loading
المذكرة الإيضاحية

مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء : الخامس ، الصفحة : 255

مذكرة المشروع التمهيدي :

1- متى انتهت الوديعة ، وجب على الوديع في غير الحالة المنصوص عليها في المادة 1001 أن يرد الشيء إلى المودع أو إلى من يخلفه . ويترتب على التزام الوديع بالرد بعد التزامه بحفظ الشيء ، أنه إذا ظهر وقت الرد أن الشيء أصابه تلف بسبب تقصير الوديع في المحافظة على الشيء كان مسئولاً عن ذلك . أما إذا أصابه تلف أو هلاك دون تقصير من الوديع ، فلا مسئولية عليه في ذلك ، وتكون تبعة التلف أو الهلاك على المودع.

غير أنه إذا حصل الوديع في هذه الحالة الأخيرة من تسبب في التلف أو الهلاك على تعويض ، أو ثبت له حق المطالبة بتعويض ، فإن العدالة تأبى أن يبرأ هو من التزامه بالرد وأن يحتفظ لنفسه بالتعويض أو بحق المطالبة بالتعويض . فنص في المادة 1004 فقرة أولى على أنه يجب عليه أن يؤدي إلى المودع ماقبضه من تعويض، أو أن يحول إليه ما عسى أن يكون له من دعاوى قبل الغير بشأن الشيء الذي كان يجب رده.

2- وبما أن الوديع ليس له إستعمال الشيء ولا استغلاله ، فإن الشيء إذا كان مما ينتج ثماراً وقبضها الوديع وجب عليه ردها إلى المودع ( المادة 1003 فقرة أولى ) فإن لم يقبض ثماراً لا يجب عليه شيء . فإذا كانت الوديعة مبلغاً من النقود فلا تجب عليه فوائده ، إلا من وقت أعذاره بردها (م 1936 فرنسي ).

3- ويكون الرد في المكان الذي كان يجب فيه حفظ الشيء وتكون مصروفاته على المودع ، إذ يفرض في الطرفين أنهما قصدا ذلك أما أن اتفقا على غيره فيتبع ( المادة 1003 فقرة ثانية ).

4- وهناك حالة نص عليها التقنين الحالي في المادة 494 / 603 تشبه في حكمها ما يترتب على هلاك الشيء تحت يد الوديع بدون تقصیر منه وهي حالة وارث الوديع الذي لا يعلم أن الشيء وديعة ، فيعتقد أنه مملوك لمورثه ، ويتصرف فيه بحسن نية إلى آخر فنص عليها المشروع في المادة 1004 فقرة ثانية . وفرق بين ما إذا كان تصرف الوارث معاوضة أو تبرعاً ففي الحالة الأولى أجرى عليه حكم الفقرة الأولى من المادة 1004 أى أنه ألزمه بأن يؤدي إلى المودع ما يكون قد قبضه ثمناً للشيء المودع ، أو أن يحول إليه ما عسى أن يكون له من حقوق بشأن ذلك الشيء قبل المتصرف إليه أما في الحالة الثانية حيث يكون الوارث حسن النية قد تصرف بغير مقابل ، فلم يقبض شيئاً حتى يؤديه إلى المودع . ولم يثبت له حق قبل الغير حتى يحوله إلى المودع ، لذلك قارن المشروع بين كل من المودع والوارث والمتبرع إليه (حيث يجوز لهذا أن يتمسك بكسب الملكية ) ، فوجد أن أولاهم بالرعاية المتبرع إليه ، ثم المودع وأقلهم استحقاقاً للرعاية الوارث ، فالزمه بأن يرد الى المودع قيمة الشيء. غير أنه في كل ذلك لم يغب عنه إحتمال أن يكون المودع أولى بالرعاية من المتصرف إليه ، فنص على أنه إذا كان المودع في إسترداد الشيء ذاته مصلحة تفوق كثيراً مصلحة من آل إليه هذا الشيء ، جاز له أن يطالب برد الشيء ، على أن يرد الثمن والمصروفات.

المشروع في لجنة المراجعة

تليت المادة 1004 من المشروع ، واقترح حذف الفقرة الأولى لأنها مستفادة من القواعد العامة و تعديل الفقرة الثانية تعديلاً ملائماً فوافقت اللجنة وأصبح نصها :

إذا باع وارث الوديع الشيء المودع وهو حسن النية فليس عليه لمالكه ألا رد ما قبضه من الثمن أو التنازل له عن حقوقه على المشتري و أما إذا تصرف فيه تبرعاً فإنه يلتزم بقيمته وقت التبرع.

وقدمت بعد إستبدال كلمتى المودع عنده، بكلمة «الوديع» ، وأصبح رقمها 755 في المشروع النهائي .

الأحكام

1- إذ كانت الدعوى الحالية قد رفعت فى 1966/6/16 لمطالبة الطاعن بالتعويض عن إلغاء ترخيص السيارة - المملوكة للمطعون عليه الأول - المودعة لديه إذ سلم لوحاتها المعدنية إلى المطعون عليه الثانى وتمكن بذلك من إلغاء الرخص ، كما أن إمتناعه عن رد السيارة وأستمراره فى حبسها أدى إلى الحيلولة دون التقدم بها إلى قلم المرور لإعادة الترخيص لتسييرها وإستغلالها ومن ثم فإن الدعوى بهذه الصورة تكون ناشئة عن عقد الوديعة لأن مسئولية الوديع تنشأ عن إلتزامه قانوناً برد الوديعة عيناً للمودع متى طلب منه ذلك . ولما كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه برفض الدفع بالتقادم بناء على ما إنتهى إليه من أن التقادم قد وقف سريانه طيلة المدة التى إستغرقها الفصل فى النزاع بين الطرفين فى الدعوى الأولى حول قيام عقد الوديعة وحق الطاعن فى حبس السيارة المودعة لديه و الذى لم يحسم نهائياً إلا فى 1966/2/26 ، وكان ما إستخلصه الحكم من قيام مانع لوقف التقادم فى الدعوى الحالية سائغاً ويكفى لحمله ، وإذ قدمت صحيفة الدعوى إلى قلم المحضرين فى 1966/6/16 أى قبل انقضاء مدة التقادم ، فإن النعى يكون فى غير محله .

( الطعن رقم 350 لسنة 40 ق - جلسة 1977/06/07 - س 28 ع 1 ص 1378 ق 239 )

2- مفاد نص المادة 246 من القانون المدنى أن المشرع لايكتفى فى تقرير حق الحبس بوجود دينين متقابلين ، وإنما يشترط أيضا قيام ارتباط بينهما . وفى الوديعة لا يكون للمودع لديه أن يحبس الشىء المودع إلا مقابل استيفائه المصروفات الضرورية أوالنافعة التى يكون قد أنفقها على ذات هذا الشىء . أما المصروفات التى لا تنفق على ذات الشىء المودع فإن التزام المودع بها لا يكون مرتبطا بالتزام المودع لديه برد الوديعة وبالتالى لا يسوغ للمودع لديه أن يمتنع عن رد الوديعة عند طلبها بحجة اقتضاء مثل هذه المصروفات . فإذا كان الدين الذى اعتبر الحكم المطعون فيه أن للطاعن الحق فى حبس السيارة حتى يستوفيه يتمثل فى قيمة أجرة السائق التى قام المطعون عليه بدفعها عن المودع وبتكليف منه فإن هذه الاجرة لا تدخل فى نطاق المصروفات التى تجيز للمودع لديه حق الحبس لاستيفائها .

( الطعن رقم 286 لسنة 28 ق - جلسة 1963/06/27 - س 14 ص 956 ق 133 )

3- متى كان الحكم قد استخلص بالأدلة السائغة التى أوردها أن حقيقة الدعوى هى المطالبة بالتعويضات مقابل ما فات المشترى من ربح بسبب عدم تنفيذ عقد البيع وتسليم المبيع وليست مطالبة برد وديعة وأن الحق محل الدعوى مما يخضع للتقادم المسقط شأن سائر الحقوق العادية وأن هذا التقادم قد تم فإنه يكون فى غير محله النعى على هذا الحكم بمخالفة القانون .

( الطعن رقم 230 لسنة 21 ق - جلسة 1954/12/16 - س 6 ع 1 ص 290 ق 37 )

4- لما كانت حكمة عدم جواز الحجز على المبالغ المودعة فى صندوق التوفير إنما هى تشجيع الأفراد على الإدخار وذلك يجعل ما يدخرونه بعيدا عن متناول أيدى الدائنين فإذا ما توفى المودع انقضت عملية الإدخار وزالت عن الأموال المدخرة الخصائص التى كانت لها فتفقد وصفها الذى استمدت منه مقومات عدم جواز الحجز عليها ووجب بحكم المادة 24 من اللائحة الصادرة فى 7 أبريل سنة 1910 رد هذه الوديعه الى ورثة المودع أو الى المستحقين بعد ابرازهم المستندات القانونيه المثبته لصفتهم ، وكان حق المطعون عليه فى اقتضاء دينه من التركة يفضل حقوق الورثه فيها عملاً بالمادة الرابعة من القانون رقم 77 لسنة 1943 ، وكان حكم الدين المطالب به قد أصبح نهائيا بالنسبة للورثة ، وكان المطعون عليه يعتبر والحاله هذه بوصفه دائنا للتركه مستحقا للمبالغ السابق ايداعها من المورث فى صندوق التوفير وفقا للمادة 24 من لائحة 7 أبريل سنة 1910 بغير حاجة إلى توقيع حجز تحفظى او تنفيذى على هذه الأموال ، لما كان ذلك فان الحكم المطعون فيه إذ قضى بإلزام مصلحة البريد بصرف المبلغ المودع باسم المورث إلى المطعون عليه خصما من المبلغ المحكوم له به على ورثة المودع لم يخالف القانون .

( الطعن رقم 116 لسنة 21 ق - جلسة 1953/05/21 - س 4 ع 1 ص 1075 ق 167 )

5- لما كانت المادة 341 من قانون العقوبات قد نصت على تجريم إختلاس أو تبديد الأشياء التى تسلم على وجه الوديعة أوالإعارة أوعلى سبيل عارية الإستعمال أو الوكالة . ولئن كان من المقرر أن لمحكمة الموضوع وهى بصدد البحث فى تهمة التبديد المنسوبة إلى المتهم سلطة تفسير العقد الذى بموجبه سلمت إليه أعيان جهاز المدعية بالحقوق المدنية مستنداً فى ذلك لظروف الدعوى وملابساتها إلى جانب نصوص ذلك العقد إلا أنه لما كان يبين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه أثبت أن المطعون ضده تسلم المنقولات المملوكة للطاعنة والموضحة بقائمة جهازها وأقر بأنها فى عهدته وذمته وأنها تحت طلب الزوجة كما بين من مدونات الحكم الإبتدائى أن المطعون ضده رفض تسليم الطاعنة أعيان جهازها عند طلبها وكان مؤدى ذلك أن المطعون ضده تسلم المنقولات الموضحة بالقائمة على سبيل الوديعة فإختلسها لنفسه بنية تملكها إضراراً بالمجنى عليها إذ ظل ممتنعاً عن تسليم تلك المنقولات إلى المجنى عليها إلى ما بعد صدور الحكم الإبتدائى بمعاقبته . لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر وقضى بتبرئة المطعون ضده من تهمة تبديد المنقولات التى سلمت إليه على سبيل الوديعة ورفض الدعوى المدنية قبله بمقولة أن هذه الواقعة لا جريمة فيها إذ المنقولات قد سلمت إلى الزوج " المطعون ضده " والتسليم ينفى الإختلاس وهى لم تسلم على سبيل الوديعة إذ هو إلتزم برد قيمتها إذا فقدت ويجب فى الوديعة رد الشىء بعينه وعقد التسليم لا يعتبر عارية إستعمال بل حصل التسليم على سبيل عارية الإستهلاك وهذا القول من المحكمة غير سديد إذ أن ما إستطردت إليه فى شأن عارية الإستهلاك غير صحيح من ناحية إعتبارها جهاز الزوجية من المثليات التى يقوم فيها مقام بعض وأن العارية فيه لا تكون إلا للإستهلاك والصحيح أن الجهاز من القيميات وما قالته بصدد نفى الوديعة غير كاف لأن إشتراط رد قيمة الشىء لا يكفى وحده للقول بأن تسليمه لم يكن على سبيل الوديعة متى كان النعى على رد القيمة يكون عند الفقد مما يرشح إلى أن الرد يكون عينياً ما دام الشئ موجوداً . وما ذكرته بصدد التسليم الذى ينفى ركن الإختلاس فى السرقة غير كاف إذ هى لم تبين أن الزوجة عندما نقلت جهازها إلى منزل الزوجية قد تخلت عن حيازته للزوج وأنه أصبح صاحب اليد فعلاً عليه . ومن ثم فإذا ما إنتهى الحكم إلى إعتبار أن قائمة الجهاز التى تسلم بموجبها المطعون ضده أعيان جهاز الطاعنة لا تعد عقداً من عقود الأمانة الواردة فى المادة 341 من قانون العقوبات يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون خطأ حجبه عن بحث موضوع الدعوى وتقدير أدلتها مما يتعين معه نقض الحكم المطعون فيه - فيما قضى به فى الدعوى المدنية - والإحالة مع إلزام المطعون ضده المصاريف المدنية دون حاجة إلى بحث أوجه الطعن الأخرى .

( الطعن رقم 1860 لسنة 53 ق - جلسة 1984/02/12 - س 35 ص 142 ق 28 ( جنائى ) )

6- مجرد إخلال الطاعن بما فرضه عليه عقد الوديعة من إلتزامه بالمحافظة على المنقولات لحين ردها لا يفيد بذاته أرتكابه جريمة التبديد، بل لابد أن يثبت أن مخالفته لهذا الأمر قد أملاه عليه سوء القصد ونجم عنه ضرر بالمجنى عليها .

( الطعن رقم 22411 لسنة 59 ق - جلسة 1993/05/06 - س 44 ع 1 ص 450 ق 63 ( جنائى ) )

7- الإختلاس لا يمكن أن يعد تبديداً معاقباً عليه إلا إذا كانت حيازة الشيء قد انتقلت إلى المختلس بحيث تصبح يد الحائز يد أمانة ثم يخون هذه الأمانة باختلاس الشيء الذي أؤتمن عليه وأن الشرط الأساسي فى عقد الوديعة كما هو معرف فى القانون المدني هو أن يلتزم المودع لديه برد الوديعة بعينها للمودع وأنه إذا انتفى هذا الشرط انتفى معه معنى الوديعة. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد استدل على توافر أركان الجريمة فى حق الطاعنة بما أثبته من إقرارها بوجود منقولات المدعية بالحق المدني فى الحجرة التي تقطنها وزوجها والملحقة بمنزلها، ومن أنها لم تمكن المدعية من دخول الحجرة ولا من جرد محتوياتها ومما أبدته من استعدادها لحراسة ما بها من منقولات وذلك دون أن يدلل على ثبوت قيام عقد الوديعة بالمعنى المعرف به قانوناً وانتقال حيازة المنقولات إلى الطاعنة على نحو يجعل يدها عليها يد أمانة ويستظهر ثبوت نية تملكها إياها وحرمان صاحبتها منها بما يتوافر به ركن القصد الجنائي فى حقها، فإنه يكون معيباً بالقصور فى البيان بما يبطله ويوجب نقضه .

( الطعن رقم 1562 لسنة 45 ق - جلسة 1976/01/25 - س 27 ص 97 ق 21 ( جنائى ) )

شرح خبراء القانون

تنص المادة 722 من التقنين المدني على ما يأتي : "يجب على المودع عنده أن يسلم الشئ إلى المودع بمجرد طلبه ، إلا إذا ظهر من العقد أن الأجل عين لمصلحة المودع عنده . وللمودع عنده أن يلزم المودع بتسلم الشيء في أي وقت ، إلا إذا ظهر من العقد أن الأجل عين لمصلحة المودع" .

ويحسن أن نورد هذا النص كما ورد في المشروع التمهيدي ، فهو أكثر إحاطة بموضوع الإلتزام بالرد ، وقد أصبح بتعديله على الوجه السالف الذكر أقرب إلى إنتهاء الوديعة التي حددها لها أجل . ونص المشروع التمهيدي على كل حال يتفق مع القواعد العامة ، وهو يجري على الوجه الآتي : " 1- على الوديع ، متى انتهت الوديعة ، أن يرد إلى المودع أو إلى من يخلفه الشئ المودع وما يكون قد قبضه من ثمارة . 2- ويرد الشئ المكان الذي يجب فيه حفظه ، وتكون مصروفات الرد على المودع . كل هذا ما لم يوجد إتفاق يقضي بغير ذلك" .

متى يكون الرد : يكون الرد ، كما تقول المادة 722 مدني فيما رأينا ، بمجرد أن يطلب المودع ذلك إلا إذا ظهر أن الأجل عين لمصلحة المودع عنده ، وبمجرد أن يطلب المودع عنده من المودع أن يتسلم الشيء إلا إذا ظهر أن الأجل عين لمصلحة المودع . والأولى أن يقال إن الرد يكون عند إنتهاء الوديعة ، ونبحث عند الكلام في أسباب الوديعة متى تنتهي الوديعة قبل انقضاء الأجل .

ومع ذلك يجوز للمودع عنده أن يمتنع عن رد الوديعة حتى بعد انتهاء العقد ، إذا كان له حق حبسها . ويثبت له هذا الحق إذا كان له في ذمة المودع دين بموجب عقد الوديعة ، كأن أنفق مصروفات على الشيء المودع أو أصيب بضرر بسبب الوديعة وأصبح له الحق في الرجوع بالتعويض أو كان له أجر في ذمة المودع ، فإن له أن يحبس الوديعة حتى يسترد المصروفات أو يتقاضى التعويض أو يستوفى الأجر . وذلك كله وفقاً للواعد العامة في حق الحبس ، وكذلك وفقًا لقاعدة الدفع بعدم تنفيذ العقد إذا الوديعة تصبح في هذه الحالة عقداً ملزماً للجانبين تسرى عليها هذه القاعدة .

كذلك يمتنع المودع عنده عن رد الوديعة للمودع حتى بعد انتهاء العقد ، إذا حجز تحت يده على الوديعة دائن للمودع حجزاً تحفيظاً . ولا يقتضى الحجز التحفظي سنداً تنفيذياً ، بخلاف الحجز التنفيذ فيقتضي هذا السند . كذلك يمتنع المودع عنه عن رد الوديعة إذا رفعت عليه دعوى بالإستحقاق ، أو أخطره شخص أنه هو لمالك للوديعة وطلب إليه ألا يسلمها للمودع .

ولكن لا يجوز للمودع عنده أن يمتنع عن رد الوديعة عند إنتهاء العقد ، تمسكاً منه بمقاصة بين دين الوديعة ودين له في ذمة المودع ، فإن المقاصة لا تجوز في هذه الحالة . وقد استثنت المادة 364 مدني من المقاصة في الديون حالة ما "إذا كان أحد الدينين شيئاً مودعاً أو معاراً عارية إستعمال وكان مطلوباً رده" .

رأينا أن المشروع التمهيدي للمادة 722 مدني كان يجرى في الفقرة الثانية على الوجه الآتي : "ويرد ( الوديع ) الشيء في المكان الذي يجب فيه حفظه ، وتكون مصروفات الرد على المودع . كل هذا مالم يوجد اتفاق يقضى بغير ذلك" . وقد حذفت هذه الفقرة في لجنة المراجعة إكتفاء بالقواعد العامة . والقواعد العامة تقضى بنفس هذه الأحكام .

أما فيما يتعلق بمصروفات الرد ، فقد كانت القواعد العامة تقضى بأن تكون نفقات الوفاء على المدين ( م 348 مدني ) ، ومن ثم تكون مصروفات الرد على المودع عنده . ولكن الوديعة تكون عادة دون أجر ، وحتى لو إشترط فيها الأجر فهو عادة مبلغ زهيد لا يجعل الوديعة من عقود المضاربة ، لذلك يمكن أن يستخلص في يسر أن نية المتعاقدين قد انصرفت إلى أن تكون مصروفات الرد على المودع ، "إذ يفرض - كما تقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي - في الطرفين أنهما قصداً ذلك" ، حتى لا يجتمع على المودع عنده عبء حفظ الوديعة وعبء تحمل مصروفات ردها . ومع ذلك يجوز للطرفين أن يتفقا على أن تكون مصروفات الرد على المودع عنده .

جزاء الإخلال بالتزام الرد:

دعوى الاسترداد : وإذا لم يقم المودع عنده بإلتزامه من رد الشيء المودع ، كان للمودع أن يسترده بدعوى الوديعة ، وهي دعوى شخصية تنشأ من العقد ، ويطلب فيها المودع استرداد الشيء المودع بعينه هو وملحقاته وثماره . ويرفع الدعوى على المودع عنده ، أو على ورثته بعد موته . وإذا تعدد الورثة أو الودعاء ، وكان الشيء المودع في يد أحد منهم ، جاز رفع الدعوى عليه وحده ، إذ هو ملزم بالرد دون حاجة إلى رضاء الآخرين . أما من لم يكن الشيء المودع في يده ، فيجوز رفع دعوى الإسترداد عليه ولكن بمقدار نصيبه . ولا يكون الورثة أو الودعاء متضامنين . في الإلتزام بالرد ، إذ أن هذا الإلتزام عقدي ولا يوجد نص على التضامن . وإذا كان الشيء المودع موجوداً في مكان معين ، جاز الحصول على أمر من القاضي لفتح هذا المكان وإخراج الشيء المودع منه وتسليمه إلى المودع . وتتقادم دعوى الإسترداد الشخصية بانقضاء خمس عشرة سنة من وقت إنتهاء الوديعة وحلول الإلتزام بالرد .

وللمودع كذلك ، إذا كان مالكاً ، أن يرفع دعوى الإسترداد العينية وهي دعوى الملكية . وله في سبيل ذلك أن يوقع على الشيء ، إذا كان منقولاً ، حجزاً تحفيظاً تطبيقاً لأحكام المادة 603 مرافعات ، وتقضى بأن " لمالك المنقول أن يوقع الحجز التحفظي عليه عند من يحوزه" . ولا تسقط دعوى الملكية بالتقادم المسقط ، ولكن يجوز أن تكسب ملكية الشيء المودع إذا إنتقل إلى حائز بالتقادم المكسب الطويل أو القصير . أما إذا بقى الشيء في يد المودع عنده أو في يد ورثته ، فالحيازة مشوبة بالغموض ، ومن ثم لا تؤدي إلى كسب الملكية إلا إذا غير الحائز نيته وبين في وضوح أنه يحوز الشيء كمالك . وإذا كان الشيء منقولاً وانتقل إلى حائز حسن النية بسبب صحيح ، ملكه هذا بالحيازة .

