مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الخامس ، الصفحة : 42
مذكرة المشروع التمهيدي :
الفقرة الأولى : تطابق مضمون المادة 418/ 510 من التقنين الحالى مع تحديد
اقتبسه المشرع من التقنين الفرنسي ( م 1793) والقضاء المصري ( أنظر على الأخص أحكام محكمة الاستئناف المختلطة 22 أبريل سنة 1896 ب 8 ص 235 - 19 نوفمبر سنة 1896 ب 9 ص 35 - 4 فبراير سنة 1904 ب 16 ص 125).
أما الفقرة الثانية : فهي مقتبسة أيضاً من المادة 1793 من التقنين الفرنسي وهي تقر ما جرى عليه القضاء المصري من أنه لا يجوز للمقاول أن يثبت بالبينة أو بالقرائن إذن رب العمل له في إقامة أعمال إضافية ( أنظر على الأخص : محكمة الاستئناف المختلطة 12 أبريل سنة 1905 ب 17 ص 206 – 25 نوفمبر سنة 1909 ب 22 ص 26 - محكمة استئناف مصر الأهلية 10 یونیه سنة 1936 المحاماة 17 ص 412 رقم 197).
والفقرة الثالثة : تطابق أيضاً أحكام القضاء المصري. محكمة الاستئناف المختلطة 24 مايو سنة 1899 ب 11 ص 235 - 21 مارس سنة 1906 ب 18 ص 157.
والفقرة الرابعة : هي تطبيق لنظرية الظروف الطارئة في حالة عقد المقاولة .
وقد سبق أن قرر المشروع هذه النظرية بصفة عامة في المادة 213 فقرة 2 منه .
والمعيار الذي يقرره النص ( اختلال التوازن الاقتصادي بين الالتزامات اختلالاً تاماً بسبب حوادث لم تكن منظورة وقت التعاقد ) هو من الدقة بحيث يحد من تدخل القاضي وفي الوقت نفسه من المرونة بحيث يسمح له بمراعاة ظروف كل حالة.
المشروع في لجنة المراجعة
تليت المادة 879 فأقرتها اللجنة مع تعديل لفظي وأصبح نصها ما يأتي :
1- إذا أبرم العقد بأجر إجمالي على أساس تصميم اتفق عليه مع رب العمل، فليس للمقاول أن يطالب بأية زيادة في الأجر ، حتى لو حدث في هذا التصميم تعديل أو إضافة، إلا أن يكون ذلك راجعاً إلى خطأ من رب العمل أو يكون مأذونا به منه وقد اتفق مع المقاول على أجره.
2- ويجب أن يحصل هذا الاتفاق كتابة، إلا إذا كان العقد الأصلى ذاته قد اتفق عليه مشافهة .
3- وليس للمقاول ، إذا ارتفعت أسعار المواد الأولية وأجور الأيدي العاملة، أن يستند إلى ذلك ليطلب زيادة في الأجر حتى لو بلغ هذا الارتفاع حداً يجعل تنفيذ العقد عسيراً.
4- على أنه إذا انهار التوازن الاقتصادي بين التزامات كل من رب العمل والمقاول انهياراً تاماً بسبب حوادث لم تكن في الحسبان وقت التعاقد، وانعدم بذلك الأساس الذي قام عليه التقدير المالي لعقد المقاولة جاز للقاضي أن يحكم بزيادة الأجر أو فسخ العقد.
وأصبح رقمها في المشروع النهائي 687 بعد استبدال كلمة « ولو» بكلمتي «حتى لو » في الفقرتين الأولى والثانية وكلمة « تفسخها» بكلمة « فسخ » في آخر الفقرة الرابعة.
المشروع في مجلس النواب
تقرير لجنة الشئون التشريعية :
أدخل على المادة تعديل في الفقرة الرابعة فأصبحت تحت رقم 687 كما يأتي :
على إنه إذا إنهار التوازن الاقتصادي ....... بسبب حوادث استثنائية عامة لم تكن في الحسبان ... الخ، تقيدت الحوادث بأن تكون استثنائية عامة حتى تحدد المقصود بالحوادث، وحتى تتمشى المادة التي نحن بصددها مع المادة 151 إذ أن الأولى ليست إلا تطبيقاً للثانية .
مناقشات المجلس :
وافق المجلس على المادة كما عدلتها اللجنة .
المشروع في مجلس الشيوخ
مناقشات لجنة القانون المدني :
محضر الجلسة الثانية والثلاثين
تليت المادة 686 فقررت اللجنة إضافة عبارة « أو غيرها من التكاليف » في الفقرة الثالثة لتواجه مسائل النقل والتأمين وغيرها، كما قررت حذف عبارة « انهياراً تاماً» من الفقرة الرابعة لأن كلمة « إنهار » الواردة في صدر الفقرة تؤدي الغرض.
كما قررت استبدال عبارة «وتداعى بذلك الأساس» بعبارة « وانعدم بذلك الأساس». وبذلك يصبح نص الفقرتين كما يلى .
3- وليس المقاول إذا ارتفعت أسعار المواد الأولية وأجورالأيدي العاملة أو غيرها من التكاليف أن يستند إلى ذلك ليطلب زيادة في الأجر ولو بلغ هذا الارتفاع حداً يجعل تنفيذ العقد عسيراً .
4 - على أنه إذا انهار التوازن الإقتصادي بين التزامات كل من رب العمل والمقاول بسبب حوادث استثنائية عامة وقت التعاقد وتداعى بذلك الأساس الذي قام عليه التقدير المالى لعقد المقاولة جاز للقاضي أن يحكم بزيادة الأجر أو يفسخ العقد.
تقرير اللجنة
أضيفت إلى الفقرة رقم 3 عبارة « أو غيرها من التكاليف» بعد عبارة «الأيدي العاملة » للتعميم، وحذفت من الفقرة الرابعة عبارة « انهياراً تاماً » واستبدلت بعبارة « وانعدم بذلك الأساس » عبارة « وتداعي الأساس » وقد راعت اللجنة في ذلك أن عبارة « إذا انهار التوازن الإقتصادي » تغني عن نعت الانهيار بعد ذلك بأن يكون تاماً وراعت أن استعمال تعبير «تداعى الأساس » الذي قام عليه التقدير المالي أوفي إلى بيان المقصود .
وأصبح رقمها 658
مناقشات المجلس :
وافق المجلس على المادة كما أقرتها اللجنة.
1 ـ مفاد نص المادتين 2/147 و 4/658 من القانون المدنى أنه إذا حدث بعد صدور العقد حوادث إستثنائية عامة يترتب عليها ارتفاع أسعار المواد الأولية أو أجور العمال أو زيادة تكاليف العمل ، و كان ذلك بسبب حادث إستثنائى غير متوقع عند التعاقد و ترتب عليه أن أصبح تنفيذ التعاقد مرهقا ، فإنه يكون للقاضى و بصفه خاصة فى عقد المقاولة ، فسخ هذا العقد أو زيادة أجر المقاول المتفق عليه بما يؤدى إلى رد الإلتزام المرهق إلى الحد المعقول .
(الطعن رقم 199 لسنة 36 جلسة 1970/11/24 س 21 ع 3 ص 1148 ق 187)
2 ـ شرط الإرهاق الذى يهدد بخسارة فادحة - و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أمر تخالطه عناصر واقعيه و يقتضى تحقيق اعتبارات موضوعية متعلقه بالصفة ذاتها ، و إذ كان الطاعن لم يقدم ما يدل على تمسكه أامام محكمة الموضوع بهذا الدفاع الذى أثاره بسبب الطعن ، فإنه لايجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض .
(الطعن رقم 199 لسنة 36 جلسة 1970/11/24 س 21 ع 3 ص 1148 ق 187)
3 ـ إذ تقضى المادة 2/147 من القانون المدنى بأنه إذا طرأت حوادث إستثنائية عامة لم يكن فى الوسع توقعها و ترتب على حدوثها أن تنفيذ الإلتزام التعاقدى و إن لم يصبح مستحيلاً صار مرهقاً للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة جاز للقاضى تبعاً للظروف و بعد الموازنة بين مصلحة الطرفين أن يرد الإلتزام المرهق إلى الحد المعقول ، و تقضى المادة 4/658 من القانون المذكور على أنه إذا إنهار التوازن الإقتصادى بين إلتزامات كل من رب العمل و المقاول بسبب حوادث إستثنائية عامة لم تكن فى الحسبان وقت التعاقد و تداعى بذلك الأساس الذى قام عليه التقدير المالى لعقد المقاولة ، جاز للقاضى أن يحكم بزيادة الأجر أو بفسخ العقد ، لقد أفاد هذان النصان - و بإعتبار أن النص الثانى هو تطبيق للنص الأول - أنه إذا وجد بعد صدور عقد المقاولة حادث من الحوادث الإستثنائية العامة غير متوقع عند التعاقد ترتب عليه إرتفاع أسعار المواد الأولية أو أجور العمال أو زيادة تكاليف العمل مما أصبح معه تنفيذ العقد مرهقاً للمقاول ، فإنه يكون للقاضى فسخ هذا العقد أو زيادة أجر المقاول المتفق عليه مما يؤدى إلى رد الإلتزام المرهق إلى الحد المعقول.
(الطعن رقم 585 لسنة 52 جلسة 1985/12/24 س 36 ع 2 ص 1178 ق 243)
4- المقرر - في قضاء هذه المحكمة – أن المادة 147 /2 من القانون المدني إذ تقضي بأنه إذا طرأت حوادث استثنائية عامة لم يكن في الوسع توقعها وترتب على حدوثها أن تنفيذ الإلتزام التعاقدي وإن لم يصبح مستحيلاً صار مرهقاً للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة جاز للقاضي تبعاً للظروف وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين أن يرد الإلتزام المرهق إلى الحد المعقول وتقضي المادة 658 /4 من القانون المذكور على أنه إذا انهار التوازن الإقتصادي بين التزامات كل من رب العمل والمقاول بسبب حوادث استثنائية لم تكن في الحسبان وقت التعاقد وتداعي بذلك الأساس الذي قام عليه التقرير المالي لعقد المقاولة، جاز للقاضي أن يحكم بزيادة الأجر أو بفسخ العقد، فقد أفاد هذان النصان - باعتبار أن النص الثاني هو تطبيق للنص الأول - أنه إذا وجد بعد صدور عقد المقاولة حادث من الحوادث الإستثنائية العامة غير متوقع عند التعاقد ترتب عليه ارتفاع أسعار المواد الأولية أو أجور العمال أو زيادة تكاليف العمل مما أصبح مع تنفيذ العقد مرهقاً للمقاول، فإنه يكون للقاضي فسخ هذا العقد أو زيادة أجر المقاول المتفق عليه بما يؤدي إلى رد الإلتزام المرهق إلى الحد المعقول، لما كان ذلك، وكان توافر الإرهاق الذي يهدد بخسارة فادحة أو عدم توافره - ومعياره موضوعي بالنسبة للصفقة المعقودة ذاتها - من مسائل الواقع التي يستقل بتقديرها قاضي الموضوع دون رقابة عليه في ذلك من محكمة النقض مادام استخالصه سائغاً ومستمداً مما له أصله الثابت بالأوراق. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى في قضائه إلى رفض زيادة سعر السولار استناداً للبند 17 من عقد المقاولة فضلاً عن أن نسبة الزيادة ال تعد إخالال بالتوازن الإقتصادي وهو استخالص سائغ من الحكم وله أصله الثابت في الأوراق ويكفي لحمل قضائه فإن النعي عليه في هذا الخصوص يضحى على غير أساس ومن ثم غير مقبول.
(الطعن رقم 15711 لسنة 88 جلسة 2023/03/9)
تنص المادة 658 من التقنين المدني على ما يأتي :
"1- إذا أبرم العقد بأجر إجمالي على أساس تصميم اتفق عليه مع رب العمل، فليس للمقاول أن يطالب بأية زيادة في الأجر ولو حدث في هذا التصميم تعديل أو إضافة، إلا أن يكون ذلك راجعاً إلى خطأ من رب العمل، أو يكون مأذوناً به منه واتفق مع المقاول على أجره".
"2- ويجب أن يحصل هذا الاتفاق كتابة، إلا إذا كان العقد الأصلي ذاته قد اتفق عليه مشافهة".
"3- وليس للمقاول، إذا ارتفعت أسعار المواد الأولية وأجور الأيدي العاملية أو غيرها من التكاليف أن يستند إلى ذلك ليطلب زيادة في الأجر، ولو بلغ هذا الارتفاع حداً يجعل تنفيذاً عسيراً" .
"4- على أنه إذا انهار التوازن الاقتصادي بين التزامات كل من رب العمل والمقاول بسبب حوادث استثنائية عامة لم تكن في الحسبان وقت التعاقد، وتداعي بذلك الأساس الذي قام عليه التقدير المالي لعقد المقاولة، جاز للقاضي أن يحكم بزيادة الأجر أو بفسخ العقد".
جاء في صدر الفقرة الأولى من هذا النص : "إذا أبرم العقد بأجر إجمالي على أساس تصميم اتفق عليه مع رب العمل.. "
فالمفروض إذن أن هناك عقد مقاولة حدد فيه الأجر إجمالاً على أساس تصميم متفق عليه بين المقاول ورب العمل.
ونرى من ذلك أن هناك شروطاً ثلاثة يجب توافرها في عقد المقاولة حتى يدخل في نطاق تطبيق النص :
أولاً – أن يكون الأجر قد حدد بمبلغ إجمالي لا يزيد ولا ينقص وهنا نرى أن الحالة التي نحن بصددها غير الحالة الأولى التي سبق بحثها ففي الحالة الأولى يكون الأجر في عقد المقاولة مقدراً بحسب مقايسة على أساس سعر الوحدة، ومن ثم جاز أن يزيد الأجر إذا وقعت مجاوزة محسوسة للأعمال المقدرة في المقايسة على النحو الذي فصلناه فيما تقدم أما هنا فالأجر يحدد إجمالاً، وقد أراد رب العمل أن يحدد نهائياً ومقدماً مقدار الأجر الذي يدفعه.
فإذا كان الأجر الإجمالي غير محدد تحديداً نهائياً، كأن اتفق الطرفان في العقد على زيادة الأجر أو نقصه إذا تبين أن تكاليف العمل أقل أو أكثر مما كان مقدراً، فالأجر لا يكون محدداً إجمالاً على وجه نهائي، ومن ثم لا يدخل هذا القرض في نطاق تطبيق النص، بل تسري في شأنه القواعد العامة فيزيد الأجر أو ينقص دون حاجة إلى اتفاق كتابي على تعديل التصميم وعلى مقدار الأجر .
