loading
الأحكام

المقرر - فى قضاء هذه المحكمة - انه يجوز لكل من المتعاقدين فى عقد العمل غير محدد المدة - وفقا لما تنص عليه المادتان 694، 695 من القانون المدنى ان يضع حدا لعلاقته مع التعاقد الاخر ويتعين لاستعمالا اى من المتعاقدين هذه الرخصة ان يخظر المتعاقد معه برغبته مسبقا بثلاثين يوما بالنسبة للعمال المعينين بأجر شهرى وخمسه عشر يوما بالنسبة للعمال الاخرين فاذا لم تراع هذه المهلة لزم من نقض منهما العقد ان يؤدى الى الطرف الاخر تعويضاً ماديا مساويا لاجر العامل عن مدة المهلة او الجزء الباقى او الجزء الباقى منها، ولا يغير من ذلك ان المشرع قفى قانون العمل الجديد رقم 137 لسنة 1981 اغقل النص على هذه المهلة القانونية للانذار اذ لا يمكن انه يستفاد من هذا الاغفال الغاء الحكم الوارد فى القانون المدنى والذى كان منصوصا عليه صراحه فى قانون العمل الملغى ذلك لانه لا يوجد فى الاعمال التحضيرية لقانون العمل الجديد ما يدل على اتجاه المشرع الى تغيير الحكم المذكور، فضلاً عن ان المادة الثانية من مواد اصدار قانون العمل رقم 137 لسنة 1981 قد نصت على ان " يلغى قانون العمل الصادر بالقانون رقم 91 لسنة 1959 كما يلغى كل نص يخالف احكام القانون المرافق ....... ولم تتعرض مواد الاصدار لاحكام القانون المدنى الخاصة بعقد العمل والواردة فى المواد من 674 الى 698 ولذلك تظل هذه الاحكام قائمة تنظم ما خلا قانون العمل من تنيمه وطالما لا تتعارض مع ما نص عليه صراحة لما كان ذلك وكان الحكم الابتدائى المؤيد بالحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر وانتهى الى عدم احقيه الطاعن فى بدل مهلة الانذار المطالب به تأسيسا على خلو قانون العمل رقم 137 لسنة 1981 من النص عليه فانه يكون فد اخطأ فى تطبيق القانون .

(الطعن رقم 1668 لسنة 60 جلسة 1996/11/28 س 47 ع 2 ص 1408 ق 257)

شرح خبراء القانون

الأجر هو المقابل الذي يدفعه رب العمل للعامل، والأصل أن يكون من النقود ويجوز أن يكون عينياً، ويحدد الاجر بالمدة أو بالإنتاج وقد يكون بالمدة وبالإنتاج كما في الأجر بالطريحة، وإذا أبطل العقد، فلا يستحق العامل أجراً وإنما تعويضاً.(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ التاسع ، الصفحة/ 540)

الأجر هو كل ما يستحقه العامل في مقابل أداء العمل، أياً كان نوعه، وأياً كانت طريقة تحديده وأياً كانت تسميته.

فيجوز أن يكون الأجر نقداً - وهو الغالب - أو عينياً، أو في جزء منه بالنقد وجزء منه عينياً.

ويجوز أن يحدد الأجر بالمدة أو بالإنتاج أو بالمدة وبالإنتاج معاً كما في الأجر بالطريحة.

وقد عرفت المادة (1 - ج) من قانون العمل رقم ۱۲ لسنة ۲۰۰۳ الأجر بقولها:

يقصد في تطبيق أحكام هذا القانون بالمصطلحات الآتية المعاني المبينة قرين كل منها:

(أ) العامل: كل شخص طبيعي يعمل لقاء أجر لدى صاحب عمل وتحت إدارته أو إشرافه.

(ب) صاحب العمل: كل شخص طبيعي أو اعتباري يستخدم عاملاً أو أكثر لقاء أجر.

(ج) الأجر: كل ما يحصل عليه العامل لقاء عمله، ثابتاً كان أو متغيراً، نقداً أوعيناً.

ويعتبر أجراً على الأخص ما يلي:

1- العمولة : التي تدخل في إطار علاقة العمل.

2- النسبة المئوية: وهي ما قد يدفع للعامل مقابل ما يقوم بإنتاجه أو بيعه أو تحصيله طوال قيامه بالعمل المقرر له هذه النسبة.

3- العلاوات: أياً كان سبب استحقاقها أو نوعها.

