loading
المذكرة الإيضاحية

مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الخامس، الصفحة : 234

مذكرة المشروع التمهيدي :

1- تنتهي الوكالة إنتهاء طبيعياً وإنهاء العمل وانتهاء الأجل المحدد كما تنتهي موت الموكل أو الوكيل، لأن الشخصية كل متعاقد اعتباراً في نظر الآخر، فلا تحل الورثة محل المتعاقد في تنفيذ التزاماته إلا في حدود ضيقة ( انظر م 996 فقرة 2).

2- والوكالة عقد غير لازم فللموكل عزل الوكيل قبل انتهاء الوكالة، وله من باب أولى أن يقيد وكالته وللوكيل أن يتنازل عن الوكالة قبل الفراغ من تنفيذها وينفذ التنازل بإعلانه للموكل وتعتبر هذه القاعدة من النظام العام فلا يجوز الإتفاق على ما يخالفها . على أنه يرد على جواز عزل الوكيل أو تقييد وكالته قيدان : (أ) إذا كانت الوكالة بأجر، وعزل الوكيل قبل انتهاء الوكالة في وقت غير مناسب أو بغير عذر مقبول، وأصابه ضرر من ذلك، فانه يرجع بالتعويض على الموكل، لأن في العزل تعسفاً يستوجب التعويض. ( ب ) إذا كانت الوكالة لصالح الوكيل أو لصالح أجني كما إذا كان أحد منهما دائناً للموكل ورخص له في استيفاء حقه مما يقع في يد الوکیل من مال الموكل، فلا يجوز عزل الوكيل أو تقييد وكالته إلا بعد رضاء من كانت الوكالة في صالحه، الوكيل أو الأجنبي . كذلك يرد على جواز تنازل الوكيل عن الوكالة قیدان : (أ) إذا كانت الوكالة بأجر وتنازل عنها الوكيل في وقت غير مناسب أو بغير عذر مقبول، فانه يكون متعسفاً في هذا التنازل ويجب عليه التعويض، كما هو الأمر في حالة التعسفي في العزل. ( ب ) إذا كانت الوكالة لصالح أجنبي، فلا يجوز التنازل عن الوكالة إلا إذا وجدت أسباب جدية تبرر ذلك مع أخطار الأجنبي واعطائه الوقت الكافي لصيانة مصالحه، لأن الأجنبي قد تعلق حقه بالوكالة، فوجب ألا يكون تنازل الوکیل، بالنسبة له أيضاً، بغير عذر مقبول أو في وقت غير مناسب أما إذا كانت الوكالة لمصلحة الوكيل، فهو حر في التنازل عنها في أي وقت شاء لأنه هو الذي يقدر مصلحته.


3- على أنه مهما كان السبب في انتهاء الوكالة، فما دام الوكيل لا يعلم بانتهائها في قائمة حتى يعلم كما إذا عزل الموكل الوكيل ولم يخطره بذلك، أو مات الموكل ولم يعلم الوكيل بموته ( انظر م 995 فقرة أولى و م 160 من المشروع ). كذلك لو علم الوكيل بانتهاء الوكالة ولكن الغير لم يعلم، فإن الغير يستطيع أن يتمسك بالوكالة كما لوكانت لم تنقض. وقد تقدم ذكر ذلك.

الأحكام

1- لما كان النص فى المادة 91 من قانون المحاماة رقم 17 لسنة 1983 على أن " يسقط حق الموكل فى مطالبة محامية برد الأوراق والمستندات والحقوق المترتبة على عقد الوكالة بمضى خمس سنوات من تاريخ انتهاء وكالته وتنقطع هذه المدة بالمطالبة بها بكتاب موصى عليه " يدل على أن كافة حقوق الموكل المترتبة على عقد الوكالة قبل محامية تتقادم بمضى خمس سنوات تبدأ من تاريخ انتهاء هذه الوكالة ولما كان سريان هذا التقادم لا يبدا إلا من تاريخ انتهاء هذه الوكالة ، وكان المشرع لم يورد فى قانون المحاماة نصاً خاصاً لانتهاء وكالة المحامى ، فإنه يتعين الرجوع فى ذلك القواعد العامة الواردة فى القانون المدنى فتقضى وكالة المحامى بأسباب انقضاء الوكالة وأخصها ما نصت عليه المادة 714 من القانون المدنى من أنه تنتهى الوكالة بإتمام العمل الموكل فيه لأنه بعد انتهاء العمل لا يصبح للوكالة محل تقوم عليه ولا يبقى إلا حق المحامى فى الاتعاب التى لم يقبضها وحق الموكل فى استرداد الأوراق والمستندات التى لم يتسلمها .

(الطعن رقم 5713 لسنة 76 جلسة 2015/04/28)

2- نصت المادة 714 من القانون المدني على انتهاء الوكالة بموت الموكل ومن ثم فلا ينصرف آثار عقد الوكالة أو الوكيل بعد وفاة الموكل أو الوكيل إلى ورثته بوصفهم خلفاً عاماً باعتبار أن هذا العقد من العقود التي تراعى فيها شخصية كل متعاقد، لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد خلص إلى اعتبار التظهير الحاصل من المستفيد من السند الإذنى المؤرخ 20/11/1979 إلى البنك المطعون ضده تظهيراً توكيلياً وكان الثابت فى الدعوى أن المظهر توفى فى أكتوبر سنة 1980 فإن وكالة البنك عن المظهر فى تحصيل قيمة السند تكون قد انتهت فى ذلك التاريخ وإذ تقدم البنك إلى السيد / رئيس محكمة شمال القاهرة بطلب إصدار أمر الأداء بقيمة ذلك السند في30/6/1981 فإن صفته فى استصدار الأمر ومباشرة الإجراءات القانونية لتحصيل قيمة السند تكون قد زالت - وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر واعتد بصفة البنك المطعون ضده كوكيل عن المظهر بدعوى عدم اعتراض الورثة رغم عدم تقديم ما يفيد موافقتهم على مباشرة البنك لتلك الإجراءات وإعلان أحدهم انقضاء الدين الثابت بالسند فإنه يكون قد خالف الثابت بالأوراق مما جره إلى الخطأ فى تطبيق القانون بما يستوجب نقضه.

(الطعن رقم 2044 لسنة 52 جلسة 1989/02/27 س 40 ع 1 ص 666 ق 115)

3- متى كان للشركة شخصية إعتبارية مستقلة عن شخصية من يمثلها قانوناً وكانت هى المقصودة بذاتها بالخصومة فلا تتأثر بما يطرأ على شخصية هذا الممثل من تغيير . لما كان ذلك ، وكان الثابت بالتوكيل الذى بموجبه باشر المحامى رفع الطعن بالنقض أنه صادر من المستشار القانونى للشركة الطاعنة إستناداً إلى التوكيل الصادر له من رئيس مجلس إدارة الشركة آنذاك متضمناً تفويضه فى تمثيل الشركة أمام القضاء و الإذن له فى توكيل المحامين فى الطعن بالنقض وكان هذا التوكيل قد صدر صحيحاً ممن يمثل الشركة قانوناً وقت صدوره ، فإن تغيير رئيس مجلس الإدارة فى مرحلة لاحقة لصدور التوكيل لا ينال من شخصية الشركة ، ولا يؤثر على إستمرار الوكالة الصادرة منها ومن ثم لا يوجب إصدار توكيل أخر من رئيس مجلس الإدارة الجديد للتقرير بالطعن .

(الطعن رقم 27 لسنة 51 جلسة 1981/12/26 س 32 ع 2 ص 2423 ق 442)

4- وكالة المحامى تنقضي بأسباب انقضاء الوكالة العادية، وأخصها انتهاء العمل الموكل فيه، لأنه بعد انتهاء العمل لا يصبح للوكالة محل تقوم عليه ، ولا يبقى إلا حق المحامى فى الأتعاب التي لم يقبضها ، ولا وجه للتحدي بهذا العرف - القول بقيام عرف بشأن وكالة المحامى يقضي بأنها لا تنتهي إلا بإلغاء التوكيل وعلم المحامي بهذا الإلغاء - إستناداً إلى العرف الجاري الذي نصت عليه المادة 702/ 3 من التقنين المدني . ذلك أن مجال تطبيق هذا العرف هو فى تحديد التوابع الضرورية للأمر الموكل فيه ليستمر الوكيل فى الوكالة الخاصة فى مباشرتها باعتبارها متفرعة عن العمل الأصلي ومتصلة به .

(الطعن رقم 171 لسنة 41 جلسة 1975/04/02 س 26 ع 1 ص 744 ق 146)

5- تنص المادة 714 من القانون المدنى على أن الوكالة تنتهى بموت الموكل أو الوكيل ، و قد ورد هذا النص فى حدود الإستثناء الذى قررته المادة 145 من القانون المدنى ، فلا ينصرف أثر عقد الوكالة بعد وفاة الموكل أو الوكيل إلى ورثته بوصفهم خلفاً عاماً ، لأن المشرع إفترض أن إرادة المتعاقدين الضمنية إتجهت إلى إنقضاء عقد الوكالة بوفاة أيهما إعتباراً بأن هذا العقد من العقود التى تراعى فيها شخصية كل متعاقد .

(الطعن رقم 106 لسنة 33 جلسة 1968/02/13 س 19 ع 1 ص 254 ق 38)

6- متى إستخلصت المحكمة لأسباب سائغة أن الوكيل لم ينجح فى العمل الموكل فيه فإنتهت بذلك مهمته ، فإن إستخلاص المحكمة لهذه النتيجة هو إستخلاص موضوعى ولا مخالفة فيه للقانون .

(الطعن رقم 255 لسنة 22 جلسة 1956/04/05 س 7 ع 2 ص 489 ق 65)

7- للعاقدين أن يتفقا على أن تستمر الوكالة رغم وفاة أحدهما على أن تنتقل إلتزامات المتوفى منهما إلى ورثته وهذا الإتفاق كما يكون صريحاً قد يكون ضمنياً ولقاضى الموضوع إستخلاص الإتفاق الضمنى من ظروف العقد وشروطه بأن تكون الوكاله لمصلحة الموكل والغير مثلاً ، وإذن فمتى كان الواقع هو أن المطعون عليه الأول تعهد بموجب عقد رسمى بأن يتنازل عن دين له قبل باقى المطعون عليهم إلى مورث الطاعن ونص فى الإتفاق على أن هذا التنازل هو لأجل تحصيل المبلغ من المدينين ودفعه إلى الطاعن الذى يداين المطعون عليه الأول بأكثر منه وكان الحكم المطعون فيه قد كيف هذا الإتفاق بأنه وكالة تعلق بها حق الغير وليس للموكل سحبها أو إسقاطها بغير رضاء وقبول هذا الغير ، فإن هذا الذى قرره الحكم صحيح فى القانون .

(الطعن رقم 327 لسنة 20 جلسة 1953/01/22 س 4 ع 1 ص 375 ق 55)

شرح خبراء القانون

تنص المادة 714 من التقنين المدني على ما يأتي :

"تنتهي الوكالة بإتمام العمل الموكل فيه، أو بانتها الأجل المعين للوكالة، وتنتهي أيضاً بموت الموكل أو الوكيل".

أسباب انتهاء الوكالة :

ويتبين من النص سالف الذكر أن الوكالة تنتهي بأسباب مختلفة، يمكن تقسيمها إلى فئتين :

أولاً- أسباب ترجع إلى القواعد العامة : ومن هذا الأسباب ما تنتهي به الوكالة انتهاء مألوفاً عن طريق تنفيذها، وهذه هي إتمام العمل محل الوكالة، وانقضاء الأجل المعين لها . ومنها ما تنتهي به الوكالة قل التنفيذ، من ذلك استحالة التنفيذ، والإفلاس ونقص الأهلية، والفسخ وتحقق الشرط الفاسخ .

