مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الخامس، الصفحة : 68
التزام المرافق العامة
المذكرة الإيضاحية :
نظرة عامة
أصبحت العلاقات التي تقوم في المقاولات المتعلقة بالمرافق العامة بين المقاول وعملائه من الأهمية بمكان، نظراً لا تساع العمران وانتشار المدن الكبيرة في الوقت الحاضر، وصار من الضروري أن يعرض التقنين المدني لهذا النوع من المقاولات، فيورد بعض الأحكام الخاصة به، كما فعل بالنسبة للمقاولات الصغيرة والكبيرة، بل إن الحاجة إلى التنظيم في هذا النوع من المقاولات أشد منها في الفرعين السابقين، إذا راعينا أن موقف الجمهور ضعيف إزاء الشركات الكبرى التي تتولى استغلال المرافق العامة، مما دعا إلى تدخل السلطة العامة لحماية المنتفعين بها. وقد ازداد هذا التدخل على مرور الزمن، فأصبحت السلطات العامة تتولى بنفسها إدارة بعض المرافق اللازمة لحياة الجمهور، أو تجيز للأفراد استغلالها بمقتضى عقد التزام مع احتفاظها بحق الرقابة والتنظيم. وهكذا وجدت إلى جانب المرافق التي يجري استغلالها وفقاً لنظام النشاط الفردي والمنافسة الحرة، مرافق تقوم السلطة العامة بتنظيمها وإدارتها، وأخرى تتولى تنظيمها دون أن تتدخل في إدارتها.
ومن الثابت أن تنظيم المقاولات المتعلقة بالمرافق العامة يرتبط، علاوة على التقنين المدني، بالتقنين الإداري، ولا بد من إصدار تشريع خاص ينظم الناحية الإدارية منه، ويحدد على الأخص موقف السلطة العامة قبل المقاول الذي تمنحه امتیاز استغلال مرفق عام. والمشروع لا يتعرض بداهة إلا للناحية المدنية من هذه المقاولات. والمبادىء التي يقررها في هذا الصدد ليست سوى تأكيد للاتجاهات الي بدت في القضاء المصري الذي حاول بقدر الإمكان عن طريق الرجوع إلى القواعد العامة، سد الفراغ الموجود في التقنين الحالي، وتنظيم العلاقات بين ملتزمي المرافق العامة والمنتفعين بها، كذلك يحرص المشروع على ألا يقرر سوى الأحكام التي يمكن أن تنسجم مع التقنين الإداري المصري الذي يرجى له عن طريق التشريع كثير من التطور في المستقبل القريب.
وقد استند المشروع في تقريره للأحكام التي أخذ بها إلى بعض الحقائق الثابتة، وعلى الأخص إلى وجود مرافق عامة أجازت السلطة العامة للأفراد استغلالها بمقتضى عقود التزام تضمنها شروطاً لتنظيم علاقة الملتزم بعملائه، وإلى أن من المجمع عليه الآن في القضاء المصري والفرنسي وقضاء معظم البلاد الأجنبية أن هذه الشروط ملزمة للفرد أو الشركة التي يعهد إليها باستغلال المرفق العام كما هي ملزمة للعملاء. وقد حاولوا تبرير هذه القوة الإلزامية في أول الأمر عن طريق الالتجاء إلى فكرة الاشتراط لمصلحة الغير ( محكمة الاستئناف المختلطة 17 مايو سنة 1894 ب 6 ص 339 - 20 ديسمبر سنة 1894 ب 7 ص 46 .......) ولكن من المتفق عليه الآن أن الاحترام الواجب لهذه الشروط إنما يرجع إلى مالها من طبيعة اللائحة الإدارية .
والأحكام التي أوردها المشروع في هذا الفرع إنما تبني على هذه الحقائق الثابتة النتائج القانونية المترتبة عليها، وهي تكسب المبادىء العامة في التقنين المدني شيئاً من المرونة حتى تتمشى مع هذه الحقائق، وعلى هذا النحو يصل هذا الفرع من المشروع بين التقنين الإداري الناشىء والأسس العامة في التقنين المدني، كما هو الحال بالنسبة للفصل الخاص بعقد العمل، فهو يصل بين التشريع الصناعي الذي لا يزال في بداية عهده في مصر والأساس القانوني العام في التقنين المدني.
ملحق تقرير لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ عن موضوع التزام المرافق العامة:
لما عرض موضوع التزام المرافق العامة على لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ اقترح حذف المواد من 668 إلى 673 وهي الخاصة بالتزام المرافق العامة لأن محله الطبيعي القانون الإداري ولأن من المتوقع أن تكون المنازعات المتعلقة به من اختصاص القضاء الإداري ولأن تعيين هذا الالتزام يتطلب توفير الانسجام مع التقنين الإداري المصري - ولم تر اللجنة الأخذ بهذا الاقتراح لأن المشروع تعرض لجانب محدود من صلة المنتفعين بالملتزم، وهذا الجانب مدني الصبغة، وقد استقر قضاء المحاكم المصرية على خضوع الجانب المتقدم ذكره لقواعد القانون المدني ( انظر على سبيل المثال، استئناف مختلط 26 يونية سنة 1918 ب 30 ص 499).
هذا ولم يذهب التعديل المزمع لقانون مجلس الدولة إلى جعل القضاء الإدارى مختصاً دون غيره بالنظر في المنازعات الخاصة بالتزامات المرافق العامة وإنما جعل اختصاص القضاء العادي قائماً وجعل الخيار للأفراد في الالتجاء إلى الجهة التي يؤثرونها والقواعد التي تضمنها المشروع في هذا الشأن ليس فيها خروج على القواعد العامة ولا مساس بالتنظيم الإداري وإنما هي تضع نظاماً سيعين القضاء على حل كثير من المشاكل التي يجوز أن تكون محلاً لاختلاف الرأي والتقدير.
1 ـ الأصل فى التزام المرافق العامة أن الملتزم يدير المرفق لحسابه و تحت مسئوليته ، و جميع الالتزمات التى تترتب فى ذمته أثناء قيامه هو بإدارة المرفق تعتبر إلتزاما عليه وحده و لا شأن لجهة الإدارة مانحة الالتزام بها ، ما لم ينص فى عقد الالتزام - أو فى غيره - على تحملها بها ، و إسقاط الالتزام أو انتهاؤه من شأنه - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن يضع حدا فاصلا بين إدارة الملتزم أو الحراسة الإدارية و بين إدارة الدولة للمرفق ، و من ثم فإن الدولة - و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لا تعتبر خلفا خاصا أو عاما للشركة التى أسقط عنها الالتزام أو انتهى التزامها .
(الطعن رقم 198 لسنة 36 جلسة 1971/01/06 س 22 ع 1 ص 33 ق 7)
2 ـ الملتزم بإدارة المرفق العام - على ما يفيده نص المادة 668 من القانون المدنى - هو من يربطه بالحكومة عقد إلتزام يكون الغرض منه إدارة مرفق عام ذى صفة إقتصادية لفترة معينه من الزمن ، و من ثم فلا يعد المجلس البلدى " ملتزماً " إذا ما أدار المرفق إدارة مباشرة لأن المجلس البلدى شخص من أشخاص القانون العام و فرع من فروع السلطة العامة عهد إليه القانون رقم 144 لسنة 1945 ببعض إختصاصات الدولة فى شأن المرافق العامة .
(الطعن رقم 293 لسنة 27 جلسة 1962/11/08 س 13 ع 2 ص 1000 ق 153)
3 ـ إسقاط الالتزام من شأنه - و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن يضع حدا فاصلا بين إدارة الملتزم و إدارة الدولة للمرفق ، و تكون جميع الالتزامات المترتبة فى ذمته أثناء هذه الإدارة عليه وحده ، و لا شأن لجهة الإدارة بها ما لم ينص فى عقد الالتزام أو غيره على خلاف ذلك أو كيفية تسوية حقوق الدائنين ، و إذا اعتبر الحكم المطعون فيه الطاعنة - هيئة النقل العام بمدينة القاهرة - خلفا لشركة الترام ، و ألزمها على هذا الأساس وحده بجزء من التعويض المحكوم به للمطعون عليه الثالث - على الشركة المذكورة - فإنه يكون معيباً بمخالفة القانون و بالقصور فى التسبيب .
(الطعن رقم 51 لسنة 37 جلسة 1971/11/30 س 22 ع 3 ص 955 ق 160)
4 ـ المقرر ـــ فى قضاء محكمة النقض ـــ أن الأصل فى المرافق العامة أن تتولاها الدولة إلا أنه ليس ثمة ما يمنع من أن تعهد الدولة بإدارتها إلى فرد أو شركة وسواء كان استغلال الدولة للمرفق بنفسها أو عهدت به إلى غيرها فإن مبدأ وجوب اضطراد سير المرفق العام وانتظامه يستلزم أن تكون الأدوات والمنشآت والآلات والمهمات المخصصة لإدارة المرفق بمنجاة من الحجز عليها شأنها فى ذلك شأن الأموال العامة ، وهذا الحكم قد كشف عنه المشرع بالقانون 538 لسنة 1955 الذى أضاف مادة إلى قانون المرافق العامة رقم 129 لسنة 1947 هى المادة 8 مكرر تنص على أنه " لا يجوز الحجز ولا اتخاذ إجراءات تنفيذ أخرى على المنشآت والأدوات والآلات والمهمـــــات المخصصـــــة لإدارة المــــــرافق العامـــــة.
(الطعن رقم 5006 لسنة 72 جلسة 2013/03/06)
5 ـ لأصل فى إلتزام المرافق العامة أن يدير الملتزم المرفق لحسابه و تحت مسئوليته و من ثم فإن جميع الإلتزامات التى تترتب فى ذمته أثناء قيامه هو بإدارة المرفق تعتبر إلتزاماً عليه وحده و لا شأن لجهة الإدارة مانحة الإلتزام بها ، ما لم ينص فى عقد الإلتزام - أو فى غيره - على تحملها بها ، و إسقاط الإلتزام من شأنه - و على ما جرى به قضاء محكمة النقض - أن يضع حداًُ فاصلاً بين إدارة الملتزم أو الحراسة الإدارية و بين إدارة الدولة للمرفق . و إذ كانت المؤسسة العامة للنقل البحرى و الإنشاءات هى الجهة صاحبة الإشراف على شركات النقل العام للركاب و هى لا صفة لها فى الخصومة القائمة بشأن فصل المطعون عليه الذى قد تم أثناء قيام الحراسة على مؤسسة كافورى لنقل الوقود و طبقاً للمادة الأولى من القرار الوزارى رقم 100 لسنة 1961 أذن للحارس الخاص عليها فى تصفية أموالها على أن تظل له سلطة إدارة هذه الأموال لحين تمام التصفية ، و كان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر ، فإنه يكون قد خالف القانون و أخطأ فى تطبيقه .