4- المزايا العينية: التي يلتزم بها صاحب العمل دون أن تستلزمها مقتضيات.

5 - المنح: وهي ما يعطي للعامل علاوة على أجره وما يصرف له جزاء أمانته أو كفاءته متى كانت هذه المنح مقررة في عقود العمل الفردية أو الجماعية أو في الأنظمة الأساسية للعمل، وكذلك ما جرت العادة بمنحه متى توافرت لها صفات العمومية والدوام والثبات.

6 -البدل: وهو ما يعطي للعامل لقاء ظروف أو مخاطر معينة يتعرض لها في أداء عمله.

7- نصيب العامل في الأرباح.

8- الوهبة: التي يحصل عليها العامل إذا جرت العادة بدفعها وكانت لها قواعد تسمح بتحديدها، وتعتبر في حكم الوهبة النسبة المئوية التي يدفعها العملاء مقابل الخدمة في المنشآت السياحية.

ويصدر قرار من الوزير المختص بالاتفاق مع المنظمة النقابية المعنية بكيفية توزيعها على العاملين وذلك بالتشاور مع الوزير المعني.

(د) العمل المؤقت: العمل الذي يدخل بطبيعته فيما يزاوله صاحب العمل من نشاط وتقتضي طبيعة إنجازه مدة محددة، أو ينصب على عمل بذاته وينتهي بانتهائه.

(هـ) العمل العرضي: العمل الذي لا يدخل بطبيعته فيما يزاوله صاحب العمل من نشاط ولا يستغرق إنجازه أكثر من ستة أشهر.

(و) العمل الموسمي: العمل الذي يتم في مواسم دورية متعارف عليها.

(ز) الليل: الفترة ما بين غروب الشمس وشروقها.

(ح) الوزير المختص: الوزير المختص بالقوى العاملة.

(ط) الوزارة المختصة: الوزارة المختصة بشئون القوى العاملة.

متى يكون العمل مأجورا؟

قد لا يبين من العقد الذي يبرمه الطرفان، أن العمل المتفق على أدائه، يؤدي مقابل أجر.

في هذه الحالة وضعت المادة قرينة مؤداها أن العمل يكون مأجوراً، إذا كان العمل لم تجر العادة بالتبرع به، أو كان داخلاً في مهنة من أداة، كالمحامي والطبيب والصانع.

وهذه القرينة قابلة لإثبات العكس، فيجوز لصاحب العمل في الحالتين اللتين نصت عليهما المادة إثبات أن العمل كان على سبيل التبرع.

فإذا ثبت انتفاء نية التبرع كان العقد عقد عمل ولو لم يحدد المتعاقدان قيمة الأجر.(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الثامن ، الصفحة/ 569)

الفقه الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الخامس عشر ، الصفحة / 208

جعالةٌ

التّعْريفُ:

1 - الْجُعْلُ بالضّمّ الأْجْرُ، يُقالُ: جعلْتُ لهُ جُعْلاً، والْجعالةُ بكسْر الْجيم وبعْضُهُمْ يحْكي التّثْليث اسْمٌ لما يُجْعلُ للإْنْسان على فعْل شيْءٍ.

والْجعيلةُ مثالُ كريمةٍ، لُغةٌ في الْجُعْل.

وعرّفها الْمالكيّةُ: بأنْ يجْعل الرّجُلُ للرّجُل أجْرًا معْلُومًا، ولا ينْقُدُهُ إيّاهُ على أنْ يعْمل لهُ في زمنٍ معْلُومٍ أوْ مجْهُولٍ، ممّا فيه منْفعةٌ للْجاعل، على أنّهُ إنْ أكْمل الْعمل كان لهُ الْجُعْلُ، وإنْ لمْ يُتمُّهُ فلا شيْء لهُ، ممّا لا منْفعة فيه للْجاعل إلاّ بعْد تمامه.

وعرّفها الشّافعيّةُ: بأنّها الْتزامُ عوضٍ معْلُومٍ على عملٍ مُعيّنٍ معْلُومٍ، أوْ مجْهُولٍ يعْسُرُ ضبْطُهُ.

وعرّفها الْحنابلةُ: بأنّها تسْميةُ مالٍ معْلُومٍ لمنْ يعْملُ للْجاعل عملاً مُباحًا ولوْ كان مجْهُولاً أوْ لمنْ يعْملُ لهُ مُدّةً ولوْ كانتْ مجْهُولةً .