ثانياً - أسباب خاصة بعقد الوكالة : وهذه ترجع إلى خاصتين من خصائص هذا العقد . أولهما أن الوكالة يتغلب فيها الإعتبار الشخصي، ويترتب على ذلك أنها تنتهي بموت الوكيل وبموت الموكل، والثانية أن الوكالة عقد غير لازم، ويترتب على ذلك أنها تنتهي بعزل الوكيل وكذلك بتنحيه عن الوكالة .

انتهاء الوكالة لأسباب خاصة بها

1- أسباب ترجع إلى أن الوكالة تقوم على الإعتبار الشخصي .

موت الوكيل :

تنتهي الوكالة بموت الوكيل، لأن الموكل قد اختاره وكيلاً لاعتبار شخصي فيه، فلا تحل ورثته محله بعد موته، وإذا كان الوكيل شرطاً أو شخصاً معنوياً آخر، انتهت الوكالة بحله ولو كان هذا الحل اختيارياً، لأن الحل بالنسبة إلى الشخص المعنوي هو بمثابة الموت بالنسبة إلى الشخص الطبيعي . وإذا تعدد الوكلاء ومات أحدهم، لم تنته الوكالة إلا بالنسبة إلى من مات منهم إذا كان الباقون يملكون أن يستقلوا بتنفيذ الوكالة . أما إذا كان على الوكلاء أن يعلموا مجتمعين طبقاً لأحكام المادة 2/707 مدني، فإن موت أحدهم ينهي الوكالة بالنسبة إليهم جميعاً.

ولا تنتهي الوكالة بمجرد موت الوكيل، بل يجب على ورثته، إذا توافرت فيهم الأهلية وكانوا على علم بالوكالة، أن يبادروا إلى إخطار الموكل بموت مورثهم، وأن يتخذوا من التدبيرات ما تقتضيه الحال لصالح الموكل ( م 717/ 2 مدني ) . وتبقى الوكالة قائمة فيما يتعلق بهذه الأعمال التحفظية، وقد تقدم بيان ذلك .

وانتهاء الوكالة بموت الوكيل ليس من النظام العام، فيجوز الإتفاق على ما يخالف هذا الحكم، فتبقى الوكالة حتى بعد موت الوكيل ويلتزم بها الورثة في حدود التركة . وأكثر ما ينطبق هذا الحكم إذا كان الوكيل محترفاً أو كان شخصاً معنوياً، فيتفق مع الموكل على أن تنتقل الوكالة إلى من يخلفه موت الموكل : وتنتهي الوكالة أيضاً بموت الموكل، سواء كانت الوكالة غير مأجورة فيكون الوكيل المتبرع قد اعتد بشخص موكله في هذا التبرع، أو كانت حيث يبقى مفروضاً أن الوكيل قد تخير موكله وإذا كان الموكل شركة أو شخصاً معنوياً أخر، انتهت الوكالة بحله ولو كان هذا الحل اختيارياً كما هو الحكم في الوكيل فيما قدمنا، غير أن الوكالة تبقى هنا المدة اللازمة لتصفية الشركة إذ أن الشخصية المعنوية تبقى للشركة في حدود أغراض التصفية، وإذا تعدد الموكلون ومات أحدهم، لم تنته الوكالة إلا بالنسبة إلى من مات منهم، وهذا ما لم تكن الوكالة غير قابلة للتجزئة فتنتهي بالنسبة إلى الموكلين جميعاً.

ولاتنتهي الوكالة بمجرد موت الموكل، بل تبقى إلى أن يعلم الوكيل بموت الموكل فإذا لم يعلم به وتعاقد مع الغير، وكان هذا أيضاً حسن النية، اعتبرت الوكالة قائمة، وانصرف أثر العقد الذي يبرمه الوكيل، حقاً كان والتزاماً، إلى ورثة الموكل، لا بموجب وكالة ظاهرة بل بموجب وكالة حقيقية وحتى بعد أن يعلم الوكيل بموت الموكل، فإنه يجب عليه أن يصل بالأعمال التي بدأها إلى حالة لا تتعرض معها للتلف، وتبقى الوكالة قائمة فيما يتعلق بما يقوم به من أعمال لهذا الغرض، وقد سبق بيان ذلك وانتهاء الوكالة بموت الموكل، كانتهائها بموت الوكيل، لا يعتبر من النظام العام، فيجوز الاتفاق على ما يخالف هذا الحكم، فلا تنتهي الوكالة بموت الموكل بل يلتزم بها ورثته في حدود التركة كذلك لا تنتهي الوكالة بموت الموكل إذا كانت في مصلحة الوكيل أو في مصلحة الغير، كما إذا وكل شخص شخصاً أخر في قبض ثمن البيع ودفع الثمن سداداً لدين في ذمة الموكل للوكيل أو للغير، إذ لو انتهت الوكالة بموت الموكل في هذا الفرض لفات على الوكيل أو على الغير مصلحته في استيفاء الدين ولا تنتهي الوكالة أخيراً بموت الموكل، بل هي تبدأ عند موته، إذا كان من شأنها ألا يكون تنفيذها إلا بعد موت الموكل، كما إذا وكل شخص شخصاً أخر في نشر وثائق معينة بعد موته، أو في إقامة نصب تذكار له، أو في سداد دين عليه من تركته، أو في إعطاء مبلغ من تركته لشخص معين، وتتخذ الوكالة في هذه الفروض صورة الوصية ويكون الوكيل هو المنفذ لها وتنص المادة 818 من تقنين الموجبات والعقود اللبناني في هذا الصدد على ما يأتي : "إن موت الموكل أو تبدل حالته يسقط وكالة الوكيل الأصلي ووكالة وكيله، فيما خلا الحالتين الأتيتين : أولاً- متى كانت الوكالة معطاة في مصلحة الوكيل أو مصلحة شخص ثالث . ثانياً- متى كان موضوع الوكالة يراد إتمامه بعد وفاة الموكل بحيث يصبح الوكيل عندئذ في مقام منفذ الوصية.(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفي الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء : السابع، المجلد : الأول، الصفحة : 836)

تنتهي الوكالة :

أولاً : بانهاء الوكيل العمل الموكل فيه، إذا ما حدد المتعاقدان أجلاً لذلك ولكن تمتد الوكالة بالرغم من انتهاء أجلها إذا وجدت ظروف تبرر هذا الإمتداد ما لم يعتبر العمل غير ذي فائدة إذا تم بعد الأجل فتنتهي الوكالة حتماً بإنتهاء الأجل كمن يوكل آخر في شراء حاجيات سفره المحدد له أجل معين فتنتهي الوكالة حتماً بانتهاء هذا الأجل كما تنتهي الوكالة بفشل الوكيل فيما كلف به.

ثانياً : بانتهاء الأجل، فتكون الوكالة هنا من عقود المدة فتنتهي بانقضائها ما لم تجدد ضمناً بأن يستمر الوكيل في عمله رغم انتهاء الأجل، وقد يكون الاجل غير معين كمن يوكل آخر في إدارة أعماله حتى يعود من سفره أو طوال حياته والحياة أجل غير معين.

ثالثاً : بموت الموكل أو الوكيل فان كان أحدهما شركة انتهت الوكالة بحل الشركة، وإذا تعددوا فلا تنتهي الوكالة بموت أحدهم إلا إذا كان الموكلون أو الوكلاء يعملون مجتمعين، وقد لا تنتهي الوكالة بمجرد الموت إذ يلزم علم الطرف الآخر وتسري أحكام الوكالة جميعها فيما يتعلق بالحقوق والالتزامات حتى يتم هذا العلم إلا أن تلك الأحكام ليست من النظام العام فيجوز الاتفاق على انتقال الوكالة إلى ورثة من يتوفى من الطرفين وينحصر التزامهم في حدود التركة، ولا تنتهي الوكالة بموت الموكل إذا كانت مهمة الوكيل تنحصر في تحصیل مبلغ مستحق الأداء على مدين الموكل فإن الوكالة تبقى قائمة إلى النهاية کالمحضر الموكل من قبل الدائن لتحصيل قيمة الإيجار المستحق لعدم قيام المدين بالدفع أوقع المحضر الحجز فوکالته صحيحة ولم تنته بموت الموكل، كما تنتهي الوكالة باستحالة التنفيذ كمن يوكل غيره في بيع أرض تم نزع ملكيتها للمنفعة العامة (م 373) وتنتهي كذلك بالإفلاس لأحد طرفيها أو إعساره بشرط أن يعلم الطرف الآخر بذلك فإن تعددوا لا تنتهي الوكالة بإفلاس أحدهم أو إعساره إلا إذا كانت الوكالة غير قابلة للتجزئة وتنتهي أيضاً بنقص أهلية الوكيل أو الموكل ولكن إذا حجر على الموكل في التصرفات دون أعمال الادارة بقيت الوكالة المتعلقة بهذه الأعمال، وإذا أصيب الموكل بالجنون أو العته دون أن يحجر عليه فان الوكالة تنتهي لإنعدام التمييز ما لم يكن الغير الذي تعاقد معه حسن النية لا يعلم بجنون الوكيل ويرى محمد علی عرفة أن جنون الوكيل أو عته لا ينهي الوكالة حتى لو كان الغير يعلم بالجنون إذ لا تشترط الأهلية في الوكيل أما اذا استغل الغير الجنون أو العته فلا يحتج بتعاقده على الموكل.

لكن إذا أناب الوكيل غيره للقيام بأعمال الوكالة، ثم توفي الوكيل، فإن عقد الإنابة لا ينقضي.(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء : العاشر، الصفحة : 179)

تنص المادة على أن تنتهي الوكالة بإتمام العمل الموكل فيه، ذلك أن تحديد مهمة الوكيل من شأنه زوال سلطته في النيابة عن الموكل بإنتهاء مهمته، فلا يكون له بعد ذلك أن ينوب عنه. فإذا كان الوكيل موكلاً بقبض دین للموكل فقبضه إنتهت الوكالة بالنسبة له. وإذا كان الوكيل محامياً فإن وكالته تنتهي بإنتهاء العمل الموكل فيه أيضاً، لأنه بعد إنتهاء العمل لا يصبح للوكالة محل تقوم عليه، ولا مجال للتحدي بقيام عرف بشأن وكالة المحامي يقضي بأنها لا تنتهي إلا بإلغاء التوكيل وعلم المحامي بهذا الإلغاء استناداً إلى العرف الجاري الذي نصت عليه المادة 3 / 702 مدنی، ذلك أن مجال تطبيق هذا العرف هو في تحديد التوابع الضرورية للأمر الموكل فيه.

وإذا لم يتم الوكيل العمل الذي عهد به إليه، لعدم نجاحه في ذلك فإن الوكالة تنتهي أيضاً.

فإذا حدد الطرفان أجلاً لانتهاء الوكالة فإن الوكالة تنتهي بانقضاء هذا الأجل، سواء كان هذا الأجل معيناً أو غير معين كالموكل الذي يوكل غيره في مباشرة شئونه بسبب اعتزامه السفر فإن توكيله ينتهي بعودته من رحلته إذ يفترض أن العاقدين قصداً إستمرار الوكالة في فترة غياب الموكل وإنتهائها بعودته.

إنما إذا استمر الوكيل في أداء عمله، ولم يبين الموكل ما يشعر برغبته في إنهاء الوكالة، انعقدت بينهما وكالة ضمنية لا تنتهي إلا بأحد الأسباب التي تؤدي إلى انقضاء الوكالة.

ويعتبر من قبيل الأجل غير المحدد اشتراط استمرار الوكالة حتى موت الوكيل أو الموكل.

