مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الخامس، الصفحة : 78
مذكرة المشروع التمهيدي :
يقرر هذا النص مبدأ المساواة بين العملاء، وهو مبدأ لم يسبق للقضاء المصري أن قرره بصفة قاطعة، وإن كانت محكمة الاستئناف المختلطة قد أشارت إليه في بعض أحكامها ( 25 مايو سنة 1899 ب 11 ص 249 - 26 يونية سنة 1918 - ب 30 ص 499) . فقد حكمت مثلاً بأنه «لا يجوز للشركة التي تتولى مرفقاً عاماً أن ترفض طلبات الإشتراك المقدمة من الجمهور أو أن تنهى اشتراکات قائمة إلا بناء على أسباب جدية كذلك قررت أنه « على الملتزم بمرفق متعلق بتوزيع الغاز أو الكهرباء أن يؤدي خدماته لكل من يطلبها على طول خطوط توزيع الغاز أو الكهرباء ...». على أن المبدأ مقرر وثابت منذ أمد طويل في البلاد الصناعية الخامة، وربما كان من أولى مظاهر تدخل السلطات في تنظيم المرافق العامة، وانتقال هذه المرافق من طور التنظيم الحر إلى تنظيم تشرف عليه السلطة العامة فتتولى على الأخص وضع قوائم الأسعار، وتراعي فيها المساواة التامة بين العملاء، سواء في الخدمات أو في تقاضي الأجور.
وقد طبق هذا المبدأ أولا في شركات السكك الحديدية فقد كانت هذه الشركات في الولايات المتحدة تغرق في المعاملة بين عملائها مما أدى إلى إصدار قانون 4 فبراير سنة 1887 الذي أنشأ مجلساً كان من أولى واجباته القضاء على هذه المفارقات، وفي سنة 1906 منح هذا المجلس سلطات واسعة فيما يتعلق بتحديد الأسعار ومنع أي تمييز في المعاملة، على أن يباشر سلطته هذه تحت رقابة القضاء وعلى هذا النمط أنشئت في ولايات الإتحاد الأمريكي مجالس تتولى الإشراف على المرافق العامة وتحديد الأسعار تحت إشراف السلطة القضائية. كذلك أنشأ قانون 21 يوليه سنة 1873 في انجلترا مجلساً للسكك الحديدية يتولى تنظيم قوائم الأسعار مع العناية بمنع الميزات غير المشروعة التي تمنحها الشركات لبعض العملاء كما أنه في فرنسا يعتبر القضاء الفرنسي هذا المبدأ من المبادئ الأساسية، فلا يجيز للملتزم المرفق العام أن يستغل احتكاره ليميز بعض العملاء على الآخرين ويخل بذلك بالمنافسة الحرة. وكثيراً ما قررت عقود الالتزام ذلك صراحة في فرنسا، وحكم القضاء بالتعويض في حالة الإخلال بالمبدأ ( جوسران Josserand، عقد النقل، الطبعة الثانية 1926، ن 180 و 225 )، وأيدت محكمة النقض الفرنسية هذا القضاء في كثير من أحكامها (19 يونيه سنة 1850 دالوز 1850 – 1 – 197 و 7 يوليه سنة 1852 دالوز 1852 - 1 - 204 و 31 دیسمبر سنة 1866 دالوز 1867 - 1 - 156 و 21 أبريل سنة 1868 دالوز 1868 – 1 - 222 و 18 يناير سنة 1870 دالوز 1870 - 1 - 267 و 3 فبراير سنة 1870 دالوز 1871 - 1 - 269 ) . ولم تعتد الأحكام المختلفة كثيراً بالصعوبة القائمة من حيث تقدير الضرر الواقع في هذه الحالة، بل إن بعضها قرر وجوب حل هذا الإشكال على حساب الشركة لأنها تسببت في الضرر (استئناف باريس 13 أبريل سنة 1867 دالوز 1869 – 1 – 371).
على أن المبدأ لم يقتصر على مرفق السكة الحديدية، بل امتد إلى كل التزامات المرافق العامة، وأصبح مقرراً أن من واجب الملتزم، كما من واجب السلطة التي تمنح الامتياز، أن تتحقق المساواة التامة بين العملاء.
المشروع في لجنة المراجعة
تليت المادة 911 واقترح جعلها ثلاث فقرات كما اقترحت بعض تعديلات لفظية فوافقت اللجنة، وأصبح رقمها في المشروع النهائي 699، بالنص الآتي :
1- إذا كان ملتزم المرفق محتكراً له أحتكاراً قانونياً أو فعلياً وجب عليه أن يحقق المساواة التامة بين عملائه سواء في الخدمات أم في تقاضي الأجور.
2 - ولا تحول المساواة دون أن تكون هناك معاملة خاصة تنطوي على تخفيض الأجور أو الإعفاء منها على أن ينتفع بهذه المعاملة من يطلب ذلك من توافرت فيه شروط يعنيها الملتزم بوجه عام، ولكن المساواة تحرم على الملتزم أن يمنح أحد عملائه ميزات يرفض منحها للآخرين.