الأْلْفاظُ ذاتُ الصّلة:

الإْجارةُ:

2 - الإْجارةُ: لُغةً مصْدرُ آجر وهي الْكراءُ واصْطلاحًا تمْليكُ منْفعةٍ معْلُومةٍ بعوضٍ معْلُومٍ والْفرْقُ بيْنهُما أنّ الْجعالة قدْ تكُونُ على مجْهُولٍ، بخلاف الإْجارة.

حُكْمُ الْجعالة، ودليلُ شرْعيّتها:

3 - عقْدُ الْجعالة مُباحٌ شرْعًا عنْد الْمالكيّة والشّافعيّة، والْحنابلة، إلاّ أنّ الْمالكيّة يقُولُون: إنّها جائزةٌ بطريق الرُّخْصة، اتّفاقًا، والْقياسُ عدمُ جوازها بلْ عدمُ صحّتها للْغرر الّذي يتضمّنُهُ عقْدُها، وإنّما خرجتْ عنْ ذلك إلى الْجواز للأْدلّة التّالية:

في الْكتاب، والسُّنّة، والْمعْقُول. فمن الْكتاب قوله تعالى: - ولمنْ جاء به حمْلُ بعيرٍ - وكان حمْلُ الْبعير معْلُومًا عنْدهُمْ وهُو الْوسْقُ وهُو ستُّون صاعًا، وشرْعُ منْ قبْلنا شرْعٌ لنا إذا قُصّ عليْنا منْ غيْر نكيرٍ، ولمْ يثْبُتْ نسْخُهُ، ومنْ خالف في هذه الْقاعدة جعلهُ اسْتئْناسًا.

ومن السُّنّة حديثُ رُقْية الصّحابيّ، وهُو ما رُوي في الصّحيحيْن عنْ أبي سعيدٍ الْخُدْريّ: أنّ «أُناسًا منْ أصْحاب رسُول اللّه صلى الله عليه وسلم أتوْا حيًّا منْ أحْياء الْعرب فلمْ يُقْرُوهُمْ فبيْنما هُمْ كذلك إذْ لُدغ سيّدُ أُولئك الْقوْم فقالُوا: هلْ فيكُمْ منْ راقٍ؟ فقالُوا: لمْ تُقْرُونا، فلا نفْعلُ إلاّ أنْ تجْعلُوا لنا جُعْلاً، فجعلُوا لهُمْ قطيع شاءٍ، فجعل رجُلٌ يقْرأُ بأُمّ الْقُرْآن ويجْمعُ بُزاقهُ ويتْفُلُ فبرئ الرّجُلُ فأتوْهُمْ بالشّاء، فقالُوا: لا نأْخُذُها حتّى نسْأل رسُول اللّه صلى الله عليه وسلم فسألُوا الرّسُول صلى الله عليه وسلم عنْ ذلك فضحك وقال: ما أدْراك أنّها رُقْيةٌ؟ خُذُوها واضْربُوا لي معكُمْ بسهْمٍ» . وفي روايةٍ عن ابْن عبّاسٍ، فقال: «إنّ أحقّ ما أخذْتُمْ عليْه أجْرًا كتابُ اللّه» . ومن السُّنّة أيْضًا ما رُوي عنْ رسُول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّهُ «قال يوْم حُنيْنٍ: منْ قتل قتيلاً لهُ عليْه بيّنةٌ فلهُ سلبُهُ» .

ومن الْمعْقُول أنّ حاجة النّاس قدْ تدْعُو إليْها لردّ مالٍ ضائعٍ، أوْ عملٍ لا يقْدرُ عليْه الْجاعلُ ولا يجدُ منْ يتطوّعُ به، ولا تصحُّ الإْجارةُ عليْه لجهالته، فجازتْ شرْعًا للْحاجة إليْها كالْمُضاربة (ر: مُضاربةٌ) .

وقال الْحنفيّةُ: بعدم جوازها في غيْر جُعْل الْعبْد الآْبق، ودليلُ الْمنْع عنْدهُمْ ما في الْجعالة منْ تعْليق التّملُّك على الْخطر (أي التّردُّد بيْن الْوُجُود والْعدم) كما أنّ الْجعالة الّتي لمْ تُوجّهْ إلى مُعيّنٍ لمْ يُوجدْ فيها منْ يقْبلُ الْعقْد فانْتفى الْعقْدُ.