وهذا الشرط لا يحول دون حق الموكل في عزل الوكيل في أي وقت شاء.

كما أنه لا يمنع الوكيل حقه في التنحى أيضاً. وقد يعين المتعاقدان أجلاً يتم فيه الوكيل العمل دون أن يقصدا من تحديد الأجل إلا تقدير وقت تقريبي يتم فيه الوكيل عمله لا أن تنتهي الوكالة رغم عدم إتمام العمل خلال هذا الأجل، ومن ثم فإن الوكالة لا تنتهي حتماً بانقضاء الأجل، بل يجوز للوكيل المضي في تنفيذ الوكالة حتى بعد إنقضاء الأجل إذا كانت هناك ظروف تبرر هذا التأخير.

غير أنه إذا باشر الوكيل تصرفاً بعد انقضاء الأجل وانتهاء الوكالة دون أن تجدد تجديداً ضمنياً، فإن أثر التصرف لا ينصرف إلى الموكل إلا في حالة الوكالة الظاهرة.

(ج)- موت الموكل أو الوكيل :

أولاً : موت الموكل :

تنص المادة (714) مدني على أن تنتهي الوكالة.... وتنتهي أيضاً بموت الموكل أو الوكيل.

فالوكالة تنتهي بموت الموكل، لأن الوكالة من العقود التي يراعى فيها شخص الموكل، إذ الموكل لا ينيب عنه أي شخص، سواء كانت الوكالة مأجورة أو غير مأجورة، ومن ثم لا يحل الورثة محل الموكل.

وإذا كان الموكل شخصاً معنوياً كشركة أو جمعية فإن الوكالة تنتهي بحله ولو كان الحل اختيارياً، فالحل بالنسبة للشخص المعنوي هو بمثابة الموت بالنسبة للشخص الطبيعي غير أن الوكالة تبقى المدة اللازمة لتصفية الشركة إذ أن الشخصية المعنوية للشركة تبقى لها في حدود أغراض التصفية ويترتب على إنتهاء الوكالة بحل الشخص المعنوي عدم قبول دعوى الوكيل بالمطالبة بالتعويض استناداً إلى أن انتهاء وكالته بحل الشخص المعنوي يعتبر بمثابة عزل له. فليس له بناء على ذلك أن يطالب بالتعويض عن إنهاء وكالته في وقت غير مناسب أو بغیر عذر مقبول. فانحلال الشخص المعنوي - كما ذكرنا - يأخذ حكم الموت بالنسبة للشخص الطبيعي، فلا يسرى بصدده أحكام العزل.

غير أنه يراعى أن الوكالة الصادرة من ممثل الشخص المعنوي لا تتأثر بتغيير هذا الممثل وتظل سارية.

لا يجوز الإحتجاج بإنتهاء الوكالة بموت الموكل على الوكيل أو الغير الذي تعامل معه إلا من وقت علم الوكيل بالوفاة. فكل التصرفات التي يجريها الوكيل في الفترة التالية للوفاة، والسابقة على علمه بها، تكون قد صدرت منه بإعتباره وكيلاً، وتترتب له من أجلها كل حقوق الوكيل الثابتة بعقد الوكالة. لا بموجب وكالة ظاهرة بل بموجب وكالة حقيقية عملاً بالمادة 107 مدنی.

ولكن يجوز الاحتجاج على الغير حسن النية بسوء نية الوكيل، فلا يكون للغير أن يطالب الورثة بتنفيذ الالتزامات الناشئة عن العقد الذي عقده الوكيل في تركة مورثهم (م 107)، ومن حقه الرجوع بالتعويضات على الوكيل سئ النية ويقع على عاتق من يدعي علم الوكيل أو الغير بالوفاة للرجوع على الأول بالتعويضات، أو للتخلص من الإلتزامات المترتبة لصالح الثاني، أن يثبت واقعة العلم لأن حسن النية مفروض حتى يثبت العكس. إنما يكون له في هذه الحالة أن يقيم الدليل على صحة دعواه بسائر وسائل الإثبات وأخصها القرائن. وبطلان تصرفات الوكيل بعد علمه بوفاة الموكل يعتبر بطلاناً نسبياً لا يجوز الاحتجاج به إلا لورثة الموكل، فلا يقبل ممن تعامل مع الوكيل أن يتمسك بهذا البطلان.

الوكالة الصادرة لمصلحة الوكيل أو الأجنبي:

إذا كانت الوكالة صادرة لمصلحة الوكيل أو الأجنبي، كما إذا وكل شخص آخر في قبض ثمن البيع ودفع الثمن سدادا لدين في ذمة الموكل للوكيل أو الأجنبي، فإن الوكالة لا تنتهي بوفاة الموكل، لأن أساس انتهاء الوكالة بوفاة الموكل هو انقضاء الاعتبار الشخصي الذي قبل الوكيل الوكالة على أساسه.

(1) إذ لو انتهت الوكالة بموت الموكل في هذا الغرض لفات على الوكيل أو على الأجنبي مصلحته في استيفاء الدين.

وقد لا تنتهي الوكالة بموت الموكل إذا كان من شأنها ألا تبدأ إلا بعد موت الموكل، كما إذا وكل شخص آخر في نشر وثائق معينة بعد موته، أو في إقامة نصب تذكاري له. أو في سداد دين عليه من تركته. أو في إعطاء مبلغ من تركته لشخص معين، وتتخذ الوكالة في هذه الفروض صورة الوصية ويكون الوكيل هو المنفذ لها.

وإذا تعدد الموكلون فإن وفاة أحدهم تنهي وكالة الوكيل عنه إلا في حالة عدم القابلية للتجزئة حيث يتعلق حق سائر الموكلين ببقاء الوكالة.

انتهاء الوكالة بموت الموكل لا يتعلق بالنظام العام :

انتهاء الوكالة بموت الموكل، لا يعتبر من النظام العام، فيجوز الإتفاق على ما يخالف هذا الحكم، فلا تنتهي الوكالة بموت الموكل بل يلتزم بها ورثته في حدود التركة.

وهذا الإتفاق إما أن يكون صريحاً أو ضمنياً.

فالوكالة تنتهي بموت الوكيل لأن الوكالة من عقود الإعتبار الشخصي، فالموكل لا يختار أي شخص ليكون وكيلاً عنه، ومن ثم لا تنتقل الوكالة إلى ورثة الوكيل.

وإذا كان الوكيل شخصاً اعتبارياً كجمعية أو شركة، فإن الوكالة تنتهي بحله ولو كان الحل إختيارياً، لأن حل الشخص الاعتباري - كما أشرنا سلفا - هو بمثابة الموت بالنسبة للشخص الطبيعي.

وإذا تعدد الوكلاء فإن وفاة أحدهم تتهي وكالته، بينما تستمر وكالة الباقين، بشرط أن يملك الباقون أن يستقلوا بتنفيذ الوكالة.

وانتهاء الوكالة بموت الوكيل لا يتعلق بالنظام العام، ومن ثم يجوز الإتفاق صراحة أو ضمناً على عدم انتهاء الوكالة بموت الوكيل ويلتزم بها الورثة في حدود التركة. وأكثر ما يحدث هذا في حالة ما إذا كان الوكيل محترفاً أو شخصاً معنوياً وهذا الاتفاق قد يكون صريحاً، كما قد يكون ضمنياً.

فقد ألقي هذا النص على ورثة الوكيل التزاما بأمرين:

الأول: أن يبادروا إلى إخطار الموكل بموت مورثهم.

الثاني: أن يتخذوا من التدبيرات ما يقتضيه الحال لصالح الموكل، أي عليهم السهر على رعاية مصالح الموكل حتى لا يلحقها الخطر، فعليهم القيام بالإجراءات المستعجلة. فإذا كان قد بدئ في جني المحصول وبيعه وجب على الورثة أن يستمروا في ذلك حتى يصل إلى حالة تكون معها مصالح الموكل مأمونة، ودون أن يكون من الضرورى الإنتهاء من بيع المحصول بأكمله.

إلا أن الورثة لا يكلفون بهذين الالتزامين إلا بشرطين:

الأول: أن يكونوا عالمين بوجود الوكالة.

الثاني: أن تتوافر لديهم أهلية الالتزام.

ويترتب على ذلك أن الموكل لا يستطيع أن يرجع بالتعويض على ورثة الوكيل بدعوى تعريض مصالحه للخطر إذا كانوا يجهلون وجود الوكالة، أو كانوا ناقصي الأهلية، لأنهم يعذرون لحسن نيتهم في الحالة الأولى، ولأنه لا يترتب في ذمتهم أي التزام قبل الموكل في الحالة الثانية، شأنهم في ذلك شأن الوكيل القاصر تماماً.

وإذا أراد الورثة نفي مسئوليتهم قبل الموكل تأسيساً على جهلهم الوكالة، فعليهم أن يقيموا الدليل على صحة هذا الإدعاء، لأنهم يدعون بذلك براءة ذمتهم من التزام مقرر لصالح خصمهم، وعلى المدين إثبات برائته من الدين.

ولما كان الورثة يضطلعون بسائر التزامات المورث باعتبارهم من الخلف العام، فإنهم لا يتحملون بهذه الإلتزامات إلا في حدود التركة تطبيقاً لأحكام الشريعة الغراء التي من مقتضاها أن تركة المورث هي الضامنة لديونه، ولا يلتزم الورثة فيما عداها بأي التزام من التزامات مورثهم.

ولا تشبه الغيبة بالموت مهما طالت مدتها، وإن كان يصح اعتبارها من الأسباب التي تجيز طلب تعيين حارس يقوم مقام الوكيل.

تنظيم قانون المحاماة لانتهاء وكالة المحامي في موته :

تنص المادة 96 من قانون المحاماة رقم 17 لسنة 1983 على أن وكالة المحامي تنتهي بوفاته أو إستبعاد اسمه أو محوه من الجدول أو تقييد حريته وبصورة عامة في جميع الأحوال التي يستحيل فيها عليه ممارسة المحاماة ومتابعة أعماله ودعاوى موكليه.

وفي هذه الحالات يندب مجلس النقابة الفرعية محامياً من نفس درجة القيد على الأقل ما لم يختر المحامي أو ورثته محامياً آخر تكون مهمته اتخاذ الإجراءات الكفيلة بالمحافظة على مصالح الموكلين وتصفية المكتب إذا كان لذلك مقتض، وتتم هذه التصفية بموافقة ذوى الشأن وتحت إشراف مجلس النقابة الفرعية.(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء : التاسع، الصفحة : 377)

الفقه الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / التاسع والثلاوثون ، الصفحة / 305

الْعُقُودُ غَيْرُ اللاَّزِمَةِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ:

وَتَشْمَلُ هَذِهِ الْعُقُودُ الْهِبَةَ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَالإْعَارَةَ ، وَالْقَرْضَ، وَالْوَكَالَةَ، وَالشَّرِكَةَ، وَالْمُضَارَبَةَ، وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:

أ - الْهِبَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ:

79 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي بُطْلاَنِ الْهِبَةِ بِمَوْتِ الْوَاهِبِ قَبْلَ لُزُومِ الْعَقْدِ بِالْقَبْضِ عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لِلْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَبَعْضِ الْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ أَنَّ الْهِبَةَ تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْوَاهِبِ قَبْلَ الْقَبْضِ.

وَعَلَّلَ ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ بِانْتِقَالِ الْمُلْكِ لِوَارِثِ الْوَاهِبِ قَبْلَ تَمَامِهَا.