3- وكل تمييز لمصلحة أحد العملاء بوجب على الملتزم أن يعوض الضرر الذي قد يصيب الغير من جراء ما يترتب على هذا التمييز من إخلال بالتوازن الطبيعي في المنافسة المشروعة.
المشروع في مجلس النواب
تقرير لجنة الشئون التشريعية :
عدلت الفقرة الثالثة من المادة بإضافة كليتي «غير مشروع»، فأصبحت كما يأتي :
المشروع في مجلس النواب
تقرير لجنة الشئون التشريعية :
حذفت العبارة الأخيرة من المادة وهي : « ولا يجوز له باسم جمهور العملاء أن يرفع دعوى يدافع فيها عن مصالحهم المشتركة، وأصبحت المادة كما يأتي : « ليس للعميل الذي تعاقد مع ملتزم المرفق إذا تعطلت خدمات هذا المرفق أو اختلت أن يقاضي الملتزم إلا للدفاع عن مصلحته الشخصية» وسبب۔ الحذف أن العبارة التي حذفتها اللجنة ليست إلا مجرد تطبيق للقواعد العامة فلا حاجة للنص على الحكم الوارد فيها.
مناقشات المجلس :
وافق المجلس على تعديل المادة تحت رقم 703.
المشروع في مجلس الشيوخ
مناقشات لجنة القانون المدني :
تليت المادة ورأت اللجنة حذفها أيضاً اكتفاء بالقواعد العامة التي لا تحتم النيابة في التقاضي مع ملاحظة أنه لا يراد بالحذف عكس هذا الحكم .
تقرير اللجنة :
حذفت المادة اكتفاء بالقواعد العامة .
مناقشات المجلس :
وافق المجلس على حذف المادة .
«وكل تمييز غير مشروع لمصلحة أحد العملاء ...» لأن هناك حالة يكون التمييز فيها مشروعاً فلا يوجب التعويض.
مناقشات المجلس :
وافق المجلس على المادة كما أقرتها اللجنة تحت رقم 698
المشروع في مجلس الشيوخ
مناقشات لجنة القانون المدني :
محضر الجلسة الثالثة والثلاثين
تليت المادة 698 فرأت اللجنة استبدال حرف « أو » بكلمة «أم» الواردة في الفقرة الأولى منها، وحذف عبارة «غير مشروع لمصلحة أحد العملاء » الواردة في صدر الفقرة الثالثة والاستعاضة عنها بعبارة « يمنح على خلاف ما تقضي به الفقرة السابقة» لكي يكون واضحاً أن التمييز المقصود هو الذي يقع مخالفاً لأحكام الفقرة السابقة.
تقرير اللجنة :
عدلت الفقرة الثالثة بأن استبدلت بها عبارة « يمنح على خلاف ما تقضى به الفقرة السابقة بعبارة « غير مشروع لمصلحة أحد العملاء»، وقد أريد من التعديل أن يتعين في عدم المشروعية بالنسبة إلى تطبيق أحكام هذا النص .
وأصبح رقمها 670
مناقشات المجلس :
وافق المجلس على المادة كما عدلتها اللجنة.
1ـ إنه و إن كان لجهة الإدارة حرية ادارة المرافق العامة و حق تنظيمها و الإشراف عليها إلا أن ذلك لا يمنع القضاء - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - من حق التدخل لتقرير مسئولية الإدارة عن الضرر الذى يصيب الغير متى كان ذلك راجعاً إلى اهمالها أو تقصيرها فى تنظيم شئون المرفق العام أو الإشراف عليه .
(الطعن رقم 283 لسنة 22 جلسة 1956/03/15 س 7 ع 1 ص 310 ق 46)
2 ـ تعهد الملتزم فى عقد إمتياز المرافق العامة بإستخدام عمال الملتزم السابق بذات الشروط و الأجور على أن يعتبر تعيينهم جديدا ، هذا التعهد و إن ورد فى عقد الإلتزام إلا أنه ليس من الشروط التى وضعت لأداء خدمة عامة للجمهور بل هو تعاقد بين جهة الإدارة و بإسمها و بين الملتزم الجديد لصالح العمال المذكورين و لجهة الإدارة فى هذا الإشتراط مصلحة أدبية هى إستمرار هؤلاء العمال فى عملهم و إستقرار حقوقهم مع حرص جهة الإدارة على عدم تفشى البطالة . و إذ كان المستفيد فى الإشتراط لصالح الغير يستفيد حقا شخصيا مباشرا بمقتضى العقد يستطيع أن يطالب المتعهد بوفائه و كانت هذه العلاقة العقدية من علاقات القانون الخاص لقيامها بين المستفيد و المتعهد فإن مؤدى ذلك أن جهة القضاء العادى تكون هى المختصة بنظر النزاع بينهما .
