مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الخامس، الصفحة : 213
مذكرة المشروع التمهيدي :
1- إذا تعدد الوكلاء في الأمر الواحد كان كل منهم مسئولاً عن التزاماته کوکیل فيجب أن ينفذه الوكالة، ولا يصح أن يعمل الوكلاء إلا مجتمعين ماداموا قد عينوا في عقد واحد ولم ينص صراحة في العقد على انفرادهم . أما إذا عينوا في عقود متفرقة، أو في عقد واحد ونص صراحة على انفرادهم، جاز أن ينفرد كل مهم بتنفينه الوكالة . ويلتزم كل وكيل أيضاً بذل العناية الواجبة في تنفيذ الوكالة على النحو الذي تقدم . ويلتزم أخيراً بتقديم الحساب عما قام به من العمل .. وكل وکیل مسئول عن هذه الالتزامات دون تضامن مع غيره من الوكلاء إلا في حالتين : (أ) إذا كانت الوكالة غير قابلة للانقسام . مثال ذلك أن يوكل شخص وکیلين في شراء منزل معين، فلا يتصور في هذه الحالة أن ينفرد كل و كيل بالعمل إذ أن صفقة البيع لا تتجزأ ويجب على الوكيلين أن يعملا مجتمعين، ويكونان مسئولين بالتضامن قبل الموكل في الالتزامات المتقدمة الذكر . أما إذا انفرد أحدهم بمجاوزة حدود الوكالة أو بالتعسف في تنفيذها، كأن خالف شروط البيع التي اشترطها الموكل، أو التزمها ولكن تعمد إساءة العمل بها، ففي حالة المجاوزة لحدود الوكالة يكون مسئولاً وحده لا بالتضامن مع غيره من الوكلاء، قبل الغير الذي تعامل معه، إذا كان الموكل قد رفض إقرار عمل الوکیل ( انظر م 991 من المشروع )، وفي حالة التعسف في تنفيذ الوكالة يكون مسئولاً أيضاً وحده لا بالتضامن مع غيره من الوكلاء، قبل الموكل عن التعويض .
ب ) أما إذا كانت الوكالة قابلة للانقسام إدارة مزرعة، فإن كل وكيل يكون مسئولاً وحده لا بالتضامن مع غيره من الوكلاء عن تنفيذ التزاماته، سواء في ذلك عمل منفرداً بأن اختص في إدارة المزرعة بأعمال معينة أو عملي مع الوكلاء مجتمعین .
ومع ذلك لو ارتكب الوكلاء في هذه الحالة خطأ مشترکاً دروه فيما بينهم وترتب عليه الإضرار بمصلحة الموكل، فإنهم يكونون مسئولين بالتضامن عن التعويض سواء اعتبرت المسئولية تقصيرية أو تعاقدية .
وفي غير هاتين الحالتين لا يكون الوكلاء المتعددون متضامنين فيما بينهم إلا إذا اشترط التضامن .
2- ويجوز للوكيل أن ينيب عنه غيره في تنفيذ الوكالة إلا إذا اشترط الموكل منعه من ذلك، وهذا خلاف التقنين الحالي (م 520/ 636 ) حيث يشترط في جواز الإنابة الترخيص الصريح. فإذا أناب عنه غيره، كان النائب مسئولا عن جميع الالتزامات التي تقع على الوکیل، لاقبل الوکیل وجده، بل قبله وقبل الموكل، وبطريق مباشر . فيستطيع الموكل أن يرجع بدعوى مباشرة على النائب، كما يرجع النائب على الموكل بالدعوى المباشرة كذلك ( ولم ينص التقنين الحالي م 250/ 367 على الرجوع المباشر للنائب على الموكل ) .
يتم تحديد مسئولية الوكيل عن نائبه . وهنا يجب التفريق بين ما إذا كانت الإنابة لم ينص عليها أو كان مرخصاً فيها. ففي الحالة الأولى يكون الوكيل مسئولاً عن خطأ نائبه مسئولية المتبوع عن التابع، فإذا ارتكب النائب خطأ جاز للموكل أن يوجع بالتعويض على أي من الوكيل أو نائبه بدعوى مباشرة . وفي الحالة الثانية، إذا رخص الموكل للوكيل أن يقيم عنه نائباً، فإن لم يعين له شخص النائب، فإن الوكيل يكون مسئولاً عن خطئه في اختيار نائبه أو خطئه فيما أصدر له من التعليمات . فإن كان لم يقصر في حسن اختيار النائب ولم يرتكب خطأ في التعليمات التي أصدرها له، فلا يكون مسئولاً عن خطئه، ويرجع الموكل على النائب بالتعويض بطريق الدعوى المباشرة . أما إن عين المول للوكيل شخص النائب، فلا يكون الوكيل مسئولاً إلا عن خطئه فيما أصدر له من تعليمات .
1- إذ كان الثابت أن الطاعنة طلبت الحكم بإلزام المطعون عليهما متضامنين بأن يؤديا لها المبالغ التى قاما بتحصيلها لحسابها على أساس أن المطعون عليه الأول وكيل عنها و أنه أناب عنه المطعون عليه الثانى فى تنفيذ الوكالة دون أن ترخص له الطاعنة فى ذلك مما يجعلهما متضامنين فى المسئولية تطبيقاً لحكم المادة 1/708 من القانون المدنى ، وإذ خلص الحكم المطعون فيه إلى أن المطعون عليه الثانى لم يكن نائبا عن المطعون عليه الأول بل كان وكيلاً آخر عن الطاعنة ، فإن ذلك يمنع محكمة الموضوع من أن تقضى على المطعون عليه الثانى بالمبالغ التى ثبت أنه حصلها لحساب الطاعنة وبقيت فى ذمته على أساس أنه وكيل عن الطاعنة ولا يعتبر ذلك منها تغييراً لسبب الدعوى مما تملكه المحكمة من تلقاء نفسها .
