loading
المذكرة الإيضاحية

مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الخامس، الصفحة : 249

مذكرة المشروع التمهيدي :

1- بينت المادة 999 فقرة أولى التزام الوديع بأن يتسلم الوديعة، بحيث لو امتنع تسلمها جاز إجباره على ذلك أو الحكم عليه بالتعويض .

2- ونصت الفقرة الثانية على واجب الامتناع عن استعمال الشيء دون ترخيص ومع ذلك صراحة أو ضمناً ويجب على من يدعي هذا الترخيص أن يثبت صدوره لإذن بالاستعمال لا يفترض.

3- وقد بين المشروع ما يجب على الوديع من عناية في حفظ الوديعة ففرق بين ما إذا كانت الوديعة عادية ودون أجر، وما إذا كانت الوديعة بأجر، أو كانت في مصلحة الوديع وحده، أو كان الوديع قد تطوع لحفظ الشيء وأجرى على النوع الثاني القاعدة العامة التي تفرض على المدين عناية الرجل المعتاد. أما النوع الأول من الوديعة فقد رأى المشروع أن يخفف فيه حد العناية المطلوبة من الوديع، فعدل عن المعيار المادي الذي يؤدي إلى مطالبة المدين بعناية الرجل المعتاد، إلى المعيار الشخصي الذي يترتب عليه الإكتفاء من المدين بما يبذله عادة من عناية في شئون نفسه ولما كان الغرض من ذلك التخفيف عن الوديع، لا مطالبته بعناية تفوق عناية الرجل المعتاد، ولما كان الوديع قد يكون في شئونه الخاصة أكثر حرصاً من متوسط الناس، وجب عند الأخذ بالمعيار الشخصي وضع حد للعناية التي يصح أن يطالب بها الوديع بناءً على هذا المعيار، فنص على أن يكتفي منه بمثل عنايته في شئون نفسه، دون أن يؤدي ذلك في أي حال إلى مطالبته بعناية تفوق عناية الرجل المعتاد.

ويلاحظ في كلتا الحالتين أن التزام الوديع يعتبر التزاماً بوسيلة، لا التزاماً بغاية، فلا يكون تمت عدم وفاء متى قام الوديع بذل العناية المطلوبة منه في المحافظة على الشيء حتى لو لم تؤد هذه العناية إلى حفظ الشيء فعلاً.

4- وكما يجب على الوديع أن يحفظ الشيء من كل تلف مادى، كذلك يجب عليه أن يتفادى بشأنه كل ضرر يترتب على اتخاذ إجراءات قانونية متعلقة به، فإذا حجز الشيء تحت يده، أو رفعت عليه دعوى بإستحقاقه، وجب عليه أن يخطر المودع بذلك فوراً وإن أبطأ في ذلك لأي سبب، لزمه إتخاذ الإجراءات التي تحفظ مصلحة المودع . ومتى أثبت الوديع صفته وجب إخراجه من الدعوى. غير أنه إذا استمر النزاع إلى ما بعد المدة المحددة للوديعة جاز للوديع أن يحصل على ترخيص في إيداع الشيء في خزانة المحكمة أو عند أي شخص تعينه المحكمة لذلك، على أن يسلم الشيء فيما بعد إلى من يثبت له الحق فيه .

5- ويفرض في الوديعة أن شخص الوديع له إعتبار خاص عند المودع، فلا يجوز للوديع أن يحل غيره محله في حفظ الوديعة، دون إذن صريح من المودع، إلا أن يكون مضطراً إلى ذلك بسبب ضرورة ملجئة عاجلة، إذ أن الضرورات تبيح المحظورات . فإذا أحل الوديع غيره محله دون إذن بذلك، كان مسئولاً عن فعل ذلك الغير وإن كان ذلك بإذن المودع، فيكون الوديع مسئولاً عن سوء اختياره لذلك الغير وعن كل عيب في التعليمات التي أصدرها له بشأن حفظ الشيء ( انظر المادة 1006 من التقنين التونسي والمادة 792 من التقنين المراكشي والمادة 698 من التقنين اللبناني ) .

الأحكام

1- لا يلزم فى الوديعة أن يكون التسليم حقيقيا بل يكفى التسليم الإعتبارى إذا كان المودع لديه حائزاً للشئ من قبل . ولما كان ما أثبته الحكم من أن المجنى عليها تستحق فى ذمة الطاعن كمية من الحديد لا يؤدى بذاته إلى مساءلته عن جريمة خيانة الأمانة بل يتعين أن يثبت أن بيع الحديد المذكور قد تم وتعين المبيع وإنتقلت ملكيته إلى المجنى عليها ولكنه بقى فى حيازة البائع - الطاعن - على سبيل الوديعة لحين إستلامها له ، الأمر الذى أغفل الحكم المطعون فيه إستظهاره . ومن ثم يكون معيباً بالقصور الذى يعجز محكمة النقض عن مراقبة صحة تطبيق القانون على واقعة الدعوى كما صار إثباتها فى الحكم مما يتعين معه نقضه والإحالة .

(الطعن رقم 1817 لسنة 37 جلسة 1967/12/11 س 18 ع 3 ص 1239 ق 262)

2- إذا كان الحكم الابتدائي قد قضى بتزوير الأوراق موضوع الدعوى بناء على أن الختم الموقع به عليها لم يسلم من صاحبته إلى من وقع به إلا لاستعماله لمصلحتها فى قبض معاشها وتأجير منزلها وتحصيل أجرته فوقع به على سندات دين عليه باعتبارها ضامنة له بالتضامن، ثم جاء الحكم الاستئنافي فأيد هذا الحكم آخذاً بأسبابه ومضيفاً إليها أن تسليم الختم إنما كان على سبيل الوديعة باعتبار متسلمه متولياً أمور صاحبته وأن ائتمانها إياه عليه لا يفيد وكالته فى استعماله دون ترخيص منها، وكان الحكمان كلاهما لم يعرضا للبحث فى موقف الدائن من هذا التوقيع وفي ملابسات هذا الموقف مع ما قد يكون له من أهمية فى النزاع، بل اقتصر على سبب تسليم الختم للمدين، فإن الحكم الاستئنافي، مع تناقضه فى هذا السبب، ومع ما تدل عليه أسبابه من أنه يفرق فى تسليم الختم بين الوديعة والوكالة من حيث الأثر فى قيمة التوقيع، ومع عدم تعرضه لموقف الدائن من ذلك التوقيع، يكون مشوباً بالقصور متعيناً نقضه.

(الطعن رقم 36 لسنة 11 جلسة 1942/02/19 س ع ع 3 ص 413 ق 142)

شرح خبراء القانون

تنص الفقرة الأولى من المادة 719 من التقنين المدني على ما يأتي :

"على المودع عنده أن يتسلم الوديعة".

التسليم إلتزام لا ركن : ويتبين من النص المتقدم الذكر أثر تحول الوديعة من عقد عيني كما كانت في التقنين المدني القديم إلى عقد رضائي كما هي في التقنين المدني الجديد . فقد كان تسليم الشئ المودع ركنا في الوديعة عندما كانت عقداً عينياً، ومنذ أصبحت عقد رضائياً يتم قبل التسليم تعين أن يكون نقل الشئ المودع إلى يد المودع عنده التزاماً لا ركناً، والتزاماً في ذمة المودع ومن هنا أمكن أن تكون الوديعة، بخلاف العارية، عقداً ملزماً لجانب واحد، إذا التسلم يلتزم به المودع عنده لا المودع، وإذ يغلب أن تكون الوديعة دون أجر ويصح ألا تنشئ إلتزامات في جانب المودع من رد مصروفات أو تعويض ضرر، فيكون المودع غير ملتزم بشئ . فإذا ما التزم بشيء مما تقدم، كانت الوديعة عقداً ملزماً للجانبين، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك حفظ الشئ المودع هو الغرض الأساسي من عقد الوديعة وهو الإلتزام الجوهري فيها : الغرض الأساسي من عقد الوديعة هو حفظ الشئ المودع، ومن ثم كان التزام المودع عنده بحفظ الشيء هو الإلتزام الجوهري الذي يترتب على هذا العقد، وكان عقد الوديعة على رأس عقود الحفظ والأمانة، كما أن عقد البيع على رأس عقود التصرف، وعقد الإيجار على رأس عقود الإدارة .

التزام المودع عنده بحفظ الشيء هو التزام ببذل عناية : والتزام المودع عنده بحفظ الشيء، كالتزام المستأجر بالمحافظة على العين المؤجرة والتزام المستعير بالمحافظة على العين المعارة والتزام الوكيل بتنفيذ الوكالة، التزام ببذل عناية .

تنص الفقرة الثانية من المادة 719 من التقنين المدني على ما يأتي :

"وليس له "للمودع عنده" أن يستعملها ( الوديعة ) دون أن يأذن له المودع في ذلك صراحة أوضمناً".

فالمودع عنده لا يجوز له أن يستعمل الوديعة، ولا أن يسمح لأحد بإستعمالها، بل ليس له، كما تقول المادة 1931 مدني فرنسي، أن يكشف عنها ليعرف ما هي إذا كانت قد سلمت إليه في صندوق مقفل أو في غلاف مختوم ويتصل هذا الإلتزام السلبي إتصالاً وثيقاً بإلتزام المودع عنده بحفظ الشئ، إذا الغرض من الوديعة هو كما قدمنا حفظ الشئ لا إستعماله، وإذا كان لا شئ ينتج غلة، وجب على المودع عنده أن يحفظ غلته معه دون أن يفصلها عنه إلا لحفظها، ويجب عليه في كل حال أن يقدم حساباً للمودع عن هذه الغلة.

على أنه يجوز للمودع أن يأذن للمودع عنده في إستعمال الشيء، ويبقى العقد مع ذلك وديعة بشرط أن يكون حفظ الشئ هو الغرض الأساسي من العقد واستعماله ليس إلا أمراً ثانوياً بجانب هذا الغرض الأساسي، فإن كان الإستعمال غرضاً أساسياً، لم يكن العقد وديعة بل كان عارياً إستعمال إذا كان الشيء غير قابل للاستهلاك وقرضاً إذا كان الشئ قابل للاستهلاك، وإذا أخل المودع عنده بالتزامه، فاستعمل الشئ دون إذن صريح أو ضمني، أو تصرف فيه من باب أولى بالبيع أو الرهن أو الإيجار أو العارية أو أي تصرف آخر، كان مسئولاً عن ذلك مسئولية مدنية، وجازت أيضاً مساءلته جنائياً عن جريمة التبديد بالنسبة إلى المودع، وعن جريمة النصب بالنسبة إلى من تصرف له والإذن بالاستعمال لا يفترض، بل يقع على المودع عنده عبء إثباته وتقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد : "ونصت الفقرة الثانية ( من المادة 719 مدني ) على واجب الامتناع عن استعمال الشيء دون ترخيص المودع بذلك صراحة أو ضمناً ويجب على من يدعي هذا الترخيص أن يثبت صدوره، لأن الإذن بالاستعمال لا يفترض" .(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء : السابع، المجلد : الأول، الصفحة : 905)

كانت الوديعة في القانون المدني القديم عقداً عينياً لا يتم إلا بتسليم الشئ، أما في القانون الجديد فأصبح عقداً رضائياً يكفي لانعقاده توافر الشروط العامة الواجب توافرها في المحل توافق الإيجاب والقبول متى خلت إرادة المتعاقدين من العيوب وتوافرت أهلية الادارة لدى المودع لأن الإيداع من أعمال الادارة فتصح من الرشيد ومن الصبي المميز ومن المحجور عليه المأذون له بالإدارة فإن تمت من الصبي غير المميز أو من المحجور غير المأذون له بالادارة كانت قابلة للإبطال، أما المودع عنده فيجب أن تتوفر فيه أهلية التصرف أي يجب أن يكون رشيداً وإلا كانت قابلة للإبطال لمصلحته ولا يسأل إلا عن تقصيره في فقد أو تلف الوديعة فان ضاعت أو تلفت بغیر تقصیر منه لا يكون مسئولاً وتسري أحكام الوديعة على الوعد بالوديعة ومتی تمت الوديعة التزم المودع عنده بتسلمها ولكن ليس له إجبار المودع على التسليم إذ التسليم ليس التزاماً في ذمة المودع إذ له إسترداد الوديعة في أي وقت، ويسري على التسلم الأحكام التي أوردناها في المادة 473 فتحيل إليها، وترد الوديعة على المنقول والعقار على حد سواء ويجب على المودع عنده ألا يستعمل الشئ المودع دون إذن المودع صراحة أو ضمناً، وقد يستفاد التصريح الضمني من الظروف ومن طبيعة الشي فالسيارة التي تودع لدى شخص لمدة طويلة يجب استعمالها من وقت لآخر حتى لا تصدأ آلاتها وقد يدخل هذا الإستعمال في نطاق الإلتزام بحفظ الشئ ويقع على المودع عنده عبء إثبات الإذن بكافة الطرق، ويجب أن يظل الإلتزام بالحفظ هو الإلتزام الأساسي في العقد حتى تظل وديعة ويكون الإستعمال أمراً ثانوياً وألا أصبح العقد عارية إستعمال أو قرض، وأن أصبح للوديعة نتاجاً أخذ حكم الوديعة، وأن كانت تبعة الهلاك في الوديعة على المالك أي المودع إلا أن هذه التبعة تنتقل إلى المودع عنده إذا هلكت الوديعة بسبب إستعماله لها بدون إذن.(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء : العاشر، الصفحة :201)

فالتسليم - ليس ركناً في عقد الوديعة، ولذلك فإن الوديعة عقد شخصي وليس عقداً عينياً، فالعقد يصح دون تسليم الوديعة، ويكون تسلیم الوديعة مجرد التزام ناشئ عن عقد الوديعة.