والْجعالةُ تخْتلفُ عن الإْجارة - عنْد الشّافعيّة وغيْرهمْ من الْمذاهب الْمُجيزة لها - في بعْض الأْحْكام وهي كما يلي:

الأْوّلُ: صحّةُ الْجعالة على عملٍ مجْهُولٍ يعْسُرُ ضبْطُهُ وتعْيينُهُ كردّ مالٍ ضائعٍ.

الثّاني: صحّةُ الْجعالة مع عاملٍ غيْر مُعيّنٍ.

الثّالثُ: كوْنُ الْعامل لا يسْتحقُّ الْجُعْل إلاّ بعْد تمام الْعمل.

الرّابعُ: لا يُشْترطُ في الْجعالة تلفُّظُ الْعامل بالْقبُول.

الْخامسُ: جهالةُ الْعوض في الْجعالة في بعْض الأْحْوال.

السّادسُ: يُشْترطُ في الْجعالة عدمُ التّأْقيت لمُدّة الْعمل.

السّابعُ: الْجعالةُ عقْدٌ غيْرُ لازمٍ.

الثّامنُ: سُقُوطُ كُلّ الْعوض بفسْخ الْعامل قبْل تمام الْعمل الْمُجاعل عليْه.

وزاد ابْنُ عرفة من الْمالكيّة: أنّ الْجعالة تتميّزُ أيْضًا عن الْمُساقاة والْمُضاربة والْمُزارعة بأنّ الْعوض فيها غيْرُ ناشئٍ عنْ محلّ الْعمل.

وزاد الْحنابلةُ: أنّهُ يصحُّ في الْجعالة الْجمْعُ بيْن تقْدير الْمُدّة والْعمل، بخلاف الإْجارة.

أرْكانُ الْجعالة:

أرْكانُ الْجعالة أرْبعةٌ: (الأْوّلُ) الصّيغةُ (الثّاني) الْمُتعاقدان، (الثّالثُ) الْعملُ، (الرّابعُ) الْجُعْلُ.

صيغةُ الْجعالة:

4 - الصّيغةُ عنْد الْقائلين بالْجعالة هي كُلُّ لفْظٍ دالٍّ على الإْذْن في الْعمل بعوضٍ معْلُومٍ، مقْصُود ومُلْتزمٍ، سواءٌ أكان الإْذْنُ عامًّا لكُلّ منْ سمعهُ أوْ علم به، مثْلُ أنْ يقُول الْجاعلُ: منْ ردّ ضالّتي أوْ ضالّة فُلانٍ فلهُ كذا، أمْ كان الإْذْنُ خاصًّا بشخْصٍ مُعيّنٍ مثْلُ أنْ يقُول لهُ: إنْ رددْت ضالّتي فلك كذا؛ لأنّها عقْدُ مُعاوضةٍ فيحْتاجُ إلى صيغةٍ تدُلُّ على الْمطْلُوب وقدْر الْمبْذُول عوضًا كالإْجارة، والأْخْرسُ تكْفي إشارتُهُ الْمُفْهمةُ لذلك. وأمّا النّاطقُ إذا كتب ذلك ونواهُ فإنّهُ يصحُّ منْهُ ولا يُشْترطُ في الصّيغة قبُولُ الْعامل لفْظًا وإنْ عيّنهُ؛ لما فيه من التّضْييق في محلّ الْحاجة بلْ يكْفي الْعملُ منْهُ، وكذا لا يُشْترطُ حُضُورُ الْعامل وقْت إيجاب الْجاعل وإعْلانه.

ولا تُشْترطُ أيْضًا الْمُطابقةُ بيْن الإْيجاب والْقبُول، فلوْ قال الْجاعلُ: إنْ رددْت ضالّتي فلك دينارٌ، فقال الْعاملُ: أرُدُّها بنصْف دينارٍ، فالرّاجحُ الْقطْعُ باسْتحْقاقه للدّينار، لأنّ الْقبُول لا أثر لهُ في الْجعالة، قال هذا الْجُويْنيُّ، وذكر الْقمُوليُّ نحْوهُ.

إلاّ أنّ الْحنابلة يسْتثْنُون منْ ذلك حالتيْن لا يُشْترطُ فيهما صُدُورُ ما يدُلُّ على الإْذْن والالْتزام من الْمالك أو الْجاعل.

الأُْولى: ردُّ الْعبْد الآْبق إنْ كان الرّادُّ لهُ غيْر الإْمام.