ثانياً – أن تكون المقاولة على أساس تصميم متفق عليه، وذلك حتى تتبين حدود العمل على وجه كامل واضح نهائي، فيجب أن يكون التصميم كاملاً، ولا يلزم أن يتمثل في رسوم وإن كان هذا هو الغالب، ولكن يجب أن يكون وصفاً كاملاً يتضمن جميع الأعمال المطلوبة، فلو اشتمل على جزء منها على أن يستكمل فيما بعد لم تكن المقاولة جزافية، إذ يجب أن يكون التصميم كاملاً وقت إبرام المقاولة لا في وقت لاحق، وذلك حتى تكون المقاولة قد أبرمت على أساس تصميم معين متفق عليه كما يقول النص ( م 658 /1 مدني ) . ثم يجب أن يكون التصميم واضحاً، ومعنى الوضوح هنا أن يكون مفصلاً دقيقاً، فلا يكون التصميم الذي لا يشتمل إلا على الخطوط الرئيسية للأعمال المطلوب إنجازها، أو إلا على مخطط تقريبي غير دقيق لهذه الأعمال، تصميماً واضحاً، ويجب أخيراً أن يكون التصميم نهائياً، فإذا احتفظ أحد الطرفين بحق إجراء تعديل في التصميم في أثناء تنفيذ المقاولة، سواء بالإضافة أو بالحذف أو بالتغير، فإن التصميم لا يكون نهائياً، ولا تكون المقاولة قد أبرمت على أساس تصميم معين متفق عليه كما يقضي نص القانون .
ثالثاً- أن يكون عقد المقاولة مبرماً بين رب العمل الأصلي والمقاول، أما إذا أبرم بين مقاول أصلي ومقاول من الباطن ففيما بينهما لا تسري المادة 658 مدني وإنما تسري القواعد العامة، فلو اتفق مقاول أصلي مع مقاول من الباطن على أن يقوم الأخير بعمل على أساس تصميم معين متفق عليه بأجر إجمالي جزافي، فإن القواعد العامة هي التي تسري كما قدمنا، ويستطيع المقاول من الباطن أن يجري تعديلاً في التصميم بعد موافقة المقاول الأصلي ولو موافقة ضمنية غير مكتوبة، ودون حاجة للإنفاق معه على الأجر الزائد في مقابل هذا التعديل، ويرجع مع ذلك بالأجر الزائد حسب أهمية التغيير ونفقات العمل، وكان لا يستطيع ذلك لو أن المادة 658 مدني هي التي تسري كما سنرى والسبب في ذلك أن المادة 658 مدني إنما وردت لتحمي رب العمل وهو عادة رجل غير فني قليل الخبرة من المقاول وهو دائماً رجل فني واسع الخبرة، ولا تتوافر حكمة النص في العلاقة ما بين المقاول الأصلي والمقاول من الباطن إذ هما يتساويان فالمعرفة الفنية وفي الخبرة فيكفي في العلاقة بينهما أن تسري القواعد العامة ويلاحظ أن المادة 658 مدني، في فقرتها الثالثة والرابعة الخاصتين بانهيار التوازن الاقتصادي، تسري في العلاقة ما بين المقاول الأصلي والمقاول من الباطن، لأن العلة في استبعاد النص فيما يتعلق بتعديل التصميم وثبات الأجر ليست موجودة بالنسبة إلى انهيار التوازن الاقتصادي .
ومتى توافرت هذه الشروط الثلاثة، فقد دخلنا في نطاق تطبيق المادة 658 مدني، ولا يهم بعد ذلك أن تكون المقاولة محلها إقامة بناء أو غير ذلك كصنع أثاث، أو أن يكون محلها عملاً كبيراً كصنع سفينة أوعملاً صغيراً كصنع مكتب أو مكتبة . فنص المادة 658 مدني مطلق لا يفرق بين فرض وآخر، ويقال عادة إن هذا الحكم ليس من النظام العام، فيجوز للمتعاقدين أن يتفقا على خلافه ويمثل لذلك بجواز أن يتفق المتعاقدان على أن يكون للمقاول الحق في القيام بأعمال لا يتضمنها التصميم إذا كانت هذه الأعمال ضرورية للتنفيذ وأن يتقاضى أجراً عليها ولو لم يأذن رب العمل صراحة بها ولم يتفق على أجرها ولكن عقد المقاولة في هذه الحالة يخرج عن نطاق تطبيق المادة 658 مدني، فقد قدمنا أن التصميم الذي يقوم عليه عقد المقاولة يجب أن يكون تصميماً نهائياً، فلا يجوز أن يحتفظ أحد الطرفين بحق إجراء تعديل في التصميم في أثناء تنفيذ المقاولة، وإذا احتفظ بهذا الحق صح ذلك ولكن المقاولة تخرج عندئذ عن نطاق تطبيق المادة 658 مدني ونرى من ذلك أنه إذا توافرت في المقاولة الشروط الثلاثة التي سبق تفصيلها، فإنه لا يتصور الاتفاق العكسي، ويجب إعمال المادة 658 مدني فلا يزيد الأجر المتفق عليه ولا ينقص بأي حال من الأحوال.
بل إن الأجر المتفق عليه لا تجوز زيادته حتى بطريق غير مباشر، فلو أن المقاول وجد أنه من الضروري إدخال تعديل في التصميم كان من شأنه أن زادت تكاليف العمل على الأجر المتفق عليه، فإنه لا يتقاضى إلا الأجر المتفق عليه، ولا يستطيع أن يرجع بزيادة التكاليف ولو عن طريق دعوى الإثراء بلا سبب، بحجة أن الأعمال التي تمت بعد تعديل التصميم قد زادت قيمتها عما كان مقدراً في التصميم قبل تعديله، إذ لو جاز ذلك لأمكن التحايل من هذا الطريق على خرق أحكام المادة 658 مدني.
فالأجر الإجمالي الجزافي المتفق عليه لا تجوز إذن زيادته، ولو عدل المقاول التصميم أو زادت الأسعار أو الأجور ومع ذلك فهناك فرضان استثنائيان تجوز فيهما زيادة الأجر :
(الفرض الأول) تعديل التصميم بسبب خطأ من رب العمل أو بناء على اتفاق معه.
(الفرض الثاني) زيادة التكاليف زيادة فاحشة ينهار معها التوازن الاقتصادي بين التزامات كل من رب العمل والمقاول .
ونبحث كلاً من هذين الفرضين.
الفرض الأول ـ تعديل التصميم بسبب خطأ من رب العمل أو بناء على اتفاق معه :
رأينا أن الفقرة الأولى من المادة 658 مدني لا تجيز زيادة الأجر الجزافي ولو حدث في التصميم تعديل أو إضافة "إلا أن يكون ذلك راجعاً إلى خطأ رب العمل، أو يكون مأذوناً به منه واتفق مع المقاول على أجره".
فإذا حدث في التصميم تعديل أو إضافة، وكان ذلك نتيجة حتمية لخطأ من رب العمل، كأن قدم للمقاول معلومات خاطئة عن الأبعاد التي يريدها للبناء، أو قدم له أرضاً لا يملكها كلها فاضطر المقاول أن يهدم البناء في الجزء الذي لا يملكه رب العمل وأن يعدل التصميم على مقتضى المساحة الحقيقية التي يملكها رب العمل، فإن المقاول يكون قد عدل التصميم بخطأ من رب العمل . فإذا كان تعديل التصميم يستوجب زيادة التكاليف على المبلغ الإجمالي المتفق عليه، فإن هذه الزيادة يتحملها رب العمل لا المقاول، لأنه هو الذي تسبب فيها بخطأه ولا يشترط أن يكون رب العمل سيء النية، ولا حتى أن يكون مقصراً، فقد يعتقد بحسن نية أن الأرض التي قدمها للمقاول هي كلها ملكه دون أن ينسب إليه في ذلك عدم حيطة، ومع ذلك يكون مسئولاً عن زيادة التكاليف.