(الطعن رقم 199 لسنة 32 جلسة 1966/05/04 س 17 ع 3 ص 1011 ق 136)
6 ـ القاعده فى عقود إلتزام المرافق العامة هى أن الملتزم يدير المرفق لحسابه وعلى نفقته و تحت مسئوليته ، و تبعا لذلك فإن جميع الديون التى تترتب فى ذمته أثناء قيامه بإدارة المرفق تعتبر إلتزاما عليه وحده ولا شأن لجهة الإدارة مانحة الإلتزام بها ، فإذا انتهى عقد الالتزام وعاد المرفق لجهة الإدارة فإنها لا تلتزم بشىء من هذه الديون إلا إذا وجد نص فى عقد الالتزام يلزمها بها ، ذلك أن الملتزم فى إدارته المرفق لا يعتبر وكيلا عن جهة الإدارة ، كما أن هذه الجهة لا تعتبر بمثابة خلف خاص أو عام له .
(الطعن رقم 212 لسنة 29 جلسة 1964/01/30 س 15 ع 1 ص 161 ق 29)
7 ـ الأصل فى المرافق العامة أن تتولاها الدولة إلا أنه ليس ثمت ما يمنع من أن تعهد بإدارتها الى فرد أو شركة . و سواء كان إستغلال الدولة للمرفق العام بنفسها أو عهدت به الى غيرها فإن مبدأ وجوب إضطراد المرفق و إنتظامه يستلزم أن تكون الأدوات و المنشآت و الآلات و المهمات المخصصة لإدارة المرفق بمنجاة من الحجز عليها شأنها فى ذلك شأن الأموال العامة . و هذه القاعدة هى التى تعد من أصول القانون الإدارى قد كشف عنها المشرع فى القانون رقم 538 لسنة 1955 الذى أضاف المادة 8 مكرر لقانون المرافق العامة رقم 129 لسنة 1947 لتقضى بأنه " لا يجوز الحجز و لا إتخاذ إجراءات تنفيذ أخرى على المشآت و الأدوات و الآلات و المهمات المخصصة لإدارة المرافق العامة "
(الطعن رقم 176 لسنة 27 جلسة 1962/11/01 س 13 ع 2 ص 973 ق 148)
8 ـ القاعدة فى عقود إلتزام المرافق العامة هى أن الملتزم يدير المرفق لحسابه و على نفقته و تحت مسئوليته و تبعاً لذلك فإن جميع الديون التى تترتب على ذمه الملتزم أثناء قيامه بإدارة المرفق تعد إلتزاماً عليه وحده و من ثم فلا شأن لجهة الإدارة مانحة الإلتزام بها فاذا هى أنهت الألتزام بالإسقاط و عاد المرفق إليها فإنها لا تلتزم بشىء من هذه الديون ما لم ينص فى عقد الإلتزام على إلتزامها به ذلك أن الملتزم لايعتبر فى قيامه بإدارة المرفق لحسابه وكيلاً عن جهة الإدارة كما أنها لا تعتبر بمثابة خلف خاص أو عام له
(الطعن رقم 125 لسنة 27 جلسة 1962/11/01 س 13 ع 2 ص 952 ق 144)
9 ـ إلتزام المرافق العامة هو عقد الغرض منه إدارة مرفق عام ذى صفة إقتصادية و يكون هذا العقد بين جهة الإدارة المختصة بتنظيم هذا المرفق و بين فرد أو شركة يعهد إليها بإستغلال المرفق فترة معينة من الزمن ، فإذا إنتهت مدة الإلتزام و عاد المرفق إلى الإدارة فإن هذه الأخيرة لاتعتبر بمثابة خلف خاص أو عام عمن كان يقوم بإدارته و من ثم فلا تلتزم بما علق من ديون أو إلتزامات فى ذمة المستغل بسبب إدارة المرفق .
(الطعن رقم 148 لسنة 23 جلسة 1957/05/30 س 8 ع 1 ص 546 ق 59)
تنص المادة 668 من التقنين المدني على ما يأتي :
"التزام المرافق العامة عقد الغرض منه إدارة مرفق عام ذي صفة اقتصادية، ويكون هذا العقد بين جهة الإدارة المختصة بتنظيم هذا المرفق وبين فرد أو شركة يعهد إليها باستغلال هذا المرفق فترة معينة من الزمن" .
عناصر عقد التزام المرفق العام : ويتبين من النص سالف الذكر أن عقد التزام المرفق العام له عناصر تميزه عن سائر العقود، ويمكن حصرها في ثلاثة :
( العنصر الأول ) أن يكون عقد التزام المرفق مبرماً بين جهة الإدارة المختصة بتنظيمه وبين فرد أو شركة يعهد إليها باستغلال المرفق كما تقول المادة 668 فيما رأينا فالمتعاقد الأول لابد أن يكون الجهة الإدارية التي أنشأت المرفق العام وقامت بتنظيمه، وتكون هذه الجهة هي الدولة، أو أحد الأشخاص الإدارية المحلية : المحافظة أو المدينة أو القرية، والمتعاقد الآخر يكون في الغالب شركة وقد يكون فرداً، والمهم أنه لا يعتبر بتعاقده على إدارة المرفق من أشخاص القانون العام أي موظفاً عاماً، بل يعتبر من أشخاص القانون الخاص كما سبق القول .
( العنصر الثاني ) أن يكون محل العقد إدارة مرفق العام واستغلاله، ويجب أن يكون هذا المرفق، كما يقول النص فيما رأينا، "ذا صفة اقتصادية" ( م 668 مدني )، فيكون من المرافق الاقتصادية الصناعية أو التجارية، لا من المرافق الإدارية البحتة، وأكثر ما يمنح الالتزام في مرافق النور والماء والغاز والكهرباء والمواصلات بمختلف أنواعها، أما المرافق الإدارية البحتة، كالدفاع والأمن والعدالة والصحة والتعليم، فقد قدمنا أنها لا تدار بطريق الالتزام وإنما تدار إدارة مباشرة بطريق الريجي، وإذا أفسح مجال للنشاط الفردي الحر في بعض هذه المرافق، كما في التعليم للمدارس الحرة وكما في الصحة للمستشفيات الخاصة، فليس هذا معناه أن المرفق العام للتعليم أو للصحة يدار بطريق الالتزام، فإن الدولة هي التي تديره في الأصل، وتدع للجمعيات وللأفراد أن يسدوا ما قد تتركه من فراغ لا عن طريق الالتزام بل عن طريق النشاط الفردي، وقد تنظم الدولة هذا النشاط الفردي تنظيماً محكماً تصل به إلا أدق التفاصيل حتى يصبح الفرد أقرب إلى الملتزم، كما هي الحال في تنظيم التعليم الحر حيث أصبح القائمون به الآن أقرب إلى الملتزمين من ناحية التنظيم والرقابة والتفتيش والإعانات ونحو ذلك .
( العنصر الثالث ) أن يكون لعقد التزام المرفق العام مدة معينة، أو كما تقول المادة 668 مدني فيما رأينا "فترة معينة من الزمن"، فلا يجوز أن يكون العقد أبدياً، أو لمدة غير معينة، أو لمدة معينة بالغة في الطول، بل يجب أن تكون المدة بحيث تسمح للسلطة الإدارية بتغيير طريقة إدارة المرفق مع تطور الظروف، وفي الوقت ذاته تسمح للملتزم أن يقتضي من استغلال المرفق ما يكافئ نفقاته وفوائد رأس المال الذي استثمره . وقد وضع القانون رقم 129 لسنة 1947، الصادر في 21 يوليه سنة 1947، حداً أقصى لهذه المادة هو ثلاثون سنة، فنصت المادة الأولى من هذا القانون على أنه "لا يجوز منح التزامات المرافق العامة لمدة تزيد على ثلاثين سنة" ونصت المادة 8 من نفس القانون على أن "تسري أحكام هذا القانون من وقت صدوره على الالتزامات السابقة، مع احترام المدد المتفق عليها بشرط ألا تزيد على ثلاثين سنة من تاريخ العمل به، وذلك مع عدم الإخلال بأحكام أي اتفاق صدر بقانون سابق على هذا القانون". (الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ السابع، المجلد / الأول، الصفحة/ 352)
1- أحكام تنظيمية وبحكمها القانون الإداري وبموجبها يكون للإدارة رقابة الملتزم في إدارته للمرفق وتقرير أسعار موحدة يتقاضاها الملتزم من العملاء والحق في استرداد المرفق قبل انقضاء مدته ويجب على الإدارة وهي تستعمل هذا الحق أن تتوخى المصلحة العامة فلا تعسف في استعماله أو تخرج بالمرفق عن الغرض الذي انشئ من أجله، وأنه إذا ترتب على ذلك أن اختل التوازن المالي للمرفق التزمت بإعادة التوازن بتعويض الملتزم عما لحقه من خسارة.
2- أحكام تعاقدية تخضع لأحكام القانون المدني فلا يجوز تعديلها إلا باتفاق المتعاقدين كالاحكام المتعلقة بالحقوق والالتزامات الشخصية للملتزم والمتعلقة بمدة الالتزام وبشروط استرداد المرفق ومقدار ما تدفعه الادارة من تعويض بسبب الاسترداد - دون الحق في الاسترداد - وكذلك بالالتزامات المالية المتقابلة كالالتزام بمنح إعانة للملتزم أو بضمان مقدار معين من الربح وكالتزام الملتزم بدفع مبلغ لمانح للالتزام.
