مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الخامس، الصفحة : 225
مذكرة المشروع التمهيدي :
1 - في علاقة كل من الموكل والوكيل بالغير تتفق أحكام الوكالة مع أحكام النيابة بوجه عام، فالوکیل نائب عن الموكل في تعاقده مع الغير، وينشأ العقد الذي يبرمه الوكيل لحساب الموكل وتترتب آثاره على الوجه المبين في المواد 157 - 160 من المشروع. فيكون شخص النائب لا شخص الأصيل هو محل اعتبار عند النظر فيه صحة التعبير عن الإرادة ومدى ما يتأثر به هذا التعبير من وجود عيب في الإرادة أو من العلم ببعض الظروف الخاصة أو وجوب العلم بها (م 157 من المشروع ) - كذلك ينصرف أثر العقد الذي أبرمه الوكيل باسم الموكل، سواء في ذلك ما يولده من حقوق وما يترتب عليه من إلتزامات، إلى الموكل مباشرة. ومن أجل ذلك أعطى للغير الذي يتعاقد مع الوكيل الحي في مطالبته بأن يثبت وكالته ومدى هذه الوكالة فإن كانت الوكالة ثابتة في ورقة مكتوبة، وللغير أن يحصل على صورة مطابقة للأصل تحمل توقيع الوكيل، فيستطيع الغير بذلك أن يرجع على الموكل مباشرة بمقتضى هذا التوكيل (م 158 من المشروع ) . أما إذا كان الوكيل قد تعاقد باسمه الشخصى ( أي كان إسم مستعاراً ) فلا ينصرف أثر العقد إلى الأصيل، دائناً أو مديناً، إلا إذا كان يستفاد من الظروف أن الغير يعلم بوجود الوكالة، أو كان يستوي عنده أن يتعامل مع الموكل أو الوکیل (م 159 من المشروع ).
2- بقيت حالة ما إذا تعاقد شخص باسم غيره دون توكيل، أو مجاوزاً حدود التوكيل ( في غير ما نصت عليه المادة 978 فقرة 2 )، أو بعد أن انقضت الوكالة . فإذا تعاقد (أ) مع (ب) باسم ( ج )، دون توكيل أو مجاوزاً حدود التوكيل، فإن (أ) لا يعتبر وكيلاً عن ( ج )، سواء علم ( ب ) بانعدام الوكالة أو لم يعلم، إذ كان يستطيع أن يعلم لو أنه طلب من (أ) إثبات وكالته كما تقضي بذلك المادة 158 لذلك لا ينفذ العقد في حق ( ج ) إلا إذا أقره، ويستطيع ( ب ) أن يلجأ إلى طريقة عملية رسمها المشروع لإجبار ( ج ) على أن يتخذ موقفه من هذا العقد، وذلك بأن يحدد له ميعادا مناسبا ليقر العقد، فإذا أقره ارتبط به . على أن (ب) يستطيع أن يتحلل من العقد قبل أن يصدر إقرار من (ج)، ما لم يكن وقت أن تعاقد مع (أ) عالما أن الوكالة غير موجودة . ويحذف من نص المادة 990 فقرة 2 العبارة الأخيرة، أو كان ينبغي أن يكون عالما بذلك، لأن ( ب ) كان يستطيع دائماً العلم بانعدام الوكالة لو أنه طالب الوكيل بإثبات وكالته . أما إذا رفض ( ج ) الإقرار، ولم يصدر منه الإقرار في الميعاد المحدد، فالعقد لا يسري في حقه، ولا يبقى أمامه (ب) إلا أن يرجع بالتعويض على (أ) الذي اتخذ صفة الوكيل دون أن يكون وكيلاً . لكن إذا أثبت (أ) أن (ب) كان يعلم أن الوكالة غير موجودة ( ويحذف من نص المادة 991 العبارة الأخيرة أو كان ينبغي أن يكون عالما بذلك، للسبب المتقدم ) تخلص من التعويض .
وتتغير المسألة لو أن (أ) تعاقد مع ( ب ) باسم ( ج )، وكان معه توکیل عنه لم يجاوز حدوده، ولكن التعاقد كان بعد القضاء التوكيل ولم يكن (ب) يعلم بانقضائه ذلك لأن (ب) في هذه الحالة لم يكن يستطيع العلم بانعدام الوكالة كما كان يستطيعه في الحالة الأولى، فهو معذور إذا تعاقد مع (أ) باعتباره وکیلاً، ويرتبط (ج) بهذا العقد كما لو كانت الوكالة لم تنقض، ويرجع (ج) على (أ) بالتعويض إذا كان هذا يعلم بانقضاء الوكالة ( انظر م 160 و 995 من المشروع).
1- أن الوكالة بالتسخير عقد يقتضى أن يعمل الوكيل المسخر باسمه الشخصى بحيث يظل اسم الموكل مستتراً ويترتب عليها إعمالاً لقواعد الصورية التى تستلزم إعمال العقد الحقيقى فى العلاقة بين الوكيل والوكيل المسخر أنها تنتج قبل الموكل جميع الآثار القانونية التى ترتبها الوكالة السافرة فينصرف أثر العقد الذى يبرمه الوكيل المسخر إلى كل من الموكل ومن تعاقد معه هذا الوكيل طالما كان يعلم بوجود الوكالة أو كان يستوى عنده أن يتعامل الأصيل أو الوكيل عملاً بالمادتين 106 ، 713 من قانون المدنى .
(الطعن رقم 5291 لسنة 74 جلسة 2014/07/01)
2- يتعين على محكمة الموضوع متى تمسك أحد الخصوم بتعاقده مع صاحب الوضع الظاهر أن تورد فى أسباب حكمها بياناً بخطأ صاحب الحق سلباً أو إيجاباً فى ظهور المتصرف على الحق بمظهر صاحبه وبالشواهد التى أحاطت بهذا المركز التى من شأنها أن تولد الاعتقاد الشائع بمطابقة هذا المظهر للحقيقة ، وأخيراً توفر حسن النية فى المتصرف إليه . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد ركن فى توفر وصف مورث المطعون ضدهم ثانياً بأنه مدير ظاهر للشركة التى يمثلها الطاعن على مجرد القول بأنه كان وكيلاً عن هذه الشركة قبل تخارجه منها فى صرف شيكات بموجب توكيل داخلى صادر منها لدى البنك المطعون ضده الأخير ، وهو ما لا يتوفر به عنصر الاعتقاد الشائع لدى المتعاملين مع الشركة ومعه مورداً خطأ نسبته إلى الطاعن بصفته مخالفاً للواقع فى الدعوى هو عدم اتخاذه إجراءات شهر تعديل عقد الشركة المتضمن تخارج مورث المطعون ضدهم ثانياً فيها رغم تحققه على نحو أصبح حجة على الكافة فإنه يكون معيباً .
(الطعن رقم 549 لسنة 71 جلسة 2009/06/09 س 60 ص 696 ق 116)
3- مؤدى نص المادة 699 من القانون المدنى أن ما يجريه الوكيل من تصرفات وكل فيها إنما هى لحساب الأصيل فإذا باشر إجراءاً معيناً سواء كان من أعمال التصرف أو الادارة فلا يجوز مقاضاته عن هذا الإجراء وإنما توجه الخصومة للأصيل ، لما كان ذلك وكان الثابت بالأوراق أن جوهر النزاع بين الطاعن والمطعون ضده الاول يدور حول حصول البيع الموكل فيه الأول من عدمه، وكان إجراء هذا التصرف إنما يكون لحساب الأصيل، مما يقتضى توجيه الدعوى فى النزاع الناشىء عنه إلى الاخير واذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى برفض الدفع المبدى من الطاعن بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذى صفه وبإثبات التعاقد موضوع النزاع على سند أنه مفوض فى إبرامه والتوقيع عليه بمقتضى عقد الوكالة فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون .
(الطعن رقم 119 لسنة 64 جلسة 1995/04/19 س 46 ع 1 ص 666 ق 133)
4- أن الوكالة لا تنتهي بمجرد تحقق سبب إنتهائها، بل يجب أن يعلم الوكيل بسبب الإنتهاء، وقد يعمل الوكيل بعد انتهاء الوكالة إذا استمر يعمل وكيلاً بأسم الموكل بعد أن انتهت مهمته التي وُكل فيها، أو بعد أن عزله الموكل أو بعد أن انتهت الوكالة بأي سبب آخر من أسباب إنتهائها وهذه الحالة هي أكثر حالات الوكالة الظاهرة وقوعاً، وبخاصة إذا عمل الوكيل بعد انتهاء مهمته أو بعد عزله، فإنه من السهل فى هذه الفروض أن يتوهم الغير الذي يتعامل مع الوكيل أن الوكالة لا تزال باقية، فقد يبقى سند التوكيل بيد الوكيل بعد انتهاء مهمته فيطمئن الغير إليه، سيما إذا كان النائب ومن تعاقد معه - يجهلان إنقضاء الوكالة ومن ثم اختص المشرع فى هذه الحالة بنص خاص هو المادة 107 من القانون المدني وتنص هذه المادة على أنه إذا كان النائب ومن تعاقد معه يجهلان معاً وقت العقد إنقضاء النيابة فإن أثر العقد الذي يبرمه حقاً كان أو إلتزاماً، يضاف إلى الأصل أو خلفائه ومفاد ذلك وعلى ما جرى عليه قضاء محكمة النقض أن القانون لايحمي الغير الذي تعامل مع النائب بعد انقضاء النيابة إلا إذا كان النائب والغير كلاهما معاً يجهلان انقضاء النيابة وقت التعاقد.
(الطعن رقم 3989 لسنة 60 جلسة 1995/04/13 س 46 ع 1 ص 631 ق 126)
5- الثابت بالأوراق أن الطاعن أصدر للمطعون ضدها الثالثة توكيلا خاصا نص فيه على توكيلها فى " التوقيع على عقد البيع النهائى أمام الشهر العقارى فيما يخصنى عن العقار " وهو ما لا يتسع لتوكيلها بإبرام عقد بيع جديد ، بينما أقام الحكم المطعون فيه قضاءه على أن التوكيل شأنه شأن باقى التوكيلات الصادرة للمطعون ضدها الثالثة من باقى البائعين يخولها بيع العقار دون تحديد شخص المشترى وهو ما يخالف عبارات التوكيل الصادر من الطاعن للمطعون ضدها الثالثة ، وإذ رتب الحكم على ذلك قضاءه بانصراف أثر البيع الذى أبرمته المطعون ضدها الثالثة إلى الطاعن فإنه يكون قد خالف الثابت بالأوراق وأخطأ فى تطبيق القانون.
(الطعن رقم 5251 لسنة 62 جلسة 1994/02/08 س 45 ع 1 ص 321 ق 67)
6- النص فى المادة 713 من القانون المدني ....... وفى المادة 106من هذا القانون ....... يدل على أنه يجوز للوكيل أن يبرم العقد الذى تخوله الوكالة إصداره لا بصفته وكيلاً ، ولكن بصفته أصيلاً ، ذلك أن وكالته فى هذه الحالة تكون مستترة ، ويعتبر وكأنه قد أعار اسمه للأصيل الذى وكله فى إبرام العقد ، وحكم هذه الوكالة المستترة أنها ترتب قبل الأصيل جميع الآثار القانونية التى ترتبها الوكالة السافرة فينصرف أثر العقد المبرم إلى الأصيل وإلى من يتعاقد مع الوكيل المستتر .
(الطعن رقم 2466 لسنة 55 جلسة 1993/05/03 س 44 ع 2 ص 331 ق 193)
7- عقد الوكالة بالتسخير يقتضى أن يعمل الوكيل بإسمه الشخصى بحيث يظل إسم الموكل مستتراً ويترتب على قيامها فى علاقة الوكيل المسخر بالغير أن تضاف جميع الحقوق التى تنشأ من التعاقد مع هذا الغير إلى الوكيل المسخر فيكون هو الدائن بها قبله كما تضاف إليه جميع الإلتزامات فيكون هو المدين بها إليه.
(الطعن رقم 2150 لسنة 51 جلسة 1991/05/22 س 42 ع 1 ص 1171 ق 182)
8- التصرفات الصادرة من صاحب المركز الظاهر المخالف للحقيقة إلى الغير حسن النية يترتب عليها ما يترتب على التصرفات الصادرة من صاحب المركز الحقيقى متى كان صاحب الحق قد أسهم بخطئه سلباً أو إيجاباً فى ظهور المتصرف على الحق بمظهر صاحبه مما يدفع الغير حسن النية إلى التعاقد معه للشواهد المحيطة بهذا المركز والتى من شأنها أن تولد الإعتقاد الشائع بمطابقة هذا المظهر للحقيقة مما مقتضاه نفاذ التصرف المبرم بعوض بين صاحب الوضع الظاهر والغير حسن النية فى مواجهة صاحب الحق .
(الطعن رقم 727 لسنة 51 جلسة 1988/05/02 س 39 ع 2 ص 881 ق 143)
9- الأصل أن العقود لا تنفذ إلا فى حق عاقديها ، وأن صاحب الحق لا يلتزم بما صدر من غيره من تصرفات بشأنها . إلا أنه بإستقراء نصوص القانون المدنى يبين أن المشرع قد إعتد فى عدة تطبيقات هامة بالوضع الظاهر لإعتبارات توجبها العدالة وحماية حركة التعامل فى المجتمع و تنضبط جميعاً مع وحدة علتها وإتساق الحكم المشترك فيها ، بما يحول ووصفها بالإستثناء . وتصبح قاعدة واجبة الإعمال متى توافرت موجبات إعمالها وإستوفت شرائط تطبيقها ، ومؤداها أنه إذا كان صاحب الحق قد أسهم بخطئه سلباً أو إيجاباً فى ظهور المتصرف على الحق بمظهر صاحبه مما يدفع الغير حسن النية إلى التعاقد معه للشواهد المحيطة بهذا المركز والتى من شأنها أن تولد الإعتقاد الشائع بسوابقه هذا المظهر للحقيقة ، مقتضاه نفاذ التصرف المبرم بعرض بين صاحب الوضع الظاهر والغير حسن النية فى مواجهة صاحب الحق .
(الطعن رقم 826 لسنة 54 جلسة 1986/02/16 س 33 ع 1 ص 639 ق 2 ( هيئة عامة ) )
10- مقتضى أحكام النيابة أن العمل الذى يجريه النائب يعتبر أنه صدر من الأصيل ، و لذلك ينصرف العمل القانونى الذى يجريه النائب فى حدود نيابته إلى الأصيل مباشرة ، ويظل النائب بعيداً عن هذا الأثر ، فإذا أجرى النائب عملاً بإسم الأصيل فينظر إلى هذا العمل من ناحية تكييفه بأنه معاوضة أوتبرع ، إلى الأصيل لا إلى النائب ، فإذا كان الأصيل لم يأخذ مقابلاً فالعمل تبرعى ، ولو كان النائب قد تلقى عوضاً لنفسه .
(الطعن رقم 139 لسنة 45 جلسة 1981/12/07 س 32 ع 2 ص2229 ق 405)
11- إذ كان الثابت من الحكم المطعون فيه أنه قضى بتأييد الحكم الإبتدائى القاضى بتثبيت ملكية المطعون ضده الأول للعقار محل النزاع محمولاً فى أسبابه على مجرد القول بثبوت الوكالة المستترة للزوجة الطاعنة فيما أبرمته من عقد شراء الأرض وما إتخذته من إجراءات البناء عليها وأن فى ذلك ما يكفى لإعتبار الأصيل فى علاقته بالوكيل هو المالك بغير حاجة إلى إجراء إذ لا يحتاج لكى يحتج على وكيله المسخر بملكية ما إشتراه إلى تصرف جديد من الوكيل ينقل به الملكية ، وكان هذان الذى أقام عليه الحكم قضاءه فى هذا الخصوص ينطبق على واقعة الدعوى إذ هو يصدق على حالة ما إذا تم تسجيله البيع الصادر للوكيل المغير إسمه فتكون الملكية قد خرجت من ذمة البائع وهى و إن إنتقلت إلى الوكيل فى الظاهر إلا أن إنتقالها فى الحقيقة يعتبر لحساب الأصيل فيصبح فى علاقته بالوكيل هو المالك بغير حاجة إلى صدور تصرف جديد من هذا الأخير ينقل به الملكية إليه ، و إذ كان الثابت من مدونات الحكم أن عقد البيع الذى تعلق بعقار لم يسجل بعد فلا تكون ملكية المبيع قد إنتقلت إلى الزوجة الطاعنة التى أبرمته بطريق الوكالة المستترة بل هى لا تزال باقية على ذمة الشركة المطعون ضدها الثانية بائعة العقار ويكون ما إنصرف إلى الأصيل المطعون ضده الأول هى الحقوق الشخصية وليدة عقد البيع الذى لم يسجل ، وهذا العقد غير المسجل لايترتب عليه أيضاً تملك المطعون ضده الأول لما أقامه على الأرض المبيعة من مبان ذلك أن حق القرار وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة حق عينى من قبيل الملكية فلا ينشأ ولا ينتقل وفقاً لنص المادة التاسعة من قانون الشهر العقارى إلا بالتسجيل ، أما قبل تسجيل سند المشترى البانى فإن ملكية المنشآت تكون للبائع بحكم الإلتصاق نظير تعويض المشترى عنها تطبيقاً للقاعدة المنصوص عليها فى المادة 925 من القانون المدنى، لما كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بثبوت ملكية المطعون ضده الأول رغم عدم توافر السبب القانونى المؤدى إلى التملك يكون قد خالف القانون وأخطأ فى تطبيقه .
(الطعن رقم 648 لسنة 49 جلسة 1980/04/24 س 31 ع 1 ص 1201 ق 231)
12- النص فى المادة 106 من القانون المدنى على أنه " إذا لم يعلن المتعاقد وقت إبرام العقد أنه يتعاقد بصفته نائباً ، فإن أثر العقد لا يضاف إلى الأصيل دائناً أو مديناً إلا إذا كان من المفروض حتماً أن من تعاقد معه النائب يعلم بوجود النيابة ، أو كان يستوى عنده أن يتعامل مع الأصيل أو النائب " ينصرف إلى حالة الوكيل المسخر وهو من يتعاقد لحساب الموكل و لكنه لا يعلن وقت إبرام العقد أنه يتعاقد بصفته نائباً ، ولذلك فإن أثر العقد لا يضاف إلى الموكل دائناً أو مديناً ويستثنى من ذلك حالتان ، وهما ما إذا كان الغير أو من المفروض حتماً أن يعلم بأن الوكيل إنما يتعاقد لحساب الموكل ، وحالة ما إذا كان يستوى عند الغير أن يتعامل مع الوكيل أو مع الموكل و فى هاتين الحالتين إذا كشف الموكل عن صفته كان له الرجوع مباشرة على الغير كما يكون للغير أن يرجع عليه .
(الطعن رقم 1271 لسنة 48 جلسة 1980/03/05 س 31ع 1 ص 737 ق 145)
13- إذ كان الحكم المطعون فيه قد إنتهى إلى أن الثابت بالشكوى الإدارى المقدمة صورتها من الطاعن أنه يدعى أنه إستأجر من المطعون عليه الثانى الشقة محل النزاع ولم يثبت بالعقد أنه صدر من المطعون عليه المذكور بصفته وكيلاً عن مالكتى العقار ولا يكفى لقيام وكالته أنه إبن لإحدامها ، وإستند لهذا فى القضاء بطرد الطاعن . وكان هذا الذى أورده الحكم من نفى وكالة المطعون عليه الثانى لأنها لم تذكر فى عقد الإيجار ولأن مجرد بنوته لإحدى المالكين لاتتوافر بها الوكالة لحمل قضائه فى هذا الشأن لأن الوكيل يجوز أن يكون مسخراً فلا يكشف عن صفته فى العقود التى يبرمها ومع ذلك تنفيذ هذه العقود و يضاف أثرها للموكل فى الحالتين - وهما ما إذا كان الغير يعلم أو من المفروض حتماً أن يعلم بأن الوكيل إنما يتعاقد لحساب الموكل ، وحالة ما إذا كان يستوى عند الغير أن يتعامل مع الوكيل أو مع الموكل - المنصوص عليهما فى المادة 106 من القانون المدنى ، وقد ترتب على خطأ الحكم هذا أنه حجب نفسه عن بحث توافر شروط الفقرة الأخيرة من المادة 106 سالفة الذكر ، بما يعيبه بالخطأ فى تطبيق القانون و القصور فى التسبيب .
(الطعن رقم 1271 لسنة 48 جلسة 1980/03/05 س 31 ع 1 ص 737 ق 145)
14- الغير المتعامل مع الوكيل يعتبر أجنبياً عن تلك العلاقة بين الوكيل والموكل مما يوجب عليه فى الأصل أن يتحقق من صفة من يتعامل معه بالنيابة عن الأصيل ومن إنصراف أثر التعامل تبعاً لذلك إلى هذا الأخير إلا أنه قد يغنيه عن ذلك أن يقع من الأصيل ما ينبىء فى ظاهر الأمر عن إنصراف إرادته إلى إنابته لسواه فى التعامل بإسمه كأن يقوم مظهر خارجى منسوب إليه يكون من شأنه أن يوهم الغير ويجعله معذوراً فى إعتقاده بأن ثمة وكالة قائمة بينهما ، إذ يكون من حق الغير حسن النية فى هذه الحالة وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة أن يتمسك بإنصراف أثر التعامل الذى أبرمه مع من إعتقد بحق أنه وكيل إلى الأصيل لا على أساس وكالة حقيقية قائمة بينهما وهى غير موجودة فى الواقع بل على أساس الوكالة الظاهرة ذلك لأن ما ينسب إلى الأصيل فى هذا الصدد يشكل فى جانبه صورة من صور الخطأ الذى من شأنه أن يخدع الغير حسن النية فى نيابة المتعامل معه عن ذلك الأصيل ويحمله على التعاقد معه بهذه الصفة وهو ما يستوجب من ثم إلزام الأصيل بالتعويض عن هذا الخطأ من جانبه ولما كان الأصل فى التعويض أن يكون عينياً كلما كان ممكناً فإن سبيله فى هذه الحالة يكون بجعل التصرف الذى أجراه الغير حسن النية نافذاً فى حق الأصيل وإذ كان ذلك وكان مؤداه إنه يترتب على قيام الوكالة الظاهرة وما يترتب على قيام الوكالة الحقيقية من آثار فيما بين الموكل والغير بحيث ينصرف إلى الموكل أثر التصرف الذى عقده وكيله الظاهر مع الغير .