كذلك يرجع المقاول بالزيادة في الأجر إذا حدث في التصميم تعديل أو إضافة، وكان رب العمل قد أذن بذلك واتفق مع المقاول على مقدار الأجر الزائد، فلا يكفي إذن أن يأذن رب العمل بالتعديل أو الإضافة في التصميم، فقد يحدث أن المقاول يزين له تعديلاً في التصميم أو إضافة فيه فيغريه بقبول ذلك، ثم يطالبه بعد ذلك بزيادة في الأجر لم يكن يتوقعها ولم يكن يحسب أن التعديل الذي وافق عليه يقتضي كل هذه النفقات، فتضيع عليه ميزة الأجر الخرافي الذي اطمأن إليه عند إبرام المقاولة فأراد المشرع، إمعاناً في تنبيه رب العمل إلى الزيادة في الأجر التي سيتحملها، أن يكون التعديل في التصميم متفقاً عليه بينه وبين المقاول، وأن يعين في هذا الاتفاق مقدار الزيادة في الأجر التي ستنجم عن التعديل، وأن يكون الاتفاق مكتوباً إذا كان عقد المقاولة الأصلي قد حصل بالكتابة إذ تقول الفقرة الثانية من المادة 658 مدني كما رأينا "ويجب أن يحصل هذا الاتفاق كتابة، إلا إذا كان العقد الأصلي ذاته قد اتفق عليه مشافهة".
الفرض الثاني ـ زيادة التكاليف زيادة فاحشة ينهار معها التوازن الاقتصادي بين التزامات كل من رب العمل والمقاول :
رأينا أن الفقرتين الثالثة والرابعة من المادة 658 مدني تنصان على ما يأتي :
وليس للمقاول، إذا ارتفعت أسعار المواد الأولية وأجور الأيدي العاملة أو غيرها من التكاليف، أن يستند إلى ذلك ليطلب زيادة في الأجر، ولو بلغ هذا الارتفاع حداً يجعل تنفيذ العقد عسيراً .
على أنه إذا انهار التوازن الاقتصادي بين التزامات كل من رب العمل والمقاول بسبب حوادث استثنائية عامة لم تكن في الحسبان وقت التعاقد، وتداعى بذلك الأساس الذي قام عليه التقدير المالي لعقد المقاولة، جاز للقاضي أن يحكم بزيادة الأجر أو بفسخ العقد" . وهذه النصوص تطبيق واضح في عقد المقاولة لنظرية الحوادث الطارئة التي تقرر مبدأها في المادة 147/2 مدني على الوجه الآتي : "ومع ذلك إذا طرأت حوادث استثنائية عامة لم يكن في الوسع توقعها، وترتب على حدوثها أن تنفيذ الالتزام التعاقدي، وإن لم يصبح مستحيلاً، صار مرهقاً للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة، جاز للقاضي، تبعاً للظروف وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين، أن يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول، ويقع باطلاً كل اتفاق على خلاف ذلك.
وإذا كانت شروط نظرية الظروف الطارئة في مبدأها العام تتفق مع شروط النظرية في تطبيقها الخاص بعقد المقاولة، فإن الجزاء يختلف قليلاً في التطبيق الخاص عنه في المبدأ العام، ففي المبدأ العام يجوز للقاضي، تبعاً للظروف وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين، أن يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول، ويقع باطلاً كل اتفاق على خلاف ذلك، فالقاضي مطلق اليد في معالجة الموقف الذي يواجهه، فهو قد يرى أن الظروف لا تقتضي إنقاص الالتزام المرهق، ولا زيادة الالتزام المقابل، بل يقف تنفيذ العقد حتى يزول الحادث الطارئ وقد يرى زيادة الالتزام المقابل، وقد يرى إنقاض الالتزام المرهق . وإذا جاز للقاضي أن يقف تنفيذ الالتزام المرهق أو ينقض منه أو يزيد في الالتزام المقابل، فإنه لا يجوز له فسخ العقد، ذلك أن نص المادة 147/2 مدني الذي يقرر المبدأ العام لا يجعل للقاضي إلا أن "يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول"، فالالتزام المرهق يبقى ولا ينقضي، ولكن يرد إلى الحد المعقول، فتتوزع بذلك تبعة الحادث الطارئ بين المدين والدائن، ولا يتحملها الدائن وحده بفسخ العقد.
أما في التطبيق الخاص بعقد المقاولة الذي نحن بصدده، فإن الفقرة الرابعة من المادة 658 مدني تقول : " . جاز للقاضي أن يحكم بزيادة الأجر أو بفسخ العقد" .
فالنص إذن يجيز هنا فسخ العقد، حيث لا يجوز ذلك في المبدأ العام للنظرية والقاضي يحكم بفسخ عقد المقاولة إذا رأى مبرراً لذلك . كما إذا رأى أنه إذا زاد الأجر فإن التزام المقاول يبقى مع ذلك مرهقاً وفي الوقت ذاته ترهق زيادة الأجر رب العمل، ويفضل أن يفسخ العقد فيضع حداً لإرهاق المقاول ويمنع إرهاق رب العمل بزيادة الأجر . فإذا لم ير القاضي فسخ المقاولة . فأمامه أن يزيد الأجر . ولكن يلاحظ أنه لا يزيد الأجر زيادة تجعل المقاول لا يتحمل أية خسارة من زيادة التكاليف، بل هو يحمل المقاول أولاً كل الزيادة المألوفة للتكاليف، ثم ما زاد على التكاليف المألوفة ـ أي التكاليف غير المألوفة ـ يقسمه مناصفة بين المقاول ورب العمل فيتحمل كل منهما نصيبه من هذه الخسارة غير المألوفة . فإذا كان الأجر الإجمالي المتفق عليه يبلغ مثلاً عشرة آلاف، ثم ارتفعت التكاليف بسبب حوادث استثنائية عامة غير منظورة إلى عشرين ألفاً، وكانت الخسارة المألوف في مثل هذه المقاولة هي ألفان، فإن القاضي يحمل الألفين كلهما للمقاول ويقسم الباقي من الخسارة ـ وهو ثمانية آلاف نصفين، يحمل رب العمل منهما النصف والمقاول النصف الآخر، وبذلك يتحمل رب العمل أربعة آلاف، فيحكم القاضي بزيادة الأجر بهذا المقدار، ولما كان الأجر الأصلي هو عشرة آلاف، فإن كامل الأجر الذي يلزم به رب العمل يكون أربعة عشر ألفاً.
ولما كان وقف تنفيذ المقاولة لا يتعارض مع نصوص المادة 658 مدني، فإنه يمكن القول بأن القاضي قد لا يرى داعياً لفسخ المقاولة ولا لزيادة الأجر.
ويكتفي بوقف تنفيذ المقاولة حتى يزول الحادث الطارئ.
وقد ورد في الجزء الأول من الوسيط في هذا المعنى ما يأتي :
قد يرى القاضي وقف تنفيذ العقد حتى يزول الحادث الطارئ، إذا كان هذا الحادث وقتياً يقدر له الزوال في وقت قصير، مثل ذلك أن يتعهد مقاول بإقامة مبنى، وترتفع أسعار بعض مواد البناء لحادث طارئ ارتفاعاً فاحشاً، ولكنه ارتفاع يوشك أن يزول لقرب انفتاح باب الاستيراد، فيقف القاضي التزام المقاول بتسليم المبنى في الموعد المتفق عليه، حتى يتمكن المقاول من القيام بالتزامه دون إرهاق، إذا لم يكن في هذا الوقت ضرر جسيم يلحق صاحب المبنى .