(الطعن رقم 2 لسنة 35 جلسة 1969/06/12 س 20 ع 2 ص 529 ق 1)
تنص المادة 670 من التقنين المدني على ما يأتي :
"1- إذا كان ملتزم المرفق محتكراً له احتكاراً قانونياً أو فعلياً، وجب عليه أن يحقق المساواة التامة بين عملائه سواء في الخدمات العامة أو في تقاضي الأجور" .
"2- ولا تحول المساواة دون أن تكون هناك معاملة خاصة تنطوي على تخفيض الأجور أو الإعفاء منها، على أن ينتفع بهذه المعاملة من يطلب ذلك ممن توافرت فيه شروط يعينها الملتزم بوجه عام ولكن المساواة تحرم على الملتزم أن يمنح أحد عملائه ميزات يرفض منحها للآخرين".
"3- وكل تمييز يمنح على خلاف ما تقضي به الفقرة السابقة يوجب على الملتزم أن يعوض الضرر الذي قد يصيب الغير من جراء ما يترتب على هذا التمييز من إخلال بالتوازن الطبيعي في المنافسة المشروعة".
يغلب أن يكون ملتزم المرفق العام محتكراً للمرفق، إما احتكار قانونياً بأن يكون هو وحده الذي يدير المرفق ويستغله بموجب عقد الالتزام، وإما احتكاراً فعلياً بأن تتعهد السلطة الإدارية ألا تمنح لغيره من المنافسين له التسهيلات التي تمنحها إياه كالترخيصات اللازمة والإعانات وما إلى ذلك فإذا كان الملتزم محتكراً للمرفق احتكاراً قانونياً أو فعلياً، فإن الأفراد لا يستطيعون أن يتعاقبوا مع غيره للحصول على خدمات المرفق وينجم عن ذلك موقف يجب أن يحمى فيه المنتفعون بالمرفق من تحكم الملتزم وإيثاره بعضهم على بعض، إما عن طريق أداء خدمات المرفق وإما عن طريق تخفيض الأجور المقررة ومن ثم كان من المبادئ الأساسية المقررة في القانون الإداري أن الملتزم يجب عليه "أن يحقق المساواة التامة بين عملائه، سواء في الخدمات العامة أو في تقاضي الأجور" ( م 670 / مدني).
وأي تمييز فردي يؤثر به الملتزم أحد العملاء، كأن يؤدي له قدراً أكبر من الخدمات مما يؤديه لسائر المنتفعين، أو أن يتقاضى منه أجراً أقل من السعر المقرر في حين أنه يتقاضى السعر المقرر من سائر المنتفعين، يكون تمييزاً غير مشروع ولما كان هذا التمييز من شأنه أن يخل بالتوازن الطبيعي في المنافسة المشروعة، إذ هو يمنح شخصاً ميزة في استعمال المرفق العام لا تتاح لغيره من المنافسين له في تجارته أو في صناعته، فإن هؤلاء المنافسين يضارون بسبب هذا التمييز ومن ثم يحقق لهم أن يرجعوا على الملتزم بتعويض الضرر الذي أصابهم من جراء ذلك، كما يحق لهم إجبار الملتزم على أن ينفذ التزامه من وجوب مراعاة المساواة بين جميع العملاء تنفيذاً عينياً، فكيف عن إيثار بعض العملاء وتمييزهم عن الآخرين تمييزاً غير مشروع . والمقصود بالتمييز غير المشروع هو التمييز الذي يمنح على خلاف ما تقضي به المادة 670/2 مدني سالفة الذكر، وهي تحرم على الملتزم أن يمنح أحد عملائه بصفة شخصية ميزات يرفض منحها للآخرين، وسيأتي بيان ذلك وقد نصت الفقرة الثالثة من المادة 670 مدني صراحة على هذا الحكم كما رأينا، إذ تقول : "وكل تمييز يمنح على خلاف ما تقضي به الفقرة السابقة (الفقرة الثانية من المادة 670) مدني يوجب على الملتزم أن يعوض الضرر الذي قد يصيب الغير من جراء ما يترتب على هذا التمييز من إخلال بالتوازن الطبيعي في المنافسة المشروعة" .
ما يرد على مبدأ المساواة من استثناء :
ويستثنى من مبدأ المساواة المتقدم الذكر أن يمنح الملتزم طائفة من الأشخاص معاملة خاصة تنطوي على تخفيض الأجور أو الإعفاء منها . ولكن يشترط لصحة ذلك ألا تمنح هذه الميزات لأشخاص بذواتها، بل لمجموعة من الأشخاص تتوافر فيها شروط معينة، على أن ينتفع بالميزات الممنوحة كل من يطلب ذلك ممن توافرت فيه هذه الشروط مثل ذلك أن يمنح الملتزم بطريق من طرق المواصلات تخفيضاً في الأجور لتلاميذ المدارس وطلبة المعاهد العلمية ومثل ذلك أيضاً أن تمنح شركة السكة الحديدية الإعفاء من دفع الأجر لموظفيها أو لمن يستوفي شروطاً معينة من هؤلاء الموظفين وواضح أن الاستثناء على هذا الوجه استثناء ظاهري، فتخفيض الأجر أو الإعفاء منه لا يمنح لشخص أو لأشخاص بالذات مما يخل بالمساواة بين العملاء، وإنما يمنح لمجموعة من الأشخاص لا تتعين بذواتها بل بشروط معينة تتوافر فيها، وهذا ليس من شأنه أن يخل بالمساواة بين عميل بالذات وعميل آخر . وكأن الملتزم يتقاضى أجرين، أجراً مخفضاً من مجموعة من الأشخاص لا يميز فيهم بين شخص وآخر، وأجراً عادياً من بقية الناس لا يميز أيضاً فيهم بين شخص وآخر، وهذا كله دون أن يجاوز الحد الأقصى للأسعار التي قررتها السلطة الإدارية.