والتسليم نوعان :

(1) تسليم حقيقي :

ويتحقق باستيلاء الوديع على الشيء المودع استيلاء مادياً، بعد أن يضع المودع الشيء تحت تصرفه في الزمان والمكان المعينين. ويتبع في طريقة - التسليم ووقته ومكانه القواعد التي تسري في تسلم المشتري العين المبيعة وفی تسلم المستأجر العين المؤجرة، وفي تسلم المستعير للعين المعارة، وفي التسليم بوجه عام في كل عقد ينشئ هذا الالتزام في ذمة أحد المتعاقدين.

ويجب أن يكون التسليم لا غموض فيه، فمن دفع بشئ إلى أهل بيته لحفظه لا يكون مودعاً له، بل لا تزال يده على الشيء في بيته، ولم يخرج الشيء عن حيازته.

(2) تسليم حكمي أو اعتباری :

يتحقق هذا التسليم الحكمي أو الإعتباري بأن يكون الشيء في يد شخص بصفته مستأجراً أو مستعيراً، ثم يتفق المتعاقدان على أن يبقى تحت يد نفس الشخص باعتباره وديعاً. فمجرد تغيير صفة واضع اليد على هذا النحو يكفي القول بتوافر ركن التسليم.

ومثال ذلك أن يعير شخص شخصاً آخر سيارته لاستعمالها في بعض شئونه، ثم يتفق معه عند إنتهاء مدة الإعارة على أن يحفظها وديعة حتى يعود من سفر عزم عليه.

يترتب على عقد الوديعة إلتزام شخصي قبل الوديع بأن يتسلم الوديعة، ومن ثم يمكن إجبار الوديع على تنفيذ هذا الإلتزام عيناً طبقاً للقواعد العامة، ولو كان متبرعاً بالخدمة. فإذا رفض التنفيذ العيني بتسلم الشيء، كان للمودع مطالبته بالتعويض عما أصابه من ضرر بسبب عدم تنفيذه لالتزامه.(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء : التاسع، الصفحة : 443)

الفقه الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثالث والأربعون  ، الصفحة / 45

خَلْطُ الْوَدِيعَةِ بِغَيْرِهَا

42 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الْوَدِيعَ إِذَا خَلَطَ الْوَدِيعَةَ بِغَيْرِهَا، بِحَيْثُ تَتَمَيَّزُ عَنْهُ، أَوْ يَسْهُلُ تَفْرِيقُهَا مِنْهُ، فَإِنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ ضَمَانُهَا، وَذَلِكَ لإِمْكَانِ  فَصْلِهَا عَمَّا خُلِطَتْ بِهِ وَرَدِّهَا بِعَيْنِهَا إِلَى مَالِكِهَا عِنْدَ طَلَبِهِ بِيُسْرٍ وَسُهُولَةٍ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ تَرَكَهَا فِي صُنْدُوقٍ فِيهِ أَكْيَاسٌ لَهُ . قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِلاَّ إِذَا نَقَصَتِ الْوَدِيعَةُ بِالْخَلْطِ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ أَرْشَ نُقْصَانِهَا .

أَمَّا إِذَا خُلِطَتْ بِمَا لاَ يُمْكِنُ تَمَيُّزُهُ عَنْهَا أَوْ بِحَيْثُ يَعْسُرُ تَفْرِيقُ أَحَدِ الْمَالَيْنِ عَنِ الآْخَرِ، فَقَدْ فَرَّقَ الْفُقَهَاءُ بَيْنَ مَا إِذَا وَقَعَ ذَلِكَ بِإِذْنِ مَالِكِهَا أَوْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ عَلَى النَّحْوِ التَّالِي:

الْحَالَةُ الأْولَى: خَلْطُ الْوَدِيعَةِ بِإِذْنِ صَاحِبِهَا:

43 - إِذَا خَلَطَ الْوَدِيعُ الْوَدِيعَةَ بِمَالِهِ بِإِذْنِ مَالِكِهَا، فَقَدْ نَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ لاَ ضَمَانَ عَلَى الْوَدِيعِ بِذَلِكَ، لأِنَّهُ فَعَلَ مَا فَوَّضَهُ الْمَالِكُ بِفِعْلِهِ، فَكَانَ نَائِبًا عَنْهُ فِيهِ .

وَاخْتَلَفَ النَّقْلُ عَنِ الْحَنَفِيَّةِ فِي ذَلِكَ، فَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ أَنَّ الْوَدِيعَ يَكُونُ شَرِيكًا لِلْمُودِعِ، وَفِي بَعْضِهَا ذَكَرَ أَنَّ لَهُمْ ثَلاَثَةَ أَقْوَالٍ:

الأْوَّلُ لأِبِي  حَنِيفَةَ: وَهُوَ أَنْ يَنْقَطِعَ حَقُّ الْمَالِكِ عَنِ الْوَدِيعَةِ بِكُلِّ حَالٍ مَائِعًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَائِعٍ، وَيَصِيرَ الْمَخْلُوطُ مِلْكَ الْخَالِطِ وَيَضْمَنَ الْخَالِطُ لِلْمُودِعِ حَقَّهُ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى فِي مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ.

الثَّانِي لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيِّ، وَهُوَ أَنَّ الْوَدِيعَ يَصِيرُ شَرِيكًا لِمَالِكِ الْوَدِيعَةِ شَرِكَةَ مِلْكٍ اخْتِيَارِيَّةً، فَإِذَا هَلَكَتْ أَوْ ضَاعَتْ بِلاَ تَعَدٍّ وَلاَ تَفْرِيطٍ مِنْهُ، فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ. وَوَافَقَهُ أَبُو يُوسُفَ فِي غَيْرِ الْمَائِعِ.

وَالثَّالِثُ لأِبِي  يُوسُفَ، وَهُوَ أَنَّهُ يَجْعَلُ الأْقَلَّ  تَابِعًا لِلأْكْثَرِ، اعْتِبَارًا لِلْغَالِبِ، يَعْنِي أَنَّ مَنْ كَانَ مَالُهُ أَكْثَرَ يَكُونُ الْمَخْلُوطُ مِلْكَهُ، وَيَضْمَنُ لِلآْخَرِ حَقَّهُ وَذَلِكَ فِي الْمَائِعِ .

الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: خَلْطُ الْوَدِيعَةِ بِغَيْرِ إِذْنِ صَاحِبِهَا فِيمَا لاَ يُمْكِنُ تَمَيُّزُهُ:

لِهَذِهِ الْحَالَةِ صُوَرٌ مُتَعَدِّدَةٌ بَيَانُهَا فِيمَا يَلِي:

(أ) خَلْطُ الْوَدِيعِ الْوَدِيعَةَ بِمَالِهِ أَوْ مَالِ غَيْرِهِ:

44 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ: فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْوَدِيعَ إِذَا خَلَطَ الْوَدِيعَةَ بِمَالِهِ أَوْ بِغَيْرِ مَالِهِ، عَلَى وَجْهٍ يَتَعَسَّرُ مَعَهُ تَمْيِيزُ الْمَالَيْنِ عَنْ بَعْضِهِمَا، فَعَلَيْهِ ضَمَانُهَا، سَوَاءٌ خَلَطَهَا بِمِثْلِهَا أَوْ دُونِهَا أَوْ أَجْوَدَ مِنْهَا، مِنْ جِنْسِهَا أَوْ غَيْرِهِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ خَلْطَ مُجَاوَرَةٍ كَقَمْحٍ بِقَمْحٍ أَوْ بِشَعِيرٍ أَوْ خَلْطَ مُمَازَجَةٍ كَالْخَلِّ بِالزَّيْتِ، لأِنَّهُ صَارَ مُسْتَهْلِكًا لَهَا حُكْمًا بِالْخَلْطِ، لِتَعَذُّرِ رَدِّهَا لِمَالِكِهَا بَعْدَهُ .

قَالَ السَّرَخْسِيُّ: الْخَلْطُ أَنْوَاعٌ ثَلاَثَةٌ:

خَلْطٌ يَتَعَذَّرُ التَّمْيِيزُ بَعْدَهُ، كَخَلْطِ الشَّيْءِ بِجِنْسِهِ. فَهَذَا مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ، لأِنَّهُ يَتَعَذَّرُ بِهِ عَلَى الْمَالِكِ الْوُصُولُ إِلَى عَيْنِ مِلْكِهِ.

وَخَلْطٌ يَتَيَسَّرُ مَعَهُ التَّمْيِيزُ، كَخَلْطِ الدَّرَاهِمِ السُّودِ بِالْبِيضِ، وَالدَّرَاهِمِ بِالدَّنَانِيرِ. فَهَذَا لاَ يَكُونُ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ، لِتَمَكُّنِ الْمَالِكِ مِنَ الْوُصُولِ إِلَى عَيْنِ مِلْكِهِ، فَهَذِهِ مُجَاوَرَةٌ، وَلَيْسَتْ بِخَلْطٍ. وَخَلْطٌ يَتَعَسَّرُ مَعَهُ التَّمْيِيزُ، كَخَلْطِ الْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ. فَهَذَا مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ، لأِنَّهُ يَتَعَذَّرُ عَلَى الْمَالِكِ الْوُصُولُ إِلَى عَيْنِ مِلْكِهِ إِلاَّ بِحَرَجٍ، وَالْمُتَعَسِّرُ كَالْمُتَعَذِّرِ .

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْوَدِيعَ إِذَا خَلَطَ الْوَدِيعَةَ بِمَا هُوَ غَيْرُ مُمَاثِلٍ لَهَا جِنْسًا أَوْ صِفَةً مِنْ مَالِهِ، كَخَلْطِ الْقَمْحِ بِالشَّعِيرِ وَنَحْوَهُ، فَيَلْزَمُهُ الضَّمَانُ، لِتَعَدِّيهِ بِذَلِكَ، حَيْثُ إِنَّهُ فَوَّتَ عَيْنَهَا بِالْخَلْطِ، فَلاَ يَقْدِرُ عَلَى تَخْلِيصِهَا، لأِنَّ هَا لاَ تَتَمَيَّزُ، وَلَيْسَتْ مُمَاثِلَةً لِمَا خُلِطَ بِهَا، فَلاَ يُمْكِنُ الْقِسْمَةُ.

أَمَّا إِذَا خَلَطَهَا بِجِنْسِهَا الْمُمَاثِلِ لَهَا جَوْدَةً وَرَدَاءَةً، كَحِنْطَةٍ بِمِثْلِهَا، أَوْ ذَهَبٍ بِمِثْلِهِ، فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ إِذَا وَقَعَ عَلَى وَجْهِ الإْحْرَازِ وَالرِّفْقِ لاَ عَلَى وَجْهِ التَّمَلُّكِ. وَذَلِكَ لأِنَّ  الْمُودِعَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ قَدْ دَخَلَ، إِذْ قَدْ يَشُقُّ عَلَى الْوَدِيعِ أَنْ يَجْعَلَ كُلَّ مَا أَوْدَعَهُ عَلَى حِدَةٍ. وَلأِنَّهُ لَوْ تَعَدَّى عَلَى الْوَدِيعَةِ فَأَكَلَهَا، ثُمَّ رَدَّ مِثْلَهَا، ثُمَّ ضَاعَتْ بَعْدَ رَدِّهِ، لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، فَخَلَطَهُ بِمِثْلِهَا كَرَدِّ مِثْلِهَا، فَلاَ يُوجِبُ الضَّمَانَ إِذَا هَلَكَتْ .