دعوى التعويض : وإذا تعذر على المودع إسترداد الشيء عيناً ، رجع على المودع عنده بالتعويض . والتعويض هنا هو قيمة الشيء المودع وقت الرد . فإذا زادت القيمة في أثناء الدعوى ، وجب رد القيمة وقت الحكم حتى يكون التعويض كاملاً . ويقع أن يقوم الطرفان الشيء وقت الإيداع ، فيعتد بهذه القيمة المتفق عليها . وإذا كان الشيء المودع من المثليات ، وآثر المودع بدلاً من التعويض النقدي أن يسترد مثل الشيء المودع على سبيل التعويض ، كان له ذلك .

واذا امتنع المودع عنده عن رد الوديعة او تسبب في عييبها كان للمودع إلى جانب المطالبة باستردادها المطالبة بتعويض عما لحقه من أضرار نتيجة جسها عنه أو انتقاص قيمتها أو تعييبها .

وقد يكون الشيء المودع نقوداً ترد بعينها في وديعة غير ناقصة ، فالتعويض هنا يكون مثل هذه النقود في القيمة مع الفوائد القانونية من وقت الإعذار لا من وقت المطالبة القضائية لأن النقود هنا أصبحت عيناً معيناً .

وإذا استعمل المودع عنده النقود لمصلحة ، وجبت عليه الفوائد القانونية من يوم الاستعمال وذلك على سبيل التعويض .

الدعوى الجنائية : وإلى جانب المسؤولية المدنية على النحو الذي قدمناه ، يكون المودع عنده مسئولاً مسئولية جنائية إذا هو تصرف في الشيء المودع ، ولم يرده لصاحبه .

ومسئوليته هذه على وجهين . فهو قد أضر أولاً بالمودع عنده بتبديده الشيء المودع ، ومن ثم يكون مرتكباً لجريمة التبديد . وقد نصت المادة 341 من تقنين العقوبات على أن "كل من اختلس أو استعمل أو بدد مبالغ أو أمتعة ، أو بضائع أو نقوداً أو تذاكر أو كتابات أخرى مشتملة على تمسك أو مخالفة أو غير ذلك إضراراً بمالكها أو أصحابها أو واضعي اليد عليها ، وكانت الأشياء المذكورة لم تسلم له إلا على وجه الوديعة . يحكم عليه بالحبس ، ويجوز أن يزاد عليه غرامة لا تتجاوز مائة جنيه" . ويلاحظ أن المودع عنده إذا باع الوديعة وقبض ثمنها ، فعوقب بعقوبة التبديد ، ورجع عليه المودع بالتعويض ، لم يكن لهذا الأخير حق إمتياز على الثمن الذي قبضه المودع عنده أو على حقه في الثمن في ذمة المشتري إذا كان لم يقبضه ، بل يشارك فيه سائر دائني المودع عنده مشاركة الغرماء .

والمودع عنده أضر من وجه آخر بالشخص الذي تصرف إليه في الشيء ، فهو قد تصرف فيها لا يملكه ، ويكون بذلك مرتكباً لجريمة النصب . وقد نصت المادة 336 من تقنين العقوبات على أن "يعاقب بالحبس وبغرامة لا تتجاوز خمسين جنيهاً مصرياً أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط كل من توصل إلى الإستيلاء على نقود أو عروض أو سندات دين أو سندات مخالصة أو أي متاع منقول وكان ذلك بالإحتيال لسلب كل ثروة الغير أو بعضها إما .. وإما بالتصرف في مال ثابت أو منقول ليس ملكاً له ولا له حق التصرف فيه .

ولأن الوديعة - كما تقول المذكرة الإيضاحية - يلاحظ فيها شخص الوديع ، إذ يكون محل ثقة المودع ، وجب أن ينحل العقد بموت الوديع ، إلا إذا اتفق على غير ذلك . ومتى انحل العقد ، استقرت في تركة الوديع الإلتزامات التي ترتبت عليه إلى وقت انحلاله ، فتبقى التركة مثقلة بها ، بما في ذلك الإلتزام يرد الوديعة" . والمفروض هنا أن الوديعة في مصلحة المودع عنده ، إذ لو كانت في مصلحة المودع جاز له الرجوع فيها في أي وقت ، قبل موت المودع عنده أو بعد موته . وغذا مات المودع وكانت الوديعة في مصلحته ، جاز لورثته الرجوع في الوديعة في أي وقت ، لا لموت المودع ، بل لأن المودع كان يستطيع الرجوع في الوديعة لو كان حياً إذ الوديعة في مصلحته ، فينتقل هذا الحق إلى ورثته . أما إذا كانت الوديعة في مصلحة المودع عنده ومات المودع ، فإن الوديعة لا تنتهي بموته ، بل يبقى المودع عنده حافظاً للوديعة إلى أن ينقضي أجلها إذ هي لمصلحته ، ولكن يجوز له هو دون ورثة المودع الرجوع في الوديعة بإرادته المنفردة مادامت لمصلحته .(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء : السابع ، المجلد : الأول ، الصفحة : 929)

يجب على المودع عنده أن يرد عين الوديعة إلى المودع، فلا يقبل منه رد شئ آخر ويقع على المودع إثبات ذاتية الوديعة وغالباً ما يكون ذلك بكتابة موضحة لأوصاف الوديعة وبياناتها، وقد توضع على الوديعة علامة تشير الى المودع کبصمة خاتمه أو اسم المودع وترد الوديعة بالحالة التي هي عليها عند الرد، فإن كان بها تلف لا تعفى مسئولية المودع عنده عن هذا التلف إلا إذا أثبت أنه بذل العناية المطلوبة منه على نحو ما سلف، أو أثبت أن التلف بسبب أجنبي، فان كانت الوديعة فقدت، فيكون المودع لديه مسئولاً حتى يثبت السبب الأجنبي ولا يكفي بذل العناية المطلوبة والالتزام بالرد هو التزام بتحقيق غاية وليس التزاماً ببذل عناية ، ويجوز تعيين أجل للرد فلا يكون للمودع طلب الرد إلا بعد انقضائه أما قبل انقضاء الاجل، فالأصل أن الأجل في الوديعة لمصلحة المدعي فله النزول عنه وطلب رد الوديعة في أي وقت، ولا يجوز ذلك للمودع عنده في هذه الحالة إلا اذا كان مأذوناً في استعمال الوديعة ، أو كان الاجل في مصلحته، كما يجوز له النزول عن الاجل عموماً اذا طرأت عليه ظروف يتعذر عليه فيها أن يستمر حافظاً للوديعة فتنتهي الوديعة. كما تنتهي الوديعة بموت المودع عنده ويبقى في تركته ما نشأ عنها من التزامات، وليس للمودع عنده رد الوديعة تلبية لطلب المودع إذا كان له حق في حبسها لدين بسبب الوديعة كمصاريف أنفقها عليها أو لضرر الحق به بسببها كما له هنا الدفع بعدم التنفيذ أو إذا كان قد حجز عليها تحت يده أو عارض الغير في الرد كمن يدعي ملكية الشئ حتى تفصل المحكمة في هذا النزاع ولا يجوز المقاصة بين الوديعة ودين للمودع لديه (م 364) فإذا لم ينازع الغير في الملكية، فليس للمودع عنده أن يمتنع عن الرد بحجة عدم ملكية المودع للشئ المودع إذ أن الإلتزام بالرد هو التزام شخصی أساسه عقد الوديعة فدعوی إسترداد الوديعة، دعوى شخصية لا يطلب فيها من المودع إثبات ملكيته للوديعة بل يكفي أن يثبت عقد الوديعة الذي نشأ بموجبه الالتزام بالرد، فليست هذه الدعوى دعوى إستحقاق حتى يلزم المودع إثبات ملكيته.

وإذا تعدد المودع لديهم أو مات المودع لديه وترك جملة ورثة فيكون الرد بمعرفة الحائز للشيء دون حاجة لموافقة الباقين إذ ليس لهم أن يعترضوا على الرد كما ترفع الدعوى عليه وحده، وإن تعدد الحائزین رفعت عليهم جميعاً كل بقدر نصيبه ولا تضامن بينهم ويشمل الرد ثمار الوديعة ونتاجها فهما من ملحقاتها کوليد الداية وأرباح السندات والأسهم وإيجار الشيء المودع.

ويكون الرد في المكان الذي كان يجب حفظ الشيء فيه، وتكون مصروفاته على المودع ما لم يوجد إتفاق على غير ذلك.

وإن كانت الوديعة توفيراً بالبريد لا يجوز الحجز عليه فان هذا الحظر يزول بوفاة المودع إذ تتحول الوديعة الى تركة ومن ثم جاز لدائن المورث الحجز عليها وإذا تعذر الرد عيناً فللمودع المطالبة بالتعويض ويقدر بقيمة الشيء وقت الحكم ما لم تكن مقدرة بسند الوديعة فيؤخذ بهذا التقدير، وإذا تبين للمودع عنده أن الشئ المودع لديه مسروقاً فعليه أن يسارع برده إلى المودع وإلا اعتبر مخفياً لأشياء مسروقة.

ترد الوديعة على النقود عندما يسلمها المودع للمودع عنده لتسليمها لشخص يعينه المودع، فتكون النقود في هذه الحالة وديعة كاملة قصد بها حفظ النقود وردها، وتصبح عقداً من عقود الأمانة التي عنتها المادة 341 من قانون العقوبات، فإن إختلسها المودع عنده، توافرت في حقه جريمة التبديد المنصوص عليها بتلك المادة. وذلك على ما أوضحناه بشأن الوديعة الناقصة.

فإن لم يكن القصد من تسليم النقود هو تسليمها للغير وإنما التصرف فيها ورد ما يعادلها في المقدار في الأجل المتفق عليه، فإن تسليم النقود في هذه الحالة لا يكون على سبيل الوديعة وإنما على سبيل القرض، وبالتالي لا تتوافر أركان جريمة التبديد إذا امتنع من تسلم النقود عن ردها في الميعاد المتفق عليه، وتكون ديناً في ذمته، فإن وجد سند مكتوب بذلك، وجب على الدائن أن يستصدر به أمراً بالأداء، بإعتبار أن هذا السند يتضمن قرضاً.

أن تسليم النقود للغير قد يكون على سبيل الوديعة وبالتالي يلتزم المودع عنده بتسليمها للغير، فتكون النقود حينئذ عيناً معينة بالذات يجب تسليمها بذاتها إذ لم يصرح المودع للمودع عنده باستعمالها، ومتى قام المودع بإعذار المودع عنده بردها، وجب على الأخير تنفيذ ذلك وإلا كان مسئولاً عن تعويض المودع عما لحقه من ضرر بسبب إخلاله بإلتزامه بالرد، وطالما أن محل الإلتزام نقود ، فإن التعويض يقدر بسعر الفوائد القانونية من وقت إعذاره بالرد، مالم يوجد إنفاق على الفوائد فيسرى السعر الاتفاقي بحد أقصى 7 % سنوياً.

أما إن تبين أن تسليم النقود كان على سبيل القرض، فإن المقترض يلتزم بدفع الفوائد المتفق عليها عند حلول مواعيد استحقاقها، فإذا لم يكن هناك اتفاق على فوائد، أعتبر القرض بغیر فوائد وحينئذ تسرى الفوائد القانونية من تاريخ المطالبة القضائية حتى تمام السداد.

الوديعة عقد من العقود التبادلية، وبالتالي ترتب التزامات متبادلة بين طرفيها، ومنها التزام المودع عنده بالمحافظة على الوديعة ولو أدى ذلك إلى تكبده نفقات على حفظها لازمة لذلك، ويقابل ذلك التزام المودع برد تلك النفقات للمودع عنده، فإذا أخل المودع بهذا الإلتزام، وامتنع عن الوفاء للمودع عنده بما أنفقه، جاز للأخير أن يمتنع عن تنفيذ التزامه برد الوديعة إعمالاً لحقه في الحبس عملاً بالمادة 246 من القانون المدني، ويظل الإلتزام بالحفظ قائماً خلال الحبس.

ولا يقوم الحق في الحبس إلا بالنسبة للمصروفات الضرورية اللازمة لحفظ الوديعة والأجر متى كانت الوديعة بأجر، أما المبالغ التي لا شأن لها في حفظ الوديعة، فلا يجوز الحبس بالنسبة لها، كالمصروفات النافعة والكمالية وللمصروفات الضرورية إمتياز وفقاً للمادة 1140 مدنی.

التزام المودع عنده بالرد، التزام شخصی، يقابله حق المودع في المطالبة باسترداد الوديعة، وهو حق شخصي ينقضي بمضي خمس عشرة سنة من يوم نشوء الحق في الإسترداد، ومصدر هذا الحق هو عقد الوديعة وبالتالي لا يكلف المودع إلا إثباته وليس إثبات ملكيته.

ويرد علي هذا التقادم الوقف والإنقطاع وفقاً للقواعد العامة.(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء : العاشر ، الصفحة : 208)

يعتبر التزام الوديع برد الشيء المودع بعينه نتيجة حتمية لالتزامه بحفظ الشيء وعدم استعماله، فإذا طالب المودع برد الوديعة فلم يردها الوديع بعينها، بل عرض أن يرد أشياء مماثلة ومساوية لها في القيمة، كان للمودع الحق في أن يمتنع عن قبول هذا العرض ويتمسك برد الوديعة بعينها، لأن مثل هذا العرض من جانب الوديع لا يعتبر وفاءً صحيحاً، وإنما هو وفاء بمقابل، لا بد الحصول من قبول الدائن.

ويراعى أن النقود تكون عادة محلاً للوديعة الناقصة، فتكون قرضا وتنتقل ملكيتها للمعترض، ويلتزم برد مثلها، ومع ذلك يمكن أن تكون القطع الذهبية أو الفضية أو كيس من النقود، محلاً للوديعة الكاملة، فتحفظ بذاتيتها لدى الوديع ولا تنتقل ملكيتها له، ويجب عليه ردها عينا إلى المودع، فقد تختلف عن مثيلاتها من ناحية مواعيد الإستهلاك ومن ناحية استحقاق الجوائز.

وبصفة عامة إذا وضعت النقود في صندوق أو كيس مقفل بحيث تبقى لها ذاتيتها فإنه يجب ردها عيناً.

والسندات لحاملها إذا سلمت لأحد البنوك وديعة وذكرت بأرقامها كانت شيئاً معيناً بذاته ويجب أن ينصب الرد عليها بعينها. أما إذا ذكرت بعدها دون أرقامها فإنه يمكن اعتبارها وديعة ناقصة ويلتزم البنك المودع عنده برد عدد مماثل لما تسلمه منها شريطة أن تكون من نفس نوعها ومن نفس تاريخ الإصدار.

رد ثمار الشيء المودع:

إذا كان الشيء المودع ينتج ثماراً سواء كانت ثماراً طبيعياً أو مدنياً انفصلت عنه أو جناها الوديع، تعين ردها إلى المودع لأنها من ملحقات الشيء المودع.

على أن التزام الوديع برد ثمار الشيء لا يعني التزامه بجني هذه الثمار، لأن التزامه قاصر على حفظ الشيء، فهو لا يلتزم بجنى الثمار إلا إذا لزم ذلك للمحافظة على الوديعة، ولذلك فهو لا يلتزم إلا برد الثمار المجنية لا الثمار التي لم تجن ولو كان عدم جنيها بإهماله" .

وبالترتيب على ذلك إذا كان الشيء المودع حيواناً له نتاج أو أرضاً تنتج محصولاً وجب عليه أن يرد النتاج أو المحصول إلى المودع. وإذا خشي على شئ منها التلف جاز له بيعه ورد ثمنه إلى المودع. وإذا كان الشيء المودع أسهماً أو سندات واستحقت أرباحاً ، وجب على الوديع أن يرد الأسهم والسندات وأرباحها، وإذا كسب سهم أو سند جائزة وجب رد هذه الجائزة مع السهم أو السند.

إحتساب الفوائد :

رأينا أن النقود قد تكون وديعة كاملة يلتزم فيها الوديع برد النقود بعينها.

والوديع لا يلتزم بدفع فوائد عن هذا المبلغ، لأن الأصل أنه لا يفيد من حفظ هذا المبلغ لديه.

ولكن إذا أعذره المودع بالرد فتباطأ فعليه الفوائد من تاريخ الإعذار.

ويعتبر إعذاراً كافياً إرسال خطاب مسجل يتضمن صراحة المطالبة برد الشيء واعتبار الوديع مسئولاً عن التأخير. ولا يلزم حتماً حصوله بإنذار .

والزم الوديع بفوائد المبالغ المودعة لديه من تاريخ الإعذار، لا يعتبر استثناء من القاعدة العامة الواردة بالمادة 226 مدني التي تقضي بسريان الفوائد من تاريخ المطالبة القضائية، لأن الوديع لا يعتبر حتى في هذه الحالة مديناً بمبلغ من النقود بل مديناً برد شئ معين بالذات ولا يسرى حكم هذه المادة على التعهدات التي من هذا القبيل.

أما إذا كانت وديعة النقود وديعة ناقصة، أي قرضاً، فإنها تصبح ديناً في الذمة، ولا يتقاضى المودع عنها فوائد إلا بموجب اتفاق أو من وقت المطالبة القضائية بهذه الفوائد.

إذا صرح المودع للوديع بإستعمال المبالغ المودعة لديه. فإنه يعتبر في هذه الحالة مديناً بمبلغ من النقود، وتستحق الفوائد عليه طبقاً للقاعدة العامة المنصوص عليها في المادة 226 مدني، وذلك بعكس الحالة التي يتأخر فيها الوديع عن رد وديعة النقود بعد إعذاره، إذ في الحالة الأخيرة يؤاخذ الوديع على إهماله في رد مبالغ يفترض وجودها في خزائنه مادام لم يصرح له باستعمالها، فيكون تأخره في الرد رغم إعذاره قرينة على إخلاله بشروط العقد فيلزمه التعويض فيستحق عليه الفوائد من تاريخ الإستعمال، وهو ما يتفق مع اعتبار المشرع العقد قرضاً في هذه الحالة إذ لم يرد بصدد القرض أي نص خاص بسريان فوائد التأخير مما يتعين معه الرجوع إلى القواعد العامة (مادة 726 مدني)، وكان القانون المختلط ينص على ذلك صراحة (م602)، ذلك أنه لا يسوغ للوديع أن يستأثر بالفائدة التي جناها من تصرفه هذا غير المشروع، بل يجب أن ترد هذه الفائدة إلى صاحب الحق فيها وهو المودع، وذلك على سبيل التعويض، فضلاً عن أن الوديع ملزم برد الثمار التي جناها، ومتى ثبت استعماله للمبالغ المودعة عنده فيما يحقق منفعة له، فإنه يكون قد جنى ثماراً عنها حق المودع أن يحاسبه عليها.

تقويم الوديعة عند العجز عن الرد :

قد يتعذر على الوديع رد الوديعة عيناً لأسباب لا ترجع إلى تقصیر منه. ومثال ذلك أن يكون الشيء المودع سندات فتستهلك ويتقاضى الوديع قيمتها فیلتزم برد هذه القيمة، أو تستولى الإدارة على الوديعة للمصلحة العامة ويتقاضى الوديع تعويضاً عنها، فيلتزم برد هذا التعويض أو يتعدى الغير على الوديعة فيقضي له بتعويض فیلتزم بأداء هذا التعويض إلى المودع.

وقد يكون تعذر رد الوديعة إلى المودع بسبب تقصير من الوديع أو لكی يجني الوديع من وراء ذلك منفعة لنفسه، ففي هذه الحالة يلتزم الوديع بالتعويض بأعلى القيمتين. قيمتها عند إيداعها وقيمتها وقت المطالبة بردها، ولا يصح الوقوف عند قيمة الأشياء المودعة وقت المطالبة بردها، ولو انخفضت هذه القيمة عنها وقت حصول الإيداع، لأنه يؤدي إلى استفادة الوديع من الوديعة على حساب المودع إذا تصرف فيها لمنفعة له، وإلى استفادته رغم تقصيره الذي أدى إلى عجزه عن رد الوديعة.

وإذ حصل العكس وكانت القيمة وقت الرد أعلى منها عن وقت الإيداع وجب إلزام الوديع برد القيمة وقت الرد على سبيل التعويض. وتقدير القيمة مسألة موضوعية متروكة لقاضي الموضوع دون رقابة من محكمة النقض.

إذا تصرف المودع في الوديعة بالبيع أو الهبة، فإن الوديع يلتزم بتسليم الوديعة إلى المشتري أو الموهوب له بعد التثبت من صفته. بل يكون مسئولاً قبله إن هو سلمها إلى المودع بعد إخطاره بتعلق حق أحدهما بها نتيجة للبيع أو الهبة لأنه يترتب على انتقال ملكية الوديعة أن تنتقل إلى مكتسب الملكية سائر الحقوق والدعاوى التي كانت المودع على الشيء.

لمن ترد الوديعة؟

تنص المادة (722) على أنه : "يجب على المودع عنده أن يسلم الشيء إلى المودع ... إلخ".

فالأصل أن الوديع يلتزم برد الوديعة إلى المودع شخصياً. وهو في تأدية هذا الإلتزام ليس مطالباً بأن يتحرى ملكية المودع لما أودعه عنده.

غير أن عدم تحرى ملكية المودع للوديعة لا يحول دون التثبت من شخصيته. فكثيراً ما يقع في العمل أن يحصل الإيداع عند شخص لا تربطه بالمودع أية صلة شخصية، وذلك كإيداع المعاطف وفراء السيدات والعصي في المحلات العامة كالمسارح والمطاعم والمقاهي وغيرها، وإيداع النقود والأوراق المالية في البنوك وصناديق التوفير. ففي مثل هذه الحالات يتعين على الوديع أن يتحقق من شخصية المودع قبل تسليمه الوديعة حتى لا يخطئ بردها إلى غير المودع. فيتعرض لمطالبة بالتعويض من المودع الحقيقي لعدم إمكان الرد.