وقد أكدت الفقرة الثانية من المادة 670 مدني سالفة الذكر أن تخفيض الأجور أو الإعفاء منها على هذا الوجه لا يخل بمبدأ المساواة، فقالت كما رأينا : "ولا تحول المساواة دون أن تكون هناك معاملة خاصة تنطوي على تخفيض الأجور أو الإعفاء منها، على أن ينتفع بهذه المعاملة من يطلب ذلك ممن توافرت فيه شروط يعينها الملتزم بوجه عام ولكن المساواة تحرم على الملتزم أن يمنح أحد عملائه ميزات يرفض منحها للآخرين" .
وليس غريباً أن يستمد الشخص حقاً ذاتياً من نظام مقرر ومن لوائح وقوانين معينة بل ومن مبادئ القانون بوجه عام، ويكون هذا الحق الذاتي ليس مصدره العقد بل القانون ومن ثم يمكن القول بأن لعميل المرفق حقوقاً ذاتية كما قدمنا مصدرها العقد، وعند سكوت العقد يكون مصدرها القانون .
وعلى أساس هذا الحق الذاتي يجوز لعميل المرفق أن يرفع دعوى أمام القضاء المدني يطالب فيها الملتزم بحقه، وفقاً للقواعد العامة المقرر في القانون المدني .
ويجوز للعميل ثانياً أن يطالب بالتعويض عن كل ضرر أصابه من جراء الإخلال بحقوقه المتقدم ذكرها، فيطلب تعويضاً عن الضرر الذي أصابه من تعطيل خط المواصلات، وتعويضاً عن الضرر الذي أصابه من جراء الإخلال بالمساواة بينه وبين عملاء المرفق الآخرين وهناك نص صريح في هذا المعنى في صدد التعويض من جراء الإخلال بالمساواة، فقد رأينا الفقرة الثالثة من المادة 670 مدني تنص على ما يأتي : "وكل تمييز يمنح على خلاف ما تقضي به الفقرة السابقة يوجب على الملتزم أن يعوض الضرر الذي قد يصيب الغير من جراء ما يترتب على هذا التمييز من إخلال بالتوازن الطبيعي في المنافسة المشروعة.
ويجوز للعميل أخيراً أن يطلب فسخ العقد بينه وبين الملتزم، وفقاً للقواعد العامة المقررة في فسخ العقود، وتقدر المحكمة وجاهة هذا الطلب ولكن يندر أن يلجأ العميل إلى طلب الفسخ، لأن الخدمات التي يقدمها له الملتزم خدمات ضرورية له، والملتزم هو المحتكر لها إما احتكاراً قانونياً أو احتكاراً فعلياً ومن ثم يكون الغالب هو أن يطلب العميل تنفيذ العقد تنفيذاً عينياً، مع التعويض عن الضرر.
الجزاء الإداري ـ قضاء الإلغاء :
وهناك إلى جانب الجزاء المدني جزاء إداري، تقرره القواعد العامة في قضاء الإلغاء في القانون الإداري فإذا صدر من السلطة الإدارية قرار إداري يتعلق بتنظيم المرفق ويكون مخالفاً للقانون، جاز لكل ذي مصلحة ـ وليس من الضروري أن يكون للطالب حق ذاتي بل يكفي مجرد المصلحة ولو كانت مصلحة أدبية ـ أن يطعن في هذا القرار المخالف للقانون بالإلغاء أمام القضاء الإداري، مثل ذلك ما نصت عليه المادة 3 من القانون رقم 129 لسنة 1947 الخاص بالتزامات المرافق العامة من أنه "لا يجوز أن تتجاوز حصة الملتزم السنوية في صافي أرباح استغلال المرفق العام عشرة في المائة من رأس المال الموظف والمرخص به من مانح الالتزام، وذلك بعد خصم مقابل استهلاك رأس المال، وما زاد على ذلك من صافي الأرباح يستخدم أولاً في تكوين احتياطي خاص للسنوات التي تقل فيها الأرباح عن عشرة في المائة من رأس المال ويستخدم ما يبقى من هذا الزائد في تحسين وتوسيع المرفق العام أو في خفض الأسعار حسبما يرى مانح الالتزام، فلو أن قراراً من السلطة الإدارية خول للملتزم أن يجاوز صافي أرباحه عشرة في المائة من رأس المال، كان هذا القرار باطلاً لمخالفته للقانون ويجوز لعميل المرفق أن يطعن في هذا القرار بالإلغاء أمام القضاء الإداري، ومصلحته في ذلك أن ما زاد من صافي أرباح الملتزم على الحد القانوني ينتقض مما سيخصص في تحسين المرفق العام أو في خفض الأسعار، وكل من تحسين المرفق وخفض أسعاره يعود عليه بالنفع .