(ب) خَلْطُ الْوَدِيعِ الْوَدِيعَةَ بِمَالٍ لِصَاحِبِهَا:

45 - نَقَلَ صَاحِبُ الْمُبْدِعِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ عَنِ الرِّعَايَةِ أَنَّهُ إِذَا خَلَطَ الْوَدِيعُ إِحْدَى وَدِيعَتَيْ زَيْدٍ بِالأْخْرَى  بِلاَ إِذْنِهِ، وَتَعَذَّرَ التَّمْيِيزُ بَيْنَهُمَا، فَفِي ضَمَانِهِ وَجْهَانِ 

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِذَا خَلَطَ الْوَدِيعُ الْوَدِيعَةَ بِمَالٍ آخَرَ لِصَاحِبِهَا، فَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لاَ يَضْمَنُ، لأِنَّ  الْجَمِيعَ لَهُ، وَقَدْ لاَ يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ فِي تَفْرِيقِهِ.

وَالثَّانِي: وَهُوَ الأْصَحُّ ، أَنَّهُ يَضْمَنُ، لأِنَّهُ مُتَعَدٍّ بِذَلِكَ، إِذْ لَمْ يَرْضَ الْمُودِعُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مُخْتَلِطًا بِالآْخَرِ .

(ج) خَلْطُ غَيْرِ الْوَدِيعِ الْوَدِيعَةَ بِمَالِهِ:

46 - قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْحَنَابِلَةُ: إِذَا خَلَطَ غَيْرُ الْوَدِيعِ الْوَدِيعَةَ بِمَالِهِ أَوْ بِمَالِ غَيْرِهِ، فَعَلَى الْخَالِطِ ضَمَانُهَا، لأِنَّهُ هُوَ الْمُبَاشِرُ لِلْفِعْلِ الْمُوجِبِ لِلضَّمَانِ، وَلاَ ضَمَانَ عَلَى الْوَدِيعِ، لاِنْعِدَامِ الْخَلْطِ مِنْهُ حَقِيقَةً وَحُكْمًا.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ بِالْخِيَارِ، إِنْ شَاءَ ضَمِنَهَا الْخَالِطُ، وَإِنْ شَاءَ شَارَكَ فِي الْعَيْنِ بِمِقْدَارِ حِصَّتِهِ، وَكَانَا شَرِيكَيْنِ .

(د) اخْتِلاَطُ الْوَدِيعَةِ بِمَالِ الْوَدِيعِ بِغَيْرِ صُنْعِهِ:

47 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ لاَ ضَمَانَ عَلَى الْوَدِيعِ إِذَا اخْتَلَطَتِ الْوَدِيعَةُ بِمَالِهِ بِلاَ صُنْعِهِ، لاِنْعِدَامِ الْفِعْلِ الْمُوجِبِ لِلضَّمَانِ مِنْ جِهَتِهِ، وَلأِنَّ هَا لَوْ تَلِفَتْ حَقِيقَةً بِغَيْرِ تَعَدٍّ مِنْهُ أَوْ تَفْرِيطٍ، فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ، فَاخْتِلاَطُهَا بِغَيْرِهَا أَوْلَى.

بَلْ إِنَّ الْحَنَفِيَّةَ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ يَصِيرُ بِذَلِكَ شَرِيكًا لِمَالِكِ الْوَدِيعَةِ شَرِكَةَ مِلْكٍ جَبْرِيَّةً، كُلٌّ عَلَى قَدْرِ حِصَّتِهِ، لِوُجُودِ مَعْنَى الشَّرِكَةِ، وَهُوَ اخْتِلاَطُ الْمِلْكَيْنِ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: وَإِنِ اخْتَلَطَتِ الْوَدِيعَةُ بِغَيْرِهَا مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ مِنَ الْوَدِيعِ فَلاَ ضَمَانَ فَإِنْ ضَاعَ الْبَعْضُ جَعَلَ مِنْ مَالِ الْوَدِيعِ فِي ظَاهِرِ كَلاَمِ أَحْمَدَ.

وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُمَا يَصِيرَانِ شَرِيكَيْنِ، قَالَ الْمَجْدُ: وَلاَ يَبْعُدُ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ الْهَالِكُ مِنْهُمَا .

(هـ) خَلْطُ الْوَدِيعِ وَدِيعَتَيْنِ لِشَخْصَيْنِ:

48 - قَالَ الْكَاسَانِيُّ: لَوْ أَوْدَعَهُ رَجُلاَنِ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَخَلَطَ الْوَدِيعُ الْمَالَيْنِ خَلْطًا لاَ يَتَمَيَّزُ، فَلاَ سَبِيلَ لَهُمَا عَلَى أَخْذِ الدَّرَاهِمِ، وَيَضْمَنُ الْوَدِيعُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفًا، وَيَكُونُ الْمَخْلُوطُ لَهُ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ.

وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةِ: أَنَّهُ لَمَّا خَلَطَهُمَا خَلْطًا لاَ يَتَمَيَّزُ، فَقَدْ عَجَزَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنِ الاِنْتِفَاعِ بِالْمَخْلُوطِ، فَكَانَ الْخَلْطُ مِنْهُ إِتْلاَفًا لِلْوَدِيعَةِ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَيَضْمَنُ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: هُمَا بِالْخِيَارِ، إِنْ شَاءَا اقْتَسَمَا الْمَخْلُوطَ نِصْفَيْنِ، وَإِنْ شَاءَا ضَمِنَا الْوَدِيعَ أَلْفَيْنِ.

وَعَلَى هَذَا الْخِلاَفِ سَائِرُ الْمُكَيَّلاَتِ والْمَوْزُونَاتِ إِذَا خُلِطَ الْجِنْسُ بِالْجِنْسِ خَلْطًا لاَ يَتَمَيَّزُ، كَالْحِنْطَةِ بِالْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ بِالشَّعِيرِ، وَالدُّهْنِ بِالدُّهْنِ.

وَجْهُ قَوْلِهِمَا: أَنَّ الْوَدِيعَةَ قَائِمَةٌ بِعَيْنِهَا، لَكِنَّ عَجْزَ الْمَالِكِ عَنِ الْوُصُولِ إِلَيْهَا بِعَارِضِ الْخَلْطِ فَإِنْ شَاءَا اقْتَسَمَا لاِعْتِبَارِ جِهَةِ الْقِيَامِ، وَإِنْ شَاءَا ضَمِنَا لاِعْتِبَارِ جِهَةِ الْعَجْزِ.

وَلَوْ أَوْدَعَهُ رَجُلٌ حِنْطَةً، وَآخَرُ شَعِيرًا، فَخَلَطَهُمَا، فَهُوَ ضَامِنٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مِثْلَ حَقِّهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، لأِنَّ  الْخَلْطَ إِتْلاَفٌ.

وَعِنْدَهُمَا: لَهُمَا أَنْ يَأْخُذَا الْعَيْنَ وَيَبِيعَاهَا وَيَقْتَسِمَا الثَّمَنَ عَلَى قِيمَةِ الْحِنْطَةِ مَخْلُوطَةً بِالشَّعِيرِ، وَعَلَى قِيمَةِ الشَّعِيرِ غَيْرَ مَخْلُوطٍ بِالْحِنْطَةِ، لأِنَّ  قِيمَةَ الْحِنْطَةِ تَنْقُصُ بِخَلْطِ الشَّعِيرِ، وَهُوَ يَسْتَحِقُّ الثَّمَنَ لِقِيَامِ الْحَقِّ فِي الْعَيْنِ، وَهُوَ مُسْتَحِقُّ الْعَيْنِ، بِخِلاَفِ قِيمَةِ الشَّعِيرِ، لأِنَّ  قِيمَةَ الشَّعِيرِ تَزْدَادُ بِالْخَلْطِ بِالْحِنْطَةِ، وَتِلْكَ الزِّيَادَةُ مِلْكُ الْغَيْرِ، فَلاَ يَسْتَحِقُّهَا صَاحِبُ الشَّعِيرِ .

السَّفَرُ بِالْوَدِيعَةِ:

49 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ لِلْوَدِيعِ السَّفَرَ بِالْوَدِيعَةِ إِذَا أَذِنَ صَاحِبُهَا بِهِ، فَإِنْ تَلِفَتْ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ. وَقَدِ اعْتَبَرَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ الإْيدَاعَ فِي السَّفَرِ إِذْنًا ضِمْنِيًّا لِلْوَدِيعِ فِي أَنْ يُسَافِرَ بِهَا، لأِنَّ  عِلْمَ الْمُودِعِ بِحَالِهِ عِنْدَ إِيدَاعِهِ يُشْعِرُ بِرِضَاهُ بِذَلِكَ دَلاَلَةً .

أَمَّا إِذَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ بِالسَّفَرِ بِهَا، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ضَمَانِهِ إِنْ سَافَرَ بِالْوَدِيعَةِ، وَذَلِكَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ:

الأْوَّلُ: لأِبِي  حَنِيفَةَ، وَهُوَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْوَدِيعِ السَّفَرُ بِالْوَدِيعَةِ وَلَوْ كَانَ لَهَا حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ وَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهِ، لأِنَّ  الأْمْرَ  بِالْحِفْظِ مُطْلَقٌ فَلاَ يَتَقَيَّدُ بِالْمَكَانِ، كَمَا لاَ يَتَقَيَّدُ بِالزَّمَانِ.

وَقَالَ الصَّاحِبَانِ (أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ): لَهُ السَّفَرُ بِمَا لَيْسَ لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ، وَلاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِمَا لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَ لأِنَّ  الْمُؤْنَةَ تُلْزِمُ الْمَالِكَ، وَهُوَ لَمْ يَأْذَنْ بِالسَّفَرِ، وَهَذَا مَا لَمْ يَنْهَهُ صَاحِبُهَا عَنِ السَّفَرِ بِهَا، أَوْ يُعَيَّنُ لَهُ مَكَانُ حِفْظِهَا أَوْ يَكُنِ الطَّرِيقُ مُخَوِّفًا وَإِلاَّ كَانَ ضَامِنًا، إِذَا كَانَ لَهُ مِنْهُ بُدٌّ، وَذَلِكَ لِتَعَدِّيهِ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ السَّفَرُ ضَرُورِيًّا لاَ بُدَّ لَهُ مِنْهُ وَسَافَرَ بِهَا فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ .

الثَّانِي: لِلْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ أَنَّ سَفَرَ الْوَدِيعِ بِالْوَدِيعَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ تَعَدٍّ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ .

قَالَ ابْنُ شَاسٍ: إِنْ سَافَرَ بِهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى إِيدَاعِهَا عِنْدَ أَمِينٍ ضَمِنَ، وَإِنْ سَافَرَ بِهَا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ ذَلِكَ - كَمَا لَوْ كَانَ فِي قَرْيَةٍ مَثَلاً - لَمْ يَضْمَنْ .

وَجَاءَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: قُلْتُ: فَلَوْ أَنَّ رَجُلاً اسْتَوْدَعَنِي وَدِيعَةً، فَحَضَرَ مَسِيرِي إِلَى بَعْضِ الْبُلْدَانِ، فَخِفْتُ عَلَيْهَا، فَحَمَلْتُهَا مَعِي، فَضَاعَتْ، أَأُضَمَّنُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: وَكَيْفَ أَصْنَعُ بِهَا؟ قَالَ: تَسْتَوْدِعُهَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ، وَلاَ تُعَرِّضُهَا لِلتَّلَفِ .

وَاحْتَجَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ السَّفَرَ لاَ يَحْفَظُ الْوَدِيعَةَ إِذَا أُودِعَتْ فِي الْبَلَدِ، فَضَمِنَهَا كَمَا لَوْ تَرَكَهَا بِمَوْضِعِ خَرَابٍ، لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِأَنْ يَحْفَظَ فِي مِثْلِهِ. وَلأِنَّ  رَبَّهَا إِنَّمَا أَذِنَ لَهُ فِي حِفْظِهَا فِي الْبَلَدِ، وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي إِخْرَاجِهَا عَنْهُ، كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي حِفْظِهَا تَحْتَ يَدِهِ، وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي إِيدَاعِهَا لِغَيْرِهِ، فَلَمَّا كَانَ مَتَى أَوْدَعَهَا لِغَيْرِهِ ضَمِنَ بِتَعَدِّيهِ، لِخُرُوجِهِ فِي حِفْظِهَا عَنِ الْوَجْهِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِيهِ، فَكَذَلِكَ إِذَا سَافَرَ بِهَا .

الثَّالِثُ: لِلشَّافِعِيَّةِ، إِنْ سَافَرَ بِهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى رَدِّهَا لِمَالِكِهَا أَوْ وَكِيلِهِ أَوْ إِلَى الْحَاكِمِ إِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِمَا أَوْ إِلَى أَمِينٍ إِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْحَاكِمِ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا. وَذَلِكَ لأِنَّ  مَقْصُودَ الْمُودِعِ أَنْ يَكُونَ مَالُهُ فِي الْمِصْرِ مَحْفُوظًا، يَتَمَكَّنُ مِنْهُ مَتَى شَاءَ، فَإِذَا سَافَرَ الْوَدِيعُ بِهِ، فَاتَ عَلَى صَاحِبِهِ هَذَا الْمَقْصُودُ.

وَلأِنَّ  حِرْزَ السَّفَرِ دُونَ حِرْزِ الْحَضَرِ، يُوَضِّحُهُ أَنَّ الإْيدَاعَ يَقْتَضِي الْحِفْظَ فِي الْحِرْزِ، وَلَيْسَ السَّفَرُ مِنْ مَوَاضِعِ الْحِفْظِ، لأِنَّهُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُخَوِّفًا أَوْ آمِنًا لاَ يُوثَقُ بِأَمْنِهِ، فَلاَ يَجُوزُ مَعَ عَدَمِ الضَّرُورَةِ.

فَإِنَّ فَقْدَ الْوَدِيعِ مَنْ يَدْفَعُهَا إِلَيْهِ مِنْ هَؤُلاَءِ، فَيَجُوزُ لَهُ السَّفَرُ بِهَا فِي طَرِيقٍ آمِنٍ، وَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ إِنْ تَلِفَتْ، وَذَلِكَ لِئَلاَّ يَنْقَطِعَ الْوَدِيعُ مَعَ عُذْرِهِ عَنْ مَصَالِحِهِ، وَيَنْفِرُ النَّاسُ مِنْ قَبُولِ الْوَدَائِعِ، فَإِنْ خَافَ عَلَيْهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مِنْ نَحْوِ حَرِيقٍ أَوْ إِغَارَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ السَّفَرُ بِهَا حِينَئِذٍ، لأِنَّهُ أَحْوَطُ وَأَحْفَظُ .

الرَّابِعُ: لِلْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ السَّفَرُ بِهَا، مَعَ حُضُورِ مَالِكِهَا، إِنْ لَمْ يَخَفْ عَلَيْهَا مِنَ السَّفَرِ، أَوْ كَانَ أَحْفَظَ لَهَا مِنْ إِبْقَائِهَا، وَلَمْ يَنْهَهُ صَاحِبُهَا عَنْهُ، وَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ إِنْ فَعَلَ، سَوَاءٌ أَكَانَ بِهِ ضَرُورَةٌ إِلَى السَّفَرِ أَوْ لَمْ يَكُنْ، لأِنَّهُ نَقَلَهَا إِلَى مَوْضِعٍ مَأْمُونٍ، فَلَمْ يَضْمَنْهَا، كَمَا لَوْ نَقَلَهَا فِي الْبَلَدِ، وَلأِنَّهُ سَافَرَ بِهَا سَفَرًا غَيْرَ مُخَوِّفٍ، أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَجِدْ أَحَدًا يَتْرُكُهَا عِنْدَهُ.

أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنِ السَّفَرُ أَحْفَظَ لَهَا مِنْ إِبْقَائِهَا، أَوِ اسْتَوَى الأْمْرَانِ ، فَلاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا، فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَ. وَكَذَا إِذَا نَهَاهُ رَبُّهَا عَنِ السَّفَرِ بِهَا، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِعُذْرٍ، كَجَلاَءِ أَهْلِ الْبَلَدِ، أَوْ هُجُومِ عَدُوٍّ، أَوْ حَرْقٍ أَوْ غَرَقٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ إِذَا سَافَرَ بِهَا وَتَلِفَتْ، لأِنَّهُ مَوْضِعُ حَاجَةٍ. فَإِنْ تَرَكَهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَتَلِفَتْ، فَيَضْمَنُ؛ لِتَرْكِهِ الأْصْلَحَ،  وَعَلَى ذَلِكَ الْمَذْهَبِ.

وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَيَقْوَى عِنْدِي أَنَّهُ مَتَى سَافَرَ بِهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى مَالِكِهَا أَوْ نَائِبِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، فَهُوَ مُفَرِّطٌ، وَعَلَيْهِ الضَّمَانُ، لأِنَّهُ يُفَوِّتُ عَلَى صَاحِبِهَا إِمْكَانَ اسْتِرْجَاعِهَا، وَيُخَاطِرُ بِهَا. وَلاَ يَلْزَمُ مِنَ الإْذْنِ فِي إِمْسَاكِهَا عَلَى وَجْهٍ لاَ يَتَضَمَّنُ هَذَا الْخَطَرَ، وَلاَ يُفَوِّتُ إِمْكَانَ رَدِّهَا عَلَى صَاحِبِهَا الإْذْنُ  فِيمَا يَتَضَمَّنُ ذَلِكَ. فَأَمَّا مَعَ غَيْبَةِ الْمَالِكِ وَوَكِيلِهِ، فَلَهُ السَّفَرُ بِهَا إِذَا كَانَ أَحْفَظَ لَهَا، لأِنَّهُ مَوْضِعُ حَاجَةٍ، فَيَخْتَارُ فِعْلَ مَا فِيهِ الْحَظُّ .

التِّجَارَةُ بِالْوَدِيعَةِ:

50 - الاِتِّجَارُ بِالْوَدِيعَةِ مَكْرُوهٌ فِي قَوْلِ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ بِاعْتِبَارِهِ تَجَاوُزًا لِلْحَقِّ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ رَبُّهَا، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الْوَدِيعَةُ مِنَ النُّقُودِ والْمِثْلِيَّاتِ أَوْ مِنَ الْعَرُوضِ والْقِيمِيَّاتِ. وَرَجَّحَ بَعْضُ فُقَهَائِهِمْ حُرْمَتَهُ فِي الْمَالَيْنِ، وَفَصَّلَ الْبَعْضُ الآْخَرُ فَقَالَ بِحُرْمَتِهِ فِي الْعَرُوضِ وَكَرَاهَتِهِ فِي النُّقُودِ .

وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الاِتِّجَارَ بِالْوَدِيعَةِ بِدُونِ إِذْنِ صَاحِبِهَا تَعَدٍّ يَسْتَوْجِبُ عَلَى الْوَدِيعِ الضَّمَانَ  وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمْ خِلاَفٌ فِيمَنْ يَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ النَّاتِجَ عَنِ اتِّجَارِ الْوَدِيعِ، وَذَلِكَ عَلَى خَمْسَةِ أَقْوَالٍ:

الأْوَّلُ: أَنَّ الرِّبْحَ لِصَاحِبِ الْوَدِيعَةِ، لأِنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ، إِذْ مِنَ الْمَعْرُوفِ فِي الأْصُولِ  وَالْقَوَاعِدِ أَنَّ الرِّبْحَ تَابِعٌ لِلْمَالِ الَّذِي هُوَ أَصْلُهُ، فَيَكُونُ مِلْكًا لِمَنْ لَهُ الْمَالُ الَّذِي هُوَ أَصْلُهُ. وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَنَافِعٍ مَوْلاَهُ، وَأَبِي قِلاَبَةَ، وَبِهِ قَالَ إِسْحَاقُ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ .

الثَّانِي: أَنَّهُ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَطَاءٍ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ .

الثَّالِثُ: أَنَّهُ يَجِبُ التَّصَدُّقُ بِهِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَالشَّعْبِيِّ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ،  وَحُجَّتُهُمْ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الرِّبْحَ الْحَاصِلَ بِسَبَبٍ خَبِيثٍ، سَبِيلُهُ التَّصَدُّقُ بِهِ. وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ: وَلأِنَّ  الْوَدِيعَ عِنْدَ الْبَيْعِ يُخْبِرُ الْمُشْتَرِيَ أَنَّهُ يَبِيعُ مِلْكَهُ وَحَقَّهُ، وَهُوَ كَاذِبٌ فِي ذَلِكَ، وَالْكَذِبُ فِي التِّجَارَةِ يُوجِبُ الصَّدَقَةَ، بِدَلِيلِ حَدِيثِ «قَيْسِ بْنِ أَبِي غُرْزَةَ الْكِنَانِيِّ، قَالَ:«كُنَّا نَبْتَاعُ الأْوْسَاقَ بِالْمَدِينَةِ، وَكُنَّا نُسَمَّى السَّمَاسِرَةَ، قَالَ: فَأَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم ، وَسَمَّانَا بِاسْمٍ هُوَ أَحْسَنُ مِمَّا كُنَّا نُسَمِّي بِهِ أَنْفُسَنَا فَقَالَ: يَا مَعْشَر التُّجَّارِ، إِنَّ هَذَا الْبَيْعَ يَحْضُرُهُ اللَّغْوُ وَالْحَلِفُ، فَشَوِّبُوهُ بِالصَّدَقَةِ» .

فَعَمِلْنَا بِالْحَدِيثِ فِي إِيجَابِ التَّصَدُّقِ بِالْفَضْلِ .

الرَّابِعُ: أَنَّ الرِّبْحَ لِلْوَدِيعِ، إِذْ هُوَ ثَمَرَةُ عَمَلِهِ وَجُهْدِهِ، وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ بِضَمَانِهِ، لأِنَّ  ضَمَانَ الْوَدِيعَةِ وَقْتَ الاِتِّجَارِ بِهَا مِنْهُ، وَلأِنَّهُ لاَ يَكُونُ أَسْوَأَ حَالاً مِنَ الْغَاصِبِ، بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْغَاصِبَ إِذَا اتَّجَرَ بِالْمَالِ الْمَغْصُوبِ فَرَبِحَ فَهُوَ لَهُ، فَإِذَا كَانَ الْغَاصِبُ لَهُ الرِّبْحُ فَالْوَدِيعُ أَوْلَى، وَلأِنَّ  الْمُودِعَ لَمْ يَدْفَعِ الْمَالَ إِلَيْهِ بِغَرَضِ طَلَبِ الْفَضْلِ وَالرِّبْحِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ حِفْظَ الْوَدِيعَةِ لَهُ، فَيَكُونُ لَهُ أَصْلُ مَالِهِ دُونَ الرِّبْحِ.

وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ الْقَاضِي شُرَيْحٍ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَيَحْيَى الأْنْصَارِيِّ، وَرَبِيعَةَ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ وَأَبُو يُوسُفَ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ .

غَيْرَ أَنَّ الإْمَامَ أَبَا يُوسُفَ قَيَّدَ اسْتِحْقَاقَهُ الرِّبْحَ بِرَدِّهِ الْوَدِيعَةَ أَوْ أَدَائِهِ الضَّمَانَ لِلْمُودِعِ، فَقَالَ: إِنَّمَا يَطِيبُ لِلْوَدِيعِ الرِّبْحُ إِذَا أَدَّى الضَّمَانَ أَوْ سَلَّمَ عَيْنَهَا، بِأَنْ بَاعَهَا، ثُمَّ اشْتَرَاهَا، وَدَفَعَهَا إِلَى مَالِكِهَا.

وَقَالَ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي الْمَالِكِيَّةِ: إِنَّمَا يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ إِذَا رَدَّ رَأْسَ الْمَالِ كَمَا هُوَ، وَأَمَّا إِنْ لَمْ يَرُدَّهُ، فَلاَ يَحِلُّ لَهُ مِنَ الرِّبْحِ قَلِيلٌ وَلاَ كَثِيرٌ. هَكَذَا ذَكَرَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي النَّوَادِرِ .