ويلاحظ أن الجزاء المتقدم الذكر يعتبر من النظام العام، فلا يجوز للمتعاقدين أن يتفقا مقدماً على ما يخالفه، كأن ينزل المقاول مثلاً في عقد المقاولة عن حقه في التمسك بنظرية الظروف الطارئة، فمثل هذا النزول يكون باطلاً لا يعتد به، وقد ورد ذلك صريحاً في المادة 147 /2 مدني التي تقرر المبدأ العام، ولم يرد في المادة 658 مدني، ولكن لما كانت هذه المادة الأخيرة ليست إلا تطبيقاً للمادة الأولى، فإنه يجب اعتبار أحكام كل من المادتين متعلقة من المادتين متعلقة بالنظام العام .(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ السابع، المجلد / الأول، الصفحة / 214)
يجب لأعمال هذا النص بالنسبة لعقد المقاولة أن تتوافر الشروط التالية :
1 - أن يتحدد الأجر بمبلغ إجمالي ثابت لا يزيد ولا ينقص.
2- أن تبرم المقاولة على أساس تصمیم محدد متضمناً جميع الأعمال المطلوبة وأن يتم تحديد ذلك وقت إبرام المقاولة لا في وقت لاحق وأن يكون التصميم واضحاً نهائياً غير قابل لأي تعديل.
3 - أن تكون المقاولة مبرمة بين المقاول الأصلي وبين رب العمل ومن ثم لا يسرى نص المادة إذا أبرمت المقاولة بين المقاول الأصلي وبین مقاول من الباطن إذ يستطيع الأخير إجراء تعديل في التصميم بعد موافقة المقاول الاصلى ولو موافقة ضمنية غير مكتوبة.
ومتى توافرت هذه الشروط، فإن الأجر الإجمالي الجزافي المتفق عليه لا يجوز تعديله إلا اذا كان المقاول لم ينجز كل العمل فلا يستحق من الأجر إلا ما يناسب قيمة ما أنجز من العمل، كذلك لا يزيد الأجر لأي سبب حتى لو زادت قيمة المواد الأولية أو أجور النقل أو الضرائب الجمركية على الواردات أو حتى لو أدخل المقاول تعديلاً نافعاً أو ضروياً في التصميم ولا يكون له الرجوع على رب العمل ولو بطريق دعوى الإثراء بلا سبب، ولا يوجد ما يحول دون الاتفاق على ما يخالف ذلك إلا أننا نخرج حينئذ عن نطاق المادة 658 مدنی.
وإن كان المقاول لا يستطيع المطالبة بزيادة عما هو متفق عليه، فإن رب العمل بدوره لا يستطيع أن يطالب بشيء إذا كانت التكاليف الفعلية أقل بكثير من الأجر المتفق عليه. ويستثنى مما تقدم الحالة التي يضطر فيها المقاول إلى تعديل التصميم بسبب خطأ رب العمل أو وفقاً لاتفاق بينهما كما لو قدم رب العمل للمقاول بيانات خاطئة عن لإبعاد فأعد الأخير التصميم وفقاً لها أو قدم له أرضاً غير مملوكة له مما اضطر المقاول بعد التنفيذ إلى هدم الخارج عن الملك وإعادة التصميم فإنه في هذه الحالات يرجع بالزيادة على رب العمل ولو كان حسن النية معتقداً بصحة البيانات أو ملكيته لكل الأرض، وللمقاول أيضاً الرجوع على رب العمل إذا تسبب بفعله في زيادة التكاليف كما لو تأخر في تقديم رخصة، البناء أو في تقديم الأرض مما ينجم عنه تعطيل في العمل يحمل المقاول نفقات زائدة.
وأيضاً إذا اتفق رب العمل مع المقاول على تعديل التصميم وعلی مقدار الأجر الزائد مقابل ذلك فإن المقاول يرجع على رب العمل بهذا الأجر الزائد متى كان الاتفاق مكتوباً إذا كان عقد المقاولة الأصلي مكتوباً، والكتابة ليست لازمة إلا للإثبات ومن ثم يغني عنها مبدأ الثبوت بالكتابة إذا عزز بالبينة أو بالقرائن كما تغني عنها البينة والقرائن إذا وجد مانع مادي أو أدبي يحول دون الحصول على الكتابة أو فقد المقاول سنده المكتوب لسبب خارج عن إرادته، فالكتابة إذن ليست اللازمة لصحة الاتفاق على مقدار الزيادة في الأجر، والأذن الصادر من رب العمل في تعديل التصميم يجب أن يصدر منه شخصياً أو من وكيل عنه مفوض تفويضاً خاصاً في الأذن فلا تكفي الوكالة العامة التي للمهندس عن رب العمل.
كما تستثنى حالة الزيادة الفاحشة التي ينهار معها التوازن الاقتصادي بين التزامات الطرفين وذلك تطبيقاً لنظرية الحوادث الطارئة المنصوص عليها بالمادة 147/ 2 مدنی، ونضيف أنه اذا وجدت تحت الأرض المعدة للبناء أطلال أو مجرى مياه جوفيه مما يتطلب أساسات تزيد تكاليفها كثيراً عما كان مقدراً، فإن ذلك يعتبر حادثاً استثنائياً عاماً - لم يكن في الحسبان وقت التعاقد وهو عام لأنه لا يخص هذا المقاول وحده بل يعم أي مقاول آخر يوكل اليه تنفيذ هذه المقاولة. ويرى البعض أن المادة 658 لا تسري هنا بمقولة أن الحادث الاستثنائي كان موجوداً وقت التعاقد ولم يجد أثناء تنفيذ العملية ويجيزون إبطال العقد لغلط في صفة جوهرية من صفات العمل محل المقاولة على أن يكون لرب العمل تلافي الأبطال بأن يدفع للمقاول زيادة في الأجر تتناسب مع زيادة النفقات، ويجوز للقاضي - خلافاً للمبدأ الذي أوردته المادة 147/2 مدني - أن يحكم بفسخ العقد متى وجد مبرراً لذلك كتوفر الإرهاق للطرفين، فإن لم يفسخ فله أن يزيد الأجر مراعياً ألا يعفى المقاول من كل الزيادة في التكاليف وإنما يحمله كل الزيادة المألوفة للتكاليف أما ما زاد على ذلك، أي التحالف غير المألوفة، فيقسمه مناصفة بين المقاول ورب العمل، وللقاضي بدلاً من أن يفسخ أو يزيد الأجر أن يكتفي بوقف تنفيذ المقاولة حتى يزول الحادث الطارئ، ويراعى أن الأحكام المتعلقة بنظرية الظروف الطارئة تعتبر من النظام العام فلا يجوز الاتفاق على مخالفتها. (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ التاسع، الصفحة/ 480)
ونعرض هنا لشروط تطبيق المادة وهي ثلاثة :
(1) أن يكون الأجر في المقاولة قد تحدد بمبلغ إجمالي :
ويتحقق ذلك بأن يتفق المتعاقدان وقت إبرام العقد أي مقدماً، على أجر معين يدفعه رب العمل في مقابل كل الأعمال المطلوبة من المقاول، بحيث يكون هذا التحديد نهائياً، فلا يكون الأجر قابلا للتغيير فيه بعد ذلك لأي سبب من الأسباب.