(الطعن رقم 150 لسنة 42 جلسة 1977/05/03 س 28 ع 1 ص 1118 ق 193)
2- متى كان التوكيل الصادر من الطاعن قد صدر لعدة محامين فإنه يجوز انفراد أحدهم بالتقرير بالطعن لأن قانون المرافعات قد خرج فى الوكالة بالخصومة عن القاعدة العامة التى قررتها المادة 707 من القانون المدنى فنص فى المادة 85 من قانون المرافعات على أنه إذا تعدد الوكلاء جاز لأحدهم الانفراد بالعمل فى القضية مالم يكن ممنوعا من ذلك بنص التوكيل ولا محل لتخصيص عموم نص هذه المادة و قصره على السير فى الدعوى بعد إقامتها .
(الطعن رقم 351 لسنة 23 جلسة 1958/03/27 س 9 ع 1 ص 230 ق 30)
3- متى تعدد أوصياء التركة البائعين للأطيان المشفوع فيها ولم يرخص بإنفرادهم فى العمل فان إختصامهم فى دعوى الشفعة هو مما يلزم معه تبادل الرأى فيما بينهم ، وكان عليهم أن يعملوا مجتمعين و ذلك وفقا للمادتين 2/885 و 707 من القانون المدنى .
(الطعن رقم 284 لسنة 22 جلسة 1956/03/08 س 7 ع 1 ص 296 ق 43)
تنص المادة 707 من التقنين المدني على ما يأتي :
"1- إذا تعدد الوكلاء، كانوا مسئولين بالتضامن، متى كانت الوكالة غير قابلة للانقسام، أو كان الضرر الذي أصاب الموكل نتيجة خطأ مشترك . على أن الوكلاء، ولو كانوا متضامنين، لا يسألون عما فعله أحدهم مجاوزاً حدود الوكالة أو متعسفاً في تنفيذها" .
"2- وإذا عين الوكلاء في عقد واحد دون أن يرخص في انفرادهم في العمل، كان عليهم أن يعملوا مجتمعين، إذا إذا كان العمل مما لا يحتاج فيه إلى تبادل الرأي كقبض الدين أو وفائه".
اجتماع الوكلاء أو انفرادهم بالعمل : رأينا أن الفقرة الثانية من المادة 707 مدني تميز بين فرضين : ( أ ) إذا عين كل الوكلاء في عقد واحد . ( ب ) إذا عينوا في عقود متفرقة .
( أ ) فإذا عين كل الوكلاء في عقد واحد، فقد اتخذ المشروع من ذلك قرينة قانونية على أن الموكل أراد ألا يعملو إلا مجتمعين . فإذا وكلو في بيع أو شراء أو إيجار أو استئجار أو صلح أو إدارة عمل، وجب ألا يباشروا التصرف الموكلين فيه إلا مجتمعين وبعد التداول فيما بينهم وموافقتهم جميعاً على التصرف . ذلك أن الموكل قد أراد بجمعهم في عقد واحد أن يلزمهم بالتشاور في أمر الوكالة، والتعاون في تنفيذها، وبأن يكون كل منهم رقيبا على الأخرين فإذا استقل أحدهم أو بعضهم بعقد الصفقة أو بإدارة العمل، فقد اختل ما قصد إليه الموكل، وضاع عليه رأي باقي الوكلاء الذين لم يشتركوا في تدبير أمر هو في حاجة إلى أن يساهموا فيه برأيهم، كما إذا اقتضى تنفيذ الوكالة إيجاد مشتر بشروط مناسبة أو مناقشة شروط صلح لحسم نزاع معين أو اتخاذ خير التدابير لإدارة متجر الموكل أو مزرعته . فإذا باشر التصرف أحد الوكلاء أو بعضهم دون الباقين، كان التصرف باطلاً لانعدام صفة من باشر التصرف، إذ لا صفة إلا للوكلاء مجتمعين ويستوى في ذلك أن يكون الغير عالما بتعدد الوكلاء أو غير عالم بذلك، فقد كان عليه أن يتحرى وبخاصة أن الوكلاء مذكورون جميعاً في عقد واحد، وذلك مع عدم الإخلال بتطبيق قواعد الوكالة الظاهرة على الوجه الذي سنبينه . ومع ذلك يجوز لأحد الوكلاء أن ينفرد بالعمل إذا وافق عليه الباقون فيما بعد، ويعتبر التصرف صادراً منهم جميعا من وقت موافقة الباقين.
ويستثنى مما تقدم أن يكون التصرف محل الوكالة مما لا يحتاج فيه إلى تبادل الرأي، فيجوز لأي من الوكلاء أن يباشره منفرداً، لانتفاء الحكمة من وجوب اجتماعهم . مثل ذلك أن يكون التصرف هو قبض دين معين، أو وفاؤه، أو الإبراء منه، أو قبول هبة معينة، أو رد الوديعة، أو إيجار منزل معين بالشروط المألوفة و بالأجرة التي يسمح بها القانون.
تضامن الوكلاء في المسئولية : والأصل أنه إذا تعدد الوكلاء، فإنهم لا يكونون متضامنين لا في التزامهم نحو الموكل باعتبارهم مدينين، ولا في التزامات الموكل نحوهم باعتبارهم دائنين . ذلك أن التزامات الوكلاء، والتزامات الموكل ناشئة كلها من العقد، ولا تضامن في الالتزامات العقدية إلا بنص من القانون .