ويترتب على العقد أن ينفرد الملتزم باستغلال المرفق وتمكينه من القيام بالأعمال اللازمة لإدارته فتمنحه الإدارة التراخيص اللازمة، ويكون له تقاضي رسوم من المنتفعين وهذا المقابل لا يعتبر أجرة تسري عليها أحكام القانون المدني بل رسم تسري عليه أحكام القانون الإداري، وهذه الرسوم يستهلك بها الملتزم رؤوس الأموال المستثمرة في المرفق، كما يكون للملتزم الحق في التوازن المالي للمرفق ولا يكون ذلك في حالة الاستغلال العادي للمرفق أو لخطأ الملتزم مما يؤدي إلى تحقيق خسارة له، بل لا تلتزم بتحقيق هذا التوازن إلا إذا أحدثت تعديلاً جوهرياً في الشروط أدت إلى خسارة فادحة للملتزم فيكون له الحق في تعديل شرط الاستغلال وأيضاً إذا حدثت ظروف طارئة أدت إلى ذلك فإن أدت هذه الظروف إلى العكس بأن حقق الملتزم أرباحاً طائلة جاز للادارة تخفيض الأسعار، وقنن القانون 129 لسنة 1947 هذه النظرية في شقيها.
أما عن التزامات الملتزم فتنحصر في قيامه بالانشاءات اللازمة للمرفق من مد أنابيب وإقامة منشآت، كما يلتزم بإدارة المرفق بما يكفل له الاستمرار والانتظام ومسايرة التطور، ويخضع في ذلك لرقابة مانح الالتزام.(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ التاسع الصفحة/ 511)
يعرف البعض المرفق العام بأنه نشاط تتولاه هيئة عامة بقصد تحقيق النفع العام، أو أنه كل نشاط تقوم به الإدارة لصالح الأفراد.
وهذا التعريف يستند إلى أساس موضوعی، يوجد في طبيعة النشاط ذاته الذي يتولاه المرفق.
بينما يعرفه البعض بأنه منظمة عامة تنشئها السلطة الحاكمة وتخضع في إدراتها لإدارة هذه السلطة بقصد تحقيق حاجات عامة.
وهذا التعريف يستند إلى أساس عضوى فيجد المرفق فى فكرة المنظمة أو الهيئة التي تتولى النشاط.
وعلى ذلك إذا ما ذكر تعبير "مرفق التعليم" أو "مرفق الدفاع" عند أصحاب الأساس الموضوعي، عنوا بذلك خدمة التعليم أو خدمة الدفاع، بينما يعني أصحاب الأساس العضوي الإدارة أو الجهاز القائم على إدارة النشاط التعليمي أو الدفاعي، أي جهاز التعليم أو جهاز الدفاع.
وجدير بالذكر أن المعنيين: الموضوعي والعضوي للمرفق العام غالباً، ما يتطابقان، وذلك حين يعهد بالنشاط الذي يستهدف إشباع حاجة عامة إلى جهة عامة تقوم به. فيكون حينئذ المعنيان واجهتين لعملة واحدة.
ويطلق تعبير المرفق العام على النشاط وعلى الهيئات القائمة به.
غير أن هذا التطابق لا يتحقق حتماً، إذ قد يوجد مرفق عام بالمعنى الموضوعی "نشاط عام"، ولا يقوم به مرفق عام بالمعنى العضوي، حيث لا يوجد هيئة عامة أو جهاز عام يقوم بإدارة النشاط. ومن أمثلة ذلك التزام المرافق العامة، إذ تستطيع الدولة القانون الخاص فرداً أو شركة بدلاً من أن أن تعهد بإدارة نشاط عام إلى أحد أشخاص تعهد به إلى هيئة عامة.
وبالعكس قد يوجد أيضاً مرفق عام بالمعنى العضوي يقوم بنشاط لا يعتبر مرفقاً عاماً بالمعنى الموضوعي. ومن قبيل ذلك قيام الدولة باستثمار أموالها الخاصة، أي تلك التي لا تكون مخصصة للمنفعة العامة، فهذا النشاط لا يعتبر لدى فقهاء القانون الإداري نشاطاً مرفقياً، لأنه لا يهدف إلى إشباع حاجة عامة، وتلجأ الدولة في شأن إدارته إلى أساليب القانون الخاص على أن المسلم به في رأي جمهور الفقهاء أن اصطلاح "مرفق عام" يشمل المنظمة والنشاط بمعنى أن كلا من المنظمة والنشاط يعتبر مرفقاً عاماً إذا توافرت فيه من هذا الفقه قد استعمل في تعريف العناصر المميزة للمرافق العامة، حتى أن البعض المرفق العام تعبير المشروع ليحل معنى المنظمة والنشاط معاً.
فعرف المرافق العامة بأنها: "مشروعات تنشئها الدولة بقصد تحقيق غرض من أغراض النفع العام، ويكون الرأي الأعلى في إدارتها للسلطة العامة".
وعرفه البعض الآخر بأنه: نشاط تتولاه الإدارة بنفسها أو يتولاه فرد عادی تحت توجيه الإدارة ورقابتها واشرافها بقصد إشباع حاجة عامة للجمهور.
خصائص المرفق العام :
(1) يجب أن يكون المرفق العام من إنشاء الدولة :
ومعنى ذلك أن الدولة هي التي تقرر اعتبار نشاط أو مشروع ما مرفقاً عاماً، وتقرر خضوعه لأحكام وقواعد المرافق العامة، ويكون إنشاء المرفق بقرار جمهوري، ويكون من باب أولى بقانون.
ولا يشترط أن تكون الدولة بنفسها هي التي تنشئ وتدير المرفق العام، فمن الجائز أن ينظم المرفق العام ويديره ما يتفرع عن الدولة من مؤسسات عامة أو إحدى وحدات الإدارة المحلية كالمحافظات والمدن والأحياء والقرى.
وعلى ذلك فالمشروع الذي يديره أفراد أو شركات أو جمعيات لا يكون مرفقاً عاماً ولو كان ذا نفع عام. كما هي الحال في الجمعيات الخيرية والمدارس الحرة والمستشفيات الخاصة، وكذلك العكس صحيح فلا يكون المشروع الذي تديره الدولة مرفقاً عاماً إذا لم يكن ذا نفع عام.
غير أن هذا لا يعني أن الأفراد لا يشتركون إطلاقاً في أداء هذه الخدمة. بل على العكس من ذلك كثيراً ما تعهد الدولة إلى أفراد عاديين بإدارة مرفق عام كما في حالة امتياز المرافق العامة - كما سنرى- ويظل المرفق محتفظاً بصفة العمومية، لأن الدولة تظل محتفظة بالإشراف التام على تلك المشروعات بحيث يكون لها الكلمة الأخيرة فيما يتعلق بتنظيمها وإدارتها.
(2) يجب أن يكون المرفق العام بقصد تحقيق خدمة عامة :
ذلك أن كل مرفق عام إنما يقوم أساساً على إشباع حاجة عامة أو أداء خدمة عامة.
وتشمل هذه الخدمات ما يشبع حاجات الأفراد المادية والمعنوية ومن قبيل الخدمات المادية توريد المياه والكهرباء وتنظيم وسائل المواصلات. ومن قبيل الخدمات المعنوية التي تحقق النفع للجمهور بطريق غير مباشر خدمة الأمن وخدمة الدفاع وخدمة التوجيه المهني.
وهذه الخدمة العامة تكون عادة على قدر من الأهمية وإلا تركت للمشروعات الفردية، أو كما يقول العلامة دوجي أنها "أنواع النشاط والخدمات التي يقدر الرأي العام في وقت من الأوقات، وفي دولة معينة، أن على الحكام القيام بها، نظراً لأهمية هذه الخدمات الجماعة، ولعدم إمكان تأديتها على الوجه الأكمل بدون تدخل الحكام"، غير أن تدخل الدولة المتزايد في المجالات التي كانت متروكة للأفراد، قد جعل تقدير أهمية الخدمات التي يجب إشباعها عن طريق المرافق العامة، متروكاً لترخيص الإدارة، تمارسه تحت رقابة السلطات السياسية.
ومن ثم لم يعد من المجدى القول بأن الخدمة التي تؤديها الدولة للأفراد عن طريق المرافق العامة هي الخدمة التي يعجز الأفراد بوسائلهم الخاصة عن إشباعها، لأن الدولة قد ترى – لسبب أو لآخر التدخل في مجال معين يستطيع الأفراد مزاولة نشاطهم فيه بكفاية تامة، كما هو الشأن في معظم المرافق الاقتصادية والتجارية.
(3) يجب ألا يكون المقصود أساساً من المرفق العام هو الحصول على الربح :
ذلك أن الغرض الأساس من المرفق العام هو تحقيق خدمات عامة، ومن ثم لا يقصد من المرفق الربح بصفة أساسية، وتكون القاعدة هي المجانية في الإفادة بخدمات المرفق الذي تقوم به الدولة، غير أن هذا المبدأ لا يعني المجانية المطلقة إذا تستطيع الدولة تعليق حق الجمهور في الإفادة بخدمات المرفق على دفع رسوم زهيدة، دون أن يعتبر ذلك إخلالاً بمبدأ مجانية المنفعة العامة. لأن فرض هذه الرسوم يكون الغرض منه في كثير من الحالات توزيع الأعباء العامة على الجمهور ومساهمة منه في تمويل المرفق. ومثال ذلك دفع قيمة طابع البريد ودفع رسم اشتراك الهاتف حيثما يتم الانتفاع بخدمة هذين المرفقين.
(4) خضوع المرافق العامة لبعض القواعد القانونية الموحدة :
كل مرفق عام يخضع لقدر معين من القواعد القانونية تحكم سيره. فالمرافق العامة ليست كلها على نمط واحد، كما أنها لا تدار بنفس الطريقة، ولكن يجمع بينها بعض القواعد القانونية، تطبق عليها جميعاً أياً كان شكلها أو طريقة إدارتها.