ومبلغ الدقة في التثبت من شخصية المودع يختلف باختلاف الأحوال وظروف الوديعة. ففي الحالات التي يزود فيها المودع كدليل على الإبداع ببطاقة لا تحمل اسمه ولكنها تحمل رقماً لتمييز الوديعة، يكون الوديع في حل من أن يسلم الوديعة لمن يقدم إليه هذه البطاقة التي يعتبر بمثابة سند لحامله، يكفي مجرد تقديمه لتسليم الوديعة لحاملها. ولا يكون للمودع الحقيقي إلا أن يلوم نفسه إن كان قد تسبب بإهماله في ضياع البطاقة، وتمكين غيره من التقدم بها إلى الوديع الذي لا يستطيع في الغالب أن يتثبت من شخصية المودعين جميعاً لكثرتهم.

أما في الأشياء الثمينة، كالمجوهرات والمصاغ والنقود، فإنه يجب أن يكون لدى الوديع قدر معين من الحيطة، فيتحرى قبل أن يسلم الوديعة أن من يتقدم بالتذكرة هو صاحبها.

أما إذا كان الدليل على الإيداع إيصالاً بإسم المودع، فإنه يكون على الوديع أن يتحرى الدقة في التثبت من أن من يتقدم إليه بهذا الإيصال هو المودع شخصياً، بأن يستعين في ذلك ببعض الأوراق الرسمية التي تثبت شخصيته كالبطاقة الشخصية أو جواز سفر أو رخصة قيادة سيارة أو ما شابه ذلك، أو بأن يتأكد من شخصيته بواسطة شخص معروف للطرفين.

ولا يعفى الوديع من المسئولية تسليم الوديعة إلى شخص يقدم إليه إيصالاً برد الوديعة أحكم فيه تقليد المودع. إلا أنه إذا قدم مع هذا الإيصال المزور إيصال تسليم الوديعة إلى الوديع، وكان هذا الإيصال قد تسرب إلى يده بخطأ من المودع، كان رد الوديعة إليه صحيحاً مبرئاً للذمة.

هل يجوز رد الوديعة لنائب المودع ؟

إذا كان المودع وكيلاً يعمل لحساب الغير، فلا يكون له حق المطالبة برد الوديعة، إنما يكون هذا الحق للموكل وحده.

ولا يستثنى من ذلك إلا أن يكون الوكيل موكلاً بإستلام الوديعة من الوديع فإذا سلم الوديع الوديعة إلى وكيل المودع - دون هذا التوكيل - كان وفاء غير صحيح ولا يبرئ ذمة الوديع. ويجوز للموكل مطالبة نائبه برد الوديعة.

أما إذا كان النائب عن الغير نائباً قانونياً، كالولي والوصي والقيم ووكيل الغائب، وهو الذي أودع الوديعة لدى الوديع. فإذا كان المودع عند رد الوديعة قد استكمل أهليته بأن بلغ سن الرشد أو رفع الحجر عنه، فإن الرد لا يجوز إلا للمودع نفسه دون النائب، وإلا كان الرد غير مبرئ لذمة الوديع.

أما إذا كان المودع ما زال ناقص الأهلية، فإن الرد يكون لنائبه، ويبرئ هذا الرد ذمة الوديع. ويجب على الوديع التحقق من صفة النائب وقت الرد. فإن تعذر عليه ذلك وجب عليه أن يودع الوديعة خزانة المحكمة أو أي مكان معد لحفظ الودائع.

وعلة ذلك ظاهرة، وهي أن زوال صفة النائب في هذه الحالة لا يجعل له حقاً في المطالبة بما أودعه نيابة عن غيره.

ولنفس هذه العلة، يتعين على الوديع أن يمتنع عن رد الوديعة إلى المودع الذي زالت صفته بعزله، لا بإكتمال أهلية من كانت له النيابة عنه. فيكون صاحب الحق في طلب رد الوديعة في هذه الحالة هو الشخص الذي آلت إليه سلطة النائب المعزول.

تغير أهلية المودع قبل الرد:

إذا تغيرت أهلية المودع بعد الإيداع وقبل الرد، كأن يكون قد حجر عليه، فإن هذا الحجر يمنع من رد الشيء المودع إلى المودع، لأن الوفاء لناقصی الأهلية لا يبرئ ذمة المدين، ومن ثم يجب أن يتم الرد للقيم على المودع.

اشتراط المودع رد الوديعة إلى شخص من الغير:

قد يعين المودع شخصاً أجنبياً ويشترط رد الوديعة إليه ثم يقبل هذا الشخص ما اشترطه المودع.

وفي هذه الحالة لا يثور شك في وجوب رد الوديعة إلى هذا الشخص.

ولكن ما هو الحل إذا توفي هذا الشخص، ومن هو الشخص الذي ترد إليه الوديعة؟

الحل هو في الرجوع إلى القواعد العامة، فيتعين الرجوع إلى قصد المودع من تضمين العقد مثل هذا الشرط مما يتعين معه الكشف عن هذا القصد. فإن قصد المودع من تعيينه هذا الشخص لإستلام الوديعة مجرد توكيل هذا الغير في ذلك، فيجب رد الوديعة إلى ورثة المودع، إذ يتوفى المودع وهي باقية على ذمته فتدخل في تركته ويتعلق بها حق الورثة.

أما إذا تبين العكس، وكان المودع قد قصد أن يضمن عقد الوديعة اشتراطاً لمصلحة الغير، فإن المنتفع يكون هو صاحب الحق في تقرير مصير الوديعة، إن شاء أقر ما اشترط لمصلحته فيثبت بذلك حقه في الوديعة، وإن شاء رفضه فتكون للورثة (م 154) ولا يكون لهؤلاء حيلة في هذا الأمر، لأن وفاة المشترط تثبت حق المنتفع الذي يستفيده من عقد الوديعة مباشرة، لا من قبوله للشرط الوارد فيه. كما لا يكون لهم أن ينقضوا ما استقر عليه قصد مورثهم حتی وفاته، لأن النقض حق شخصي للمشترط لا ينتقل لورثته. وهذا هو الرأي السائد في الفقه. وهو ما أقره المشرع في القانون المدني الجديد (مادة 155).

ويقع على عاتق المنتفع إثبات أن العقد يتضمن رد الوديعة إليه باعتباره منتفعاً، فيكون على الورثة إثبات أن هذا الغير لم يعين إلا بصفته وكيلاً وبالتالي لا ترد الوديعة إليه.

رد الوديعة في حالة وفاة المودع:

إذا توفي المودع قبل رد الوديعة انتقل حقه في طلب ردها إلى ورثته.

ويكون الرد لكل منهم بمقدار نصيبه في الإرث.

فإذا كانت الوديعة قابلة للإنقسام كمبلغ من النقود مثلاً، تعين على الوديع أن يرد إلى كل وارث ما يستحقه في هذا المبلغ.

وإذا كانت الوديعة غير قابلة للإنقسام كسيارة أو حيوان مثلاً، وجب على الورثة أن يتفقوا فيما بينهم على أن يتسلموا جميعاً الوديعة، أو على أن يتسلمها أحدهم يقومون بتعيينه، أو لمن تقع الوديعة في نصيبه نتيجة القسمة الصحيحة .

فإذا لم يتوصلوا إلى هذا الإتفاق فيما بينهم، فإن عليهم أن يحصلوا على إذن من القاضي بإستلام الشيء المودع، فإذا لم يفعلوا كان للمودع عنده أن يودع الشيء في محل مخصص للأمانات بحسب طبيعته، وتبرأ ذمة الوديع بهذا الإيداع.

أما إذا قام الوديع برد الوديعة إلى أحد الورثة فقط، كان لباقي الورثة مطالبته بالتعويض المناسب لنصيبهم، ولهم إثبات واقعة الرد لأحدهم فقط بكافة طرق الإثبات القانونية بما فيها البينة والقرائن.

ويجب على الورثة عند طلبهم رد الوديعة تقديم الدليل على صفتهم ومقدار نصيب كل منهم في التركة، ويكون ذلك عادة بتقديم المستندات اللازمة للتحقق من أهليتهم.

ويجوز رد الوديعة للوارث الظاهر، مادام الوديع حسن النية ويعتقد أن من تسلم الوديعة هو الوارث الحقيقي، ويكون الرد مبرئاً لذمته.. ثم يرجع الوارث الحقيقي على الوارث الظاهر الذي تسلم الوديعة.

وتسري الأحكام المتقدمة في حالة تعدد المودعين، فإنه يجب تسليم الشیء إليهم معاً، إلا إذا عينوا وكيلاً عنهم. على أنه إذا كان الشيء قابلاً للقسيمة جاز الكل منهم المطالبة بحصته.

وإذا طلب شخص من الغير إلى القاضي أن يلزم المودع عنده بإيداع الشيء المصلحة له يدعيها أو يطالب بها، جاز للقاضي أن يأمر المودع عنده بالإيداع في المحل المخصص للأمانات.

وللوديع رفع الأمر للقاضي إذا وجد أشخاصا موصى لهم بنصيب في التركة، أو كانت التركة في حالة إعسار.

وقت الرد:

رأينا أن المادة 722 مدني تقضي بأنه : "يجب على المودع عنده أن يسلم الشيء إلى المودع بمجرد طلبه إلا إذا ظهر من العقد أن الأجل عين لمصلحة المودع عنده.

وللمودع عنده أن يلزم المودع بتسلم الشيء في أي وقت إلا إذا ظهر من العقد أن الأجل عين لمصلحة المودع".

فالوديع يلتزم برد الوديعة إلى المودع بمجرد طلبه إلا ظهر من العقد الأجل عين لمصلحة المودع.

والأصل أن الأجل في الوديعة معين لمصلحة المودع، فيجوز له إذن أن يطالب بردها ولو قبل حلول الأجل المتفق عليه صراحة أو ضمناً.

أما إذا كان قد روعي في تحديد الأجل مصلحة الوديع، فإن فى مفاجأته بطلب الرد مضايقة له كما قد يتضمن إضراراً به ومن ثم يحق له رفض تلبية طلب الرد قبل حلول الأجل المحدد. والقول بغير ذلك يحمل الوديع أعباء لم يكن في نيته أن يتحمل بها عند قبول الوديعة، ويخالف بذلك ما قصد إليه العاقدان، ومثل الأجل الذي روعي فيه مصلحة الوديع أن يكون مصرحا للوديع بإستعمال الوديعة.

وأجازت الفقرة الثانية للوديع أن يلزم المودع بتسلم الشيء في أي وقت إلا إذا ظهر من العقد أن الأجل عين لمصلحة المودع.

وتطبيقاً لهذا النص يجوز للوديع الرجوع في الوديعة بإرادته المنفردة في حالتين هما.

1- إذا كان مأذونا في استعمال الوديعة، أو كان الأجل بوجه عام معيناً في مصلحة الوديع.

2- إذا كانت الوديعة في مصلحة المودع، وتعذر على الوديع أن يستمر حافظاً للوديعة لأسباب مشروعة.

بشرط أن تكون الوديعة بغير أجر. إذ يكون الوديع في هذه الحالة متبرعاً، ولا يصح أن يضار بتبرعه.

ويشترط لإلغاء الوديعة من جانب الوديع في الحالتين السابقتين، ألا يستعمل الوديع هذا الحق في وقت غير ملائم للمودع.

فالأصل أن الدائن يسعى إلى المدين لإستيفاء الدين إلا إذا نص القانون أو اتفق الطرفان على خلاف ذلك. فإذا اتفق المتعاقدان على تحديد مكان معين لرد الوديعة فيه، كان هذا المكان هو مكان رد الوديعة، وإذا اتفق على أن يكون محل رد الوديعة في محل المودع، تحمل المودع بسائر المصاريف التي ينفقها الوديع في هذا السبيل إذ يفترض في الطرفين أنهما قصدا ذلك.

ويجوز للمودع في هذه الحالة التنازل عن هذا الشرط والذهاب الاستلام الوديعة في محل الوديع تفادياً للمصاريف، ولا يكون الوديع الممانعة في ذلك لأن هذا الشرط لم يوضع لمصلحته.

أما إذا لم يتفق الطرفان على تحديد مكان لرد الوديعة، تحدد هذا المكان بالجهة التي يكون فيها الشيء وقت المطالبة.

غير أنه إذا تعمد الوديع وضع الشيء في مكان قصي نكاية بالمودع، كان لهذا الأخير أن يطالبه برد الشيء في نفس المكان الذي حصل فيه الإيداع إبتداءُ حتى يرد إليه قصده.

أما إذا كانت الوديعة ناقصة، فإنها تكون ديناُ في الذمة إذ يجب رد مثلها لا عينها، ومن ثم يكون الرد في المكان الذي يوجد فيه موطن المودع عنده وقت الوفاء أو في المكان الذي يوجد فيه مركز أعماله إذا كانت الوديعة متعلقة بهذه الأعمال (م 2 / 347 مدنی).

الأصل أن امتناع الوديع عن رد الوديعة يعتبر خطأ موجباً للتعويض، ما لم يقم الدليل على هلاك الوديعة دون تقصیر منه بالتفصيل الذي ذكرناه سلفاً. ومع ذلك فهناك حالات يتعين فيها عليه أن يمتنع عن رد الوديعة رغم توجيه طلب الرد إليه حتى لا تنعقد مسئوليته قبل الغير. وفي مثل هذه الحالات يكون إمتناعه عن الرد مشروعاً ولا يكون للمودع سبيل إلى مؤاخذته.

وهذه الحالات هي:

(1) حجز ما للمدين لدى الغير:

يجوز لدائني المودع أن يحجزوا على الوديعة تحت يد الوديع توطئة لتثبيت الحجز و استيفاء ديونهم من ثمنها عملاً بالمواد 325 مرافعات وما بعدها.

وبالتالي يترتب على إعلان الوديع بالحجز الامتناع فی الحال عن رد الوديعة إلى المودع وإلا كان وفاؤه خطأ ولزمه الوفاء مرة ثانية للدائنين بعد الحكم بصحة الحجز لمصلحتهم.

(2) اعتراض الغير على الرد :

يذهب رأي إلى أنه إذا اعترض الغير على رد الوديعة إلى المودع، بأن ادعى ملكية الوديعة، وأخطر الوديع بعدم رد الوديعة إلى المودع حتى تثبت ملكيتها له.

أو إذا حصل هذا الإعتراض برفع دعوى الاستحقاق على الوديع. أو إذا حصل هذا الاعتراض من أقارب المودع الذين تقدموا بطلب الحجر عليه العارض من عوارض الأهلية.

فإنه في مثل هذه الحالات يجب على الوديع الامتناع عن رد الوديعة إلى المودع حتى يزول الاعتراض على حقه في استلام الوديعة، غير أنه إذا ثبت تواطؤ الوديع مع الغير على الممانعة في الرد جاز للمودع مطالبة الوديع بتعويض عن التأخير في الرد.

ولا يلزم لعدم الرد رفع دعوى أو توقيع الحجز على الوديعة بل يكفي مجرد إنذار الوديع بعدم الرد. فإذا لم يمتثل حق للمعترض مطالبته بالتعويض في حالة ثبوت حقه.

ويجوز للوديع في هذه الحالة إيداع الشيء المودع بمحل للأمانات لحساب من يثبت له الحق فيه من الأطراف المتنازعين.

وإذا رفعت دعوى الإستحقاق أو الإسترداد على الوديع كان له أن يطلب إخراجه من الدعوى بمجرد أن يثبت كونه وديعاً فقط، ولا يتحمل عندئذ شيئاً من مصاريف الدعوى.

بينما ذهب رأي آخر - نؤيده - إلى أنه لا يكفي للامتناع عن رد الوديعة مجرد أن يدعى شخص من الغير حقاً عليها، بل لابد أن يصل هذا الادعاء إلى حد الحجز على الشيء المودع تحت يد الوديع، أو إقامة دعوى الإستحقاق ضده.

(3) حق الحبس :

تقضى المادة 246 مدني بأن :

1- لكل من التزم بأداء شيء أن يمتنع عن الوفاء به، مادام الدائن لم يعرض الوفاء بالتزام مترتب عليه بسبب التزام المدين ومرتبط به، أو مادام الدائن لم يقم بتقديم تأمين كاف للوفاء بالتزامه هذا.

2- ويكون ذلك بوجه خاص لحائز الشيء أو محرزه، إذا هو أنفق عليه مصروفات ضرورية أو نافعة، فإن له أن يمتنع عن رد هذا الشيء حتى يستوفي ما هو مستحق له، إلا أن يكون الالتزام بالرد ناشئاً عن عمل غير مشروع"، وعلى ذلك يكون للوديع أن يحبس الشيء المودع حتى يستوفي ما أنفقه من المصروفات الضرورية أو النافعة على الشيء المودع، أما المصروفات التي لا تنفق على ذات الشيء المودع، وكذا ما يستحق للوديع من أجر - إذا كانت الوديعة مأجورة - أو ما يستحق له من تعويض عن ضرر لحق به بسبب الوديعة، فإن التزام المودع بها لا يكون مرتبطاً بالتزام المودع لديه برد الوديعة، وبالتالي لا يجوز للوديع حبس الشيء المودع لحين استيفائه.

وإذا لم يتم الوفاء للوديع بما يستحق له من مصروفات ضرورية أو نافعة كان له أن يوجه إنذاراً إلى المودع ببيع الشيء المودع وفي أن يستعمل المبلغ الناتج من البيع في استعمال حقه بالإمتياز على الدائنين الآخرين للمودع طبقاً للمادة 1140 مدني.

لا يجوز للوديع الامتناع عن الرد في الحالتين التاليتين، وإلا كان امتناعه غير مشروع، وكان متخلفاً عن الوفاء بإلتزامه بالرد، وجاز للمودع مطالبته بالتعويض.

(1) الاحتجاج بالمقاصة:

لا يجوز للوديع الاحتجاج بالمقاصة بين دين الوديعة ودين له في ذمة المودع، لأن المقاصة لا تجوز في هذه الحالة، فالمقاصة لا تكون إلا بين المثليات، والشئ المودع يعتبر شيئا معينا بالذات ائتمن عليه الوديع عنده، حتی لو كان من المثليات.

وقد حظرت صراحة الفقرة (ب) من المادة 364 مدنى المقاصة في هذه الحالة إذ نصت على أن: "تقع المقاصة في الديون أياً كان مصدرها وذلك فيما عدا الأحوال الآتية :

(ب)- إذا كان أحد الدينين شيئاً مودعاً أو معاراً عارياً استعمال وكان مطلوباً رده.

أما الوديعة الناقصة فتجوز فيها المقاصة لأنها تعتبر قرضا.

(2) عدم رد ايصال الأمانة :

لا يجوز التعلل في عدم رد الوديعة بعدم رد المودع إيصال الأمانة، إذا أبدى المودع استعداده لتحرير إيصال بإستلام الأمانة. وتطبيقاً لذلك لا يجوز للبنك أن يمتنع عن رد الأوراق المالية التي أودعها أحد عملائه بحجة عدم رد الإيصال المثبت للإيداع، مادامت شخصية العميل معروفة لديه، وأنه أبدى استعداده لتحرير مخالصة للبنك. وذلك لأن هذه المخالصة تكفي، في حالة التثبت من شخصية العميل، لإثبات براءة ذمة البنك. فيكون التعلل بعدم رد الإيصال مماطلة وتسويفاً دون مسوغ مشروع.

جزاء الإخلال بالتزام الرد :

224- (أ) - جزاء مدنی:

(1) دعوى الاسترداد :

إذا لم يرد الوديع الشيء المودع إلى المودع، دون أن يستند في ذلك إلى سبب مشروع من الأسباب التي تناولناها فيما تقدم، كان للمودع الحق في مطالبته برد الوديعة، بدعوى يطلق عليها دعوى الاسترداد، وهي دعوى شخصية تنشأ من عقد الوديعة ذاته.

وللمودع المطالبة في هذه الدعوى برد الوديعة وملحقاتها وثمارها.

وإذا توفي الوديع رفعت الدعوى على ورثته.

وإذا كان الشيء المودع في حيازة أحدهم فقط رفعت عليه الدعوى وحده.

أما من لم يكن الشيء المودع في يده، فيجوز رفع دعوى الإسترداد عليه ولكن بمقدار نصيبه.

ولا يكون الورثة أو الوديع متضامنين في الالتزام بالرد، إلا إذا كانت الودائع حرفة تجارية لهم.

وإذا كان الشيء مودعاً في مكان معلوم فإن المودع يستطيع الالتجاء إلى القاضي ليحصل منه على أمر بفتح المكان واستلام الشیء خاصة إذا كان المودع عنده غائبا في مكان غير معروف.

(2) دعوى الاسترداد العينية (دعوى الملكية) :

إذا كان المودع مالكا للشئ المودع جاز له أن يرفع دعوى الاسترداد العينية وهي دعوى الملكية. وله في سبيل ذلك أن يوقع على الشيء المودع إذا كان منقولاً حجزاً تحفظياً تطبيقاً لأحكام المادة 318 مرافعات التي تقضي بأن المالك المنقول أن يوقع الحجز التحفظي عليه عند حائزه".

وتتميز دعوى الاسترداد العينية بأنها لا تسقط بالتقادم، وبالتالي يستطيع المودع رفعها بعد مضي أكثر من خمس عشرة سنة على إهماله المطالبة برد الوديعة تنفيذاً للعقد. ولا يجوز للورثة أن يتمسكوا بإكتساب ملكية الوديعة بالتقادم الكون يدهم على الشيء يد عارضة، والحائز العرضي لا يكتسب الملكية بالتقادم أبدا (م 973 مدنی )، إلا إذا غير الحائز نيته وبين بوضوح أنه يحوز الشيء كمالك.

(3) دعوى التعويض :

ذكرنا سلفاً أنه إذا تعذر على الوديع رد الوديعة عيناً لسبب يرجع إليه، كان للمودع مطالبته بالتعويض، وأنه يقضى له بقيمة الشيء المودع وقت الرد، فإذا زادت القيمة أثناء نظر الدعوى، وجب رد القيمة وقت الحكم.

وأنه إذا كانت الوديعة من المثليات، جاز للمودع بدلاً من المطالبة بالتعويض النقدي المطالبة برد مثل الشيء المودع.

ونضيف هنا إلى أنه يجوز للمودع المطالبة بتعويض الأضرار التي لحقت به نتيجة تأخير رد الوديعة أو تعيبها.

كما يجوز في حالتي الغش والخطأ الجسيم أن تزاد قيمة التعويض عن هلاك الوديعة، إذا كان هناك اتفاق بين الطرفين على تقويم الوديعة.