ولم يرد أي نص في شأن التزامات الموكل نحو الوكلاء المتعددين، فهؤلاء إذن لا يكونون متضامنين كدائنين للموكل، بل ينقسم عليهم دين الموكل نحوهم .
أما في شأن التزامات الوكلاء المتعددين نحو الموكل، فقد نصت الفقرة الأولى من المادة 707 مدني كما رأينا على أنه "إذا تعدد الوكلاء، كانوا مسئولين بالتضامن، متى كانت الوكالة غير قابلة للانقسام، أو كان الضرر الذي أصاب الموكل نتيجة خطأ مشترك" . ويؤخذ من ذلك أن الوكلاء في غير الحالتين المذكورتين في النص لا يكونون متضامنين في المسئولية، رجوعاً إلى الأصل أما في هاتين الحالتين فيكونون متضامنين في جميع التزاماتهم نحو الموكل، لا فحسب في تنفيذ الوكالة بالعناية الواجبة، بل أيضاً في تقديم الحساب للموكل وفي رد ما للموكل في أيديهم على النحو الذي سنفصله فيما يلي :
والحالتان اللتان يكون فيهما الوكلاء متضامنين في التزاماتهم هما :
أولاً ـ إذا كانت الوكالة غير قابلة للانقسام . وتقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذه الحالة ما يأتي : "مثال ذلك أن يوكل شخص وكيلين في شراء منزل معين، فلا يتصور في هذه الحالة أن ينفرد كل وكيل بالعمل إذ أن صفقة البيع لا تتجزأ، ويجب على الوكيلين أن يعملا مجتمعين، ويكونان مسئولين بالتضامن قبل الموكل في الالتزامات المتقدمة الذكر ومن ثم يكون الوكيلان مسئولين بالتضامن عن تنفيذ الوكالة في حدودها، وعن تقديم حساب عنها للموكل، وعن رد ما للموكل في أيديهما إليه . فلو أن الوكالة لم تكن في شراء منزل بل في بيعه وفي قبض ثمنه، وهذه أيضاً وكالة غير قابلة للانقسام، فباع المنزل الوكيلان معاً وسلم المشتري الثمن لأحدهما، كان الوكيلان مسئولين معاً بالتضامن عن تسليم الثمن للموكل . وإذا كان الوكيل الذي تسلم الثمن قد قبل أن يؤجل جزءاً منه، وقد جاوز في ذلك حدود الوكالة لأن الموكل قد اشترط أن يكون الثمن كله معجلاً، فإن التأجيل لا ينفذ في حق الموكل لمجاوزته حدود الوكالة، ويلزم المشتري بتعجيل ما أجل من الثمن، ثم يرجع على الوكيل الذي قبل التأجيل بالتعويض دون أن يرجع على الوكيل الآخر ودون أن يكون هذا الوكيل الآخر متضامناً مع الوكيل الأول . ولو كان هذا الوكيل الأول لم يجاوز حدود الوكالة ولكن تعسف في تنفيذها، بأن كان الموكل لم يشترط تعجيل الثمن فأجل الوكيل الثمن ولكنه راعى في ذلك مصلحة المشتري دون مصلحة الموكل لمصلحة تربطه بالمشتري، فإن التأجيل يسري في حق الموكل لعدم مجاوزته حدود الوكالة، ولكن الموكل يرجع على الوكيل بالتعويض لتعسفه في تنفيذ الوكالة، ويرجع بالتعويض على هذا الوكيل وحده دون أن يكون الوكيل الآخر متضامناً معه . وفي هذا تقول العبارة الأخيرة من الفقرة الأولى من المادة 707 مدني فيما رأينا : "على أن الوكلاء، ولو كانوا متضامنين، لا يسألون عما فعله أحدهم مجاوزاً حدود الوكالة أو متعسفاً في تنفيذها" . وتقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد : "أما إذا انفرد أحدهم بمجاوزة حدود الوكالة أو بالتعسف في تنفيذها، كأن خالف شروط البيع التي اشترطها الموكل، أو التزمها ولكن تعمد إساءة العمل بها، ففي حالة المجاوزة لحدود الوكالة يكون مسئولاً وحده لا بالتضامن مع غيره من الوكلاء، قبل الغير الذي تعامل معه، إذا كان الموكل قد رفض إقرار عمل الوكيل ( انظر م 991 من المشروع ) . وفي حالة التعسف في تنفيذ الوكالة يكون مسئولاً أيضاً وحده، لا بالتضامن مع غير من الوكلاء، قبل الموكل عن التعويض"
ثانياً : إذا كانت الوكالة قابلة للانقسام ولكن الضرر الذي أصاب الموكل كان نتيجة خطأ مشترك مع الوكلاء جميعاً . وتقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذه الحالة ما يأتي : "أما إذا كانت الوكالة قابلة للانقسام كإدارة مزرعة، فإن كل وكيل يكون مسئولاً وحده بالتضامن مع غيره من الوكلاء عن تنفيذ التزاماته، سواء في ذلك عمل منفرداً بأن اختص في إدارة المزرعة بأعمال معينة، أو عمل مع الوكلاء مجتمعين . ومع ذلك لو ارتكب الوكلاء في هذه الحالة خطأ مشتركاً دبروه فيما بينهم وترتب عليه الإضرار بمصلحة الموكل، فإنهم يكونون مسئولين بالتضامن عن التعويض سواء اعتبرت المسئولية تقصيرية أو تعاقدية" فلو أن وكيلين، يديران مزرعة بالوكالة عن صاحبها، يعملان مجتمعين، فارتكبا معاً خطأ في تنفيذ الوكالة، كأن اشتريا سماداً أو بذراً غير صالح ولم يبذلا العناية الواجبة في انتقائه، فإنهما يكونان مسئولين بالتضامن قبل الموكل ويلاحظ هنا فيما يتعلق بما ورد في المذكرة الإيضاحية أمران : الأمر الأول أن المذكرة تقول : "سواء اعتبرت المسئولية تقصيرية أو تعاقدية"، ولا وجه لاعتبار المسئولية هنا تقصيرية، فهي ليست إلا مسئولية تعاقدية ترتبت على عقد الوكالة . والأمر الثاني أن المذكرة الإيضاحية تقول : "ومع ذلك لو ارتكب الوكلاء في هذه الحالة خطأ مشتركاً دبروه فيما بينهم"، ويفهم من ذلك أن الخطأ المشترك يجب أن يكون مدبراً فيما بين الوكلاء . وقد كان هذا صحيحاً في المشروع التمهيدي لنص المادة 707/1 مدني، فقد كان يقول : "أو كان الضرر الذي أصاب الموكل نتيجة خطأ مشترك دبر فيما بينهم"، ولكن عبارة "دبر فيما بينهم" حذفت في لجنة المراجعة وبعد هذا الحذف أصبح غير ضروري أن يكون الخطأ المشترك مدبراً فيما بين الوكلاء، ويكفي أن يكون هناك مجرد تقصير منهم دون أن تكون هناك حاجة لأن يتعمدوا الخطأ ويدبروه فيما بينهم .