الْخَامِسُ: أَنَّ الرِّبْحَ يَكُونُ بَيْنَ الْوَدِيعِ وَالْمُودِعِ عَلَى قَدْرِ النَّفْعَيْنِ، بِحَسَبِ مَعْرِفَةِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ، فَيَقْتَسِمَانِهِ بَيْنَهُمَا كَالْمُضَارَبَةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنِ الإْمَامِ  أَحْمَدَ، قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: وَهُوَ أَصَحُّهَا، وَبِهِ حَكَمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه. إِلاَّ أَنْ يَتَّجِرَ بِهِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْعُدْوَانِ، مِثْلَ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهُ مَالُ نَفْسِهِ، فَيَتَبَيَّنُ لَهُ أَنَّهُ مَالُ غَيْرِهِ، فَهُنَا يَقْتَسِمَانِ الرِّبْحَ بِلاَ رَيْبٍ .

اسْتِقْرَاضُ الْوَدِيعَةِ:

51 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ اقْتِرَاضَ الْوَدِيعِ لِلْوَدِيعَةِ يَجْعَلُهَا مَضْمُونَةً فِي ذِمَّتِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ. وَأَمَّا اقْتِرَاضُهُ مِنْهَا بِدُونِ إِذْنِ صَاحِبِهَا، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِهِ:

فَفَصَّلَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَسْأَلَةِ، فَقَالُوا: يَحْرُمُ عَلَى الْوَدِيعِ أَنْ يَتَسَلَّفَ الْوَدِيعَةَ إِذَا كَانَ فَقِيرًا، سَوَاءٌ أَكَانَتْ مِنَ الْقِيمِيَّاتِ أَمْ مِنَ الْمِثْلِيَّاتِ، وَذَلِكَ لِتَضَرُّرِ مَالِكِهَا بِعَدَمِ الْوَفَاءِ، نَظَرًا لإِعْدَامِهِ.

أَمَّا إِذَا كَانَ مُوسِرًا، فَيَنْظُرُ: فَإِنْ كَانَتِ الْوَدِيعَةُ عَرْضًا قِيمِيًّا، فَيَحْرُمُ عَلَى الْوَدِيعِ اقْتِرَاضُهَا. قَالَ الزُّرْقَانِيُّ: لأِنَّ  مِثْلَهُ لَيْسَ كَعَيْنِهِ، لاِخْتِلاَفِ الأْغْرَاضِ  بِاخْتِلاَفِ أَفْرَادِهِ، فَأَشْبَهَ بَيْعَ الْفُضُولِيِّ وَشِرَاءَهُ، مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِمَا هُوَ مَظِنَّةُ عَدَمِ رِضَاهُ .

وَإِنْ كَانَتِ الْوَدِيعَةُ نَقْدًا فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ. وَذَلِكَ لأِنَّ  مِثْلَهُ كَعَيْنِهِ، فَالتَّصَرُّفُ الْوَاقِعُ فِيهِ كَلاَ تَصَرُّفٍ، أَوْ أَنَّهُ تَصَرُّفٌ بِمَا هُوَ مَظِنَّةُ أَنْ لاَ يَأْبَاهُ رَبُّهُ، فَلَمَّا لَمْ يُرَدْ لِذَاتِهِ، كَانَ أَخَفَّ مِنَ الْمُقَوَّمِ. وَمَحَلُّ كَرَاهَةِ تَسَلُّفِ النَّقْدِ فِيمَا إِذَا لَمْ يُبِحْ لَهُ رَبُّهُ ذَلِكَ أَوْ يَمْنَعُهُ، بِأَنْ جَهِلَ، وَإِلاَّ أُبِيحَ فِي الأْوَّلِ، وَمُنِعَ فِي الثَّانِي .

وَأَجَازَهُ بَعْضُهُمْ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فِيهِ وَفَاءٌ، وَأَشْهَدَ عَلَى الاِقْتِرَاضِ، وَوَجْهُ الْجَوَازِ: أَنَّ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ لاَ تَتَعَيَّنُ، فَكَأَنَّهُ لاَ مَضَرَّةَ عَلَى الْمُودِعِ فِي انْتِفَاعِ الْوَدِيعِ بِهَا إِذَا رَدَّ مِثْلَهَا، وَقَدْ كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ مِثْلَهَا، وَيَتَمَسَّكَ بِهَا مَعَ بَقَاءِ أَعْيَانِهَا، وَلأِنَّ  الْمُودِعَ قَدْ تَرَكَ الاِنْتِفَاعَ بِهَا مَعَ الْقُدْرَةِ، فَجَازَ لِلْوَدِيعِ الاِنْتِفَاعُ بِهَا. وَيَجْرِي ذَلِكَ مَجْرَى الاِنْتِفَاعِ بِظِلِّ حَائِطِهِ وَضَوْءِ سِرَاجِهِ.

وَإِنْ كَانَتِ الْوَدِيعَةُ مِنَ الْمِثْلِيَّاتِ الأْخْرَى ، فَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يَكْثُرُ اخْتِلاَفُهُ وَلاَ يَتَحَصَّلُ أَمْثَالُهُ، فَيَحْرُمُ تَسَلُّفُهَا، كَالْقِيمِيَّاتِ، وَإِلاَّ فَيَجُوزُ سَلَفُهَا كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فِي ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ: الأْظْهَرُ  عِنْدِي الْمَنْعُ، وَقَدْ عَلَّقَ اللَّخْمِيُّ عَلَى الاِخْتِلاَفِ فِي الْجَوَازِ، فَقَالَ: وَأَرَى أَنْ يَنْظُرَ إِلَى الْمُودِعِ، فَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لاَ يَكْرَهُ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَدِيعِ، أَوْ مَعَهُ كَرَمُ طَبْعٍ جَازَ، وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ مِنْهُ الْكَرَاهِيَةَ لَمْ يَجُزْ.

وَبِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَإِذَا تَسَلَّفَ مَا لاَ يَحْرُمُ تَسَلُّفُهُ، ثُمَّ رَدَّ مَكَانَهَا مِثْلَهَا، فَتَلِفَ الْمِثْلُ، بَرِئَ عَلَى الْمَشْهُورِ. وَقَدْ جَاءَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: أَنَّ مَنْ أَوْدَعَ رَجُلاً دَرَاهِمَ أَوْ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ فَتَسَلَّفَهُ، ثُمَّ رَدَّ مِثْلَهُ مَكَانَهُ، فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ بَعْدَ الرَّدِّ .

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: إِنْ كَانَ الَّذِي رَدَّ مَكَانَهُ يَتَمَيَّزُ مِنْ دَنَانِيرِهِ وَدَرَاهِمِهِ، فَضَاعَتِ الدَّنَانِيرُ كُلُّهَا، ضَمِنَ مَا تُسُلِّفَ فَقَطْ. وَإِنْ كَانَ الَّذِي وَضَعَ بَدَلاً مِمَّا أَخَذَ لاَ يَتَمَيَّزُ وَلاَ يُعْرَفُ، فَتَلِفَتِ الدَّنَانِيرُ، ضَمِنَهَا كُلَّهَا .

وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: إِنْ عَلِمَ الْوَدِيعُ عِلْمًا اطْمَأَنَّ إِلَيْهِ قَلْبُهُ أَنَّ صَاحِبَ الْوَدِيعَةِ رَاضٍ بِذَلِكَ، فَلاَ بَأْسَ بِهِ. وَهَذَا إِنَّمَا يُعْرَفُ مِنْ رَجُلٍ اخْتَبَرْتَهُ خِبْرَةً تَامَّةً، وَعَلِمْتَ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَهُ، وَمَتَى وَقَعَ فِي ذَلِكَ شَكٌّ، لَمْ يَجُزِ الاِقْتِرَاضُ .

اسْتِعْمَالُ الْوَدِيعَةِ

52 - اسْتِعْمَالُ الْوَدِيعِ لِلْوَدِيعَةِ وَالاِنْتِفَاعُ بِهَا، كَرُكُوبِ الدَّابَّةِ، وَلُبْسِ الثَّوْبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ إِمَّا أَنْ يَقَعَ بِإِذْنِ صَاحِبِهَا، أَوْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، فَإِذَا اسْتَعْمَلَهَا الْوَدِيعُ بِإِذْنِهِ، فَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي حِلِّ فِعْلِهِ وَمَشْرُوعِيَّتِهِ . أَمَّا فِيمَا يَخُصُّ تَضْمِينَ الْوَدِيعِ بِالاِسْتِعْمَالِ الْمَأْذُونِ فِيهِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْوَالٍ:

الأْوَّلُ: لِلْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ أَنَّهُ لاَ ضَمَانَ عَلَى الْوَدِيعِ بِاسْتِعْمَالِ الْوَدِيعَةِ الْمَأْذُونِ فِيهِ، وَهَذَا مُقْتَضَى قَوْلِهِمْ بِانْتِفَاءِ التَّعَدِّي بِالإْذْنِ. وَأَنَّ الإْذْنَ  بِالاِسْتِعْمَالِ لَيْسَ بِمُفْسِدٍ لِعَقْدِ الْوَدِيعَةِ، لأِنَّ  الشَّيْءَ إِنَّمَا يَفْسُدُ بِمَا يُنَافِيهِ، وَالاِسْتِعْمَالُ لاَ يُنَافِي الإْيدَاعَ، وَلِذَا صَحَّ الأْمْرُ  بِالْحِفْظِ مَعَ الاِسْتِعْمَالِ ابْتِدَاءً.

وَجَاءَ فِي الْمَادَّةِ 792 مِنَ الْمَجَلَّةِ الْعَدْلِيَّةِ: كَمَا أَنَّ لِلْوَدِيعِ أَنْ يَسْتَعْمِلَ الْوَدِيعَةَ بِإِذْنِ صَاحِبِهَا فَلَهُ أَيْضًا أَنْ يُؤَجِّرَهَا وَيُعِيرَهَا وَيَرْهَنَهَا .

وَالثَّانِي: لِلشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ أَنَّ الإْذْنَ  لِلْوَدِيعِ بِاسْتِعْمَالِهَا يُفْسِدُ عَقْدَ الْوَدِيعَةِ، لأِنَّهُ شَرْطٌ يُنَاقِضُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ فَيَفْسُدُ، ثُمَّ يَنْظُرُ بَعْدَ ذَلِكَ: فَإِنِ اسْتَعْمَلَهَا انْقَلَبَتْ عَارِيَةً فَاسِدَةً  وَتَصِيرُ الْعَيْنُ مَضْمُونَةً بِيَدِهِ، إِلْحَاقًا لِفَاسِدِ الْعَارِيَةِ بِصَحِيحِهَا فِي الضَّمَانِ. وَإِنْ لَمْ يَسْتَعْمِلْهَا بَقِيَتْ أَمَانَةً، إِلْحَاقًا لِفَاسِدِ الْوَدِيعَةِ بِصَحِيحِهَا فِي عَدَمِ الضَّمَانِ، حَيْثُ إِنَّ فَاسِدَ الْعُقُودِ كَصَحِيحِهَا فِي الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ .

وَالثَّالِثُ: لِلْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ أَنَّ الْمَالِكَ إِذَا أَذِنَ لِلْوَدِيعِ بِاسْتِعْمَالِ الْوَدِيعَةِ، فَاسْتَعْمَلَهَا حَسَبَ الإْذْنِ، صَارَتْ عَارِيَةً مَضْمُونَةً، كَالرَّهْنِ إِذَا أَذِنَ رَبُّهُ لِلْمُرْتَهِنِ بِاسْتِعْمَالِهِ. وَإِنْ لَمْ يَسْتَعْمِلْهَا، فَهِيَ أَمَانَةٌ، لأِنَّ  الاِنْتِفَاعَ غَيْرُ مَقْصُودٍ، وَلَمْ يُوجَدْ، فَوَجَبَ تَغْلِيبُ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ، وَهُوَ الْحِفْظُ، فَتَبْقَى وَدِيعَةً .

أَمَّا إِذَا اسْتَعْمَلَ الْوَدِيعُ الْوَدِيعَةَ بِغَيْرِ إِذْنِ رَبِّهَا، فَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ فِعْلَهُ هَذَا تَعَدٍّ يَسْتَوْجِبُ ضَمَانَهُ .