ويجوز أن يكون القرار الإداري المخالف للقانون والذي يطعن فيه العميل قراراً سلبياً، أي أن السلطة الإدارية تمتنع عن اتخاذ الإجراءات القانونية الواجبة عندما يطلب إليها العميل ذلك، فيصح مثلاً ألا تعيد السلطة الإدارية النظر في قوائم أسعار المرفق عقب كل فترة زمنية لتنظر في تعديلها لمصلحة المنتفعين بالمرفق، كما تقضي المادة 2 من القانون رقم 129 لسنة 1947 الخاص بالتزامات المرافق العامة إذ تقول : "يكون لمانح الالتزام الحق في إعادة النظر في قوائم الأسعار عقب كل فترة زمنية مبنية على الأسس التي تحدد في وثيقة الالتزام" : فيستطيع العميل أن يتقدم إلى السلطة الإدارية مانحة الالتزام بإعادة النظر في قوائم الأسعار، فإذا امتنعت عن ذلك كان هذا قراراً سلبياً يجوز للعميل أن يطعن فيه بالإلغاء أمام القضاء الإداري لمخالفته للقانون ويصح أيضاً أن يكون مرفق المواصلات قد تطور، فأصبح من الواجب زيادة عدد الخطوط، أو تعديل المواعيد، أو استبدال مركبات حديثة بمركبات قديمة، أو استبدال مركبات "الترولي باص" بمركبات الترام في بعض الخطوط أو كلها، أو غير ذلك مما يجعل إدارة المرفق تساير مقتضيات التطور . فيجوز في هذه الحالة للعميل أن يتقدم للسلطة الإدارية مانحة الالتزام طالباً إليها أن تجعل الملتزم يدخل هذه التعديلات، ومصلحة العميل في ذلك ظاهرة . فإذا امتنعت السلطة الإدارية عن اتخاذ الإجراءات اللازمة مع الملتزم لتحقيق هذا الغرض، كان امتناعها قراراً سلبياً يجوز للعميل أن يطعن فيه بالإلغاء أمام القضاء الإداري لمخالفته للقانون.
متى يكون للعميل صفة في التقاضي:
وحتى يستطيع العميل التقاضي على النحو الذي قدمناه، يجب أن تكون له صفة، ففي التقاضي أمام المحاكم المدنية للمطالبة بالتنفيذ العيني أو بالتعويض أو بالفسخ، يجب أن يكون له حق ذاتي، وينشأ هذا الحق من العقد المبرم بينه وبين الملتزم أو من عقد الالتزام أو من القوانين التي تنظم التزام المرافق العامة كما سبق القول وفي التقاضي أمام القضاء الإداري للمطالبة بإلغاء القرار الإداري الباطل، لا يلزم أن يكون له حق ذاتي، بل يكفي أن تكون له مصلحة جدية ولو كانت هذه المصلحة أدبية كما أسلفنا.
ولا يجوز في الحالتين للعميل أن يتقاضى إلا للدفاع عن مصلحته الشخصية، فيس له بإسم جمهور العملاء أن يرفع دعوى ويدافع فيها عن مصالحهم المشتركة . وقد كان المشروع التمهيدي للتقنين المدني يتضمن نصاً في هذا المعنى، فكانت المادة 913 من هذا المشروع تنص على ما يأتي :
1- ليس للعميل الذي تعاقد مع ملتزم المرفق، إذا تعطلت خدمات هذا المرفق أو اختلت، أن يقاضي الملتزم إلا للدفاع عن مصلحته الشخصية .
2- ولا يجوز له باسم جمهور العملاء أن يرفع دعوى ويدافع فيها عن مصالحهم المشتركة.
وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد : "يقرر هذا النص المبدأ الذي أخذت به محكمة الإسكندرية الابتدائية المختلطة ( 27 مايو سنة 1922 جازيت 12 ص 185 ن 318 ) وأيدتها فيه محكمة الاستئناف المختلطة ( 25 يناير سنة 1923 جازيت 13 ص 195 ن 332 )، وذلك بمناسبة نزاع بين شركة مياه الإسكندرية وأحد عملائها وقد قررت المحكمة أنه ليس للعميل أية صفة لتمثيل مجموعة العملاء قبل الشركة، فليس له أن يطالبها إلا بما يمس حقوقه هو شخصياً بمقتضى العقد المبرم بينهما" وقد حذف هذا النص في لجنة مجلس الشيوخ اكتفاء بالقواعد العامة "مع ملاحظة أنه لا يراد بالحذف عكس هذا الحكم".
