضَمِنَ الدَّافِعُ .
الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ: «الاِضْطِرَارُ لاَ يُبْطِلُ حَقَّ الْغَيْرِ» .
73 - تَطَّرِدُ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ سَوَاءٌ أَكَانَ الاِضْطِرَارُ فِطْرِيًّا كَالْجُوعِ، أَمْ غَيْرَ فِطْرِيٍّ كَالإْكْرَاهِ، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ الإْثْمُ، وَعُقُوبَةُ التَّجَاوُزِ، أَمَّا حَقُّ الآْخَرِينَ فَلاَ يَتَأَثَّرُ بِالاِضْطِرَارِ، وَيَبْقَى الْمَالُ مَضْمُونًا بِالْمِثْلِ إِنْ كَانَ مِثْلِيًّا، وَالْقِيمَةِ إِنْ كَانَ قِيَمِيًّا. فَلَوِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ إِلَى أَكْلِ طَعَامِ غَيْرِهِ، جَازَ لَهُ أَكْلُهُ، وَضَمِنَ قِيمَتَهُ، لِعَدَمِ إِذْنِ الْمَالِكِ، وَإِنَّمَا الَّذِي وُجِدَ هُوَ إِذْنُ الشَّرْعِ الَّذِي أَسْقَطَ الْعُقُوبَةَ فَقَطْ .
الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةُ: «الأْمْرُ بِالتَّصَرُّفِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بَاطِلٌ» .
74 - الأْمْرُ: هُوَ طَلَبُ الْفِعْلِ جَزْمًا، فَإِذَا أَمَرَ شَخْصٌ غَيْرَهُ بِأَخْذِ مَالِ شَخْصٍ آخَرَ أَوْ بِإِتْلاَفِهِ عَلَيْهِ فَلاَ عِبْرَةَ بِهَذَا الأْمْرِ، وَيَضْمَنُ الْفَاعِلُ.
وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ مُقَيَّدَةٌ:
بِأَنْ يَكُونَ الْمَأْمُورُ عَاقِلاً بَالِغًا، فَإِذَا كَانَ صَغِيرًا، كَانَ الضَّمَانُ عَلَى الآْمِرِ. وَأَنْ لاَ يَكُونَ الآْمِرُ ذَا وِلاَيَةٍ وَسُلْطَانٍ عَلَى الْمَأْمُورِ.
فَلَوْ كَانَ الآْمِرُ هُوَ السُّلْطَانَ أَوِ الْوَالِدَ، كَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا .
الْقَاعِدَةُ الْخَامِسَةُ: «جِنَايَةُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ».
75 - هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مُقْتَبَسَةٌ مِنْ حَدِيثٍ شَرِيفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالي عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «الْعَجْمَاءُ جُرْحُهَا جُبَارٌ» وَالْعَجْمَاءُ: الْبَهِيمَةُ، لأِنَّ هَا لاَ تُفْصِحُ، وَمَعْنَى جُبَارٌ: أَنَّهُ هَدَرٌ وَبَاطِلٌ.
وَالْمُرَادُ أَنَّهَا إِذَا كَانَتْ مُسَيَّبَةً حَيْثُ تُسَيَّبُ الْحَيَوَانَاتُ، وَلاَ يَدَ عَلَيْهَا، أَمَّا لَوْ كَانَ مَعَهَا رَاكِبٌ فَيَضْمَنُ، فَلَوِ اصْطَادَتْ هِرَّتُهُ طَائِرًا لِغَيْرِهِ لَمْ يَضْمَنْ .
وَفِي الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلٌ وَخِلاَفٌ يَأْتِي فِي ضَمَانِ جِنَايَةِ الْحَيَوَانِ.
الْقَاعِدَةُ السَّادِسَةُ: «الْجَوَازُ الشَّرْعِيُّ يُنَافِي الضَّمَانَ» .