وَقَدْ قَيَّدَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ قَوْلَهُمْ بِتَضْمِينِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِمَا إِذَا كَانَ اسْتِعْمَالُهُ لِلْوَدِيعَةِ خِيَانَةً مُضَمَّنَةً، أَمَّا إِذَا كَانَ لَهُ عُذْرٌ فِيهِ، بِأَنَّ لُبْسَ الثَّوْبِ الْمُودَعِ لِدَفْعِ الْعُثِّ عَنْهُ، أَوْ رَكِبَ الدَّابَّةَ لِعَلْفِهَا أَوْ سَقْيِهَا، وَكَانَتْ لاَ تَنْقَادُ إِلاَّ بِالرُّكُوبِ، فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، لأِنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ عُرْفًا، فَضْلاً عَنْ كَوْنِهِ مُحْسِنًا فِيهِ، وَمَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ .

كَمَا قَيَّدَ الْمَالِكِيَّةُ قَوْلَهُمْ بِتَضْمِينِهِ بِمَا إِذَا كَانَ انْتِفَاعُهُ بِهَا عَلَى وَجْهٍ يَعْطَبُهَا عَادَةً، وَعَطِبَتْ. فَأَمَّا إِذَا انْتَفَعَ بِهَا انْتِفَاعًا لاَ تَعْطَبُ بِهِ عَادَةً، وَتَلِفَتْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا، فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ. فَإِنْ تَسَاوَى الأْمْرَانِ  أَوْ جُهِلَ الْحَالُ، فَالأْظْهَرُ الضَّمَانُ، وَلَوْ بِسَبَبٍ سَمَاوِيٍّ .

وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ انْتِفَاعَهُ بِهَا بِدُونِ إِذْنِ صَاحِبِهَا يُوجِبُ عَلَيْهِ أُجْرَةَ مِثْلِهَا لِرَبِّهَا عَنِ الْمُدَّةِ الَّتِي بَقِيَتْ فِي يَدِهِ بَعْدَ التَّعَدِّي، لاِرْتِفَاعِ الأْمَانَةِ بِهِ.

وَقَدْ قَيَّدَ الْمَالِكِيَّةُ وُجُوبَ الأْجْرَةِ  لِلْمَالِكِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فِيمَا إِذَا كَانَ مِثْلُهُ يَأْخُذُ ذَلِكَ وَإِلاَّ فَلاَ .

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: يَبْطُلُ عَقْدُ الإْيدَاعِ بِتَعَدِّي الْوَدِيعِ عَلَى الْوَدِيعَةِ بِاسْتِعْمَالِهَا وَالاِنْتِفَاعِ بِهَا، وَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهَا فَوْرًا إِلَى مَالِكِهَا، لأِنَّ  يَدَهُ صَارَتْ عَادِيَّةً كَالْغَاصِبِ  .

وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا إِذَا أَزَالَ تَعَدِّيهِ عَلَى الْوَدِيعَةِ، بِأَنْ تَرَكَ لُبْسَ الثَّوْبِ أَوْ رُكُوبَ الدَّابَّةِ وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَرَدَّهَا لِيَدِهِ سَلِيمَةً، وَعَاوَدَ حِفْظَهَا لِمَالِكِهَا، فَهَلْ يَزُولُ ضَمَانُهُ بِالْوِفَاقِ أَمْ لاَ؟ وَذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَوَّلُهُمَا: لِلْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ أَنَّهُ يَزُولُ الضَّمَانُ عَنْهُ لِزَوَالِ مَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ  . قَالَ الْعَيْنِيُّ: لأِنَّ  الضَّمَانَ وَجَبَ دَفْعًا لِلضَّرَرِ الْوَاقِعِ، وَقَدِ ارْتَفَعَ بِالْعَوْدِ إِلَى الْوِفَاقِ .

وَقَالَ ابْنُ نُجَيْمٍ: وَلأِنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْحِفْظِ فِي كُلِّ الأْوْقَاتِ، فَإِذَا خَالَفَ فِي الْبَعْضِ ثُمَّ رَجَعَ، أَتَى بِالْمَأْمُورِ بِهِ، كَمَا إِذَا اسْتَأْجَرَهُ لِلْحِفْظِ شَهْرًا، فَتَرَكَ الْحِفْظَ فِي بَعْضِهِ، ثُمَّ حَفِظَ فِي الْبَاقِي، اسْتَحَقَّ الأْجْرَةَ  بِقَدَرِهِ . وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الأَْنْهُرِ: وَلأِنَّ  الشَّيْءَ إِنَّمَا يَبْطُلُ بِمَا يُنَافِيهِ، وَالاِسْتِعْمَالُ لاَ يُنَافِي الإْيدَاعَ، وَلِذَا صَحَّ الأْمْرُ  بِالْحِفْظِ مَعَ الاِسْتِعْمَالِ ابْتِدَاءً، فَإِذَا زَالَ عَادَ حُكْمُ الْعَقْدِ .

وَفِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ نَقْلاً عَنِ الظَّهِيرِيَّةِ: أَنَّهُ يَزُولُ الضَّمَانُ عَنْهُ بِشَرْطِ أَلاَّ يَعْزِمَ عَلَى الْعَوْدِ إِلَى التَّعَدِّي، حَتَّى لَوْ نَزَعَ ثَوْبَ الْوَدِيعَةِ لَيْلاً، وَفِي عَزْمِهِ أَنْ يَلْبَسَهُ نَهَارًا، ثُمَّ سُرِقَ لَيْلاً، لاَ يَبْرَأُ مِنَ الضَّمَانِ .

وَالثَّانِي: لِلشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَزُفَرَ، وَهُوَ أَنَّهُ لاَ يَبْرَأُ مِنَ الضَّمَانِ، لأِنَّ  حُكْمَ الْوَدِيعَةِ، وَهُوَ الاِسْتِئْمَانُ، ارْتَفَعَ بِالْعُدْوَانِ، فَلاَ يَعُودُ إِلَيْهِ إِلاَّ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ، وَلَمْ يُوجَدْ، فَلاَ يَبْرَأُ مِنَ الضَّمَانِ .

التَّصَرُّفُ فِي الْوَدِيعَةِ:

55 - الْمُرَادُ بِالتَّصَرُّفِ فِي الْوَدِيعَةِ هُنَا كُلُّ ارْتِبَاطٍ عَقْدِيٍّ يُنْشِئُهُ الْوَدِيعُ، وَيَكُونُ مَحَلُّهُ الْوَدِيعَةَ، مِثْلَ بَيْعِهَا وَإِجَارَتِهَا وَإِعَارَتِهَا وَإِيدَاعِهَا وَرَهْنِهَا وَإِقْرَاضِهَا وَنَحْوَ ذَلِكَ.

وَهَذَا الاِرْتِبَاطُ إِمَّا أَنْ يُجْرِيَهُ الْمُسْتَوْدَعُ بِإِذْنِ الْمُودِعِ، وَبِذَلِكَ يَقَعُ تَصَرُّفُهُ صَحِيحًا مَشْرُوعًا بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ عَنِ الْمَالِكِ، وَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهِ، لأِنَّ  أَمْرَ الإْنْسَانِ  غَيْرَهُ بِالتَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ صَحِيحٌ مُعْتَبَرٌ شَرْعًا .

وَإِمَّا أَنْ يُجْرِيَهُ الْوَدِيعُ بِغَيْرِ إِذْنِ الْمُودِعِ فَيَكُونَ ضَامِنًا، وَعَلَى ذَلِكَ نَصَّتِ الْمَادَّةُ (792) مِنَ الْمَجَلَّةِ الْعَدْلِيَّةِ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ لَوْ آجَرَهَا أَوْ أَعَارَهَا لآِخَرَ أَوْ رَهَنَهَا، بِدُونِ إِذْنِ صَاحِبِهَا، فَهَلَكَتْ، أَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ أَوِ الْمُسْتَعِيرِ أَوِ الْمُرْتَهِنِ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ.

وَقَدْ جَعَلَ الْحَنَفِيَّةُ لِمَالِكِ الْوَدِيعَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الْخِيَارَ فِي تَضْمِينِ الْوَدِيعِ أَوْ فِي تَضْمِينِ الْمُسْتَأْجِرِ أَوِ الْمُسْتَعِيرِ أَوِ الْمُرْتَهِنِ .

وَعَلَّلُوا عَدَمَ جَوَازِ تَأْجِيرِهَا مِنْ قِبَلِ الْوَدِيعِ لآِخَرَ، بِأَنَّ الإْجَارَةَ  عَقْدٌ لاَزِمٌ، وَالإْيدَاعَ عَقْدٌ غَيْرُ لاَزِمٍ، فَلَوْ جَازَ لِلْوَدِيعِ تَأْجِيرُهَا لَصَارَتِ الإْجَارَةُ غَيْرَ لاَزِمَةٍ مَعَ أَنَّهَا لاَزِمَةٌ.

وَقَالُوا: لَيْسَ لَهُ أَنْ يُعِيرَهَا أَيْضًا، لأِنَّ  الْوَدِيعَ غَيْرُ مَالِكٍ لِمَنَافِعِ الْوَدِيعَةِ، وَلَمَّا كَانَتِ الإْعَارَةُ  تَمْلِيكًا لِلْمَنَافِعِ، فَلَيْسَ مِنَ الْمُمْكِنِ أَنْ يَمْلِكَ الْمَرْءُ شَيْئًا لاَ يَمْلِكُهُ. وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْهَنَهَا عِنْدَ آخَرَ، لأِنَّ  الرَّهْنَ إِيفَاءٌ حُكْمًا، وَلَيْسَ لِشَخْصٍ أَنْ يَفِيَ دَيْنَهُ بِمَالِ الْغَيْرِ بِلاَ أَمْرِ صَاحِبِهِ، بِالإْضَافَةِ  إِلَى أَنَّ الرَّهْنَ عَقْدٌ لاَزِمٌ مِنْ جِهَةِ الرَّاهِنِ، وَالْوَدِيعَةُ لَيْسَتْ عَقْدًا لاَزِمًا. كَذَلِكَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ الْوَدِيعَةَ أَوْ يَهَبَهَا لآِخَرَ بِلاَ إِذْنٍ وَيُسَلِّمَهَا إِلَيْهِ، لأِنَّ  بَيْعَهُ وَهِبَتَهُ لاَ تَنْفُذَانِ بِدُونِ رِضَا مَالِكِهَا .

56 - وَلَوْ آجَرَ الْوَدِيعُ الْوَدِيعَةَ تَعَدِّيًا، فَهَلْ يَسْتَحِقُّ أُجْرَتَهَا، أَمْ أَنَّهَا تَكُونُ لِمَالِكِهَا؟

لِلْفُقَهَاءِ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلاَنِ:

الأْوَّلُ: لِلْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ أَنَّ الأْجْرَةَ  تَكُونُ لِلْوَدِيعِ بِمُقَابَلَةِ ضَمَانِ الْوَدِيعَةِ، كَمَا يَسْتَحِقُّ الْغَاصِبُ مَنَافِعَ الْمَغْصُوبِ بِمُقَابَلَةِ ضَمَانِهِ . قَالَ السَّرَخْسِيُّ: وَلَوْ أَكْرَى - أَيِ الْوَدِيعُ - الإْبِلَ إِلَى مَكَّةَ، وَأَخَذَ الْكِرَاءَ، كَانَ الْكِرَاءُ لَهُ، لأِنَّهُ وَجَبَ بِعَقْدِهِ، وَلَيْسَتِ الْغَلَّةُ كَالْوَلَدِ وَلاَ الصُّوفِ وَاللَّبَنِ، فَإِنَّ ذَاكَ يَتَوَلَّدُ مِنَ الأْصْلِ، فَيَمْلِكُ بِمِلْكِ الأْصْلِ، وَهَذَا غَيْرُ مُتَوَلِّدٍ مِنَ الأْصْلِ، بَلْ هُوَ وَاجِبٌ بِالْعَقْدِ، فَيَكُونُ لِلْعَاقِدِ . وَالثَّانِي: لِلْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ أَنَّ صَاحِبَ الْوَدِيعَةِ إِنْ لَمْ تَتْلَفِ الْوَدِيعَةُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا وَيَأْخُذَ أُجْرَتَهَا، وَبَيْنَ أَنْ يَتْرُكَهَا لِلْوَدِيعِ، وَيُضَمِّنَهُ قِيمَتَهَا، وَلاَ شَيْءَ لَهُ مِنْ أُجْرَتِهَا. فَجَاءَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إِنِ اسْتَوْدَعَنِي إِبِلاً، فَأَكْرَيْتُهَا إِلَى مَكَّةَ، أَيَكُونُ لِرَبِّهَا مِنَ الْكِرَاءِ شَيْءٌ أَمْ لاَ؟

قَالَ: كُلُّ مَا كَانَ أَصْلُهُ أَمَانَةً، فَأَكْرَاهُ، فَرَبُّهُ مُخَيَّرٌ إِنْ سُلِّمَتِ الإْبِلُ  وَرَجَعَتْ بِحَالِهَا فِي أَنْ يَأْخُذَ كِرَاءَهَا، وَيَأْخُذَ الإْبِلَ، وَفِي أَنْ يَتْرُكَهَا لَهُ، وَيُضَمِّنَهُ قِيمَتَهَا، وَلاَ شَيْءَ لَهُ مِنَ الْكِرَاءِ إِذَا كَانَ قَدْ حَبَسَهَا عَنْ أَسْوَاقِهَا وَمَنَافِعُهُ بِهَا، وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ أَعَارَهُ رَجُلٌ دَابَّةً أَوْ أَكْرَاهُ دَابَّةً إِلَى مَوْضِعٍ مِنَ الْمَوَاضِعِ فَتَعَدَّى عَلَيْهَا، لأِنَّ  أَصْلَ هَذَا كُلِّهِ لَمْ يَضْمَنْ إِلاَّ بِتَعَدِّيهِ فِيهِ .