(الطعن رقم 878 لسنة 46 جلسة 1979/12/29 س 30 ع 3 ص 412 ق 416)
15- إذ يبين من مطالعة أوراق الطعن - أن محكمة الموضوع قد إستخلصت من الوقائع الثابتة بالأوراق ومن القرائن المقدمة إليها وظروف الأحوال أن عقد الإيجار المحرر للمطعون عليه عن شقة النزاع صادر له من محام كان هو الوكيل عن الطاعن فى التأجير وأنه هو الذى قام فعلاً بتأجير جميع شقق العقار الواقع به شقة النزاع إلى مستأجريها وتحصيل أجرتها - ورتبت المحكمة على ذلك أن المحامى المذكور هو وكيل ظاهر عن الطاعن فى تأجير شقة النزاع الي المطعون عليه ومن ثم ينصرف اثر العقد الي الطاعن- و كان قيام الوكالة الظاهرة فى هذا الخصوص مما يجوز إثباته بالقرائن . ولما كان ما إستخلصته محكمة الموضوع من ذلك وعلى نحو ما سلف بيانه - قيام مظهر خارجى منسوب للطاعن كان من شأنه أن أوهم المطعون عليه و جعله معذوراً فى إعتقاده بأن هناك وكالة قائمة بين المؤجر له و بين الطاعن ، وكان هذا الإستخلاص منها و فى حدود سلطتها الموضوعية - سائغاً ومؤدياً لما إنتهت إليه وكافياً لحمل قضائها . فإنها لا تكون قد أخطأت فى تطبيق القانون ، ويكون النعى على الحكم المطعون فيه على غير أساس .
(الطعن رقم 878 لسنة 46 جلسة 1979/12/29 س 30 ع 3 ص 412 ق 416)
16- الأصل هو قيام المتعاقد نفسه بالتعبير عن إرادته فى إبرام التصرف إلا أنه يجوز أن يتم بطريق النيابة بأن يقوم شخص نيابة عن الأصيل بإبرام التصرف بإسم هذا الأخير ولحسابه بحيث تنصرف آثاره إليه وفى غير الأحوال التى نص قيها القانون على قيام هذه النيابة فإنها تقوم أساساً بإتفاق إرادة طرفيها على أن يحل أحدهما وهو النائب محل الآخر وهو الأصيل فى إجراء العمل القانونى الذى يتم لحسابه وتقتضى تلك النيابة الإتفاقية ممثلة فى عقد الوكالة تلاقى إرادة طرفيها الأصيل والنائب على عناصر الوكالة وحدودها ، وهو ما يجوز التعبير عنه صراحة أو ضمناً بما من شأنه أن يصبح الوكيل فيما يجريه من عمل مع الغير نائباً عن الموكل و تنصرف آثاره إليه . وتخضع العلاقة - بين الموكل والوكيل فى هذا الصدد من حيث مداها وآثارها لأحكام الإتفاق المبرم بينهما وهو عقد الوكالة .
(الطعن رقم 878 لسنة 46 جلسة 1979/12/29 س 30 ع 3 ص 412 ق 416)
17- إذ كان الأصيل لا يعتبر من الغير بالنسبة إلى المحرر العرفى الذى وقعه نائباً أياً كانت صفته فى النيابة ، و يكون المحرر حجة عليه وفق المادة 15 من قانون الإثبات رقم 25 لسنة 1968 ، فإن إيصالات سداد الأجرة محل النعى تكون حجة على الطاعن فى تاريخها و لو لم يكن نائبا طالما لم يقم الدليل على عدم صحة هذا التاريخ بإعتباره طرفاً فيها بواسطة وكيله .
(الطعن رقم 969 لسنة 44 جلسة 1978/03/15 س 29 ع 1 ص 762 ق 150)
18- إذ كان لا يوجد فى القانون ما يحول دون توجيه الدعوى للخصم فى شخص وكيله و يكفى فى ذلك أن يقرن أسم الوكيل بأسم الموكل ، وكان الأصل فيمن يختصم فى الطعن أن يكون إختصامه بالصفة التى كان متصفاً بها فى الدعوى الأصلية التى صدر فيها الحكم المطعون فيه ، وكان الثابت أن .... قد إختصم فى الدعوى فى درجتى التقاضى بصفته ممثلاً لولديه ، وصدر الحكم المطعون فيه بهذه الصفة ، فإن اختصامه فى الطعن - بالنقض - بهذه الصفة يكون صحيحاً فى القانون .
(الطعن رقم 556 لسنة 41 جلسة 1976/03/31 س 27 ع 1 ص 823 ق 158)
19- متى كان يبين من الحكم المطعون فيه أنه أسس قضاءه بإلغاء الحكم المستأنف و رفض الدعوى على أن الثابت من عقد البيع أن الطاعن بصفته نائباً عن المجمع العام لكنيسة المسيح قد إشترى العقار موضوع النزاع لإستعماله صالة للمحاضرات تلحق بكنيسة المسيح بالإسكندرية وأن أثر هذا العقد لا ينصرف إلى الطاعن شخصياً وأن نية المتعاقدين إنصرفت إلى إنشاء صالة للمحاضرات تلحق بكنيسة المسيح و رتب على ذلك إنتفاء حق الطاعن شخصياً فى المطالبة بالملكية وهذا الذى إستند إليه الحكم يتفق مع عبارة العقد الواضحة و من شأنه أن يؤدى إلى ما إنتهى إليه ، ولما كان النعى يدور حول مناقشة نصوص العقد وتفسيرها على أنها تقيد ملكية الطاعن شخصياً للعقار فإنه لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً فى تفسير العقد مما يستقل به قاضى الموضوع ولا رقابة لمحكمة النقض عليه فيه .
(الطعن رقم 481 لسنة 39 جلسة 1974/06/24 س 25 ع 1 ص 1105 ق 184)
20- مفاد نص المادة 106 من القانون المدنى أنه متى تعاقد الوكيل مع الغير بإسمه هو دون أن يفصح عن صفته فإن أثار العقد تنصرف إلى الوكيل فى علاقته بالغير إلا إذا أثبت توافر الإستثنائين المشار إليهما فى المادة المذكورة ، فإذا كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه برفض الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذى صفة على أن المطعون عليه إنما تعاقد مع الطاعن بإسمه شخصياً وسلم إليه المبلغ موضوع النزاع بهذه الصفة ، وأنه لم يقم دليل من الأوراق على أنه دفعه بوصفه وكيلاً عن الشركة ، مما مؤداه أن الدعوى لم يتوافر فيها أحد الإستثنائين السالفين الأمر الذى لم يكن محل نعى من الطاعن فإن الحكم يكون قد طبق القانون تطبيقاً سليماً .
(الطعن رقم 363 لسنة 37 جلسة 1973/11/20 س 24 ع 3 ص 1107 ق 192)
21- إذا كانت الطاعنة قد دفعت بأنها لم تضع يدها على أطيان التركة بنفسها ، ولم تكلف وكيلها بإدارتها . فإنه كان يتعين على محكمة الإستئناف أن تحقق هذا الدفاع الذى قد يتغير به إن صح وجه الرأى فى الدعوى ، لا أن تكفى فى الرد عليه بما أثبته الحكم النهائى السابق من أن الوكيل الذى يتولى إدارة أموالها الخاصة كان وكيلا عن مورث الطرفين ، وإستمر فى إدارة أطيان التركة دون أن تربطه بالورثة علاقة تعاقدية أو قانونية ، إذ هو لا يعتبر وكيلا عن الطاعنة فى قيامه بالإدارة خارجا عن حدود وكالته . وإذ كان الحكم المطعون فيه قد إعتمد فى هذه الواقعة بصفة أساسية فى إعتبار الطاعنة وكيلة عن المطعون عليهن فى إدارة الأطيان المخلفة عن مورث الطرفين ، كما أنه لم يأخذ بأقوال شاهد المطعون عليهن ، إلا على أساس أنها متفقة مع هذه الوقائع ، وهى لا تؤدى إلى النتيجة التى إنتهى إليها ، فإنه يكون مشوبا بالقصور .
(الطعن رقم 162 لسنة 37 جلسة 1972/04/06 س 23 ع 2 ص 648 ق 101)
22- يترتب على التصرفات الصادرة من صاحب المركز الظاهر المخالف للحقيقة إلى الغير حسن النية ما يترتب على التصرفات الصادرة من صاحب المركز الحقيقى ، متى كانت الشواهد المحيطة بالمركز الظاهر من شأنها أن تولد الاعتقاد العام بمطابقة هذا المركز للحقيقة . وإذا كان يبين من الحكم الابتدائى الذى أيده الحكم المطعون فيه وأحال إليه أن الطاعن قد تمسك فى دفاعه أمام محكمة الموضوع بأنه وإن صح أن نقابة مستخدمى قناة السويس قد زال وجودها القانونى بصدور قانون تأميم الشركة العالمية لقناة السويس إلا أن وجودها الفعلى قد ظل قائما حتى صدور قرار وزير الشئون الاجتماعية رقم 21 لسنة1959 ، حيث ظلت تباشر نشاطها حتى هذا التاريخ ، وأن هذا الوجود الفعلى الظاهر الذى كان معترفا به من هيئة قناة السويس ومن مكتب العمل ، ومن الوزارة المطعون ضدها من شأنه أن يجعل التصرف الصادر من النقابة إليه فى هذه الفترة صحيحاً ، مثله فى ذلك مثل التصرف الذى يصدر من الموظف الذى يستمر فى أداء وظيفته بعد انتهاء ولايته ، فإن الحكم المطعون فيه إذا أطلق القول ببطلان التصرفات الصادرة من صاحب المركز الظاهر ، وأغفل بحث دفاع الطاعن وتحقيق عناصره بمقولة إن نظرية الموظف الفعلى مختلف عليها ولا محل للاستدلال بها ، يكون مشوبا بالخطأ فى تطبيق القانون والقصور فى التسبيب .
(الطعن رقم 53 لسنة 37 جلسة 1971/11/30 س 22 ع 3 ص 959 ق 161)
23- يشترط لاعتبار الوكيل الظاهر نائبا عن الموكل أن يكون المظهر الخارجى الذى أحدثه هذا الأخير خاطئا وأن يكون الغير الذى تعامل مع الوكيل الظاهر قد إنخدع بمظهر الوكالة الخارجى دون أن يرتكب خطأ أو تقصيرا فى إستطلاع الحقيقة ولما كان تعيين المدير وفقاً لنظام الشركة المشهر والذى صار حجة على الكافة لا يترتب عليه خلق مظهر خارجى خاطىء من شأنه أن يخدع المتعامل معه وكان المدين الذى إتفق معه على إبرائه من جزء من الدين المستحق فى ذمته لايعتبر حسن النية لأنه كان يعلم أن هذا التصرف التبرعى لا يملكه مجلس الإدارة بغير ترخيص من الجمعية العمومية للمساهمين ولايملك توكيل غيره فى إجرائه ومن ثم فإن موافقة المدير على هذا الإبراء لا تكون حجة على الشركة الطاعنة لانعدام نيابته عنها فى الحقيقة و الظاهر .
(الطعن رقم 225 لسنة 36 جلسة 1971/01/21 س 22 ع 1 ص 100 ق 18)
24- الأصيل مسئول نحو الغير عن خطأ الوكيل فى حدود قواعد المسئولية التقصيرية وكذلك فى حدود قواعد الوكالة ذاتها فإذا كان الحكم قد اكتفى بنفى الخطأ عن المطعون عليه فى سفره إلى الخارج دون أن يبحث موقف زوجته باعتبارها وكيلة عنه فى إبرام الصفقة موضوع الدعوى بعد سفره حتى تنتهى مدة التفويض الصادر منه للطاعنين [ السمسار ] دون أن يبين السبب الذى دعاها إلى عدم إتمام العقد بعد أن قام الطاعنان خلال مدة التفويض بإرسال برقية وخطاب إلى المطعون عليه فى محل إقامته بالقاهرة لإخطاره بأن مالك العمارة قد وافق على إتمام الصفقة طبقا للتفويض ولكى يحدد موعداً للتوقيع على العقد الإبتدائى فإن الحكم يكون قاصر البيان قصورا يشوبه ويبطله .
(الطعن رقم 21 لسنة 32 جلسة 1967/11/14 س 18 ع 4 ص 1649 ق 249)
25- حيازة الوكيل لعقارات موكله التى تحت يده بسبب عقد الوكالة تعتبر حيازة لحساب الأصيل طالما أن الوكيل لم يدع أنه غير صفة حيازته بما تتغير به قانوناً ومن ثم يعتبر الأصيل مستمرا فى وضع يده مدة حيازة الوكيل وتحسب له هذه المدة فى التقادم المكسب السارى لمصلحته . وإذ كان مجرد ثبوت أن الوكيل عن مورث الطاعنين إبان وضع يده على عقار موكله كان وكيلا أيضا عن المطعون عليه الذى ينازعهم فى ملكية هذا العقار ، ليس من شأنه أن يؤدى بذاته إلى إسقاط مدة حيازة الوكيل للعقار محل النزاع نيابة عن مورث الطاعنين من مدة التقادم السارى لمصلحة هذا المورث ، بل لا يكون هذا الإسقاط إلا إذا شاب حيازة المورث للعقار بوساطة وكيله عيب من العيوب التى تفقدها أثرها فى كسب الملكية بالتقادم و هى الاكراه و الخفاء واللبس أو الغموض ، فإن الحكم المطعون فيه إذ لم يكشف عن قيام أحد هذه العيوب حين رفض طلب الطاعنين الاحالة إلى التحقيق لإثبات تملكهم العقار محل النزاع بالتقادم المكسب الطويل المدة يكون قد انطوى على قصور وخطأ فى القانون .
(الطعن رقم 235 لسنة 28 جلسة 1963/06/06 س 14 ص 792 ق 111)
تنص المادة 713 من التقنين المدني على ما يأتي :
"تطبق المواد من 104 إلى 107 الخاصة بالنيابة في علاقة الموكل والوكيل بالغير الذي يتعامل مع الوكيل ويشير النص سالف الذكر إلى أن مهمة الوكيل هي أن يقوم بتصرف قانوني، فهو يتعاقد مع الغير لحساب الموكل، ويحيل إلى الأحكام الخاصة بالنيابة في التعاقد فيأثر الوكالة بالنسبة إلى هذا الغير الذي يتعاقد معه الوكيل .
وبالرجوع إلى أحكام النيابة نجد أنه يجب التمييز بين فرضين ذلك أن الوكيل، إذا كان يتعاقد دائماً لحساب الموكل، فإنه إما أن يعمل بأسم الموكل وهذا هو الغالب، ويكون الوكيل نائباً في تعاقده عن موكله، وتقترن الوكالة هنا بالنيابة وإما أن يعمل بإسمه الشخصي، ويغلب أن يكون مسخراً أو اسماً مستعاراً، فلا يكون نائباً في تعاقده لحساب موكله، وتقوم الوكالة هنا دون أن تقوم النيابة.
خروج الوكيل عن حدود الوكالة – مجاوز هذه الحدود أو العمل دون وكالة أو بعد انتهائها : كان المشروع التمهيدي للتقنين المدني يشتمل على نصوص في هذا الصدد فكانت المادة 990 من هذا المشروع تنص على أنه : "1- إذا أبرم شخص عقداً باسم غايره دون توكيل، أو كان وكيلاً وجاوز حدود الوكالة، فإن العقد لا ينفذ في حق هذا الغير إلا إذا كان قد أقره . 2- ويجوز للطرف الثاني في العقد أن يحدد لهذا الغير ميعاداً مناسباً لإقرار الإتفاق، على أن يتحلل منه إذا لم يصدر الإقرار في الميعاد المحدد ويجوز له أن يرجع في العقد قبل أن يصدر الإقرار، إلا إذا كان يعلم أن الوكالة غير موجودة أو كان ينبغي أن يكون عالماً بذلك" وكانت المادة 991 من المشروع تنص على ما يأتي : "أما إذا رفض الإقرار صراحة أو ضمناً، فإنه يجوز الرجوع على من اتخذ صفة الوكيل بتعويض الضرر الناشئ عن عدم نفاذ العقد، ما لم يثبت أن الطرف الأخر كان يعلم أن الوكالة غير موجودة أو كان ينبغي أن يكون عالماً بذلك" وقد حذف النصان في لجنة المراجعة "إكتفاء بما تقدم من أحكام النيابة"ولما كان النصان المحذوفان لا يخرجان في أحكامهما عن القواعد العامة، فليس يوجد ما يمنع من العمل بهذه الأحكام بالرغم من هذا الحذف .
والوكيل لا تكون له صفة النيابة عن الموكل إذا عمل باسم هذا الأخير وجاوز حدود الوكالة، أو عمل دون وكالة أصلاً، أو عمل بعد انتهاء الوكالة . ففي جميع هذه الفروض لا يكون الوكيل في تعاقده مع الغير نائباً عن الموكل، ومن ثم لا ينصرف إلى هذا الأخير أثر هذا التعاقد.
على أن هناك حالة يجب استثناؤها مما تقدم، وهي حالة خروج الوكيل عن حدود الوكالة "متى كان من المستحيل عليه إخطار الموكل سلفاً، وكانت الظروف يغلب معها الظن بأن الموكل ما كان إلا ليوافق على هذا التصرف" ( م 703 / 2 مدني ) . وقد تقدم أن أثر التصرف في هذه الحالة ينصرف إلى الموكل على أساس نيابة قانونية تقوم على إرادة مفترضة من جانبه .
وفيما عدا هذه الحالة يعمل الوكيل في الفروض المتقدمة دون نيابة، فلا ينصرف أثر تصرفه إلى الموكل كما سبق القول . ويستوي في ذلك أن يكون الغير الذي تعاقد مع الوكيل عالماً بأن الوكيل يعمل دون نيابة أو غير عالم بذلك فحتى لو كان الغير يعتقد بحسن نية أن الوكيل يعمل بموجب وكالة قائمة لم تقع مجاوزة في حدودها ولم تنقض، فإن هذا لا يغير من الحقيقة وهي أن الوكيل يعمل دون نيابة، فلا ينصرف أثر التصرف إلى الموكل، وذلك مع عدم الإخلال بأحكام الوكالة الظاهرة فيما سيجئ، هذا إلى أن الغير حسن النية كان يستطيع أن يعلم حقيقة مركز الوكيل لو أنه أراد التثبت من ذلك، ومن حقه كما قدمنا أن يطالب الوكيل بما يثبت وكالته ومداها وإذا كان التصرف الذي عقده الوكيل دون نيابة لا ينصرف أثره إلى الموكل، فإن هذا الأخير مع ذلك بالخيار بين أن يقره أو ألا يقره .
الوكالة الظاهرة- شروط قيامها : قدمنا أن الوكيل إذا عمل دون نيابة، فإن أثر التصرف الذي يعقده مع الغير لا ينصرف إلى الموكل، حتى لو كان هذا الغير حسن النية يعتقد أن الوكيل يعمل في حدود نيابته، فلا يكفي إذن أن يكون الغير حسن النية حتى يستطيع أن يحتج على الموكل بالتصرف الذي عقده مع الوكيل . ولكن هناك أحوال يدعم فيها حسن نية الغير مظهر خارجي منسوب إلى الموكل، ويكون من شأن هذا المظهر أن يدفع الغير إلى الوهم الذي وقع فيه، فعند ذلك يكون الغير هو الأولى بالرعاية من الموكل لأنه لم يرتكب خطأ، أما الموكل فقد خلق مظهراً خارجياً أوقع الغير في الوهم، فيضفي القانون حمايته على الغير دون الموكل وسبيله إلى ذلك أن يجعل أثر التصرف الذي عقده الغير مع الوكيل ينصرف إلى الموكل، لا بموجب وكالة حقيقية فهي غير موجودة في الواقع، بل بموجب وكالة ظاهرة ( mandate apparent ) . ونظرية الوكالة الظاهرة نظرية صاغها القضاء وتابعه فيها 602 الفقه واجه بها الضرورات العملية، وليوطد استقرار التعامل، ولو خرج في ذلك على المنطق القانوني . ولها مع ذلك سند تشريعي في بعض تطبيقاتها الهامة كما سيجئ ونبين الآن شروط قيام الوكالة الظاهرة، والأثر الذي يترتب عليها، والأساس القانوني الذي تقوم عليه . ويجب توافر
شروط ثلاثة لقيام الوكالة الظاهرة :
( الشرط الأول ) أن يعمل الوكيل باسم الموكل ولكن دون نيابة : ويكون ذلك إما بأن يجاوز الوكيل حدود الوكالة المرسومة له، وإما بأن يستمر في العمل كوكيل بعد إنتهاء الوكالة، وإما أن يعمل كوكيل دون وكالة أصلاً، أو بوكالة باطلة أو قابلة للإبطال بعد إبطالها .
ويجاوز الوكيل حدود الوكالة، أكثر ما يكون، إذا زود بوكالة غامضة العبارة، أو بوكالة واسعة المدى في ظاهرها ولكنها مقيدة في حقيقتها بقيود لا يستطيع معرفتها الغير الذي يتعامل مع الوكيل، أو كانت هناك كما يقول تقنين الموجبات والعقود اللبناني ( م 508 / 2 ) – هذه الشروط التحفظية والاتفاقات السرية التي تعقد بين الموكل والوكيل ولا تستفاد من الوكالة نفسها .
فيجاوز الوكيل حدود الوكالة متوسعاً في تفسير العبارة الغامضة، أو غير ملتزم للقيود التي تجدد مدى الوكالة، أو غير مراع للشروط التحفظية والاتفاقات السرية التي عقدها مع الموكل ونفرض ـ في مجاوزة الوكيل لحدود الوكالة، أننا لسنا أمام الحالة الإستثنائية التي يستحيل فيها على الوكيل إخطار الموكل سلفا وتكون الظروف بحيث يغلب معها الظن بأن الموكل ما كان إلا ليوافق على مجاوزة الوكيل لحدود الوكالة ( م 703 / 2 مدني )، فإن هذه الحالة كما سبق القول لا تدخل في حالات الوكالة الظاهرة ولسنا أمام الحالة التي يقر فيها الموكل مجاوزة الوكيل لحدود الوكالة، فإن هذا الإقرار اللاحق يكون كما قدمنا في حكم التوكيل السابق ولسنا أخيراً أمام الحالة التي يكون فيها الوكيل المجاوز لحدود الوكالة فضولياً، فإن أثر تصرفه في هذه الحالة ينصرف إلى الموكل بموجب قواعد الفضالة لا بموجب قواعد الوكالة الظاهرة وإنما الحالة التي نحن بصددها هي حالة جاوز فيها الوكيل حدود الوكالة، ولم يكن في ظروف يغلب معها الظن بأن الموكل ما كان إلا ليوافق على هذه المجاوزة، ولم يقر الموكل المجاوزة، ولا يمكن أن تدخل المجاوزة في أعمال الفضولي، ومن ثم نكون أمام حالة وكالة ظاهرة إذا توافرت بقية الشروط.