وتسري على هذه المرافق قواعد خاصة بها ليست هي قواعد القانون المدني بل قواعد القانون الإداري، فتنظم هذه القواعد الخاصة مركز عمال المرافق، وهذا المركز ليس مركزاً تعاقدياً بل هو مركز تنظیمی. وتنظم أيضاً الأموال المخصصة لسير المرافق، فلا تكون أموالاً خاصة بل أموالاً عامة. وتنظم كذلك الأعمال والعقود اللازمة لإدارة المرفق. فتكون الأعمال أوامر إدارية وتكون العقود عقوداً إدارية، ولهذه وتلك قواعد إدارية تختلف عن قواعد القانون المدني. وتنظم أخيراً علاقة المرافق بالمنتفعين من الجمهور بوجه عام، فتعين حقوق المنتفعين وواجباتهم، وترسم شروط مسئولية المرافق عن أعمالها الضارة بالغير.
كان تدخل الدولة في إنشاء وإدارة المرافق العامة ضئيلاً في أول الأمر، ثم أخذ يزداد شيئاً فشيئاً حتى أصبح الآن يتناول معظم المجال الذي كان متروكاً لنشاط الأفراد.
ويمكن تقسيم المرافق العامة أقساماً متعددة بحسب الزاوية التي تنظر منها إليها، ونعرض لأهم التقسيمات فيما يلي:
1- المرافق الإدارية :
هي المرافق التي يتسم نشاطها بالطابع الإداري البحت كمرفق الدفاع الخارجي ومرفق الأمن الداخلى ومرفق التعليم ومرفق الصحة. وتتميز هذه المرافق بأنها تؤدي نشاطاً مما يدخل في صميم وظيفة الدولة، ويعجز الأفراد والهيئات الخاصة عن القيام به، أو لا يجدون مصلحة في مباشرته، وتستخدم الدولة في مباشرة هذا النشاط وسائل القانون العام، وقد تستخدم في إدارة هذه المرافق وسائل القانون الخاص على سبيل الاستثناء.
2-المرافق الاقتصادية الصناعية والتجارية :
وهي التي تقوم على أساس مزاولة نشاط من جنس نشاط الأفراد والهيئات الخاصة. ومن أمثلة ذلك مرفق النقل بالسكك الحديدية ومرفق المياه والكهرباء والغاز والتجارة الخارجية والبنوك وهذا المرافق لا تخضع فقط لقواعد القانون العام، بل تخضع في جانب من نشاطها لأحكام وقواعد القانون الخاص، وبصفة خاصة فيما يتعلق بالنواحي المالية وطرق الإدارة.
وقد استقر القضاء على أن العلاقة بين ملتزمي هذه المرافق والجمهور الذي ينتفع بخدمات المرافق المذكورة علاقة مدنية، أي يحكمها عقد مدنی، وتخضع المنازعة في شأنه لاختصاص القضاء العادي.
3- المرافق القومية والمرافق الإقليمية والمرافق البلدية :
تنقسم المرافق العامة إلى مرافق قومية ومرافق إقليمية ومرافق بلدية.
فالمرافق القومية مرافق تؤدى الخدمات العامة أو تسد الحاجات العامة لجميع السكان دون أن تحصر في إقليم معين. كمرفق الدفاع والأمن والمواصلات القومية والبنوك والتأمين والتجارة الخارجية. كل هذه المرافق قومية تمتد إلى جميع أنحاء البلاد ولا يختص بها إقليم دون إقليم.
أما المرافق العامة الإقليمية أو البلدية فهى المرافق التي يقصد بها سد حاجات مشتركة ومنافع معينة لسكان إقليم معين أو بلدة معينة، وهي تتبع عادة وحدات الإدارة المحلية ومن أمثلة ذلك: مرفق النقل الداخلي، ومشروعات المطافئ، والنظافة والمياه والغاز والكهرباء.
وقد توجد مرافق إقليمية تهم بلدة معينة أو إقليم محدد، وقد توجد مرافق إقليمية تهم أكثر من بلدة أو إقليم كمشروعات النقل المشترك بين عدة محافظات.
وللتمييز بين المرافق العامة القومية والمرافق العامة الإقليمية أو البلدية أهمية عملية، خاصة فيما يتعلق بالمسئولية عن الأفعال الضارة إذ تسأل الدولة عن الأضرار التي تسببها المرافق القومية كمرفق الشرطة وتسأل المحليات عن الأضرار التي تسببها المرافق الإقليمية. - المرافق النقابية أو المهنية :
ظهر هذا النوع من المرافق العامة وانتشر عقب الحرب العالمية الثانية. وهو يرمي إلى تنظيم المهن الرئيسية في الدولة عن طريق أبناء المهنة أنفسهم. فهذه المرافق وتعلق نشاطها برقابة وتوجيه النشاط المهني مثل نقابة المحامين ونقابة الأطباء ونقابة الصيادلة ونقابة المهندسين.... إلخ. وهذه المرافق تديرها نقابات من أبناء المهنة ويخولها القانون بعض السلطات والامتيازات تتعلق بمزاولة المهنة والمحافظة على حقوق المشتغلين فيها.
وهذه المرافق النقابية أو المهنية تقوم على عناصر ثلاثة :
(أ)- أن هذه المرافق تتخذ شكلاً نقابياً يشرف على إدارتها مجالس يتم انتخابها من
أبناء المهنة.
(ب)- أن انضمام أبناء المهنة إلى هذه النقابات يكون بصفة إجبارية وذلك على خلاف المنظمات العمالية التي يكون الانضمام إليها اختيارياً، باعتبارها من أشخاص القانون الخاص.
(ج)- أن هذه النقابات تمثل المهنة لدى الدولة وغيرها من الهيئات العامة، كما يناط بهذه النقابات الإشراف على نظام المهنة ولذلك يخولها القانون إصدار قرارات إدارية، فردية ولائحية، وتتضمن القرارات اللائحية بصفة خاصة القواعد المنظمة لممارسة المهنة والتي يتعين على أعضاء النقابة مراعاتها والالتزام بها ويخولها مراقبة دخول الأعضاء إلى المهنة عن طريق القيد في جداول العضوية وعن هذا الطريق تتحقق النقابة من توافر شروط الصلاحية المهنية والخلقية في كل عضو جديد يريد أن يمارس المهنة.
ولها حق توقيع جزاءات تأديبية على كل عضو يخالف قواعد تنظيم المهنة.
ويترتب على كون هذه النقابات تمارس نشاطاً مما يدخل أصلاً في صميم وظيفة الدولة أن تملك هذه الأخيرة، الحق في ممارسة سلطة وصائية على أعمالها ضماناً للصالح العام.
5- المرافق التي لها شخصية معنوية والمرافق التي ليس لها شخصية معنوية
يلحق المرفق عادة بأحد الأشخاص الإدارية يشرف على إدارته ويكون مسئولاً عنه. فإذا كان المرفق العام قومياً كمرفق الشرطة أو السكك الحديدية... إلخ ألحق بالدولة مباشرة. وإذا كان مرفقاً إقليمياً أو بلدياً كالأمثلة التي سردناها سلفاً، ألحق بالمحافظة أو المدينة... إلخ ومعنى هذا أن المرفق في هذه الحالة لا تكون له شخصية قانونية متميزة عن الشخص الاعتباري الذي يتبعه. ومعظم المرافق العامة من هذا القبيل أي محرومة من الشخصية الاعتبارية. والمرافق القومية موزعة بين الوزارات المختلفة، فيلحق كل مرفق منها بالوزارة التي يكون نشاطها من جنس نشاطه ولهذا كثيراً ما يقوم نزاع بين وزارتين أو أكثر حول تبعية مرفق من المرافق. ومثل هذا النزاع يحل عادة باتفاق الوزراء المختصين أو بقرار جمهوری استناداً إلى اختصاص رئيس الجمهورية فيما يتعلق بترتيب المرافق العامة. غير أن العمل قد جرى على أن تمنح الشخصية المعنوية لبعض المرافق العامة، نظراً لاعتبارات خاصة. فيكون لها ذاتيتها المستقلة، وتكون شخصاً إدارياً قائماً بجوار الأشخاص الإدارية الأخرى، وهي الدولة والمحافظة والمركز والمدينة والحي والقرية وحينئذ تكسب - كقاعدة عامة - إسماً جديداً هو "الهيئة العامة".
6- المرافق الإلزامية والمرافق الاختيارية :
تنقسم المرافق من حيث وجوب إنشائها إلى مرافق إلزامية واختيارية. وتتمثل الأولى في تلك التي يكون إنشاؤها بالنسبة للدولة أمراً إلزامياً، ويتعين عليها القيام بها كالمرافق التقليدية (الأمن - والدفاع - والصحة.... إلخ) أما المرافق الاختيارية فهی التي أشار إليها الدستور في عبارات عامة تحمل معنى السياسة العامة والتوجيه. فهى اختيارية تقوم الدولة بإنشائها وفقاً لتقديرها وفي الوقت الذي تراه ملائماً لذلك كحماية الطفولة والأمومة ورعاية النشء والشباب.
هذاك مبادئ عامة تحكم سير المرافق العامة.
وهذه المبادئ قد ألفها الفقه واستقر عليها القضاء، وهي تخلص في ثلاثة هي:
1- مبدأ سير المرافق العامة بانتظام واطراد.
2- قاعدة مساواة المنتفعين أمام المرافق العامة.
3- قابلية نظام المرافق العامة للتغييرات والتعديلات في أي وقت.
ونعرض لهذه المبادئ بإيجاز فيما يلي
أولاً : مبدأ سير المرافق العامة بانتظام واطراد :
نقطة البدء في المرفق العام أنه يؤدي خدمات أساسية للأفراد يتوقف عليها إلى حد كبير تنظيم أحوال معيشتهم، وذلك يقتضي ألا يكون هناك ما يعوق أو يشل حركة هذه المرافق في أداء عملها وسير نشاطها، ويكفي تصور مدى الاضطراب والفوضى التي تصيب حياة الأفراد إذا انقطع التيار الكهربائي لمدة طويلة أو تعطلت وسائل النقل اليومين أو أكثر لهذا أجمع الفقهاء على أن أولى القواعد الأساسية التي تحكم سیر جميع المرافق العامة، انتظامها في سيرها بدون انقطاع، بحيث يجد المنتفع الخدمة التي يؤديها المرفق ميسرة في الميعاد والمكان المتعارف عليه لأدائها.