57 - وَلَوْ بَاعَهَا الْوَدِيعُ بِدُونِ إِذْنِ مَالِكِهَا، فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: يَكُونُ فُضُولِيًّا بِبَيْعِهِ، وَيَتَوَقَّفُ بَيْعُهُ عَلَى إِجَازَةِ صَاحِبِهَا، فَإِنْ أَجَازَهُ نَفَّذَ، وَإِنْ رَدَّهُ بَطَلَ . وَقَدْ جَاءَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: الْمُودِعُ إِذَا بَاعَ الْوَدِيعَةَ وَسَلَّمَهَا إِلَى الْمُشْتَرِي، وَضَمِنَ الْمَالِكُ الْمُودِعَ، نَفَذَ بَيْعُهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ .

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِذَا بَاعَ الْوَدِيعُ الْوَدِيعَةَ، وَهِيَ عَرْضٌ، فَرَبُّهَا مُخَيَّرٌ فِي أَخْذِ الثَّمَنِ الَّذِي بَاعَهَا بِهِ أَوْ فِي أَخْذِ الْقِيمَةِ يَوْمَ التَّعَدِّي، هَذَا إِذَا فَاتَتِ السِّلْعَةُ، أَمَّا إِذَا كَانَتْ قَائِمَةً، فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ فِي أَخْذِهَا، أَوِ الثَّمَنِ الَّذِي بِيعَتْ بِهِ . قَالَ الْعَدَوِيُّ: وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ عِنْدَ الْفَوَاتِ يَجِبُ لَهُ الأْكْثَرُ  مِنَ الثَّمَنِ أَوِ الْقِيمَةِ. وَمَحَلُّ تَخْيِيرِ صَاحِبِ الْوَدِيعَةِ فِي الإْجَازَةِ وَالرَّدِّ: مَا لَمْ يَحْضُرْ عَقْدَ الْبَيْعِ أَوْ يَبْلُغْهُ الْبَيْعُ، وَيَسْكُتُ مُدَّةً، بِحَيْثُ يُعَدُّ رَاضِيًا، وَإِلاَّ لَزِمَهُ الْبَيْعُ، وَأَخْذُ مَا بِيعَتْ بِهِ قَلِيلاً أَوْ كَثِيرًا .

وَأَمَّا إِذَا اشْتَرَى الْوَدِيعُ شَيْئًا بِالْوَدِيعَةِ، فَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الإْشْرَافِ: إِذَا تَعَدَّى الرَّجُلُ فِي وَدِيعَةٍ كَانَتْ عِنْدَهُ، فَاشْتَرَى مِنْ عَيْنِ الْمَالِ سِلْعَةً بِمِائَةِ دِينَارٍ، وَقَالَ لِلْبَائِعِ: قَدِ اشْتَرَيْتُ هَذِهِ السِّلْعَةَ بِهَذِهِ الْمِائَةِ دِينَارٍ، فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ لأِنَّهُ اشْتَرَى شَيْئًا بِمَالٍ لاَ يَمْلِكُهُ، فَإِنْ بَاعَ تِلْكَ السِّلْعَةَ بِمِائَتَيْ دِينَارٍ وَرَبِحَ فِيهَا مِئَةً، فَإِنَّ بَيْعَهُ بَاطِلٌ، لأِنَّهُ بَاعَ مَا لاَ يَمْلِكُهُ.

وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرَى لَيْسَ بِعَيْنِ الْمَالِ، بِأَنْ كَانَ يَشْتَرِي السِّلَعَ، ثُمَّ يَزِنُ مِنْ مَالِ الْوَدِيعَةِ، فَالشِّرَاءُ ثَابِتٌ، وَالْمَالُ - أَيِ الثَّمَنُ - فِي ذِمَّتِهِ، وَهُوَ مَالِكٌ لِلسِّلَعِ بِعَقْدِ الشِّرَاءِ، وَمَا كَانَ مِنْ رِبْحٍ فِيهَا فَلَهُ، وَمَا كَانَ مِنْ نُقْصَانٍ فَعَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ مِثْلُ الدَّنَانِيرِ الَّتِي أَتْلَفَ لِصَاحِبِهَا .

58 - وَإِذَا كَانَتِ الْوَدِيعَةُ مِنَ النُّقُودِ أَوِ الْمِثْلِيَّاتِ الأْخْرَى ، فَأَقْرَضَهَا الْوَدِيعُ تَعَدِّيًا، وَلَمْ يُجِزْ مَالِكُهَا ذَلِكَ، فَإِنَّهَا تَكُونُ مَضْمُونَةً عَلَى الْوَدِيعِ. نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ . وَبِنَاءً عَلَيْهِ جَاءَ فِي الْمَادَّةِ (793) مِنَ الْمَجَلَّةِ الْعَدْلِيَّةِ: وَإِذَا أَقْرَضَ الْمُسْتَوْدَعُ دَرَاهِمَ الْوَدِيعَةِ لآِخَرَ بِلاَ إِذْنٍ، وَلَمْ يُجِزْ صَاحِبُهَا، ضَمِنَهَا الْمُسْتَوْدَعُ.

وَلَوْ كَانَ عَلَى الْمُودِعِ دَيْنٌ، فَقَضَى الْوَدِيعُ دَيْنَهُ مِنْ مَالِ الْوَدِيعَةِ، فَقَدْ نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يَضْمَنُ مَا أَدَّاهُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَوْ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْوَدِيعَةِ .

وَذَهَبَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ لاَ ضَمَانَ عَلَى الْوَدِيعِ بِذَلِكَ .

تَضْيِيعُ الْوَدِيعَةِ

61 - الْمُرَادُ بِتَضْيِيعِ الْوَدِيعَةِ تَعْرِيضُهَا لِلذَّهَابِ وَالتَّوَى عَلَى صَاحِبِهَا، كَأَنْ يُلْقِيَهَا الْوَدِيعُ فِي مَفَازَةٍ، أَوْ يَجْعَلَهَا فِي غَيْرِ حِرْزِ مِثْلِهَا، أَوْ يُؤَخِّرَ إِحْرَازَهَا مَعَ التَّمَكُّنِ، فَتَهْلِكَ، فَإِنَّهُ يَكُونُ ضَامِنًا لَهَا. وَذَلِكَ لأِنَّهُ مَأْمُورٌ بِحِفْظِهَا فِي حِرْزِ مِثْلِهَا بِالتَّحَرُّزِ عَنْ أَسْبَابِ التَّلَفِ، وَقَدْ أَتَى بِنَقِيضِ مَا الْتَزَمَ بِهِ مِنَ الْحِفْظِ، فَكَانَ ذَلِكَ طَرِيقًا إِلَى تَضْمِينِهِ .

وَأَنْوَاعُ التَّضْيِيعِ كَثِيرَةٌ لاَ تَنْحَصِرُ، وَالْمَرْجِعُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فِي مَعْرِفَةِ مَا يُعَدُّ تَضْيِيعًا لِلْوَدِيعَةِ وَمَا لاَ يُعَدُّ إِلَى الْعُرْفِ، وَإِنَّهُ لَيَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الأْزْمِنَةِ  وَالأْمْكِنَةِ  وَعَوَائِدِ النَّاسِ .

وَقَدْ عَدَّ الشَّافِعِيَّةُ مِنْهُ الصُّوَرَ التَّالِيَةَ:

أ) مَا لَوْ وَقَعَتْ دَابَّةٌ فِي مَهْلَكَةٍ، وَهِيَ مَعَ وَدِيعٍ، فَتَرَكَ تَخْلِيصَهَا الَّذِي لَيْسَ عَلَيْهِ فِيهِ كَبِيرُ كُلْفَةٍ وَمَشَقَّةٍ، أَوْ ذَبَحَهَا بَعْدَ تَعَذُّرِ تَخْلِيصِهَا، فَمَاتَتْ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا .

ب) أَنْ يَنَامَ الْوَدِيعُ عَنْهَا، وَهِيَ مَعَهُ فِي غَيْرِ حِرْزِ مِثْلِهَا، وَلَيْسَ مَعَهُ رُفْقَةٌ مُسْتَيْقِظُونَ يَحْفَظُونَهَا، فَتَضِيعَ .

ج) أَنْ يَدُلَّ الْوَدِيعُ عَلَيْهَا، أَوْ يُعْلِمَ بِهَا مَنْ يُصَادِرُ الْمَالِكَ وَيَأْخُذُ أَمْوَالَهُ، وَيُعَيِّنَ لَهُ مَوْضِعَهَا، فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا بِذَلِكَ .

وَعَدَّ الْحَنَابِلَةُ مِنَ التَّضْيِيعِ: مَا لَوْ سَلَّمَهَا الْوَدِيعُ بِطَرِيقِ الْخَطَأِ إِلَى مَنْ يَظُنُّهُ صَاحِبُهَا فَتَبَيَّنَ خَطَؤُهُ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا، لأِنَّهُ فَوَّتَهَا عَلَى رَبِّهَا .

وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مِنَ التَّضْيِيعِ الْمُوجِبِ لِلضَّمَانِ مَا لَوْ دَلَّ الْوَدِيعُ لِصًّا عَلَى مَكَانِ الْوَدِيعَةِ، فَسَرَقَهَا، وَذَلِكَ لإِتْيَانِهِ  بِنَقِيضِ مَا الْتَزَمَهُ مِنَ الْحِفْظِ .

غَيْرَ أَنَّهُ جَاءَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى مِنْ كُتُبِ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ ضَمَانَهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَلَى الْوَدِيعِ وَاللِّصِّ، أَمَّا الْوَدِيعُ، فَلِمُنَافَاةِ دَلاَلَتِهِ لِلْحِفْظِ الْمَأْمُورِ بِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ دَفَعَهُمَا لِغَيْرِهِ. وَأَمَّا اللِّصُّ، فَلأِنَّهُ هُوَ الْمُتْلِفُ لَهَا. وَعَلَى اللِّصِّ قَرَارُ الضَّمَانِ لِمُبَاشَرَتِهِ .

وَهُنَاكَ صُورَتَانِ لِتَضْيِيعِ الْوَدِيعَةِ، اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَضْمِينِ الْوَدِيعِ بِهَا:

الصُّورَةُ الأْولَى:

إِذَا أُكْرِهَ الْوَدِيعُ عَلَى تَسْلِيمِ الْوَدِيعَةِ لِغَاصِبٍ أَوْ ظَالِمٍ، فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَضْمِينِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ:

الأْوَّلُ: لِلْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي غَيْرِ الأْصَحِّ : وَهُوَ أَنَّهُ لاَ ضَمَانَ عَلَى الْوَدِيعِ لأِنَّ  الإْكْرَاهَ  عُذْرٌ يُبِيحُ دَفْعَهَا لِمَنْ أَكْرَهَهُ، فَكَانَ كَمَا لَوْ أُخِذَتْ مِنْ يَدِهِ بِغَيْرِ فِعْلٍ مِنْ جِهَتِهِ .