كما أشرنا من قبل إلى أنه إذا كانت الوديعة مبلغاً من النقود فإن المودع يسترد مثل قيمة هذه النقود مع الفوائد القانونية من وقت الإعذار لا المطالبة القضائية.

(ب) - جزاء جنائي :

يعاقب الوديع إذا تصرف في الوديعة ولم يردها إلى صاحبها بعقوبة جريمة خيانة الأمانة المنصوص عليها بالمادة 341 عقوبات، لأنه أضر بصاحب الوديعة، وهذه العقوبة هي الحبس الذي لا تزيد مدته على ثلاث سنوات. ويجوز أن يزاد عليه غرامة لا تتجاوز مائة جنيه.(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء : التاسع ، الصفحة : 46)

الفقه الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الخامس ، الصفحة / 38

الإْشْهَادُ عَلَى رَدِّ الْوَدِيعَةِ إِلَى مَالِكِهَا:

22 - فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَالأْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، لاَ يَلْزَمُ عِنْدَهُمْ أَنْ يُشْهِدَ الْمُودَعُ عَلَى رَدِّ الْوَدِيعَةِ إِلَى مَالِكِهَا، لأِنَّهُ مُصَدَّقٌ فِي الرَّدِّ عَلَى الْمُودِعِ فَلاَ فَائِدَةَ فِي الإْشْهَادِ، وَعَدَمُ لُزُومِ الإْشْهَادِ قَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ إِنْ كَانَ الْمُودِعُ أَخَذَهَا دُونَ إِشْهَادٍ، فَإِنْ أَخَذَهَا بِإِشْهَادٍ فَإِنَّهُ لاَ يَبْرَأُ فِي دَعْوَى الرَّدِّ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ، لأِنَّهُ حِينَ أَشْهَدَ عَلَيْهِ لَمْ يَكْتَفِ بِأَمَانَتِهِ، وَلاَ بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْبَيِّنَةُ مَقْصُودَةً لِلتَّوَثُّقِ، أَمَّا إِذَا دَفَعَهَا أَمَامَ شُهُودٍ، وَلَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهَا، فَلَيْسَ بِشَهَادَةٍ حَتَّى يَقُولَ: اشْهَدُوا بِأَنِّي اسْتَوْدَعْتُهُ كَذَا وَكَذَا. وَلَوْ تَبَرَّعَ الْوَدِيعُ بِالإْشْهَادِ عَلَى نَفْسِهِ فَلاَ يَبْرَأُ إِلاَّ بِإِشْهَادٍ. وَلُزُومُ الإْشْهَادِ عَلَى الرَّدِّ - إِنْ أَخَذَهَا الْمُودَعُ بِإِشْهَادٍ - رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ، وَخَرَّجَهَا ابْنُ عَقِيلٍ عَلَى أَنَّ الإْشْهَادَ عَلَى دَفْعِ الْحُقُوقِ الثَّابِتَةِ بِالْبَيِّنَةِ وَاجِبٌ، فَيَكُونُ تَرْكُهُ تَفْرِيطًا فَيَجِبُ فِيهِ الضَّمَانُ.

فَإِذَا قَالَ الْمُودَعُ: لاَ أَرُدُّ حَتَّى تُشْهِدَ، فَمَنْ قَالَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ - وَهُمُ الشَّافِعِيَّةُ فِي وَجْهٍ، وَرِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ - وَذَلِكَ حَيْثُ يَكُونُ عَلَيْهِ بَيِّنَةُ الْوَدِيعَةِ - فَلَيْسَ لَهُ التَّأْخِيرُ حَتَّى يُشْهِدَ، لِوُجُودِ مَا يُبَرِّئُ بِهِ ذِمَّتَهُ، وَهُوَ قَبُولُ قَوْلِهِ بِيَمِينِهِ .

الإْشْهَادُ فِي الرَّدِّ عَلَى رَسُولِ الْمَالِكِ أَوْ وَكِيلِهِ:

23 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ، وَهُوَ مَا صَحَّحَهُ الْبَغَوِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْوَدِيعَ إِنْ رَدَّ الْوَدِيعَةَ عَلَى رَسُولِ الْمَالِكِ أَوْ وَكِيلِهِ فَلَهُ التَّأْخِيرُ حَتَّى يُشْهِدَ، فَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ فَلاَ يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى التَّسْلِيمِ إِلَى الرَّسُولِ أَوِ الْوَكِيلِ. وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ مَا صَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ وَلَوْ لَمْ يُشْهِدْ. وَلَمْ يُصَرِّحِ الْحَنَفِيَّةُ بِالإْشْهَادِ فِي الرَّدِّ عَلَى الْوَكِيلِ، لَكِنَّهُمْ قَالُوا: يَضْمَنُ الْمُودَعُ إِنْ سَلَّمَ الْوَدِيعَةَ دُونَ عُذْرٍ لِغَيْرِ الْمَالِكِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ عِيَالِ الْوَدِيعِ الَّذِينَ يُحْفَظُ بِهِمْ مَالُهُ عَادَةً. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الأَْوْلَى الإْشْهَادُ لِيَدْرَأَ الضَّمَانَ عَنْ نَفْسِهِ فِي حَالِ الْجُحُودِ.

الإْشْهَادُ عِنْدَ قِيَامِ بَعْضِ الأْعْذَارِ بِالْمُودَعِ:

24 - الْمَالِكِيَّةُ يُلْزِمُونَ بِالإْشْهَادِ عَلَى الأْعْذَارِ الَّتِي تَمْنَعُ مِنْ بَقَاءِ الْوَدِيعَةِ تَحْتَ يَدِهِ، وَيَكُونُ بِمُعَايَنَةِ الْعُذْرِ، وَلاَ يَكْفِي قَوْلُهُ: اشْهَدُوا أَنِّي أُودِعَهَا لِعُذْرٍ.

وَلاَ يُخَالِفُ الْحَنَفِيَّةُ فِي وُجُوبِ الإْشْهَادِ عَلَى الأْعْذَارِ، إِذْ لاَ يُصَدَّقُ الْمُودَعُ عِنْدَهُمْ إِنْ دَفَعَهَا لأِجْنَبِيٍّ لِعُذْرٍ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِنْ تَعَذَّرَ الرَّدُّ إِلَى الْمَالِكِ فَإِنَّهُ يُسَلِّمُهَا إِلَى الْقَاضِي، وَيُشْهِدُ الْقَاضِي عَلَى نَفْسِهِ بِقَبْضِهَا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَالْمُعْتَمَدُ خِلاَفُهُ، فَإِنْ فُقِدَ الْقَاضِي سَلَّمَهَا لأِمِينٍ. وَهَلْ يَلْزَمُهُ الإْشْهَادُ عَلَيْهَا ؟ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ أَوْجَهُهُمَا عَدَمُهُ.

كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْقَاضِي. هَذَا إِنْ أَرَادَ سَفَرًا .

وَالْحَرِيقُ وَالإْغَارَةُ عُذْرَانِ كَالسَّفَرِ.

فَإِذَا مَرِضَ مَرَضًا مَخُوفًا، وَعَجَزَ عَنِ الرَّدِّ إِلَى الْحَاكِمِ أَوِ الأْمِينِ، أَشْهَدَ وُجُوبًا عَلَى الإْيصَاءِ بِهَا إِلَيْهِمَا. وَلَمْ يَنُصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى الإْشْهَادِ عِنْدَ قِيَامِ الأْعْذَارِ بِالْمُودَعِ، وَلاَ يَضْمَنُ الْمُودَعُ عِنْدَهُمْ إِنْ سَلَّمَهَا لأِجْنَبِيٍّ لِعِلَّةٍ، كَمَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَوْ أَرَادَ سَفَرًا .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الرابع عشر ، الصفحة / 107

تَوًى

التَّعْرِيفُ:

1 - التَّوَى وِزَانُ الْحَصَى، مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ الْهَلاَكُ، يُقَالُ تَوَى يَتْوَى كَرَضِي يَرْضَى أَيْ هَلَكَ، وَأَتْوَاهُ اللَّهُ فَهُوَ تَوٌّ. قَالَ فِي اللِّسَانِ: التَّوَى بِالْقَصْرِ. وَقَدْ يُمَدُّ فَيُقَالُ: تَوَاءُ.

وَجَاءَ فِي اللِّسَانِ أَنَّ التَّوَى الْهَلاَكُ، وَذَهَابُ مَالٍ لاَ يُرْجَى مِنْ تَوَى الْمَالُ يَتْوَى تَوًى .

وَيَسْتَعْمِلُ الْفُقَهَاءُ هَذِهِ الْكَلِمَةَ فِي الْمَعْنَى نَفْسِهِ، أَيِ الْهَلاَكِ، وَذَهَابِ الْمَالِ . وَقَدْ عَرَّفَهُ الْحَنَفِيَّةُ فِي بَحْثِ الْحَوَالَةِ بِالْعَجْزِ عَنِ الْوُصُولِ إلَى الْحَقِّ، وَذَلِكَ بِجُحُودِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ أَوْ مَوْتِهِ مُفْلِسًا كَمَا سَيَأْتِي .

التَّوَى فِي الْوَدِيعَةِ:

3 - الأْصْلُ فِي الْوَدِيعَةِ أَنْ لاَ يُخْرِجَهَا الْوَدِيعُ عَنْ مَكَانٍ عَيَّنَهُ رَبُّ الْوَدِيعَةِ لِحِفْظِهَا، فَإِذَا حَفِظَهَا الْوَدِيعُ فِي مَكَانٍ عَيَّنَهُ الْمُودِعُ، وَلَمْ يَخْشَ عَلَيْهَا فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ خِلاَفٍ؛ لأِنَّهُ مُمْتَثِلٌ لأِمْرِهِ غَيْرُ مُفَرِّطٍ فِي مَالِهِ.

وَإِنْ خَافَ عَلَيْهَا سَيْلاً وَتَوًى - أَيْ هَلاَكًا - فَأَخْرَجَهَا مِنْهُ إِلَى حِرْزِهَا فَتَلِفَتْ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ خِلاَفٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ أَيْضًا، لأِنَّ نَقْلَهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ تَعَيَّنَ طَرِيقًا لِحِفْظِهَا، وَهُوَ مَأْمُورٌ بِحِفْظِهَا.

وَإِنْ لَمْ يَخَفْ عَلَيْهَا فَنَقَلَهَا عَنِ الْحِرْزِ إِلَى مَا دُونَهُ ضَمِنَهَا، لأِنَّهُ خَالَفَهُ فِي الْحِفْظِ الْمَأْمُورِ بِهِ . وَلِلتَّفْصِيلِ (ر: وَدِيعَةٌ).

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثامن والعشرون ، الصفحة / 258

يَدُ الأْمَانَةِ وَيَدُ الضَّمَانِ:

66 - الْمَشْهُورُ تَقْسِيمُ الْيَدِ إِلَى قِسْمَيْنِ: يَدِ أَمَانَةٍ، وَيَدِ ضَمَانٍ.

وَيَدُ الأْمَانَةِ، حِيَازَةُ الشَّيْءِ أَوِ الْمَالِ، نِيَابَةً لاَ تَمَلُّكًا، كَيَدِ الْوَدِيعِ، وَالْمُسْتَعِيرِ، وَالْمُسْتَأْجِرِ، وَالشَّرِيكِ، وَالْمُضَارِبِ وَنَاظِرِ الْوَقْفِ، وَالْوَصِيِّ.

وَيَدُ الضَّمَانِ، حِيَازَةُ الْمَالِ لِلتَّمَلُّكِ أَوْ لِمَصْلَحَةِ الْحَائِزِ، كَيَدِ الْمُشْتَرِي وَالْقَابِضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ، وَالْمُرْتَهِنِ، وَالْغَاصِبِ وَالْمَالِكِ، وَالْمُقْتَرِضِ.

وَحُكْمُ يَدِ الأْمَانَةِ، أَنَّ وَاضِعَ الْيَدِ أَمَانَةً، لاَ يَضْمَنُ مَا هُوَ تَحْتَ يَدِهِ، إِلاَّ بِالتَّعَدِّي أَوِ التَّقْصِيرِ، كَالْوَدِيعِ فَإِنَّهُ إِذَا أَوْدَعَ الْوَدِيعَةَ عِنْدَ مَنْ لاَ يُودَعُ مِثْلُهَا عِنْدَ مِثْلِهِ يَضْمَنُهَا.

وَحُكْمُ يَدِ الضَّمَانِ، أَنَّ وَاضِعَ الْيَدِ عَلَى الْمَالِ، عَلَى وَجْهِ التَّمَلُّكِ أَوِ الاِنْتِفَاعِ بِهِ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ، يَضْمَنُهُ فِي كُلِّ حَالٍ، حَتَّى لَوْ هَلَكَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ، أَوْ عَجَزَ عَنْ رَدِّهِ إِلَى صَاحِبِهِ، كَمَا يَضْمَنُهُ بِالتَّلَفِ وَالإْتْلاَفِ.

فَالْمَالِكُ ضَامِنٌ لِمَا يَمْلِكُهُ وَهُوَ تَحْتَ يَدِهِ، فَإِذَا انْتَقَلَتِ الْيَدُ إِلَى غَيْرِهِ بِعَقْدِ الْبَيْعِ، أَوْ بِإِذْنِهِ، كَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ، أَوْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ كَالْمَغْصُوبِ، فَالضَّمَانُ فِي ذَلِكَ عَلَى ذِي الْيَدِ.

وَلَوِ انْتَقَلَتِ الْيَدُ إِلَى غَيْرِهِ، بِعَقْدِ وَدِيعَةٍ أَوْ عَارِيَّةً، فَالضَّمَانُ - أَيْضًا - عَلَى الْمَالِكِ .

أَهَمُّ الأْحْكَامِ وَالْفَوَارِقِ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْيَدَيْنِ:

أ - تَأْثِيرُ السَّبَبِ السَّمَاوِيِّ:

67 - إِذَا هَلَكَ الشَّيْءُ بِسَبَبٍ لاَ دَخْلَ لِلْحَائِزِ فِيهِ وَلاَ لِغَيْرِهِ، انْتَفَى الضَّمَانُ فِي يَدِ الأْمَانَةِ، لاَ فِي يَدِ الضَّمَانِ، فَلَوْ هَلَكَتِ الْعَارِيَّةُ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ بِسَبَبِ الْحَرِّ أَوِ الْبَرْدِ، لاَ يَضْمَنُ الْمُسْتَعِيرُ، لأِنَّ يَدَهُ يَدُ أَمَانَةٍ.

بِخِلاَفِ يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ إِلَى الْمُشْتَرِي، فَإِنَّهُ لاَ يَنْتَفِي الضَّمَانُ بِهَلاَكِهِ بِذَلِكَ، بَلْ يُفْسَخُ الْعَقْدُ، وَيَسْقُطُ الثَّمَنُ، لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ مِنْ بَقَائِهِ، لِعَجْزِ الْبَائِعِ عَنْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ كُلَّمَا طَالَبَ بِالثَّمَنِ، فَامْتَنَعَتِ الْمُطَالَبَةُ، وَارْتَفَعَ الْعَقْدُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ .

وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ مَالِكٍ، انْتِقَالُ الضَّمَانِ إِلَى الْمُشْتَرِي بِنَفْسِ الْعَقْدِ .

ب - تَغَيُّرُ صِفَةِ وَضْعِ الْيَدِ:

68 - تَتَغَيَّرُ صِفَةُ يَدِ الأْمِينِ وَتُصْبِحُ يَدَ ضَمَانٍ بِالتَّعَدِّي، فَإِذَا تَلِفَ الشَّيْءُ بَعْدَ ذَلِكَ ضَمِنَهُ، مَهْمَا كَانَ سَبَبُ التَّلَفِ، وَلَوْ سَمَاوِيًّا.

أ - فَفِي الإْجَارَةِ، يُعْتَبَرُ الأْجِيرُ الْمُشْتَرَكُ أَمِينًا - عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - وَالْمَتَاعُ فِي يَدِهِ أَمَانَةٌ، لاَ يُضْمَنُ إِنْ هَلَكَ بِغَيْرِ عَمَلِهِ، إِلاَّ إِنْ قَصَّرَ فِي حِفْظِهِ، كَالْوَدِيعِ إِذَا قَصَّرَ فِي حِفْظِ الْوَدِيعَةِ أَوْ تَعَمَّدَ الإْتْلاَفَ، أَوْ تَلِفَ الْمَتَاعُ بِفِعْلِهِ، كَتَمَزُّقِ الثَّوْبِ مِنْ دَقِّهِ .

ب - وَفِي الْوَدِيعَةِ، يَضْمَنُ إِذَا تَرَكَ الْحِفْظَ الْمُلْتَزَمَ، كَأَنْ رَأَى إِنْسَانًا يَسْرِقُ الْوَدِيعَةَ، فَتَرَكَهُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْمَنْعِ، أَوْ خَالَفَ فِي كَيْفِيَّةِ الْحِفْظِ، أَوْ أَوْدَعَهَا مَنْ لَيْسَ فِي عِيَالِهِ، أَوْ عِنْدَ مَنْ لاَ تُودَعُ عِنْدَ مِثْلِهِ، أَوْ سَافَرَ بِهَا، أَوْ جَحَدَهَا كَمَا تَقَدَّمَ. انْظُرْ مُصْطَلَحَ: (وَدِيعَة).

ج - وَفِي الْعَارِيَّةِ، وَهِيَ أَمَانَةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، مَا عَدَا الْحَنَابِلَةَ، لاَ تُضْمَنُ إِنْ هَلَكَتْ بِالاِنْتِفَاعِ الْمُعْتَادِ، وَتُضْمَنُ بِالتَّعَدِّي، كَأَنْ يَدُلَّ عَلَيْهَا سَارِقًا أَوْ يُتْلِفَهَا أَوْ يَمْنَعَهَا مِنَ الْمُعِيرِ بَعْدَ الطَّلَبِ، عَلَى تَفْصِيلٍ بَيْنَ مَا يُغَابُ وَمَا لاَ يُغَابُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ .

ج - الْمَوْتُ عَنْ تَجْهِيلٍ:

69 - مَعْنَى التَّجْهِيلِ: أَنْ لاَ يُبَيِّنَ حَالَ الأْمَانَةِ الَّتِي عِنْدَهُ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ وَارِثَهُ لاَ يَعْلَمُ حَالَهَا، كَذَلِكَ فَسَّرَهُ ابْنُ نُجَيْمٍ فَالْوَدِيعُ إِذَا مَاتَ مُجْهِلاً حَالَ الْوَدِيعَةِ الَّتِي عِنْدَهُ، وَوَارِثَهُ لاَ يَعْلَمُ حَالَهَا، يَضْمَنُهَا بِذَلِكَ.

وَمَعْنَى ضَمَانِهَا - كَمَا يَقُولُ ابْنُ نُجَيْمٍ - صَيْرُورَتُهَا دَيْنًا فِي تَرِكَتِهِ .

وَكَذَلِكَ نَاظِرُ الْوَقْفِ، إِذَا مَاتَ مُجْهِلاً لِحَالِ بَدَلِ الْوَقْفِ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ.

وَكَذَا كُلُّ شَيْءٍ أَصْلُهُ أَمَانَةٌ يَصِيرُ دَيْنًا فِي التَّرِكَةِ بِالْمَوْتِ عَنْ تَجْهِيلٍ .

وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ تَرْكَ الإْيصَاءِ فِي الْوَدِيعَةِ يَسْتَوْجِبُ الضَّمَانَ، وَقَالُوا: إِذَا مَرِضَ الْمُودَعُ مَرَضًا مَخُوفًا، أَوْ حُبِسَ لِيُقْتَلَ لَزِمَهُ أَنْ يُوصِيَ، فَإِنْ سَكَتَ عَنْ ذَلِكَ لَزِمَهُ الضَّمَانُ، لأِنَّهُ عَرَّضَهَا لِلْفَوَاتِ، لأِنَّ الْوَارِثَ يَعْتَمِدُ ظَاهِرَ الْعَيْنِ، وَلاَ بُدَّ فِي الْوَصِيَّةِ مِنْ بَيَانِ الْوَدِيعَةِ، حَتَّى لَوْ قَالَ: عِنْدِي لِفُلاَنٍ ثَوْبٌ، وَلَمْ يُوجَدْ فِي تَرِكَتِهِ، ضَمِنَ لِعَدَمِ بَيَانِهِ . (ر: تَجْهِيل).

د - الشَّرْطُ:

70 - لاَ أَثَرَ لِلشَّرْطِ فِي صِفَةِ الْيَدِ الْمُؤْتَمَنَةِ عِنْدَ الأْكْثَرِينَ.

قَالَ الْبَغْدَادِيُّ: اشْتِرَاطُ الضَّمَانِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ بَاطِلٌ، وَقِيلَ: تَصِيرُ مَضْمُونَةً .

وَقَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ: وَاشْتِرَاطُ الضَّمَانِ عَلَى الأْمِينِ بَاطِلٌ، بِهِ يُفْتَى فَلَوْ شَرَطَ الْمُؤَجِّرُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ ضَمَانَ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ، فَالشَّرْطُ فَاسِدٌ.

وَلَوْ شَرَطَ الْمُودَعُ عَلَى الْوَدِيعِ ضَمَانَ الْوَدِيعَةِ فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، وَلاَ ضَمَانَ لَوْ تَلِفَتْ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي سَائِرِ الأْمَانَاتِ .

وَعَلَّلَهُ الْمَالِكِيَّةُ، بِأَنَّهُ لِمَا فِيهِ مِنْ إِخْرَاجِهَا عَنْ حَقِيقَتِهَا الشَّرْعِيَّةِ .

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: لأِنَّهُ شَرْطٌ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ، وَلَوْ قَالَ الْوَدِيعُ: أَنَا ضَامِنٌ لَهَا لَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ بِغَيْرِ تَعَدٍّ وَلاَ تَقْصِيرٍ، لأِنَّ ضَمَانَ الأْمَانَاتِ غَيْرُ صَحِيحٍ .

وَنَصَّ الْقَلْيُوبِيُّ عَلَى أَنَّ شَرْطَ الأْمَانَةِ فِي الْعَارِيَّةِ - وَهِيَ مَضْمُونَةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِذَا هَلَكَتْ بِغَيْرِ الاِسْتِعْمَالِ - هُوَ شَرْطٌ مُفْسِدٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَشَرْطُ أَنْ لاَ ضَمَانَ فِيهَا فَاسِدٌ لاَ مُفْسِدٌ .