ولكن يجوز أن تتألف جمعية أو نقابة للدفاع عن مصالح سكان حي معين أو طائفة معينة من الناس، وتكون لها الشخصية المعنوية، فتقاضى باسم الجماعة التي تمثلها وتكون لها صفة في التقاضى .(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ السابع، المجلد / الأول، الصفحة/ 397)
من المبادئ الأساسية أن الملتزم يجب عليه أن يحقق المساواة التامة بين عملائه سواء في الخدمات العامة أو في تقاضي الأجور، ويستثنى منح طائفة تخفيضاً في الأجور أو إعفائها منها بالنسبة للمواصلات كطائفة التلاميذ أو الشرطة طالما أن هذا الاستثناء لم يمنح لأشخاص بذواتهم وإنما لطوائف معينة، ويترتب على الإخلال بمبدأ المساواة مسئولية مدنية فيما بين المنتفع بالمرفق وبين الملتزم والجهة مانحة الالتزام اذ تكون مسئولیتها إدارية، فبالنسبة للمسئولية الأولى يجوز لعميل المرفق العام أن يرفع دعوى أمام القضاء المدني يطالب فيها الملتزم بحقه وفقاً للقواعد العامة المقررة في القانون المدنى ومن ثم يكون له المطالبة بالتنفيذ العيني فإذا كان عميلاً لمرفق من مرافق النور أو المياه أو الغاز - التي تدار بطريق الالتزام بمعرفة شخص أو شركة - وانقطعت عنه خدمة المرفق جاز له أن يطالب الملتزم بأن يعيد له توريد النور أو الغاز أو المياه أو الاتصالات التليفونية باستمرار وفي انتظام وفقاً لما يقضي به نظام المرفق، وإذا أخل الملتزم بواجب المساواة جاز للعميل مطالبة الملتزم بالكف عن هذا الإخلال ويجوز الالتجاء للوصول إلى التنفيذ العيني إلى طريقة التهديد المالي - هذا كله على افتراض أن المرفق يدار بطريق الالتزام، فإن كان مداراً بالطريق المباشر كما هو الحال بالنسبة لمرافق المياه والانارة والتيفونات والسكك الحديدية في مصر فإن هذه المرافق تكون أشخاصاً معنوية عامة وتكون قراراتها إدارية ومن ثم تخضع للقضاء الإداري وليس للقضاء العادي أما العقود التي تبرمها مع المنتفعين بالمرفق فهي عقود مدنية تخضع للقانون الخاص وبالتالي الاختصاص القضاء العادي، وبالتالي لا يساغ للجهة الإدارية حسم المنازعات المتعلقة بتنفيذ هذه العقود عن طريق إصدار قرار إداری وإلا كان مشوباً بعيب اغتصاب السلطة - كما يكون للعميل المطالبة بالتعويض أمام هذا القضاء عما أصابه من ضرر كما له طلب الفسخ وأن كان هذا لا يحدث.
أما بالنسبة للمسؤولية الثانية، فإذا صدر من السلطة مانحة الامتياز قرار إداري متعلق بتنظيم المرفق مخالفاً للقانون، جاز لكل ذي مصلحة - ولو لم يكن له حق ذاتي - أن يطعن في هذا القرار بالإلغاء أمام القضاء الإداري.
ويجب أن تتوفر الصفة للعميل لقبول دعواه، فإن أقام دعواه المدنية وجب أن يكون له حق ذاتی ينشأ من العقد المبرم بينه وبين الملتزم، أما أن أقام دعواه أمام القضاء الإداري فيكفي أن تكون له مصلحة جدية ولو لم يكن له حق ذاتی، وفي الحالتين لا يجوز التقاضي إلا دفاعاً عن مصلحة شخصية فلا تقبل الدعوى إذا رفعت للمطالبة بحقوق الجمهور. (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ التاسع، الصفحة/ 517)
فإذا كان ملتزم المرفق محتكراً له احتكاراً قانونياً، وذلك بأن يكون وحده هو الذي يدبر المرفق ويستغله بموجب عقد الالتزام، أو كان محتكراً له احتكاراً فعلياً، بأن لم ينص في عقد الالتزام على أن يقوم بإدارة المرفق بمفرده، ولكن تعهدت له السلطة الإدارية بألا تمنح لغيره من المنافسين له التسهيلات التي تمنحها إياه كالترخيصات اللازمة والإعانات وما إلى ذلك، فإن الملتزم في هذه الحالة يلتزم بالتسوية التامة بين العملاء، سواء في تقديم الخدمات أو في تقاضي الأجور، لأنه بهذا التمييز يخل بالمنافسة الحرة، إذ هو يمنح شخصاً ميزة في استعماله المرفق العام لا تتاح لغيره من المنافسين له في تجارته أو في صناعته، ومن ثم فإن ذلك يلحق الضرر بهؤلاء المنافسين مما يستوجب التعويض.