76 - يَعْنِي إِذَا تَرَتَّبَ عَلَى الْفِعْلِ الْجَائِزِ الْمُبَاحِ شَرْعًا، ضَرَرٌ لِلآْخَرِينَ، لاَ يُضْمَنُ الضَّرَرُ. فَلَوْ حَفَرَ حُفْرَةً فِي مِلْكِهِ، أَوْ فِي الطَّرِيقِ، بِإِذْنِ الْحَاكِمِ، فَتَرَدَّى فِيهَا حَيَوَانٌ أَوْ إِنْسَانٌ، لاَ يَضْمَنُ الْحَافِرُ شَيْئًا. وَهَذَا مُقَيَّدٌ بِشَرْطَيْنِ:
1 - أَنْ لاَ يَكُونَ الْمُبَاحُ مُقَيَّدًا بِشَرْطِ السَّلاَمَةِ، فَيَضْمَنُ - مَثَلاً - رَاكِبُ السَّيَّارَةِ وَقَائِدُ الدَّابَّةِ أَوْ رَاكِبُهَا فِي الطَّرِيقِ .
2 - أَنْ لاَ يَكُونَ فِي الْمُبَاحِ إِتْلاَفُ الآْخَرِينَ وَإِلاَّ كَانَ مَضْمُونًا.
فَيَضْمَنُ مَا يُتْلِفُهُ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ لِلْمَخْمَصَةِ، مَعَ أَنَّ أَكْلَهُ لأِجْلِهَا جَائِزٌ، بَلْ وَاجِبٌ .
الْقَاعِدَةُ السَّابِعَةُ: «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ»
77 - الْخَرَاجُ: هُوَ غَلَّةُ الشَّيْءِ وَمَنْفَعَتُهُ، إِذَا كَانَتْ مُنْفَصِلَةً عَنْهُ، غَيْرَ مُتَوَلِّدَةٍ مِنْهُ. كَسُكْنَى الدَّارِ، وَأُجْرَةِ الدَّابَّةِ.
وَالضَّمَانُ: هُوَ التَّعْوِيضُ الْمَالِيُّ عَنِ الضَّرَرِ الْمَادِّيِّ.
وَالْمَعْنَى: أَنَّ مَنَافِعَ الشَّيْءِ يَسْتَحِقُّهَا مَنْ يَلْزَمُهُ ضَمَانُهُ لَوْ هَلَكَ، فَتَكُونُ الْمَنْفَعَةُ فِي مُقَابِلِ تَحَمُّلِ خَسَارَةِ هَلاَكِهِ، فَمَا لَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِهِ لاَ يَسْتَحِقُّ مَنَافِعَهُ وَقَدْ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ» .
الْقَاعِدَةُ الثَّامِنَةُ: «الْغُرْمُ بِالْغُنْمِ» .
78 - هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَعْنَاهَا أَنَّ التَّكَلُّفَاتِ وَالْغَرَامَاتِ الَّتِي تَتَرَتَّبُ عَلَى الشَّيْءِ، تَجِبُ عَلَى مَنِ اسْتَفَادَ مِنْهُ وَانْتَفَعَ بِهِ، مِثَالُ ذَلِكَ:
1 - نَفَقَةُ رَدِّ الْعَارِيَّةِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ، لأِنَّهُ هُوَ الَّذِي انْتَفَعَ بِهَا.
2 - وَنَفَقَةُ رَدِّ الْوَدِيعَةِ عَلَى الْمُودِعِ، لأِنَّهُ هُوَ الَّذِي اسْتَفَادَ مِنْ حِفْظِهَا.
3 - وَأُجْرَةِ كِتَابَةِ عَقْدِ الْمِلْكِيَّةِ عَلَى الْمُشْتَرِي، لأِنَّ هَا تَوْثِيقٌ لاِنْتِقَالِ الْمِلْكِيَّةِ إِلَيْهِ، وَهُوَ الْمُسْتَفِيدُ مِنْ ذَلِكَ.
الْقَاعِدَةُ التَّاسِعَةُ: «لاَ يَجُوزُ لأِحَدٍ أَخْذُ مَالِ أَحَدٍ بِلاَ سَبَبٍ شَرْعِيٍّ» .