وقد أكد المشرع والقضاء تطبيق هذا المبدأ، في مجالات عديدة، منها تحریم الإضراب واستقالة الموظفين، وفي نظرية الظروف الطارئة في مجال العقود الإدارية وعدم جواز التصرف في الأموال العامة.
ثانياً : قاعدة مساواة المنتفعين أمام المرافق العامة :
مقتضى هذه القاعدة أنه يتحتم على المرفق العام أن يؤدي خدماته إلى من يطلبها من الجمهور بنفس الشروط بحيث لا يكون هناك تمييز لا مبرر له بين المنتفعين. وهذه القاعدة مستمدة من المبدأ العام الذي يهيمن على جميع الدساتير، والذي يقضي بمساواة الأفراد في الحقوق والواجبات.
وقد نصت على هذا المبدأ المادة (40) من دستور 1971 بقولها:
"المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة".
على أن المساواة في هذا الخصوص لا تعني المساواة المطلقة بين الأفراد بل المساواة بين من تتحد ظروفهم، فليس هناك ما يمنع من وضع فروق بين المنتفعين على أسس موضوعية لا شخصية فأجرة السفر بالسكك الحديدية تختلف بين الدرجة الأولى والثانية ورسم رخصة تسيير السيارة يختلف من السيارة الخاصة والسيارة الأجرة، وتختلف حقوق وواجبات طلبة القسم الداخلي عن حقوق طلبة القسم الخارجي بالمدارس.
ومبدأ المساواة لا يحرم الإدارة سلطتها التقديرية في أن تختار من بين طوائف المواطنين من يكونون قد استوفوا شروط الانتفاع، فتخص بعضهم بالخدمة التي يؤديها المرفق دون البعض الآخر، متی استندت في تصرفها إلى اعتبارات المصلحة العامة، وخلا تصرفها من إساءة استعمال السلطة.
وإذا كان الأصل هو إعمال قاعدة المساواة بين من يستوفون شروط الانتفاع، إلا أن هذه القاعدة قد يرد عليها بعض الاستثناءات مردها إلى النصوص، كإعفاء المتفوقين العاجزين من المصروفات، أو تخصيص أماكن في عربات المترو لمن هم في سن الشيخوخة أو المصابين من الحرب، وتقرير مثل هذه الاستثناءات لا يقصد به تمييز أفراد بذواتهم، بل لوجود ظروف خاصة واعتبارات معينة راعاها المشرع.
ثالثاً: قابلية نظام المرافق العامة للتغييرات والتعديلات في أي وقت يعني هذا المبدأ أن المرفق العام يلزم أن يكون دائماً في حالة تطوير وتجديد من حيث النشاط الذي يقوم به، أو من حيث الوسائل المستخدمة، حتى يكون بذلك مسايراً للحاجات المتجددة للجمهور، فلا يتخلف عنها ويفقد مبررات وجوده.
فإذا ظهر لجهة الإدارة في أي وقت من الأوقات أن هذا التنظيم لم يعد يتفق مع المنفعة المرجوة من المرفق أو أن هناك تنظيماً يكفل أداءها على وجه أفضل، كان لها أن تلجأ إلى تنظيم المرفق، فتجعل إدارته عن طريق الهيئة العامة بدلاً من الإدارة المباشرة. أو تختار نظام شركة الاقتصاد المختلط أو التأميم... إلخ ولها أن تفرض رسوماً علی الانتفاع أو تخفض الرسوم الموجودة، أو تشدد من الشروط المتطلبة ليكون للأفراد حق الانتفاع كرفع سن التوظف أو اشتراط مؤهل خاص لشغل بعض الوظائف.. إلخ.
وحق الإدارة في هذا الشأن لا يقيده إلا مراعاة المصلحة العامة، ذلك القيد العام الذي يهيمن على كل تصرفاتها ألا تصبح تصرفاتها تعسفية و مشوبة بعيب الانحراف.
وقاعدة التغيير والتعديل لا يقتصر على المرافق التي تدار بطريق الريجي وحدها، بل إنها تمتد لتشمل جميع أنواع المرافق العامة أياً كانت وسيلة إدارتها، لاسيما المرافق التي تدار بطريق الامتياز.
وهذا الحق ينص عليه دائماً في عقود الامتياز، ولكنه ثابت للإدارة ولو لم ينص عليه صراحة، بل لا يمكنها أن تنزل عنه مقدماً. لأنه متعلق بحق الجمهور، ويتصل بالنظام العام.
طرق إدارة المرافق العامة تعداد :
تدار المرافق العامة، سواء كان المرفق قومياً أو إقليمياً أو بلدياً، بإحدى طرق خمسة هي:
1- الاستغلال المباشر أو الريجى.
2 - المؤسسات والهيئات العامة.
٣- التزام أو (امتياز) المرافق العامة.
4 - الاستغلال المختلط.
5- الإدارة بطريق الريجي غير المباشر.
الطريقة الأولى :
الاستغلال المباشر أو الريجى :
يقصد بهذه الطريقة أن تقوم الدولة أو أحد الأشخاص الإدارية بإدارة المرفق العام مستعينة في ذلك بأموالها وموظفيها، مستخدمة في ذلك وسائل القانون العام. وهذه الطريقة هي التي تدار بها جميع المرافق العامة الإدارية في الوقت الحاضر، وذلك إما لأن هذه المرافق غير مربحة، فلا يمكن أن يقبل عليها الأفراد، وإما لأن الدولة ترى أنه من الخطورة أن تسمح للأفراد بالمشاركة في إدارة مثل هذه المرافق، مثل ذلك مرفق الأمن والدفاع والعدالة والتعليم والصحة. وبعض هذه المرافق تؤدي خدماتها للجمهور مجاناً لأنها تتناول جميع أفراد الجمهور، ويتحمل نفقات المرفق دافعو الضرائب، مثل مرفق العدالة والتعليم، والبعض الآخر يؤدي خدماته في مقابل رسم معين يؤديه المنتفع حتى لا يتحمل دافعو الضرائب جميع نفقات المرفق.
وهذا النظام لا يقتصر على المرافق الإدارية وحدها، بل يمتد في كثير من الدول إلى إدارة بعض المرافق التجارية والصناعية، كأن تتولى الدولة إدارة مرفق السكك الحديدية أو التليفونات و التلغرافات والبريد.
الطريقة الثانية: المؤسسات والهيئات العامة :
بهذه الطريقة بدار المرفق العام عن طريق أشخاص إدارية مرفقية مستقلة عن السلطة المركزية تنشأ لهذا الغرض مثل الهيئات العامة أو المؤسسات العامة. وهي في مباشرة نشاطها في إدارة المرفق، يكون لها شخصية معنوية مستقلة وذمة مالية مستقلة، وتتمتع باستقلال مادي وإداري، ويعتبر موظفو هذه المرافق موظفين عموميين، وأموالها تعتبر أموالاً عامة، وقراراتها تعتبر قرارات إدارية، فهي في حقيقتها من أشخاص القانون العام تتمتع بحقوق وامتيازات السلطة العامة ومن أمثلة ذلك الجامعات والمعاهد الخاصة بالبحوث العلمية وبعض المرافق الاقتصادية کالمؤسسات القائمة على إدارة البنوك وشركات التأمين، وتبسط عادة السلطة الإدارية التي تتبعها المؤسسة الرقابة عليها في صور مختلفة يبينها نظام المؤسسة .
الطريقة الثالثة :
التزام أو (امتياز) المرافق العامة :
يقصد بهذه الطريقة أن تعهد الإدارة الدولة أو أحد الأشخاص الإقليمية إلى أحد الأفراد أو الشركات بإدارة مرفق عام اقتصادی و استغلاله لمدة محدودة، وذلك عن طريق عمال وأموال يقدمها الملتزم وعلى مسئوليته، في مقابل تقاضى رسوم من المنتفعين بهذا المرفق العام.
وبالتالي فإن المشرفين على إدارة المشروع ليسوا موظفين عموميين بل عمال وأجراء يخضعون في علاقاتهم مع الملتزم لقواعد القانون المدني.
والملتزم وإن كان يدير مرفقاً عاماً، إلا أنه يستهدف أساساً تحقيق الربح. ولما كانت هذه الطريقة، هي طريقة رأسمالية في الإدارة، فإنها لا تزدهر في النظام الاشتراكي. ولذلك فتطبيقاتها محدودة، وتكاد تنحصر في استغلال بعض مصادر الثروة الهامة، وعلى رأسها البترول.
الطريقة الرابعة :
الاستغلال المختلط :
في هذه الطريقة تشترك السلطات العامة والأفراد معاً في إدارة مرفق عام. وتتخذ هذه المشاركة صورة شركة مساهمة عادة، تكتتب الدولة أو أحد الأشخاص العامة في جزء كبير من رأسمالها فتشترك في إدارتها وتتحمل كباقي المساهمين مخاطرها.
وهذه الطريقة حديثة نسبياً، تفضل في إدارة المرافق الاقتصادية طريقة الاستغلال المباشر وطريقة المؤسسات العامة في أنها تبتعد عن الطرق والأساليب الحكومية في إدارة مرفق تقتضي طبيعته أن يدار بالنظم التي تدار بها المشروعات الاقتصادية الحرة. وهي في الوقت ذاته قد تفضل طريقة الالتزام في أنها تمكن السلطة الإدارية من الاشتراك في الإدارة والاستغلال، بل ومن السيطرة على المرفق إذا كان نصيبها في رأس المال كبيراً. وتفضل أخيراً طريقة الريجي غير المباشر في أن السلطة الإدارية لا تتحمل وحدها كل الخسائر بل تشارك فيها بمقدار ما تشارك في الربح.
الطريقة الخامسة :
الإدارة بطريق الريجي غير المباشر :
في هذه الطريقة تعهد السلطة الإدارية إلى فرد أو شركة في إدارة المرفق العام واستغلاله على أن تكون للسلطة الإدارية كل الأرباح وعليها كل الخسائر.
أما مدير المرفق فيأخذ مقابل إدارته مبلغاً أو نسبة معينة من صافي الأرباح أو من رأس المال. أو مقابلاً على أي نحو يتفق عليه مع السلطة الإدارية. فهو إذن مرتبط بهذه السلطة برابطة تعاقدية، والعقد من عقود القانون الإداري. ولكنه لا يعتبر موظفاً عاماً لا هو ولا من يستخدمهم لمعاونته في إدارة المرفق .