ويعمل الوكيل بعد إنتهاء الوكالة، إذا استمر يعمل وكيلاً بإسم الموكل بعد أن انتهت مهمته التي وكل فيها، أو بعد أن مات الموكل أو فقد أهليته أو أفلس فانتهت الوكالة بذلك، أو بعد أن عزله الوكيل أو تنحى هو عن الوكالة، أو بعد انتهت الوكالة بأي سبب أخر من أسباب انتهائها وهذه الحالة هي أكثر حالات الوكالة الظاهرة وقوعاً، وخاصة إذا عمل الوكيل عبد انتهاء مهمته وبعد عزله أو بعد موت الموكل، فإنه من السهل في هذه الفروض أن يتوهم الغير الذي يتعامل مع الوكيل أن الوكالة لا تزال باقية، فقد يبقى سند التوكيل بيد الوكيل بعد انتهاء مهمته فيطمئن الغير إليه، كما يقع كثيراً أن يخفي على الغير أمر عزل الوكيل أو أمر موت الموكل . ومن ثم اختص المشرع في هذه الحالة بنص أخر هو المادة 107 مدني، كما ورد في المشروع التمهيدي في خصوصها نص آخر هو المادة 995 من هذا المشروع وقد حذف في لجنة المراجعة وسنعود فيما يلي إلى هذين النصين .
ويعمل الوكيل دون وكالة أصلاً، إذا تقدم شخص مثلاً بمخالصة من الدائن لقبض الدين، ويكون قد استولى على هذه المخالصة خلسة، فيقبض الدين دون أن تكون عنده وكالة أصلاً، ومع ذلك يعتبر صحيحاً مبرئاً لذمة المدين كما تقضي المادة 332 مدني إذ تقول : "ويعتبر ذا صفة في استيفاء المدين من يقدم للمدين مخالصة صادرة من الدائن" ومثل ذلك أيضاً أن يتقدم شخص ببوليصة شحن موقعة من المرسل فيتسلم البضاعة، ويكون قد استولى على بوليصة الشحن بطريق غير مشروع، أو يتقدم شخص باعتباره محصل شركة التأمين للعميل بإيصال مطبوع موقع عليه من الشركة فيقبض الأقساط المستحقة، ويكون قد اختلس هذا الإيصال المطبوع وقد يسئ من أعطى توكيلاً على بياض إستعمال التوكيل فيملأ البياض بأمر غير متفق عليه مع الموكل، فيكون وكيلاً ظاهراً في هذا الأمر دون أن تكون عنده وكالة أصلاً وإذا استأجر شخص متجراً لاستغلاله في مقابل أجرة معينة يتقاضاها منه صاحب المتجر، وبقة المستأجر يستعمل أوراق المتجر التي تحمل اسم صاحبه، فإن التصرفات التي يعقدها المستأجر تلزم صاحب المتجر، إذ يعتبر المستأجر ظاهراً عنه وإن لم تكن عنده وكالة عنه أصلاً.
وفي حكم إنعدام الوكالة أن يعمل الوكيل بوكالة باطلة فإذا وكل شخص شخصاً أخر في شراء منزل لإدارته للمقامرة أو للعهارة وكان الوكيل يعلم ذلك، فإن الوكالة تكون باطلة لعدم مشروعيته السبب ومع ذلك إذا إشترى الوكيل المنزل بموجب هذه الوالة الباطلة، وكان البائع لا يعلم ولايستطيع أن يعلم بالسبب غير المشروع، فإنه يستطيع أن يلزم الموكل بالبيع وكالوكالة الباطلة الوكالة القابلة للإبطال . فإذا أعطى القاصر توكيلاً لشخص، أو كان الموكل في إعطائه التوكيل واقعاً في غلط جوهري أو كان مدلساً عليه أو مكرهاً، وعمل الوكيل بموجب هذه الوكالة، وكان المتعامل معه يجهل أن الوكالة قابلة للإبطال، فإن أثر تصرف الوكيل ينصرف إلى الموكل، حتى لو حصل هذا على حكم بإبطال الوكالة.
وعبء إثبات هذا الشرط الأول، وهو أن الوكيل يعمل بإسم الموكل دون نيابة، يقع على الموكل إذ المفروض أن الوكيل عندما يعمل باسم الموكل يكون نائباً عنه في التصرف الذي يبرمه، فإذا أراد الموكل أن يتنصل من هذا التصرف، فعليه أن يثبت انعدام نيابة الوكيل.
( الشرط الثاني ) أن يكون الغير الذي يتعامل مع الوكيل حسن النية يعتقد أن الوكيل نائب : ويجب بداهة أن يكون الغير الذي يتعامل مع الوكيل حسن النية، إذ لو كان يعلم بإنعدام نيابة الوكيل وأقدم مع ذلك على التعاقد معه، كان عليه أن يتحمل تبعة ذلك، وليس له أن يحتج على الموكل بالتصرف الذي عقده مع الوكيل وقد يكون إقدامه على التعاقد أتياً من أنه حصل على تعهد من الوكيل يجعل الموكل يقر التصرف، وفي هذا الفرض أيضاً لا يلتزم الموكل بالتصرف إذا لم يقره، وإنما يرجع الغير على الوكيل بالتعويض ولما كان المفروض أن الغير يتثبت من نيابة الوكيل قبل أن يتعاقد معه، وله في سبيل ذلك الإطلاع على سند وكالته، فافتراض أنه علم بانعدام نيابة الوكيل قبل التعاقد معه افتراض معقول، ويترتب عليه أن الغير لا الموكل هو الذي يحمل عبء الإثبات ويجب عليه أن يثبت حسن نيته، وأنه عندما تعاقد مع الوكيل كان يجهل انعدام نيابته، وذلك بالرغم من أنه كان يستطيع التثبت من ذلك قبل التعاقد ويغلب أن يستعين الغير في إثبات حسن نيته بإثبات المظهر الخارجي المنسوب إلى الموكل، وهو المظهر الذي أوهم الغير أن الوكيل نائب، وسنرى أن هذا هو الشرط الثالث في قيام الوكالة الظاهرة وأنه شرط يقع على الغير عبء إثباته فإذا ما أثبت الغير هذا المظهر الخارجي، أثبت في الوقت ذاته أنه غير مقصر في الإنسياق وراء هذا المظهر، بل اتخذ من الإحتياطات ما يتخذه الشخص المعتاد في الظروف التي تم فيها التعاقد مع الوكيل ليتثبت من أن هذا المظهر يطابق الواقع، فقد تم له بذلك إثبات حسن نيته.
وإذا كان واجباً أن يكون الغير الذي يتعامل مع الوكيل حسن النية، فليس واجباً أن يكون الوكيل نفسه حسن النية فقد يكون سيء النية، يعلم أنه يجاوز حدود وكالته أو أن وكالته قد انقضت أو ليست موجودة أصلاً أو هي باطلة أو قابلة للإبطال ومع ذلك ينصرف أثر التصرف الذي عقده مع الغير إلى الموكل، مادام هذا هذا الغير حسن النية وتوافرت باقي شروط الوكالة الظاهرة وقد كان المشروع التمهيدي للتقنين المدني يتضمن نصاً يؤكد هذا المعنى فكانت المادة 995 من هذا المشروع تنص على أنه 1- تعتبر الوكالة قائمة في جانب الوكيل، حتى لو كانت قد انتهت، مادام لا يعلم بانتهائها 2- ولا يجوز الإحتجاج بانتهاء الوكالة على الغير الحسن النية الذين تعاقدوا مع الوكيل قبل علمهم بانتهائها"، وهذا النص يعرض لفرضين مستقلين أحدهما عن الأخر، وإن كان كلاهما يتعلق بإنتهاء الوكالة ففي الفقرة الأولى، وهي خاصة بعلاقة الموكل بالوكيل، يعرض لما إذا كان الوكيل لا يعلم بإنتهاء وكالته، كأن عزل ولا يعلم بالعزل أو مات الموكل ولا يعلم بموته، فإن وكالته تبقى قائمة، بحيث لو تعاقد مع الغير حسن النية فانصرف أثر التعاقد إلى الموكل لم يجز لهذا الأخير أن يرجع عليه بالتعويض أما إذا تعاقد وهو حسن النية مع شخص يعلم بإنتهاء الوكالة، فإن أثر التصرف لا ينصرف إلى الموكل لسوء نية الغير فقد كان يعلم بإنتهاء الوكالة، ومن ثم لا يكون هناك محل لرجوع الموكل على الوكيل بالتعويض، لا فحسب لأن هذا الأخير حسن النية، بل أيضاً لأن التصرف الذي عقده لم ينصرف أثره إلى الموكل . وتعرض الفقرة الثانية من المادة 995 من المشروع التمهيدي، وهي خاصة بعلاقة الموكل بالغير، لما إذا كان الغير الذي تعاقد مع الوكيل حسن النية لا يعلم بإنتهاء الوكالة ففي هذا الفض ينصرف أثر التصرف للموكل، سواء كان الوكيل حسن النية أو سيء النية، لأن النص عام لم يفرق، ويعتبر هذا تطبيقاً بارزاً من تطبيقات الوكالة الظاهرة ومن هنا نرى أن حسن حسن نية الوكيل لا يشترط، كما اشترط حسن نية الغير الذي يتعامل مع الوكيل، لقيام الوكالة الظاهرة.
وتحيل المادة 713 مدني المتقدم ذكرها في هذا الصدد إلى المادة 107 مدني . وتنص هذه المادة الأخيرة على أنه " إذا كان النائب ومن تعاقد معه يجهلان معاً وقت العقد انقضاء النيابة، فإن أثر العقد الذي يبرمه، حقاً كان أو التزاماً، يضاف إلى الأصيل أو خلفائه" ويوهم هذا النص أنه يشترط لقيام الوكالة الظاهرة، وإضافة أثر العقد الذي يبرمه الوكيل بعد إنتهاء الوكالة إلى الموكل، أن يكون كل من الوكيل والغير الذي تعاقد معه حسن النية لا يعلم بإنتهاء الوكالة، أي أنه يشترط لقيام الوكالة الظاهرة، لا فحسب حسن نية الغير الذي تعاقد مع الوكيل، بل أيضاً حسن نية الوكيل والصحيح أن النص لا يعرض لحالة الوكالة الظاهرة، بل يعرض لحالة ما إذا كان النائب حسن النية لا يعلم بانقضاء نيابته، فيقرر أن أثر تصرفه ينصرف إلى الأصيل، ولكنه يشرط لذلك أن يكون الغير الذي تعاقد معه حسن النية، إذ لو كان الغير سيء النية لما شفع في سوء نيته حسن نية النائب ويظهر هذا المعنى في وضوح إذا ورجعنا للمشروع التمهيدي لنص المادة 107 مدني، فهو يقول : "مادام النائب لم يعلم بانقضاء نيابته، فإن أثر العقد الذي يبرمه، حقاً كان أو التزاماً، ينصرف إلى الأصيل وخلفائه كما لو كانت النيابة لا تزال باقية، هذا إذا كان الغير الذي تعاقد معه النائب يجهل أيضاً أن النيابة قد انقضت" فعدلت لجنة مجلس الشيوخ هذا النص، فأصبح على الوجه الذي نراه في المادة 107 مدني، وصار بذلك غامضاً يوقع في الوهم الذي أشرنا إليه، وإن كانت لجنة مجلس الشيوخ قد ذكرت أنها عدلت النص "حتى يكون المعنى أوضح دون مساس بجوهر الحكم" فالنص، على الوجه الذي عدل به في مجلس الشيوخ، يشترط حسن نية كل من الوكيل والغير الذي تعاقد معه، فيكون فيه تزيد إذ الصحيح أنه لا يشترط إلا حسن نية الغير الذي تعاقد الوكيل معه .
( الشرط الثالث ) أن يقوم مظهر خارجي للوكالة منسوب إلى الموكل : ولا يكفي حسن نية الغير الذي يتعامل مع الوكيل كما قدمنا، بل يجب أن يقوم حسن النية هذا على أساس مظهر خارجي للوكالة صادر من الموكل ويكون من شأنه أن يجعل الغير معذوراً في اعتقاده أن هنالك وكالة قائمة وهذا الشرط الثالث هو الذي يميز الوكالة الظاهرة، ويحدد الأساس القانوني الذي تقوم عليه . ففي حالة مجاوزة الوكيل حدود الوكالة، يشفع للغي في حسن نيته أن تكون الوكالة فعلاً غامضاً العبارة تحتمل التفسير الذي ذهب إليه الوكيل فيجاوز به حدود الوكالة، أو أن تكون هناك تحفظات أو اتفاقات سرية لا يعلم بها الغير، أو أن يكون مدير الشركة الذي جاوز حدود اختصاصه إنما باشر في الواقع عملاً يدخل في المألوف من اختصاصات مديري الشركات فلم يجد الغير الذي تعامل معه ما يدعو إلى مزيد من التحري والتثبت وفي حالة انتهاء الوكالة يكون سبب انتهائها أمراً يخفى على الناس فخفى على الغير الذي تعامل مع الوكيل، ولم يتخذ الموكل الاحتياطات الكافية، لإعلان انتهاء الوكالة . مثل ذلك أن تنتهي الوكالة بعزل الوكيل ولا يعلم الموكل عن عزله إعلاناً كافياً ليحذر الناس من التعامل معه، أو أن تنتهي الوكالة بموت الموكل ولا تنشر الورثة خبر موته، أو أن تنتهي الوكالة بانتهاء المهمة التي فوض فيها لا وكيل ولا يسترد منه الموكل سند التوكيل وفي حالة انعدام الوكالة أصلاً يجب أن يكون هناك مظهر خارجي لها، كاتوكيل الذي يعطيه الموكل على بياض للوكيل فيملأ هذا الأخير البياض بما يخالف المتفق عليه مع الموكل، والمخالصة الصادرة من الدائن فتقع في يد من يتقدم لقبض الدين بموجبها، ومثل المخالصة بوليصة الشحن أو الإيصال المطبوع الذي يتقدم به الوكيل الظاهر لتسلم البضاعة أو لتحصيل الفواتير والأقساط المستحقة . وفي حالة الوكالة الباطلة أو القابلة للإبطال، يكون سند التوكيل مظهراً خارجياً لها، إذ لا يستطيع الغير الذي يتعامل مع الوكيل أن يتبين من الاطلاع على هذا السند أسباب البطلان أو القابلية للإبطال.
ويتبين مما تقدم أن المظهر الخارجي الذي ضلل الغير هو مظهر منسوب إلى الموكل، بتقصير منه أو دون تقصير مادام هو الذي تسبب فيه ويقع على الغير الذي تعاقد مع الوكيل عبء إثبات وجود هذا المظهر المضلل، وأنه مظهر من شأنه أن يجعله مطمئناً إلى قيام الوكالة فيجب إذن أن يكون هذا المظهر متناسباً مع قيمة التصرف الذي عقده الغير مع الوكيل فإذا كانت قيمة التصرف كبيرة ـ كان هذا مدعاة إلى مزيد من التحوط، وإتخاذ ما يتخذه الشخص المعتاد في هذه الظروف من الوسائل للتثبت من قيام الوكالة فإذا كان الغير لم يفعل كان مقصراً، وكان المظهر الذي اعتمد عليه غير كاف لقيام الوكالة الظاهرة .
أما إذا كان المظهر الخارجي كافياً لتضليل الغير، بأن أثبت هذا أنه بالرغم من اتخاذه الاحتياطات الواجبة فإن هذا المظهر من شأنه أن يخدعه، فإنه يكون بذلك قد أثبت في الوقت ذاته حسن نيته كما سبق القول .
الأثر الذي يترتب على قيام الوكالة الظاهرة :
فإذا توافرت الشروط سالفة الذكر وقامت الوكالة الظاهرة، فإنه يترتب على قيامها ما يترتب على قيام الوكالة الحقيقية فيما بين الموكل والغير ويعتبر الوكيل الظاهر في تعامله مع الغير بإسم الموكل نائباً عنه، وينصرف أثر التصرف الذي عقده مع الغير من حقوق والتزامات إلى الموكل، كما لو كانت هناك وكالة حقيقية وهنا نرى مثلاً آخر من الأمثلة التي تقوم فيها النيابة دون أن تقوم الوكالة .
على أنه في العلاقة فيما بين الموكل والوكيل الظاهر، يجب التمييز بين ما إذا كان هذا الوكيل حسن النية أو سيئها فإذا كان حسن النية، وكان يعتقد مثلاً أنه يعمل في حدود الوكالة وقد جاوز هذه الحدود، أو بوكالة صحيحة، وكانت الوكالة باطلة، لم يرجع الموكل على الوكيل بالتعويض من جراء ذلك .
أما إذا كان الوكيل الظاهر سيئ النية، وكان يعلم أن الوكالة غير قائمة ومع ذلك أقدم على التعاقد مع الغير، فإنه يكون قد ارتكب خطأ في حق الموكل يستوجب مسئوليته التقصيرية، ومن ثم يرجع الموكل عليه بالتعويض عن الضرر الذي أصابه من جراء انصراف أثر التصرف الذي عقده الوكيل مع الغير إليه.
رأينا أن المادة 713 مدني تحيل، فيما تحيل إليه من النصوص، إلى المادة 106 مدني، وهذه تقول : "إذا لم يعلن العاقد أنه يتعاقد بصفته نائباً، فإن أثر العقد لا يضاف إلى الأصيل دائناً أو مديناً، إلا إذا كان من المفروض حتماً أن من تعاقد معه النائب يعلم بوجود النيابة، أو كان يستوي عنده أن يتعامل مع الأصيل أو النائب" . ولما كان الوكيل المسخر لا يعلن وقت إبرام العقد مع الغير أنه يتعاقد بصفته نائباً، بل هو يتعاقد بإسمه الشخصي، فإنه لا يكون نائباً عن الموكل في تعاقده، ومن ثم لا يضاف أثر العقد إلى الموكل، بل يضاف إلى الوكيل المسخر دائناً أو مديناً كما يفهم من النص سالف الذكر وعلى ذلك تضاف جميع الحقوق التي تنشأ من التعاقد مع الغير الى الوكيل المسخر فيكون هو الدائن بها للغير، كما تضاف إليه أيضاً جميع الالتزامات فيكون هو المدين بها للغير عدم انصراف أثر التعاقد من حقوق والتزامات إلى الموكل : رأينا أن المادة 106 مدني تقضي بأنه إذا لم يعلم الوكيل وقت إبرام العقد أنه يتعاقد بصفته نائباً، فإن أثر العقد لا يضاف الى الموكل دائناً أو مديناً ولما كان الوكيل المسخر يتعاقد باسمه الشخصي لا بصفته نائباً عن الموكل، فإن الحقوق والإلتزامات التي تنشأ من تعاقده لا تنصرف إذن إلى الموكل، ولا يصبح هذا دائناً مباشراً أو مديناً للغير ويستثنى من ذلك الحالتان اللتان تقدم ذكرهما، وهما حالة ما إذا كان الغير يعلم أو من الفروض حتماً أن يعلم بوجود الموكل وقد قصد التعامل معه، وحالة ما إذا كان يستوي عند الغير أن يتعامل مع الوكيل أو مع الموكل . ففي هاتين الحالتين تضاف الحقوق والإلتزامات التي تنشأ من تعاقد الوكيل المسخر مع الغير إلى الموكل لا إلى الوكيل، وقد تقدم تفصيل ذلك .(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء : السابع، المجلد : الأول الصفحة : 738)
يحيل النص إلى المواد من 104 إلى 107 مدنی والمتعلقة بأحكام النيابة في التعاقد، والنيابة أما أن تكون قانونية كولاية الولي الشرعي وأما أن تكون نيابة قضائية كالوصي والقيم والحارس القضائي والسنديك وأما أن تكون نيابة اتفاقية کالوكالة، ووفقاً لأحكام النيابة فان أثر التصرف الذي يباشر النائب ينصرف الى الأصيل سواء عمل النائب باسم الأصيل أو عمل النائب باسمه الشخصي أي أعار اسمه للأصيل، طالما كان الوكيل مميزاً ولو لم يكن أهلاً للتصرف إذ ينصرف للموكل أثر التصرف، وطالما كانت إرادة الوكيل خالية من العيوب لم يشوبها غلط أو تدليس أو اکراه، فتتناول :
أولاً . أحكام الوكالة عندما يعمل الوكيل باسم الموكل :
تنتفي مسئولية الوكيل قبل الغير متى انتفى عنه الخطأ كما إذا عمل متجاوزاً حدود وكالته ولكنه أحاط الغير بهذا التجاوز أركان الغير يعلم أو كان بمكنته أن يعلم بذلك إذا ما أطلع على سند الوكالة، أما إذا ثبت الخطأ في حق الوکیل، كان مسئولاً، كما إذا تعاقد مع الغير بعد إنتهاء الوكالة أو تعمد ایهام الغير بأنه يعمل في حدود الوكالة غير متجاوزاً لها أو أن وكالته لم تنته رغم انتهائها كما يكون مسئولاً عن صحة البيانات التي يقدمها للغير متى تم التعاقد على أساسها، ويجوز للوكيل أن يضمن للغير تنفيذ التصرف فيكون بمثابة كفيل ويقع على الوكيل عبء الإثبات في كل ذلك.
ومتى تصرف الوكيل في حدود وكالته أتصرف أثر تصرفه على الموكل مباشرة وتقوم علاقة مباشرة فيما بين الموكل والغير الذي تعاقد معه الوكيل، فلكل منهما مطالبة الآخر بتنفيذ التزاماته دون ادخال الوكيل، وللغير أن يعتمد على السند الذي يحرره له الوكيل لترتيب الآثار المتولدة عنه وإلزام الموكل بها ولو كان تاریخ السند غیر ثابت بوجه رسمی وكان في وقت سابق على إنتهاء الوكالة وأن كان للموكل أن يثبت بكافة الطرق أن هذا التاريخ العرفي لا يتفق مع الحقيقة وأنه قدم غشاً ليصبح السند حجة عليه، وإذا أبرم الوكيل عقداً صورياً كانت ورقة الضد حجة على الموكل، وإذا صدر حكم ضد الوكيل بهذه الصفة نفذ على الموكل، كما أن الإعلانات التي توجه من الوكيل أو إليه تعتبر موجهة من الموكل أو اليه ويكفي لصحة الإعلان أن يجئ اسم الوکیل مقروناً باسم الموكل، وإذا قطع الوكيل التقادم اعتبر الموكل هو الذي قطعه، وإذا تواطأ الوكيل مع الغير للإضرار بالموكل فإن التصرف لا ينفذ في حق الموكل، ويقع على الغير إثبات أن تصرف الوكيل تم في حدود الوكالة حتى ينصرف أثره للموكل.
الأصل أن التصرف الذي يبرمه الوكيل لا ينصرف إلى الموكل إلا اذا كان هناك توكيل يخول له التصرف، ولكن قد لا يكون هناك توكيل أو وجد توكيل لكن الوكيل جاوز حدود الوكالة وبالرغم من ذلك ينصرف أثر التصرف الى الموكل الذي ظهر بمظهر أوهم به الغير حسن النية بأن الوکیل نائباً عنه، ويشترط القيام الوكالة الظاهرة :
1- أن يبرم الوكيل التصرف باسم الموكل بدون وكالة أو بوكالة باطلة أو مجاوزاً حدود وكالته أو بعد إنتهاء الوكالة بموت الموكل أو فقد أهليته أو إفلاسه أو بعزل الوكيل أو تنحيه. وأكثر ما تحقق الوكالة الظاهرة في هذه الأحوال إذ يسهل أن يتوهم الغير ببقاء الوكالة، ويقع على الموكل إثبات إنعدام النيابة التي ادعاها الوكيل.