79 - هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ حَدِيثِ: «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» .
فَيَحْرُمُ أَخْذُ أَمْوَالِ الآْخَرِينَ بِالْبَاطِلِ كَالْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ وَنَحْوِهِمَا.
أَحْكَامُ الضَّمَانِ:
أَحْكَامُ الضَّمَانِ - بِوَجْهٍ عَامٍّ - تُقَسَّمُ إِلَى هَذِهِ الأْقْسَامِ.
1 - ضَمَانُ الدِّمَاءِ (الأْنْفُسِ وَالْجِرَاحِ).
2 - ضَمَانُ الْعُقُودِ.
3 - ضَمَانُ الأْفْعَالِ الضَّارَّةِ بِالأْمْوَالِ ، كَالإْتْلاَفَاتِ، وَالْغُصُوبِ.
وَحَيْثُ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي ضَمَانِ الْعُقُودِ فِي أَنْوَاعِ الضَّمَانِ وَمَحَلِّهِ، فَنَقْصِرُ الْقَوْلَ عَلَى ضَمَانِ الدِّمَاءِ، وَضَمَانِ الأْفْعَالِ الضَّارَّةِ بِالأْمْوَالِ .
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الرابع والأربعون ، الصفحة / 178
تَقْدِيرُ أُجْرَةِ الْمَوْقُوفِ:
الأْصْلُ أَنَّ إِجَارَةَ الْمَوْقُوفِ تَكُونُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ .
وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ بَيَانُهُ كَالآْتِي:
أ- الإْجَارَةُ بِأَقَلِّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ:
78 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي إِجَارَةِ الْمَوْقُوفِ بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ.
فَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ أَنْ يُؤَجِّرَ النَّاظِرُ الْعَيْنَ الْمَوْقُوفَةَ عَلَى غَيْرِهِ، وَبَيْنَ أَنْ يُؤَجِّرَ الْعَيْنَ الْمَوْقُوفَةَ عَلَيْهِ، فَإِذَا كَانَتِ الْعَيْنُ مَوْقُوفَةً عَلَى غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلنَّاظِرِ أَنْ يُؤَجِّرَهَا بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ، فَلَوْ أَجَّرَهَا بِالأْقَلِّ فَإِنَّ الْعَقْدَ يَكُونُ غَيْرَ صَحِيحٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَفِي وَجْهٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ - قَالَ الْحَارِثِيُّ عَنْهُ: هُوَ الأْصَحُّ - لاِنْتِفَاءِ الإْذْنِ فِيهِ.
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ فِي الْمَذْهَبِ يَكُونُ الْعَقْدُ صَحِيحًا وَيَضْمَنُ النَّاظِرُ قِيمَةَ النَّقْصِ الَّذِي لاَ يُتَغَابَنُ بِهِ عَادَةً، لأِنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي مَالِ غَيْرِهِ عَلَى وَجْهِ الْحَظِّ فَضَمِنَ مَا نَقَصَهُ بِعَقْدِهِ، كَالْوَكِيلِ إِذَا بَاعَ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ أَوْ أَجَّرَ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ .
أَمَّا إِذَا كَانَتِ الْعَيْنُ مَوْقُوفَةً عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُؤَجِّرَهَا بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قِيَاسًا عَلَى جَوَازِ الإْعَارَةِ، وَكَذَا الْحَنَابِلَةُ فِي وَجْهٍ، وَفِي وَجْهٍ آخَرَ لاَ يَجُوزُ .