والتزام المرافق العامة يعالج من ناحيتين: فهو بالنسبة إلى العلاقة بين مانح الالتزام الحكومة والملتزم، عقد يخضع لأحكام القانون الإداري لأن ما يرد من شروط عن طريقة إدارة المرفق ومدته وغير ذلك له صفة اللائحة، ولذلك فإن هذه الشروط لا علاقة لها بالقانون المدني.
أما بالنسبة للعلاقة بين الملتزم كالشركة المصرية للاتصالات وشركة كليك للتليفون المحمول أو شركة موبينيل للتليفون المحمول أو شركات الكهرباء أو الغاز، وبين المنتفعين بخدمات هذه الشركات، فهي علاقة مدنية تخضع لأحكام القانون المدني.
وهذا العقد الذي تبرمه جهة الإدارة مع الملتزم هو طريق من طرق إدارة المرافق العامة. وتعتبر جهة الإدارة في حكم رب العمل، ويعتبر الملتزم في حكم المقاول.
وعقد التزام المرافق العامة بهذا المعنى يختلف عن عقد التزام الأشغال العامة، وهو عقد مقاولة بين شخص من أشخاص القانون العام وفرد أو شركة، بمقتضاه يتعهد المقاول بالقيام بعمل من أعمال البناء أو الترميم أو الصيانة في عقار لحساب هذا الشخص المعنوي العام، تحقيقاً لمصلحة عامة مقابل ثمن يحدد في العقد.
فائدة تنظيم هذا النوع من المقاولات :
أن ضمن طرق إدارة المرافق العامة، إدارة المرافق عن طريق التزام أو (امتياز) المرافق العامة.
وهذه الطريقة ظهرت فائدتها في مجال إدارة المرافق العامة.
يبين من المادة (668) مدني أن عقد التزام المرفق العام له ثلاثة عناصر تميزه، عن العقود الأخرى، وهي :
العنصر الأول :
أن يكون العقد مبرماً بين جهة الإدارة المختصة بتنظيمه وبين فرد أو شركة يعهد إليها باستغلال المرفق. وعادة ما يكون المتعاقد مع جهة الإدارة شركة قادرة على الوفاء بالأعمال والإنشاءات اللازمة لإدارة واستغلال المرفق.
أما إذا كان المتعاقد الآخر مع جهة الإدارة من أشخاص القانون العام، فلا يعتبر العقد التزاماً.
ونظراً لأن الملتزم هيئة خاصة وليس موظفاً عاماً، فإنه يرتبط بالعاملين لديه بعقود عمل تخضع لأحكام القانون الخاص.
وتقوم هذه الهيئة الخاصة بجميع الإنشاءات الضرورية للمرفق على مسئوليتها وليس على مسئولية الإدارة، وعلى نفقتها تماماً. كما أنها مسئولة عن الأضرار التي تصيب الأفراد نتيجة سير المرفق وهكذا لا تتحمل الإدارة مانحة الالتزام شيئاً من النفقات أو المسئوليات المادية، بل على العكس فإنه عادة يتضمن عقد الالتزام عودة المرفق بجميع إنشاءاته ومهماته إلى الإدارة مانحة الالتزام بانتهاء العقد مما يعود على الدولة بفوائد مادية كبيرة.
العنصر الثاني :
أن يكون محل العقد إدارة مرفق عام ذي صفة اقتصادية.
وعلى هذا نصت المادة 668 مدنی صراحة بقولها: "التزام المرافق العامة عقد الغرض منه إدارة مرفق عام ذي صفة اقتصادية".
فالمرفق الذي يدار بطريق الالتزام أو (الامتياز) مرفق من طبيعة اقتصادية تجارية أو صناعية، لأن هذه المرافق هي التي تكون خدماتها مدفوعة بأجر يشجع الأفراد أو الشركات على الالتزام بإدارتها واستغلالها، على عكس المرافق الأخرى الإدارية التي تتسم بالمجانية ولا يتصور فيها نظام الالتزام أو (الامتياز) ومن أمثلة المرافق الاقتصادية، ما ذكرناه سلفا من التعاقد مع شركات تليفونات المحمول (كلیك) و (موبينيل) وشركة الغاز، والكهرباء والمياه، وأيضاً مرافق النقل بالسيارات داخل المدن أو فيما بينها أو بين القرى والمراكز ومرافق النقل بالترام والنقل النهري.
العنصر الثالث :
تحديد مدة معينة لالتزام المرفق :
تنص المادة (668) مدني على أن يكون الالتزام المرافق العامة "فترة معينة من الزمن".
فلا يجوز أن يكون العقد مؤبداً أو لمدة غير معينة أو لمدة معينة بالغة الطول، وإنما يجب أن تكون المدة معقولة تكفل للملتزم استهلاك ما قام به من نفقات الإنشاء. وفوائد رأس المال الذي استثمره.
وشرط المدة هذا يميز عقد الالتزام عن الترخيص باستغلال مرفق عام، فالترخيص الأخير مؤقت بطبيعته ويمنح لأجل معين، وغير قابلة للتجديد. ويحق لجهة الإدارة مانحة الترخيص إلغاؤه في أي وقت طبقاً لصريح نصها.
وقد وضعت المادة الأولى من القانون رقم 129 لسنة 1997 بالتزامات المرافق العامة حدا أقصى لمدة العقد بثلاثين سنة إذ نصت المادة على أن: "لا يجوز منح التزامات المرافق العامة لمدة تزيد على ثلاثين سنة".
ورغم أن الدستور المصري الصادر في سنة 1923 نص في المادة 137 منه على أن التزامات المرافق العامة لا يمكن منحها إلا لمدة محدودة، فقد جرى العمل في ظله على منح التزام المرافق العامة لمدة طويلة جداً قد تصل إلى تسع وتسعين سنة مما يتعارض مع روح الدستور.
ولذلك نصت المادة الثالثة من القانون رقم 29 لسنة 1947 على أن: "تسرى أحكام هذا القانون من وقت صدوره على الالتزامات السابقة مع احترام المدد المتفق عليها بشرط ألا تزيد على ثلاثين سنة من تاريخ العمل به، وذلك مع عدم الإخلال بأحكام أي اتفاق صدر بقانون سابق على هذا القانون".
وهذا يعني بالنسبة للالتزامات السابقة على صدور القانون أن تنقص المدة الباقية لها إلى 30 سنة إذا كان ما تبقى من المدد الأصلية أزيد من ثلاثين سنة، ويدخل على هذا استثناء واحد في حالة ما إذا وجد اتفاق يقضي بغير ذلك بين الحكومة والملتزم صدر بقانون سابق.
ذهب القضاء في أول الأمر إلى اعتبار التزام المرافق العامة من عقود القانون المدني، يخضع لما تخضع له هذه العقود من قواعد. ولكنه عدل عن هذا الرأي وكان ذلك أولاً في أحكام المحاكم المختلطة، وأخذ بالمذهب الثالث الذي يرى أن عقد الالتزام عمل قانونی مرکب، فعقد الالتزام ليس من جهة عقداً مدنياً، ولا هو من جهة أخرى تصرف قانونى من جانب واحد. بل هو عقد إداري. فعقد الالتزام إذن بالرغم من أنه عقد يتكون من توافق إرادتين إرادة السلطة الإدارية و إرادة الملتزم، إلا أنه لا يخضع في جميع مشتملاته لقواعد القانون المدني، بل يخضع للقانون الإداري في نواحيه المتعلقة بتنظيم المرفق وإدارته وأسعاره المقررة.
وقد أفصح عن هذا الاتجاه تعريف المادة (668) مدني لعقد الالتزام بأنه عقد الغرض منه إدارة مرفق عام ذي صفة اقتصادية ويكون هذا العقد بين جهة الإدارة القائمة بتنظيم هذا المرفق وبين فرد أو شركة يعهد إليها باستغلال المرفق فترة معينة من الزمن.
وعلى ذلك يخضع عقد الالتزام لنوعين من القواعد.
النوع الأول : نصوص تعاقدية :
وهذه تخضع للقانون المدني، فلا يجوز نقضها ولا تعديلها إلا باتفاق الطرفين. وهي تشمل الأعباء المالية المتبادلة بين مانح الالتزام من ناحية وبين الملتزم من ناحية أخرى، ومدة الالتزام وكيفية استرداده وما يتعلق بتنفيذ الأشغال العامة التي يقتضيها الالتزام.
وهذه الشروط لاتهم المنتفعين بالمرفق مباشرة. ولا يحق للإدارة تعديلها بإرادتها المنفردة.
والنوع الثاني :
نصوص تنظيمية أو لائحية :
وهذه النصوص لا يقتصر أثرها على الملتزم ومانح الالتزام، وإنما تمتد إلى المنتفعين، وهي الخاصة بتنظيم المرفق العام وسيره، كتحديد طريقة الاستغلال وتحديد الرسوم التي يجوز تحصيلها، والإجراءات الكفيلة بحفظ سلامة المنتفعين، وشروط الانتفاع بالخدمة التي يقدمها المرفق... الخ.
والنصوص التنظيمية أو اللائحية، تغدو كما لو كانت قانوناً للمرفق، وبالتالي فإن الإدارة تستطيع أن تعدلها دائماً بإرادتها المنفردة، ولا تستطيع جهة الإدارة أن تجرد نفسها من هذه الولاية باتفاق خاص أو تحرم نفسها من حق استرداد المرفق قبل انقضاء مدته إذا اقتضت المصلحة ذلك.
وبصفة عامة يعتبر نصاً تعاقدياً كل ما أمكن الاستغناء عنه لو أن المرفق أدير عن طريق الإدارة مباشرة، بينما تعتبر لائحية النصوص التي تبقى لو أدير المرفق العام.
ينظم التزامات المرافق العامة القانون رقم 129 لسنة 1947 بالتزامات المرافق العامة المعدل بالقوانين 497 لسنة 1954، 538 لسنة 1955، 185 لسنة 1958 .