الثّانيةُ: تخْليصُ الشّخْص متاع غيْره منْ مكانٍ يظُنُّ هلاكهُ، أوْ تلفهُ على مالكه في ترْكه فيه.

وقال الْمالكيّةُ: لا يُشْترطُ إيقاعُ الْعقْد من الْجانبيْن في حالة ما إذا أتى بالضّالّة أو الآْبق من اعْتاد طلب الضّوالّ والإْباق وردّها إلى أصْحابها بعوضٍ فيسْتحقُّ وإنْ لمْ يقعْ منْ صاحبها الْتزامٌ .

ردُّ الْعامل الْمُعيّن للْجعالة:

5 - قال الشّافعيّةُ: إنّ الْعامل الْمُعيّن لوْ رفض قبُول عقْد الْجعالة وردّهُ منْ أصْله فقال: لا أرُدُّ الضّالّة مثلاً أوْ رددْتُ الْجعالة، أوْ لا أقْبلُها، ثُمّ عمل، لمْ يسْتحقّ شيْئًا إلاّ بعقْدٍ جديدٍ، وهُو صريحٌ في أنّها تبْطُلُ برفْض الْعامل وردّه لها. ويُؤْخذُ منْ كلام الْجُويْنيّ إمام الْحرميْن، والْقمُوليّ السّابق: أنّها لا تبْطُلُ بذلك، وحمل بعْضُ الشّافعيّة قوْلهُما هذا على ما لوْ قبل الْعاملُ الْجعالة ورفض الْعوض وحْدهُ كقوْله: أرُدُّ الضّالّة بلا شيْءٍ .

ولمْ يُعْثرْ لغيْر الشّافعيّة من الْمذاهب على شيْءٍ في هذه الْمسْألة.

عقْدُ الْجعالة قبْل تمام الْعمل هلْ هُو لازمٌ

6 - قال الشّافعيّةُ والْحنابلةُ وهُو الرّاجحُ عنْد الْمالكيّة: إنّ الْجعالة عقْدٌ غيْرُ لازمٍ لكُلٍّ من الْمُتعاقديْن قبْل شُرُوع الْعامل في الْعمل فيجُوزُ لكُلٍّ من الْمُتعاقديْن الرُّجُوعُ فيه بدُون أنْ يترتّب على ذلك أيُّ أثرٍ؛ لأنّها منْ جهة الْجاعل تعْليقُ اسْتحْقاق الْعامل للْجُعْل بشرْطٍ، وأمّا منْ جهة الْعامل فلأنّ الْعمل فيها مجْهُولٌ، وما كان كذلك لا يتّصفُ عقْدُهُ باللُّزُوم.

ويُقابلُ هذا قوْلٌ عنْد الْمالكيّة: بأنّها عقْدٌ لازمٌ لكُلٍّ من الْمُتعاقديْن - ولوْ قبْل الشُّرُوع كالإْجارة، وقيل عنْدهُمْ أيْضًا: إنّها عقْدٌ لازمٌ للْجاعل فقطْ بمُجرّد إيجابه أوْ إعْلانه دُون الْعامل، وأمّا بعْد شُرُوع الْعامل في الْعمل الْمُجاعل عليْه وقبْل تمامه، فعنْد الشّافعيّة والْحنابلة الْعقْدُ غيْرُ لازمٍ أيْضًا لكُلٍّ منْهُما، كما قبْل الشُّرُوع في الْعمل.

وهذا قوْلُ الْمالكيّة أيْضًا بالنّسْبة للْعامل، أمّا الْجاعلُ فقال الْمالكيّةُ: إنّها تلْزمُهُ في هذه الْحالة على الرّاجح، فلا يكُونُ لهُ حقُّ الرُّجُوع عنْ تعاقُده هذا حتّى لا يبْطُل على الْعامل عملُهُ، والظّاهرُ أنّهُ لا يكُونُ لهُ حقُّ الرُّجُوع حتّى ولوْ كان الْعملُ الّذي حصل به الشُّرُوعُ قليلاً لا قيمة لهُ .