وَعَلَّلَهُ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ الْهِبَةَ نَوْعٌ مِنِ الْتِزَامِ الْمَعْرُوفِ غَيْرِ الْمُعَلَّقِ عَلَى شَيْءٍ، وَلاَ يُقْضَى بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الْمُلْتَزِمِ إِذَا أَفْلَسَ أَوْ مَاتَ قَبْلَ الْحِيَازَةِ.

وَعَلَّلَهُ مُوَافِقُوهُمْ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي غَيْرِ الْمُعْتَمَدِ بِأَنَّهُ عَقْدٌ جَائِزٌ، فَبَطَلَ بِمَوْتِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ، كَالْوَكَالَةِ وَالشَّرِكَةِ .

وَالثَّانِي: لِلشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي الْمَذْهَبِ وَهُوَ أَنَّ الْوَاهِبَ إِذَا مَاتَ قَبْلَ قَبْضِ هِبَتِهِ لَمْ يَنْفَسِخْ عَقْدُ الْهِبَةِ، لأِنَّهُ يَئُولُ إِلَى اللُّزُومِ، فَلَمْ يَبْطُلْ بِالْمَوْتِ، كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ، وَيَقُومُ وَارِثُ الْوَاهِبِ مَقَامَ مُوَرِّثِهِ فِي الإْقْبَاضِ وَالإْذْنِ فِيهِ، وَلَهُ الْخِيَارُ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ شَاءَ أَقْبَضَ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يُقْبِضْ .

ب - الإْعَارَةُ :

80 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِلَى انْفِسَاخِ عَقْدِ الْعَارِيَةِ بِمَوْتِ الْمُعِيرِ، وَانْتِهَاءِ تَبَرُّعِهِ بِمَنَافِعِهَا لِلْمُسْتَعِيرِ، وَوُجُوبِ مُبَادَرَةِ الْمُسْتَعِيرِ إِلَى رَدِّ الْعَارِيَةِ لِوَرَثَتِهِ.

وَعَلَّلَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهَا عَقْدٌ جَائِزٌ مِنَ الطَّرَفَيْنِ، فَتَبْطُلُ بِمَوْتِ أَيٍّ مِنْهُمَا، كَالْوَكَالَةِ وَالشَّرِكَةِ.

وَوَجْهُ الْبُطْلاَنِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْعَيْنَ انْتَقَلَتْ إِلَى وَارِثِ الْمُعِيرِ بِمَوْتِهِ، وَالْمَنْفَعَةُ بَعْدَ هَذَا تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِهِ، وَإِنَّمَا جَعَلَ الْمُعِيرُ لِلْمُسْتَعِيرِ مِلْكَ نَفْسِهِ لاَ مِلْكَ غَيْرِهِ .

وَفَصَّلَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَسْأَلَةِ فَقَالُوا: إِنَّ الإْعَارَةَ مَعْرُوفٌ، وَالْوَفَاءُ بِهَا لاَزِمٌ، لأِنَّ مَنْ أَلْزَمَ نَفْسَهُ مَعْرُوفًا لَزِمَهُ، وَيُقْضَى عَلَيْهِ بِهِ مَا لَمْ يَمُتْ أَوْ يُفْلِسْ قَبْلَ الْحِيَازَةِ.

وَعَلَى ذَلِكَ: فَإِذَا كَانَتِ الْعَارِيَةُ مُقَيَّدَةً بِعَمَلٍ، كَطَحْنِ إِرْدَبٍّ مِنَ الْقَمْحِ أَوْ حَمْلِهِ عَلَى الدَّابَّةِ الْمُسْتَعَارَةِ إِلَى جِهَةٍ مَا كَانَ حُكْمُهَا اللُّزُومَ فِي حَقِّ الْمُعِيرِ حَتَّى يَنْتَهِيَ الْعَمَلُ الَّذِي اسْتُعِيرَتْ لأِجْلِهِ ، وَكَذَا إِذَا كَانَتْ مُقَيَّدَةً بِزَمَنٍ، كَيَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ مِثْلاً، فَإِنَّهَا تَلْزَمُ فِي حَقِّهِ حَتَّى يَنْقَضِيَ الأْجَلُ الْمَضْرُوبُ لِلاِنْتِفَاعِ بِهَا.

أَمَّا إِذَا كَانَتْ مُطْلَقَةً - غَيْرَ مُقَيَّدَةٍ بِعَمَلٍ أَوْ زَمَنٍ - فَإِنَّ الْعَقْدَ لاَ يَكُونُ لاَزِمًا فِي حَقِّ الْمُعِيرِ، وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا مَتَى شَاءَ.

وَحَيْثُ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ، فَإِذَا مَاتَ الْمُعِيرُ بَعْدَ قَبْضِ الْمُسْتَعِيرِ لِلْعَارِيَةِ، وَبَقِيَ فِي مُدَّتِهَا، أَوْ مِنَ الْغَرَضِ الْمُسْتَعَارَةِ لأِجْلِهِ شَيْءٌ، فَلاَ تَبْطُلُ الإْعَارَةُ بِمَوْتِهِ، وَلاَ يَنْتَهِي الْتِزَامُهُ، وَتَبْقَى الْعَيْنُ الْمُعَارَةُ بِيَدِ الْمُسْتَعِيرِ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِهَا إِلَى نِهَايَةِ الْعَمَلِ أَوِ الْمُدَّةِ، أَمَّا إِذَا مَاتَ الْمُعِيرُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ الْمُسْتَعِيرُ الْعَارِيَةَ فَإِنَّ الإْعَارَةَ تَبْطُلُ بِمَوْتِهِ لِعَدَمِ تَمَامِهَا بِالْحِيَازَةِ قَبْلَهُ .

ج - الْوَكَالَةُ:

81 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ الْوَكَالَةَ تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ أَوِ الْوَكِيلِ، وَتَبْطُلُ سَائِرُ الاِلْتِزَامَاتِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَيْهَا مِنَ الْجَانِبَيْنِ.

أَمَّا الْمُوَكِّلُ: فَلأِنَّ التَّوْكِيلَ إِنَّمَا قَامَ بِإِذْنِهِ، وَهُوَ أَهْلٌ لِذَلِكَ، فَلَمَّا بَطَلَتْ أَهْلِيَّتُهُ بِالْمَوْتِ بَطَلَ إِذْنُهُ، وَانْتَقَلَ الْحَقُّ لِغَيْرِهِ مِنَ الْوَرَثَةِ.

وَأَمَّا الْوَكِيلُ: فَلأِنَّ أَهْلِيَّتَهُ لِلتَّصَرُّفِ قَدْ زَالَتْ بِمَوْتِهِ، وَلَيْسَ الْوَكَالَةُ حَقًّا لَهُ فَتُورَثُ عَنْهُ .

وَقَالَ الْبُهُوتِيُّ: لأِنَّ الْوَكَالَةَ تَعْتَمِدُ الْحَيَاةَ وَالْعَقْلَ، فَإِذَا انْتَفَى ذَلِكَ انْتَفَتْ صِحَّتُهَا، لاِنْتِفَاءِ مَا تَعْتَمِدُ عَلَيْهِ، وَهُوَ أَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ .

وَاسْتَثْنَى الْحَنَفِيَّةُ مِنْ ذَلِكَ مَوْتَ الْمُوَكِّلِ فِي حَالَةِ الْوَكَالَةِ بِبَيْعِ الرَّهْنِ إِذَا وَكَّلَ الرَّاهِنُ الْعَدْلَ أَوِ الْمُرْتَهِنَ بِبَيْعِ الرَّهْنِ عِنْدَ حُلُولِ الأْجَلِ، فَحِينَئِذٍ لاَ تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ وَلاَ يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ .

وَاسْتَثْنَى الْحَنَابِلَةُ مَوْتَ الْمُوَكِّلِ إِذَا وَكَّلَ مَنْ يَتَصَرَّفُ لِغَيْرِهِ، كَوَصِيِّ الْيَتِيمِ وَنَاظِرِ الْوَقْفِ، فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ لاَ تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِمَوْتِهِ .

د - الشَّرِكَةُ:

82 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِلَى انْفِسَاخِ شَرِكَةِ الْعَقْدِ (بِأَنْوَاعِهَا) وَبُطْلاَنِ الاِلْتِزَامَاتِ النَّاشِئَةِ عَنْهَا بِمَوْتِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ

قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: لأِنَّ هَا عَقْدٌ جَائِزٌ، فَبَطَلَتْ بِذَلِكَ كَالْوَكَالَةِ.

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: وَإِنَّمَا بَطَلَتِ الشَّرِكَةُ بِالْمَوْتِ لأِنَّ هَا تَتَضَمَّنُ الْوَكَالَةَ، أَيْ مَشْرُوطٌ ابْتِدَاؤُهَا بِهَا ضَرُورَةً، فَإِنَّهُ لاَ يَتَحَقَّقُ ابْتِدَاؤُهَا إِلاَّ بِوِلاَيَةِ التَّصَرُّفِ لِكُلِّ مِنْهُمَا فِي مَالِ الآْخَرِ، وَلاَ تَبْقَى الْوِلاَيَةُ إِلاَّ بِبَقَاءِ الْوَكَالَةِ .

هـ - الْمُضَارَبَةُ:

83 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي انْفِسَاخِ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ وَبُطْلاَنِ الاِلْتِزَامَاتِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَيْهِ بِمَوْتِ الْمُضَارِبِ أَوْ رَبِّ الْمَالِ إِذَا كَانَ مَالُ الْمُضَارَبَةِ نَاضًّا (أَيْ مِنْ جِنْسِ رَأْسِ مَالِهَا)، وَذَلِكَ لأِنَّ الْمُضَارَبَةَ تَتَضَمَّنُ الْوَكَالَةَ، وَالْوَكَالَةُ تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ أَحَدِ عَاقِدَيْهَا وَلاَ تُوَرَّثُ، فَتَتْبَعُهَا الْمُضَارَبَةُ .

أَمَّا إِذَا كَانَ الْمَالُ عُرُوضًا تِجَارِيَّةً، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي بُطْلاَنِ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا، وَذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لِجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ بُطْلاَنُ الْمُضَارَبَةِ بِمَوْتِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ، فَتُبَاعُ السِّلَعُ وَالْعُرُوضُ حَتَّى يَنِضَّ رَأْسُ الْمَالِ جَمِيعُهُ، وَيُوَزَّعَ بَيْنَ وَرَثَةِ الْمُتَوَفَّى وَالطَّرَفِ الْبَاقِي .

وَالثَّانِي: لِلْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ أَنَّ الْمُضَارَبَةَ لاَ تَبْطُلُ بِوَفَاةِ رَبِّ الْمَالِ أَوِ الْمُضَارِبِ.

أَمَّا رَبُّ الْمَالِ إِذَا مَاتَ فَيَخْلُفُهُ وَرَثَتُهُ فِي الْمَالِ، وَيَبْقَى الْعَامِلُ عَلَى قِرَاضِهِ إِذَا أَرَادَ الْوَرَثَةُ بَقَاءَهُ، وَإِنْ أَرَادُوا فَسْخَ الْعَقْدِ وَأَخْذَ مَالِهِمْ كَانَ لَهُمْ ذَلِكَ بَعْدَ نَضُوضِهِ.

وَأَمَّا الْمُضَارِبُ إِذَا مَاتَ فَيَخْلُفُهُ وَرَثَتُهُ فِي حَقِّ عَمَلِهِ فِي الْمُضَارَبَةِ، وَلَيْسَ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَنْتَزِعَهُ مِنْهُمْ إِذَا أَرَادُوا الْعَمَلَ فِيهِ إِلاَّ بَعْدَ أَنْ يَعْمَلُوا فِيهِ بِمِقْدَارِ مَا كَانَ لِمُوَرِّثِهِمْ .