فلا يخل بمبدأ المساواة بين المنتفعين أمام المرافق العامة أن تكون هناك معاملة وخاصة تنطوي على تخفيض في الأجور أو إعفاء منها، بشرط ألا تمنح هذه الميزات الأشخاص بذواتها، بل لطائفة معينة أو مجموعة من الأشخاص تتوافر فيهم شروط معينة، على أن ينتفع بهذه المعاملة كل من يطلب ذلك ممن تتوافر فيه الشروط التي يعينها الملتزم بوجه عام، أي من بين المنتفعين بالمرفق، كأن تمنح هيئة السكك الحديدية أو إحدى شركات الأومينيوس اشتراكات مخفضة للعاملين بالدولة أو الطلبة، أو تجري تخفيضاً للعاملين بها إذا توافرت فيهم شروط معينة.
جزاء مخالفة الملتزم للالتزامات الواقعة عليه:
(أ) جزاء مدنی:
إذا خالف الملتزم الالتزامات الواقعة على عاتقه و أوردناها فيما سلف، فإنه يجوز للمنتفع ما يأتي:
(1) طلب التنفيذ العينية :
فإذا كان المنتفع متعاقداً على الخدمة مع مرافق التليفونات عموماً، أو الكهرباء أو الغاز مثلاً، وقطع عنه المرفق هذه الخدمات، كان له أن يطالب المرفق بإعادة توصيل الخط التليفوني أو الكهرباء أو الغاز وفقاً لنظام المرفق وما يقضي به العقد المبرم بينهما.
ويجوز للمنتفع أن يلجأ إلى القضاء المستعجل إذا توافر في دعواه شرطاً اختصاص القضاء المستعجل العامان، وهما: الاستعجال وعدم المساس بأصل الحق، ولاشك في أن قطع المرافق المشار إليها خدماتها عن المنتفع ما يتوافر به رکن الاستعجال.
وإذا أخل المرفق بمبدأ المساواة بين المنتفعين بالمرفق، جاز له مطالبة المرفق بالكف عن هذا الإخلال و بإعادة مساواته بعملائه.
وإذا تقاضى منه الملتزم أجرا للخدمة يزيد على الأجر المحدد جاز له طلب إنقاص الأجر واسترداد ما دفع زائداً على الأجر المقرر.
ويجوز للمنتفع في سبيل الوصول إلى التنفيذ العيني الالتجاء إلى طريقة التهديد المالي.
ويجوز في كافة الأحوال للعميل أن يطالب بالتعويض عما يكون قد لحقه من ضرر.
ولكن ليس للعميل أن يلزم الإدارة بالدفاع عن وجهة نظره، وإنما يكون له الحق في مقاضاة الملتزم مباشرة والمطالبة بحقوقه على الوجه الذي يراه.
(2) طلب التعويض :
يجوز للمنتفع فضلاً عن التنفيذ العيني - على النحو الذي أوضحناه سلفاً - أن يطالب الملتزم بتعويض عما أصابه من ضرر نتيجة إخلاله بالتزاماته قبله، كما في حالة قطع الخط التليفوني أو التيار الكهربائي أو الغاز، كما نصت الفقرة الثالثة من المادة (670) صراحة على حق المنتفع في المطالبة بتعويض عما يصيبه من ضرر نتيجة أي تمييز يقوم به الملتزم يترتب عليه إخلال بالتوازن الطبيعي في المنافسة المشروعة.
إذ جرت هذه الفقرة على أن:
وكل تمييز يمنح على خلاف ما تقضى به الفقرة السابقة. يوجب على الملتزم أن يعوض الضرر الذي قد يصيب الغير من جراء ما يترتب على هذا التمييز من إخلال بالتوازن الطبيعي في المنافسة المشروعة.
(3) طلب فسخ العقد:
لئن كانت الخدمات التي يقدمها المرفق العام للمنتفعين هي خدمات ضرورية لهم، کمدهم بالكهرباء أو المياه أو الغاز أو الخط التليفوني، مما لا يكون للمنتفع عنها غناء إلا أن للمنتفع - إذا شاء- أن يطلب فسخ العقد الإخلال الملتزم بالتزاماته سالفة الذكر.
وطبقاً للقواعد العامة، يخضع الفسخ التقدير القاضي، فيجوز للقاضي ألا يقضي به.
(ب) - جزاء إدارية:
إذا صدر من السلطة الإدارية قرار إداري مخالف للقانون بتنظيم المرفق، سواء كان هذا القرار إيجابياً أو سلبياً، كان لكل ذي مصلحة - ولو كانت مصلحة أدبية - ولو لم يكن له حق ذاتي أن يطعن في القرار بطريق دعوى الإلغاء أمام محكمة القضاء الإداري، وذلك طبقاً للشروط والإجراءات التي ترفع بها هذه الدعوى.
فإذا صدر قرار من السلطة الإدارية يخول الملتزم أن يجاوز صافي أرباحه عشرة في المائة من رأس المال، بالمخالفة للمادة الثالثة من القانون رقم 129 لسنة 1947 بالتزامات المرافق العامة، كان هذا القرار باطلاً.