أما إذا كان الأجر الإجمالي غير محدد تحديداً نهائياً، كأن اتفق المتعاقدان على زيادة الأجر أو نقصه إذا تبين أن تكاليف العمل أكثر أو أقل مما كان متفقاً عليه، فإن هذا الاتفاق يخضع للقواعد العامة ويكون ملزماً للطرفين.
(2) أن يكون هذا الأجر قد تحدد على أساس تصميم متفق عليه :
ولا يقصد بالتصميم هنا معناه الفني وهو التمثيل بالخطوط والرسومات، بل يقصد به كل وصف للأعمال المعهود بها إلى المقاول، ويجب أن يكون هذا التصميم كاملاً وواضحاً ونهائياً.
فيجب أن يكون التصميم كاملاً، بأن يتضمن بيان كل الأعمال المطلوبة، أما إن اقتصر فقط على بيان بعض هذه الأعمال ونص على أن بقيتها تستكمل فيما بعد، بواسطة رب العمل أو المهندس المعمارى، فإن المقاولة لا تعتبر جزافية بالمعنی المقصود في المادة 658، إذ يجب أن يتوافر للتصميم كما له وقت إبرام العقد لا في وقت لاحق، وذلك حتى يمكن القول أن تحديد الأجر وقت إبرام العقد قد تم على أساس هذا التصميم.
ويجب أن يكون التصميم واضحا، ومعنى الوضوح هنا أن يكون مفصلاً دقيقاً، فلا يكون التصميم الذي لا يشتمل إلا على الخطوط الرئيسية للأعمال المطلوب إنجازها، أو إلا على مخطط تقريبي غير دقيق لهذه الأعمال تصميماً واضحاً.
ويجب أخيراً أن يكون هذا التصميم متفقاً عليه بصفة نهائية، أي أن يكون اتفاق المتعاقدين عليه نهائياً، بحيث لا يجوز إجراء أي تغيير بعد ذلك في مدى أو أوصاف الأعمال التي يتضمنها ولا يتحقق ذلك إذا كان رب العمل قد احتفظ لنفسه في العقد بالحق في إدخال تعديلات على التصميم المتفق عليه، سواء بالإضافة أو بالحذف، أو بالتغيير، فمن شأن هذا الشرط أن ينفي كون الأجر قد تحدد على أساس التصميم المتفق عليه.
ويستفاد بيان الأعمال المعهود بها إلى المقاول من جميع الوثائق التي يتكون منها اتفاق الطرفين، وبصفة خاصة من العقد الأصلي ومن دفتر الشروط، ومن المقايسة ومن الرسومات.
(3) أن يكون عقد المقاولة مبرماً بين رب العمل الأصلي والمقاول:
أما إذا أبرم العقد بين مقاول أصلي ومقاول من الباطن، فلا يخضع لحكم المادة 658 مدني، وإنما تسری حكم القواعد العامة.
فلو اتفق مقاول أصلى مع مقاول من الباطن على أن يقوم الأخير بعمل على أساس تصميم معين متفق عليه بأجر إجمالي جزافاً كان في استطاعة المقاول من الباطن أن يجري تعديلات في التصميم بعد موافقة المقاول الأصلى ولو بموجب موافقة ضمنية غير مكتوبة، ودون حاجة للاتفاق معه على الأجر الزائد في مقابل هذا التعديل حسب أهمية التغيير ومداه وطبيعته ونفقاته وتكاليفه، والسبب في ذلك أن المادة 658 مدني إنما وضعت لحماية رب العمل وهو عادة غير فني قليل الخبرة من المقاول، وهو شخص واسع الخبرة والتجربة في مجال عمله.
أثر توافر الشروط الثلاثة :
إذا توافرت الشروط الثلاثة السالفة الذكر، فإن الأجر الإجمالي الجزافي الذي اتفق عليه الطرفان لا يكون قابلاً للتعديل زيادة أو نقصاً، إلا إذا كان المقاول لم ينجز كل العمل وإنما أنجز بعضه فلا يستحق من الأجر إلا ما يناسب قيمة ما أنجز من العمل.
ويظل الأجر ثابتاً، حتى ولو أدخل المقاول تعديلاً على التصميم، ولو كان هذا التعديل ضرورياً، أو زادت التكلفة لأي سبب من الأسباب، كارتفاع أسعار المواد الأولية وأجور الأيدي العاملة أو غير ذلك من التكاليف، ولو بلغ هذا الارتفاع حداً يجعل تنفيذ العقد عسيراً.
والحكمة من ذلك أن رب العمل قصد من الاتفاق على الأجر الجزافي أن يطمئن إلى مركز مستقر ثابت فلا يفاجأ بأية زيادة، وأيضاً حماية رب العمل من المقاول لقلة خبرته بالنسبة إلى خبرة الأخير.
ولا يجوز للمقاول الرجوع على رب العمل بدعوى الإثراء على حساب الغير، ولو كان ما قام به من أعمال قد زاد في قيمة العمل. لأن العقد الجزافي يمنع كل زيادة في الأجر إذا لم يأذن رب العمل بالأعمال التي أجراها المقاول وإذا لم يتفق معه على أجرها، وبالتالي فإن احتفاظ رب العمل بهذه الأعمال وانتفاعه بها يكون له سبب وهو عقد المقاولة .
ومن المقرر أن أحكام الإثراء بلا سبب لا تنطبق إذا كان هناك عقد مبرم بين المشتري والمفتقر وكان هذا العقد ينظم الأعمال التي أدت إلى هذا الإثراء أو إلى هذا الافتقار.
ويستطيع المقاول نزع هذه الأعمال إذا كان ذلك لا يضر برب العمل .
غير أن هذا الحكم ليس من النظام العام، فيجوز الاتفاق على مخالفته، وبصفة خاصة يجوز أن يتفق في العقد على أن للمقاول الحق في القيام بأعمال لا يتضمنها التصميم إذا كانت هذه الأعمال لا غناء عنها لتنفيذه، وأن له تقاضى أجراً عن هذه الأعمال متى تمت دون اعتراض من رب العمل، ولو لم يأذن بها صراحة، ولو لم يتفق على أجرها.
استثناءان يجوز فيهما زيادة الأجرة
نصت المادة (658) مدني على استثنائيين من القاعدة العامة التي بمقتضاها لا يجوز تعديل أجر المقاول بالزيادة أو النقصان في حالة إبرام العقد بأجر إجمالي على أساس تصمیم اتفق عليه مع رب العمل وهما:
1- حدوث تعديل أو إضافة في التصميم بسبب خطأ رب العمل أو بإذن منه.
2- انهيار التوازن الاقتصادي بين التزامات كل من رب العمل والمقاول بسبب حوادث استثنائية عامة.
ونعرض لهذين الاستثنائيين فيما يلي :
الاستثناء الأول :
حدوث تعديل أو إضافة في التصميم بسبب خطأ رب العمل أو بإذن منه :
تنص على هذا الاستثناء الفقرة الأولى من المادة (658) مدني بقولها:
فليس للمقاول أن يطالب بأية زيادة في الأجر ولو حدث في هذا التصميم تعديل أو إضافة إلا أن يكون ذلك راجعاً إلى خطأ من رب العمل أو يكون مأذوناً به منه واتفق مع المقاول على أجره.
فيشترط لسريان هذا الاستثناء ما يأتي :
1- حدوث تعديل أو إضافة في التصميم.
2- أن يكون التعديل أو الإضافة في التصميم إما راجعاً إلى خطأ من رب العمل و استوجب ذلك زيادة التكاليف على المبلغ الإجمالي، وإما أن يكون مأذوناً به من رب العمل للمقاول واتفق معه على أجره مقابل هذا التعديل أو الإضافة .