"وفي غير هاتين الحالتين ـ كما تقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي لا يكون الوكلاء المتعددون متضامنين فيما بينهم إلا إذا اشترط التضامن . فلا يكون الوكلاء متضامنين بغير شرط إذا انفرد أحدهم بتنفيذ الوكالة، سواء كانت الوكالة غير قابلة للانقسام أو قابلة له، أو اشترك مع الباقي في تنفيذها ولكنه انفرد وحده بخطأ لم يشترك معه فيه سائر الوكلاء.(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفة الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ السابع المجلد / الأول، الصفحة/ 609)
فتوكيل عدة أشخاص بعقد واحد لا ينشئ لأي واحد منهم منفرداً سلطة العمل لحساب الموكل بل تكون هذه السلطة لهم مجتمعين، لأن المشرع وضع قرينة قانونية على أن الموكل أراد ألا يعملوا إلا مجتمعين ومن ثم فإنه يمتنع على الوكلاء في هذه الحالة أن يمارسوا العمل منفردين، فإذا باشر التصرف أحدهم أو بعضهم. دون الباقين كان تصرفهم باطلا لانعدام صفة من باشر التصرف.
ولا يشترط أن يقوم الوكلاء جميعاً بالتصرف، بل يكفي أن ينفرد أحدهم بالتصرف في عمل يقتضي اجتماعهم لصحة التصرف، ثم يوافق الوكلاء الآخرون على تصرف زميلهم، فإن هذا التصرف يصح ويسري قبل الموكل، ولكن من تاريخ هذه المصادقة فقط.
وإذا تخلف أحد الوكلاء عن المساهمة مع الآخرين في عمل يقتضي اجتماعهم، وترتب على ذلك عدم تنفيذ الوكالة انحصرت المسئولية في شخص الوكيل المتخلف عن العمل دون الآخرين، لأن عدم التنفيذ نجم في الواقع عن خطئه. مثال ذلك أن يوكل شخص وكيلين في شراء منزل معين، فيجب عليهما أن يعملا مجتمعين إذ أن صفقة البيع لا تتجزأ، فإذا امتنع أحدهما عن التوقيع على العقد، وأدى ذلك إلى ضياع الصفقة على الموكل انفرد وحده بالمسئولية فيكون كل من الوكلاء مسئولاً عن خطئه. ولا يجوز للموكل أن يرجع على كل منهم إلا حدود ما نسب إليه من خطأ. إلا إذا اشترط تضامنهم صراحة في عقد الوكالة، أو كان التضامن مقرر بنص القانون.
غير أنه يستثنى من قاعدة عدم انفراد الوكلاء المتعدين بالتصرف حالتان :
الأولى: أن يرخص الموكل لأحد الوكلاء بالانفراد في العمل. وهذا الترخيص يكون صريحا كما قد يكون ضمنياً.
الثانية: أن يكون العمل مما لا يحتاج فيه إلى تبادل الرأي. والمقصود بهذا العمل هو الذي لا يتم إلا على نحو واحد معين لا يحتمل تقديراً أو وزناً للرأي قد يختلف من شخص إلى آخر. ومن أمثلة ذلك التوكيل بقبض الدين أو وفائه أو التوكيل بقبول هبة أو بالإبراء من دين إلى غير ذلك من الصور التي لا تلعب فيها إرادة الوكيل دوراً يذكر في إتمام التصرف.
أما التوكيل بإدارة مزرعة أو التوكيل في البيع بثمن مناسب فهو توكيل بأعمال تحتاج إلى تبادل الرأي ويحتمل تنفيذها وجوها مختلفة لابد من اتفاق الوكلاء المتعددين على اختيار أحدها. ويلاحظ أن تقسيم الأعمال من حيث لزوم تبادل الرأي لا شأن له بتقسيمها إلى أعمال إدارة وتصرف وتبرع. فمن أعمال الإدارة ما يحتاج إلى تبادل الرأي ومن أعمال التصرف أو التبرع ما لا يلزم فيه تبادل الرأي.
أما إذا عين الوكلاء المتعددون بعقود متعددة. فإنه يجوز لأي منهم الانفراد بالعمل محل الوكالة. إلا إذا ثبت من الظروف أن الموكل قد قصد إلى وجوب اشتراك الوكلاء جميعاً في التصرف.