2- أن يتوفر حسن النية لدى الغير الذي يتعامل مع الوكيل، فعلى الغير إثبات دلائل حسن نيته وأنه عندما تعامل مع الوكيل اعتقد بأن له صفة في التعاقد.
3- أن يصدر من الموكل مظهر خارجی يكون من شأنه أن يجعل الغير يعتقد بوجود الوكالة، فإن كان هناك تجاوز الحدود الوكالة تمثل المظهر الخارجي في غموض عبارات الوكالة فيتحمل تفسيرها هذا التجاوز، أو تصرف الوكيل رفقاً لمجريات الأمور العادية بالنسبة لمن كان في وضعه وإذا كانت الوكالة منتهية فإن المظهر الخارجي يكون بعدم تمكين الوكيل من الظهور بمظهر من ينوب عن الأصيل إذا تعذر إعلان الآخرين بانتهائها، أما حالة انعدام الوكالة فيتمثل المظهر الخارجي في حيازة سند الدين فيقدمه الحائز بوصفه وكيلاً للدائن إلى المدين ومثل ذلك بوليصة الشحن وإيصال الاجرة، وفي حالة الوكالة الباطلة أو القابلة للإبطال يكون المظهر الخارجي متمثلاً في عدم استطاعة الغير تبين أسباب البطلان.
ويقع على الغير إثبات هذا المظهر الخارجي، وإذا كانت قيمة التصرف کبیرة تعين على الغير إتخاذ الإحتياطات للتأكد من الوكالة فإن قصر فليس له التمسك بالوكالة الظاهرة إذ يجب أن يكون الغير الذي تعامل مع الوكيل الظاهر قد انخدع بمظهر الوكالة الخارجي دون أن يرتكب خطأ أو تقصير في معرفة الحقيقة ويقاس المظهر الخارجي بمعيار موضوعي فيكون المظهر من شأنه أن يخدع الشخص العادي لا أن يخدع بالذات الغير الذي تعاقد مع الوكيل.
4 - إذا كانت الوكالة قد انقضت، فإنه يجب النفاذ تصرف الوكيل استناداً الى الوكالة الظاهرة أن يكون الوكيل والغير كلاهما معاً يجهلان إنقضاء الوكالة وقت التعاقد، ولا يكفى التأشير بإلغاء التوكيل بالشهر العقارى، فقد لا يتحقق بذلك علم الوكيل بإنقضاء الوكالة، وإنما يجب أن يقيم الموكل الدليل على تحقق هذا العلم، وحينئذ لا تسرى نظرية الوضع الظاهر حتى لو كان الغير لا يعلم بانقضاء الوكالة، لأن مناط سريانها عدم علم الوكيل والغير كلاهما معاً بهذا الإنقضاء.
ومتى توافرت هذه الشروط الصرف أثر التصرف الى الموكل، ولا يكون الأخير الرجوع على الوكيل الظاهر إذا توافرت لديه حسن النية بأن أعتقد بقيام الوكالة أو أنه يعمل في حدودها ويراعى أنه إذا قام سبب من أسباب انتهاء الوكالة دون أن يعلم به الوكيل فإن الوكالة تبقى قائمة وتكون وكالة حقيقية لا وكالة ظاهرة ويكون للموكل الرجوع بالتعويض على الوكيل الظاهر لانصراف أثر التصرف إليه إذا كان الوكيل الظاهر سئ النية.
ولما كان صاحب المركز الظاهر لا تربطه علاقة قانونية بصاحب المركز الحقيقي وما شرع المركز الظاهر إلا لحماية الغير حسن النية ومن ثم لا يعتبر صاحب المركز الظاهر ممثلاً قانونياً لصاحب المركز الحقيقي في الخصومة أمام القضاء، فلا يحاج الأخير بما يصدر من أحكام ضد صاحب المركز الظاهر متعلقة بالحق محل التصرف، فإن نفذ عقد الإيجار الذي أبرمه صاحب المركز الظاهر في حق صاحب المركز الحقيقي، فإن الأخير لا يحتاج بالاحكام التي تصدر ضد صاحب المركز الظاهر متعلقة بالعين المؤجرة.
قد لا يبرم الوكيل التصرف مع الغير بإسم الموكل بل بإسمه الشخصي فيعير اسمه للموكل حتى لا يظهر الأخير في التعاقد فيقال أن الموكل سخر الوكيل في التعاقد، فسمى الوكالة هنا بعقد الإسم المستعار أو بعقد التسخير وغالباً ما يكون هذا العقد مستتراً، ويقصد الموكل إلا يظهر اسمه في الشراء حتى لا يطلب البائع ثمناً أعلى أو يمتنع عن البيع نكاية فيه ويكون التسخير صحيحاً طالما كان لسبب مشروع ومن ثم يصح التسخير في الخصومة والاجراءات القضائية فينزل صاحب الحق عن حقه المتنازع فيه لمسخر يرفع الدعوى بإسمه الشخصي ويلتزم إذا کسب الدعوى بنقل الحق للموكل، كما يصح التسخير في كافة المطالبات. ويكون التسخیر باطلاً إذا كان التصرف الذي يباشر المسخر يطل لو باشره الموكل، فالنائب والسمسار إذا اشتريا ما عهد إليهما بيعه كان هذا الشراء باطلاً فيكون كذلك إذا سخرا الغير في الشراء (راجع م 471 و 472 و 479 و 480 ).
وإذا عرضت الدولة عيناً للبيع بشروط معينة تطلبت توافرها في المشترى، مما أدى بمن لم تتوافر فيه هذه الشروط إلى تسخير زوجته، أو غيرها، لشراء العين التوافر الشروط المطلوبة بالنسبة لها، فإذا تم البيع بطريق التسخير، كانت الزوجة في حقيقة الأمر مجرد وكيل مسخر، فلا تتصرف آثار البيع اليها، وإنما إلى زوجها وطالما ظلت الوكالة مستترة، ظلت الزوجة هي المشترية الظاهرة، ومتى سجلت العقد إنتقلت لها الملكية بالنسبة للغير، أما بالنسبة لزوجها، فإن الملكية تنتقل له في علاقتها به، ويوجب القانون عليها نقل الملكية الى زوجها، باعتبارها وکیل مسخر ومجرد اسم استعارة زوجها ليتمكن من الشراء، فإذا اتضح ذلك للدولة جاز لها طلب إبطال البيع وذلك برفع دعوى لاثبات الصورية النسبية بطريق التسخير، وبطلان العقد لعدم توافر الشروط اللازمة بالنسبة للأصيل .
أما إذا نقلت الزوجة الملكية إلى زوجها، لا باعتبارها وكيلة، وإنما باعتبارها مالكة، فإن تعرفها لزوجها، يخضع للقيود التي يتضمنها العقد الصادر لها من الدولة، فان كان متضمناً شرطاً يمنعها من التصرف، تعين عليها الإلتزام به، فإن خالفته خضع تصرفها للجزاء الذي يقرره القانون، فإن لم يتضمن العقد أية قيود، فإن تصرفها يخضع للقواعد العامة، بحيث إذا تبين للدولة حقيقة التصرف الصادر منها وأنه ينصرف إلى شخص لم تتوافر فيه الشروط التي تطلبها وتوافرت الأدلة على التسخير، جاز لها طلب إبطاله، وذلك في خلال ثلاث سنوات من اليوم الذي ينكشف فيه التسخير بإعتبار أن الزوجة دلست عليها عند التعاقد، ووفقاً للمادة 140 من القانون المدني يسقط الحق في إبطال العقد إذا لم يتمسك به صاحبه خلال ثلاث سنوات تبدأ في حالة التدليس من اليوم الذي ينكشف فيه، ولا تقضي المحكمة بسقوط الحق من تلقاء نفسها، وإنما يلزم أن يتمسك به من تقرر لمصلحته، وهي الزوجة في المثل المتقدم، وبالتالي تلتفت المحكمة عن الدفع إذا تمسك به الزوج.
وإذا نشب نزاع بين الزوجين حول الملكية، بأن ادعتها الزوجة لنفسها، بينما قرر الزوج أن زوجته كانت إسما استعاره، فصلت المحكمة في الدعوى على أساس الأدلة المقدمة إليها، فإن دلت على أن الزوجة كانت وكيل مسخر، وأن زوجها إستعار إسمها، قضت بصورية العقد الصادر للزوجة صورية نسبية بطريق التسخير، فإن كان العقد متعلقاً بعقار تم تسجيله باسمها، قضت أيضاً بتثبيت ملكية الزوج للعقار وفقاً لطلباته، ومتى أصبح الحكم نهائياً، كان عنواناً للحقيقة، ومن ثم يجوز للدولة أن تستند إليه لطلب بطلان العقد الصادر منها الزوجة على نحو ما تقدم.
ومثل ذلك أيضاً، قيام شخص أجنبي بتسخير شخص مصري في شراء عقار باسمه، وهو الأمر المخالف للقانون الذي يحظر شراء الأجانب للعقارات بحيث لو ثبت للمحكمة هذا التسخير قضت ومن تلقاء نفسها ببطلان عقد البيع.
طالما أن الوكيل يتعاقد باسمه الشخصي فان أثر التعاقد ينصرف إليه بما يرتبه من حقوق والتزامات قبل الغير ولو كان هذا الأخير يعلم بعقد التسخير طالما قصد التعاقد مع الوكيل فيرجع كل منهما على الآخر مباشرة دون إدخال الموكل وبصدر الحكم لصالح المسخر أو ضده وينفذ على أمواله وأن تضمن العقد بیعاً التزم المسخر بالتسليم وبضمان التعرض والاستحقاق والعيوب الخفية وإن كان التصرف حوالة حق انتقلت له الحقوق والإلتزامات وفقاً لما إذا كان محيلاً أو محال له أما إذا قصد الغير التعاقد مع الموكل فيتعامل مع الوكيل لحساب الموكل فإن آثار العقد تضاف الى الموكل لا الى الوكيل، ویت قاضي الموضوع فيما إذا كان الغير يقصد التعاقد مع الوكيل المسخر أو مع الموكل ويتحقق التعاقد مع الموكل إذا كان الغير يعلم بأن التعاقد لحساب الموكل، كذلك ينصرف أثر التعاقد إلى الموكل إذا كان الغير لا يعنيه شخص المتعامل معه فمن يشتري سلعة من محل لا يعنيه أن كان البائع أصيلاً أو وكيلاً فإن کشف الاصيل عن نفسه وأقر بصفته قامت العلاقة مباشرة بينه وبين الغير.
تتم الوكالة بالتسخير بأن يتفق الموكل مع الوكيل على أن يعقد الأخير تصرفاً معيناً بإسمه هو وليس باسم الموكل، على أن تنصرف آثار العقد للموكل وليس للوكيل، مما يدل على أن الموكل سخر الوكيل لإبرام العقد حتى لا يظهر فيه الموكل، وبالتالي يكون الموكل استعار اسم الوكيل في إبرام العقد. كما يتحقق ذلك عندما يباشر الموكل إبرام العقد ولكنه يستعير فيه إسم الوكيل فيظهر الأخير كأنه هو الذي أبرم العقد، فقد يشترى الزوج عقاراً من ماله الخاص ويثبت فيه أن زوجته هي المشترية لإخراج المبيع من ضمانه العام.
وبذلك فإن عقد البيع يكون صورياً بالنسبة للمشتري إذ لا يعتبر مشترياً حقيقياً وإنما صورياً، وتتوافر بذلك الصورية النسبية إذا تمكن الأصيل من إثبات التسخير وفقاً للقواعد العامة، وحينئذ ينصرف أثر العقد اليه، ويجوز له إثبات التسخیر بكافة الطرق إذا وجد مانع أدبي حال دون الحصول على دليل کتابی.(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء : العاشر، الصفحة : 139)
حددت المادة 105 علاقة الموكل بالغير في حالة التزام الوكيل حدود الوكالة بقولها: "إذا أبرم النائب في حدود نيابته عقداً بإسم الأصيل فإن ما ينشأ عن هذا العقد من حقوق والتزامات يضاف إلى الأصيل".
ومن مقتضى ذلك أن يكون في وسع الغير الذي تعامل مع الوكيل في حدود الوكالة أن يطالب الموكل مباشرة بتنفيذ الإلتزامات الناشئة عن العقد الذي باشره الوكيل. وكذلك للموكل أن يرجع مباشرة على الغير الذي تعاقد معه الوكيل بجميع الإلتزامات الناشئة من هذا التعاقد في ذمة الغير. لأن شخص الوكيل يختفي فيما بينهما طبقاً للقواعد العامة في النيابة.
وحسب الغير أن يتحقق من أن العمل الذي يجريه الوكيل يتفق وظاهر التوكيل، بصرف النظر عن كون الوكيل قد جاوز حدود الوكالة فی الواقع. وبعبارة أخرى لا يقبل من الموكل أن يحتج على الغير حسن النية بتجاوز الوكيل حدود الوكالة إذا لم يكن في وسع الغير أن يعلم بهذا التجاوز، ولم يكن في ظاهر التوكيل ما يساعد على الكشف عنه.
فإذا تضمن التوكيل تفويض الوكيل في اقتراض ألف جنيه، فعقد قرضاً مع "خالد"، ثم كرر هذه العملية مع "بكر"، فإن الموكل يصبح ملتزماً بسداد دين كل من "خالد" و "بكر". ولا يجوز له أن يحتج في مواجهة الأخير بأن الوكيل قد تجاوز بتعامله معه حدود الوكالة، إذ يكون في وسع "بكر" في هذه الحالة أن يتحصن وراء حسن نيته ولا يكون للموكل إلا أن يلوم نفسه على ابقائه سند التوكيل تحت يد وكيل غير جدير بالثقة التي وضعها فيه.
ولما كان حسن النية مفروضاً دائماً، فإنه على الموكل الذي يدعي أن الغير كان يعلم بتجاوز الوكيل حدود الوكالة أن يقيم الدليل على صحة ما يدعيه، وهو يستطيع إثبات ذلك بكافة طرق الإثبات القانونية بما فيها البينة والقرائن.
ويتفرع عن كون الموكل مسئولاً مباشراً عن سائر التصرفات التي يأتيها الوكيل في حدود وكالته النتائج الآتية :
(1) أن الأحكام التي تصدر في مواجهة الوكيل بهذه الصفة تعتبر كأنها صدرت في مواجهة الموكل، ويمكن التنفيذ بمقتضاها على أمواله مباشرة.
(2) أن الموكل يعتبر مسئولاً عن الإمتناع عن إبرام التصرف الذي عقدت من أجله الوكالة.
(3) أنه إذا صدرت ورقة مكتوبة من الوكيل، فإنها تكون حجة على الموكل بتاريخها الغزفي، لأن الموكل "لا يعتبر من الغير الذي عنتهم المادة 15 من قانون الإثبات، عند اشتراطها إثبات تاريخ المحررات العرفية للاحتجاج به في مواجهتهم. فتاريخ هذه المحررات العرفية يكون حجة على الموكل حتى يقيم الدليل على عدم صحته.
فإذا كان تاريخ المحرر العرفي سابقاً على انتهاء الوكالة، وأراد الموكل علم الإحتجاج به عليه، كان له أن يثبت بكافة طرق الإثبات أن التاريخ العرفي للورقة مخالف للحقيقة وأنه صدر في تاريخ سابق للوكالة أو لاحق لإنهاء الوكالة.
(4) إذا صدر إقرار عن الوكيل يكون هذا الإقرار حجة على الموكل.
(5) إن ورقة الضد التي يحررها الوكيل يحتج بها في مواجهة الموكل كما لو كان قد وقعها بنفسه، فالموكل لا يعتبر في هذه الحالة من الغير الذين لا يصح التمسك ضدهم بمضمون هذه الورقة.
(6) أن حيازة الوكيل العقارات موكله التي تحت يده بسبب عقد الوكالة تعتبر حيازة لحساب الأصيل.
تقف نيابة الوكيل عن الموكل عند حد الغش فإذا تواطأ الوكيل مع الغير للإضرار بحقوق الموكل، فإن التصرف الذي يعقده الوكيل مع الغير على هذا الوجه أو الإجراء الذي يتخذه لا ينصرف أثره إلى الموكل.
ولكن أثر التصرف ينصرف إلى الموكل ولو الحق به غبنا.
لما كانت نتائج التصرف الحاصل بطريق النيابة تقع في ذمة الأصيل مباشرة فإن النائب يظل غريباً عن آثار ما عقده من تصرف باسم الأصيل، فهو لا يلتزم بذلك التصرف ولا يرتبط بمقتضاه مع الغير على أي وجه كان، وهكذا نجد النائب الذي كان له الدور الأكبر في إبرام التصرف غير ذي دور في الإلتزام بأحكام ذلك التصرف، فهو بمجرد إبرامه ينسحب من ميدان العلاقة التعاقدية تاركاً بين الأصيل وبين الغير الذي تعاقد مع النائب رابطة قانونية مباشرة يحكمها ذلك التصرف المبرم بين النائب والغير. على أن نيابة الوكيل قد تشمل – فضلاً عن إبرام التصرف - تنفيذ التصرف الذي أبرمه ففي هذه الحالة يكون له بصفته نائباً وطبقاً لهذه الحدود الواسعة النيابته أن يفي ويستوفي وأن يقاضي ويتقاضى للتوصل إلى تنفيذ العقد، ولكن كل ذلك بصفته وكيلاً ولحساب الأصيل لا لحساب نفسه.
لا يكون الوكيل مسئولاً قبل الغير إلا إذا ارتكب خطأ يستوجب مسئوليته. فإذا لم يرتكب خطأ لم يكن مسئولاً، حتى لو أصاب الغير ضرر من تنفيذ الوكالة. والمقصود بالغير هذا الشخص الذي يتعاقد مع الوكيل. فإذا ارتكب الوكيل تدليساً على الغير في تعاقده معه أو أكرهه على التعاقد، جاز للغير أن يطلب إبطال العقد، ويرفع دعوى الإبطال. على الموكل لا على الوكيل، وجاز له أيضاً أن يرجع بالتعويض على الوكيل نفسه لما ارتكبه من تدليس أو إكراه.
وإذا ارتكب محام سباً أو قذفاً في حق خصم موكله، أو قدم ضده بلاغاً كاذباً بسوء نية وهو في صدد تنفيذ الوكالة، فإن المحامي يكون مسئولاً نحو خصم موكله عن الخطأ الذي ارتكبه، حتى لو ارتكب الخطأ بأمر الموكل.
(ب)- حالة خروج الوكيل عن حدود الوكالة:
إذا تجاوز الوكيل حدود الوكالة بأن لم تكن هناك وكالة أصلاً، أو كانت هناك وكالة وتجاوز حدودها فلا يصدق عليه القول بأنه ينوب عن الموكل، إذ النيابة لا تكون إلا في حدود ما وكل فيه وعلى ضوء هذا المبدأ تتحدد علاقة كل من الموكل والوكيل بالغير في هذه الحالة.
أولاً : علاقة الموكل بالغير:
لا يلتزم الموكل في مواجهة الغير بما يجريه الوكيل خارجاً عن حدود الوكالة، بل يعتبر من الغير بالنسبة لهذه التصرفات فلا تتأثر بها ذمته لا بطريقة سلبية ولا بطريقة إيجابية. وبناء على ذلك لا تنشأ بينه وبين الغير الذي تعامل مع الوكيل أية علاقة تبيح لأحدهما أن يوجه للآخر أية مطالبة على أساس العقد الذي عقده الوكيل.
ويستوي في ذلك أن يكون الغير الذي تعاقد مع الوكيل عالماً بأن الوكيل يعمل دون نيابة أو غير عالم بذلك.
ولايسرى التصرف في حق الموكل حتى لو كان الغير يعتقد بحسن نية أن الوكيل يعمل بموجب وكالة قائمة.
والغير هو الذي يقع عليه عبء إثبات أن الوكيل قد عمل في حدود نيابته.
وقد رأينا أن الفقرة الثانية من المادة 703 مدنی تجيز للوكيل أن يخرج عن حدود الوكالة، وبالتالي يلتزم الموكل بتصرفاته الخارجة عن حدود الوكالة، إذا كان من المستحيل عليه إخطار الموكل سلفاً وكانت الظروف يغلب معها الظن بأن الموكل ما كان إلا ليوافق على هذا التصرف. وعلى الوكيل في هذه الحالة أن يبادر بإبلاغ الموكل خروجه عن حدود الوكالة.
إذا أقر الموكل هذا التصرف، فإنه لا يشترط في الإقرار شكل معين، وكما يكون الإقرار صريحاً يصح أن يكون ضمنياً يستنتج من تصرفات الموكل التي تكشف عن إرادته إجازة التصرف الذي عقده الوكيل بإسمه (م 139 / 1 مدنی). كأن يسلم الموكل البضاعة التي باعها الوكيل أو يتسلم الثمن من المشتري أو يدفع مصاريف العقد، وكأن يعقد الموكل قرضاً يستعين به على تنفيذ التزامات الوكيل، وكأن يسكت الموكل مدة كافية دون أن يعترض على التصرف المعقود باسمه، إذا كان الغير أعلنه بتصرف الوكيل.
واستخلاص هذا الإقرار الضمني مما يخضع للسلطة التقديرية لمحكمة الموضوع.
ويترتب على هذا الإقرار جعل التصرف الذي أبرمه الوكيل خارجاً عن حدود وكالته نافذاً في حق الموكل.
غير أنه إذا أقر الموكل التصرف، فلا يجوز له الرجوع في هذا الإقرار.
ولما كانت الإجازة بطبيعتها عملاً قانونياً صادراً من جانب واحد فإنه لا يلزم لنفاذها قبول الوكيل أو الغير. ولا يعترض على ذلك بأن الإجازة اللاحقة تعتبر بمثابة التوكيل السابق، ولا ينعقد التوكيل إلا برضاء الوكيل، لأنه يصح صدور الإيجاب بالوكالة من الوكيل نفسه، وهوما يتحقق في حالة تجاوز الوكيل حدود الوكالة.
ويكون للإقرار أثر رجعي، يعتبر التصرف نافذاً في حق الموكل من يوم أن عقده الوكيل لا من يوم الإقرار إذ أن الإقرار اللاحق يكون في حكم التوكيل السابق، وذلك مع عدم الإخلال بحقوق الغير طبقا للقواعد العامة.
ولا عبرة بتصديق الموكل على ما باشره الوكيل من تصرف خارج حدود الوكالة إلا إذا ثبت علمه بأن التصرف الذي يقره خارج عن حدود الوكالة وأنه قد أقره قاصداً إضافة أثره إلى نفسه.
وإذا كان الغير عالماً بتجاوز الوكيل حدود وكالته وقت إبرام التصرف، وأقر الموكل هذا التصرف، فلا يكون للغير أن يتحلل من تعاقده مع الوكيل.