الْمُتعاقدان:

ما يُشْترطُ في الْمُلْتزم بالْجُعْل:

7 - قال الشّافعيّةُ والْحنابلةُ: يُشْترطُ في الْمُلْتزم بالْجُعْل أنْ يكُون صحيح التّصرُّف فيما يجْعلُهُ عوضًا، وأنْ يكُون مُخْتارًا فلا يصحُّ الْعقْدُ بالْتزام صبيٍّ، أوْ مجْنُونٍ، أوْ محْجُورٍ عليْه بسفهٍ، أوْ مُكْرهٍ. وبمثْل هذا قال الْمالكيّةُ، إلاّ أنّهُمْ قالُوا: إنّ هذه شرائطُ لُزُوم الْعقْد لمُلْتزم الْجُعْل، وأمّا أصْلُ صحّة الْعقْد فيتوقّفُ على كوْنه مُميّزًا فقطْ.

 

النّيابةُ في عقْد الْجعالة:

9 - قال الشّافعيّةُ: إذا كان الْعاقدُ - الْمُلْتزمُ بالْجُعْل - وكيلاً أوْ وليًّا صحّ الْعقْدُ، ويجبُ الْجُعْلُ في مال الْمُوكّل والْمُولّى عليْه بشريطة أنْ يكُون التّعاقُدُ على وجْه الْمصْلحة بأنْ يكُون الْجُعْلُ قدْر أُجْرة مثْل ذلك الْعمل أوْ أقلّ، أمّا إذا زاد عنْ أُجْرة الْمثْل، فإنّ الْعقْد يكُونُ فاسدًا، وتجبُ أُجْرةُ الْمثْل في مال الْمُولّى عليْه، وإذا كان الْعاملُ مُعيّنًا فلا يجُوزُ لهُ أنْ يسْتنيب غيْرهُ في الْعمل على الرّاجح، إلاّ إنْ كان الْعملُ لا يليقُ به، أوْ لمْ يكُنْ يُحْسنُهُ، أوْ عجز عنْهُ، وعلم الْجاعلُ بذلك وقْت التّعاقُد، أمّا إنْ طرأ لهُ طارئٌ يُعْجزُهُ عن الْعمل كمرضٍ أوْ سفرٍ ونحْوه، فلا يجُوزُ لهُ أنْ يُوكّل غيْرهُ في الْعمل.

وأمّا الْعاملُ غيْرُ الْمُعيّن ممّنْ سمع الإْعْلان الْعامّ بالْجعالة، فيجُوزُ لهُ توْكيلُ غيْره في الْعمل ويكُونُ الْعقْدُ صحيحًا، ولمْ نعْثُرْ لغيْر الشّافعيّة على شيْءٍ في هذه الْمسْألة.

وقال الْمالكيّةُ والشّافعيّةُ والْحنابلةُ: إذا كان الْعاقدُ الْمُلْتزمُ بالْجُعْل - فُضُوليًّا فإنّهُ يصحُّ الْتزامُهُ عنْ نفْسه، ويجبُ الْجُعْلُ في ماله عنْد الشّافعيّة لأنّهُ الْتزمهُ .

محلُّ الْعقْد وشرائطُهُ:

أنْواعُهُ:

10 - الأْعْمالُ الْمُتعاقدُ عليْها في عقْد الْجعالة - منْ حيْثُ الْمُرادُ منْها نوْعان:

أحدُهُما: ما يُرادُ بالتّعاقُد عليْه اسْتحْداثُ نتيجةٍ جديدةٍ، كتعْليم علْمٍ أوْ حرْفةٍ أوْ إخْبارٍ فيه غرضٌ، أوْ حجٍّ، أوْ خياطةٍ، أوْ دلالةٍ، أوْ رُقْية مريضٍ بدُعاءٍ جائزٍ أوْ تمْريضه أوْ مُداواته حتّى الشّفاء أوْ غيْر ذلك.

والثّاني: ما يُرادُ بالتّعاقُد عليْه ردُّهُ وإعادتُهُ لناشده، كردّ مالٍ ضائعٍ أوْ ضالّةٍ، أوْ آبقٍ ونحْوه.

أمّا منْ حيْثُ ما يصحُّ التّعاقُدُ عليْه جعالةً وما لا يصحُّ، فقال الشّافعيّةُ:

11 - أ - يصحُّ عقْدُ الْجعالة على كُلّ عملٍ مجْهُولٍ يتعذّرُ ضبْطُهُ ووصْفُهُ بحيْثُ لا تصحُّ الإْجارةُ عليْه، كردّ ضالّةٍ مثلاً، لأنّ الْجهالة إذا احْتُملتْ في الْمُضاربة توصُّلاً إلى الرّبْح الزّائد منْ غيْر ضرُورةٍ، فاحْتمالُها في الْجعالة توصُّلاً إلى أصْل الْمال اضْطرارًا أوْلى، فإنْ كان لا يتعذّرُ ضبْطُهُ فلا بُدّ منْ ضبْطه ووصْفه، إذْ لا حاجة لاحْتمال جهالته، ففي بناء حائطٍ مثلاً يذْكُرُ موْضعهُ وطُولهُ وعرْضهُ وارْتفاعهُ وما يُبْنى به.