فالأمر يتعلق بتفسير إرادة الموكل.
تنص المادة 77 مرافعات الواردة في الباب الثالث - الفصل الأول الخاص بالحضور والتوكيل بالخصومة على أنه:
"إذا تعدد الوكلاء جاز لأحدهم الانفراد بالعمل في القضية ما لم يكن ممنوعاً من ذلك بنص في التوكيل".
فقد خرج المشرع في هذا النص عن القاعدة العامة التي نص عليها في المادة 707/ 2 مدنی. فأجاز لأحد المحامين الموكلين بعقد واحد الانفراد بالعمل محل الوكالة، ما لم يكن بالتوكيل نص يمنعه من ذلك.
الأصل هو عدم التضامن في المسئولية. غير أنه يستثنى من هذا الأصل أن ينص القانون أو الاتفاق على هذا التضامن.
ورغبة من المشرع في حماية الموكل وإعفائه من تحديد الوكيل المسئول قد أنشأ تضامنا قانونيا بين الوكلاء المتعددين بمقتضى الفقرة الأولى من المادة 707 مدني في حالتين.
الحالة الأولى :
إذا كانت الوكالة غير قابلة للانقسام. كما لو كان محل الوكالة شراء عقار معين أو بيعه أو رهنه. فإذا تم البيع بثمن أقل بكثير من القيمة الحقيقة لهذا العقار، أو كان المشتري معسراً، أو كان مبلغ القرض الذي رهن من أجله العقار لا يتعادل البتة مع قيمته الحقيقية، جاز للموكل أن يرجع بالتعويض على الوكلاء المتعددين بالتضامن، ولو لم يشترط ذلك في العقد.
وإذا كانت الوكالة في عمل تجاری جاز للموكل أن يرجع على الوكلاء المتعددين بالتضامن، لأن التضامن بين المدينين هو القاعدة في المسائل التجارية.
الحالة الثانية:
إذا كان الضرر الذي أصاب الموكل نتيجة خطأ مشترك. فإذا كانت الوكالة قابلة للانقسام کالوكالة بإدارة مزرعة مثلاً فلا تضامن بين الوكلاء المتعددين بل يظل كل وكيل مسئولاً عن تنفيذ التزاماته سواء عمل منفرداً بأن اختص بأعمال معينة أو عمل مع بقية الوكلاء غير أنه إذا عمل الوكلاء في الوكالة القابلة
للانقسام مجتمعين. فإنهم يكونون متضامنين في المسئولية عن الخطأ المشترك الذي يصدر منهم. ومعنى ذلك أنهم يكونون متضامنين في كل الأحوال ماداموا يعملون مجتمعين.
وهكذا يؤدي تطبيق القواعد السابقة إلى اعتبار الوكلاء متضامنين في المسئولية في كل الصور إلا إذا كانت الوكالة بعمل يقبل الانقسام وكان الوكلاء يعملون منفردين.
ولا يشترط أن يكون الخطأ المشترك من الوكلاء مدبراً فيما بينهم.
وعلى ذلك فإن الوكلاء ولو كانوا متضامنين لا يسألون عما فعله أحدهم في حالتين:
الحالة الأولى :
إذا جاوز أحد الوكلاء حدود الوكالة، كأن خالف شروط البيع التي اشترطها الموكل، بأن كانت الوكالة في بيع منزل مثلاً وقبض ثمنه، وكان الوكيل الذي قبض الثمن قبل أن يؤجل جزءاً منه. فإن هذا التأجيل لا ينفذ قبل الموكل ويلزم المشتري بتعجيل ما أجل من الثمن، ثم يرجع على الوكيل الذي قبل التأجيل... بالتعويض دون أن يرجع على باقي الوكلاء، ودون أن يكون الأخيرون متضامنين مع الوكيل الذي خالف شروط الوكالة، لأن خطأ هذا الوكيل شخصی محض لا يدخل في المخاطر العادية لتنفيذ الوكالة وهي التي يقتصر عليها التضامن.
الحالة الثانية :
إذا كان هذا الوكيل لم يجاوز حدود الوكالة، ولكنه تعسف في تنفيذها، بأن كان الموكل - في المثل السابق - لم يشترط تعجيل الثمن فأجل الوكيل الثمن ولكنه راعى في ذلك مصلحة المشتري دون مصلحة الوكيل لمصلحة تربطه بالمشتري، فإن التأجيل يسرى في حق الموكل لعدم مجاوزته حدود الوكالة، ويرجع بالتعويض على هذا الوكيل وحده دون أن يكون الوكيل الآخر متضامناً معه.(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ التاسع الصفحة/ 224)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السابع ، الصفحة / 21
انْفِرَادُ أَحَدِ الْوَكِيلَيْنِ بِالتَّصَرُّفِ:
9 - لِكُلٍّ مِنَ الْوَكِيلَيْنِ الاِنْفِرَادُ بِالتَّصَرُّفِ، إِنْ جَعَلَ الْمُوَكِّلُ الاِنْفِرَادَ بِالتَّصَرُّفِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَبِهَذَا قَالَ الْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ؛ لأِنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِيهِ، فَإِنْ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ الاِنْفِرَادَ، فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لأِنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ بِهِ.