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: لاَ يَجُوزُ أَنْ يُؤَجِّرَ النَّاظِرُ الْعَيْنَ الْمَوْقُوفَةَ بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ سَوَاءٌ أَكَانَ النَّاظِرُ هُوَ الْمُسْتَحِقَّ أَوْ غَيْرَهُ، لِمَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ مِنَ الضَّرَرِ بِالْوَقْفِ بِسَبَبِ الأْجْرَةِ إِلاَّ إِذَا كَانَ النُّقْصَانُ عَنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ يَسِيرًا وَهُوَ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ عَادَةً أَيْ يَقْبَلُونَهُ وَلاَ يَعُدُّونَهُ غَبْنًا، أَمَّا إِذَا كَانَ الْغَبْنُ فَاحِشًا فَلاَ تَجُوزُ الإْجَارَةُ ، وَاعْتُبِرَ خِيَانَةً مِنَ الْمُتَوَلِّي إِذَا كَانَ عَالِمًا بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ. لَكِنْ تَجُوزُ الإْجَارَةُ بِالأْقَلِّ أَيْ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ لِلضَّرُورَةِ وَمَثَّلُوا لَهَا بِمَا يَأْتِي:
أ- إِذَا نَابَتِ الْوَقْفَ نَائِبَةٌ أَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، أَوْ كَانَ الدَّارُ عَلَيْهَا مُرْصَدٌ. وَالْمُرْصَدُ دَيْنٌ عَلَى الْوَقْفِ يُنْفِقُهُ الْمُسْتَأْجِرُ لِعِمَارَةِ الدَّارِ لِعَدَمِ مَالٍ حَاصِلٍ فِي الْوَقْفِ.
ب- إِذَا كَانَتِ الْعَيْنُ غَيْرَ مَرْغُوبٍ فِي إِجَارَتِهَا إِلاَّ بِالأْقَلِّ.
وَيَذْكُرُ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ لَوْ أَجَّرَ الْمُتَوَلِّي بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ، وَكَانَ الْغَبْنُ فَاحِشًا وَلَمْ تَكُنْ هُنَاكَ ضَرُورَةٌ فَإِنَّ الْمُسْتَأْجِرَ يَلْزَمُهُ تَمَامُ أُجْرَةِ الْمِثْلِ .
قَالَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ: عَلَى أَصْلِ أَصْحَابِنَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَأْجِرُ غَاصِبًا، وَذَكَرَ الْخَصَّافُ فِي كِتَابِهِ أَنَّهُ لاَ يَصِيرُ غَاصِبًا وَيَلْزَمُهُ أَجْرُ الْمِثْلِ، فَقِيلَ لَهُ: أَتُفْتِي بِهَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمُتَوَلِّيَ أَبْطَلَ بِالتَّسْمِيَةِ مَا زَادَ عَلَى الْمُسَمَّى إِلَى تَمَامِ أَجْرِ الْمِثْلِ وَهُوَ لاَ يَمْلِكُهُ، فَيَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ، كَمَا لَوْ أَجَّرَ مِنْ غَيْرِ تَسْمِيَةِ أَجْرٍ . وَنَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ الْخَصَّافِ أَنَّ الْوَاقِفَ أَيْضًا إِذَا آجَرَ بِالأْقَلِّ مِمَّا لاَ يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ لَمْ تَجُزْ وَيُبْطِلُهَا الْقَاضِي فَإِنْ كَانَ الْوَاقِفُ مَأْمُونًا وَفَعَلَ ذَلِكَ عَنْ طَرِيقِ السَّهْوِ وَالْغَفْلَةِ أَقَرَّهُ الْقَاضِي فِي يَدِهِ وَأَمَرَهُ بِالإْجَارَةِ بِالأْصْلَحِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَأْمُونٍ أَخْرَجَهَا مِنْ يَدِهِ وَجَعَلَهَا فِي يَدِ مَنْ يَثِقُ بِدِينِهِ .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ النَّاظِرَ إِذَا أَكْرَى الْعَيْنَ الْمَوْقُوفَةَ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فَإِنَّ النَّاظِرَ يَضْمَنُ تَمَامَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ إِنْ كَانَ مَلِيًّا وَإِلاَّ رَجَعَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ، لأِنَّهُ مُبَاشِرٌ وَكُلُّ مَنْ رَجَعَ عَلَيْهِ لاَ يَرْجِعُ عَلَى الآْخَرِ، هَذَا مَا لَمْ يَعْلَمِ الْمُسْتَأْجِرُ بِأَنَّ الأْجْرَةَ غَيْرُ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا ضَامِنٌ فَيَبْدَأُ بِهِ.