و - الْجَعَالَةُ:

84 - فَرَّقَ الْفُقَهَاءُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي تَأْثِيرِ الْمَوْتِ عَلَى الاِلْتِزَامِ عَلَى الْجَعَالَةِ بَيْنَ مَوْتِ الْجَاعِلِ وَمَوْتِ الْمَجْعُولِ لَهُ، وَذَلِكَ عَلَى النَّحْوِ التَّالِي:

مَوْتُ الْجَاعِلِ:

85 - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ إِلَى انْفِسَاخِ الْجَعَالَةِ بِمَوْتِ الْجَاعِلِ وَبُطْلاَنِ الْتِزَامِهِ فِيهَا قَبْلَ شُرُوعِ الْعَامِلِ (الْمَجْعُولِ لَهُ فِي الْعَمَلِ).

وَقَالَ ابن حبيب وابن القاسم فِي ظَاهِرِ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْهُ: لاَ يَبْطُلُ الْجُعْلُ بِمَوْتِ الْجَاعِلِ، وَيَلْزَمُ ذَلِكَ وَرَثَتَهُ، وَلاَ يَكُونُ لَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوا الْمَجْعُولَ لَهُ مِنَ الْعَمَلِ.

أَمَّا إِذَا مَاتَ الْجَاعِلُ بَعْدَ أَنْ فَرَغَ مِنَ الْعَمَلِ فَلاَ أَثَرَ لِوَفَاتِهِ عَلَى الْتِزَامِهِ، لأِنَّهُ قَدْ تَمَّ وَاسْتَقَرَّ، وَوَجَبَ لِلْعَامِلِ الْجُعْلُ فِي تَرِكَتِهِ .

وَلَوْ مَاتَ الْجَاعِلُ بَعْدَ أَنْ شَرَعَ الْعَامِلُ فِي الْعَمَلِ، وَلَكِنْ قَبْلَ إِتْمَامِهِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لِلشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ بُطْلاَنُ الْجَعَالَةِ بِمَوْتِهِ، لأِنَّ هَا مِنَ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ مِنَ الطَّرَفَيْنِ إِلاَّ أَنَّ الْعَامِلَ إِذَا أَتَمَّ الْعَمَلَ بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ قِسْطَ مَا عَمِلَهُ فِي حَيَاتِهِ مِنَ الْمُسَمَّى، وَلاَ يَسْتَحِقُّ شَيْئًا فِي مُقَابَلَةِ مَا عَمِلَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْجَاعِلِ، لِعَدَمِ الْتِزَامِ الْوَرَثَةِ لَهُ بِهِ .

وَالثَّانِي: لِلإْمَامِ مَالِكٍ - فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ وَأَشْهَبَ عَنْهُ - وَهُوَ أَنَّ الْجَعَالَةَ لاَ تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْجَاعِلِ بَعْدَ أَنْ شَرَعَ الْعَامِلُ فِي الْعَمَلِ، وَتَلْزَمُ وَرَثَتَهُ، وَلاَ يَكُونُ لَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوا الْمَجْعُولَ لَهُ مِنَ الْعَمَلِ .

مَوْتُ الْمَجْعُولِ لَهُ:

86 - إِذَا مَاتَ الْعَامِلُ (الْمَجْعُولُ لَهُ) قَبْلَ أَنْ يَشْرَعَ فِي الْعَمَلِ فَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الْجَعَالَةَ تَبْطُلُ بِمَوْتِهِ، إِلاَّ فِي قَوْلٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ بِلُزُومِ الْجَعَالَةِ بِالْقَوْلِ بِالنِّسْبَةِ لِلْجَاعِلِ، وَعَلَيْهِ فَإِذَا مَاتَ الْمَجْعُولُ لَهُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهِ لَمْ يَبْطُلِ الْعَقْدُ، وَيَنْزِلُ وَرَثَتُهُ مَنْزِلَتَهُ، وَلَيْسَ لِلْجَاعِلِ أَنْ يَمْنَعَهُمْ مِنَ الْعَمَلِ .

أَمَّا إِذَا مَاتَ الْعَامِلُ بَعْدَ أَنْ شَرَعَ فِي الْعَمَلِ، وَقَبْلَ إِتْمَامِهِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لِلْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ أَنَّ الْجَعَالَةَ لاَ تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْعَامِلِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ، وَيَقُومُ وَرَثَتُهُ مَقَامَهُ فِي إِكْمَالِهِ إِنْ كَانُوا أُمَنَاءَ، وَلَيْسَ لِلْجَاعِلِ أَنْ يَمْنَعَهُمْ مِنَ الْعَمَلِ، وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ إِذَا أَتَمَّ الْوَرَثَةُ الْعَمَلَ اسْتَحَقُّوا الْجُعْلَ كَامِلاً، بَعْضُهُ بِالإْرْثِ مِنْ عَمَلِ مُوَرِّثِهِمْ، وَبَعْضُهُ الآْخَرُ نَتِيجَةُ عَمَلِهِمْ .

الثَّانِي: لِلشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ أَنَّ الْجَعَالَةَ تَبْطُلُ بِمَوْتِهِ، لأِنَّ هَا مِنَ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ مِنَ الطَّرَفَيْنِ، فَإِنْ أَتَمَّ وَرَثَتُهُ الْعَمَلَ مِنْ بَعْدِهِ، اسْتَحَقُّوا قِسْطَ مَا عَمِلَ مُوَرِّثُهُمْ مِنَ الْجُعْلِ الْمُسَمَّى فَقَطْ، وَلاَ شَيْءَ لَهُمْ فِي الْعَمَلِ الَّذِي أَتَمُّوهُ بَعْدَ وَفَاةِ مُوَرِّثِهِمْ .

وَلِلتَّفْصِيلِ انْظُرْ مُصْطَلَحَ (جَعَالَة ف67).

ز - الْوَصِيَّةُ:

87 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ لاَ تَلْزَمُ فِي حَقِّ الْمُوصِي مَا دَامَ حَيًّا فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهَا فِي حَيَاتِهِ مَتَى شَاءَ لأِنَّ هَا عَقْدُ تَبَرُّعٍ لَمْ يَتِمَّ، إِذْ تَمَامُهَا بِمَوْتِ الْمُوصِي، فَجَازَ رُجُوعُهُ عَنْهَا قَبْلَ تَمَامِهَا، وَلأِنَّ الْقَبُولَ فِي الْوَصِيَّةِ إِنَّمَا يُعْتَبَرُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَكُلُّ عَقْدٍ لَمْ يَقْتَرِنْ بِإِيجَابِهِ الْقَبُولَ، فَلِلْمُوجِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ.

وَعَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ لاَ تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمُوصِي إِذَا مَاتَ مُصِرًّا عَلَيْهَا، وَلاَ يَسْقُطُ الْتِزَامُهُ بِوَفَاتِهِ، بَلْ يُعْتَبَرُ مَوْتُهُ مُوجِبًا لِلُزُومِهَا، مِنْ جِهَتِهِ، وَقَاطِعًا لِحَقِّهِ فِي الرُّجُوعِ عَنْهَا، وَمُثْبِتًا لاِلْتِزَامِهِ النَّاشِئِ عَنْهَا وَالْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهَا .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الخامس والأربعون ، الصفحة / 106

ثَانِيًا: الْوَفَاةُ:

177 - تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ أَوِ الْوَكِيلِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ. وَذَلِكَ لأِنَّ الْمَوْتَ مُبْطِلٌ لأِهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ، فَإِذَا مَاتَ الْمُوَكِّلُ أَوِ الْوَكِيلُ بَطَلَتْ أَهْلِيَّتُهُ بِالْمَوْتِ فَتَبْطُلُ الْوَكَالَةُ.

وَلأِنَّ الْوَكِيلَ نَائِبٌ عَنِ الْمُوَكِّلِ فِي مَالِهِ، وَقَدِ انْتَقَلَ هَذَا الْمَالُ بِالْوَفَاةِ إِلَى وَرَثَتِهِ، فَلاَ يَلْزَمُهُمْ مَا بَاعَ أَوِ اشْتَرَى .

عِلْمُ الْوَكِيلِ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ:

178 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ عِلْمُ الْوَكِيلِ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ حَتَّى تَبْطُلَ الْوَكَالَةُ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ حَتَّى يَصِحَّ الْعَزْلُ، لأِنَّهُ لَوِ انْعَزَلَ قَبْلَ عِلْمِهِ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ، لأِنَّهُ قَدْ يَتَصَرَّفُ تَصَرُّفَاتٍ فَتَقَعُ بَاطِلَةً. فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ مَتَى تَصَرَّفَ قَبْلَ عِلْمِهِ نَفَذَ تَصَرُّفُهُ .

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْمُتَعَاقِدُ مَعَ الْوَكِيلِ حَاضِرًا فِي الْبَلَدِ الَّذِي مَاتَ فِيهَا الْمُوَكِّلُ، وَعَلِمَ أَنَّهُ يَتَعَاقَدُ مَعَ وَكِيلٍ بِأَنْ أَعْلَمَهُ الْوَكِيلُ بِذَلِكَ، أَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ، فَإِنَّهُ لاَ يَنْعَزِلُ إِلاَّ إِذَا عَلِمَ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ، وَهُنَاكَ رِوَايَةٌ أُخْرَى عِنْدَهُمْ أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ لِصِحَّةِ الْعَزْلِ، وَلَكِنَّ الأْوَّلَ هُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَهُمْ.

أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنِ الْمُتَعَاقِدُ مَوْجُودًا بِالْبَلَدِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ الْمُوَكِّلُ، أَوْ كَانَ مَوْجُودًا وَلَكِنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِالْوَكَالَةِ، فَإِنَّهُ لاَ يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ إِلاَّ إِذَا عَلِمَ بِوَفَاةِ مُوَكِّلِهِ .

ثَالِثًا: الْجُنُونُ:

179 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي أَثَرِ طُرُوءِ الْجُنُونِ عَلَى الْمُوَكِّلِ أَوِ الْوَكِيلِ عَلَى الْوَكَالَةِ عَلَى أَقْوَالٍ:

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ الْوَكَالَةَ تَبْطُلُ بِالْجُنُونِ الْمُطْبَقِ، سَوَاءٌ طَرَأَ عَلَى الْوَكِيلِ أَوِ الْمُوَكِّلِ.

وَإِذَا جُنَّ الْوَكِيلُ أَوِ الْمُوَكِّلُ جُنُونًا مُطْبَقًا ثُمَّ أَفَاقَ لاَ تَعُودُ الْوَكَالَةُ.

وَحَدُّ الْجُنُونِ الْمُطْبَقِ اخْتَلَفَ الْحَنَفِيَّةُ فِيهِ:

فَحَدَّهُ أَبُو يُوسُفَ بِمَا يَسْتَوْعِبُ الشَّهْرَ وَبِهِ يُفْتِي، وَعَنْهُ أَكْثَرُ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِسُقُوطِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ بِهِ، فَقُدِّرَ بِهِ احْتِيَاطًا، وَقِيلَ: إِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ مَعَ أَبِي يُوسُفَ فِي ذَلِكَ. وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الشَّهْرَ أَدْنَى مَا يَسْقُطُ بِهِ عِبَادَةُ الصَّوْمِ فَكَانَ التَّقْدِيرُ بِهِ أَوْلَى، أَمَّا وَجْهُ حَدِّهِ بِأَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَلِسُقُوطِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ بِهِ فَقَدَّرَ بِهِ احْتِيَاطًا كَمَا ذَكَرْنَا.

وَحَدَّهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِمَا يَسْتَوْعِبُ السَّنَةَ، لأِنَّ الْمُسْتَوْعِبَ لِلسَّنَةِ هُوَ الْمُسْقِطُ لِلْعِبَادَاتِ كُلِّهَا فَكَانَ التَّقْدِيرُ بِهِ أَوْلَى.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْمَذْهَبِ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ كَذَلِكَ إِلَى أَنَّ الْوَكَالَةَ تَبْطُلُ بِالْجُنُونِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْمُمْتَدِّ وَغَيْرِهِ.

قَالَ الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ بِخُرُوجِ الْمُوَكِّلِ أَوِ الْوَكِيلِ عَنْ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ بِمَوْتٍ أَوْ جُنُونٍ وَإِنْ زَالَ عَنْ قُرْبٍ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: لاَ يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ بِجِنُونِهِ أَوْ جِنُونِ مُوَكِّلِهِ إِلاَّ أَنْ يَطُولَ جُنُونُ مُوَكِّلِهِ جِدًّا فَيَنْظُرَ لَهُ الْحَاكِمُ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ فِي وَجْهٍ: لاَ يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ بِجِنُونٍ لاَ يَمْتَدُّ بِحَيْثُ تَتَعَطَّلُ الْمُهِمَّاتُ وَيَخْرُجُ إِلَى نَصْبِ قَوَّامٍ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ وَرَدَ بِلَفْظِ قِيلَ: إِلَى أَنَّ الْوَكَالَةَ لاَ تَبْطُلُ بِالْجُنُونِ .

رَابِعًا: الإْغْمَاء:

180 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي أَثَرِ الإِْغْمَاءِ عَلَى الْوَكَالَةِ.

فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي مُقَابِلِ الأْصَحِّ إِلَى أَنَّ الْوَكَالَةَ لاَ تَبْطُلُ بِالإْغْمَاءِ، لأِنَّهُ لاَ يَخْرُجُ الإْنْسَانُ عَنْ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ .

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأْصَحِّ إِلَى بُطْلاَنِ الْوَكَالَةِ بِإِغْمَاءِ الْمُوَكِّلِ أَوِ الْوَكِيلِ، إِلْحَاقًا لَهُ بِالْجُنُونِ، لأِنَّ الإْغْمَاءَ يَجْعَلُ الإْنْسَانَ غَيْرَ أَهْلٍ لِلْقِيَامِ بِالتَّصَرُّفَاتِ، فَتَبْطُلُ بِهِ الْوَكَالَةُ لِذَلِكَ .

خَامِسًا: الْحَجْرُ:

181 - الْحَجْرُ مِنْ أَسْبَابِ بُطْلاَنِ الْوَكَالَةِ فِي الْجُمْلَةِ.

وَلِلْفُقَهَاءِ مَنَاهِجُ مُخْتَلِفَةٌ فِي بَيَانِ آثَارِ الْحَجْرِ عَلَى الْوَكَالَةِ.

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْحَجْرَ عَلَى الْمُوَكِّلِ أَوِ الْوَكِيلِ يُبْطِلُ الْوَكَالَةَ.

وَقَالُوا: إِنَّ مَنْ وَكَّلَ إِنْسَانًا فَحَجَرَ عَلَيْهِ بَطَلَتْ وَكَالَتُهُ، لأِنَّ بِالْحَجْرِ عَلَيْهِ بَطَلَتْ أَهْلِيَّةُ أَمْرِهِ بِالتَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ فَيَبْطُلُ الأْمْرُ فَتَبْطُلُ الْوَكَالَةُ.

وَخَصَّصَ الْحَنَفِيَّةُ بُطْلاَنَ الْوَكَالَةِ بِالْحَجْرِ عَلَى الْمُوَكِّلِ إِذَا كَانَ الْوَكِيلُ وَكِيلاً فِي الْعُقُودِ وَالْخُصُومَةِ، أَمَّا إِذَا كَانَ وَكِيلاً فِي قَضَاءِ دَيْنٍ وَاقْتِضَائِهِ وَقَبْضِ وَدِيعَتِهِ فَلاَ يَنْعَزِلُ بِالْحَجْرِ.

وَقَالُوا: تَبْطُلُ وَكَالَةُ الوَكِيلِ بِالْحَجْرِ، عَلِمَ الْوَكِيلُ بِالْحَجْرِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ

وصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ الْوَكَالَةَ تَبْطُلُ بِالْحَجْرِ لِسَفَهٍ، سَوَاءٌ طَرَأَ عَلَى الْوَكِيلِ أَوْ عَلَى الْمُوَكِّلِ، لأِنَّ عَقْدَ الْوَكَالَةِ يَعْتَمِدُ عَلَى الْعَقْلِ وَعَدَمِ الْحَجْرِ، فَإِذَا انْتَفَى ذَلِكَ انْتَفَتْ صِحَّتُهُ لاِنْتِفَاءِ مَا يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ وَهُوَ أَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ.

وَقَالُوا: الْمُرَادُ بِبُطْلاَنِ الْوَكَالَةِ بِالْحَجْرِ لِلسَّفَهِ حَيْثُ كَانَتْ فِي التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي اعْتُبِرَ لَهَا الرُّشْدُ، بِأَنْ كَانَتْ فِي شَيْءٍ لاَ يَتَصَرَّفُ فِي مِثْلِهِ السَّفِيهُ، أَمَّا إِنْ كَانَتْ فِي شَيْءٍ يَسِيرٍ يَتَصَرَّفُ فِي مِثْلِهِ السَّفِيهُ بِدُونِ إِذْنٍ، أَوْ كَانَتِ الْوَكَالَةُ فِي طَلاَقٍ أَوْ رَجْعَةٍ أَوْ فِي تَمَلُّكٍ مُبَاحٍ كَاسْتِقَاءِ مَاءٍ أَوِ احْتِطَابٍ، وَالَّذِي حُجِرَ عَلَيْهِ الْمُوَكِّلُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ، فَلاَ تَنْفَسِخُ .

وَصَرَّحُوا أَيْضًا بِأَنَّ الْوَكَالَةَ تَبْطُلُ بِفَلَسِ الْمُوَكِّلِ فِيمَا حُجِرَ عَلَيْهِ فِيهِ كَالتَّصَرُّفِ فِي عَيْنِ مَالِهِ لاِنْقِطَاعِ تَصَرُّفِهِ فِيهِ، بِخِلاَفِ مَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي تَصَرُّفٍ فِي الذِّمَّةِ .

قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: إِنْ حَجَرَ عَلَى الْوَكِيلِ لِفَلَسٍ فَالْوَكَالَةُ بِحَالِهَا، لأِنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهِ أَهْلاً لِلتَّصَرُّفِ.

وَإِنْ حَجَرَ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَكَانَتِ الْوَكَالَةُ بِأَعْيَانِ مَالِهِ بَطَلَتْ لاِنْقِطَاعِ تَصَرُّفِهِ فِي أَعْيَانِ مَالِهِ. وَإِنْ كَانَتْ فِي الْخُصُومَةِ أَوِ الشِّرَاءِ فِي الذِّمَّةِ أَوِ الطَّلاَقِ أَوِ الْخُلْعِ أَوِ الْقِصَاصِ فَالْوَكَالَةُ بِحَالِهَا، لأِنَّ الْمُوَكِّلَ أَهْلٌ لِذَلِكَ، وَلَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِيهِ، فَلاَ تَنْقَطِعُ الاِسْتِدَامَةُ .

وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ الْوَكَالَةَ تَبْطُلُ بِالْحَجْرِ عَلَى الْوَكِيلِ أَوْ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِسَفَهٍ أَوْ فَلَسٍ فِي كُلِّ تَصَرُّفٍ لاَ يَنْفُذُ مِنْهُمَا. وَاعْتَبَرُوا الْحَجْرَ فِي كِلاَ الْحَالَيْنِ فِي مَعْنَى الْجُنُونِ .

وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ الْوَكَالَةَ تَبْطُلُ بِفَلَسِ الْمُوَكِّلِ الأْخَصِّ، لاِنْتِقَالِ الْمَالِ لِلْغُرَمَاءِ.

وَالْمُرَادُ بِالْفَلَسِ الأْخَصِّ: هُوَ حُكْمُ الْحَاكِمُ بِخَلْعِ مَا بِيَدِ الْمُفْلِسِ لِغُرَمَائِهِ بِشُرُوطِهِ، بِأَنْ يَطْلُبَ الْغُرَمَاءُ تَفْلِيسَ الْمَدِينِ، وَأَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ الَّذِي عَلَيْهِ حَالًّا، وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الدَّيْنُ الْحَالُّ يَزِيدُ عَلَى مَا بِيَدِ الْمَدِينِ مِنَ الْمَالِ.

وَالْفَلَسُ الأْخَصُّ يَخْتَلِفُ عَنِ الْفَلَسِ الأْعَمِّ الَّذِي هُوَ مَنْعُ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ وَلَوْ مُؤَجَّلاً- بِمَالِهِ مِنْ تَبَرُّعِهِ بِعِتْقٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ حِمَالَةٍ .

وَيُؤْخَذُ مِنْ عِبَارَاتِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الْوَكَالَةَ لاَ تَبْطُلُ بِفَلَسِ الْمُوَكِّلِ الأْعَمِّ .

سَادِسًا: الرِّدَّةُ:

182 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي بُطْلاَنِ الْوَكَالَةِ بِرِدَّةِ الْوَكِيلِ أَوِ الْمُوَكِّلِ.

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمُرْتَدَّ إِذَا حُكِمَ بِلُحُوقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ، سَوَاءٌ كَانَ مُوَكِّلاً أَوْ وَكِيلاً، بَطَلَتْ وَكَالَتُهُ، ثُمَّ لاَ تَعُودُ بِعَوْدِهِ مُسْلِمًا عَلَى الْمَذْهَبِ.

وَنَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ الْحَوَاشِي الْيَعْقُوبِيَّةِ: أَنَّ الْوَكِيلَ إِنْ عَادَ مُسْلِمًا بَعْدَ لُحُوقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا وَالْقَضَاءِ بِهِ، تَعُودُ الْوَكَالَةُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَلاَ تَعُودُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ.

وَلَوْ عَادَ الْمُوَكِّلُ مُسْلِمًا بَعْدَ اللُّحُوقِ وَالْقَضَاءِ بِه لاَ تَعُودُ الْوَكَالَةُ عِنْدَ الأَْئِمَّةِ الثَّلاَثَةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايِةِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ تَعُودُ كَمَا فِي الْوَكِيلِ.

أَمَّا تَصَرُّفَاتُ الْمُرْتَدِّ قَبْلَ لُحُوقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ فَهِيَ مَوْقُوفَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمِنْهَا الْوَكَالَةُ، فَإِنْ أَسْلَمَ نَفَذَ، وَإِنْ قُتِلَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بَطَلَتِ الْوَكَالَةُ.

وَيَرَى أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ أَنَّ تَصَرُّفَاتِ الْمُرْتَدِّ نَافِذَةٌ، فَلاَ تَبْطُلُ وَكَالَتُهُ إِلاَّ أَنْ يَمُوتَ، أَوْ يُقْتَلَ عَلَى رِدَّتِهِ، أَوْ يُحْكَمَ بِلِحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ .

وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّهُ يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ بِرِدَّتِهِ أَيَّامَ الاِسْتِتَابَةِ، وَأَمَّا بَعْدَ الاِسْتِتَابَةِ فَإِنْ قُتِلَ فَوَاضِحٌ، وَإِنْ أُخِّرَ لِمَانِعٍ كَالْحَمْلِ فَقَدْ تَرَدَّدَ الْعُلَمَاءُ فِي عَزْلِهِ، وَكَذَا يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ بِرِدَّةِ مُوَكِّلِهِ بَعْدَ مُضِيِّ أَيَّامِ الاِسْتِتَابَةِ وَلَمْ يَرْجِعْ وَلَمْ يُقْتَلْ لِمَانِعٍ .

وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ أَنَّ عَزْلَ الْوَكِيلِ بِرِدَّةِ الْمُوَكِّلِ يَنْبَنِي عَلَى الْخِلاَفِ الْجَارِي فِي زَوَالِ مِلْكِ الْمُوَكِّلِ الْمُرْتَدِّ عَنْ مِلْكِهِ .

وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي زَوَالِ مِلْكِ الْمُرْتَدِّ عَنْ مَالِهِ أَقْوَالاً:

أَحَدُهَا: يَزُولُ مِلْكُ الْمُرْتَدِّ عَنْ مَالِهِ لِزَوَالِ عِصْمَةِ الإْسْلاَمِ ، وَقِيَاسًا عَلَى النِّكَاحِ. وَعَلَيْهِ يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ.

وَالثَّانِي: لاَ يَزُولُ مِلْكُ الْمُرْتَدِّ عَنْ مَالِهِ كَالزَّانِي الْمُحْصِنِ فَلا يَنْعَزِلُ.

وَالثَّالِثُ: وَهُوَ أَظْهَرُ الأْقْوَالِ : أَنَّ مِلْكَ الْمُرْتَدِّ مَوْقُوفٌ، فَإِنْ مَاتَ مُرْتَدًّا بَانَ زَوَالُهُ بِالرِّدَّةِ، وَإِنْ أَسْلَمَ بَانَ أَنَّهُ لَمْ يَزُلْ، لأِنَّ بُطْلاَنَ أَعْمَالِهِ يَتَوَقَّفُ عَلَى مَوْتِهِ مُرْتَدًّا فَكَذَا مِلْكُهُ، فَيَكُونُ تَصَرُّفُ الْوَكِيلِ مَوْقُوفًا.

وَمِنَ الشَّافِعِيَّةِ مَنْ قَطَعَ بِاسْتِمْرَارِ مِلْكِهِ، وَجَعَلَ الْخِلاَفَ فِي أَنَّهُ هَلْ يَصِيرُ بِالرِّدَّةِ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فِي التَّصَرُّفِ؟ .

وَقَالُوا: رِدَّةُ الْوَكِيلِ لاَ تُوجِبُ انْعِزَالَهُ، وَعَلَيْهِ فَتَصِحُّ تَصَرُّفَاتُهُ فِي زَمَنِ رِدَّتِهِ عَنِ الْمُوَكِّلِ .

وَاخْتَلَفَ الْحَنَابِلَةُ فِي بُطْلاَنِ الْوَكَالَةِ بِرِدَّةِ الْوَكِيلِ، أَوْ رِدَّةِ الْمُوَكِّلِ. وَلَهُمْ رَأْيَانِ:

الرَّأْيُ الأْوَّلُ: لاَ تَبْطُلُ بِرِدَّةِ الْوَكِيلِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ، وَكَذَا بِرِدَّةِ الْمُوَكِّلِ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي عِنْدَهُمْ، بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ تَصَرُّفِ الْمُوَكِّلِ بَعْدَ رِدَّتِهِ.

وَالرَّأْيُ الثَّانِي: تَبْطُلُ بِرِدَّةِ الْوَكِيلِ وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي فِي الْمَذْهَبِ، وَكَذَا بِرِدَّةِ الْمُوَكِّلِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ.

وَهَلْ يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ بِرِدَّةِ الْمُوَكِّلِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ؟ وَجْهَانِ فِي الْمَذْهَبِ أَصْلُهُمَا هَلْ يَنْقَطِعُ مِلْكُهُ وَتَصَرُّفُهُ أَوْ يَكُونُ مَوْقُوفًا.

كَمَا أَطْلَقَ الْحَنَابِلَةُ الْخِلاَفَ فِي بُطْلاَنِ الْوَكَالَةِ إِذَا وَكَّلَهُ ثُمَّ ارْتَدَّ الْوَكِيلُ وَالْمُوَكِّلُ مَعًا.

قَالَ الْمِرْدَاوِيُّ: إِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُعْطَى حُكْمَهُ لَوِ انْفَرَدَ بِالاِرْتِدَادِ .

(ر: رِدَّة ف43).

سَابِعًا: الْفِسْقُ:

183 - نَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّ الْوَكَالَةَ لاَ تَبْطُلُ بِفِسْقِ الْوَكِيلِ، لأِنَّهُ مِنْ أَهْلِ التَّصَرُّفِ، إِلاَّ أَنْ تَكُونَ الْوَكَالَةُ فِيمَا يُنَافِيِه الْفِسْقُ فَحِينَئِذٍ تَبْطُلُ. فَالْوَكِيلُ بِالإْيجَابِ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ إِذَا فَسَقَ انْعَزَلَ بِفِسْقِهِ، أَوْ بِفِسْقِ مُوَكِّلِهِ، لِخُرُوجِهِ عَنْ أَهْلِيِّةِ التَّصَرُّفِ. أَمَّا إِذَا كَانَ وَكِيلاً فِي الْقَبُولِ لِلْمُوَكِّلِ فَإِنَّهُ لاَ يَنْعَزِلُ بِفِسْقِ مُوَكِّلِهِ. لأِنَّهُ لاَ يُنَافِي جَوَازَ قَبْولِهِ. وَفِي عَزْلِهِ بِفِسْقِ نَفْسِهِ وَجْهَانِ عِنْدَهُمْ.

وَإِنْ كَانَ وَكِيلاً فِيمَا تُشْتَرَطُ فِيهِ الأْمَانَةُ، كَوَكِيلِ وَلِيِّ الْيَتِيمِ وَوَلِيِّ الْوَقْفِ عَلَى الْمَسَاكِينِ وَنَحْوِ هَذَا، انْعَزَلَ بِفِسْقِ نَفْسِهِ وَفِسْقِ مُوَكِّلِهِ، لِخُرُوجِهِمَا بِذَلِكَ عَنْ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ.

وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِنَّ الْوَكِيلَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لاَ يَنْعَزِلُ بِفِسْقِ مُوَكِّلِهِ، وَإِنْ كَانَ وَكِيلاً لِوَكِيلِ مَنْ يَتَصَرَّفُ فِي مَالِ نَفْسِهِ انْعَزَلَ بِفِسْقِهِ. لأِنَّ الْوَكِيلَ لَيْسَ لَهُ تَوْكُيلُ فَاسِقٍ، وَلاَ يَنْعَزِلُ بِفِسْقِ مُوَكِّلِهِ لأِنَّ مُوَكِّلَهُ وَكِيلٌ لِرَبِّ الْمَالِ وَلاَ يُنَافِيِه الْفِسْقُ .

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْوَكَالَةَ تَبْطُلُ بِفِسْقِ الْمُوَكِّلِ فِيمَا تُشْتَرَطُ فِيهِ السَّلاَمَةُ مِنَ الْفِسْقِ .

ثَامِنًا: السُكْرُ:

184 - نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ سَكِرَ الْوَكِيلُ أَوِ الْمُوَكِّلُ بِلاَ تَعَدٍّ (أَيْ بِمُبَاحٍ) انْعَزَلَ الْوَكِيلُ.

أَمَّا إِذَا سَكِرَ أَحَدُهُمَا بِتَعَدٍّ (أَيْ بِمُحَرَّمٍ) فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ لِذَلِكَ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لاَ يَنْعَزِلُ، لأِنَّ الْمُتَعَدِّيَ حُكْمُهُ حُكْمُ الصَّاحِي.

وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ الْوَكَالَةَ لاَ تَبْطُلُ بِالسُّكْرِ الَّذِي يُفَسَّقُ بِهِ فِي غَيْرِ مَا يُنَافِيهِ، لأِنَّهُ لاَ يُخْرِجُهُ عَنْ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ.

وَأَمَّا مَا يُنَافِي الْفِسْقَ كَالإْيجَابِ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ فَإِنَّ الْوَكَالَةَ تَبْطُلُ فِيهِ بِالسُّكْرِ .

وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ الْوَكَالَةَ لاَ تَبْطُلُ بِالسُّكْرِ، سَوَاءٌ طَرَأَ عَلَى الْمُوَكِّلِ أَوْ عَلَى الْوَكِيلِ، وَسَوَاءٌ كَانَ مِنْ مُبَاحٍ أَوْ مِنْ مُحَرَّمٍ.

وَقَالُوا: الْوَكِيلُ بِالطَّلاَقِ صَاحِيًا إِذَا سَكِرَ فَطَلَّقَ لَمْ يَقَعْ، وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ لَوْ سَكِرَ فَبَاعَ لَمْ يَنْفُذْ عَلَى مُوَكِّلِهِ .

تَاسِعًا: خُرُوجُ مَحَلِّ التَّصَرُّفِ عَنْ مِلْكِ الْمُوَكِّلِ:

185 - تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ إِذَا تَصَرَّفَ الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ فِي مَحَلِّ الْوَكَالَةِ تَصَرُّفًا يَعْجَزُ الْوَكِيلُ عَنِ التَّصَرُّفِ مَعَهُ.

فَلَوْ وَكَّلَ شَخْصٌ شَخْصًا آخَرَ فِي أَنْ يَبِيعَ لَهُ سِلْعَةً مُعَيَّنَةً، وَلَكِنْ قَبْلَ أَنْ يَبِيعَهَا الْوَكِيلُ قَامَ الْمُوَكِّلُ بِبَيْعِهَا بِنَفْسِهِ، أَوِ اسْتُحِقَّتْ لِشَخْصٍ آخَرَ بَطَلَتِ الْوَكَالَةُ، لأِنَّ الْوَكِيلَ عَجَزَ عَنِ التَّصَرُّفِ بِنَفْسِهِ فِي مَحَلِّ الْوَكَالَةِ، لِزَوَالِ مِلْكِ الْمُوَكِّلِ فَيَنْتَهِي حُكْمُ الْوَكَالَةِ. وَكَذَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي تَزْوِيجِ امْرَأَةٍ فَتَزَوَّجَهَا بِنَفْسِهِ بَطَلَتِ الْوَكَالَةُ .

وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّهُ لَوْ وَكَّلَ شَخْصًا عَلَى بَيْعِ سِلْعَةٍ، ثُمَّ بَاعَهَا الْمُوَكِّلُ لِشَخْصٍ، وَبَاعَهَا الْوَكِيلُ لآِخَرَ، فَالأْوَّلُ مِنَ الْبَيْعَتَيْنِ هُوَ اللاَّزِمُ، وَالثَّانِي بَيْعٌ فُضُولِيٌّ لاِنْتِقَالِ السِّلْعَةِ لِلْمُشْتَرِي الأْوَّلِ بِالْبَيْعِ فِي كُلِّ حَالٍ، إِلاَّ حَالَ تَلَبُّسِ الْمُشْتَرِي الثَّانِي بِقَبْضِ السِّلْعَةِ مِنَ الْبَائِعِ الثَّانِي، فَيَمْضِي الْبَيْعُ الثَّانِي وَيُرَدُّ الْبَيْعُ الأْوَّلُ، إِذَا لَمْ يَعْلَمِ الْبَائِعُ الثَّانِي وَالْمُشْتَرِي مِنْهُ الْبَيْعَ الأْوَّلَ، وَإِلاَّ فَهِيَ لِلأْوَّلِ كَذَاتِ الْوَلِيَّيْنِ .

وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ الْوَكَالَةَ تَبْطُلُ بِإِقْرَارِ الْوَكِيلِ عَلَى مُوَكِّلِهِ بِقَبْضِ شَيْءٍ وَكَّلَ الْوَكِيلَ فِي قَبْضِهِ أَوِ الْخُصُومَةَ فِيهِ لاِعْتِرَافِ الْوَكِيلِ بِذَهَابِ مَحَلِّ الْوَكَالَةِ بِالْقَبْضِ .

186 - وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي عَوْدَةِ الْوَكَالَةِ إِذَا عَادَ مَحَلُّ التَّصَرُّفِ إِلَى الْمُوَكِّلِ.

فَقَالَ مُحَمَّدٌ: تَعُودُ، لأِنَّ الْعَائِدَ بِالْفَسْخِ عَيْنُ الْمِلْكِ الأْوَّلِ فَيَعُودُ بِحُقُوقِهِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَأَبُو يُوسُفَ: لاَ تَعُودُ، لأِنَّ تَصَرُّفَ الْمُوَكِّلِ نَفْسِهِ يَتَضَمَّنُ عَزْلَ الْوَكِيلِ، لأِنَّهُ أَعْجَزَهُ عَنِ التَّصَرُّفِ فِيمَا وَكَّلَهُ بِهِ، وَالْوَكِيلُ بَعْد عَزْلِهِ لاَ يَعُودُ وَكِيلاً إِلاَّ بِتَجْدِيدِ الْوَكَالَةِ.

وَقَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: إِنَّ الْمُوَكِّلَ لَهُ وَعَادَ إِلَيْهِ مِلْكُهُ الْقَدِيمُ بِمَا هُوَ فَسْخٌ عَادَتِ الْوَكَالَةُ، أَمَّا إِنْ رَدَّ إِلَيْهِ لاَ يَكُونُ فَسْخًا، فَإِنَّ الْوَكَالَةَ لاَ تَعُودُ، فَلَوْ وَكَّلَ شَخْصٌ آخَرَ فِي هِبَةِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ، ثُمَّ وَهَبَهُ الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ، ثُمَّ رَجَعَ فِي هِبَتِهِ لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ الْهِبَةُ .

عَاشِرًا: تَعَدِّي الْوَكِيلِ فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ:

187 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي بُطْلاَنِ الْوَكَالَةِ بِتَعَدِّي الْوَكِيلِ فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ عَلَى آرَاءٍ:

الرَّأْيُ الأْوَّلُ: ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأْصَحِّ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ إِلَى عَدَمِ بُطْلاَنِ الْوَكَالَةِ بِتَعَدِّي الْوَكِيلِ فِيمَا وُكِّلَ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ لأِنَّ الْوَكِيلَ إِذَا تَصَرَّفَ فَقَدْ تَصَرَّفَ بِإِذْنِ مُوَكِّلِهِ، فَصَحَّ تَصَرُّفُهُ كَمَا لَوْ لَمْ يَتَعَدَّ.

كَمَا أَنَّ الْعَقْدَ يَتَضَمَّنُ أَمَانَةً وَتَصَرُّفًا، فَإِذَا تَعَدَّى الْوَكِيلُ فِيهِ بَطَلَتِ الأْمَانَةُ، وَبَقِيَ التَّصَرُّفُ. كَالرَّهْنِ يَتَضَمَّنُ أَمَانَةً وَوَثِيقَةً، فَإِذَا تَعَدَّى فِيهِ بَطَلَتِ الأْمَانَةُ وَبَقِيَتِ الْوَثِيقَةُ.

الرَّأْيُ الثَّانِي: ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي مُقَابِلِ الأْصَحِّ وَالْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ وَرَدَ بِلَفْظِ قِيلَ. إِلَى بُطْلاَنِ الْوَكَالَةِ بِالتَّعَدِّي مِنَ الْوَكِيلِ، لأِنَّهَا عَقْدُ أَمَانَةٍ فَتَبْطُلُ بِالتَّعَدِّي كَالْوَدِيعَةِ .

وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ هَذَا الْخِلاَفَ يَجْرِي فِيمَا إِذَا كَانَ التَّعَدِّي بِالْفِعْلِ، بِأَنْ كَانَ ثَوْبًا فَلَبِسَهُ أَوْ دَابَّةً فَرَكِبَهَا.

أَمَّا إِذَا كَانَ التَّعَدِّي بِالْقَوْلِ كَمَا لَوْ بَاعَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ- وَلَوْ بِسَلَمٍ - فَلاَ تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ جَزْمًا، لأِنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَتَعَدَّ فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ.

وَقَالَ الْمِرْدَاوِيُّ بَعْدَ سَرْدِ آرَاءِ الْفُقَهَاءِ الْحَنَابِلَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ: مُلَخَّصُهُ: إِنْ أَتْلَفَ الْوَكِيلُ بِتَعَدِّيهِ عَيْنَ مَا وُكِّلَ فِيهِ بَطَلَتِ الْوَكَالَةُ، وَإِنْ كَانَتْ عَيْنُ مَا تَعَدَّى فِيهِ بَاقِيَةً لَمْ تَبْطُلْ .

الرَّأْيُ الثَّالِثُ: تَفْسُدُ الْوَكَالَةُ فِي الأْصَحِّ بِتَعَدِّي الْوَكِيلِ فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ، وَبِهَذَا قَالَ الْحَنَابِلَةُ فِيمَا جَاءَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى.

وَذَلِكَ لأِنَّ الْوَكَالَةَ إِذْنٌ فِي التَّصَرُّفِ مَعَ اسْتِئْمَانٍ، فَإِذَا زَالَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَزُلِ الآْخَرُ.

قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: ظَاهِرُ كَلاَمِ كَثِيرٍ مِنَ الأْصْحَابِ أَنَّ الْمُخَالَفَةَ مِنَ الْوَكِيلِ تَقْتَضِي فَسَادَ الْوَكَالَةِ لاَ بُطْلاَنَهَا، فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ وَيَصِيرُ مُتَصَرِّفًا بِمُجَرَّدِ الإْذْنِ .

الْحَادِي عَشَرَ: إِنْكَارُ الْوَكَالَةِ:

188 - يَرَى الْحَنَابِلَةُ وَالْحَنَفِيَّةُ فِي قَوْلٍ أَنَّ الْوَكَالَةَ لاَ تَبْطُلُ بِجُحُودِ الْوَكِيلِ أَوِ الْمُوَكِّلِ الْوَكَالَةَ، لأِنَّ الْجُحُودَ مِنْهُمَا لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ يَدُلُّ عَلَى دَفْعِ الإْذْنِ السَّابِقِ، كَمَا لَوْ أَنْكَرَ زَوْجِيَّةَ امْرَأَةٍ ثُمَّ قَامَتْ بِهَا الْبَيِّنَةُ فَإِنَّهُ لاَ يَكُونُ طَلاَقًا.

وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ فِي قَوْلٍ عَلَيْهِ الْفَتْوَى- وَالْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ كَذَلِكَ- إِلَى أَنَّ الْوَكَالَةَ تَبْطُلُ بِالْجُحُودِ.

وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ إِنْكَارَ الْوَكِيلِ أَوِ الْمُوَكِّلِ الْوَكَالَةَ لِنِسْيَانٍ أَوْ لِغَرَضٍ فِي الإِْخْفَاءِ لَيْسَ بِعَزْلٍ، وَمَثَّلُوا لَهُ بِخَوْفِ أَخْذِ ظَالِمٍ الْمَالَ الْمُوَكَّلَ فِيهِ، فَإِنْ تَعَمَّدَ أَحَدُهُمَا إِنْكَارَ الْوَكَالَةِ وَلا غَرَضَ لَهُمَا انْعَزَلَ بِذَلِكَ، لأِنَّ الْجَحْدَ حِينَئِذٍ رَدٌّ لِلْوَكَالَةِ.

الثَّانِي عَشَرَ: تَلَفُ مَا تَعَلَّقَتِ الْوَكَالَةُ بِهِ:

189 - تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِتَلَفِ مَا تَعَلَّقَتْ بِهِ. فَلَوْ تَلِفَتِ الْعَيْنُ الَّتِي وُكِّلَ فِي التَّصَرُّفِ فِيهَا بِالْبَيْعِ أَوِ بِغَيْرِهِ بَطَلَتِ الْوَكَالَةُ. وَكَذَلِكَ تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِمَوْتِ الْمَرْأَةِ الْمُوَكَّلِ بِطَلاَقِهَا، لِهَلاَكِ مَحَلِّ الْوَكَالَةِ. فَالتَّصَرُّفُ فِي الْمَحَلِّ لاَ يُتَصَوَّرُ بَعْدَ هَلاَكِهِ، وَالْوَكَالَةُ بِالتَّصَرُّفِ فِي مَا لاَ يَحْتَمِلُ التَّصَرُّفَ مُحَالٌ فَبَطَلَ .

الثَّالِثَ عَشَرَ: افْتِرَاقُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ:

190 - إِذَا وَكَّلَ الشَّرِيكَانِ شَخْصًا فَافْتَرَقَا أَوِ افْتَرَقَ أَحَدُهُمَا انْعَزَلَ الْوَكِيلُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ، لأِنَّهُ عَزْلٌ حُكْمِيٌّ لاَ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعِلْمُ، وَلأِنَّهُ وُكِّلَ مِنْ قِبَلِ الشَّرِكيَيْنِ لِغَرَضِ الشَّرِكَةِ، فَإِذَا تَفَرَّقَا بَطَلَتِ الشَّرِكَةُ، فَبَطَلَ التَّوْكِيلُ الْحَاصِلُ بِسَبَبِهَا .

الرَّابِعَ عَشَرَ: إِنْجَازُ التَّصَرُّفِ الْمُوَكَّلِ فِيهِ:

191 - نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ بِلاَ عَزْلٍ بِنِهَايَةِ الشَّيْءِ الْمُوَكَّلِ فِيهِ، كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ دَيْنٍ فَقَبَضَهُ، أَوْ وَكَّلَهُ بِنِكَاحِ امْرَأَةٍ فَزَوَّجَهُ .

الْخَامِسَ عَشَرَ: الرُّجُوعُ عَنِ الْوَكَالَةِ دَلاَلَةً:

192 - صَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ الْوَكَالَةَ تَبْطُلُ بِدَلاَلَةِ رُجُوعِ الْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلِ.

وَمِنْ صُوَرِ رُجُوعِ الْمُوَكِّلِ دَلاَلَةً عَنِ التَّوْكِيلِ وَطْءُ الْمُوَكِّلِ زَوْجَةً وَكَّلَ فِي طَلاَقِهَا.

وَمِنْ صُوَرِ دَلاَلَةِ رُجُوعِ الْوَكِيلِ مَا إِذَا قَبِلَ الْوَكَالَةَ مِنْ مَالِكِ عَبْدٍ فِي عِتْقِهِ وَكَانَ قَدْ وَكَّلَهُ إِنْسَانٌ فِي شِرَائِهِ، فَإِنَّ قَبُولَ الْوَكَالَةِ فِي عِتْقِهِ يَدُلُّ عَلَى رُجُوعِهِ عَنِ الْوَكَالَةِ الأْولَى فِي شِرَائِهِ .

___________________________________________________________________

 

مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان

(مادة 855)
ينعزل الوكيل بخروجه أو خروج الموكل عن الأهلية وبوفاة الموكل وإن تعلق به حق الغير إلا في الوكالة ببيع الرهن إذا وكل الراهن العدل أو المرتهن ببيع الرهن عند حلول الأجل فلا ينعزل بموت الموكل ولا بخروجه عن الأهلية.