ومثال خطأ رب العمل الذي يبرر زيادة أجر المقاول أن يكون رب العمل قد قدم للمقاول معلومات خاطئة عن الأبعاد التي يريدها للبناء، أو قدم له أرضاً لا يملكها كلها فاضطر المقاول إلى هدم البناء في الجزء الذي لا يملكه رب العمل وتعديل التصميم.
على مقتضى المساحة الحقيقية التي يملكها رب العمل.
إذ يحق للمقاول في هذه الحالة أن يطالب بزيادة في الأجر تقابل النفقات التي تكبدها بسبب اضطراره إلى الهدم وتعديل التصميم.
ولا يشترط لحصول المقاول على الزيادة في الأجر أن يكون خطأ رب العمل صادراً عن سوء نية أو تقصير. طالما أنه تسبب بخطئه في زيادة التكاليف على التكاليف الإجمالية المتفق عليها.
وكذلك يرجع المقاول بالزيادة في الأجر إذا حدث تعديل أو إضافة في التصميم بإذن من رب العمل. بشرط أن يكون رب العمل قد اتفق مع المقاول على الزيادة في الأجر التي يستحقها مقابل الإضافة أو التعديل.
ولا يعتد بالإذن الصادر من مهندس رب العمل، إلا إذا كان المهندس وكيلاً عنه، وكانت وكالته تخوله سلطة إجراء تعديلات أو إضافات على التصميم المتفق عليه فإذا لم يصدر إذن من رب العمل، وقام المقاول من نفسه بالتعديل أو الإضافة فلا يستحق المقاول الزيادة.
والحكمة من اشتراط اتفاق رب العمل مع المقاول على الزيادة في الأجر، أن المقاول قد يغرى رب العمل بإجراء تعديل في التصميم أو إضافة فيه ثم يطالبه بعد ذلك بزيادة لم يكن يتوقعها فتضيع عليه ميزة الأجر الجزافي الذي اطمأن إليه عند إبرام عقد المقاولة، وهذا يعني أن المشرع أراد بذلك تنبيه رب العمل إلى الزيادة التي سيتحملها.
وكون العمل الزائد قد تم في حضور رب العمل أو بعلمه ودون اعتراض منه، لا يكفي لإلزامه بزيادة في الأجر، لأن هذا المسلك وإن أمكن الاستدلال منه على إذن رب العمل بإجراء هذا العمل، فإنه لا يفيد الاتفاق مع المقاول على أجره.
وهنا يبدو خروج نص المادة 658 على الأحكام العامة في المقاولات التي تبيح للمقاول المطالبة بأجر ما قام به من عمل ولو لم يتفق مع رب العمل على الأجر.
ويتكفل القانون بعد ذلك بتحديد مقدار الزيادة في الأجر ويرجع في هذا التحديد إلى قيمة العمل ونفقات المقاول (م 659 مدنی) .
وقد أوجبت الفقرة الثانية من المادة (658) أن يحصل الاتفاق بين رب العمل والمقاول على إحداث التعديل أو الإضافة بالتصميم والزيادة في الأجر المتفق عليها كتابة. إلا إذا كان العقد الأصلي ذاته قد اتفق عليه مشافهة.
واشتراط الكتابة لا يتضمن خروجاً على القواعد العامة في الإثبات، لأن الإذن بإجراء تعديل أو إضافة في التصميم، يعتبر مجاوزاً ما اشتمل عليه دليل كتابي - هو عقد المقاولة المبرم بين الطرفين وبالتالي لا يجوز إثبات هذا الإذن إلا بالكتابة بالتطبيق للمادة (61/أ) من قانون الإثبات. والكتابة لا تشترط فقط لإثبات الإذن بتعديل التصميم أو الإضافة إليه، بل تشترط أيضاً لإثبات الزيادة في الأجر، على عكس ما يوهم به ظاهر النص.
ولما كانت الكتابة هنا مشترطة للإثبات، فإنه يغني عنها مبدأ الثبوت بالكتابة إذا عزز بالبينة (م 62 من قانون الإثبات). وكذلك يجوز الإثبات بالبينة إذا وجد مانع مادي أو أدبي يحول دون الحصول على دليل كتابى (م 63/أ من قانون الإثبات أو إذا فقد الدائن سنده الكتابي لسبب أجنبي لا يد له فيه (م 63/ب من قانون الإثبات ).
الاستثناء الثاني :
انهيار التوازن الاقتصادي بين التزامات كل من رب العمل والمقاول بسبب حوادث استثنائية عامة :
تنص على هذا الاستثناء الفقرة الرابعة من المادة (658) مدني بقولها :
"على أنه إذا أنهار التوازن الاقتصادي بين التزامات كل من رب العمل والمقاول بسبب حوادث استثنائية عامة لم تكن في الحسبان وقت التعاقد، وتداعى بذلك الأساس الذي قام عليه التقدير المالي لعقد المقاولة، جاز للقاضي أن يحكم بزيادة الأجر أو بفسخ العقد".
وهذا النص تطبيق خاص لنظرية الحوادث الطارئة المنصوص عليها بالفقرة الثانية من المادة (147) مدني التي تجري على أن :
"ومع ذلك إذا طرأت حوادث استثنائية عامة لم يكن في الوسع توقعها، وترتب على حدوثها أن تنفيذ الالتزام التعاقدي، وإن لم يصبح مستحيلاً، صار مرهقاً للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة، جاز للقاضي، تبعاً للظروف وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين، أن يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول. ويقع باطلاً كل اتفاق على خلاف ذلك.
وعلى ذلك فإن شروط الفقرة الرابعة من المادة (658) هي ذاتها شروط نظرية الظروف الطارئة المنصوص عليها بالمادة 147 / 2 مدنی.
شروط نظرية الظروف الطارئة تخلص فيما يأتي :
(1) أن يكون العقد متراخياً :
ويمكن القول بأن هذا الشرط يتوافر في الغالب، ولكنه ليس شرطاً ضرورياً.
وهذا الشرط متوافر في عقد المقاولة على اعتبار أن هناك فترة من الزمن تفصل بين إبرام المقاولة وتنفيذها هي فترة الإعداد والتجهيز لتنفيذ محل عقد الوكالة.
(2) أن تطرأ بعد إبرام العقد حوادث استثنائية عامة :
يشترط أن تطرأ بعد إبرام العقد حوادث استثنائية عامة.
وهذا الشرط نصت عليه الفقرة الرابعة من المادة 658 بقولها : "على أنه إذا انهار التوازن الاقتصادي بين التزامات ... بسبب حوادث استثنائية عامة ".
ومثل ذلك الحرب والفيضان أو انتشار وباء أو صدور تشریع مفاجئ أو استيلاء إداري أو قيام تسعيرة جبرية أو إلغائها. ويترتب على هذه الحوادث الاستثنائية العامة ارتفاع أسعار المواد الأولية أو أجور العمال أو أجور النقل أو سعر التأمين أو الضرائب
وقد تكون الحوادث الاستثنائية موجودة وقت التعاقد ولكنها لم تكن معروفة من المقاول ولا متوقعة ولا يمكن توقعها. مثل ذلك أن يكون تحت الأرض المراد البناء عليها أطلال مدينة قديمة أو مجرى مياه جوفية، مما يستوجب وضع أساسات تزيد تكاليفها كثيراً عما كان مقدراً، فيعتبر ذلك حادثاً استثنائياً عاماً- وهو عام لأنه لا يخص هذا المقاول وحده بل يعم أي مقاول آخر يوكل إليه تنفيذ هذه المقاولة لم يكن في الحسبان وقت التعاقد .