غير أن هذا القانون لم ينص على طريقة منح الالتزام بالمرافق العامة، وهل يتم ذلك بمجرد اتفاق بين الإدارة والملتزم أو لابد من موافقة المجلس التشريعي في صورة قانون.
وقد صدر القانون رقم 288 لسنة 1956 في شأن تعديل شروط التزام استغلال المرافق العامة في دوائر اختصاص وزارة الشئون البلدية والقروية والمجالس البلدية ونص في مادته الأولى على أن:
لوزير الشئون البلدية والقروية وللمجالس البلدية كل في حدود اختصاصه تعديل شروط عقود التزام استغلال المرافق العامة - عدا ما كان من تلك الشروط خاصاً بتحديد شخص الملتزم ومدة الالتزام ونطاقه والإتاوة فإنه يتعين صدور قانون بالإذن في تعديلها".
ثم صدر القانون رقم 61 لسنة 1958 (المعدل بالقانون رقم 152 لسنة 1960) في شأن منح الامتيازات المتعلقة باستثمار موارد الثروة الطبيعية والمرافق العامة وتعديل شروط الامتياز، ونصت مادته الأولى (المعدلة) على أن يكون منح الامتيازات المتعلقة باستثمار موارد الثروة الطبيعية والمرافق العامة، وكذلك أي تعديل في شروط الامتياز يتعلق بشخص صاحب الامتياز أو مدة الامتياز أو نطاقه أو الإتاوة (العائدات) بقرار من رئيس الجمهورية بعد موافقة مجلس الأمة، ويكون تعديل ما عدا ذلك قرار من الوزير المختص.
على أنه بالنسبة إلى موارد الثروة المائية ومناطق صيد الطيور التابعة لوزارة الحربية يكون منح الامتيازات المتعلقة باستثمارها وتعديل شروطها بقرار من وزير الحربية إذا لم تجاوز مدة الامتياز خمس سنوات".
ولما صدر دستور 1971 نص في المادة 123 منه على أن: "يحدد القانون القواعد والإجراءات الخاصة بمنح الالتزامات المتعلقة باستغلال موارد الثروة الطبيعية والمرافق العامة.... إلخ"، كما نصت المادة 146 منه على أن: "يصدر رئيس الجمهورية القرارات اللازمة لإنشاء وتنظيم المرافق والمصالح العامة".
والمصالح العامة تعني فروع الوزارات التي تقوم على مرفق عام، فيقوم المرفق العام غير متمتع بالشخصية الاعتبارية. أما المرافق العامة فهي تعني كل هذه المرافق التي تتمتع والتي لا تتمتع بالشخصية الاعتبارية.
فإنشاء المرافق العامة إذن - في ظل النظام الدستوري الحالي - يمكن أن يتم بقرار من رئيس الجمهورية ويمكن أيضاً أن يتم بأداة أعلى كالقانون، ولكن القانون لا يكون أداة لازمة لإنشاء المرفق العام.
غير أنه يلاحظ أن المشرع الدستوري لم يخول رئيس الجمهورية الحق في تفويض هذا الاختصاص إلى غيره.
وإذا كان المشرع الدستوري قد خول لجهة الإدارة حق إنشاء المرافق العامة على النحو السابق، إلا أن الأمر قد يحتاج إلى ضرورة الالتجاء للسلطة التشريعية لتقرير اعتمادات مالية لإنشاء بعض هذه المرافق. إذ لم يكن بمقدور الإدارة تدبير الأموال اللازمة لها. وفي هذه الحالة يكون طريق إنشاء المرافق العامة بقرارات جمهورية طريقاً نظرياً بل وموقوفاً على إذن السلطة التشريعية بتقرير بعض الاعتمادات المالية.
كما يلاحظ أن الإدارة قد تضطر في كثير من الحالات إلى وسيلة القانون لإنشاء بعض هذه المرافق، وذلك في حالة كون المرافق الجديدة المزمع إنشاؤها تؤدي إلى ضرورة التعديل في القوانين القائمة تطبيقاً للمبدأ الأصولي المعمول به في القانون، وهو أنه لا يمكن تعديل قانون إلا بقانون.
بعض التزامات حديثة للمرافق العامة :
صدر القانون رقم (1) لسنة 1996 في شأن الموانئ التخصصية (الجريدة الرسمية العدد (5) في 1 / 2 / 1996 المعدل بالقانون رقم 22 لسنة 1998 (الجريدة الرسمية العدد 17 (مكرر) في 25 / 4 / 1998 ومن ضمن استثناءاته على أحكام القانونين رقمی 129 لسنة 1947، 61 لسنة 1958 سالفي الذكر، ما تعلق بمدة الالتزام حيث جعلتها المادة الرابعة مكرراً المضافة بالقانون رقم 22 لسنة 1998 مدة لا تزيد على تسع وتسعين سنة.
وما نصت عليه ذات المادة من أن يصدر بمنح الالتزام وتحديد شروطه وأحكامه أو تعديلها- في حدود القواعد والإجراءات الموضحة بالمادة- قرار من مجلس الوزراء بناء على اقتراح الوزير المختص .
يقع على جهة الإدارة أثناء سريان عقد الالتزام مسئولية الإشراف الفعال على الملتزم من أجل ضمان حسن سير المرفق طبقاً لشروط عقد الالتزام وطبقاً للمصلحة العامة لجمهور المنتفعين.
وكثيراً ما ينص في عقد الالتزام على ماهية الرقابة والإشراف الذي يثبت لجهة الإدارة على المرفق والإجراءات التي تتبعها في سبيل ذلك.
وهذه السلطة تثبت أيضاً لجهة الإدارة، ولو لم ينص عليها في عقد الالتزام وهذه الرقابة تكون رقابة شاملة سواء من الناحية الفنية أو الإدارية أو المالية ويكون لمانح الالتزام الحق في أن يعهد إلى أية هيئة عامة أو خاصة بمراقبة إنشاء المرفق وسيره من كافة النواحي.
وقد نصت المادة السابعة من القانون رقم 129 لسنة 1947 المعدلة بالقانونين رقمی 497 لسنة 1957، 185 لسنة 1958 على أنه: "لمانح الالتزام أن يراقب إنشاء المرفق العام موضوع الالتزام وسيره من النواحي الفنية والإدارية والمالية.
وله في سبيل ذلك تعيين مندوبين عنه في مختلف الفروع والإدارات التي ينشئها الملتزم لاستغلال المرفق - ويختص هؤلاء المندوبون بدراسة تلك النواحي وتقديم تقرير بذلك لمانح الالتزام.
ويجوز بقرار من رئيس الجمهورية بناء على اقتراح الوزير مانح الالتزام أو المشرف على الجهة مانحة الالتزام، أن يعهد إلى ديوان المحاسبة بمراقبة إنشاء المرفق وسيره من الناحية المالية، أو أن يعهد بالرقابة الفنية والإدارية عليه إلى أية هيئة عامة أو خاصة.
كما يجوز للوزير المختص أن يقرر تشكيل لجنة أو أكثر من بين موظفي وزارته أو غيرها من الوزارات والهيئات العامة لتتولى أمراً من أمور الرقابة على التزامات المرافق العامة.
وفي هذه الحالة يتولى ديوان المحاسبة أو الهيئة أو اللجنة المكلفة بالرقابة دراسة النواحي التي نيط بها لرقابتها، وتقديم تقرير بذلك إلى كل من الوزير المختص والجهة مانحة الالتزام.
وعلى الملتزم أن يقدم إلى مندوبي الجهات التي تتولى الرقابة وفقا للأحكام السابقة كل ما قد يطلبون من أوراق أو معلومات أو بيانات أو إحصاءات، كل ذلك دون الإخلال بحق مانح الالتزام في فحص الحسابات والتفتيش على إدارة المرفق في أي وقت".
كما نصت المادة الخامسة على أن المانح الالتزام دائماً متى اقتضت ذلك المنفعة العامة أن يعدل من تلقاء نفسه أركان تنظيم المرفق العام موضوع الالتزام أو قواعد استغلاله وبوجه خاص قوائم الأسعار الخاصة به وذلك مع مراعاة حق الملتزم في التعويض إن كان له محل.
يجوز لجهة الإدارة بإرادتها المنفردة استرداد الالتزام قبل نهاية مدته، فذلك مما يدخل في مطلق تقديرها. ولا يكون سببه حدوث تقصير أو أخطاء من جانب الملتزم وإنما رغبة الإدارة في تحسين سير المرفق العام وإدارته بالطريق المباشر، وهو بهذا الشكل يتميز تميزاً واضحاً عن السقوط أولا: لأنه ليس هناك تقصير جدی من جانب الملتزم في قيامه بأعباء المرفق وثانياً: لأن الاسترداد يقتضي أن تدفع الإدارة للملتزم تعويضاً يغطي ما فاته من ربح وما حل به من خسارة.
وقد نصت المادة الرابعة من القانون 129 لسنة 1947 على أنه يجب أن تحدد وثيقة الالتزام شروط وأوضاع استرداده قبل انتهاء مدته، وهذه المادة تكفل تقدير التعويض للملتزم، غير أن حق جهة الإدارة في سحب الالتزام أو إسقاطه قبل نهاية مدته، ثابت لها باعتباره نوعاً من الإلغاء الذي يجوز للإدارة أن تقوم به بمفردها بغير حاجة إلى نص في العقد. وذلك إذا توافر شرطان: أولهما، أن يرتكب الملتزم مخالفات جسيمة أو يتكرر إهماله أو يعجز عن تسيير المرفق بانتظام. وثانيهما، وجوب إنذار الملتزم قبل توقيع الجزاء.
للملتزم الحق في أن يتقاضى رسوماً من المنتفعين بخدمات المرفق العام.
وهذه الرسوم إنما هي مقابل الخدمة التي يقدمها لهم. وهي في الوقت نفسه على جانب كبير من الأهمية إذ أنها المورد الرئيسي الذي ينفق منه الملتزم على إعداد المرفق ونشاطه. وهذا الرسم تسري عليه أحكام القانون الإداري. ويكون للسلطة الإدارية وحدها حق تقرير هذا الرسم، وتعديله أيضاً بالرفع أو الخفض طبقاً لمقتضيات المصلحة العامة.