وَجَاءَ فِي نُصُوصِ الْحَنَابِلَةِ: كُلُّ مَا كَانَ أَمَانَةً لاَ يَصِيرُ مَضْمُونًا بِشَرْطِهِ، لأِنَّ مُقْتَضَى الْعَقْدِ كَوْنُهُ أَمَانَةً، فَإِذَا شَرَطَ ضَمَانَهُ، فَقَدِ الْتَزَمَ ضَمَانَ مَا لَمْ يُوجَدْ سَبَبُ ضَمَانِهِ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ، كَمَا لَوِ اشْتَرَطَ ضَمَانَ الْوَدِيعَةِ، أَوْ ضَمَانَ مَالٍ فِي يَدِ مَالِكِهِ. وَمَا كَانَ مَضْمُونًا لاَ يَنْتَفِي ضَمَانُهُ بِشَرْطِهِ، لأِنَّ مُقْتَضَى الْعَقْدِ الضَّمَانُ، فَإِذَا شَرَطَ نَفْيَ ضَمَانِهِ لاَ يَنْتَفِي مَعَ وُجُودِ سَبَبِهِ، كَمَا لَوِ اشْتَرَطَ نَفْيَ ضَمَانِ مَا يَتَعَدَّى فِيهِ.

وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ ذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: «الْمُؤْمِنُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الضَّمَانِ بِشَرْطِهِ، وَالأْوَّلُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، لِمَا ذَكَرْنَاهُ .

الْقَوَاعِدُ الْفِقْهِيَّةُ فِي الضَّمَانِ:

الْقَوَاعِدُ فِي الضَّمَانِ كَثِيرَةٌ، نُشِيرُ إِلَى أَهَمِّهَا ، بِاخْتِصَارٍ فِي التَّعْرِيفِ بِهَا، وَالتَّمْثِيلِ لَهَا، كُلَّمَا دَعَتِ الْحَاجَةُ، مُرَتَّبَةً بِحَسَبِ أَوَائِلِ حُرُوفِهَا:

الْقَاعِدَةُ الأْولَى: «الأْجْرُ وَالضَّمَانُ لاَ يَجْتَمِعَانِ » :

71 - الأْجْرُ هُوَ: بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ. وَالضَّمَانُ - هُنَا - هُوَ: الاِلْتِزَامُ بِقِيمَةِ الْعَيْنِ الْمُنْتَفَعِ بِهَا، هَلَكَتْ أَوْ لَمْ تَهْلَكْ، وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ مِنْ قَوَاعِدِ الْحَنَفِيَّةِ، الْمُتَّصِلَةِ بِرَأْيِهِمْ فِي عَدَمِ ضَمَانِ مَنَافِعِ الْمَغْصُوبِ، خِلاَفًا لِلْجُمْهُورِ.

فَلَوِ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً أَوْ سَيَّارَةً، لِحَمْلِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ، فَحَمَّلَهَا شَيْئًا آخَرَ أَوْ أَثْقَلَ مِنْهُ بِخِلاَفِ جِنْسِهِ، كَأَنْ حَمَلَ مَكَانَ الْقُطْنِ حَدِيدًا فَتَلِفَتْ، ضَمِنَ قِيمَتَهَا، وَلاَ أَجْرَ عَلَيْهِ، لأِنَّ هَا هَلَكَتْ بِغَيْرِ الْمَأْذُونِ فِيهِ.

وَكَذَا لَوِ اسْتَأْجَرَهَا، لِيَرْكَبَهَا إِلَى مَكَانٍ مُعَيَّنٍ، فَذَهَبَ بِهَا إِلَى مَكَانٍ آخَرَ فَهَلَكَتْ، ضَمِنَ قِيمَتَهَا، وَلاَ أَجْرَ عَلَيْهِ، لأِنَّ الأْجْرَ وَالضَّمَانَ لاَ يَجْتَمِعَانِ، عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ .

لَكِنِ الْقَاعِدَةُ مَشْرُوطَةٌ عِنْدَهُمْ، بِعَدَمِ اسْتِقْرَارِ الأْجْرِ فِي ذِمَّةِ الضَّامِنِ، كَمَا لَوِ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةَ الدَّابَّةِ - مَثَلاً - فِعْلاً، ثُمَّ تَجَاوَزَ فَصَارَ غَاصِبًا، وَضَمِنَ، يَلْزَمُهُ أَجْرُ مَا سَمَّى عِنْدَهُمْ، إِذَا سَلِمَتِ الدَّابَّةُ وَلَمْ تَهْلَكْ .

وَالْجُمْهُورُ يُوجِبُونَ الأْجْرَ كُلَّمَا كَانَ لِلْمَغْصُوبِ أَجْرٌ، لأِنَّ الْمَنَافِعَ مُتَقَوِّمَةٌ كَالأْعْيَانِ، فَإِذَا تَلِفَتْ أَوْ أَتْلَفَهَا فَقَدْ أَتْلَفَ مُتَقَوِّمًا، فَوَجَبَ ضَمَانُهُ كَالأْعْيَانِ وَإِذَا ذَهَبَ بَعْضُ أَجْزَاءِ الْمَغْصُوبِ فِي مُدَّةِ الْغَصْبِ، وَجَبَ مَعَ الأْجْرَةِ أَرْشُ نَقْصِهِ لاِنْفِرَادِ كُلٍّ بِإِيجَابٍ .

وَلِلْمَالِكِيَّةِ أَقْوَالٌ: وَافَقُوا فِي بَعْضِهَا الْحَنَفِيَّةَ، وَفِي بَعْضِهَا الْجُمْهُورَ وَانْفَرَدُوا بِتَفْصِيلٍ فِي بَعْضِهَا .

الْقَاعِدَةُ الثَّانِيَةُ: إِذَا اجْتَمَعَ الْمُبَاشِرُ وَالْمُتَسَبِّبُ يُضَافُ الْحُكْمُ إِلَى الْمُبَاشِرِ .

72 - الْمُبَاشِرُ لِلْفِعْلِ: هُوَ الْفَاعِلُ لَهُ بِالذَّاتِ، وَالْمُتَسَبِّبُ هُوَ الْمُفْضِي وَالْمُوَصِّلُ إِلَى وُقُوعِهِ، وَيَتَخَلَّلُ بَيْنَ فِعْلِهِ وَبَيْنَ الأْثَرِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهِ فِعْلُ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ، وَالْمُبَاشِرُ يَحْصُلُ الأْثَرُ بِفِعْلِهِ مِنْ غَيْرِ تَخَلُّلِ فِعْلِ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ.

وَإِنَّمَا قُدِّمَ الْمُبَاشِرُ لأِنَّهُ أَقْرَبُ لإِضَافَةِ الْحُكْمِ إِلَيْهِ مِنَ الْمُتَسَبِّبِ، قَالَ خَلِيلٌ: وَقُدِّمَ عَلَيْهِ الْمُرْدِي فَلَوْ حَفَرَ رَجُلٌ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ الْعَامِّ، بِغَيْرِ إِذْنٍ مِنْ وَلِيِّ الأْمْرِ، فَأَلْقَى شَخْصٌ حَيَوَانَ غَيْرِهِ فِي تِلْكَ الْبِئْرِ، ضَمِنَ الَّذِي أَلْقَى الْحَيَوَانَ، لأِنَّهُ الْعِلَّةُ الْمُؤَثِّرَةُ، دُونَ حَافِرِ الْبِئْرِ، لأِنَّ التَّلَفَ لَمْ يَحْصُلْ بِفِعْلِهِ.

وَلَوْ وَقَعَ الْحَيَوَانُ فِيهِ بِغَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ، ضَمِنَ الْحَافِرُ، لِتَسَبُّبِهِ بِتَعَدِّيهِ بِالْحَفْرِ بِغَيْرِ إِذْنٍ.

وَكَذَلِكَ لَوْ دَلَّ سَارِقًا عَلَى مَتَاعٍ، فَسَرَقَهُ الْمَدْلُولُ، ضَمِنَ السَّارِقُ لاَ الدَّالُّ.

وَلِذَا لَوْ دَفَعَ إِلَى صَبِيٍّ سِكِّينًا، فَوَجَأَ بِهِ نَفْسَهُ، لاَ يَضْمَنُ الدَّافِعُ، لِتَخَلُّلِ فِعْلِ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ. وَلَوْ وَقَعَ السِّكِّينُ عَلَى رِجْلِ الصَّبِيِّ فَجَرَحَهَا ضَمِنَ الدَّافِعُ .

الْقَاعِدَةُ الثَّالِثَةُ: «الاِضْطِرَارُ لاَ يُبْطِلُ حَقَّ الْغَيْرِ» .

73 - تَطَّرِدُ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ سَوَاءٌ أَكَانَ الاِضْطِرَارُ فِطْرِيًّا كَالْجُوعِ، أَمْ غَيْرَ فِطْرِيٍّ كَالإْكْرَاهِ، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ الإْثْمُ، وَعُقُوبَةُ التَّجَاوُزِ، أَمَّا حَقُّ الآْخَرِينَ فَلاَ يَتَأَثَّرُ بِالاِضْطِرَارِ، وَيَبْقَى الْمَالُ مَضْمُونًا بِالْمِثْلِ إِنْ كَانَ مِثْلِيًّا، وَالْقِيمَةِ إِنْ كَانَ قِيَمِيًّا. فَلَوِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ إِلَى أَكْلِ طَعَامِ غَيْرِهِ، جَازَ لَهُ أَكْلُهُ، وَضَمِنَ قِيمَتَهُ، لِعَدَمِ إِذْنِ الْمَالِكِ، وَإِنَّمَا الَّذِي وُجِدَ هُوَ إِذْنُ الشَّرْعِ الَّذِي أَسْقَطَ الْعُقُوبَةَ فَقَطْ .

الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةُ: «الأْمْرُ بِالتَّصَرُّفِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بَاطِلٌ» .

74 - الأْمْرُ: هُوَ طَلَبُ الْفِعْلِ جَزْمًا، فَإِذَا أَمَرَ شَخْصٌ غَيْرَهُ بِأَخْذِ مَالِ شَخْصٍ آخَرَ أَوْ بِإِتْلاَفِهِ عَلَيْهِ فَلاَ عِبْرَةَ بِهَذَا الأْمْرِ، وَيَضْمَنُ الْفَاعِلُ.

وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ مُقَيَّدَةٌ:

بِأَنْ يَكُونَ الْمَأْمُورُ عَاقِلاً بَالِغًا، فَإِذَا كَانَ صَغِيرًا، كَانَ الضَّمَانُ عَلَى الآْمِرِ. وَأَنْ لاَ يَكُونَ الآْمِرُ ذَا وِلاَيَةٍ وَسُلْطَانٍ عَلَى الْمَأْمُورِ.

فَلَوْ كَانَ الآْمِرُ هُوَ السُّلْطَانَ أَوِ الْوَالِدَ، كَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا .

الْقَاعِدَةُ الْخَامِسَةُ: «جِنَايَةُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ».

75 - هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مُقْتَبَسَةٌ مِنْ حَدِيثٍ شَرِيفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالي عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «الْعَجْمَاءُ جُرْحُهَا جُبَارٌ» وَالْعَجْمَاءُ: الْبَهِيمَةُ، لأِنَّ هَا لاَ تُفْصِحُ، وَمَعْنَى جُبَارٌ: أَنَّهُ هَدَرٌ وَبَاطِلٌ.

وَالْمُرَادُ أَنَّهَا إِذَا كَانَتْ مُسَيَّبَةً حَيْثُ تُسَيَّبُ الْحَيَوَانَاتُ، وَلاَ يَدَ عَلَيْهَا، أَمَّا لَوْ كَانَ مَعَهَا رَاكِبٌ فَيَضْمَنُ، فَلَوِ اصْطَادَتْ هِرَّتُهُ طَائِرًا لِغَيْرِهِ لَمْ يَضْمَنْ .

وَفِي الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلٌ وَخِلاَفٌ يَأْتِي فِي ضَمَانِ جِنَايَةِ الْحَيَوَانِ.

الْقَاعِدَةُ السَّادِسَةُ: «الْجَوَازُ الشَّرْعِيُّ يُنَافِي الضَّمَانَ» .

76 - يَعْنِي إِذَا تَرَتَّبَ عَلَى الْفِعْلِ الْجَائِزِ الْمُبَاحِ شَرْعًا، ضَرَرٌ لِلآْخَرِينَ، لاَ يُضْمَنُ الضَّرَرُ. فَلَوْ حَفَرَ حُفْرَةً فِي مِلْكِهِ، أَوْ فِي الطَّرِيقِ، بِإِذْنِ الْحَاكِمِ، فَتَرَدَّى فِيهَا حَيَوَانٌ أَوْ إِنْسَانٌ، لاَ يَضْمَنُ الْحَافِرُ شَيْئًا. وَهَذَا مُقَيَّدٌ بِشَرْطَيْنِ:

1 - أَنْ لاَ يَكُونَ الْمُبَاحُ مُقَيَّدًا بِشَرْطِ السَّلاَمَةِ، فَيَضْمَنُ - مَثَلاً - رَاكِبُ السَّيَّارَةِ وَقَائِدُ الدَّابَّةِ أَوْ رَاكِبُهَا فِي الطَّرِيقِ .

2 - أَنْ لاَ يَكُونَ فِي الْمُبَاحِ إِتْلاَفُ الآْخَرِينَ وَإِلاَّ كَانَ مَضْمُونًا.

فَيَضْمَنُ مَا يُتْلِفُهُ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ لِلْمَخْمَصَةِ، مَعَ أَنَّ أَكْلَهُ لأِجْلِهَا جَائِزٌ، بَلْ وَاجِبٌ .

الْقَاعِدَةُ السَّابِعَةُ: «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ»

77 - الْخَرَاجُ: هُوَ غَلَّةُ الشَّيْءِ وَمَنْفَعَتُهُ، إِذَا كَانَتْ مُنْفَصِلَةً عَنْهُ، غَيْرَ مُتَوَلِّدَةٍ مِنْهُ. كَسُكْنَى الدَّارِ، وَأُجْرَةِ الدَّابَّةِ.

وَالضَّمَانُ: هُوَ التَّعْوِيضُ الْمَالِيُّ عَنِ الضَّرَرِ الْمَادِّيِّ.

وَالْمَعْنَى: أَنَّ مَنَافِعَ الشَّيْءِ يَسْتَحِقُّهَا مَنْ يَلْزَمُهُ ضَمَانُهُ لَوْ هَلَكَ، فَتَكُونُ الْمَنْفَعَةُ فِي مُقَابِلِ تَحَمُّلِ خَسَارَةِ هَلاَكِهِ، فَمَا لَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِهِ لاَ يَسْتَحِقُّ مَنَافِعَهُ وَقَدْ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم عَنْ رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ» .

الْقَاعِدَةُ الثَّامِنَةُ: «الْغُرْمُ بِالْغُنْمِ» .

78 - هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَعْنَاهَا أَنَّ التَّكَلُّفَاتِ وَالْغَرَامَاتِ الَّتِي تَتَرَتَّبُ عَلَى الشَّيْءِ، تَجِبُ عَلَى مَنِ اسْتَفَادَ مِنْهُ وَانْتَفَعَ بِهِ، مِثَالُ ذَلِكَ:

1 - نَفَقَةُ رَدِّ الْعَارِيَّةِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ، لأِنَّهُ هُوَ الَّذِي انْتَفَعَ بِهَا.

2 - وَنَفَقَةُ رَدِّ الْوَدِيعَةِ عَلَى الْمُودِعِ، لأِنَّهُ هُوَ الَّذِي اسْتَفَادَ مِنْ حِفْظِهَا.

3 - وَأُجْرَةِ كِتَابَةِ عَقْدِ الْمِلْكِيَّةِ عَلَى الْمُشْتَرِي، لأِنَّ هَا تَوْثِيقٌ لاِنْتِقَالِ الْمِلْكِيَّةِ إِلَيْهِ، وَهُوَ الْمُسْتَفِيدُ مِنْ ذَلِكَ.

الْقَاعِدَةُ التَّاسِعَةُ: «لاَ يَجُوزُ لأِحَدٍ أَخْذُ مَالِ أَحَدٍ بِلاَ سَبَبٍ شَرْعِيٍّ» .

79 - هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ حَدِيثِ: «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» .

فَيَحْرُمُ أَخْذُ أَمْوَالِ الآْخَرِينَ بِالْبَاطِلِ كَالْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ وَنَحْوِهِمَا.

أَحْكَامُ الضَّمَانِ:

أَحْكَامُ الضَّمَانِ - بِوَجْهٍ عَامٍّ - تُقَسَّمُ إِلَى هَذِهِ الأْقْسَامِ.

1 - ضَمَانُ الدِّمَاءِ (الأْنْفُسِ وَالْجِرَاحِ).

2 - ضَمَانُ الْعُقُودِ.

3 - ضَمَانُ الأْفْعَالِ الضَّارَّةِ بِالأْمْوَالِ ، كَالإْتْلاَفَاتِ، وَالْغُصُوبِ.

وَحَيْثُ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي ضَمَانِ الْعُقُودِ فِي أَنْوَاعِ الضَّمَانِ وَمَحَلِّهِ، فَنَقْصِرُ الْقَوْلَ عَلَى ضَمَانِ الدِّمَاءِ، وَضَمَانِ الأْفْعَالِ الضَّارَّةِ بِالأْمْوَالِ .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثالث والأربعون ، الصفحة / 26

قَبُولُ قَوْلِ الْوَدِيعِ فِي رَدِّ الْوَدِيعَةِ:

21 - إِذَا ادَّعَى الْوَدِيعُ رَدَّ الْوَدِيعَةِ إِلَى رَبِّهَا - وَعَبَّرَ الشَّافِعِيَّةُ بِقَوْلِهِمْ: رَدَّهَا إِلَى مَنِ ائْتَمَنَهُ - فَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَالثَّوْرِيُّ وَإِسْحَاقُ وَابْنُ الْقَاسِمِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ فِي رِوَايَةِ أَصْبَغَ عَنْهُ وَغَيْرُهُمْ إِلَى أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْوَدِيعِ بِيَمِينِهِ .

وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: وَلأِنَّهُ يُصَدَّقُ فِي التَّلَفِ قَطْعًا، فَكَذَا فِي الرَّدِّ . وَقَالَ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ: لأِنَّهُ أَخَذَ الْعَيْنَ لِمَنْفَعَةِ الْمَالِكِ، فَكَانَ الْقَوْلُ فِي الرَّدِّ قَوْلَهُ .

وَوَافَقَهُمْ فِي ذَلِكَ الْمَالِكِيَّةُ فِيمَا إِذَا كَانَ الْوَدِيعُ قَبَضَهَا بِدُونِ بَيِّنَةٍ. أَمَّا إِذَا قَبَضَهَا بِبَيِّنَةٍ قَصَدَ بِهَا التَّوْثِيقَ، فَقَالُوا: لاَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي رَدِّهَا عَلَى مَالِكِهَا إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ . وَقَدْ عَلَّلَ ذَلِكَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الْبَغْدَادِيُّ بِقَوْلِهِ: لأِنَّهُ لَمَّا أَشْهَدَ عَلَيْهِ وَتَوَثَّقَ مِنْهُ، جَعَلَهُ أَمِينًا فِي الْحِفْظِ دُونَ الرَّدِّ، فَإِذَا ادَّعَى رَدَّهَا، فَقَدِ ادَّعَى بَرَاءَتَهُ مِمَّا لَيْسَ بِمُؤْتَمَنٍ فِيهِ، فَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ، وَلأِنَّ هَذَا فَائِدَةُ الإْشْهَادِ عَلَيْهِ، فَإِذَا أَزَلْنَاهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ فَائِدَةٌ .

وَقَدْ وَافَقَ الْمَالِكِيَّةَ فِي هَذَا التَّقْسِيمِ وَالتَّفْصِيلِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يُقَيِّدِ الْبَيِّنَةَ - فِيمَا إِذَا قَبَضَ الْوَدِيعُ الْوَدِيعَةَ بِبَيِّنَةٍ - بِأَنْ يَكُونَ التَّوَثُّقُ مَقْصُودًا بِهَا . قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: وَخَرَّجَهَا ابْنُ عَقِيلٍ عَلَى أَنَّ الإْشْهَادَ عَلَى دَفْعِ الْحُقُوقِ الثَّابِتَةِ بِالْبَيِّنَةِ وَاجِبٌ، فَيَكُونُ تَرْكُهُ تَفْرِيطًا، فَيَجِبُ فِيهِ الضَّمَانُ .

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِذَا ادَّعَى الْوَدِيعُ الرَّدَّ عَلَى غَيْرِ مَنِ ائْتَمَنَهُ كَوَارِثِهِ، أَوِ ادَّعَى وَارِثُ الْوَدِيعِ الرَّدَّ مِنْهُ عَلَى الْمَالِكِ لِلْوَدِيعَةِ، أَوْ أَوْدَعَ الْوَدِيعُ عِنْدَ سَفَرِهِ أَمِينًا لَمْ يُعَيِّنْهُ الْمَالِكُ، فَادَّعَى الأْمِينُ الرَّدَّ عَلَى الْمَالِكِ - طُولِبَ كُلٌّ مِمَّنْ ذُكِرَ بِبَيِّنَةٍ؛ لأِنَّ الأْصْلَ عَدَمُ الرَّدِّ وَلَمْ يَأْتَمِنْهُ.

أَمَّا لَوِ ادَّعَى وَارِثُ الْوَدِيعِ أَنَّ مُوَرِّثَهُ رَدَّهَا عَلَى الْمُودِعِ أَوْ أَنَّهَا تَلِفَتْ فِي يَدِ مُوَرِّثِهِ أَوْ فِي يَدِهِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنَ الرَّدِّ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ فَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ لأِنَّ الأْصْلَ عَدَمُ حُصُولِهَا فِي يَدِ الْوَارِثِ وَعَدَمُ تَعَدِّيهِمَا .