وتتمثل مصلحة العميل في الطعن فيه في أن ما زاد من صافي أرباح الملتزم على الحد القانوني ينقص مما سيخصص في تحسين المرفق العام أو في خفض الأسعار، وكلما تحسن المرفق وانخفضت أسعاره، فإنه يعود بالنفع على كافة المنتفعين.
وإذا لم تعد السلطة الإدارية النظر في قوائم أسعار المرفق عقب كل فترة زمنية النظر في تعديلها لمصلحة المنتفعين عملاً بالمادة الثانية من القانون رقم 129 لسنة 1947، وذلك بناء على طلب من العميل، فإن امتناعها يكون قراراً إدارياً سلبياً، ويجوز للعميل أن يطعن في هذا القرار السلبي بالإلغاء. وكذا إذا ألغي المرفق خطأ من خطوط المواصلات، كان للمنتفع أن يطلب من الجهة الإدارية التدخل لإعادة الخط، فإذا رفضت أو لم تجب على طلبه، كان له الطعن في القرار الإيجابي (الأول) أو القرار السلبي (الثانی) بدعوى الإلغاء.
وعلى ذلك يجب لرفع الدعوى من العميل أمام المحاكم المدنية أن تكون له صفة في التقاضي، بأن يكون له حق ذاتی سواء كان هذا الحق ناشئاً عن العقد المبرم بين السلطة الإدارية والملتزم أو العقد المبرم بينه وبين الملتزم أو من القوانين التي تنظم المرافق العامة.
أما طلب الإلغاء الذي يرفع أمام القضاء الإداري فيكفي فيه توافر المصلحة الجدية لدى المنتفع، حتى لو كانت مصلحة أدبية.
ولكن لا يجوز للعميل أن يرفع دعواه أمام القضاء العادي أو طعنه أمام القضاء الإداري للدفاع عن المصالح المشتركة للمنتفعين وهذا لا يمنع من أن تتألف جمعية أو نقابة للدفاع عن مصالح سكان حي معين أو طائفة معينة من الناس، وتكون لها الشخصية المعنوية. فتقاضي باسم الجماعة التي تمثلها وتكون لها صفة في التقاضي. (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الثامن، الصفحة/ 357)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الحادي عشر ، الصفحة / 361
التَّسْوِيَةُ بَيْنَ النَّاسِ فِي الْمَرَافِقِ الْعَامَّةِ:
14 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْمَرَافِقَ الْعَامَّةَ - مِنَ الشَّوَارِعِ وَالطُّرُقِ، وَأَفْنِيَةِ الأْمْلاَكِ، وَالرِّحَابِ بَيْنَ الْعُمْرَانِ، وَحَرِيمِ الأْمْصَارِ، وَمَنَازِلِ الأْسْفَارِ، وَمَقَاعِدِ الأْسْوَاقِ، وَالْجَوَامِعِ وَالْمَسَاجِدِ، وَالأْنْهَارِ الَّتِي أَجْرَاهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَالْعُيُونِ الَّتِي أَنْبَعَ اللَّهُ مَاءَهَا، وَالْمَعَادِنَ الظَّاهِرَةَ وَهِيَ الَّتِي خَرَجَتْ بِدُونِ عَمَلِ النَّاسِ كَالْمِلْحِ وَالْمَاءِ وَالْكِبْرِيتِ وَالْكُحْلِ وَغَيْرِهَا وَالْكَلأَ - اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ هَذِهِ الأْشْيَاءَ مِنَ الْمَنَافِعِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ النَّاسِ، فَهُمْ فِيهَا سَوَاسِيَةٌ، فَيَجُوزُ الاِنْتِفَاعُ بِهَا لِلْمُرُورِ وَالاِسْتِرَاحَةِ وَالْجُلُوسِ وَالْمُعَامَلَةِ وَالْقِرَاءَةِ وَالدِّرَاسَةِ وَالشُّرْبِ وَالسِّقَايَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ الاِنْتِفَاعِ.
وَلَكِنْ لاَ يَجُوزُ اقْتِطَاعُهَا لأِحَدٍ مِنَ النَّاسِ، وَلاَ احْتِجَازُهَا دُونَ الْمُسْلِمِينَ؛ لأِنَّ فِيهِ ضَرَرًا بِالْمُسْلِمِينَ وَتَضْيِيقًا عَلَيْهِمْ.
وَيَكُونُ الْحَقُّ فِيهَا لِلسَّابِقِ حَتَّى يَرْتَحِلَ عَنْهَا، لِقَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم : «مِنًى مُنَاخُ مَنْ سَبَقَ إِلَيْهَا».
وَيُشْتَرَطُ عَدَمُ الإْضْرَارِ، فَإِذَا تَضَرَّرَ بِهِ النَّاسُ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ بِأَيِّ حَالٍ، لِقَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم «لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ» .