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: يَجُوزُ لأِحَدِ الْوَكِيلَيْنِ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالتَّصَرُّفِ فِيمَا لاَ يَحْتَاجُ فِيهِ إِلَى اجْتِمَاعِ رَأْيِهِمَا كَتَوْكِيلِ الْمُوَكِّلِ لَهَا فِي الْخُصُومَةِ، فَلاَ يُشْتَرَطُ اجْتِمَاعُهُمَا؛ لأِنَّ اجْتِمَاعَهُمَا فِيهَا مُتَعَذَّرٌ لِلإْفْضَاءِ إِلَى الشَّغَبِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ، وَلاَ بُدَّ مِنْ صِيَانَتِهِ عَنِ الشَّغَبِ؛ لأِنَّ الْمَقْصُودَ فِيهِ إِظْهَارُ الْحَقِّ، وَلِهَذَا لَوْ خَاصَمَ أَحَدُهُمَا بِدُونِ الآْخَرِ جَازَ وَلَوْ لَمْ يَحْضُرِ الآْخَرُ عِنْدَ عَامَّةِ مَشَايِخِ الْحَنَفِيَّةِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُشْتَرَطُ حُضُورُهُ أَثْنَاءَ مُخَاصَمَةِ الأْوَّلِ، وَكَتَوْكِيلِهِ لَهُمَا بِطَلاَقِ زَوْجَتِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، أَوْ بِعِتْقِ عَبْدِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، أَوْ بِرَدِّ وَدِيعَةٍ عِنْدَهُ، أَوْ بِقَضَاءِ دَيْنٍ عَلَى الْمُوَكِّلِ؛ لأِنَّ هَذِهِ الأْشْيَاءَ أَدَاءُ الْوَكَالَةِ فِيهَا تَعْبِيرٌ مَحْضٌ لِكَلاَمِ الْمُوَكِّلِ، وَعِبَارَةُ الْمُثَنَّى وَالْوَاحِدِ سَوَاءٌ؛ لِعَدَمِ اخْتِلاَفِ الْمَعْنَى.
أَمَّا مَا يَحْتَاجُ إِلَى رَأْيٍ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالتَّزْوِيجِ فَلاَ بُدَّ مِنَ اجْتِمَاعِهِمَا.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يَجُوزُ لأِحَدِ الْوَكِيلَيْنِ عَلَى مَالٍ وَنَحْوِهِ الاِنْفِرَادُ بِمَا يَفْعَلُهُ عَنْ مُوَكِّلِهِ، دُونَ إِطْلاَعِ الْوَكِيلِ الآْخَرِ، إِلاَّ لِشَرْطٍ مِنَ الْمُوَكِّلِ أَلاَّ يَسْتَبِدَّ أَيُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، أَوْ أَلاَّ يَسْتَبِدَّ فُلاَنٌ، فَحِينَئِذٍ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا الاِسْتِبْدَادُ، وَسَوَاءٌ فِيمَا ذُكِرَ إِنْ كَانَتْ وَكَالَتُهُمَا عَلَى التَّعَاقُبِ، عَلِمَ أَحَدُهُمَا بِالآْخَرِ أَمْ لاَ، أَوْ وَكَّلاَ جَمِيعًا.
وَالْوَكِيلُ عَلَى مَالٍ كَأَنْ يَكُونَ وَكَّلَهُمَا عَلَى بَيْعٍ، أَوْ شِرَاءٍ، أَوْ قَضَاءِ دَيْنٍ، وَنَحْوُ الْمَالِ: كَطَلاَقٍ وَهِبَةٍ وَوَقْفٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَالتَّفْصِيلُ يَكُونُ فِي مُصْطَلَحِ: (وَكَالَةٌ).
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الخامس والأربعون ، الصفحة / 78
تَعَدُّدُ الْوُكَلاَءِ
124 ـ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُوَكِّلِ أَنْ يُوَكِّلَ أَكْثَرَ مِنْ وَكِيلٍ لِلْقِيَامِ بِتَصَرُّفٍ مُعَيَّنٍ عَدَا الْخُصُومَةِ.
أَمَّا فِي غَيْرِ الْخُصُومَةِ فَإِنَّهُ إِذَا وَكَّلَهُمْ بِكَلاَمٍ وَاحِدٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لأِحَدِ الْوُكَلاَءِ أَنْ يَتَصَرَّفَ بِمُفْرَدِهِ فِي مَحَلِّ الْوَكَالَةِ دُونَ اجْتِمَاعِ الآْخَرِينَ مَعَهُ مَا لَمْ يَجُزْ لأِحَدِهِمُ التَّصَرُّفُ بِمُفْرَدِهِ، فَإِنْ أَجَازَهُ فَيَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَتَصَرَّفَ بِمُفْرَدِهِ .
125 ـ وَكَذَلِكَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَوِ اشْتَرَطَ الْمُوَكِّلُ اجْتِمَاعَهُمْ عَلَى التَّصَرُّفِ فَإِنَّهُ لاَ يَجُوزُ لأِحَدِهِمُ الاِنْفِرَادُ بِالتَّصَرُّفِ .
وَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ التَّصَرُّفُ مَحَلَّ الْوَكَالَةِ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي يُحْتَاجُ فِيهَا إِلَى الرَّأْيِ وَالْمَشُورَةِ فَإِنَّهُ لاَ يَجُوزُ لأِحَدِ الْوَكِيلَيْنِ الاِنْفِرَادُ بِالتَّصَرُّفِ، لأِنَّ الْمُوَكِّلَ رَضِيَ بِرَأْيِهِمَا لاَ بِرَأْيِ أَحَدِهِمَا، إِذْ لاَ يَنَالُ بِرَأْيِ أَحَدِهِمَا مَا يَنَالُ بِرَأْيِهِمَا.
وَهَذَا هُوَ مُقْتَضَى إِطْلاَقِ عِبَارَاتِ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ .
وَعَلَى ذَلِكَ فَالْوَكِيلاَنِ بِالْبَيْعِ لاَ يَمْلِكُ أَحَدُهُمَا التَّصَرُّفَ بِدُونِ صَاحِبِهِ، وَإِذَا فَعَلَ لَمْ يَصِحَّ حَتَّى يُجِيزَ صَاحِبُهُ أَوِ الْمُوَكِّلُ، لأِنَّ الْبَيْعَ مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَى الرَّأْيِ وَالْمَشُورَةِ، وَالْمُوَكِّلُ إِنَّمَا رَضِيَ بِرَأْيِهِمَا لاَ بِرَأْيِ أَحَدِهِمَا، وَاجْتِمَاعُهُمَا عَلَى ذَلِكَ مُمْكِنٌ فَلَمْ يَمْتَثِلْ أَمْرَ الْمُوَكِّلِ فَلاَ يَنْفُذُ عَلَيْهِ.
وَكَذَلِكَ الْوَكِيلاَنِ بِالشِّرَاءِ سَوَاءٌ أَكَانَ الثَّمَنُ مُسَمًّى أَمْ لَمْ يَكُنْ، لأِنَّ الْبَدَلَ وَإِنْ كَانَ مُقَدَّرًا وَلَكِنَّ التَّقْدِيرَ لاَ يَمْنَعُ اسْتِعْمَالَ الرَّأْيِ فِي الزِّيَادَةِ وَاخْتِيَارِ الْمُشْتَرِي، وَسَوَاءٌ كَانَ الْوَكِيلُ الآْخَرُ غَائِبًا أَوْ حَاضِرًا.
غَيْرَ أَنَّهُ فِي الشِّرَاءِ إِذَا اشْتَرَى أَحَدُهُمَا بِدُونِ صَاحِبِهِ يَنْفُذُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلاَ يَقِفُ عَلَى الإْجَازَةِ، وَفِي الْبَيْعِ يَقِفُ عَلَى الإْجَازَةِ .
وَكَذَلِكَ الْوَكِيلاَنِ بِالنِّكَاحِ، وَالطَّلاَقِ عَلَى مَالٍ، وَالْخُلْعِ، وَكُلُّ عَقْدٍ فِيهِ بَدَلٌ هُوَ مَالٌ، لأِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُحْتَاجُ فِيهِ إِلَى الرَّأْيِ، وَالْمُوَكِّلُ لَمْ يَرْضَ بِرَأْيِ أَحَدِهِمَا بِانْفِرَادِهِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا خَرَجَ مَخْرَجَ التَّمْلِيكِ بِأَنْ قَالَ لِرَجُلَيْنِ: جَعَلَتُ أَمَرَ امْرَأَتِي بِيَدِكُمَا، أَوْ قَالَ لَهُمَا: طَلِّقَا امْرَأَتِي إِنْ شِئْتُمَا، لاَ يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالتَّطْلِيقِ، لأِنَّهُ جَعَلَ أَمْرَ الْيَدِ تَمْلِيكًا، وَالتَّمْلِيكُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَشْرُوطٌ بِالْمَشِيئَةِ كَأَنَّهُ قَالَ: طَلِّقَا امْرَأَتِي إِنْ شِئْتُمَا . وَكَذَا الْوَكِيلاَنِ بِقَبْضِ الدَّيْنِ لاَ يَمْلِكُ أَحَدُهُمَا أَنْ يَقْبِضَ دُونَ صَاحِبِهِ، لأِنَّ قَبْضَ الدَّيْنِ مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَى الرَّأْيِ وَالأْمَانَةِ، وَقَدْ فَوَّضَ الرَّأْيَ إِلَيْهِمَا جَمِيعًا لاَ إِلَى أَحَدِهِمَا وَرَضِيَ بِأَمَانَتِهِمَا جَمِيعًا لاَ بِأَمَانَةِ أَحَدِهِمَا، فَإِنْ قَبَضَ أَحَدُهُمَا لَمْ يُبَرِّئْهُ الْغَرِيمُ حَتَّى يَصِلَ مَا قَبَضَهُ إِلَى صَاحِبِهِ فَيَقَعَ فِي أَيْدِيهِمَا جَمِيعًا أَوَ يَصِلَ إِلَى الْمُوَكِّلِ، لأِنَّهُ لَمَّا وَصَلَ الْمَقْبُوضُ إِلَى صَاحِبِهِ أَوْ إِلَى الْمُوَكِّلِ فَقَدْ حَصَلَ الْمَقْصُودُ بِالْقَبْضِ فَصَارَ كَأَنَّهُمَا قَبَضَاهُ جَمِيعًا ابْتِدَاءً .
وَكَذَلِكَ الْوَكِيلاَنِ بِحِفْظِ الْوَدِيعَةِ لاَ يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا. لأِنَّ حِفْظَ الاِثْنَيْنِ أَنْفَعُ فَلَوْ قَبَضَ أَحَدُهُمَا بِدُونِ إِذْنِ الآْخَرِ ضَمِنَ .
وَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ التَّصَرُّفُ مَحَلَّ الْوَكَالَةِ مِمَّا لاَ يُحْتَاجُ فِيهِ إِلَى رَأْيٍ وَمَشُورَةٍ كَتَسْلِيمِ الْهِبَةِ وَرَدِّ الْوَدِيعَةِ وَقَضَاءِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِكُلٍّ مِنَ الْوُكَلاَءِ الاِنْفِرَادُ بِالتَّصَرُّفِ، لأِنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ مِمَّا لاَ تَحْتَاجُ إِلَى رَأْيٍ فَكَانَ إِضَافَةُ التَّوْكِيلِ إِلَى الْوُكَلاَءِ تَفْوِيضًا لِلتَّصَرُّفِ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِمُفْرَدِهِ .
أَمَّا جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) فَإِنَّ إِطْلاَقَ عِبَارَاتِهِمْ يَقْتَضِي أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لأِحَدِ الْوُكَلاَءِ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالتَّصَرُّفِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ .
126 ـ أَمَّا إِذَا وَكَّلَ الْمُوَكِّلُ الْوَكِيلَيْنِ بِكَلاَمَيْنِ مُرَتَّبَيْنِ كَمَا إِذَا وَكَّلَ أَحَدَهُمَا بِتَصَرُّفٍ مُعَيَّنٍ ثُمَّ وَكَّلَ آخَرَ بِالتَّصَرُّفِ نَفْسِهِ أَيْضًا فَأَيُّهُمَا تَصَرَّفَ جَازَ، لأِنَّهُ رَضِيَ بِرَأْيِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الاِنْفِرَادِ حَيْثُ وَكَّلَهُمَا مُتَعَاقِبًا.
وَهَذَا مَا نَصَّ عَلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ.
وَأَطْلَقَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ الْقَوْلَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا فِي الْحُكْمِ بَيْنَ مَا إِذَا وَكَّلَ الْمُوَكِّلُ الْوَكِيلَيْنِ بِكَلاَمٍ أَوْ كَلاَمَيْنِ حَيْثُ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لأِحَدِهِمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِالتَّصَرُّفِ إِلاَّ أَنْ يَجْعَلَ لَهُمَا ذَلِكَ .
127 ـ أَمَّا الْوَكِيلاَنِ بِالْخُصُومَةِ فَلِكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِالتَّصَرُّفِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ - عَدَا زُفَرَ - وَالْحَنَابِلَةِ فِي قَوْلٍ - قَالَ عَنْهُ الْمِرْدَاوِيُّ: هُوَ الصَّوَابُ - وَالشَّافِعِيَّةِ فِي مُقَابِلِ الأْصَحِّ وَهُوَ قَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ إِذَا رَضِيَ بِهِمَا الْخَصْمُ وَتَرَتَّبَا . لأِنَّ الْغَرَضَ مِنَ الْخُصُومَةِ إِعْلاَمُ الْقَاضِي بِمَا يَمْلِكُهُ الْمُخَاصِمُ وَاسْتِمَاعُهُ، وَاجْتِمَاعُ الْوَكِيلَيْنِ عَلَى ذَلِكَ يُخِلُّ بِالإْعْلاَمِ وَالاِسْتِمَاعِ، لأِنَّ ازْدِحَامَ الْكَلاَمِ يُخِلُّ بِالْفَهْمِ فَكَانَ إِضَافَةُ التَّوْكِيلِ إِلَيْهِمَا تَفْوِيضًا لِلْخُصُومَةِ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَأَيُّهُمَا خَاصَمَ كَانَ تَمْثِيلاً، إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يَمْلِكُ أَحَدُهُمَا الْقَبْضَ دُونَ صَاحِبِهِ، لأِنَّ اجْتِمَاعَهُمَا عَلَى الْقَبْضِ مُمْكِنٌ فَلاَ يَكُونُ رَاضِيًا بِقَبْضِ أَحَدِهِمَا بِانْفِرَادِهِ، وَالرَّأْيُ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ سَابِقًا لِتَقْوِيمِ الْخُصُومَةِ .
وَذَهَبَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الأْصَحِّ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ انْفِرَادُ أَحَدِهِمَا بِالْخُصُومَةِ، وَعَلَّلَ زُفَرُ هَذَا الْحُكْمَ بِأَنَّ الْخُصُومَةَ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي تَحْتَاجُ إِلَى الرَّأْيِ وَالْمَشُورَةِ، وَالْمُوَكِّلُ لَمْ يَرْضَ بِرَأْيِ أَحَدِهِمَا فَلاَ يَمْلِكُهَا أَحَدُهُمَا دُونَ الآْخَرِ.
وَهَذَا رَأْيُ الْمَالِكِيَّةِ إِذَا رَضِيَ الْخَصْمُ بِهِمَا وَلَمْ يَتَرَتَّبَا فَقَدْ قَالُوا: جَازَ تَوْكِيلُ وَاحِدٍ لاَ أَكْثَرَ إِلاَّ بِرِضَا الْخَصْمِ .
_____________________________________________________________________
كتاب مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان فى المعاملات الشرعية على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان لمؤلفه المغفورله (محمد قدرى باشا) (الطبعة الثانية)بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصرالمحمية سنة1308هجرية 1891 افرنجيه
(مادة 809)
إذا وكل وكيلين بعقد واحد فليس لأحدهما أن ينفرد بالتصرف فيما وكل به إلا إذا كان لا يحتاج فيه إلى الرأي كإيفاء الدين ونحوه أو كان لا يمكن اجتماعهما عليه كالخصومة فإنه يجوز لكل منهما الانفراد وحده بشرط رأي الآخر في الخصومة لأحضرته فإن وكلهما بعقدين جاز لكل منهما الانفراد بالتصرف مطلقاً.
مجلة الأحكام العدلية
مادة (58) التصرف على الرعية
التصرف على الرعية منوط بالمصلحة.
مادة (1465) توكيل أكثر من شخص
إذا وكل أحد شخصين على أمر فليس لأحدهما وحده التصرف في الخصوص الذي وكلا به ولكن أن كانا قد وكلا لخصومة أو لرد وديعة أو إيفاء دين فلأحدهما أن يوفي الوكالة وحده وإما إذا وكل أحد آخر لأمر ثم وكل غيره رأساً على ذلك الأمر فأيهما أوفى الوكالة جاز.