الثَّانِي: لِلشَّافِعِيَّةِ فِي الأْصَحِّ ، وَهُوَ أَنَّ دَفْعَهَا إِلَيْهِ تَضْيِيعٌ مُوجِبٌ لِضَمَانِهِ.

ثُمَّ إِنَّ الْمَالِكَ بِالْخِيَارِ: إِنْ شَاءَ ضَمِنَ الْوَدِيعَ، لِمُبَاشَرَتِهِ التَّسْلِيمَ - وَلَوْ مُضْطَرًّا، إِذْ لاَ يُؤَثِّرُ ذَلِكَ عَلَى ضَمَانِ الْمُبَاشِرِ - لأِنَّهُ فَوَّتَ الْوَدِيعَةَ عَلَى صَاحِبِهَا، لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَنْفَقَهَا عَلَى نَفْسِهِ لِخَوْفِ التَّلَفِ مِنَ الْجُوعِ، ثُمَّ يَرْجِعُ الْوَدِيعُ عَلَى الْمُكْرَهِ بَعْدَ ذَلِكَ بِمَا غَرِمَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمِنَ الظَّالِمُ الْمُكْرَهَ .

الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: نِسْيَانُ الْوَدِيعَةِ، كَمَا إِذَا قَعَدَ الْوَدِيعُ فِي طَرِيقٍ، وَهِيَ مَعَهُ، ثُمَّ قَامَ فَنَسِيَهَا، أَوْ دَفَنَهَا بِحِرْزٍ ثُمَّ نَسِيَهُ، وَكَمَا لَوْ كَانَ مَعَهُ كِيسُ دَرَاهِمَ وَدِيعَةً، فَوَضَعَهُ فِي حِجْرِهِ، ثُمَّ قَامَ وَنَسِيَهُ، فَضَاعَ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَضْمِينِهِ بِذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لِلْحَنَفِيَّةِ وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِي الأْصَحِّ  وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ حَبِيبٍ وَمُطَرِّفٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ أَنَّهُ يَضْمَنُ الْوَدِيعَةَ، إِذَا ضَيَّعَهَا بِالنِّسْيَانِ. لأِنَّ  نِسْيَانَهُ جِنَايَةٌ عَلَى الْوَدِيعَةِ. وَبِذَلِكَ أَفْتَى الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ وَابْنُ الْحَاجِّ مِنْ عُلَمَاءِ الْمَالِكِيَّةِ .

وَالثَّانِي: لِلْبَاجِيِّ وَالْعَبْدُوسِيِّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: وَهُوَ أَنَّهُ لاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ  قَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْحَفِيدُ: اخْتُلِفَ فِي الْمَذْهَبِ فِي ضَمَانِهَا بِالنِّسْيَانِ، مِثْلَ أَنْ يَنْسَاهَا فِي مَوْضِعِ إِيدَاعِهَا، أَوْ يَنْسَى مَنْ دَفَعَهَا إِلَيْهِ، وَيَدَّعِيَهَا رَجُلاَنِ.

فَقِيلَ: يَحْلِفَانِ، وَتُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا، وَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: إِنَّهُ يَضْمَنُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا .

(ل) - تَرْكُ تَعَهُّدِ الْوَدِيعَةِ:

62 - نَصَّ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّ مَنِ اسْتَوْدَعَ دَابَّةً، فَلَمْ يَأْمُرْهُ صَاحِبُهَا بِسَقْيِهَا وَلاَ عَلْفِهَا وَلَمْ يَنْهَهُ، فَتَرَكَهَا دُونَ ذَلِكَ حَتَّى مَاتَتْ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا .

قَالَ الْبُهُوتِيُّ: لأِنَّ  عَلْفَهَا وَسَقْيَهَا مِنْ كَمَالِ الْحِفْظِ الَّذِي الْتَزَمَهُ بِالاِسْتِيدَاعِ، بَلْ هُوَ الْحِفْظُ بِعَيْنِهِ، إِذِ الْحَيَوَانُ لاَ يَبْقَى عَادَةً بِدُونِهِمَا، فَيَلْزَمَانِهِ . وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الْبَغْدَادِيُّ: وَدَلِيلُنَا أَنَّ الْمُودِعَ مَأْمُورٌ بِحِفْظِ الْوَدِيعَةِ، وَذَلِكَ يَتَضَمَّنُ حِرَاسَتَهَا فِيمَا يَعْلِفُهَا، فَكَانَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، كَمَا أَنَّهُ لَوْ رَآهَا فِي بِئْرٍ لَلَزِمَهُ رَدُّهَا عَنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، وَفِي تَرْكِ عَلْفِهَا تَلَفُهَا، فَكَانَ مَمْنُوعًا مِنْهُ .

وَهَذَا هُوَ مُقْتَضَى مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ أَيْضًا، لِمَا جَاءَ فِي قُرَّةِ عُيُونِ الأْخْيَارِ  نَقْلاً عَنِ الْحَاوِي لِلزَّاهِدِيِّ: وَلَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا بِلاَ أَمْرٍ قَاضٍ، فَهُوَ مُتَبَرِّعٌ. وَلَوْ لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا الْمُودِعُ حَتَّى هَلَكَتْ يَضْمَنُ، لَكِنَّ نَفَقَتَهَا عَلَى الْمُودِعِ .

أَمَّا إِذَا نَهَاهُ مَالِكُهَا عَنْ سَقْيِهَا وَعَلْفِهَا، فَتَرَكَهَا بِدُونِ ذَلِكَ حَتَّى مَاتَتْ، فَلِلْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ قَوْلاَنِ:

الأْوَّلُ: لِلشَّافِعِيَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ وَالْحَنَابِلَةِ: وَهُوَ أَنَّهُ لاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ، لاِمْتِثَالِهِ أَمْرَ مَالِكِهَا، لأِنَّ  الضَّمَانَ إِنَّمَا يَجِبُ لِحَقِّ الْمَالِكِ، وَقَدْ رَضِيَ بِإِسْقَاطِهِ، فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ: اقْتُلْ دَابَّتِي. لَكِنَّهُ يَأْثَمُ بِذَلِكَ، لأِنَّ  لِلْحَيَوَانِ حُرْمَةً فِي نَفْسِهِ، لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى .

الثَّانِي: لأِبِي  سَعِيدٍ الإْصْطَخْرِيِّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَابْنِ الْمُنْذِرِ: وَهُوَ أَنَّهُ يَضْمَنُهَا. إِذْ لاَ اعْتِبَارَ لِنَهْيِهِ، لأِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ سَقْيُهَا وَعَلْفُهَا شَرْعًا لِحُرْمَةِ الرُّوحِ، فَإِذَا تَرَكَ ذَلِكَ، صَارَ مُتَعَدِّيًا بِعِصْيَانِهِ لِلَّهِ تَعَالَى، فَكَانَ أَمْرُ مَالِكِهَا وَسُكُوتُهُ سَوَاءً .

كَذَلِكَ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ ثِيَابَ الصُّوفِ الَّتِي يُفْسِدُهَا الْعُثُّ، يَجِبُ عَلَى الْوَدِيعِ نَشْرُهَا وَتَعْرِيضُهَا لِلرِّيحِ، بَلْ يَلْزَمُهُ لُبْسُهَا إِذَا لَمْ يَنْدَفِعْ إِلاَّ بِأَنْ تُلْبَسَ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَفَسَدَتْ، ضَمِنَ، سَوَاءً أَمَرَهُ الْمَالِكُ بِذَلِكَ أَوْ سَكَتَ .

وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ، فَلَمْ يَرَوْا ذَلِكَ وَاجِبًا عَلَى الْوَدِيعِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا بِعَدَمِ ضَمَانِهِ لَوْ فَسَدَتْ. فَجَاءَ فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: وَتَارِكُ نَشْرِ الصُّوفِ صَيْفًا فَعَثَّ، لَمْ يَضْمَنْ . وَفِي الْعُقُودِ الدُّرِّيَّةِ لاِبْنِ عَابِدِينَ: الإْنْسَانُ  إِذَا اسْتَوْدَعَ عِنْدَهُ مَا يَقَعُ فِيهِ السُّوسُ فِي زَمَانِ الصَّيْفِ، فَلَمْ يُبَرِّدْهَا بِالْهَوَاءِ، حَتَّى وَقَعَ فِيهِ السُّوسُ وَفَسَدَ، لاَ يَضْمَنُ .

أَمَّا إِذَا نَهَاهُ صَاحِبُهَا عَنْ نَشْرِهَا وَتَعْرِيضِهَا لِلرِّيحِ، فَامْتَنَعَ حَتَّى فَسَدَتْ، فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ امْتِثَالُهُ، لَكِنَّهُ لاَ يَضْمَنُ .

نِيَّةُ التَّعَدِّي عَلَى الْوَدِيعَةِ:

66 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا إِذَا نَوَى الْوَدِيعُ التَّعَدِّيَ عَلَى الْوَدِيعَةِ الَّتِي عِنْدَهُ بِالْجُحُودِ أَوِ الاِسْتِعْمَالِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، لَكِنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ، فَهَلْ يَصِيرُ ضَامِنًا بِالنِّيَّةِ لَوْ تَلِفَتْ بِدُونِ تَعَدِّيهِ أَوْ تَفْرِيطِهِ، أَمْ لاَ؟ وَذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهَا: لِلْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَالشَّافِعِيَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَهُوَ أَنَّهُ لاَ ضَمَانَ عَلَى الْوَدِيعِ بِمُجَرَّدِ نِيَّةِ التَّعَدِّي فِي الْوَدِيعَةِ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لأِمَّتِي  عَمَّا وَسْوَسَتْ - أَوْ حَدَّثَتْ - بِهِ أَنْفُسَهَا، مَا لَمْ تَعْمَلْ بِهِ، أَوْ  تَكَلَّمْ» . وَالْوَدِيعُ هُنَا لَمْ يَخُنْ فِيهَا بِقَوْلٍ وَلاَ فِعْلٍ، فَلَمْ يَضْمَنْهَا، كَالَّذِي لَمْ يَنْوِ. وَمِثْلُهُ كَمَنْ نَوَى أَنْ يَغْصِبَ مَالَ إِنْسَانٍ، فَلَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا، فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ .

وَالثَّانِي: لِلشَّافِعِيَّةِ فِي مُقَابِلِ الصَّحِيحِ، وَالْحَنَابِلَةِ فِي وَجْهٍ حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى: وَهُوَ أَنَّهُ يَضْمَنُ بِنِيَّةِ التَّعَدِّي فِي الْوَدِيعَةِ، وَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ، وَذَلِكَ لِنِيَّتِهِ الْخِيَانَةَ، فَيَضْمَنُهَا، كَالْمُلْتَقِطِ بِقَصْدِ التَّمَلُّكِ .

__________________________________________________________________

كتاب مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان فى المعاملات الشرعية على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان لمؤلفه المغفورله

 )محمد قدرى باشا) (الطبعة الثانية(بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصرالمحمية سنة1308هجرية  1891 افرنجيه

 (مادة 711)
ليس للمستودع أن يستعمل الوديعة وينتفع بها بدون إذن صاحبها وإن استعملها بلا إذنه وهلكت في حال استعمالها فعليه ضمانها.
 

(مادة 712)
ليس للمستودع أن يتصرف في العين المودعة عنده بإجارة أو إعارة أو رهن بلا إذن صاحبها فإن فعل ذلك وهلكت في يد المستأجر أو المستعير أو المرتهن فلمالكها الخيار في تضمين المستودع أو في تضمين المستأجر أو المستعير أو المرتهن.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مجلة الأحكام العدلية

مادة (792) استعمال الوديعة

كما أنه يسوغ للمستودع استعمال الوديعة بإذن صاحبها فله أن يؤجرها أو يعيرها لآخر وأن يرهنها أيضاً وأما لو آجرها أو أعارها لآخر أو رهنها بدون إذن صاحبها فهلكت أو نقصت قيمتها في يد المستأجر أو المستعير أو المرتهن ضمن.

 

مادة (858) تعيين الموهوب

يلزم أن يكون الموهوب معلوماً ومعيناً بناء عليه لو وهب احد من المال شيئاً أو من الفرسين أحدهما لا على التعيين لا تصح ولو قال أيما أردت من هاتين الفرسين فهي لك فإن عين الموهوب له. في مجلس الهبة إحداهما تصح وإلا فلا فائدة في تعيينه بعد المفارقة من مجلس الهبة.