إذا اختار الموكل عدم إقرار التصرف الذي قام به الوكيل خارج حدود وكالته، فإن التصرف لا ينصرف إليه غير أنه يجوز للغير الرجوع على الموكل بمقدار ما استفاد من التصرف في حدود قواعد الفضالة أو قواعد الإثراء بلا سبب.
وفي وسع الغير الذي تعامل مع الوكيل أن يتحلل من التصرف الذي أبرمه مع الوكيل قبل تصديق الموكل، إذا تبين أن الوكيل قد تجاوز حدود الوكالة، ولم يكن على بينة من هذا الأمر وقت التعاقد. ويبرر كثير من الشراح هذا الحل بأن العقد لا ينعقد لعدم توافق الإرادتين في مثل هذا الفرض لأن إرادة الغير اتجهت إلى إلزام الموكل، وبالتالي إلى التعاقد معه بواسطة الوكيل، فالغير لا يلزم بإيجابه قبل الوكيل لأنه لم يشأ أن يلتزم بالعقد معه، كما لا يلتزم قبل الموكل الذي يعتبر أجنبياً عن هذا العقد. ومن المسلم به أن كل إيجاب من هذا النوع يجوز سحبه، طالما لم يصادفه قبول. وبذلك يكون الغير في حل من أن يسحب إيجابه طالما أنه لم يتعلق به قبول الموكل بالتصديق.
أما في حالة تعاقد الغير مع الوكيل مع علمه بتجاوزه حدود الوكالة، فإنه لا يستطيع أن يسحب إيجابه حتى يعلن الموكل عما في عزمه من التصديق أو عدمه على ما فعله الوكيل، لأن علم الغير بتجاوز حدود الوكالة يجعله ملتزماً بأن يظل على إيجابه المدة المعقولة ليكشف الموكل عن نيته.
ثانياً : علاقة الوكيل بالغير:
لا يكون الوكيل مسئولاً عن تجاوز حدود ما وكل فيه إذا أعلم من يعامله بسعة وكالته. وعلة ذلك ظاهرة وهي أن الغير يكون قد ساهم مع الوكيل فی الخطأ الذي ارتكبه بتجاوزه حدود الوكالة، ولا يمكن تبرير إقباله على مثل هذا العمل إلا أنه يأمل في تصديق الموكل، وهو عمل خارج عن إرادة الوكيل، فلا يسأل عن عدم تحققه طالما أنه لم يتعهد بذلك. وحسب الوكيل أنه كشف للغير عن سعة وكالته ليكون في حرز من المسئولية في حالة عدم إجازة الموكل تصرفه.
وإذا لم يكشف الوكيل للغير عن حدود وكالته كان مسئولاً شخصياً في مواجهة الغير عن تنفيذ ما عقده من مشارطات خارج حدود الوكالة.
ولما كان في تجهيل الوكيل وكالته على الغير خطئاً تدليسياً لا يمكن افتراضه فإنه يقع على عاتق الغير إثبات ذلك.
ويعتبر الوكيل مسئولاً في مواجهة الغير عن تجازوه حدود الوكالة إذا اقترن كشفه للغير عن سعة وكالته بتعهده أن يحمل الموكل على إجازة هذا التصرف، فيكون الوكيل في مثل هذا الفرض متعهداً عن الغير، ويسأل عن فشله في الحصول على إجازة الموكل (م 153 مدنی).
كما يسأل الوكيل عن الضرر الذي يلحق الغير نتيجة خطأ ثابت في جانبه على أساس المسئولية التقصيرية المنصوص عليها بالمادة 163 مدنی، ولا يعفيه من المسئولية كون الموكل مسئولاً عن تعويض الضرر الذي يلحق الغير نتيجة غش الوكيل أو تدليسه، لأن مسئولية الموكل لا تجب مسئولية الوكيل التي تقوم على أساس الخطأ الثابت في جانبه فلا مفر له منها. وكل ما يترتب على اشتراكهما في الخطأ أو تواطئهما على التدليس هو حق الغير في الرجوع عليهما بالتضامن (م 169 مدنی).
الوكالة الظاهرة
تعريف الوكالة الظاهرة
الوكالة الظاهرة هي الوكالة التي يعمل فيها الوكيل دون نيابة عن الموكل، وذلك بألا تكون لديه وكالة أصلاً، أو بأن يستمر في العمل كوكيل بعد انتهاء الوكالة، أو بأن يعمل بوكالة باطلة أو قابلة للإبطال بعد إبطالها، أو بأن تكون لديه وكالة صحيحة، ولكنه تجاوز الحدود المرسومة للوكالة، ويكون الغير المتعاقد معه حسن النية يعتقد بقيام الوكالة، لوجود مظهر خارجي للوكالة منسوب إلى الموكل.
ونظرية الوكالة الظاهرة نظرية صاغها القضاء وتابعه فيها الفقه، ليواجه بها الضرورات العملية، وليوطد استقرار التعامل، ولو خرج في ذلك على المنطق القانوني. ولها مع ذلك سند تشريعي في بعض تطبيقاتها، كما سنرى.
شروط الوكالة الظاهرة :
يشترط لتوافر الوكالة الظاهرة توافر شروط أربعة هي:
1- أن يعمل الوكيل باسم الموكل دون نيابة.
2- أن يكون الغير الذي يتعامل مع الوكيل حسن النية يعتقد أن الوكيل نائب.
3- أن يقوم مظهر خارجى للوكالة منسوب للموكل.
4- أن يكون الموكل قد أسهم بخطئه في ظهور الشخص بمظهر الوكيل.
ونعرض لهذه الشروط بالتفصيل فيما يلى
الشرط الأول:
أن يعمل الوكيل باسم الموكل دون نيابة:
ويكون ذلك بألا تكون لدى الوكيل نيابة أصلاً، أو بأن يستمر في العمل کوکيل بعد إنتهاء الوكالة، أو بأن يعمل بوكالة باطلة أو قابلة للإبطال بعد إبطالها، أو بأن تكون لديه وكالة صحيحة، ولكنه تجاوز الحدود المرسومة الوكالة. وأكثر حالات تجاوز حدود الوكالة، أن تكون الوكالة غامضة العبارة أو واسعة المدى في ظاهرها، ولكنها مقيدة في حقيقتها بقيود لا يستطيع معرفتها الغير الذي يتعامل مع الوكيل، أو كانت هناك شروط تحفظية واتفاقات سرية بين الموكل والوكيل ولا تستفاد من الوكالة نفسها، فيجاوز الوكيل حدود الوكالة متوسعاً في تفسير العبارة الغامضة، أو غير مراع للشروط التحفظية والاتفاقات السرية التي عقدها مع الموكل.
ومن أمثلة ذلك أن يكون نظام الشركة قد قيد على غير المألوف سلطات مدير الشركة، فيخرج المدير على هذه القيود في تعامله مع الغير، ويعتقد الغير بحسن نية أن المدير يعمل في حدود نظام الشركة.
ومن صور عمل الوكيل متجاوزاً حدود الوكالة، أن تكون الوكالة قد انتهت لأي سبب من الأسباب المنتهية للوكالة، ومع ذلك يستمر الوكيل في مباشرة الوكالة.
ومثال ذلك أن تنتهي الوكالة بموت الموكل أو فقده أهليته أو إفلاسه أو بعزل الوكيل أو تنحيته عن الوكالة. وهذه الحالة هي أكثر حالات الوكالة الظاهرة وقوعاً . وبخاصة إذا عمل الوكيل بعد انتهاء مهمته وبعد عزله أو بعد موت الموكل فإنه من السهل في هذه الفروض أن يتوهم الغير الذي يتعامل مع الوكيل أن الوكالة لا تزال باقية، فقد يبقى سند الوكالة بيد الوكيل بعد انتهاء مهمته فيطمئن الغير إليه، كما يقع كثيراً أن يخفى على الغير أمر عزل الوكيل أو أمر موت الموكل.
وقد يعمل الوكيل دون وكالة أصلاً، كما إذا تقدم شخص مثلاً بمخالصة من الدائن القبض دينه، ويكون قد استولى على هذه المخالصة خلسة فيقبض الدین دون أن تكون عنده وكالة أصلاً، وحينئذ يعتبر قبضه صحيحاً مبرئاً لذمة المدين وذلك إعمالاً لنص المادة 232 مدني التي تقضي بأن: "ويعتبر ذا صفة فى استيفاء الدين من يقدم للمدين مخالصة صادرة من الدائن".
ومثل ذلك أيضاً استئجار شخص متجراً لإستغلاله في مقابل أجرة شهرية يسددها لصاحب المتجر، ويظل المستأجر يستعمل أوراق المتجر التي تحمل اسم صاحبه، فإن التصرفات التي يعقدها المستأجر تلزم صاحب المتجر إذ يعتبر المستأجر وكيلاً ظاهراً عنه وإن لم تكن عنده وكالة عنه أصلاً.
ويعتبر في حكم انعدام الوكالة الوكالة الباطلة، فإذا عمل الوكيل بوكالة باطلة، كما إذا كانت مهمة الموكل شراء منزل لإدارته للمقامرة أو الدعارة، وكان الوكيل يعلم بذلك. فإن الوكالة تكون باطلة لعدم مشروعية السبب ومع ذلك إذا اشترى الوكيل المنزل بموجب هذه الوكالة الباطلة، وكان البائع لا يعلم ولايستطيع أن يعلم بالسبب غير المشروع، فإنه يستطيع أن يلزم الموكل بالبيع.
ويأخذ حكم الوكالة الباطلة، الوكالة القابلة للإبطال، كالتوكيل الصادر من قاصر، أو من موكل وقع في غلط جوهري أو إكراه أو تدليس. فإذا عمل الوكيل بموجب هذه الوكالة، وكان المتعامل معه يجهل أن الوكالة قابلة للإبطال، فإن أثر تصرف الوكيل ينصرف إلى الموكل، حتى لو حصل هذا على حكم بإبطال الوكالة.
وعبء إثبات هذا الشرط يقع على عاتق الموكل، إذ المفروض أن الوكيل عندما يعمل باسم الموكل يكون نائباً عنه في التصرف الذي يبرمه، فإذا أراد الموكل أن يتنصل من هذا التصرف. فعليه أن يثبت انعدام نيابة الوكيل.
وأحياناً قد يجهل الوكيل والغير معاً انتهاء الوكالة وقد اختص المشرع هذه الحالة بنص خاص هو المادة 107 مدني التي تجري على أن: "إذا كان النائب ومن تعاقد معه يجهلان معاً وقت العقد إنقضاء النيابة، فان أثر العقد الذي يبرمه، حقاً كان أو التزاماً، يضاف إلى الأصيل أو خلفائه"، كما ورد في المشروع التمهيدي للتقنين المدني في خصوصها نص آخر هو المادة 955 من المشروع، وقد حذف في لجنة المراجعة.
الشرط الثاني :
أن يكون الغير الذي يتعامل مع الوكيل حسن النية يعتقد أن الوكيل نائب :
يشترط أن يتوافر لدى الغير الذي يتعامل مع الوكيل حسن النية، فلو كان سئ النية بمعنى أنه كان على علم بانعدام وكالة الوكيل، فإنه لا يكون جديراً بالحماية التي تكفلها له نظرية الوكالة الظاهرة، وعليه تحمل تبعة التصرف الذي أبرمه.
وكما أوضحنا سلفاً أنه يقع على عاتق الغير الذي يتعاقد مع الوكيل التحقق من وكالته قبل أن يتعاقد معه، وله أن يطلب منه تقديم سند وكالته بالتفصيل الذي ذكرناه في موضعه.
ولا ينفي هذا الشرط أن يكون الغير قد أبرم التصرف بعد أن تعهد له الوكيل بالحصول على إقرار الموكل بالتصرف، لأن هذا التعهد لا يلزم الموكل بالتصرف إلا إذا أقره بالضوابط التي ذكرناها سلفاً."
غير أنه يجوز للغير الرجوع على الوكيل بالتعويض إذا لم يحصل الوكيل على إقرار الموكل بالتصرف.
فالمفترض أن الغير يعلم بانعدام نيابة الوكيل قبل التعاقد معه. ومن ثم يجب على الغير إثبات حسن نيته وأنه كان لا يعلم بانعدام النيابة عند التعاقد مع الوكيل، ويستعين الغير في إثبات ذلك بإثبات المظهر الخارجي المنسوب إلى الموكل وهو المظهر الذي أوهم الغير أن الوكيل نائب فإذا ما أثبت الغير هذا المظهر الخارجي، وأثبت في الوقت ذاته أنه غير مقصر في الانسياق وراء هذا المظهر، بل اتخذ من الإحتياطات ما يتخذه الشخص المعتاد في الظروف التي تم فيها التعاقد مع الوكيل ليتثبت من أن هذا المظهر يطابق الواقع، فقد تم له بذلك إثبات حسن نيته.
ولا يتطلب هذا الشرط أن يكون الوكيل الذي يتعامل مع الغير حسن النية، فقد يكون الوكيل سئ النية يعلم أنه يجاوز حدود وكالته، أو أن وكالته منعدمة أو باطلة أو قابلة للإبطال أو منقضية، ومع ذلك ينصرف أثر التصرف الذي أبرمه مع الغير إلى الموكل.
الشرط الثالث:
أن يقوم مظهر خارجى للوكالة منسوب للموكل :
يشترط أن يقوم مظهر خارجى للوكالة منسوب للموكل، بحيث تكون الشواهد المحيطة بالمركز الظاهر من شأنها أن تولد الإعتقاد العام بمطابقة هذا المركز الحقيقة، ومن شأنه أن يخدع الغير الذي تعامل مع الوكيل الظاهر. ويشفع للغير في حسن نيته، ويجعله معذورا في تعاقده مع الوكيل الظاهر، وهذا المظهر الخارجي للوكالة هو جوهر الوكالة الظاهرة.
ومن أمثلة تحقق الوضع الظاهر:
1- أن تكون الوكالة غامضة العبارة تحتمل التفسير الذي ذهب إليه الوكيل فجاوز به حدود الوكالة.
2- أن تكون هناك تحفظات أو إتفاقات سرية لا يعلم بها الوكيل.
3- أن يكون مدير الشركة الذي جاوز حدود اختصاصه إنما باشر في الواقع عملاً يدخل في المألوف من اختصاصات مديرى الشركات فلم يجد الغير الذي تعامل معه ما يدعو إلى مزيد من التحري والتثبت.
4- أن يتعاقد مندوب إحدى شركات الأقطان في القرى مع مزارع على شراء محصوله وتحريره العقد على مطبوعات الشركة، مع علم الكافة بصلته بالشركة.
5- إعطاء الموكل الوكيل توكيلا على بياض، فيملأ الوكيل هذا التوكيل بما يجاوز حدود الوكالة المتفق عليها بينهما.
6- أن يحرر الدائن مخالصة فيسرقها آخر ويقدمها لقبض الدين.
7- إذا كان التوكيل باطلاً أو قابلاً للإبطال إذ لا يستطيع الغير التحقق من سلامة التوكيل.
8- عزل الوكيل دون أن يتخذ الموكل الاحتياطات الكافية لإعلان عزله.
9- انتهاء مهمة الوكيل دون أن يسترد منه الموكل سند وكالته.
الشرط الرابع :
أن يكون الموكل قد أسهم بخطئه في ظهور الشخص بمظهر الوكيل :
يشترط أن يكون الموكل قد أسهم بخطئه - سلباً أو إيجاباً في ظهور الوكيل بمظهر الوكيل الذي يتعاقد في حدود الوكالة، مما يدفع الغير حسن النية إلى التعاقد معه، للشواهد المحيطة بهذا المركز، والتي من شأنها أن تولد الإعتقاد الشائع بمطابقة هذا المظهر للحقيقة.
ومن أمثلة الخطأ الذي يسهم به الموكل في ظهور الشخص بمظهر الوكيل الذي يتصرف في حدود وكالته، أن يكون قد أساء إختيار وكيله، أو أهمل في الإشراف عليه أو إذا كانت الوكالة التي عقدها مع الوكيل غامضة العبارة، أو كانت واسعة المدى في ظاهرها ولكنها مقيدة في حقيقتها لقيود لا يستطيع الغير الذي يتعامل مع الوكيل معرفتها. أو كانت هناك شروط تحفظية واتفاقات سرية لا تستفاد من عقد الوكالة ذاته.
أو إذا كانت الوكالة قد انتهت ومع ذلك لم يسترد الموكل سند الوكالة من الوكيل. أو لم يتخذ الإحتياطات الكافية للإعلان على انتهاء الوكالة.
آثار توافر شروط الوكالة الظاهرة :
(أ) - فيما بين الموكل والغير:
إذا توافرت شروط الوكالة الظاهرة الأربعة سالفة الذكر، ترتبت عليها آثار الوكالة الحقيقية. فيما بين الموكل والغير. فيسرى التصرف الذي أبرمه الوكيل مع الغير قبل الموكل، ويكون لكل من الموكل والغير مطالبة الآخر بالالتزامات الناشئة قبله من عقد الوكالة.
وانصراف أثر الوكالة الظاهرة إلى الموكل، هو حق للغير، وليس واجباً عليه، فهو مقرر لصالحه، استقراراً للتعامل الذي تم على أساس الوضع الظاهر الخاطئ، ومن ثم جاز له النزول عن هذا التصرف، وفي هذه الحالة لا ينصرف التصرف الذي أجراه الوكيل الظاهر إلى الموكل.
(ب)- فيما بين الموكل والوكيل الظاهر:
إذا كان الوكيل الظاهر حسن النية، بمعنى أنه رغم أنه جاوز حدود الوكالة حقيقة، فإنه كان يعتقد أنه يعمل في حدود الوكالة، أو رغم أن الوكالة كانت باطلة، فإنه كان يعتقد أن الوكالة صحيحة، فلا مسئولية عليه قبل الموكل ولا يجوز للأخير الرجوع عليه بثمة تعويض.
غير أنه يراعى أنه إذا كانت الوكالة قد انتهت بأحد الأسباب التي تنتهي الوكالة دون أن يعلم به الوكيل، فإن الوكالة تبقى قائمة، وتكون الوكالة حقيقية وليست ظاهرة.
أما إذا كان الوكيل الظاهر سيئ النية، بمعنى أنه كان يعلم أن الوكالة غير قائمة، بأن تجاوز حدودها أو أنها انتهت أو كانت باطلة، ومع ذلك أقدم على التصرف مع الغير، فإنه يكون قد ارتكب خطأ تقصيرياً قبل الموكل يستوجب التعويض عملاً بالمادة 163 مدني.
ويكون التعويض عما لحق الموكل من ضرر من جراء انصراف أثر التصرف الذي أبرمه الوكيل مع الغير إليه.
وإذا كان تحقيق الوكالة الظاهرة هو مما يخالطه واقع فلا يجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض.
الأصل أن الموكل لا يكون مسئولاً عن الخطأ الذي ارتكبه وكيله، لأن الوكيل ينوب عن الموكل في التعاقد مع الغير فينصرف إليه آثار هذا التعاقد، ولكنه لا ينوب عنه في الخطأ الذي يرتكبه.
وعلى ذلك إذا جاوز الوكيل حدود الوكالة وتعاقد مع الغير حسن النية دون أن تتوافر شروط الوكالة الظاهرة فإن الغير يرجع بالتعويض على الوكيل دون الموكل. وإذا كان الوكيل مفوضاً في بيع منقول وتسليمه، فباعه وبدلاً من تسليمه اختلسه، كان مسئولاً قبل المشتري عن هذا الاختلاس. أما الموكل فيكون مسئولاً أيضاً عن عدم تسليم المبيع للمشترى، ولكن لا بموجب مسئولية تثبت في جانبه على خطأ الوكيل، وإنما بموجب البيع الذي عقده الوكيل بإسمه فانصرف أثره إليه إذ أصبح ملتزماً بتسليم المبيع إلى المشتري.
ومع ذلك يكون الموكل مسئولاً نحو الغير عن خطأ الوكيل في حدود قواعد المسئولية التقصيرية، وكذلك في حدود قواعد الوكالة ذاتها. أما في حدود قواعد المسئولية التقصيرية، فإن الموكل يسأل عن خطأ الوكيل إذا ارتكب هو خطأ جر إلى خطأ الوكيل، كأن أهمل في رقابته حيث تجب عليه هذه الرقابة أو كان الخطأ الذي ارتكبه الوكيل ليس إلا تنفيذاً لتعليمات تلقاها منه، ويكون الموكل في هذه الحالة مسئولاً عن خطئه الشخصي لا عن خطأ الوكيل.
وكذلك يسأل الموكل عن خطأ الوكيل إذا كان الوكيل مرتبطاً به إرتباط التابع بالمتبوع، كأن يكون خادماً عنده أو مستخدماً في متجره، ويكون الموكل في هذه الحالة مسئولاً عن خطأ الوكيل مسئوليته عن التابع، ويتفرع على ذلك أن تكون الشركة مسئولة عن خطأ مديرها الذي يعد وكيلاً عنها، باعتباره مرتبطاً بها ارتباط التابع بالمتبوع.
وأما في حدود قواعد الوكالة ذاتها، فلما كان التصرف الذي يبرمه الوكيل باسم الموكل إنما يبرمه بإرادته هو فتحل هذه الإرادة محل إرادة الأصيل، كما أنه يعتد بشخص الوكيل في العلم بظروف من شأنها أن تؤثر في هذا التصرف، فإنه يترتب على ذلك أنه إذا ارتكب الوكيل تدلیساً جر الغير إلى التعاقد معه، فإن العقد يكون قابلاً للإبطال، ويجوز فوق ذلك للغير أن يرجع بالتعويض على الوكيل والموكل، أيضاً كما لو كان التدليس قد صدر منه هو.
كذلك إذا تواطأ الوكيل مع الغير الذي تعاقد معه للإضرار بحقوق دائني هذا الغير أو تواطأ معه على الصورية، فإنه يعتد بهذا التواطؤ ويكون الموكل مسئولاً عنه فيمتد أثره إليه، ومن ثم يجوز لدائني الغير أن يطعنوا في التصرف بالدعوى البوليصية أو أن يتمسكوا بالعقد الصوري طبقاً لقواعد الصورية وذلك كله في مواجهة الموكل كما لو كان تواطؤ الوكيل مع الغير قد صدر منه هو.
( الوكيل المسخر "الذي يعمل باسم مستعار")
المقصود بالوكيل المسخر " الذي يعمل باسم مستعار":
القاعدة أن الوكيل يعمل دائماً لحساب الموكل وحينئذ تكون تلك الوكالة نيابية وهي وكالة مكشوفة. ومع ذلك فقد يرى الموكل أن يخفى اسمه في التصرف الذي فوض فيه الوكيل، فيشترط في عقد الوكالة أن يعمل الوكيل بإسمه الشخصي، ويسخره في ذلك مستعيراً اسمه. وتسمى الوكالة في هذه الحالة بعقد التسخير أو عقد الإسم المستعار، ويسمى الوكيل بالمسخر أو الإسم المستعار.