(3)- أن تكون هذه الحوادث الاستثنائية ليس في الوسع توقعها :
وهذا ما تنص عليه صراحة الفقرة الرابعة من المادة 658 مدني بقولها: " بسبب حوادث استثنائية عامة لم تكن في الحسبان وقت التعاقد".
فالحوادث الاستثنائية العامة التي لم تكن في الحسبان هي تلك التي لا يكون في الوسع توقعها، فهذه الحوادث تكون حوادث نادرة أو غير عادية أو غير مألوفة، ولم يكن هناك ما يستدعي أن يتوقع المتعاقدان حصولها حسب السير العادي للأمور خلال تنفيذ العقد. ومعيار التوقع أو الحسبان معيار موضوعی، فلا ينظر فيه إلى ما توقعه أو حسبه المتعاقدان فعلاً، بل إلى ما كان يجب أن يتوقعه شخص عادي لو وجد في مثل ظروفهما بحسب السير العادي للأمور.
(4)- أن تجعل هذه الحوادث تنفيذ الالتزام مرهقاً لا مستحيلاً :
وقد عبرت عن ذلك الفقرة الرابعة من المادة بقولها: "على أنه إذا انهار التوازن الاقتصادي بين التزامات كل من رب العمل والمقاول ".
وهذا يعني أنه يجب أن يكون من شأن الحوادث الطارئة أن تهدد المقاول بخسارة فادحة. ذلك أن من يبرم عقد مقاولة بأجر إجمالي، يتوقع أن تنفيذ الظروف أثناء تنفيذاً العمل، وهو عادة يتوقع هذا التغيير ثم هو يجازف ويقامر بتحديد الأجر إجمالي، ويعلم أنه قد يصاب بخسارة نتيجة اتباع هذه الطريقة من طرق تحديد الأجر، ولكنه في نفس الوقت يأمل أن يحقق ربحاً كبيراً، ولاشك أن الاحتمالات التي تكون في ذهن المقاول وقت إبرام العقد، هي الاحتمالات المألوفة المتكرر حدوثها، أما الاحتمالات النادرة أو الاستثنائية فإنه لا يعمل لها حساباً، وإلا لما أقدم على التعاقد، فإن تحقق احتمال من هذه الاحتمالات الاستثنائية، بأن طرأ حادث استثنائی عام أدى إلى تهديده بخسارة فادحة، فإن الأساس الذي يكون قد أقام عليه تقديره المالي يتداعى، وينهار معه التوازن الاقتصادي بين التزاماته والتزامات رب العمل.
ويكفي أن تجعل هذه الزيادة الفاحشة تنفيذ التزام المقاول مرهقاً وعسيراً، لا مستحيلاً، لأننا لسنا بصدد قوة قاهرة. أما إذا كان كل ما ترتب على ما حدث هو انعدام ربح المقاول أو إصابته بخسارة غير جسيمة، فلا يجوز له التمسك بالمادة 658 / 1 للحصول على زيادة أخرى.
ويعتد في الخسارة الفادحة بالعمل محل عقد المقاولة، فلا عبرة بما يكون المقاول قد حققه من ربح كبير في أعمال أخرى، بل لا ينتفى الإرهاق إذا كان المقاول قد قام بتخزين كمية كبيرة من المواد الأولية دون أن يتوقع ارتفاع السعر، ثم علت أسعار هذه المواد أضعافاً مضاعفة بسبب حوادث استثنائية عامة، فيجوز للمقاول أن يحتج بزيادة الأسعار وطلب الزيادة في الأجر، وتقدير ما إذا كان المقاول مهدداً بخسارة فادحة، وبالتالى كون التوازن الاقتصادي بين التزامات كل الطرفين قد انهار، مسألة موضوعية، يفصل فيها القاضي مستهدياً بظروف كل دعوى، مع مراعاة عدم الاعتداد بالظروف الخاصة بالمقاول من حيث غناه أو فقره، إذ يجب أن يقدر الإرهاق تقديراً موضوعياً، لا ينظر فيه إلى المقاول المقصود بالذات، بل إلى مقاول عادي لو وجد في مثل ظروف هذا المقاول، على ضوء ما يلتزم به بالمقابلة إلى التزامات رب العمل.
وإن كانت شروط نظرية الظروف الطارئة في مبدئها العام تتفق مع شروط النظرية في تطبيقها الخاص بعقد المقاولة، فإن الجزاء يختلف قليلاً عن الجزاء في التطبيق الخاص لعقد المقاولة. فالفقرة الثانية من المادة 147 مدني التي تضع الجزاء في حالة توافر شروط نظرية الظروف الطارئة تقضي بأن يجوز للقاضي تبعاً للظروف وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين أن يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول ويقع باطلاً كل اتفاق على خلاف ذلك" فيجوز للقاضي أن يوقف تنفيذ الالتزام المرهق أو ينقص منه أو يزيد في الالتزام المقابل، إلا أنه يمتنع عليه فسخ العقد، فالالتزام المرهق يبقى ولا ينقضي، ولكن يرد إلى الحد المعقول، فتتوزع بذلك تبعة الحادث الطارئ بين المدين والدائن، ولا يتحملها الدائن وحده بفسخ العقد.
أما التطبيق الخاص لعقد المقاولة، فقد حدده عجز الفقرة الرابعة من المادة 658 الجزاء بقولها : "جاز للقاضي أن يحكم بزيادة الأجر أو بفسخ العقد ".
فللقاضي أن يقضي بزيادة أجر المقاول. ولكن يجب ألا تجاوز هذه الزيادة ما هو اللازم لرفع الإرهاق غير المتوقع عن المقاول، ويكون ذلك بتحميل المقاول الارتفاع المألوف في أسعار المواد الحالية وأجور العمال، لأن هذا الارتفاع متوقع وبالتالى يدخل في تقدير المقاول عند إبرام العقد، أما القدر غير المألوف من الارتفاع فيوزع على المقاول ورب العمل.
أما إذا لم يرتض رب العمل زيادة الأجر والإبقاء على عقد المقاولة، فإنه يجوز القاضي أن يقضي بفسخ العقد.
كما يجوز للقاضي أن يقضي بالفسخ إذا رأى مبرراً لذلك، كما إذا رأى أنه إذا زاد الأجر فإن التزام المقاول يبقى مع ذلك مرهقا وفي الوقت ذاته ترهق زيادة الأجر رب العمل .
ورغم أن النص قصر الجزاء على زيادة الأجر أو الفسخ، فإنه يجوز للقاضي تطبيقاً لنص المادة 147 / 2 وهو نص عام، أن يقف تنفيذ العقد حتى تزول الحوادث الطارئة إذا كانت وقتية وينتظر زوالها بعد وقت غير طويل، وإذا كان ذلك لا يفوت على رب العمل الفائدة التي يقصدها من وراء إنجاز العمل.(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الثامن، الصفحة/ 222)
كتاب مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان فى المعاملات الشرعية على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان لمؤلفه المغفورله )محمد قدرى باشا) (الطبعة الثانية(بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصرالمحمية سنة1308هجرية 1891 افرنجيه
( المادة 515 )
لا يجوز للصانع الذي التزم عملًا بالمقاولة أن يطلب بعد العقد زيادة عن الأجر المسمى کما لا یجوز لصاحب العمل أن يطلب تنقیص شی منه.