12 - ب - وكذلك يصحُّ عقْدُ الْجعالة على عملٍ معْلُومٍ تصحُّ الإْجارةُ عليْه - كقوْل الْجاعل: «منْ ردّ ضالّتي منْ موْضع كذا» أوْ خياطةٍ موْصُوفةٍ - على الرّاجح لأنّها إذا جازتْ. مع جهالة الْعمل فمع معْلُوميّته أوْلى. وبمثْل هذا كُلّه قال الْحنابلةُ، إلاّ أنّ الْحنابلة: يروْن عدم صحّة الْجعالة مُطْلقًا على مُداواة الْمريض حتّى الشّفاء لأنّهُ مجْهُولٌ لا يُمْكنُ ضبْطُهُ.

وقال الْمالكيّةُ: الْعملُ الْمُجاعلُ عليْه أنْواعٌ:

13 - أ - فبعْضُهُ تصحُّ فيه الْجعالةُ والإْجارةُ وهُو كثيرٌ، ولا يُشْترطُ فيه أنْ يكُون مجْهُولاً، وذلك كأنْ يتعاقدا على بيْع سلعٍ قليلةٍ وشراء السّلع الْقليلة والْكثيرة، واقْتضاء الدُّيُون، وحفْر الْبئْر في أرْضٍ مُباحةٍ للْعامّة؛ لأنّهُما إنْ تعاقدا على مقْدارٍ مخْصُوصٍ من الأْذْرُع كان إجارةً، وإنْ تعاقدا على ظُهُور الْماء في الْبئْر كان جعالةً.

14 - ب - وبعْضُهُ تصحُّ فيه الْجعالةُ دُون الإْجارة، وذلك كأنْ يتعاقدا على الإْتْيان بالْبعير الشّارد، أو الْعبْد الآْبق ونحْوهما منْ كُلّ ما يكُونُ الْعملُ فيه مجْهُولاً، فتُشْترطُ الْجهالةُ بالْعمل هُنا تحْصيلاً لمصْلحة الْعقْد؛ لأنّ معْلُوميّتهُ للْمُتعاقديْن أوْ لأحدهما تُوجبُ الْغرر فيه، كأنْ لا يجد الْبعير الشّارد مثلاً في الْمكان الْمعْلُوم الْمُتعاقد على الإْتْيان به منْهُ فيذْهبُ عملُهُ مجّانًا وتضيعُ مصْلحةُ الْعقْد.

15 - ج - وبعْضُهُ تصحُّ فيه الإْجارةُ دُون الْجعالة وهُو كثيرٌ أيْضًا، كأنْ يتعاقدا على عملٍ في أرْضٍ ممْلُوكةٍ للْجاعل كحفْر بئْرٍ مثلاً، وكذا التّعاقُدُ على خياطة ثوْبٍ أوْ خدْمة شهْرٍ، أوْ بيْع سلعٍ كثيرةٍ، وما أشْبه ذلك ممّا يبْقى للْجاعل فيه منْفعةٌ إنْ لمْ يُتمّ الْعاملُ الْعمل.

16 - أمّا مُشارطةُ الطّبيب على الشّفاء من الْمرض، والْمُعلّم على حفْظ الْقُرْآن مثلاً، وكراءُ السُّفُن، فقال ابْنُ الْحاجب: إنّها تصحُّ إجارةً وتصحُّ جعالةً، وزاد عليْها ابْنُ شاسٍ الْمُغارسة، وقال ابْنُ عبْد السّلام: إنّ هذه الْفُرُوع كُلّها من الإْجارة فقطْ على الرّاجح في الْمذْهب، ونصّ سحْنُونٌ على أنّ الأْصْل في مُداواة الْمريض الْجعالةُ .