كما أن الوكالة النيابية التي يعمل فيها الوكيل باسم الموكل باعتباره نائباً عنه، تسمح للوكيل بأن يتعاقد باسمه إذا اختار ذلك، وعندئذ يصبح في حكم المسخر أو الاسم المستعار وإن كان يفعل ذلك من تلقاء نفسه لا بناء على تسخير الموكل وتكون الوكالة في الحالتين وكالة دون نيابة.
المقصود بالتقرير بالشراء عن الغير، شرط يتفق عليه بين البائع والمشتري يخول الأخير خياراً بين أن يستبقي الصفقة لنفسه وبين أن يحل غيره فيها، ويلتزم البائع بقبول نتيجة اختبار المشتري أي بارتباطه بأحكام البيع إما إزاء المشترى نفسه وإما إزاء الشخص الذي يعينه المشترى لذلك حسب اختياره.
وأوجه الاتفاق بين التسخير والتقرير بالشراء عن الغير أن الوكيل في كليهما لا يعلن اسم الموكل ولكن الوكيل في التقرير بالشراء عن الغير يعلن أنه يشتري لنفسه أو لغيره. وقد يحتفظ بالصفة لنفسه وعندئذ يكون أصيلاً في الشراء لا وكيلاً . أما في التسخير فالوكيل يشتري حتما لحساب غيره ويلتزم بنقل الصفة إلى هذا الغير، ولا يستطيع أن يحتفظ بها لنفسه.
كما أن الوكالة بالتسخير تكون قائمة وقت إبرام الوكيل العقد الأصلي. بينما الغالب في التقرير بالشراء عن الغير ألا توجد صلة بين المشتري الأصلي والمشترى النهائي وقت إبرام العقد الأصلي بل قد يجهل المشتري الأصلي في ذلك الوقت وجود المشتري النهائي.
صورة المسخر الذي يعمل باسمه الشخصي، أن يشتري - مثلاً شخص أرضاً بإسم ابنته، فتكون البنت هي المالكة الحقيقية للأرض، ولا تلتزم بنقل ملكيتها للأب كما يلزم الوكيل المسخر. ولا ينتفع الأب من الصفقة انتفاعاً شخصياً إلا بمقدار ما ينتفع به الأب عادة بمال أولاده. وإنما قصد الأب من تسخير ابنته في الشراء بأسمها أن يتفادي لو أنه اشترى الأرض باسمه، أن يرثه غير ابنته من أقارب، لأن ليس له أولاد ذكور. أو يتفادى أحكام تحديد الملكية الزراعية الواردة في قانون الإصلاح الزراعي.
أمثلة لأسباب التجاء الموكل إلى تسخير الوكيل :
قد يلجأ الموكل إلى تسخير الوكيل لأسباب كثيرة يرى أنها تحقق صالحاً له، غير أن هذه الأسباب قد تكون مشروعة وقد تكون غير مشروعة. ونعرض فيما يلي الأمثلة لهذه الأسباب.
(أ) – الأسباب المشروعة :
1- أن يسخر المشتري (الموكل) في المزاد وكيلاً عنه يتقدم إلى المزاد باسمه الشخصي لا بإسم الموكل. وذلك لأنه يريد أن يخفي الصفقة عن الجمهور، أو لأنه يخشى لو ظهر اسمه في جلسة المزاد أن يتقدم مزايدون يزايدون عليه لعلمهم بحاجته إلى الصفقة فيدفعونه إلى تقديم عطاء أعلى.
والتسخير في هذا المثال لغرض مشروع، لأنه ضرب من ضروب الصورية، والصورية وحدها ليست سبباً في بطلان التصرف.
2- أن ينزل صاحب الحق عن حقه المتنازع فيه لمسخر يرفع الدعوى بإسمه الشخصي، ويتفادى الخصم الحقيقي بذلك أن يظهر اسمه في المنازعات القضائية، ويلتزم المسخر، إذا كسب الدعوى بأن ينقل الحق الذي كسبه إلى الخصم الحقيقي.
3- أن يوكل الزوج زوجته وكالة مستترة في شراء عقار أو منقول، أو توكل الزوجة زوجها وكالة مستترة في ذلك.
ب- الأسباب غير المشروعة :
القاعدة أنه إذا كان الغرض من التسخير غير مشروع، فإن التسخير يكون باطلاً ويشمل البطلان عقد الوكالة المستتر والتصرف الذي باشره الوكيل بإسمه الشخصي تنفيذاً لعقد الوكالة والتصرف الذي نقل به الوكيل الحق للموكل.
ويستطيع الغير حسن النية الذي تعاقد مع المسخر أن يثبت التسخير بجميع الطريق، ومنها البينة والقرائن، ويتمسك بالبطلان ضد طرفي عقد التسخیر. ولكن طرفي التسخير لا يستطيعان التمسك بالتسخير قبل الغير حسن النية وذلك وفقاً لقواعد الصورية.
أهلية الوكيل أنه يكفي أن يكون مميزاً، أما بالنسبة للوكيل المسخر فإن الأمر يختلف لأنه يعقد التصرف باسمه لا بإسم موكله، ومن ثم يجب أن تتوافر فيه أهلية التصرف الذي يقوم به.
أحالت المادة 713 مدني إلى المواد من 104 إلى 107 الخاصة بالنيابة في علاقة الموكل والوكيل بالغير الذي يتعامل مع الوكيل. وقد رأينا أن المادة 106 تنص على أنه إذا لم يعلن العاقد وقت إبرام العقد أنه يتعاقد بصفته نائباً، فإن أثر العقد لا يضاف إلى الأصيل دائناً أو مديناً ... إلخ" والوكيل المسخر لا يعلن وقت العقد أنه يتعاقد بصفته نائباً عن الأصيل، وإنما يتعاقد بأسمه الشخصي، ومن ثم فلا تكون هناك نيابة، ومن ثم فإن أثر العقد من حقوق والتزامات لا يضاف إلى الأصيل، وإنما يضاف إلى الوكيل المسخر.
فإذا كان الوكيل المسخر موكلاً بالبيع، فإنه يصبح مديناً بالتسليم ونقل الملكية، ويصبح دائناً للمشترى بدفع الثمن.
قد تقوم علاقة بين الوكيل المسخر وأغير آخرين خلاف الغير الذي سخر للتعاقد معه فيعتبر هو المالك أو صاحب الحق.
فإذا سخر لشراء منزل مثلاً واشتراه، كان هو المالك له. وبهذه الصفة يرجع عليه الغير الذي أنفق على المنزل مصروفات ضرورية، أم مصروفات نافعة طبقاً لأحكام المادة 1 / 980، 2 مدني.
كذلك لو كان الشئ الذي اشتراه الوكيل المسخر منقولاً وحجز عليه دائنوه قبل أن تنتقل ملكيته للموكل، فإن للدائنين أن ينفذوا على المنقول بحقوقهم حتی لو انتقلت ملكيته بعد ذلك للموكل.
وبالنسبة إلى دائني الوكيل المسخر، يعتبر المنزل مملوكاً للوكيل، فيجوز لهم التنفيذ عليه بحقوقهم، فإذا سجلوا التنبيه بنزع الملكية قبل تسجيل السند الذي ينقل به الوكيل ملكية المنزل إلى الموكل، استوفوا حقوقهم من ثمن المنزل في مواجهة الموكل نفسه.
ولا يعتبر العقد الصادر إلى الوكيل المسخر سبباً صحيحاً مكسباً للملكية بالتقادم الخمسي لأنه لم يصدر إليه أصالة وإنما بإعتباره اسماً مستعاراً.
ويلتزم الوكيل المسخر بدفع رسوم نقل الملكية لأنه يعتبر المالك بالنسبة إلى الخزانة. وإذا مات قبل نقل الملكية إلى الموكل، انتقلت الملكية إلى ورثته والتزموا بضريبة التركات (قبل إلغائها).
الوكيل المسخر لا يعلن وقت إبرام العقد أنه يتعاقد بصفته نائباً، وإنما يتعاقد بأسمه الشخصي، ومن ثم فإنه لا يكون نائباً عن الموكل وتنصرف إليه هو دون الموكل كافة آثار التصرف من حقوق والتزامات ولا يستثنى من ذلك إلا الحالتين المنصوص عليهما بالمادة وهما : أن يكون من المفروض حتماً أن من تعاقد معه النائب يعلم بوجود النيابة، أو كان يستوي عنده أن يتعامل مع الأصيل أو النائب. وعلى ذلك فإن علاقة الغير الذي عقد التصرف مع الوكيل المسخر تكون مع الأخير ولا شأن له بالموكل.
فإذا سخر الوكيل في شراء عقار، كان الوكيل هو الدائن في الالتزام بنقل الملكية والتسليم وضمان الاستحقاق، وكان هو المدين بأداء الثمن، ويكون لكل من الوكيل المسخر والغير الرجوع على الآخر فيما له من حقوق.
على أن الموكل وإن لم يكن له حق الرجوع مباشرة بالثمن على الغير المشتري إلا أن له الرجوع عليه بطريق الدعوى غير المباشرة باستعمال حق مدينة الوكيل المسخر.
وبالمقابل يستطيع الغير الرجوع بماله من حقوق على الموكل عن طريق الدعوى غير المباشرة باستعمال حق مدينه وهو الوكيل المسخر.
كما تقوم العلاقة بين الوكيل المسخر وأغيار آخرین خلاف الغير الذي سخر للتعاقد معه، كذلك تقوم العلاقة بين الموكل وأغيار آخرين، من هؤلاء:
1- دائنو الموكل.
2- دائنو الوكيل.
3- الأشخاص الذين يتصرف لهم الوكيل فيما اشتراه بطريق التسخير.
(أ) – بالنسبة إلى دائني الموكل :
فبالنسبة إلى دائني الموكل، فإنه بفرض أن الوكيل سخر في شراء منزل الحساب الموكل، اعتبر المنزل مملوكاً له وباعتبار المنزل مملوكاً للوكيل لا يجوز لدائني الموكل أن ينفذوا عليه، ولكن بإعتبار الوكيل ملتزماً بنقل ملكية المنزل للموكل يجوز لهؤلاء الدائنين أن يطالبوا الوكيل بتنفيذ التزامه عن طريق الدعوى غير المباشرة باسم الموكل. وإذا تعارض دائنو الموكل مع دائني الوكيل، فإن دائني الوكيل يستطيعون، إذا سجلوا التنبيه بنزع الملكية قبل تسجيل السند الذي ينقل به الوكيل ملكية المنزل إلى الموكل، أن يستوفوا حقوقهم من ثمن المنزل في مواجهة الموكل نفسه.
أما إذا سخر الوكيل في بيع منزل، وتمهيداً لذلك نقل إليه الموكل ملكية المنزل، فإن لدائني الموكل أن يطعنوا في هذا التصرف بالدعوى البوليصية إذا أثبتوا أن هناك تواطؤا بين الموكل والوكيل على الإضرار بحقوقهم. ولايجوز لهم الطعن بالدعوى البوليصية إذا باع الوكيل المنزل للغير تنفيذا لوكالته، إلا إذا أثبتوا أن هذا الغير كان هو أيضاً متواطئاً مع الوكيل.
(ب)- بالنسبة إلى دائني الوكيل:
في المثال السابق - يستطيع الموكل استخلاص المنزل منهم إذا هو سجل سند نقل ملكية المنزل إليه من الوكيل قبل أن يسجل هؤلاء الدائنون التنبيه بنزع الملكية. وإذا أفلس الوكيل، فإن كان إفلاسه قبل أن تنتقل ملكية المنزل إلى الموكل كان هذا الأخير دائناً للتفليسة شأنه في ذلك شأن سائر دائني الوكيل. أما إذا انتقلت ملكية المنزل إلى الموكل قبل شهر الإفلاس، فإن الموكل يستطيع استرداده من التفليسة باعتباره مملوكاً له.
(ج)- بالنسبة إلى من تصرف له الوكيل :
بالنسبة إلى من تصرف له الوكيل في المنزل الذي اشتراه - في المثال السابق - بطريق التسخير، فإن الموكل يستطيع أن يطعن فى هذا التصرف بالدعوى البوليصية باعتباره دائناً للوكيل إذا هو أثبت تواطؤ الوكيل مع المتصرف له إذا كان التصرف بعوض، ودون حاجة لإثبات التواطؤ إذا كان التصرف تبرعاً، وذلك طبقاً للقواعد المقررة في الدعوى البوليصية.
ثالثاً : علاقة الوكيل المسخر بالموكل :
عقد الوكالة المستترة يحكم علاقة الوكيل المسخر بالموكل :
يحدد العلاقة بين الوكيل المسخر والموكل عقد الوكالة المبرم بينهما، وهو عقد الوكالة المستترة.
وهذا تطبيق لقواعد الصورية التي تقضي بأن العقد الحقيقي هو الذي يسري في العلاقة بين المتعاقدين.
ولما كان الوكيل يتعاقد مع الغير باسمه الشخصي فتنتقل إليه الحقوق والالتزامات الناشئة عن العقد، فإن الوكالة المستترة تقضي بنقل آثار العقد من الوكيل المسخر إلى الموكل.
والعلاقة بين الوكيل المسخر والموكل كما ذكرنا ينظمها عقد الوكالة المبرم بينهما، وبالتالي فإن هذا العقد يرتب في جانب كل من الموكل والوكيل المسخر كافة الالتزامات التي يرتبها عقد الوكالة، والتي ذكرناها سلفاً.
وبالترتيب على ذلك يلتزم الوكيل بأن ينفذ الوكالة في حدودها المرسومة وبموافاة الموكل بالمعلومات الضرورية عما وصل إليه في تنفيذ الوكالة وبتقديم الحساب ورد ما للموكل في يده بعد انتهاء الوكالة، كما يلتزم الموكل بدفع الأجر إلى الوكيل إذا كانت الوكالة مأجورة ورد المصروفات التي أنفقها في تنفيذ الوكالة إلى الوكيل، وتعويضه عما أصابه من ضرر في تنفيذ الوكالة.
ويلتزم الوكيل بنقل الحقوق التي كسبها بإسمه، كما أن على الموكل أن يبرئ ذمة الوكيل مما عقده باسمه من الإلتزامات.
إذا تقاعس الوكيل المسخر عن نقل الحقوق التي ترتبت على التصرف الذي أبرمه بالتسخير إلى الموكل، كان للموكل اللجوء إلى القضاء لإجبار الوكيل على ذلك.
وفي الوجه المقابل إذا تقاعس الموكل عن تحمل الالتزامات الناشئة عن التصرف، كان للوكيل المسخر إجباره على ذلك برفع دعواه إلى القضاء.
ويرى الفقه أن نقل الحقوق والالتزامات إلى الموكل ينتج أثره من وقت حصوله بين الوكيل والموكل وليس من وقت تعاقد الوكيل مع الغير، فليس له أثر رجعي.
إلا أن قضاء محكمة النقض جرى على أن تسجيل البيع الصادر للوكيل المعير اسمه ينقل الملكية إلى الأصيل المستتر، فإن أريد الاحتجاج بملكية الأصيل في حق غير الوكيل وجب عندئذ - ولتحقيق هذا الغرض وحده - إصدار تصرف جديد إلى الأصيل وتسجيله.
وإذا توفي الوكيل المسخر يجوز إجبار ورثته على تنفيذ التزامات مورثهم.
تثبت الوكالة المستترة بين الموكل والوكيل المستتر أو المسخر طبقاً للقواعد العامة، فإذا كانت قيمة التصرف محل الوكالة تجاوز ألف جنيه وجب إثباتها بالكتابة أو بما يقوم مقامها، إلا إذا وجد مانع مادي أو أدبي يحول دون الحصول على دليل كتابي فإذا قلت القيمة عن ذلك جاز إثباتها بكافة طرق الإثبات القانونية بما فيها البينة والقرائن.
وإذا كانت الوكالة المسخرة ثابتة بالكتابة، فإنه لا يجوز إثبات عكسها إلا بالكتابة ولو لم تجاوز قيمتها ألف جنيه أما بالنسبة للغير حسن النية الذي تعاقد مع الوكيل المسخر، فله أن يثبت التسخير بكافة طرق الإثبات القانونية ومنها البينة والقرائن. ويتمسك بالبطلان ضد طرفي عقد التسخير .(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء : التاسع، الصفحة : 311)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الحادي والثلاثون ، الصفحة / 329
نَصْبُ الْوَكِيلِ عَنْ شَخْصٍ فِي غَيْبَتِهِ:
12 - إِذَا امْتَنَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنِ الْحُضُورِ وَإِرْسَالِ وَكِيلٍ إِلَى الْمَحْكَمَةِ فَهَلْ يُنْصَبُ لَهُ وَكِيلٌ مُسَخَّرٌ يُنْكِرُ عَلَى الْغَائِبِ، فَيَحْكُمُ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ. أَوْ يَحْكُمُ عَلَيْهِ دُونَ نَصْبِ الْمُسَخَّرِ؟ لِلْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ: قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا امْتَنَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنِ الْحُضُورِ وَإِرْسَالِ وَكِيلٍ إِلَى الْمَحْكَمَةِ بَعْد دَعْوَتِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ، يُحْضَرُ إِلَيْهَا جَبْرًا، فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ إِحْضَارُهُ يُدْعَى إِلَى الْمَحْكَمَةِ بِطَلَبِ الْمُدَّعِي ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فِي أَيَّامٍ مُتَفَاوِتَةٍ. فَإِنْ أَبَى الْمَجِيءَ أَفْهَمَهُ الْحَاكِمُ بِأَنَّهُ سَيَنْصِبُ لَهُ وَكِيلاً وَيَسْمَعُ دَعْوَى الْمُدَّعِي وَبَيِّنَتَهُ، فَإِنِ امْتَنَعَ بَعْدَ ذَلِكَ عَنِ الْحُضُورِ وَإِرْسَالِ وَكِيلٍ نَصَبَ الْحَاكِمُ لَهُ وَكِيلاً يُحَافِظُ عَلَى حُقُوقِهِ، وَسَمِعَ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةَ فِي مُوَاجَهَتِهِ، وَيَحْكُمُ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُبَلِّغُ الْحُكْمَ الْغِيَابِيَّ لَهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ، فَإِذَا حَضَرَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ غِيَابًا إِلَى الْمَحْكَمَةِ وَتَشَبَّثَ بِدَعْوَى صَالِحَةٍ لِدَفْعِ دَعْوَى الْمُدَّعِي فَتُسْمَعُ دَعْوَاهُ، وَتُفَصَّلُ عَلَى الْوَجْهِ الْمُوجِبِ، وَإِنْ لَمْ يَتَشَبَّثْ بِدَفْعِ الدَّعْوَى، أَوْ تَشَبَّثَ وَلَمْ يَكُنْ تَشَبُّثُهُ صَالِحًا لِلدَّفْعِ يَنْفُذُ الْحُكْمُ الْوَاقِعُ.
وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْمُسَخَّرِ لاَ يَجُوزُ إِلاَّ لِضَرُورَةٍ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: لِلْقَاضِي الْحُكْمُ عَلَى الْغَائِبِ فَإِنْ كَانَتِ الْغَيْبَةُ قَرِيبَةً كَالْيَوْمَيْنِ وَالثَّلاَثَةِ مَعَ الأْمْنِ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَكْتُبُ إِلَيْهِ: إِمَّا تَقْدُمْ أَوْ وَكِّلْ، فَإِنْ لَمْ يَقْدَمْ وَلاَ وَكَّلَ حَكَمَ عَلَيْهِ، وَالْغَيْبَةُ الْبَعِيدَةُ يَقْضِي عَلَيْهِ بِيَمِينِ الْقَضَاءِ مِنَ الْمُدَّعِي مَعَ تَسْمِيَةِ الشُّهُودِ، لِيَجِدَ الْغَائِبُ لَهُ مَدْفَعًا عِنْدَ قُدُومِهِ. لأِنَّهُ بَاتَ عَلَى حُجَّتِهِ إِذَا قَدِمَ، وَالْغَيْبَةُ الْمُتَوَسِّطَةُ فِي هَذَا كَالْبَعِيدَةِ . وَالأْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لاَ يَلْزَمُ الْقَاضِي نَصْبَ مُسَخَّرٍ يُنْكِرُ عَلَى الْغَائِبِ عِنْدَ الدَّعْوَى عَلَيْهِ؛ لأِنَّهُ قَدْ يَكُونُ مُقِرًّا، فَيَكُونُ إِنْكَارُ الْمُسَخَّرِ كَذِبًا. وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ نَصْبُهُ، لَكِنْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْقَاضِيَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ النَّصْبِ وَعَدَمِهِ.
وَمُقَابِلُ الأْصَحِّ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْقَاضِيَ نَصْبُهُ، لِتَكُونَ الْبَيِّنَةُ عَلَى إِنْكَارِ مُنْكِرٍ .
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنِ اخْتَبَأَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعَثَ الْحَاكِمُ مَنْ يُنَادِي عَلَى بَابِهِ ثَلاَثًا أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَحْضُرْ سَمَّرَ بَابَهُ وَخَتَمَ عَلَيْهِ، وَيَجْمَعُ أَمَاثِلَ جِيرَانِهِ وَيُشْهِدُهُمْ عَلَى إِعْذَارِهِ، فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ سَمَّرَ وَخَتَمَ مَنْزِلَهُ بِطَلَبٍ مِنَ الْمُدَّعِي، فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ بَعَثَ الْحَاكِمُ مَنْ يُنَادِي عَلَى بَابِهِ بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْ عَدْلٍ أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَحْضُرْ مَعَ فُلاَنٍ أَقَامَ عَنْهُ وَكِيلاً وَحَكَمَ عَلَيْهِ. فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ أَقَامَ عَنْهُ وَكِيلاً وَسَمِعَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ، وَحَكَمَ عَلَيْهِ كَمَا يَحْكُمُ عَلَى الْغَائِبِ .
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الخامس والأربعون ، الصفحة / 93
مَا يَتَعَلَّقُ بِالْغَيْرِ مِنْ أَحْكَامِ الْوَكَالَةِ:
الْجِهَةُ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِهَا حُقُوقُ الْعَقْدِ الَّذِي يَعْقِدُهُ الْوَكِيلُ:
158 - بِاسْتِقْرَاءِ عِبَارَاتِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْعُقُودَ الَّتِي يَعْقِدُهَا الْوُكَلاَءُ نَوْعَانِ:
النَّوْعُ الأْوَّلُ: عُقُودٌ تَجُوزُ إِضَافَتُهَا إِلَى الْوَكِيلِ كَالْبَيْعِ وَالإْجَارَةِ .
النَّوْعُ الثَّانِي: عُقُودٌ لاَ تَجُوزُ إِضَافَتُهَا إِلَى الْوَكِيلِ كَالنِّكَاحِ وَصُلْحِ الدَّمِ، بَلْ يَلْزَمُ إِضَافَتُهَا إِلَى الْمُوَكِّلِ .