لُزُومُ الرَّدِّ عِنْدَ الطَّلَبِ:

أ - إِذَا كَانَتِ الْوَدِيعَةُ لِوَاحِدٍ:

28 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْوَدِيعِ رَدُّ الْوَدِيعَةِ لِمَالِكِهَا عَلَى الْفَوْرِ إِذَا طَلَبَهَا . فَإِنْ أَخَّرَ رَدَّهَا أَوْ مَنَعَهَا بَعْدَ طَلَبِهَا بِغَيْرِ عُذْرٍ، فَهَلَكَتْ، ضَمِنَهَا، لِكَوْنِهِ مُتَعَدِّيًا بِذَلِكَ، وَهَذَا لأِنَّهُ لَمَّا طَلَبَهَا، لَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِإِمْسَاكِ الْوَدِيعِ بَعْدَ الطَّلَبِ، فَيَضْمَنُهَا بِحَبْسِهَا عَنْهُ، وَلأِنَّهُ صَارَ غَاصِبًا، لِكَوْنِهِ أَمْسَكَ مَالَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ بِفِعْلٍ مُحَرَّمٍ .

أَمَّا إِذَا كَانَ ذَلِكَ لِعُذْرٍ، فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ إِنْ تَلِفَتْ قَبْلَ الرَّدِّ، اسْتِصْحَابًا لِيَدِ الأْمَانَةِ، وَلاِنْتِفَاءِ مُوجِبِ تَضْمِينِهِ، حَيْثُ إِنَّهُ لاَ يُعَدُّ بِذَلِكَ مُتَعَدِّيًا وَلاَ مُفَرِّطًا؛ لأِنَّ اللَّهَ لاَ يُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا. وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ .

أَمَّا الْعُذْرُ الْمُسَوِّغُ لِتَأْخِيرِ رَدِّ الْوَدِيعَةِ أَوْ مَنْعِهِ، فَمِثْلُ كَوْنِهِ بِاللَّيْلِ وَلَمْ يَتَأَتَّ فَتْحُ الْحِرْزِ حِينَئِذٍ، أَوْ كَانَ فِي صَلاَةٍ أَوْ قَضَاءِ حَاجَةٍ أَوْ طَهَارَةٍ أَوْ أَكْلٍ أَوْ حَمَّامٍ أَوْ مُلاَزِمَةِ غَرِيمٍ يَخَافُ هَرَبَهُ، أَوْ يَخْشَى الْمَطَرَ وَالْوَدِيعَةُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَنَحْوُ ذَلِكَ أَوْ عَجَزَ عَنْ حَمْلِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَالتَّأْخِيرُ جَائِزٌ، وَلاَ يُعَدُّ بِذَلِكَ مُتَعَدِّيًا وَلاَ مُمَاطِلاً .

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: الْعُذْرُ قَدْ يَكُونُ حِسِّيًّا، وَقَدْ يَكُونُ مَعْنَوِيًّا. فَأَمَّا الْحِسِّيُّ: فَلِوُجُودِ الْوَدِيعَةِ فِي مَحَلٍّ بَعِيدٍ لاَ يَسْتَطِيعُ الْوُصُولَ إِلَيْهِ حِينَ طَلَبِهَا.

وَأَمَّا الْمَعْنَوِيُّ: فَكَمَا إِذَا خَافَ الْوَدِيعُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ ظَالِمٍ أَنْ يَقْتُلَهُ أَوْ دَائِنٍ أَنْ يَحْبِسَهُ وَهُوَ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى الْوَفَاءِ، أَوْ كَانَتِ امْرَأَةً وَخَافَتْ مِنْ فَاسِقٍ، أَوْ خَافَ عَلَى مَالِهِ بِأَنْ كَانَ مَدْفُونًا مَعَهَا، فَإِذَا ظَهَرَ اغْتَصَبَهُ غَاصِبٌ، أَوْ كَانَ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ ظَالِمًا فَطَلَبَ الْوَدِيعَةَ لِيَظْلِمَ بِهَا، بِأَنْ كَانَتْ سَيْفًا فَعَلِمَ أَوْ شَكَّ أَنَّهُ طَلَبَهُ لِيَقْتُلَ بِهِ رَجُلاً بِغَيْرِ حَقٍّ، أَوْ كَانَتْ كِتَابًا فِيهِ إِقْرَارُ الْمُودِعِ بِمَالِ الْغَيْرِ، أَوْ بِقَبْضِ دَيْنِهِ مِنَ الْغَيْرِ فَلَهُ عِنْدَ وُجُودِ عُذْرٍ مِنْ هَذِهِ الأْعْذَارِ أَنْ يَمْنَعَ الْوَدِيعَةَ مِنْ مَالِكِهَا، وَلاَ يَكُونُ ظَالِمًا بِمَنْعِهَا حِينَئِذٍ، حَتَّى لَوْ هَلَكَتِ الْوَدِيعَةُ بَعْدَ ذَلِكَ الطَّلَبِ لاَ يَضْمَنُهَا .

وَإِذَا أَخَّرَ الْوَدِيعُ رَدَّ الْوَدِيعَةِ لِصَاحِبِهَا بَعْدَ طَلَبِهَا لِلإْشْهَادِ عَلَى الرَّدِّ فَقَدْ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، حَتَّى وَلَوْ كَانَ مَالِكُهَا قَدْ أَشْهَدَ عَلَى تَسْلِيمِهَا إِلَيْهِ، وَذَلِكَ لِقَبُولِ قَوْلِهِ فِي الرَّدِّ إِلَيْهِ عِنْدَ ادِّعَائِهِ دُونَ تَوَقُّفٍ عَلَى بَيِّنَةٍ .

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ قَبَضَهَا بِبَيِّنَةٍ مَقْصُودَةٍ لِلتَّوَثُّقِ، فَإِنَّهُ يُعَدُّ مَعْذُورًا فِي تَأْخِيرِ رَدِّهَا إِلَيْهِ حَتَّى يَشْهَدَ عَلَيْهِ، إِذْ لاَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي رَدِّهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إِلاَّ بِالْبَيِّنَةِ. وَفِيمَا عَدَا ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ تَأْخِيرُهُ لِلإْشْهَادِ عَلَيْهِ؛ لأِنَّهُ مُصَدِّقٌ فِي دَعْوَى رَدِّهَا لِصَاحِبِهَا بِدُونِهِ. فَإِنْ أَخَّرَهُ فَتَلِفَتْ، كَانَ ضَامِنًا؛ لأِنَّهُ مُتَسَبِّبٌ فِي ضَيَاعِهَا .

29 - وَمِمَّا يَتَفَرَّعُ عَلَى الْتِزَامِ الْوَدِيعِ بِرَدِّ الْوَدِيعَةِ إِلَى رَبِّهَا أَنْ يَقُومَ بِرَدِّ الْوَدِيعَةِ بِنَفْسِهِ أَوْ عَلَى يَدِ أَمِينِهِ - كَزَوْجَتِهِ وَخَازِنِهِ وَوَكِيلِهِ وَنَحْوِهِمْ إِلَى الْمُودِعِ - اسْتِبْرَاءً مِنْ تَحَمُّلِ التَّبِعَةِ، وَرِعَايَةً لِلأْمَانَةِ وَأَدَاءً لِحَقِّهَا. وَهُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ .

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ - وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى - إِلَى أَنَّهُ كَمَا يَصِحُّ لِلْوَدِيعِ رَدُّ الْوَدِيعَةِ إِلَى مَالِكِهَا، فَإِنَّهُ يَصِحُّ رَدُّهَا إِلَى مَنْ يَحْفَظُ مَالَهُ عَادَةً لأِنَّ أَيْدِيَهُمْ كَيَدِهِ وَذَلِكَ تَخَلُّصًا مِنْ دَرْكِهَا، وَإِيصَالاً لِلْحَقِّ إِلَى مُسْتَحِقِّهِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي لِلْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ يَلْزَمُ رَدُّهَا إِلَى الْمُودِعِ بِالذَّاتِ .

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: لَوْ طَلَبَ وَكِيلُ الْمُودِعِ الْوَدِيعَةَ يَلْزَمُ الْوَدِيعَ رَدُّهَا إِذَا ثَبَتَتْ وِكَالَةُ الْوَكِيلِ بِالْبَيِّنَةِ .

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنْ أَمَرَهُ بِالدَّفْعِ إِلَى وَكِيلِهِ فَتَمَكَّنَ وَأَبَى ضَمِنَ، وَالأْصَحُّ وَلَوْ لَمْ يَطْلُبْهَا وَكِيلُهُ .

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ - فِي حَالَةِ رَدِّهَا إِلَى غَيْرِ مَالِكِهَا - إِلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَوْثِيقُ رَدِّهَا بِالشَّهَادَةِ، لِيُصَدَّقَ فِي دَعْوَى الرَّدِّ إِذَا أَنْكَرَ الْقَابِضُ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: مَنْ دَفَعَ الْوَدِيعَةَ إِلَى غَيْرِ الْيَدِ الَّتِي دَفَعَتْهَا إِلَيْهِ، فَعَلَيْهِ مَا عَلَى وَلِيِّ الْيَتِيمِ مِنَ الإْشْهَادِ ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ) فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ) . فَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ، فَلاَ يُصَدَّقُ فِي الدَّفْعِ إِذَا أَنْكَرَ الْقَابِضُ، وَلاَ أَحْفَظُ فِي هَذَا الْوَجْهِ نَصَّ خِلاَفٍ، إِلاَّ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِيمَنْ بَعَثَ بِبِضَاعَةٍ إِلَى رَجُلٍ مَعَ رَجُلٍ، أَنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ الإْشْهَادُ فِي دَفْعِهَا إِلَيْهِ، وَهُوَ مُصَدَّقٌ وَإِنْ أَنْكَرَ الْقَابِضُ، دَيْنًا كَانَتْ أَوْ صِلَةً .

وَفِي وُجُوبِ الإْشْهَادِ عَلَى دَفْعِ الْوَدِيعَةِ إِلَى وَكِيلِ الْمَالِكِ وَجْهَانِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْبَغَوِيِّ الْوُجُوبُ، كَمَا لَوْ أَمَرَهُ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ، يَلْزَمُهُ الإْشْهَادُ، وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْغَزَالِيِّ وَابْنِ الرِّفْعَةِ عَدَمُهُ؛ لأِنَّ قَوْلَ الْوَدِيعِ مَقْبُولٌ فِي الرَّدِّ وَالتَّلَفِ، فَلاَ يَقْتَضِي الإْشْهَادَ؛ لأِنَّ الْوَدَائِعَ حَقُّهَا الإْخْفَاءُ، بِخِلاَفِ قَضَاءِ الدِّينِ، وَبِهِ جَزَمَ فِي الأْنْوَارِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلاَمِ النَّوَوِيِّ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ، وَصَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي الْوَكَالَةِ .

وَأَضَافَ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّ لِلْوَدِيعِ تَأْخِيرَ الرَّدِّ لِلإْشْهَادِ عَلَيْهِ إِذَا طَلَبَ مَالِكُهَا رَدَّهَا إِلَى وَكِيلِهِ.

قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ: إِذَا قَالَ لَهُ: رُدَّهَا عَلَى فُلاَنٍ وَكِيلِي، فَطَلَبَ الْوَكِيلُ، فَلَمْ يُرَدَّ، فَهُوَ كَمَا لَوْ طَلَبَ الْمَالِكُ فَلَمْ يُرَدَّ، لَكِنْ لَهُ التَّأْخِيرُ لِيَشْهَدَ عَلَى الْمَدْفُوعِ إِلَيْهِ بِالْقَبْضِ، لأِنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ.

وَإِنْ لَمْ يَطْلُبِ الْوَكِيلُ، فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنَ الرَّدِّ، لَمْ تَصِرْ مَضْمُونَةً، وَإِلاَّ فَوَجْهَانِ، لأِنَّهُ لَمَّا أَمَرَهُ بِالدَّفْعِ إِلَى وَكِيلِهِ عَزَلَهُ، فَيَصِيرُ مَا فِي يَدِهِ كَالأْمَانَةِ الشَّرْعِيَّةِ، مِثْلَ الثَّوْبِ تُطَيِّرُهُ الرِّيحُ إِلَى دَارِهِ، وَفِيهَا وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) تَمْتَدُّ إِلَى الْمُطَالَبَةِ، (وَأَصَحُّهُمَا) تَنْتَهِي بِالتَّمَكُّنِ مِنَ الرَّدِّ .

ب - رَدُّ الْوَدِيعَةِ الْمُشْتَرَكَةِ:

30 - إِذَا كَانَتِ الْوَدِيعَةُ مَشَاعًا لِشَخْصَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ، كَمَا إِذَا أَوْدَعَ رَجُلاَنِ مَالَهُمَا الْمُشْتَرَكَ عِنْدَ شَخْصٍ، ثُمَّ طَلَبَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ فِي غِيَابِ الآْخَرِ حِصَّتَهُ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي لُزُومِ رَدِّ نَصِيبِهِ إِلَيْهِ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْوَالٍ:

(أَحَدُهَا) لأِبِي حَنِيفَةَ: وَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَدِيعِ أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ نَصِيبَهُ حَتَّى يَحْضُرَ الآْخَرَ؛ لأِنَّ الْوَدِيعَ غَيْرُ مَالِكٍ لِلْمَالِ الْمُشْتَرَكِ، فَيَكُونُ إِعْطَاؤُهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ تَعَدِّيًا عَلَى مِلْكِ الْغَيْرِ، حَيْثُ أَنَّهُ لاَ يَمْلِكُ الْقِسْمَةَ بَيْنَهُمَا .

وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّ الْوَدِيعَ لَوْ دَفَعَ شَيْئًا إِلَى الشَّرِيكِ الْحَاضِرِ، فَلاَ يَخْلُو: إِمَّا أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ مِنَ النَّصِيبَيْنِ جَمِيعًا، وَإِمَّا أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ مِنْ نَصِيبِهِ خَاصَّةً، وَلاَ وَجْهَ إِلَى الأْوَّلِ؛ لأِنَّ دَفْعَ نَصِيبِ الْغَائِبِ إِلَيْهِ مُمْتَنِعٌ شَرْعًا، وَلاَ سَبِيلَ إِلَى الثَّانِي؛ لأِنَّ نَصِيبَهُ شَائِعٌ فِي الْكُلِّ، إِذِ الْوَدِيعَةُ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا، وَلاَ تَتَمَيَّزُ إِلاَّ بِالْقِسْمَةِ، وَالْقِسْمَةُ عَلَى الْغَائِبِ غَيْرُ جَائِزَةٍ .

(الثَّانِي) لِلشَّافِعِيَّةِ وَالْقَاضِي مِنَ الْحَنَابِلَةِ: وَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَدِيعِ قِسْمَةُ الْوَدِيعَةِ وَإِعْطَاؤُهُ حِصَّتَهُ، وَلاَ تَسْلِيمُ الْجَمِيعِ، بَلْ يَرْفَعُ الأْمْرَ إِلَى الْحَاكِمِ لِيُقَسِّمَهَا وَيَدْفَعَ إِلَيْهِ نَصِيبَهُ لاِتِّفَاقِهِمَا عَلَى الإْيدَاعِ فَكَذَا فِي الاِسْتِرْدَادِ .

(الثَّالِثُ) لِلْحَنَابِلَةِ وَالصَّاحِبَيْنِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَعَلَيْهِ جَرَتْ مَجَلَّةُ الأْحْكَامِ الْعَدْلِيَّةِ: وَهُوَ التَّفْرِيقُ بَيْنَ مَا إِذَا كَانَتِ الْوَدِيعَةُ مِنَ الْمِثْلِيَّاتِ وَبَيْنَ مَا إِذَا كَانَتْ مِنَ الْقِيمِيَّاتِ .

فَإِنْ كَانَتْ مِنَ الْمِثْلِيَّاتِ الَّتِي لاَ تَنْقُصُ بِالْقِسْمَةِ، فَطَلَبَ الْحَاضِرُ نَصِيبَهُ مِنْهَا، فَيُؤْمَرُ الْوَدِيعُ بِالدَّفْعِ إِلَيْهِ، فَإِنِ امْتَنَعَ مِنْ دَفْعِ حِصَّتِهِ يَكُونُ ضَامِنًا لَهَا.

قَالَ الْحَنَابِلَةُ: لأِنَّهُ حَقٌّ مُشْتَرَكٌ يُمْكِنُ فِيهِ تَمْيِيزُ نَصِيبِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ نَصِيبِ الآْخَرِ بِغَيْرِ غَبْنٍ وَلاَ ضَرَرٍ، فَإِذَا طَلَبَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ لَزِمَ دَفْعُهُ إِلَيْهِ كَمَا لَوْ كَانَ مُتَمَيِّزًا .

وَقَالَ الصَّاحِبَانِ: لأِنَّ لِكُلٍّ مِنَ الْمُتَشَارِكَيْنِ أَنْ يَأْخُذَ حِصَّتَهُ فِي الْمِثْلِيَّاتِ الْمُشْتَرَكَةِ فِي غِيَابِ الآْخَرِ وَبِدُونِ إِذْنِهِ، كَمَا إِذَا كَانَ لِرَجُلَيْنِ دَيْنٌ مُشْتَرَكٌ عَلَى رَجُلٍ، فَجَاءَ أَحَدُهُمَا وَطَلَبَ حِصَّتَهُ مِنَ الدَّيْنِ، فَإِنَّهُ يَدْفَعُ إِلَيْهِ حِصَّتَهُ .

وَإِنْ كَانَتْ مِنَ الْقِيمِيَّاتِ، فَلَيْسَ لِلْوَدِيعِ أَنْ يُعْطِيَ الْحَاضِرَ حِصَّتَهُ، فَإِنْ فَعَلَ وَهَلَكَتْ ضَمِنَهَا.

لأِنَّ قِسْمَةَ غَيْرِ الْمِثْلِيِّ بَيْعٌ، وَلَيْسَ لِلْوَدِيعِ أَنْ يَبِيعَ عَلَى الْمُودِعِ، لأِنَّ قِسْمَةَ ذَلِكَ لاَ يُؤْمَنُ فِيهَا الْحَيْفُ، لأِنَّهُ يَفْتَقِرُ إِلَى التَّقْوِيمِ، وَذَلِكَ ظَنٌّ وَتَخْمِينٌ .

وَلأِنَّ الإْفْرَازَ غَالِبٌ فِي الْمِثْلِيِّ، وَالْمُبَادَلَةَ غَالِبَةٌ فِي الْقِيمِيِّ، وَبِمَا أَنَّ الْوَدِيعَ لَيْسَ مَأْذُونًا بِالْمُبَادَلَةِ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ الْقِيمِيَّ .

كَيْفِيَّةُ رَدِّ الْوَدِيعَةِ وَمُؤْنَتُهُ

31 - ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّ رَدَّ الْوَدِيعَةِ يَحْصُلُ بِرَفْعِ الْيَدِ وَالتَّخْلِيَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَالِكِ، عَلَى وَجْهٍ يَجْعَلُهُ مُتَمَكِّنًا مِنْ رَقَبَتِهَا دُونَ مَانِعٍ، كَمَا إِذَا وَضَعَهَا أَمَامَهُ، وَقَالَ لَهُ اقْبِضْهَا. وَلاَ يَلْزَمُ الْوَدِيعَ نَقَلُهَا إِلَى دَارِ الْمُودِعِ أَوْ دُكَّانِهِ أَوْ إِلَى أَيِّ مَكَانٍ آخَرَ إِذَا طَلَبَ ذَلِكَ مِنْهُ الْمُودِعُ، سَوَاءٌ قَلَّتِ الْمُؤْنَةُ أَوْ كَثُرَتْ، لأِنَّ الْوَدِيعَ إِنَّمَا قَبَضَ الْعَيْنَ لِمَنْفَعَةِ مَالِكِهَا عَلَى الْخُصُوصِ، فَلَمْ تَلْزَمْهُ الْغَرَامَةُ عَلَيْهَا، كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ عَلَى حِفْظِهَا فِي مِلْكِ صَاحِبِهَا، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ التَّمْكِينُ مِنْ أَخْذِهَا.

وَعَلَى ذَلِكَ، فَإِذَا امْتَنَعَ الْوَدِيعُ عَنْ نَقْلِهَا إِلَيْهِ، وَهَلَكَتْ بَعْدَهُ بِيَدِهِ، لاَ يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ، لأِنَّ مُؤْنَةَ الرَّدِّ عَلَى الْمَالِكِ، وَلَيْسَ عَلَى الْوَدِيعِ شَيْءٌ غَيْرَ التَّخْلِيَةِ وَالتَّمْكِينِ .

مَكَانُ رَدِّ الْوَدِيعَةِ

32 - مَكَانُ رَدِّ الْوَدِيعَةِ هُوَ الْمَكَانُ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الإْيدَاعُ، سَوَاءٌ قَلَّتْ مُؤْنَةُ حَمْلِ الْوَدِيعَةِ أَوْ كَثُرَتْ، لأِنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْوَدِيعِ بَعْدَ الطَّلَبِ أَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَ الْوَدِيعَةِ وَمَالِكِهَا، لاَ الْحَمْلُ وَالرَّدُّ.

وَلاَ يُجْبَرُ الْوَدِيعُ عَلَى تَسْلِيمِ الْوَدِيعَةِ فِي مَكَانٍ آخَرَ، وَعَلَى ذَلِكَ نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ .

مَوْتُ الْوَدِيعِ قَبْلَ رَدِّ الْوَدِيعَةِ:

33 - إِذَا مَاتَ الْوَدِيعُ قَبْلَ رَدِّ الْوَدِيعَةِ، وَانْتَقَلَتْ إِلَى يَدِ وَارِثِهِ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهَا لِمَالِكِهَا مَعَ الْعِلْمِ بِهِ وَالتَّمْكِينِ مِنْهُ، لِزَوَالِ الاِئْتِمَانِ .

إِذَا وُجِدَ فِي تَرِكَةِ مُتَوَفٍّ صُنْدُوقٌ أَوْ كِتَابٌ أَوْ كِيسٌ فِيهِ نَقُودٌ، كُتِبَ عَلَيْهِ بِخَطِّ الْمُتَوَفَّى أَنَّهُ وَدِيعَةٌ لِفُلاَنٍ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا يَلْزَمُ الْوَارِثَ فِعْلُهُ عَلَى قَوْلَيْنِ:

(أَحَدُهُمَا) لِلْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: وَهُوَ أَنَّ عَلَى الْوَارِثِ أَنْ يَعْمَلَ وُجُوبًا بِخَطِّ مُوَرِّثِهِ أَنَّ هَذَا الشَّيْءَ وَدِيعَةٌ لِفُلاَنٍ، وَلاَ يَحْتَاجُ إِلَى إِثْبَاتٍ بِوَجْهٍ آخَرَ .