الْمشقّةُ في الْعمل:

17 - قال الشّافعيّةُ والْحنابلةُ: يُشْترطُ في الْعمل الْمُتعاقد عليْه في عقْد الْجعالة أنْ يكُون ممّا فيه تعبٌ ومشقّةٌ أوْ مُؤْنةٌ، كردّ آبقٍ، أوْ ضالّةٍ، أوْ دلالةٍ على شيْءٍ منْ غيْر منْ بيده الشّيْءُ، أوْ إخْبارٍ عنْ شيْءٍ بشرْط أنْ يكُون فيه تعبٌ، وأنْ يكُون الْمُخْبرُ صادقًا في إخْباره، وأنْ يكُون للْمُسْتخْبر غرضٌ في الْمُخْبر به.

وقيّد الأْذْرعيُّ هذا: بما إذا كانت الْمشقّةُ حادثةً بعْد عقْد الْجعالة، فإنْ كانتْ قبْلهُ فلا عبْرة بها لأنّها محْضُ تبرُّعٍ حينئذٍ.

ولمْ يشْترط الْمالكيّةُ هذا الشّرْط، بل اتّفقُوا على جواز الْجعالة في الشّيْء الْيسير، واخْتلفُوا في غيْره، قال الْقاضي عبْدُ الْوهّاب وغيْرُهُ: إنّها تجُوزُ في الشّيْء الْيسير دُون غيْره، والرّاجحُ أنّها تجُوزُ في كُلّ ما لا يكُونُ للْجاعل فيه منْفعةٌ إلاّ بتمامه سواءٌ أكان يسيرًا أمْ غيْر يسيرٍ، وهُو الْمذْهبُ .

كوْنُ الْعمل مُباحًا غيْر واجبٍ على الْعامل:

18 - قال الشّافعيّةُ: يُشْترطُ في الْعمل أنْ يكُون مُباحًا غيْر واجبٍ على الْعامل أداؤُهُ فلا يصحُّ عقْدُ الْجعالة على عملٍ غيْر مُباحٍ كغناءٍ، ورقْصٍ، وعمل خمْرٍ، ونحْوه كما لا يصحُّ الْعقْدُ أيْضًا إذا كان الْعملُ الْمطْلُوبُ أداؤُهُ بالْعقْد واجبًا على الْعامل وإنْ كان فيه مشقّةٌ، نحْوُ: ردُّ الْغاصب والسّارق الْعيْن الْمغْصُوبة والْمسْرُوقة لصاحبها بعْد أنْ سمع إعْلانهُ الْجُعْل على ذلك لأنّ ما وجب عليْه شرْعًا لا يُمْكنُ أنْ يُقابل بعوضٍ.

ولا يشْملُ هذا ما يجبُ على الْعامل بطريق الْكفاية، كتخْليصٍ منْ نحْو: حبْسٍ وقضاء حاجةٍ ودفْع ظالمٍ، فإنّهُ جائزٌ وإنْ وجب عليْه لكنْ بشرْط أنْ تكُون فيه مشقّةٌ تُقابلُ بأُجْرةٍ.

وكذلك لا يشْملُ هذا ما لوْ ردّ الشّيْء منْ هُو بيده أمانةً نحْوُ: أنْ يرُدّ شخْصٌ دابّةً دخلتْ داره لصاحبها بعْد أنّ جاعل عليْها، فإنّهُ يسْتحقُّ الْعوض بالرّدّ؛ لأنّ الْواجب عليْه التّخْليةُ بيْنها وبيْن صاحبها، أمّا ردُّها فلا يجبُ عليْه.

وبمثْل هذا الشّرْط أيْضًا قال الْمالكيّةُ.

وبه أيْضًا قال الْحنابلةُ إلاّ أنّهُمْ قسمُوا الْعمل الْواجب على الْعامل إلى قسْميْن:

(الأْوّلُ) ما يُثابُ عليْه ولا ينْتفعُ به سواهُ كالصّلاة والصّيام، فهذا لا تصحُّ الْجعالةُ عليْه.

(الثّاني) ما يُثابُ عليْه وينْتفعُ به غيْرُهُ كالأْذان ونحْوه منْ حجٍّ، وتعْليم علْمٍ، وقُرْآنٍ، وقضاءٍ وإفْتاءٍ، فهذا تصحُّ الْجعالةُ عليْه على الرّاجح.

واسْتثْنى الْحنابلةُ أيْضًا: ما إذا كان الْعملُ ردّ آبقٍ، فإنّ الرّادّ لهُ يسْتحقُّ الْجُعْل ولوْ كان الرّدُّ واجبًا عليْه سوى الإْمام كما سيأْتي .