وَذَكَرَ الْمَالِكِيَّةُ - كَمَا فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ وَالدُّسُوقِيِّ - أَنَّ الإْجَارَةَ لَوْ وَقَعَتْ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ ثُمَّ زَادَ شَخْصٌ آخَرُ مَا يَبْلُغُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ فُسِخَتْ إِجَارَةُ الأْوَّلِ وَتُؤَجَّرُ لِلثَّانِي الَّذِي زَادَ، وَلَوِ الْتَزَمَ الأْوَّلُ تِلْكَ الزِّيَادَةَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ إِلاَّ أَنْ يَزِيدَ عَلَى مَنْ زَادَ حَيْثُ لَمْ تَبْلُغْ زِيَادَةُ مَنْ زَادَ أُجْرَةَ الْمِثْلِ، فَإِنْ بَلَغَتْهَا فَلاَ يُلْتَفَتُ لِزِيَادَةِ مَنْ زَادَ، قَالَ الدُّسُوقِيُّ: وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمُعْتَدَّةِ فَإِنَّهَا إِذَا كَانَتْ بِمَحَلِّ وَقْفٍ وَقَعَتْ إِجَارَتُهُ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ، ثُمَّ زَادَ عَلَيْهَا شَخْصٌ أُجْرَةَ الْمِثْلِ وَطَلَبَتِ الْبَقَاءَ بِالزِّيَادَةِ فَإِنَّهَا تُجَابُ إِلَى ذَلِكَ، قَالَ الدُّسُوقِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إِذَا كَانَتِ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا تَزِيدُ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَطَلَبَتِ الْبَقَاءَ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ فَقَطْ فَإِنَّهَا تُجَابُ لِذَلِكَ.
وَفِي حَاشِيَةِ الْعَدَوِيّ عَلَى الْخَرَشِيِّ أَنَّ هَذَا رَأْيُ عَلِيٍّ الأْجْهُورِيِّ ثُمَّ قَالَ: وَلاَ يَخْفَى بَعْدَهُ، ثُمَّ قَالَ: يُحْتَمَلُ أَنَّ مَعْنَى عِبَارَةِ عَلِيٍّ الأْجْهُورِيِّ أَنَّهُ إِذَا بَلَغَتِ الأْجْرَةُ الزَّائِدَةُ تَمَامَ الْمِثْلِ وَالْتَزَمَهَا السَّاكِنُ كَانَ أَحَقَّ وَلاَ يُلْتَفَتُ لِزِيَادَةِ مَنْ زَادَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنْ زَادَ الْغَيْرُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ وَالْتَزَمَهَا السَّاكِنُ كَانَ أَحَقَّ لِوُقُوعِ عَقْدٍ عُقِدَ مَعَهُ فِي الْجُمْلَةِ، مَا لَمْ يَزِدِ الآْخَرُ عَلَى ذَلِكَ وَإِلاَّ كَانَ أَحَقَّ لِوُقُوعِ الْخَلَلِ فِي الْعَقْدِ مَا لَمْ يَلْتَزِمِ السَّاكِنُ تِلْكَ الزِّيَادَةَ .
ب- حُكْمُ مَا إِذَا كَانَتِ الإْجَارَةُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ ثُمَّ زَادَتِ الأْجْرَةُ :
79 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا إِذَا أَجَّرَ النَّاظِرُ الْعَيْنَ الْمَوْقُوفَةَ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ، ثُمَّ زَادَتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ أَثْنَاءَ مُدَّةِ الْعَقْدِ أَوْ ظَهَرَ طَالِبٌ بِالزِّيَادَةِ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ.
فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ- هِيَ رِوَايَةُ فَتَاوَى سَمَرْقَنْدَ وَعَلَيْهَا مَشَى فِي التَّجْنِيسِ لِصَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَالإْسْعَافِ - وَفِي الأْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ عَقْدُ الإْجَارَةِ صَحِيحًا لاَزِمًا وَكَانَ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ عِنْدَ الْعَقْدِ فَلاَ يُفْسَخُ الْعَقْدُ بِزِيَادَةِ الأْجْرَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَجْرَ الْمِثْلِ يُعْتَبَرُ وَقْتَ الْعَقْدِ وَفِي وَقْتِهِ كَانَ الْمُسَمَّى أَجْرَ الْمِثْلِ، فَلاَ يَضُرُّ التَّغْيِيرُ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا يَقُولُ الْحَنَفِيَّةُ، وَ لأِنَّهُ كَمَا يَقُولُ الشَّافِعِيَّةُ قَدْ جَرَى بِالْغِبْطَةِ فِي وَقْتِهِ فَأَشْبَهَ مَا إِذَا بَاعَ الْوَلِيُّ مَالَ الطِّفْلِ ثُمَّ ارْتَفَعَتِ الْقِيَمُ بِالأْسْوَاقِ أَوْ ظَهَرَ طَالِبٌ بِالزِّيَادَةِ .
وَالأْصَحُّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْعَقْدَ يُفْسَخُ وَيُعْقَدُ ثَانِيَةً بِالزِّيَادَةِ أَيْ أَنَّهُ يُجَدِّدُ الْعَقْدَ لِلْمُسْتَأْجِرِ الأْوَّلِ بِالأْجْرَةِ الزَّائِدَةِ، جَاءَ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ نَقْلاً عَنِ الأْشْبَاهِ: لَوْ زَادَ أَجْرُ مِثْلِهِ فِي نَفْسِهِ بِلاَ زِيَادَةِ أَحَدٍ فَلِلْمُتَوَلِّي فَسْخُ الإْجَارَةِ وَبِهِ يُفْتَى وَمَا لَمْ يَفْسَخْ فَلَهُ الْمُسَمَّى، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَبُولَ الْمُسْتَأْجِرِ الزِّيَادَةَ يَكْفِي عَنْ تَجْدِيدِ الْعَقْدِ. وَقَدَ وَضَعَ الْحَنَفِيَّةُ عِدَّةَ قُيُودٍ عَلَى الْقَوْلِ الأْصَحِّ هَذَا هِيَ كَمَا ذَكَرَهَا ابْنُ عَابِدِينَ:
أ- أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالزِّيَادَةِ مَا يَشْمَلُ زِيَادَةَ تَعَنُّتٍ أَيْ إِضْرَارٍ مِنْ وَاحِدٍ أَوِ اثْنَيْنِ فَإِنَّهَا غَيْرُ مَقْبُولَةٍ، بَلِ الْمُرَادُ أَنْ تَزِيدَ فِي نَفْسِهَا عِنْدَ الْكُلِّ- أَيْ كُلِّ النَّاسِ- كَمَا صَرَّحَ بِهِ الإْسْبِيجَابِيُّ .
ب- أَنَّ الزِّيَادَةَ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مِنْ نَفْسِ الْوَقْفِ أَيْ بِسَبَبِ زِيَادَةِ أُجْرَةِ الأْرْضِ فِي نَفْسِهَا، لاَ بِسَبَبِ عِمَارَةِ الْمُسْتَأْجِرِ بِمَالِهِ لِنَفْسِهِ كَمَا فِي الأْرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ لأِجْلِ الْعِمَارَةِ، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: مُسْتَأْجِرُ أَرْضِ الْوَقْفِ إِذَا بَنَى فِيهَا ثُمَّ زَادَتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ فَإِنْ كَانَتِ الزِّيَادَةُ بِسَبَبِ الْعِمَارَةِ وَالْبِنَاءِ فَلاَ تَلْزَمُ الزِّيَادَةُ لأِنَّهَا أُجْرَةُ عِمَارَتِهِ وَبِنَائِهِ، وَإِنْ كَانَتِ الزِّيَادَةُ بِسَبَبِ زِيَادَةِ أُجْرَةِ الأْرْضِ فِي نَفْسِهَا فَإِنَّ الزِّيَادَةَ تَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ .
ج- أَنَّ الْعَقْدَ لاَ يَنْفَسِخُ بِمُجَرَّدِ الزِّيَادَةِ بَلْ يَفْسَخُهُ الْمُتَوَلِّي كَمَا حَرَّرَهُ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ وَقَالَ: فَإِنِ امْتَنَعَ يَفْسَخُهُ الْقَاضِي.
د- أَنَّهُ قَبْلَ الْفَسْخِ لاَ يَجِبُ إِلاَّ الْمُسَمَّى وَإِنَّمَا تَجِبُ الزِّيَادَةُ بَعْدَهُ.
ثُمَّ إِذَا قَبِلَ الْمُسْتَأْجِرُ الأْوَّلُ الزِّيَادَةَ كَانَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلِ الزِّيَادَةَ وَكَانَتِ الأْرْضُ خَالِيَةً مِنَ الزِّرَاعَةِ آجَرَهَا الْمُتَوَلِّي مِنَ الثَّانِي، أَمَّا إِذَا كَانَتِ الأْرْضُ مَشْغُولَةً بِالزِّرَاعَةِ فَإِنَّ الزِّيَادَةَ تَجِبُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ الأْوَّلِ مِنْ وَقْتِهَا- أَيْ وَقْتِ الزِّيَادَةِ- إِلَى أَنْ يُسْتَحْصَدَ الزَّرْعُ، لأِنَّ شَغْلَهَا بِمِلْكِهِ يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ إِيجَارِهَا لِغَيْرِهِ، فَإِذَا اسْتُحْصِدَ فُسِخَ وَأُجِّرَ مِنْ غَيْرِهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ بَنَى فِي الأْرْضِ أَوْ غَرَسَ لَكِنَّ هَذَا يَبْقَى إِلَى انْتِهَاءِ الْعَقْدِ، لأِنَّهُ لاَ نِهَايَةَ مَعْلُومَةً لِلْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ بِخِلاَفِ الزَّرْعِ، فَإِذَا انْتَهَى الْعَقْدُ وَلَمْ يَقْبَلِ الزِّيَادَةَ أُمِرَ بِرَفْعِ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ وَتُؤَجَّرُ لِغَيْرِهِ.
وَقَدْ نَبَّهَ ابْنُ عَابِدِينَ عَلَى أَنَّ أَوْلَوِيَّةَ الْمُسْتَأْجِرِ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا إِذَا زَادَتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ فِي أَثْنَاءِ مُدَّةِ الْعَقْدِ قَبْلَ فَرَاغِ الأْجْرَةِ وَقَدْ قَبِلَ الزِّيَادَةَ، أَمَّا إِذَا انْتَهَتْ مُدَّةُ الْعَقْدِ فَلَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ بَلْ لِنَاظِرِ الْوَقْفِ أَنْ يُؤَجِّرَهَا مِمَّنْ أَرَادَ وَإِنْ قَبِلَ الْمُسْتَأْجِرُ الأْوَّلُ الزِّيَادَةَ لِزَوَالِ عِلَّةِ الأْحَقِّيَّةِ وَهِيَ بَقَاءُ مُدَّةِ إِجَارَتِهِ إِلاَّ إِذَا كَانَ لَهُ فِيهَا حَقُّ الْقَرَارِ بِالْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ فَهُوَ أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهِ وَلَوْ بَعْدَ تَمَامِ الْمُدَّةِ إِذَا قَبِلَ الزِّيَادَةَ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ مَعَ عَدَمِ الضَّرَرِ عَلَى الْوَقْفِ .
وَمُقَابِلُ الأْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْعَقْدَ يَنْفَسِخُ إِذَا كَانَ لِلزِّيَادَةِ وَقْعٌ وَالطَّالِبُ ثِقَةٌ لِتَبَيُّنِ وُقُوعِهِ عَلَى خِلاَفِ الْغِبْطَةِ .