فَقَدْ نَصَّتِ الْمَادَةُ (1460) مِنْ مَجَلَّةِ الأْحْكَامِ الْعَدْلِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ «يَلْزَمُ أَنْ يُضِيفَ الْوَكِيلُ الْعَقْدَ إِلَى مُوَكِّلِهِ فِي الْهِبَةِ وَالإْعَارَةِ وَالإْيدَاعِ وَالرَّهْنِ وَالإْقْرَاضِ وَالشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَالصُّلْحِ عَنْ إِنْكَارٍ، وَإِنْ لَمْ يُضِفْهُ إِلَى مُوَكِّلِهِ فَلاَ يَصِحُّ» .
159 - وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَحْدِيدِ الْجِهَةِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِهَا حُقُوقُ الْعُقُودِ الَّتِي يَعْقِدُهَا الْوَكِيلُ.
فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ إِلَى أَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِالْوَكِيلِ، سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا تَجُوزُ إِضَافَتُهُ إِلَى الْوَكِيلِ أَوْ لاَ تَجُوزُ.
وَعَنْ أَحْمَدَ: تَتَعَلَّقُ بِالْوَكِيلِ عُهْدَةُ الثَّمَنِ فِي الذِّمَّةِ إِنْ كَانَ مُشْتَرِيًا .
وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمُوَكِّلِ، سَوَاءٌ كَانَ الْعَقْدُ مِمَّا تَجُوزُ إِضَافَتُهُ إِلَى الْوَكِيلِ كَالإْجَارَةِ ، أَوْ لاَ تَجُوزُ كَالنِّكَاحِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِّ الْعَمْدِ .
وَلِلْحَنَفِيَّةِ فِي الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلٌ حَيْثُ قَالُوا:
كُلُّ عَقْدٍ يَصِحُّ إِضَافَتُهُ إِلَى الْوَكِيلِ- كَالْبَيْعِ وَالإْجَارَةِ - وَأَضَافَهُ إِلَى نَفْسِهِ فَحُقُوقُ ذَلِكَ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِالْوَكِيلِ دُونَ الْمُوَكِّلِ، فَيُسَلِّمُ الْمَبِيعَ وَيَقْبَضُ الثَّمَنَ وَيُطَالَبُ بِالثَّمَنِ إِذَا اشْتَرَى وَيَقْبِضُ الْمَبِيعَ وَيُخَاصَمُ بِالْعَيْبِ.
وَكُلُّ عَقْدٍ يَلْزَمُ الْوَكِيلَ إِضَافَتُهُ إِلَى الْمُوَكِّلِ- كَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ- فَإِنَّ حُقُوقَهُ تَتَعَلَّقُ بِالْمُوَكِّلِ دُونَ الْوَكِيلِ، فَلاَ يُطَالَبُ وَكِيلُ الزَّوْجِ بِالْمَهْرِ، وَلاَ يَلْزَمُ وَكِيلَ الْمَرْأَةِ تَسْلِيمُهَا .
قَالَ الْكَاسَانِيُّ: أَمَّا التَّوْكِيلُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَحُقُوقُهَا تَرْجِعُ إِلَى الْوَكِيلِ، فَيُسَلِّمُ الْمَبِيعَ وَيَقْبِضُهُ وَيَقْبِضُ الثَّمَنَ وَيُطَالَبُ بِهِ وَيُخَاصَمُ فِي الْعَيْبِ وَقْتَ الاِسْتِحْقَاقِ.
وَالأْصْلُ أَنَّ كُلَّ عَقْدٍ لاَ يَحْتَاجُ فِيهِ إِلَى إِضَافَتِهِ إِلَى الْمُوَكِّلِ، وَيَكْتَفِي فِيهِ بِالإْضَافَةِ إِلَى نَفْسِهِ فَحُقُوقُهُ رَاجِعَةٌ إِلَى الْعَاقِدِ، كَالْبِيَاعَاتِ وَالأْشْرِبَةِ وَالإْجَارَاتِ وَالصُّلْحِ الَّذِي هُوَ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ، فَحُقُوقُ هَذِهِ الْعُقُودِ تَرْجِعُ لِلْوَكِيلِ وَعَلَيْهِ، وَيَكُونُ الْوَكِيلُ فِي هَذِهِ الْحُقُوقِ كَالْمَالِكِ، وَالْمَالِكُ كَالأْجْنَبِيِّ ، حَتَّى لاَ يَمْلِكَ الْمُوَكِّلُ مُطَالَبَةَ الْمُشْتَرِي مِنَ الوكيل بالثمن .
وَلَوْ طَالَبَهُ فَأَبَى لاَ يُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِ الثَّمَنِ إِلَيْهِ، وَلَوْ أَمَرَهُ الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الثَّمَنِ مَلَكَ الْمُطَالَبَةَ، وَأَيُّهُمَا طَلَبَ الْمُشْتَرِيَ بِالثَّمَنِ يُجْبَرُ عَلَى التَّسْلِيمِ إِلَيْهِ، وَلَوْ نَهَاهُ الْوَكِيلُ عَنْ قَبْضِ الثَّمَنِ صَحَّ نَهْيُهُ.
وَلَوْ نَهَى الْمُوَكِّلُ الْوَكِيلَ عَنْ قَبْضِ الثَّمَنِ لاَ يُعْمَلُ نَهْيُهُ، غَيْرَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إِذَا نَقَدَ الثَّمَنَ إِلَى الْمُوَكِّلِ يَبْرَأُ عَنِ الثَّمَنِ اسْتِحْسَانًا، وَكَذَا الْوَكِيلُ هُوَ الْمُطَالَبُ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ إِذَا نَقَدَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ وَلاَ يُطَالَبُ بِهِ الْمُوَكِّلُ.
وَإِذَا اسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْوَكِيلِ إِنْ كَانَ نَقَدَ الثَّمَنَ إِلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ نَقَدَهُ إِلَى الْمُوَكِّلِ يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَيْهِ، وَكَذَا إِذَا وَجَدَ الْمُشْتَرِي بِالْمَبِيعِ عَيْبًا لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ الْوَكِيلَ.
وَإِذَا أَثْبَتَ الْعَيْبَ عَلَيْهِ وَرَدَّهُ عَلَيْهِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي أَخَذَ الثَّمَنَ مِنَ الْوَكِيلِ إِنْ كَانَ نَقَدَهُ الثَّمَنَ، وَإِنْ كَانَ نَقَدَهُ إِلَى الْمُوَكِّلِ أَخَذَهُ مِنْهُ، وَكَذَا الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ هُوَ الْمُطَالَبُ بِالثَّمَنِ دُونَ الْمُوَكِّلِ، وَهُوَ الَّذِي يَقْبِضُ الْمَبِيعَ دُونَ الْمُوَكِّلِ، وَإِذَا اسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ فَهُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى الرُّجُوعَ بِالثَّمَنِ عَلَى بَائِعِهِ دُونَ الْمُوَكِّلِ.
وَلَوْ وَجَدَ بِالْمَبِيعِ عَيْبًا: إِنْ كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ وَلَمْ يُسَلِّمْهُ إِلَى الْمُوَكِّلِ بَعْدُ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِه بِالْعَيْبِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ سَلَّمَهُ إِلَى مُوَكِّلِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ إِلاَّ بِرِضَا مُوَكِّلِهِ.
وَكَذَلِكَ هَذَا فِي الإْجَارَةِ وَالاِسْتِئْجَارِ وَأَخَوَاتِهِمَا، وَكُلُّ عَقْدٍ يُحْتَاجُ فِيهِ إِلَى إِضَافَتِهِ إِلَى الْمُوَكِّلِ فَحُقُوقُهُ تَرْجِعُ إِلَى الْمُوَكِّلِ، كَالنِّكَاحِ وَالطَّلاَقِ عَلَى مَالٍ وَالْعَتَاقِ عَلَى مَالٍ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ، وَالْكِتَابَةِ وَالصُّلْحِ عَنْ إِنْكَارِ الْمُدَعَّى عَلَيْهِ وَنَحْوِهِ، فَحُقُوقُ هَذِهِ الْعُقُودِ تَكُونُ لِلْمُوَكِّلِ وَعَلَيْهِ. وَالْوَكِيلُ فِيهَا يَكُونُ سَفِيرًا وَمُعَبِّرًا مَحْضًا، حَتَّى إِنَّ وَكِيلَ الزَّوْجِ فِي النِّكَاحِ لاَ يُطَالَبُ بِالْمَهْرِ وَإِنَّمَا يُطَالَبُ بِهِ الزَّوْجُ، إِلاَّ إِذَا ضَمِنَ الْمَهْرَ فَحِينَئِذٍ يُطَالَبُ بِهِ لَكِنْ بِحُكْمِ الضَّمَانِ، وَوَكِيلُ الْمَرْأَةِ فِي النِّكَاحِ لاَ يَمْلِكُ قَبْضَ الْمَهْرِ.
وَكَذَا الْوَكِيلُ بِالْكِتَابَةِ وَالْخُلْعِ لاَ يَمْلِكُ قَبْضَ بَدَلِ الْكِتَابَةِ وَالْخُلْعِ إِنْ كَانَ وَكِيلَ الزَّوْجِ، وَإِنْ كَانَ وَكِيلَ الْمَرْأَةِ لاَ يُطَالَبُ بِبَدَلِ الْخُلْعِ إِلاَّ بِالضَّمَانِ، وَكَذَا الْوَكِيلُ بِالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ .
وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّهُ إِذَا وَكَّلَهُ عَلَى بَيْعٍ فَعَلَيْهِ طَلَبُ الثَّمَنِ وَقَبْضُهُ، لأِنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ الْبَيْعِ.
وَإِذَا وَكَّلَهُ عَلَى اشْتِرَاءٍ فَعَلَيْهِ قَبْضُ الْمَبِيعِ مِنَ الْبَائِعِ وَتَسْلِيمُهُ لِلْمُشْتَرِي.
وَعَلَيْهِ رَدُّ الْمَعِيبِ إِذَا كَانَ لاَ يَعْلَمُ بِالْعَيْبِ حَالَ شِرَائِهِ.
وَالْوَكِيلُ مُطَالَبٌ بِثَمَنٍ لِسِلْعَةٍ اشْتَرَاهَا لِمُوَكِّلِهِ وَمُثَمَّنٍ اشْتَرَاهُ لَهُ، مَا لَمْ يُصَرِّحْ بِالْبَرَاءَةِ مِنَ الثَّمَنِ أَوِ الْمُثَمَّنِ، فَإِنْ صَرَّحَ بِأَنْ قَالَ: لاَ أَتَوَلَّى ذَلِكَ لَمْ يُطَالَبْ وَإِنَّمَا يُطَالَبُ مُوَكِّلُهُ .
وَقَالُوا: الْوَكِيلُ مُطَالَبٌ بِالْعُهْدَةِ مِنْ عَيْبٍ أَوِ اسْتِحْقَاقٍ مَا لَمْ يَعْلَمِ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ وَكِيلٌ، فَإِنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ وَكِيلٌ فَإِنَّهُ يُطَالِبُ الْمُوَكِّلَ لاَ الْوَكِيلَ، إِلاَّ إِذَا كَانَ الْوَكِيلُ مُفَوَّضًا فَيُطَالِبُ أَيَّهُمَا شَاءَ .
كَيْفِيَّةُ انْصِرَافِ حُكْمِ الْعَقْدِ إِلَى الْمُوَكِّلِ:
160 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي كَيْفِيَّةِ انْصِرَافِ حُكْمِ الْعَقْدِ إِلَى الْمُوَكِّلِ:
فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: الْحَنَفِيَّةُ فِي الصَّحِيحِ- وَهُوَ قَوْلُ أَبِي طَاهِرٍ الدَّبَّاسِ - وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الصَّحِيحِ كَذَلِكَ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ حُكْمَ الْعَقْدِ يَنْتَقِلُ إِلَى الْمُوَكِّلِ مُبَاشَرَةً، لأِنَّ الْعَقْدَ لَهُ فَوَقَعَ الْمِلْكُ لَهُ كَمَا لَوْ عَقَدَهُ بِنَفْسِهِ.
وَذَهَبَ الْكَرْخِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ الْوَجْهُ الْمُقَابِلُ لِلصَّحِيحِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْحُكْمَ يَثْبُتُ لِلْوَكِيلِ أَوَّلاً، ثُمَّ يَنْتَقِلُ إِلَى الْمُوَكِّلِ لأِنَّ الْخِطَابَ جَرَى مَعَهُ، فَلَوْ وَكَّلَ رَجُلٌ آخَرَ لِيَشْتَرِيَ لَهُ سِلْعَةً مُعَيَّنَةً فَاشْتَرَاهَا الْوَكِيلُ، فَإِنَّ الْمِلْكَ يَنْتَقِلُ إِلَى الْوَكِيلِ أَوَّلاً، وَلَكِنَّهُ مِلْكٌ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ، لأِنَّهُ يَعُودُ وَيَنْتَقِلُ إِلَى الْمُوَكِّلِ .
وَذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو زَيْدٍ، إِلَى أَنَّ الْوَكِيلَ نَائِبٌ عَنِ الْمُوَكِّلِ فِي حَقِّ الْحُكْمِ، أَصِيلٌ فِي حَقِّ الْحُقُوقِ، فَإِنَّ الْحُقُوقَ تَثْبُتُ لَهُ ثُمَّ تَنْتَقِلُ إِلَى الْمُوَكِّلِ .
اخْتِلاَفُ الْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ
للاِخْتِلاَفِ بَيْنَ الْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ صُوَرٌ نُبَيِّنُهَا فِيمَا يَلِي:
أ- الاِخْتِلاَفُ فِي أَصْلِ الْوَكَالَةِ:
161 - إِذَا كَانَ الاِخْتِلاَفُ فِي أَصْلِ الْوَكَالَةِ، فَقَالَ الْوَكِيلُ: وَكَّلْتَنِي فِي كَذَا، وَلَكِنَّ الْمُوَكِّلَ أَنْكَرَ ذَلِكَ وَقَالَ لَهُ: لَمْ أُوَكِّلْكَ.
فَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ اخْتِلاَفٌ فِي أَصْلِ الْوَكَالَةِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُوَكِّلِ. لأِنَّ الأْصْلَ عَدَمُ الْوَكَالَةِ فَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ أَمِينُهُ لِيُقْبَلَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ .
ب- الاِخْتِلاَفُ فِي صِفَةِ الْوَكَالَةِ:
162 - إِذَا اخْتَلَفَ الْمُوَكِّلُ وَالْوَكِيلُ فِي صِفَةِ الْوَكَالَةِ، كَأَنْ يَقُولَ الْمُوَكِّلُ: وَكَّلْتُكَ فِي بَيْعِ هَذَا الْبَعِيرِ، وَيَقُولَ الْوَكِيلُ: بَلْ وَكَّلْتَنِي فِي بَيْعِ هَذِهِ النَّاقَةِ. أَوْ قَالَ الْمُوَكِّلُ: وَكَّلْتُكَ فِي الْبَيْعِ بِأَلْفَيْنِ، وَقَالَ الْوَكِيلُ: بَلْ بِأَلْفٍ، أَوْ قَالَ الْمُوَكِّلُ: وَكَّلْتُكَ فِي بَيْعِهِ نَقْدًا، وَقَالَ الْوَكِيلُ: بَلْ نَسِيئَةً.
فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَحْدِيدِ مَنْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الَّتِي تُمَثِّلُ الاِخْتِلاَفَ بَيْنَ الْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلِ فِي صِفَةِ الْوَكَالَةِ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ- اخْتَارَهُ الْقَاضِي- إِلَى أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُوَكِّلِ.
وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّهُ إِذَا اخْتَلَفَ الْمُوَكِّلُ وَالْوَكِيلُ فِي التَّوْكِيلِ الَّذِي يَدَّعِيهِ الْوَكِيلُ- وَالأْصْلُ عَدَمُهُ- فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُوَكِّلِ الَّذِي يَنْفِيهِ، كَمَا لَوْ لَمْ يُقِرَّ الْمُوَكِّلُ بِتَوْكِيلِهِ فِي غَيْرِهِ.
وَاسْتَدَلُّوا كَذَلِكَ بِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي صِفَةِ قَوْلِ الْمُوَكِّلِ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي صِفَةِ كَلاَمِهِ، كَمَا لَوِ اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي صِفَةِ الطَّلاَقِ.
وَاسْتَثْنَى الْمَالِكِيَّةُ مِنْ هَذَا الْحُكْمِ صُورَتَيْنِ، حَيْثُ قَالُوا بِقَبُولِ قَوْلِ الْوَكِيلِ بِيَمِينِهِ فِيهِمَا، وَهُمَا:
الصُّورَةُ الأْولَى: وَكَّلَ شَخْصٌ غَيْرَهُ بِشِرَاءِ سِلْعَةٍ وَدَفَعَ لِلْوَكِيلِ الثَّمَنَ فَاشْتَرَى بِهِ سِلْعَةً، فَزَعَمَ الْمُوَكِّلُ أَنَّهُ أَمَرَ الْوَكِيلَ بِشِرَاءِ غَيْرِهَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَكِيلِ مَعَ يَمِينِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، فَإِذَا حَلَفَ الْوَكِيلُ لَزِمَتِ السِّلْعَةُ الْمُوَكِّلَ.
الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: إِذَا وَكَّلَ شَخْصٌ آخَرَ فِي بَيْعِ سِلْعَةٍ، فَبَاعَهَا الْوَكِيلُ بِعَشَرَةٍ مَثَلاً وَادَّعَى أَنَّ الْمُوَكِّلَ أَمَرَهُ بِذَلِكَ، وَقَالَ الْمُوَكِّلُ: بَلْ أَمَرْتُهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَكِيلِ بِيَمِينِهِ إِذَا فَاتَ الْمَبِيعُ بِزَوَالِ عَيْنِهِ وَأَشْبَهَ قَوْلَ ذَلِكَ الْوَكِيلِ، سَوَاءٌ أَشْبَهَ الْمُوَكِّلُ أَمْ لاَ، وَكَذَا إِنْ لَمْ يَفُتْ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَحْلِفِ الْمُوَكِّلُ، فَإِنْ حَلَفَ الْمُوَكِّلُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ.
وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُوَكِّلِ بِيَمِينِهِ إِذَا فَاتَ الْمَبِيعُ وَأَشْبَهَ قَوْلَهُ وَحْدَهُ، أَوْ لَمْ يُشْبِهْ وَاحِدًا مِنْهُمَا، وَكَذَا إِنْ لَمْ يَفُتْ وَحَلَفَ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ إِلَى أَنَّ الْقَوْلَ عِنْدَ الاِخْتِلاَفِ فِي صِفَةِ الْوَكَالَةِ قَوْلُ الْوَكِيلِ، لأِنَّهُ أَمِينٌ فِي التَّصَرُّفِ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي صِفَتِهِ .
جـ- اخْتِلاَفُ الْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ فِي تَلَفِ الْمُوَكَّلِ فِيهِ:
163 - إِذَا اخْتَلَفَ الْوَكِيلُ وَالْمُوَكِّلُ حَوْلَ تَلَفِ مَا بِيَدِ الأْوَّلِ لِلثَّانِي مِنْ ثَمَنٍ وَغَيْرِهِ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ.
فَقَدْ ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْوَكِيلِ مَعَ يَمِينِهِ، وَذَلِكَ لأِنَّ الْوَكِيلَ أَمِينٌ، وَمَا بِيَدِهِ يُعْتَبَرُ أَمَانَةً، وَقَدْ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ إِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ، فَلاَ يُكَلَّفُ ذَلِكَ كَالْمُودَعِ لَدَيْهِ.
وَلأِنَّهُ لَوْ كَلَّفَ الْوَكِيلَ إِقَامَةَ الْبَيِّنَةِ مَعَ تَعَذُّرِ ذَلِكَ عَلَيْهِ، لاَمْتَنَعَ النَّاسُ مِنَ الدُّخُولِ فِي الأْمَانَاتِ مَعَ حَاجَتِهِمْ إِلَيْهَا، فَيَلْحَقُهُمُ الضَّرَرُ مِنْ ذَلِكَ.
وَقَيَّدَ الْمَالِكِيَّةُ هَذَا الْحُكْمَ بِمَا إِذَا كَانَ الْوَكِيلُ مُتَّهَمًا.
وَقَيَّدَ الْحَنَابِلَةُ هَذَا الْحُكْمَ بِمَا إِذَا ادَّعَى الْوَكِيلُ التَّلَفَ بِسَبَبٍ خَفِيٍّ كَالسَّرِقَةِ وَنَحْوِهَا .
أَمَّا إِذَا ادَّعَى الْوَكِيلُ التَّلَفَ بِأَمْرٍ ظَاهِرٍ كَالْحَرِيقِ وَالنَّهْبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَقَدْ ذَهَبَ الْقَاضِي مِنَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ عَلَى الْوَكِيلِ إِقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى وُجُودِ هَذَا الأْمْرِ الظَّاهِرِ فِي تِلْكَ النَّاحِيَةِ، ثُمَّ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ فِي التَّلَفِ بِذَلِكَ الأْمْرِ الظَّاهِرِ فِي رِوَايَةٍ، وَلاَ يُطَالَبُ الْوَكِيلُ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى كَوْنِ الْمُوَكَّلِ فِيهِ بِعَيْنِهِ حُرِقَ أَوْ نُهِبَ لأِنَّهُ مُتَعَذِّرٌ.
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: إِذَا أَثْبَتَ الْحَادِثُ الظَّاهِرُ وَلَوْ بِاسْتِفَاضَةٍ أَنَّ الْوَكِيلَ لاَ يَحْلِفُ .
د- الاِخْتِلاَفُ فِي تَعَدِّي الْوَكِيلِ وَتَفْرِيطِهِ فِي الْحِفْظِ:
164 - إِذَا اخْتَلَفَ الْوَكِيلُ وَالْمُوَكِّلُ فِي تَعَدِّي الْوَكِيلِ وَتَفْرِيطِهِ فِي حِفْظِ مَا بِيَدِهِ مِنْ مَالٍ لِمُوَكِّلِهِ أَوْ مُخَالَفَتِهِ أَمْرَ مُوَكِّلِهِ، كَأَنْ يَدَّعِيَ الْمُوَكِّلُ عَلَى الْوَكِيلِ أَنَّهُ حَمَلَ عَلَى الدَّابَّةِ فَوْقَ طَاقَتِهَا، أَوْ حَمَلَ عَلَيْهَا شَيْئًا لِنَفْسِهِ، أَوْ فَرَّطَ فِي حِفْظِهَا، أَوْ لَبِسَ الثَّوْبَ بِدُونِ إِذْنِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
فَقَدْ ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْوَكِيلِ مَعَ َيَمِينِهِ، لأِنَّهُ مُنْكِرٌ لِمَا يُدَّعَى عَلَيْهِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ .
هـ - الاِخْتِلاَفُ فِي التَّصَرُّفِ الْمَأْذُونِ فِيهِ وَالْقَبْضِ:
لِلْفُقَهَاءِ فِي مُعَالَجَةِ الاِخْتِلاَفِ بَيْنَ الْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ فِي التَّصَرُّفِ الْمَأْذُونِ فِيهِ وَقَبْضِ الثَّمَنِ اتِّجَاهَاتٌ نَتَنَاوَلُهَا فِيمَا يَلِي:
165 - نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْوَكِيلَ يَبِيعُ الشَّيْءَ إِذَا قَالَ: بِعْتُ وَقَبَضْتُ الثَّمَنَ وَهَلَكَ، هَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ:
إِمَّا إِنْ كَانَ الْمُوَكِّلُ سَلَّمَ الْمَبِيعَ إِلَى الْوَكِيلِ أَوْ كَانَ لَمْ يُسَلِّمْ إِلَيْهِ.
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَلَّمَ الْمَبِيعَ إِلَيْهِ فَقَالَ الْوَكِيلُ: بِعْتُهُ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ وَقَبَضْتُ مِنْهُ الثَّمَنَ وَهَلَكَ الثَّمَنُ فِي يَدِي، أَوْ قَالَ: دَفَعْتُهُ إِلَى الْمُوَكِّلِ، فَهَذَا لاَ يَخْلُو إِمَّا إِنْ صَدَّقَهُ الْمُوَكِّلُ فِي ذَلِكَ أَوْ كَذَّبَهُ، فَإِنْ كَذَّبَهُ بِالْبَيْعِ، أَوْ صَدَّقَهُ بِالْبَيْعِ وَكَذَّبَهُ فِي قَبْضِ الثَّمَنِ، أَوْ صَدَّقَهُ فِيهِمَا وَكَذَّبَهُ فِي الْهَلاَكِ، فَإِنْ صَدَّقَهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ يَهْلَكُ الثَّمَنُ مِنْ مَالِ الْمُوَكِّلِ وَلاَ شَيْءَ عَلَى الْوَكِيلِ لأِنَّهُ يَهْلَكُ أَمَانَةً فِي يَدِهِ.
وَإِنْ كَذَّبَهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بِأَنْ كَذَّبَهُ بِالْبَيْعِ، أَوْ صَدَّقَهُ بِالْبَيْعِ وَكَذَّبَهُ فِي قْبَضٍ، فَإِنَّ الْوَكِيلَ يُصَدَّقُ فِي الْبَيْعِ وَلاَ يُصَدَّقُ فِي قَبْضِ الثَّمَنِ فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ، لأِنَّ إِقْرَارَ الْوَكِيلِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ جَائِزٌ عَلَيْهِ.
وَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ نَقَدَ الثَّمَنَ ثَانِيًا إِلَى الْمُوَكِّلِ وَأَخَذَ مِنْهُ الْمَبِيعَ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ، وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي الْحَالَيْنِ جَمِيعًا عَلَى الْوَكِيلِ بِمَا نَقَدَهُ.
وَلَوْ أَقَرَّ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ وَزَعَمَ أَنَّ الْمُوَكِّلَ قَبَضَ مِنَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ وَأَنْكَرَ الْمُوَكِّلُ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْوَكِيلَ يُصَدَّقُ فِي الْبَيْعِ وَلاَ يُصَدَّقُ فِي إِقْرَارِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِالْقَبْضِ، وَيُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي عَلَى مَا ذَكَرْنَا، إِلاَّ أَنَّهُ هُنَاكَ لاَ يَرْجِعُ عَلَى الْوَكِيلِ بِشَيْءٍ، لأِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الإْقْرَارُ بِقَبْضِ الثَّمَنِ.
وَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُوَكِّلُ فِي الْبَيْعِ وَقَبَضَ الثَّمَنَ، وَكَذَّبَهُ فِي الْهَلاَكِ أَوِ الدَّفْعِ إِلْيَهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَكِيلِ فِي دَعْوَى الْهَلاَكِ أَوِ الدَّفْعِ إِلَيْهِ مَعَ يَمِينِهِ لأِنَّهُ أَمِينٌ، وَيُجْبَرُ الْمُوَكِّلُ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ إِلَى الْمُشْتَرِي، لأِنَّهُ ثَبَتَ الْبَيْعُ وَقَبَضَ الثَّمَنَ بِتَصْدِيقِهِ إِيَّاهُ، وَلاَ يُؤْمَرُ الْمُشْتَرِي بِنَقْدِ الثَّمَنِ ثَانِيًا إِلَى الْمُوَكِّلِ، لأِنَّهُ ثَبَتَ وُصُولُ الثَّمَنِ إِلَى يَدِ وَكِيلِهِ بِتَصْدِيقِهِ،ِ وَوُصُولُ الثَّمَنِ إِلَى يَدِ وَكِيلِهِ كَوُصُولِهِ إِلَى يَدِهِ.
هَذَا إِذَا لَمْ يَكُنِ الْمَبِيعُ مُسَلِّمًا إِلَى الْوَكِيلِ، فَأَمَّا إِذَا كَانَ مُسَلِّمًا إِلَيْهِ فَقَالَ الْوَكِيلُ: بِعْتُهُ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ وَقَبَضْتُ مِنْهُ الثَّمَنَ فَهَلَكَ عِنْدِي، أَوْ قَالَ: دَفَعْتُهُ إِلَى الْمُوَكِّلِ، أَوْ قَالَ: قَبَضَ الْمُوَكِّلُ الثَّمَنَ مِنَ الْمُشْتَرِي، فَإِنَّ الْوَكِيلَ يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَيُسَلَّمُ الْمَبِيعُ إِلَى الْمُشْتَرِي، وَيَبْرَأُ الْمُشْتَرِي مِنَ الثَّمَنِ وَلاَ يَمِينَ عَلَيْهِ.
أَمَّا إِذَا صَدَّقَهُ الْمُوَكِّلُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ فَلاَ يُشْكَلُ، وَكَذَا إِذَا كَذَّبَهُ فِي الْبَيْعِ، أَوْ صَدَّقَهُ فِيهِ وَكَذَّبَهُ فِي قَبْضِ الثَّمَنِ، لأِنَّ الْوَكِيلَ أَقَرَّ بِبَرَاءَةِ الْمُشْتَرِي عَنِ الثَّمَنِ فَلاَ يُحَلَّفُ وَيُحَلَّفُ الْوَكِيلُ، فَإِنْ حَلَفَ عَلَى مَا يَدَّعِيهِ بَرِئَ مِنَ الثَّمَنِ، وَإِنْ نَكَلَ عَنِ الْيَمِينِ لَزِمَهُ ضَمَانُ الثَّمَنِ لِلْمُوَكِّلِ.
فَإِنِ اسْتُحِقَ الْمَبِيعُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْوَكِيلِ إِذَا أَقَرَّ بِقَبْضِ الثَّمَنِ مِنْهُ، وَالْوَكِيلُ لاَ يَرْجِعُ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِمَا ضَمِنَ مِنَ الثَّمَنِ لِلْمُشْتَرِي، لأِنَّ الْمُوَكِّلَ لَمْ يُصَدِّقْهُ عَلَى قَبْضِ الثَّمَنِ، فَإِقْرَارُ الْوَكِيلِ فِي حَقِّهِ جَائِزٌ، وَلاَ يَجُوزُ فِي حَقِّ الرُّجُوعِ عَلَى الْمُوَكِّلِ، وَلَهُ أَنْ يُحَلِّفَ الْمُوَكِّلَ عَلَى الْعِلْمِ بِقَبْضِ الْوَكِيلِ، فَإِنْ نَكَلَ رَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا ضَمِنَ.
وَلَوْ أَقَرَّ الْمُوَكِّلُ بِقَبْضِ الْوَكِيلِ الثَّمَنَ لَكِنَّهُ كَذَّبَهُ فِي الْهَلاَكِ أَوِ الدَّفْعِ إِلَيْهِ، فَإِنَّ الْوَكِيلَ يَرْجِعُ بِمَا ضَمِنَ عَلَيْهِ، لأِنَّ يَدَ وَكِيلِهِ كَيَدِهِ.
وَلَوْ كَانَ الْوَكِيلُ لَمْ يُقِرَّ بِقَبْضِ الثَّمَنِ بِنَفْسِهِ، وَلَكِنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ الْمُوَكِّلَ قَبَضَهُ مِنَ الْمُشْتَرِي لاَ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْوَكِيلِ، لأِنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ مِنْهُ الثَّمَنَ، وَلاَ يَرْجِعُ عَلَى الْمُوَكِّلِ أَيْضًا، لأِنَّ إِقْرَارَهُمَا عَلَى الْمُوَكِّلِ لاَ يَجُوزُ.
وَلَوْ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْمَبِيعَ، وَلَكِنَّهُ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا، كَانَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ الْوَكِيلَ، فَإِذَا رُدَّ عَلَيْهِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي رَجَعَ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ إِنْ أَقَرَّ بِقَبْضِ الثَّمَنِ مِنْهُ، وَلِلْوَكِيلِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِمَا ضَمِنَ إِذَا أَقَرَّ الْمُوَكِّلُ بِقَبْضِ الْوَكِيلِ الثَّمَنَ، وَيَكُونُ الْمَبِيعُ لِلْمُوَكِّلِ، وَإِنْ لَمْ يُقِرَّ الْمُوَكِّلُ بِقَبْضِ الْوَكِيلِ الثَّمَنَ لاَ يَرْجِعُ الْوَكِيلُ بِمَا ضَمِنَ عَلَى الْمُوَكِّلِ، وَلَهُ أَنْ يُحَلِّفَ الْمُوَكِّلَ عَلَى الْعِلْمِ بِقَبْضِهِ، فَإِنْ نَكَلَ رَجَعَ عَلَيْهِ، وَإِنْ حَلَفَ لاَ يَرْجِعُ، وَلَكِنَّهُ يَبِيعُ الْمَبِيعَ فَيَسْتَوْفِي مَا ضَمِنَ مِنْ ثَمَنِ الْمَبِيعِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ رَدَّهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ نُقْصَانٌ فَلاَ يُرْجَعُ بِالنُّقْصَانِ عَلَى أَحَدٍ.
وَلَوْ كَانَ الْوَكِيلُ لَمْ يُقِرَّ بِقَبْضِ الثَّمَنِ بِنَفْسِهِ، وَلَكِنَّهُ أَقَرَّ بِقَبْضِ الْمُوَكِّلِ، لاَ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ عَلَى الْوَكِيلِ، لأِنَّهُ لَمْ يَدْفَعْهُ إِلَيْهِ، وَلاَ يَرْجِعُ عَلَى الْمُوَكِّلِ أَيْضًا لأِنَّهُمَا لاَ يُصَدَّقَانِ عَلَيْهِ بِالْقَبْضِ، وَعَلَى الْمُوَكِّلِ الْيَمِينُ عَلَى الْبَتَاتِ، فَإِنْ نَكَلَ رَجَعَ عَلَيْهِ وَالْمَبِيعُ لَهُ، وَإِنْ حَلَفَ لاَ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ وَلَكِنَّ الْمَبِيعَ يُبَاعُ عَلَيْهِ.
وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ الْوَكِيلَ يَبِيعُهُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله لاَ يَبِيعُهُ، وَجَعَلَ هَذَا كَبَيْعِ مَالِ الْمَدْيُونِ الْمُفْلِسِ، وَلَكِنَّ الْوَكِيلَ لَوْ بَاعَهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ، لأِنَّهُ لَمَّا رَدَّهُ عَلَيْهِ فَسْخًا عَادَتِ الْوَكَالَةُ، فَإِذَا بِيعَ الْمَبِيعُ يَسْتَوْفِي الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ مِنْهُ إِنْ أَقَرَّ الْوَكِيلُ بِقَبْضِ الْمُوَكِّلِ وَلَمْ يُقِرَّ بِقَبْضِ نَفْسِهِ. وَإِنْ أَقَرَّ بِقَبْضِ الثَّمَنِ وَضَمِنَ الْمُشْتَرِي يَأْخُذُ مِنَ الثَّمَنِ مِقْدَارَ مَا غَرِمَ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ رَدَّهُ عَلَى الْمُوَكِّلِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ نُقْصَانٌ لاَ يَرْجِعُ عَلَى أَحَدٍ .
166 - وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْوَكِيلَ إِذَا قَالَ لِلْمُوَكِّلِ: تَصَرَّفْتُ كَمَا أَذِنْتَ لِي مِنْ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَقَالَ الْمُوَكِّلُ بَعْدُ: لَمْ تَتَصَرَّفْ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَكِيلِ لأِنَّهُ أَمِينٌ، وَيَلْزَمُ الآْمِرَ التَّصَرُّفُ لأِنَّهُ قَدْ أَقَرَّ بِالْوَكَالَةِ.
وَلَوْ قَالَ قَبَضْتُ الثَّمَنَ وَتَلِفَ فِي يَدِي، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إِنْ ثَبَتَ الْقَبْضُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ صَدَّقَهُ الْمُوَكِّلُ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لَمْ يَبْرَأِ الْغَرِيمُ مِنَ الدَّعْوَى إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْقَابِضُ وَكِيلاً مُفَوِّضًا أَوْ وَصِيًّا فَيَبْرَأُ بِاعْتِرَافِهِ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ بِخِلاَفِ الْوَكِيلِ الْمَخْصُوصِ، وَفِي كِلاَ الْوَجْهَيْنِ لاَ غُرْمَ عَلَى الْوَكِيلِ .
167 - وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِذَا وَكَّلَهُ فِي بَيْعٍ، أَوْ هِبَةٍ، أَوْ صُلْحٍ، أَوْ طَلاَقٍ، أَوْ إِعْتَاقٍ، أَوْ إِبْرَاءٍ، فَقَالَ الْوَكِيلُ: تَصَرَّفْتُ كَمَا أَذَنْتَ، وَقَالَ الْمُوَكِّلُ: لَمْ تَتَصَرَّفْ بَعْدُ، نُظِرَ: إِنْ جَرَى هَذَا الاِخْتِلاَفُ بَعْدَ انْعِزَالِ الْوَكِيلِ، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ، لأِنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ لِلتَّصَرُّفِ حِينَئِذٍ. وَإِنْ جَرَى قَبْلَ الاِنْعِزَالِ، فَهَلِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُوَكِّلِ أَمِ الْوَكِيلِ؟ قَوْلاَنِ: أَظْهَرُهُمَا عِنْدَ الأْكْثَرِينَ: الأْوَّلُ، وَقِيلَ: مَا يَسْتَقِلُّ بِهِ الْوَكِيلُ، كَالطَّلاَقِ وَالإْعْتَاقِ وَالإْبْرَاءِ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِ بِيَمِينِهِ، وَمَا لاَ كَالْبَيْعِ فَلاَ.
وَلَوْ قَالَ الْمُوَكِّلُ: بَاعَ الْوَكِيلُ، فَقَالَ: لَمْ أَبِعْ. فَإِنْ صَدَّقَ الْمُشْتَرِي الْمُوَكِّلَ، حُكِمَ بِانْتِقَالِ الْمِلْكِ إِلَيْهِ، وَإِلاَّ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ.
وَإِذَا وَكَّلَهُ بِقَبْضِ دَيْنٍ، فَقَالَ: قَبَضْتُهُ، وَأَنْكَرَ الْمُوَكِّلُ، نُظِرَ: إِنْ قَالَ: قَبَضْتُهُ وَهُوَ بَاقٍ فِي يَدِي فَخُذْهُ، لَزِمَهُ أَخْذُهُ، وَلاَ مَعْنَى لِهَذَا الاِخْتِلاَفِ. وَإِنْ قَالَ: قَبَضْتُهُ وَتَلِفَ فِي يَدِي، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُوَكِّلِ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِقَبْضِ الْوَكِيلِ، لأِنَّ الأْصْلَ بَقَاءُ حَقِّهِ، هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ. وَقِيلَ: بِطَرْدِ الْخِلاَفِ فِي اخْتِلاَفِهِمَا فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ، إِذَا حَلَفَ الْمُوَكِّلُ، أَخَذَ حَقَّهُ مِمَّنْ كَانَ عَلَيْهِ، وَلاَ رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْوَكِيلِ، لاِعْتِرَافِهِ بِأَنَّهُ مَظْلُومٌ.
وَلَوْ وَكَّلَهُ فِي الْبَيْعِ وَقَبَضَ الثَّمَنَ، أَوْ فِي الْبَيْعِ مُطْلَقًا، وَجَوَّزْنَا لَهُ قَبْضَ الثَّمَنِ، فَاتَّفَقَا عَلَى الْبَيْعِ، وَاخْتَلَفَا فِي قَبْضِ الثَّمَنِ، فَقَالَ الْوَكِيلُ: قَبَضْتُهُ وَتَلِفَ فِي يَدِي، أَوْ دَفَعْتُهُ إِلَيْكَ، وَأَنْكَرَ الْمُوَكِّلُ، فَفِي الْمُصَدَّقِ مِنْهُمَا طَرِيقَانِ:
أَحَدُهُمَا: عَلَى الْخِلاَفِ السَّابِقِ فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ.
وَأَصَحُّهُمَا: أَنَّهُمَا إِنِ اخْتَلَفَا قَبْلَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُوَكِّلِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ تَسْلِيمِهِ، فَوَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: قَوْلُ الْمُوَكِّلِ.
وَأَصَحُّهُمَا: قَوْلُ الْوَكِيلِ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ، لأِنَّ الْمُوَكِّلَ يَدَّعِي تَقْصِيرَهُ وَخِيَانَتَهُ بِالتَّسْلِيمِ بِلاَ قَبْضٍ، وَالأْصْلُ عَدَمُهُ.
وَهَذَا التَّفْصِيلُ فِيمَا إِذَا أَذِنَ فِي الْبَيْعِ مُطْلَقًا. فَإِذَا أَذِنَ فِي التَّسْلِيمِ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ، أَوْ فِي الْبَيْعِ بِمُؤَجَّلٍ وَفِي الْقَبْضِ بَعْدَ الأْجَلِ، لَمْ يَكُنْ خَائِنًا بِالتَّسْلِيمِ بِلاَ قَبْضٍ، فَالاِخْتِلاَفُ كَالاِخْتِلاَفِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، فَإِذَا صَدَّقْنَا الْوَكِيلَ فَحَلَفَ، فَفِي بَرَاءَةِ الْمُشْتَرِي وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الإْمَامِ : يَبْرَأُ، وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْبَغَوِيِّ: لاَ .
168 - وَيَرَى الْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ الْوَكِيلُ: بِعْتُ الثَّوْبَ وَقَبَضْتُ الثَّمَنَ فَتَلِفَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَكِيلِ، لأِنَّهُ يَمْلِكُ الْبَيْعَ وَالْقَبْضَ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِمَا، كَمَا يُقْبَلُ قَوْلُ وَلِيِّ الْمَرْأَةِ الْمُجْبَرَةِ عَلَى النِّكَاحِ فِي تَزْوِيجِهَا.
وَقِيلَ: لاَ يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَكِيلِ، لأِنَّهُ يُقِرُّ بِحَقٍّ لِغَيْرِهِ عَلَى مُوَكِّلِهِ فَلَمْ يُقْبَلْ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ .
و- الاِخْتِلاَفُ فِي دَعْوَى رَدِّ مَا بِيَدِ الْوَكِيلِ:
169 - قَدْ يَخْتَلِفُ الْمُوَكِّلُ مَعَ الْوَكِيلِ فِي دَعْوَى رَدِّ مَا بِيَدِ الْوَكِيلِ لِمُوَكِّلِهِ مِنْ مَالٍ وَغَيْرِهِ، بِأَنْ يَدَّعِيَ الْوَكِيلُ الرَّدَّ فَيُنْكِرُهُ الْمُوَكِّلُ: َيَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْوَكِيلِ مَعَ يَمِينِهِ، سَوَاءٌ كَانَتِ الْوَكَالَةُ بِأَجْرٍ أَوْ بِغَيْرِ أَجْرٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ.
وَكَذَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي الْمَذْهَبِ إِذَا كَانَ الْوَكِيلُ يَعْمَلُ بِدُونِ أَجْرٍ، أَوْ بِأَجْرٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِي الأْصَحِّ، وَالْحَنَابِلَةِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي مُقَابِلِ الأْصَحِّ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي وَجْهٍ ثَانٍ وَهُوَ الْمَذْهَبُ، إِلَى أَنَّ الْوَكِيلَ إِذَا كَانَ يَعْمَلُ بِالأْجْرِ لاَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ إِلَى أَنَّ الْوَكِيلَ لاَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ، سَوَاءٌ كَانَ مُتَطَوِّعًا أَوْ بِأَجْرٍ .
____________________________________________________________________
كتاب مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان فى المعاملات الشرعية على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان لمؤلفه المغفورله (محمد قدرى باشا) (الطبعة الثانية)بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصرالمحمية سنة1308هجرية 1891 افرنجيه
(مادة 811)
كل عقد من عقود الهبة والإعارة والرهن والإيداع والإقراض إذا عقده الوكيل من جهة مريداً لتمليك يصح العقد على الموكل مطلقاً وتتعلق به حقوقه سواء أضاف الوكيل العقد إلى نفسه أو إلى الموكل وإن كان وكيلاً في هذه العقود عن طالب التملك وأضاف العقد إلى نفسه يقع العقد له لا الموكل وإن أضاف العقد إلى الموكل يقع العقد للموكل وتتعلق به حقوقه.
(مادة 817)
إذا لم يكن الأمر مفوضاً لرأي الوكيل فيما يشتريه وكان الشيء الموكل بشرائه مجهولاً جهالة فاحشة كجهالة فلا تصح الوكالة وإن بين الثمن.
وإن كانت الجهالة يسيرة بأن بين جنس الشيء المراد شراؤه ولم يبين نوعه صحت الوكالة وإن لم يبين الثمن.
وإن كانت الجهالة متوسطة بأن كانت بين الجنس والنوع فإن بين الثمن أو النوع صحت الوكالة وإلا فلا.
(مادة 837)
الوكيل بالبيع المجعول له أجر على البيع كالدلال والسمسار يجبر على تقاضي الثمن من المشتري وتحصيل منه.
(مادة 838)
إذا استحق المبيع فللمشتري الرجوع على الوكيل بالثمن إن نقده إليه سواء كان الثمن باقياً في يده أو سلمه إلى الموكل ويكون للوكيل الرجوع به بعد دفعه على موكله وإن نقداً لمشتري الثمن إلى الموكل رجع عليه به.
(مادة 839)
إذا وجد المشتري عيباً قديماً في المبيع فله الرجوع بالثمن على الوكيل إن كان نقده الثمن وإن كان نقده إلى الموكل فله أخذه منه.
(مادة 840)
إذا مات الوكيل بالبيع ووجد المشتري بالمبيع عيباً قديماً فله أن يرده على وارث الوكيل أو وصية فإن لم يكن له وارث أو وصي يرده على الموكل.
(مادة 841)
إذا قبض الوكيل بالبيع الثمن كان في يده أمانة فلا يضمنه إلا إذا تعدى عليه أو قصر في حفظه.