وقد نصت المادة الثانية من القانون رقم 129 لسنة 1947 على أن يكون لمانح الالتزام الحق في إعادة النظر في قوائم الأسعار عقب كل فترة زمنية على الأسس التي تحدد في وثيقة الالتزام.
ولا يجوز أن تتجاوز حصة الملتزم السنوية في صافي أرباح استغلال المرفق العام عشرة في المائة من رأس المال الموظف والمرخص به من مانح الالتزام وذلك بعد خصم مقابل استهلاك رأس المال. وما زاد على ذلك من صافي الأرباح يستخدم أولاً في تكوين احتياطي خاص للسنوات التي تقل فيها الأرباح عن عشرة في المائة.
وتقف زيادة هذا الاحتياطي متى بلغ ما يوازي عشرة في المائة من رأس المال ويستخدم ما يبقى من هذا الزائد في تحسين وتوسيع المرفق العام أو في خفض الأسعار حسبما يرى مانح الالتزام (م3) .
إن الملتزم عندما قبل إدارة المرفق العام كانت لديه فكرة عن مدى حقوقه ومدی التزاماته، وكانت نسبة تلك الحقوق إلى تلك الالتزامات تكون التوازن المالي للعقد، إذ أن ما له من حقوق تعادل أو ترجح - في نظره- ما عليه من التزامات وعلى هذه فقد قبل المخاطر المالية للمشروع بما تحمله تلك المخاطر من احتمال الربح والخسارة.
وهذا التوازن المالي للعقد، أى التوازن بين الحقوق والالتزامات يمكن أن يختل على إثر عوامل ثلاثة:
الأول: تعديلات تدخلها الإدارة على الشروط اللائحية - كأن تنقص الرسوم مثلاً فتزيد من أعباء الملتزم. فتلحق به خسارة فادحة.
الثاني: إجراءات عامة إدارية أو تشريعية تصدرها الدولة ولا تعنى بها الملتزم بالذات وإنما تعنى بها الكافة ولكن يترتب عليها زيادة أعباء الملتزم، وتلحق به خسارة فادحة.
الثالث: حوادث طارئة غير متوقعة تأتي فتلحق به خسارة فادحة.
فأما عن العامل الأول، فمن حق الملتزم أن يعوض عنه تعويضاً كاملاً لا يشمل فقط ما يكون قد لحقه من خسارة ولكن أيضاً ما فاته من ربح عادی معقول. فإذا لحقته خسارة ما أو نقصت أرباحه العادية كان له أن يطالب بتعويض كامل عن ذلك ووجب على الإدارة أن تلبية إلى طلبه.
أما عن العامل الثاني، وهو ما يطلق عليه المخاطر الإدارية فإنه يؤدي إلى تطبيق نظرية فعل الأمير أو عمل الحاكم.
وأما العامل الثالث، فهو يؤدي إلى تطبيق نظرية الظروف الطارئة التي نقلت من القانون الإداري إلى القانون المدني.
والإدارة في سبيل تحقيق التوازن المالي لها تعديل شروط عقد الالتزام أو رفع الأسعار حتى لا يتحمل الملتزم وحده كل الخسارة التي نجمت عن هذه الظروف الطارئة.
وتحقيق التوازن المالي للمرفق العام يحقق المصلحة المالية للمتعاقد وحقه في التوازن المالي للعقد، ويحقق أيضاً حماية المصلحة العامة ومصلحة المرافق العامة، لأن إهدار مصالح المتعاقد المشروعة تضر بالمصلحة العامة من حيث أنها لا تشجع الأفراد والشركات الكبرى على الإقبال على التعاقد مع الإدارة .
تقع على عاتق الملتزم عدة واجبات، تخلص فيما يلى :
1- إقامة وتشييد المباني والمنشآت اللازمة لتسيير المرفق. لأن كثيراً ما يحتاج المرفق إلى إنشاءات لازمة لتسييره. فمرافق النور والغاز تحتاج إلى مواسير في جوف الأرض، وإعداد أجهزة الكهرباء وتقطير المياه، وما إلى ذلك، والغالب أن الذي يدفع جهة الإدارة إلى الالتجاء إلى طريقة الالتزام هو ما يتكلفه المرفق من نفقات باهظة في إقامة المنشآت اللازمة لتسييره، مما يجعلها تفضل أن تدير المرافق بطريق الالتزام، فيتحمل الملتزم هذه النفقات حيث يستردها على المدى الطويل عن طريق استغلال المرفق وقد كفلت المادة 8 مكرراً من القانون رقم 129 لسنة 1947 المضافة بالقانون رقم 538 لسنة 1955 عدم الحجز أو اتخاذ إجراءات تنفيذ أخرى على المنشآت والأدوات والمهمات المخصصة لإدارة المرافق العامة.
2- إدارة المرفق وهذا هو الالتزام الجوهري في ذمة الملتزم، ومن أجله منحهم الالتزام، ويلتزم الملتزم في إدارة المرفق بتنفيذ كافة الشروط الواردة بالعقد، وعادة توجد هذه الشروط بملحق يسمى دفتر الشروط.
وهذه الإدارة تقتضي من الملتزم وجوب مراعاة القواعد الأساسية في سير المرافق العامة: مراعاة مبدأ المساواة أمام المرافق العامة بالتسوية في المعاملة بين جميع المنتفعين الذين يوجدون في نفس الظروف، ومبدأ سير المرافق العامة بالسهر المتواصل على المرفق ليقدم خدماته للمنتفعين بانتظام واطراد.
ويجب أن يخضع الملتزم الإشراف وتوجيه جهة الإدارة، وأن ينفذ الأوامر التي توجهها إليه الإدارة أو من يمثلها في نطاق سلطتها في التوجيه والإشراف، ولا يعفى المتعاقد من التزاماته إلا بسبب القوة القاهرة وحدها.
وقد سبق أن ذكرنا أن مبدأ قابلية المرافق العامة للتغيير والتعديل في كل وقت يقضي بتنفيذ ما تجريه الإدارة من تعديلات على شروط العقد اللائحية مع المطالبة بالتعويض بعد ذلك إن كان له محل.
ولا يجوز للملتزم أن ينزل عن التزاماته أو يحيلها لغيره، كما لا يجوز له تنفيذها عن طريق مقاولين من الباطن إلا بموافقة صريحة وكتابية من جهة الإدارة.
وإذا حدث أن تنازل المتعاقد عن التزاماته أو بعضها فإن هذا التنازل لا يعتد به ويقع لاغياً أو باطلاً، كذلك لو تعاقد من الباطن فإن هذا التعاقد يصبح كأن لم يكن في مواجهة الإدارة ويبقى المتعاقد الأصلى وحده مسئولاً أمامها.
كذلك لا يجوز للمتعاقد أن يمتنع عن التنفيذ أو يتوقف عنه بحجة أن الإدارة قد أخلت بالتزاماتها في مواجهته، فليس للمتعاقد إذن حق الدفع بعدم التنفيذ، فهذا الدفع المقرر للأفراد في عقود القانون الخاص، غير جائز في العقود الإدارية لما تتميز به من خصائص و لاتصالها بالمرفق العام الذي يجب أن يسير بانتظام واضطراد. طالما أن هذا التنفيذ ممكناً، ثم يطالب فيما بعد جهة الإدارة بالتعويضات عن إخلالها بالتزاماتها.
استقر القضاء على أن العلاقة بين الملتزم بإدارة مرفق من المرافق الاقتصادية وبين العميل الذي يقدم له خدماته، هي علاقة مدنية، لانتفاء مقومات العقود الإدارية فيها، وبالتالي يختص القضاء العادي بالفصل فيما يثور بشأنها من نزاع . (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الثامن الصفحة/ 295)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الحادي عشر ، الصفحة / 361
التَّسْوِيَةُ بَيْنَ النَّاسِ فِي الْمَرَافِقِ الْعَامَّةِ:
14 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْمَرَافِقَ الْعَامَّةَ - مِنَ الشَّوَارِعِ وَالطُّرُقِ، وَأَفْنِيَةِ الأْمْلاَكِ، وَالرِّحَابِ بَيْنَ الْعُمْرَانِ، وَحَرِيمِ الأْمْصَارِ، وَمَنَازِلِ الأْسْفَارِ، وَمَقَاعِدِ الأْسْوَاقِ، وَالْجَوَامِعِ وَالْمَسَاجِدِ، وَالأْنْهَارِ الَّتِي أَجْرَاهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَالْعُيُونِ الَّتِي أَنْبَعَ اللَّهُ مَاءَهَا، وَالْمَعَادِنَ الظَّاهِرَةَ وَهِيَ الَّتِي خَرَجَتْ بِدُونِ عَمَلِ النَّاسِ كَالْمِلْحِ وَالْمَاءِ وَالْكِبْرِيتِ وَالْكُحْلِ وَغَيْرِهَا وَالْكَلأَ - اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ هَذِهِ الأْشْيَاءَ مِنَ الْمَنَافِعِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ النَّاسِ، فَهُمْ فِيهَا سَوَاسِيَةٌ، فَيَجُوزُ الاِنْتِفَاعُ بِهَا لِلْمُرُورِ وَالاِسْتِرَاحَةِ وَالْجُلُوسِ وَالْمُعَامَلَةِ وَالْقِرَاءَةِ وَالدِّرَاسَةِ وَالشُّرْبِ وَالسِّقَايَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ الاِنْتِفَاعِ.
وَلَكِنْ لاَ يَجُوزُ اقْتِطَاعُهَا لأِحَدٍ مِنَ النَّاسِ، وَلاَ احْتِجَازُهَا دُونَ الْمُسْلِمِينَ؛ لأِنَّ فِيهِ ضَرَرًا بِالْمُسْلِمِينَ وَتَضْيِيقًا عَلَيْهِمْ.
وَيَكُونُ الْحَقُّ فِيهَا لِلسَّابِقِ حَتَّى يَرْتَحِلَ عَنْهَا، لِقَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم : «مِنًى مُنَاخُ مَنْ سَبَقَ إِلَيْهَا».
وَيُشْتَرَطُ عَدَمُ الإْضْرَارِ، فَإِذَا تَضَرَّرَ بِهِ النَّاسُ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ بِأَيِّ حَالٍ، لِقَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم «لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ» .