(وَالثَّانِي) لِلشَّافِعِيَّةِ وَابْنِ قُدَامَةَ مِنَ الْحَنَابِلَةِ:

وَهُوَ أَنَّهُ لاَ يَلْزَمُ الْوَرَثَةَ التَّسْلِيمُ بِذَلِكَ، لاِحْتِمَالِ أَنَّهُ كَتَبَهُ نَاسِيًا وَإِمْكَانِ وُقُوعِ التَّزْوِيرِ بِالْخَطِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ . وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْوَارِثَ التَّسْلِيمُ بِإِقْرَارِهِ أَوْ إِقْرَارِ الْمُوَرِّثِ أَوْ وَصِيَّتِهِ أَوْ بِبَيِّنَةٍ . قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَلاَ تَثْبُتُ الْوَدِيعَةُ إِلاَّ بِإِقْرَارٍ مِنَ الْمَيِّتِ أَوْ وَرَثَتِهِ أَوْ بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ بِهَا، وَإِنْ وُجِدَ عَلَيْهَا مَكْتُوبًا وَدِيعَةٌ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً عَلَيْهِمْ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الظَّرْفُ كَانَتْ فِيهِ وَدِيعَةٌ قَبْلَ هَذَا، أَوْ كَانَ وَدِيعَةً لِمُوَرِّثِهِمْ عِنْدَ غَيْرِهِ، أَوْ كَانَتْ وَدِيعَةً فَابْتَاعَهَا، وَكَذَا لَوْ وَجَدَ فِي رَزْمَانِجِ أَبِيهِ أَنَّ لِفُلاَنٍ عِنْدِي وَدِيعَةً، لَمْ يَلْزَمْهُ بِذَلِكَ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ قَدْ رَدَّهَا وَنَسِيَ الضَّرْبَ عَلَى مَا كَتَبَ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ .

إِنْفَاقُ الْوَدِيعَةِ:

53 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ إِنْفَاقَ الْوَدِيعِ لِلْوَدِيعَةِ يَسْتَوْجِبُ ضَمَانَهَا، بِاعْتِبَارِهِ تَعَدَّى عَلَيْهَا، وَفَوَّتَ عَيْنَهَا وَأَتْلَفَهَا حُكْمًا عَلَى صَاحِبِهَا لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ وَنَفْعِ ذَاتِهِ. وَعَلَى ذَلِكَ نَصَّتِ الْمَادَّةُ (787) مِنْ مَجَلَّةِ الأْحْكَامِ الْعَدْلِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ إِذَا صَرَفَ الْمُسْتَوْدَعُ نُقُودَ الْوَدِيعَةِ فِي أُمُورِ نَفْسِهِ أَوِ اسْتَهْلَكَهَا ضَمِنَهَا.

أَمَّا لَوْ أَنْفَقَ الْوَدِيعَةَ لِنَفْعٍ يَتَعَلَّقُ بِمَالِكِهَا، كَمَا إِذَا كَانَ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ غَائِبًا، فَفَرَضَ الْحَاكِمُ مِنَ النُّقُودِ الْمُودَعَةِ عِنْدَهُ أَوْ مِنَ الطَّعَامِ وَالْكُسْوَةِ الْمُودَعِ لَدَيْهِ نَفَقَةً لِزَوْجَتِهِ أَوْ لِمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ مِنْ قَرَابَتِهِ، فَصَرَفَ الْوَدِيعُ تِلْكَ النَّفَقَةَ الْمَفْرُوضَةَ مِنَ الْوَدِيعَةِ إِلَيْهِمْ فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ لاَ يَلْزَمُهُ ضَمَانُهَا. بِخِلاَفِ مَا إِذَا صَرَفَهَا لَهُمْ بِدُونِ إِذْنِ الْحَاكِمِ، حَيْثُ يَكُونُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ، لأِنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مَالِ الْغَيْرِ بِلاَ وَلاَيَةٍ وَلاَ نِيَابَةٍ عَنْهُ، إِذِ الْمُسْتَوْدَعُ نَائِبٌ عَنِ الْمُودَعِ فِي الْحِفْظِ، وَلَيْسَ نَائِبًا فِي شَيْءٍ آخَرَ .

وَإِذَا أَنْفَقَ الْوَدِيعَةَ، ثُمَّ رَدَّ مِثْلَهَا فِي مَكَانِهَا، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَضْمِينِهِ:

فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنْ رَدَّهَا بِعَيْنِهَا لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ رَدَّ مِثْلَهَا ضَمِنَ.

وَقَالَ مَالِكٌ: يَسْقُطُ عَنْهُ الضَّمَانُ: لأِنَّ الضَّمَانَ يَلْزَمُهُ بِالإْنْفَاقِ ، فَإِذَا أَزَالَ ذَلِكَ بِالرَّدِّ، وَجَبَ أَنْ يَزُولَ الضَّمَانُ، لِزَوَالِ سَبَبِهِ الْمُوجِبِ لَهُ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَضْمَنُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا .

54 - وَلَوْ أَخْرَجَ دَرَاهِمَ الْوَدِيعَةِ لِيُنْفِقَهَا، ثُمَّ رَدَّهَا إِلَى مَكَانِهَا، فَلَمْ يُنْفِقْهَا، فَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: يَكُونُ ضَامِنًا لَهَا، لأِنَّ الإْخْرَاجَ عَلَى هَذَا الْقَصْدِ خِيَانَةٌ وَعُدْوَانٌ، فَتَبْطُلُ الْوَدِيعَةُ، وَيَضْمَنُ لِتَصَرُّفِهِ فِي مَالِ غَيْرِهِ بِدُونِ إِذْنِهِ. وَإِذَا ارْتَفَعَ الاِسْتِئْمَانُ، وَثَبَتَ الضَّمَانُ، فَلاَ يَزُولُ عَنْهُ إِلاَّ بِاسْتِئْمَانٍ ثَانٍ.

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَمَالِكٌ: يَسْقُطُ عَنْهُ الضَّمَانُ بِالرَّدِّ، لأِنَّهُ وَإِنْ صَارَ ضَامِنًا بِالإِْخْرَاجِ، فَقَدْ عَادَ إِلَى الْوِفَاقِ بِرَدِّ الْوَدِيعَةِ إِلَى مَوْضِعِهَا، فَبَرِئَ عَنِ الضَّمَانِ .

وَلَوْ كَانَتِ الْوَدِيعَةُ نُقُودًا أَوْ شَيْئًا مِنَ الْمِثْلِيَّاتِ الَّتِي لاَ يَضُرُّهَا التَّبْعِيضُ، فَأَنْفَقَ الْوَدِيعُ بَعْضَهَا، ثُمَّ هَلَكَ الْبَاقِي، فَقَدْ نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ يَضْمَنُ قَدْرَ مَا أَنْفَقَ، اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ، وَلاَ يَضْمَنُ الْبَاقِيَ، لأِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ إِلاَّ إِتْلاَفُ قَدْرِ مَا أَنْفَقَ، وَالضَّمَانُ إِنَّمَا يَجِبُ بِقَدْرِ الْخِيَانَةِ، وَقَدْ خَانَ فِي الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ، وَلأِنَّهُ فِي الْبَاقِي حَافِظٌ لِلْمِلْكِ، وَبِمَا أَنْفَقَ لَمْ يَتَعَيَّبِ الْبَاقِي، فَهُوَ كَمَا لَوْ أَوْدَعَهُ وَدِيعَتَيْنِ، فَأَنْفَقَ إِحْدَاهُمَا، لاَ يَكُونُ ضَامِنًا لِلأْخْرَى .

فَإِنْ رَدَّ مِثْلَ مَا أَنْفَقَ إِلَى مَكَانِهَا، فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: يَضْمَنُ الْكُلَّ - إِذَا خَلَطَهُ بِالْبَاقِي خَلْطًا لاَ يَتَمَيَّزُ - لِوُجُودِ إِتْلاَفِ الْكُلِّ مِنْهُ: الْبَعْضُ بِالإْنْفَاقِ، وَالْبَاقِي بِالْخَلْطِ، لِكَوْنِ الْخَلْطِ إِتْلاَفًا.

أَمَّا إِذَا تَمَيَّزَ الْمَخْلُوطُ مِنْ مَالِ الْوَدِيعَةِ، ثُمَّ هَلَكَ الْمَالاَنِ، فَإِنَّهُ لاَ يَضْمَنُ الْقَدْرَ الَّذِي لَمْ يُنْفِقْهُ، لأِنَّهُ بَاقٍ بِحَالِهِ كَمَا كَانَ، وَيَضْمَنُ الْمِقْدَارَ الَّذِي طَرَحَهُ عَلَيْهَا وَحْدَهُ، لأِنَّ الضَّمَانَ تَعَلَّقَ بِالأْخْذِ، فَلَمْ يَضْمَنْ غَيْرَ مَا أَخَذَهُ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ تَلِفَ فِي يَدِهِ قَبْلَ رَدِّهِ، فَلاَ يَضْمَنُ غَيْرَهُ .

وَقَالَ مَالِكٌ: إِذَا أَنْفَقَ بَعْضَ الْوَدِيعَةِ، ثُمَّ رَدَّ مِثْلَ مَا أَنْفَقَ فِي مَكَانِهَا، فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ إِنْ تَلِفَتْ .

وَلَوْ أَخَذَ بَعْضَ دَرَاهِمِ الْوَدِيعَةِ لِيُنْفِقَهَا، فَلَمْ يُنْفِقْهَا، ثُمَّ رَدَّهَا إِلَى مَوْضِعِهَا، فَتَلِفَتْ، فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَمَالِكٌ: لاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ. لأِنَّهُ وَإِنْ صَارَ ضَامِنًا بِالأْخْذِ، فَقَدْ عَادَ إِلَى الْوِفَاقِ بِرَدِّ مَا أَخَذَهُ إِلَى مَكَانِهِ، فَبَرِئَ عَنِ الضَّمَانِ، وَلأِنَّ نَفْسَ الأْخْذِ لَيْسَ بِإِتْلاَفٍ، وَنِيَّةَ الإْتْلاَفِ لَيْسَتْ بِإِتْلاَفٍ فَلاَ تُوجِبُ الضَّمَانَ، كَمَا لَوْ نَوَى أَنْ يَغْصِبَ مَالَ إِنْسَانٍ. وَالأْصْلُ فِيهِ مَا وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لأِمَّتِي عَمَّا وَسْوَسَتْ - أَوْ حَدَّثَتْ - بِهِ أَنْفُسَهَا، مَا لَمْ يَعْمَلْ بِهِ أَوْ يَتَكَلَّمْ بِهِ» .

وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مَا حَدَّثَتْ بِهِ النَّفْسُ عَفْوًا عَلَى الْعُمُومِ إِلاَّ مَا خُصَّ بِدَلِيلٍ .

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: يَضْمَنُ مَا أَخَذَهُ وَحْدَهُ، وَلاَ يَرْتَفِعُ ضَمَانُهُ بِالرَّدِّ إِلَى مَكَانِهَا، لأِنَّهُ أَخَذَهُ عَلَى وَجْهِ التَّعَدِّي، فَيَتَعَلَّقُ الضَّمَانُ بِذِمَّتِهِ بِالأْخْذِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ تَلِفَ فِي يَدِهِ قَبْلَ رَدِّهِ ضَمِنَهُ، فَلاَ يَزُولُ إِلاَّ بِرَدِّهِ إِلَى صَاحِبِهِ كَالْمَغْصُوبِ .

 

التَّصَرُّفُ فِي الْوَدِيعَةِ:

55 - الْمُرَادُ بِالتَّصَرُّفِ فِي الْوَدِيعَةِ هُنَا كُلُّ ارْتِبَاطٍ عَقْدِيٍّ يُنْشِئُهُ الْوَدِيعُ، وَيَكُونُ مَحَلُّهُ الْوَدِيعَةَ، مِثْلَ بَيْعِهَا وَإِجَارَتِهَا وَإِعَارَتِهَا وَإِيدَاعِهَا وَرَهْنِهَا وَإِقْرَاضِهَا وَنَحْوَ ذَلِكَ.

وَهَذَا الاِرْتِبَاطُ إِمَّا أَنْ يُجْرِيَهُ الْمُسْتَوْدَعُ بِإِذْنِ الْمُودِعِ، وَبِذَلِكَ يَقَعُ تَصَرُّفُهُ صَحِيحًا مَشْرُوعًا بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ عَنِ الْمَالِكِ، وَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهِ، لأِنَّ أَمْرَ الإْنْسَانِ غَيْرَهُ بِالتَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ صَحِيحٌ مُعْتَبَرٌ شَرْعًا .

وَإِمَّا أَنْ يُجْرِيَهُ الْوَدِيعُ بِغَيْرِ إِذْنِ الْمُودِعِ فَيَكُونَ ضَامِنًا، وَعَلَى ذَلِكَ نَصَّتِ الْمَادَّةُ (792) مِنَ الْمَجَلَّةِ الْعَدْلِيَّةِ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ لَوْ آجَرَهَا أَوْ أَعَارَهَا لآِخَرَ أَوْ رَهَنَهَا، بِدُونِ إِذْنِ صَاحِبِهَا، فَهَلَكَتْ، أَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ أَوِ الْمُسْتَعِيرِ أَوِ الْمُرْتَهِنِ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ.

وَقَدْ جَعَلَ الْحَنَفِيَّةُ لِمَالِكِ الْوَدِيعَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الْخِيَارَ فِي تَضْمِينِ الْوَدِيعِ أَوْ فِي تَضْمِينِ الْمُسْتَأْجِرِ أَوِ الْمُسْتَعِيرِ أَوِ الْمُرْتَهِنِ .

وَعَلَّلُوا عَدَمَ جَوَازِ تَأْجِيرِهَا مِنْ قِبَلِ الْوَدِيعِ لآِخَرَ، بِأَنَّ الإْجَارَةَ عَقْدٌ لاَزِمٌ، وَالإْيدَاعَ عَقْدٌ غَيْرُ لاَزِمٍ، فَلَوْ جَازَ لِلْوَدِيعِ تَأْجِيرُهَا لَصَارَتِ الإْجَارَةُ غَيْرَ لاَزِمَةٍ مَعَ أَنَّهَا لاَزِمَةٌ.

وَقَالُوا: لَيْسَ لَهُ أَنْ يُعِيرَهَا أَيْضًا، لأِنَّ الْوَدِيعَ غَيْرُ مَالِكٍ لِمَنَافِعِ الْوَدِيعَةِ، وَلَمَّا كَانَتِ الإْعَارَةُ تَمْلِيكًا لِلْمَنَافِعِ، فَلَيْسَ مِنَ الْمُمْكِنِ أَنْ يَمْلِكَ الْمَرْءُ شَيْئًا لاَ يَمْلِكُهُ. وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْهَنَهَا عِنْدَ آخَرَ، لأِنَّ الرَّهْنَ إِيفَاءٌ حُكْمًا، وَلَيْسَ لِشَخْصٍ أَنْ يَفِيَ دَيْنَهُ بِمَالِ الْغَيْرِ بِلاَ أَمْرِ صَاحِبِهِ، بِالإْضَافَةِ إِلَى أَنَّ الرَّهْنَ عَقْدٌ لاَزِمٌ مِنْ جِهَةِ الرَّاهِنِ، وَالْوَدِيعَةُ لَيْسَتْ عَقْدًا لاَزِمًا. كَذَلِكَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ الْوَدِيعَةَ أَوْ يَهَبَهَا لآِخَرَ بِلاَ إِذْنٍ وَيُسَلِّمَهَا إِلَيْهِ، لأِنَّ بَيْعَهُ وَهِبَتَهُ لاَ تَنْفُذَانِ بِدُونِ رِضَا مَالِكِهَا .

56 - وَلَوْ آجَرَ الْوَدِيعُ الْوَدِيعَةَ تَعَدِّيًا، فَهَلْ يَسْتَحِقُّ أُجْرَتَهَا، أَمْ أَنَّهَا تَكُونُ لِمَالِكِهَا؟

لِلْفُقَهَاءِ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلاَنِ:

الأْوَّلُ: لِلْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ أَنَّ الأْجْرَةَ تَكُونُ لِلْوَدِيعِ بِمُقَابَلَةِ ضَمَانِ الْوَدِيعَةِ، كَمَا يَسْتَحِقُّ الْغَاصِبُ مَنَافِعَ الْمَغْصُوبِ بِمُقَابَلَةِ ضَمَانِهِ . قَالَ السَّرَخْسِيُّ: وَلَوْ أَكْرَى - أَيِ الْوَدِيعُ - الإْبِلَ إِلَى مَكَّةَ، وَأَخَذَ الْكِرَاءَ، كَانَ الْكِرَاءُ لَهُ، لأِنَّهُ وَجَبَ بِعَقْدِهِ، وَلَيْسَتِ الْغَلَّةُ كَالْوَلَدِ وَلاَ الصُّوفِ وَاللَّبَنِ، فَإِنَّ ذَاكَ يَتَوَلَّدُ مِنَ الأْصْلِ، فَيَمْلِكُ بِمِلْكِ الأْصْلِ، وَهَذَا غَيْرُ مُتَوَلِّدٍ مِنَ الأْصْلِ، بَلْ هُوَ وَاجِبٌ بِالْعَقْدِ، فَيَكُونُ لِلْعَاقِدِ . وَالثَّانِي: لِلْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ أَنَّ صَاحِبَ الْوَدِيعَةِ إِنْ لَمْ تَتْلَفِ الْوَدِيعَةُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا وَيَأْخُذَ أُجْرَتَهَا، وَبَيْنَ أَنْ يَتْرُكَهَا لِلْوَدِيعِ، وَيُضَمِّنَهُ قِيمَتَهَا، وَلاَ شَيْءَ لَهُ مِنْ أُجْرَتِهَا. فَجَاءَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إِنِ اسْتَوْدَعَنِي إِبِلاً، فَأَكْرَيْتُهَا إِلَى مَكَّةَ، أَيَكُونُ لِرَبِّهَا مِنَ الْكِرَاءِ شَيْءٌ أَمْ لاَ؟

قَالَ: كُلُّ مَا كَانَ أَصْلُهُ أَمَانَةً، فَأَكْرَاهُ، فَرَبُّهُ مُخَيَّرٌ إِنْ سُلِّمَتِ الإْبِلُ وَرَجَعَتْ بِحَالِهَا فِي أَنْ يَأْخُذَ كِرَاءَهَا، وَيَأْخُذَ الإْبِلَ، وَفِي أَنْ يَتْرُكَهَا لَهُ، وَيُضَمِّنَهُ قِيمَتَهَا، وَلاَ شَيْءَ لَهُ مِنَ الْكِرَاءِ إِذَا كَانَ قَدْ حَبَسَهَا عَنْ أَسْوَاقِهَا وَمَنَافِعُهُ بِهَا، وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ أَعَارَهُ رَجُلٌ دَابَّةً أَوْ أَكْرَاهُ دَابَّةً إِلَى مَوْضِعٍ مِنَ الْمَوَاضِعِ فَتَعَدَّى عَلَيْهَا، لأِنَّ أَصْلَ هَذَا كُلِّهِ لَمْ يَضْمَنْ إِلاَّ بِتَعَدِّيهِ فِيهِ .

57 - وَلَوْ بَاعَهَا الْوَدِيعُ بِدُونِ إِذْنِ مَالِكِهَا، فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: يَكُونُ فُضُولِيًّا بِبَيْعِهِ، وَيَتَوَقَّفُ بَيْعُهُ عَلَى إِجَازَةِ صَاحِبِهَا، فَإِنْ أَجَازَهُ نَفَّذَ، وَإِنْ رَدَّهُ بَطَلَ . وَقَدْ جَاءَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: الْمُودِعُ إِذَا بَاعَ الْوَدِيعَةَ وَسَلَّمَهَا إِلَى الْمُشْتَرِي، وَضَمِنَ الْمَالِكُ الْمُودِعَ، نَفَذَ بَيْعُهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ .

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِذَا بَاعَ الْوَدِيعُ الْوَدِيعَةَ، وَهِيَ عَرْضٌ، فَرَبُّهَا مُخَيَّرٌ فِي أَخْذِ الثَّمَنِ الَّذِي بَاعَهَا بِهِ أَوْ فِي أَخْذِ الْقِيمَةِ يَوْمَ التَّعَدِّي، هَذَا إِذَا فَاتَتِ السِّلْعَةُ، أَمَّا إِذَا كَانَتْ قَائِمَةً، فَإِنَّهُ يُخَيَّرُ فِي أَخْذِهَا، أَوِ الثَّمَنِ الَّذِي بِيعَتْ بِهِ . قَالَ الْعَدَوِيُّ: وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ عِنْدَ الْفَوَاتِ يَجِبُ لَهُ الأْكْثَرُ مِنَ الثَّمَنِ أَوِ الْقِيمَةِ. وَمَحَلُّ تَخْيِيرِ صَاحِبِ الْوَدِيعَةِ فِي الإْجَازَةِ وَالرَّدِّ: مَا لَمْ يَحْضُرْ عَقْدَ الْبَيْعِ أَوْ يَبْلُغْهُ الْبَيْعُ، وَيَسْكُتُ مُدَّةً، بِحَيْثُ يُعَدُّ رَاضِيًا، وَإِلاَّ لَزِمَهُ الْبَيْعُ، وَأَخْذُ مَا بِيعَتْ بِهِ قَلِيلاً أَوْ كَثِيرًا .

وَأَمَّا إِذَا اشْتَرَى الْوَدِيعُ شَيْئًا بِالْوَدِيعَةِ، فَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الإْشْرَافِ: إِذَا تَعَدَّى الرَّجُلُ فِي وَدِيعَةٍ كَانَتْ عِنْدَهُ، فَاشْتَرَى مِنْ عَيْنِ الْمَالِ سِلْعَةً بِمِائَةِ دِينَارٍ، وَقَالَ لِلْبَائِعِ: قَدِ اشْتَرَيْتُ هَذِهِ السِّلْعَةَ بِهَذِهِ الْمِائَةِ دِينَارٍ، فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ لأِنَّهُ اشْتَرَى شَيْئًا بِمَالٍ لاَ يَمْلِكُهُ، فَإِنْ بَاعَ تِلْكَ السِّلْعَةَ بِمِائَتَيْ دِينَارٍ وَرَبِحَ فِيهَا مِئَةً، فَإِنَّ بَيْعَهُ بَاطِلٌ، لأِنَّهُ بَاعَ مَا لاَ يَمْلِكُهُ.

وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرَى لَيْسَ بِعَيْنِ الْمَالِ، بِأَنْ كَانَ يَشْتَرِي السِّلَعَ، ثُمَّ يَزِنُ مِنْ مَالِ الْوَدِيعَةِ، فَالشِّرَاءُ ثَابِتٌ، وَالْمَالُ - أَيِ الثَّمَنُ - فِي ذِمَّتِهِ، وَهُوَ مَالِكٌ لِلسِّلَعِ بِعَقْدِ الشِّرَاءِ، وَمَا كَانَ مِنْ رِبْحٍ فِيهَا فَلَهُ، وَمَا كَانَ مِنْ نُقْصَانٍ فَعَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ مِثْلُ الدَّنَانِيرِ الَّتِي أَتْلَفَ لِصَاحِبِهَا .

58 - وَإِذَا كَانَتِ الْوَدِيعَةُ مِنَ النُّقُودِ أَوِ الْمِثْلِيَّاتِ الأْخْرَى ، فَأَقْرَضَهَا الْوَدِيعُ تَعَدِّيًا، وَلَمْ يُجِزْ مَالِكُهَا ذَلِكَ، فَإِنَّهَا تَكُونُ مَضْمُونَةً عَلَى الْوَدِيعِ. نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ . وَبِنَاءً عَلَيْهِ جَاءَ فِي الْمَادَّةِ (793) مِنَ الْمَجَلَّةِ الْعَدْلِيَّةِ: وَإِذَا أَقْرَضَ الْمُسْتَوْدَعُ دَرَاهِمَ الْوَدِيعَةِ لآِخَرَ بِلاَ إِذْنٍ، وَلَمْ يُجِزْ صَاحِبُهَا، ضَمِنَهَا الْمُسْتَوْدَعُ.

وَلَوْ كَانَ عَلَى الْمُودِعِ دَيْنٌ، فَقَضَى الْوَدِيعُ دَيْنَهُ مِنْ مَالِ الْوَدِيعَةِ، فَقَدْ نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يَضْمَنُ مَا أَدَّاهُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَوْ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْوَدِيعَةِ .

وَذَهَبَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ لاَ ضَمَانَ عَلَى الْوَدِيعِ بِذَلِكَ .

جُحُودُ الْوَدِيعَةِ:

59 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ صَاحِبَ الْوَدِيعَةِ إِذَا طَلَبَهَا مِنَ الْوَدِيعِ، فَجَحَدَهَا، ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا أَوْ أَقَامَ الْمُودِعُ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهَا، فَيَصِيرُ الْوَدِيعُ بِجُحُودِهِ خَائِنًا ضَامِنًا، لِخُرُوجِهِ بِهِ عَنْ كَوْنِهِ أَمِينًا، فَتَنْقَلِبُ يَدُهُ إِلَى يَدِ غَاصِبٍ .

قَالَ الْبُهُوتِيُّ: لأِنَّهُ بِجَحْدِهِ خَرَجَ عَنِ الاِسْتِئْمَانِ فِيهَا، فَلَمْ يَزَلْ عَنْهُ الضَّمَانُ بِالإْقْرَارِ بِهَا، لأِنَّ يَدَهُ صَارَتْ يَدَ عُدْوَانٍ . وَقَالَ الْكَاسَانِيُّ: لأِنَّ الْمَالِكَ لَمَّا طَلَبَ مِنْهُ الْوَدِيعَةَ، فَقَدْ عَزَلَهُ عَنِ الْحِفْظِ، وَالْمُودِعُ لَمَّا جَحَدَ الْوَدِيعَةَ حَالَ حَضْرَةِ الْمَالِكِ، فَقَدْ عَزَلَ نَفْسَهُ عَنِ الْحِفْظِ، فَانْفَسَخَ الْعَقْدُ، فَبَقِيَ مَالُ الْغَيْرِ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، فَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ، فَإِذَا هَلَكَ تَقَرَّرَ الضَّمَانُ .

غَيْرَ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ اشْتَرَطُوا لِتَضْمِينِهِ سَبْعَةَ شُرُوطٍ:

الأْوَّلُ: أَنْ يُنْكِرَ الْوَدِيعُ أَصْلَ الإْيدَاعِ، لأِنَّهُ لَوِ ادَّعَى أَنَّ الْمَالِكَ وَهَبَهَا مِنْهُ أَوْ بَاعَهَا لَهُ، وَأَنْكَرَ صَاحِبُهَا ذَلِكَ، ثُمَّ هَلَكَتْ، فَلاَ ضَمَانَ عَلَى الْوَدِيعِ.

الثَّانِي: أَنْ يَقَعَ الإْنْكَارُ بِحَضْرَةِ مَالِكِهَا، لأِنَّ جُحُودَهَا عِنْدَ غَيْرِ الْمَالِكِ حَالَ غَيْبَتِهِ مَعْدُودٌ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ وَالصِّيَانَةِ عُرْفًا وَعَادَةً، لأِنَّ مَبْنَى الإْيدَاعِ عَلَى السَّتْرِ وَالإْخْفَاءِ، فَكَانَ الْجُحُودُ عِنْدَ غَيْرِ الْمَالِكِ حَالَ غَيْبَتِهِ حِفْظًا مَعْنًى، فَلاَ يَكُونُ سَبَبًا لِوُجُوبِ الضَّمَانِ.

الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ جُحُودُهَا بَعْدَ أَنْ طَلَبَ مَالِكُهَا أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ رَدَّهَا، لأِنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُ: مَا حَالُ وَدِيعَتِي عِنْدَكَ؟ لِيَشْكُرَهُ عَلَى حِفْظِهَا، فَجَحَدَهَا الْوَدِيعُ، فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ.

الرَّابِعُ: أَنْ يَنْقُلَهَا الْوَدِيعُ مِنْ مَكَانِهَا زَمَنَ الْجُحُودِ، لأِنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْقُلْهَا مِنْ مَكَانِهَا حَالَ إِنْكَارِهِ، فَهَلَكَتْ، لاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ.

الْخَامِسُ: أَنْ تَكُونَ الْوَدِيعَةُ مَنْقُولاً. لأِنَّ هَا لَوْ كَانَتْ عَقَارًا، فَإِنَّهُ لاَ يَضْمَنُهَا بِالْجُحُودِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ قِيَاسًا عَلَى الْغَصْبِ، لِعَدَمِ تَصَوُّرِ غَصْبِ الْعَقَارِ عِنْدَهُمَا، خِلاَفًا لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فِي الأْصَحِّ ، لأِنَّ الْغَصْبَ يَجْرِي فِيهِ عِنْدَهُ، فَلَوْ جَحَدَهُ كَانَ ضَامِنًا.

السَّادِسُ أَنْ لاَ يَكُونَ هُنَاكَ مَنْ يَخَافُ عَلَيْهَا مِنْهُ. لأِنَّهُ لَوْ جَحَدَهَا فِي وَجْهِ عَدُوٍّ يَخَافُ عَلَيْهَا التَّلَفَ إِنْ أَقَرَّ أَمَامَهُ، ثُمَّ هَلَكَتْ، فَإِنَّهُ لاَ يَضْمَنُهَا، لأِنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ حِفْظَهَا لِمَالِكِهَا لاَ تَضْيِيعَهَا عَلَيْهِ.

السَّابِعُ: أَنْ لاَ يَحْضُرَهَا الْوَدِيعُ بَعْدَ جَحْدِهَا، لأِنَّهُ لَوْ جَحَدَهَا، ثُمَّ أَحْضَرَهَا، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهَا: دَعْهَا وَدِيعَةً عِنْدَكَ. فَهَلَكَتْ، فَإِنْ أَمْكَنَ صَاحِبَهَا أَخْذُهَا، فَلَمْ يَأْخُذْهَا، فَلاَ ضَمَانَ عَلَى الْوَدِيعِ، لأِنَّهُ إِيدَاعٌ جَدِيدٌ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ أَخْذُهَا، ضَمِنَ، لأِنَّهُ لَمْ يَتِمَّ الرَّدُّ.

وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيَّةُ مِنْ أَصْلِ تَضْمِينِهِ مَا لَوْ قَالَ الْوَدِيعُ: لاَ وَدِيعَةَ لأِحَدٍ عِنْدِي. إِمَّا ابْتِدَاءً، وَإِمَّا جَوَابًا عَلَى سُؤَالِ غَيْرِ الْمَالِكِ، فَقَالُوا: لاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، سَوَاءٌ جَرَى ذَلِكَ فِي حَضْرَةِ الْمَالِكِ أَوْ فِي غَيْبَتِهِ، لأِنَّ إِخْفَاءَهَا أَبَلَغُ فِي حِفْظِهَا، بِخِلاَفِ مَا إِذَا طَلَبَهَا الْمَالِكُ فَجَحَدَهَا، فَإِنَّهُ يَكُونُ خَائِنًا ضَامِنًا.

فَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهَا الْمَالِكُ، بَلْ قَالَ: لِي عِنْدَكَ وَدِيعَةٌ، فَسَكَتَ الْوَدِيعُ، لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ أَنْكَرَ لَمْ يَضْمَنْ أَيْضًا عَلَى الأْصَحِّ ، لأِنَّهُ لَمْ يُمْسِكْهَا لِنَفْسِهِ، وَقَدْ يَكُونُ لَهُ فِي الإِْخْفَاءِ غَرَضٌ صَحِيحٌ، كَأَنْ يُرِيدَ بِهِ زِيَادَةَ الْحِفْظِ، بِخِلاَفِ مَا بَعْدَ الطَّلَبِ. نَعَمْ، إِنْ دَلَّتْ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ لَهُ غَرَضًا صَحِيحًا، كَمَا لَوْ طَلَبَهَا مِنْهُ صَاحِبُهَا بِحَضْرَةِ ظَالِمٍ خَشِيَ عَلَيْهِ مِنْهُ، فَجَحَدَهَا دَفْعًا لِلظَّالِمِ، لَمْ يَضْمَنْ، لأِنَّهُ مُحْسِنٌ بِالْجَحْدِ حِينَئِذٍ .

وَالأْصْلُ فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مَنْ أَنْكَرَ وَدِيعَةً ادُّعِيَتْ عِنْدَهُ، أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، وَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ، لِقَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم : «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ الْمُتَمَسِّكُ بِالأْصْلِ، وَالأْصْلُ أَنَّهُ لَمْ يُودِعْهُ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ.

فَلَوْ أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً بِالإْيدَاعِ، أَوِ اعْتَرَفَ بِهَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، طُولِبَ بِهَا .

60 - وَفِي ضَمَانِ الْوَدِيعِ بَعْدَ الْجُحُودِ، إِذَا ادَّعَى تَلَفَ الْوَدِيعَةِ أَوْ رَدَّهَا بَعْدَ ذَلِكَ، خِلاَفٌ لِلْفُقَهَاءِ وَتَفْصِيلٌ هَذَا بَيَانُهُ:

قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا أَقَامَ رَبُّ الْوَدِيعَةِ الْبَيِّنَةَ عَلَى الإْيدَاعِ بَعْدَمَا جَحَدَ الْوَدِيعُ، وَأَقَامَ الْوَدِيعُ بَيِّنَةً عَلَى الْهَلاَكِ، فَيَنْظُرُ:

فَإِنْ جَحَدَ الْوَدِيعُ أَصْلَ الإْيدَاعِ، بِأَنْ قَالَ لِلْمُودِعِ: لَمْ تُودِعْنِي شَيْئًا. فَالْوَدِيعُ ضَامِنٌ، وَبَيِّنَتُهُ عَلَى الْهَلاَكِ بَعْدَ الْجُحُودِ مَرْدُودَةٌ إِذَا شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى أَنَّهَا تَلِفَتْ بَعْدَ الْجُحُودِ، لأِنَّهُ صَارَ بِالْجُحُودِ ضَامِنًا، وَهَلاَكُ الْمَضْمُونِ فِي يَدِ الضَّامِنِ يُقَرِّرُ عَلَيْهِ الضَّمَانَ. وَكَذَا إِذَا شَهِدُوا عَلَى أَنَّهَا تَلِفَتْ قَبْلَ جُحُودِهِ، لأِنَّ الْبَيِّنَةَ لاَ تُقْبَلُ إِلاَّ بَعْدَ تَقَدُّمِ الدَّعْوَى، وَهُوَ مُتَنَاقِضٌ فِي كَلاَمِهِ، فَجُحُودُهُ أَصْلُ الإْيدَاعِ يَمْنَعُهُ مِنْ دَعْوَى الْهَلاَكِ قَبْلَهُ، فَلِهَذَا لاَ تُقَبَلُ بَيِّنَتُهُ إِلاَّ أَنْ يُقِرَّ الْمُودِعُ بِذَلِكَ، فَحِينَئِذٍ لاَ ضَمَانَ عَلَى الْوَدِيعِ، لأِنَّ الإْقْرَارَ مُوجِبٌ بِنَفْسِهِ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ، وَلأِنَّ الْمُنَاقِضَ إِذَا صَدَّقَهُ خَصْمُهُ، كَانَ مَقْبُولَ الْقَوْلِ .

وَإِنْ جَحَدَ الْوَدِيعُ الْوَدِيعَةَ، بِأَنْ قَالَ: لَيْسَ لَكَ عِنْدِي وَدِيعَةٌ. ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهَا هَلَكَتْ بَعْدَ الْجُحُودِ أَوْ مُطْلَقًا، فَإِنَّهُ لاَ يَنْتَفِعُ بِبَيِّنَتِهِ، لأِنَّ الْعَقْدَ ارْتَفَعَ بِالْجُحُودِ، فَدَخَلَتِ الْعَيْنُ فِي ضَمَانِهِ، وَالْهَلاَكُ بَعْدَ ذَلِكَ يُقَرِّرُ الضَّمَانَ، لاَ أَنَّهُ يُسْقِطُهُ.

وَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهَا هَلَكَتْ قَبْلَ الْجُحُودِ، تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ، وَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ، لأِنَّ الْهَلاَكَ قَبْلَ الْجُحُودِ، لِمَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ، فَقَدْ ظَهَرَ انْتِهَاءُ الْعَقْدِ قَبْلَ الْجُحُودِ، فَلاَ يَرْتَفِعُ بِالْجُحُودِ، فَظَهَرَ أَنَّ الْوَدِيعَةَ هَلَكَتْ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ، فَلاَ يَضْمَنُ .

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِذَا أَنْكَرَ الْوَدِيعُ أَصْلَ الإْيدَاعِ عِنْدَ طَلَبِ الْوَدِيعَةِ، فَشَهِدَتِ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ بِهِ، فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى رَدِّهَا، فَفِي قَبُولِ بَيِّنَتِهِ بِالرَّدِّ خِلاَفٌ مَشْهُورٌ.

فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَمُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ: هُوَ ضَامِنٌ بِالْجُحُودِ، وَلاَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ، وَلاَ تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ بِالرَّدِّ، لأِنَّهُ أَكْذَبَهَا بِدَعْوَاهُ عَدَمَ الاِسْتِيدَاعِ.

وَقِيلَ: يُقْبَلُ قَوْلُهُ. قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَهُوَ أَحْسَنُ. لأِنَّهُ يَقُولُ أَرْدْتُ بِالْجُحُودِ أَلاَّ أَتَكَلَّفَ بَيِّنَةً.

أَمَّا إِذَا لَمْ يُنْكِرْ أَصْلَ الإْيدَاعِ، بَلْ قَالَ: مَا لَكَ عِنْدِي شَيْءٌ. فَالْبَيِّنَةُ بِالْبَرَاءَةِ تَنْفَعُهُ .

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنِ ادَّعَى الْوَدِيعُ رَدَّ الْوَدِيعَةِ أَوْ تَلَفَهَا قَبْلَ الْجُحُودِ أَوْ بَعْدَهُ، نُظِرَ فِي صِيغَةِ جُحُودِهِ، فَإِنْ أَنْكَرَ أَصْلَ الإْيدَاعِ لَمْ تَقْبَلْ دَعْوَاهُ الرَّدَّ لِتَنَاقُضِ كَلاَمِهِ وَظُهُورِ خِيَانَتِهِ، وَأَمَّا فِي دَعْوَى التَّلَفِ فَيُصَدَّقُ لَكِنَّهُ كَالْغَاضِبِ فَيَضْمَنُ، وَهَلْ يَتَّمَكَنُّ مِنْ تَحْلِيفِ الْمَالِكِ وَهَلْ تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ عَلَى مَا يَدَّعِيهِ مِنَ الرَّدِّ أَوِ التَّلَفِ؟ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا: نَعَمْ؛ لاِحْتِمَالٍ أَنَّهُ نَسِيَ فَصَارَ كَمَنِ ادَّعَى وَقَالَ لاَ بَيِّنَةَ لِي، ثُمَّ جَاءَ بِبَيِّنَةٍ فَتُسْمَعُ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِالرَّدِّ أَوِ الْهَلاَكِ قَبْلَ الْجُحُودِ سَقَطَتِ الْمُطَالَبَةُ وَإِنْ قَامَتْ بِالْهَلاَكِ بَعْدَ الْجُحُودِ ضَمِنَ لِخِيَانَتِهِ.

وَإِنْ كَانَتْ صِيغَةُ جُحُودِهِ: لاَ يَلْزَمُنِي تَسْلِيمُ شَيْءٍ إِلَيْكَ، أَوْ مَا لَكَ عِنْدِي وَدِيعَةٌ أَوْ شَيْءٌ، صَدَقَ فِي دَعْوَى الرَّدِّ وَالتَّلَفِ؛ لأِنَّ هَا لاَ تُنَاقِضُ كَلاَمَهُ الأْوَّلَ.

فَإِنِ اعْتَرَفَ بِأَنَّهُ كَانَ بَاقِيًا يَوْمَ الْجُحُودِ لَمْ يُصَدَّقْ فِي دَعْوَى الرَّدِّ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ وَإِنِ ادَّعَى الْهَلاَكَ فَكَالْغَاصِبِ إِذَا ادَّعَاهُ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ وَيَضْمَنُ .

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِذَا أَنْكَرَ وَدِيعٌ أَصْلَ الإْيدَاعِ، فَقَالَ: لَمْ تُودِعْنِي. ثُمَّ أَقَرَّ بِالإْيدَاعِ أَوْ ثَبَتَ عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ، فَادَّعَى رَدَّا أَوْ تَلَفًا سَابِقَيْنِ لِجُحُودِهِ، لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ ذَلِكَ، لأِنَّهُ صَارَ ضَامِنًا بِجُحُودِهِ، مُعْتَرِفًا عَلَى نَفْسِهِ بِالْكَذِبِ الْمُنَافِي لِلأْمَانَةِ. وَإِنْ أَقَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً، فَلاَ تُسْمَعُ، لِتَكْذِيبِهِ لَهَا بِجُحُودِهِ. وَإِنْ كَانَ مَا ادَّعَاهُ مِنَ الرَّدِّ أَوِ التَّلَفِ بَعْدَ جُحُودِهِ، كَمَا لَوِ ادَّعَى عَلَيْهِ بِالْوَدِيعَةِ يَوْمَ الْخَمِيسِ، فَجَحَدَهَا، ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا يَوْمَ السَّبْتَ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ رَدَّهَا أَوْ تَلِفَتْ بِغَيْرِ تَفْرِيطِهِ يَوْمَ الأْرْبِعَاءِ، وَأَقَامَ بِذَلِكَ بَيِّنَتَهُ، قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ بِهِمَا، لأِنَّهُ حِينَئِذٍ لَيْسَ بِمُكَذِّبٍ لَهَا. فَإِذَا شَهِدَتْ بَيِّنَتُهُ بِرَدٍّ أَوْ تَلَفٍ بَعْدَ جُحُودِ الإْيدَاعِ، وَلَمْ تُعَيَّنْ هَلْ ذَلِكَ التَّلَفُ أَوِ الرَّدُّ قَبْلَ جُحُودِهِ أَوْ بَعْدَهُ؟ لَمْ يَسْقُطِ الضَّمَانُ، لأِنَّ وُجُوبَهُ مُتَحَقِّقٌ، لاَ يَنْتَفِي بِأَمْرٍ مُتَرَدَّدٍ فِيهِ.

وَأَمَّا إِذَا قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِوَدِيعَةٍ لِمُدَّعِيهَا: مَا لَكَ عِنْدِي شَيْءٌ، أَوْ: لاَ تَسْتَحِقُّ عَلَيَّ شَيْئًا. فَقَامَتْ بَيِّنَةٌ بِالإْيدَاعِ، أَوْ أَقَرَّ بِهِ الْوَدِيعُ، ثُمَّ ادَّعَى تَلَفًا أَوْ رَدًّا، كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ، لأِنَّهُ لَيْسَ بِمُنَافٍ لِجَوَابِهِ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ أَوْدَعَهُ، ثُمَّ تَلِفَتْ عِنْدَهُ بِلاَ تَفْرِيطٍ، أَوْ رَدَّهَا، فَلاَ يَكُونُ لَهُ عِنْدَهُ شَيْءٌ. وَلاَ تُقْبَلُ مِنْهُ دَعْوَى وُقُوعِ الرَّدِّ أَوِ التَّلَفِ بَعْدَ جُحُودِهِ، لاِسْتِقْرَارِ الضَّمَانِ بِالْجُحُودِ، فَيُشْبِهُ الْغَاصِبَ. قَالَ الْبُهُوتِيُّ: قُلْتُ: وَظَاهِرُهُ وَلَوْ أَقَامَ بِهِ بَيِّنَةٌ .

____________________________________________________________________

كتاب مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان فى المعاملات الشرعية على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان لمؤلفه المغفورله )محمد قدرى باشا) (الطبعة الثانية(بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصرالمحمية سنة1308هجرية 1891 افرنجيه

( مادة ۷۲۱)

يجوز لكل من المودع والوديع أن يفسخ عقد الإيداع في أي وقت شاء ويلزم المستودع أن يرد الوديعة إلى صاحبها

( مادة ۷۲۳)

اذا طلب صاحب الوديعة وديعته فعلى المستودع تسليمها إليه فإن منعها منه بلا حق حال کونه قادرا على تسليها فهلكت فعليه ضمائها

فإن كان عاجزا عن تسليمها فلا ضمان عليه بهلاکها

مجلة الأحكام العدلية

 

مادة (774) فسخ عقد الإيداع

لكل من المودع والمستودع فسخ عقد الإيداع متى شاء.