مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء : الخامس ، الصفحة : 260
مذكرة المشروع التمهيدي :
1- الأصل في الوديعة أن تكون دون أجر ، إلا إذا نص في العقد على أجر فيكون واجباً وفي هذه الحالة إما أن يكون الأجر واجب الأداء دفعة واحدة، فيصير مستحقاً في الوقت الذي ينتهي فيه حفظ الوديعة ، ما لم يتفق الطرفان على غير ذلك وإما أن يكون مقسطاً على فترات من الزمن ، فيستحق الأجر عن كل فترة في نهايتها .
وإذا انتهى حفظ الوديعة قبل الموعد المحدد له وكان هناك أجر متفق عليه فإن تطبيق القواعد العامة يبيح للوديع أن يطالب من الأجر المتفق عليه بنسبة ما أوفاه هو من التزامه بحفظ الشيء ، غير أنه إذا ظهر من الطرفين قصدا غير ذلك فقصدهما أولى بالإتباع ( أنظر في هذا المعنى المادة 699 فقرة ثانية من التقنين الألماني ).
2- ويقع أحياناً أن ينفق الوديع مصروفات لازمة لحفظ الشيء المودع لديه ، فيجب على المودع طبقاً للقواعد العامة أن يرد إليه هذه المصروفات وكذلك قد يحدث أن الشيء المودع قد يتسبب في إلحاق خسارة بالوديع كما إذا كان به عيب مما ينتقل بالعدوى إلى أموال الوديع ففي هذه الحالة يكون المودع مسئولاً عن تعويض ما يصيب الوديع من ضرر بسبب ذلك مادام لم ينبه الوديع إلى وجود هذا العيب ، إلا إذا كان هو لم يعلم بوجود ذلك العيب ، ولم يكن في استطاعته أن يعلم ذلك ، إذ لا يكون حينذاك مقصراً في عدم تنبيه الوديع ، أو كان الوديع قد علم بوجود العيب دون أن يخطره المودع به، إذ لا يكون تقصير المودع في التنبيه هو السبب المباشر في وقوع الضرر ، وإنما سببه المباشر هو عدم احتياط الوديع لتفادي حدوث الضرر.
3- وقد ورد في التقنين الحالى نص المادة 488 فقرة ثانية / 597 مقرراً للوديع الحق في حبس الوديعة لاستيفاء ما هو مستحق له من مصروفات و تعويضات. وكان من الواجب إراد مثل هذا النص في المشروع، لولا أنه نص على الحق في الحبس بصفة مبدئية في المادة 331 فقرة أولى ، وطبقة بصفة عامة أيضاً على كل من يحوز شيئاً مملوكاً لغيره وينفق عليه مصروفات لازمة أو نافعة فكان في هذا النص العام غني عن تكرار تطبيقه بمناسبة كل عقد على حدة ولكن منعاً لكل شك نص المشروع على الحق في الحبس في باب العارية و باب الوكالة وإذا كان لم ينص عليه في باب الوديعة مع أن النص عليه في هذا الباب أدعى ، فما ذلك إلا لأنه تردد بين ذکر التطبيقات في جميع الأبواب المختلفة ، وبين حذفها منها جميعاً ولذلك نرى إما إضافة مادة بعد المادة 1006 تنص على حق الوديع في الحبس لإستيفاء ما هو مستحق له من أجر ومصروفات ( ويحسن في هذه الحالة اقتباس المادة 657 من المشروع الفرنسي الإيطالي ) ، وإما عدم إضافة شيء في باب الوديعة والإكتفاء بحذف التطبيقات الواردة في العقود الأخرى كالمادة 855 في باب العارية والمادة 987 في باب الوكالة، وربما كان هذا الاقتراح الأخير أولى بالترجيح من ناحية المنطق القانوني والفن التشریعی .
1- إن مصلحة الجمارك إذ تتسلم البضائع المستوردة وإذ تستبقيها تحت يدها حتى يوفى المستورد الرسوم المقررة لاتضع اليد على هذه البضائع كمودع لديه متبرع بخدماته لمصلحة المودع بل تحتفظ بها بناء على الحق المخول لها بالقانون ابتغاء تحقيق مصلحة خاصة بها وهى وفاء الرسوم المستحقة ، ومن ثم فانه فى حالة فقد البضائع لا يجوز لها التحدى بأحكام عقد الوديعة وبأن مسئوليتها لا تعدو مسئولية المودع لديه بلا أجر وذلك لانتفاء قيام هذا العقد الذى لا يقوم إلا إذا كان القصد من تسليم الشىء أساسا هو المحافظة عليه ورده للمودع عند طلبه ، فاذا كانت المحافظة على الشىء متفرعة عن أصل آخر كما هو الشأن فى الرهن الحيازى انتفى القول بوجوب تطبيق أحكام الوديعة
(الطعن رقم 48 لسنة 22 جلسة 1955/12/08 س 6 ع 4 ص 1545 ق 212)
تنص المادة 724 من التقنين المدني على ما يأتي :
"الأصل في الوديعة أن تكون بغير أجر ، فإذا اتفق على أجر وجب على المودع أن يؤديه وقت انتهاء الوديعة ، ما لم يوجد إتفاق يقضى بغير ذلك" .
ويستخلص من النص المتقدم الذكر أنه يجب التمييز في الوديعة ، كما ميزنا في الوكالة ، بين فرضين : ( الفرض الأول ) أنه لا يوجد اتفاق على الأجر بين المودع والمودع عنده . ( والفرض الثاني ) أن هذا الاتفاق موجود .
لا يوجد اتفاق على الأجر : جاء في صدر المادة 724 مدني سالفة الذكر : "الأصل في الوديعة أن تكون بغير أجر" فإذا لم يوجد بين المودع والمودع عنده اتفاق على الأجر ، كانت الوديعة غير مأجورة ، وكان المودع عنده متبرعاً . ولا تكون الوديعة في هذه الحالة قد خرجت فحسب من نطاق عقود المضاربة ، بل تكون أيضاً قد دخلت في نطاق عقود التبرع فالوديعة حتى لو كانت بأجر ليست من عقود المضاربة كما قدمنا ، ولكنها قد تكون من عقود المعاوضة إذا اشترط فيها الأجر ، فإذا لم يشترط كانت من عقود التبرع .
يوجد إتفاق على الأجر : ويخلص مما تقدم أن المودع عنده لا يأخذ أجراً إلا إذا وجد اتفاق على ذلك وقد يكون هذا الاتفاق صريحاً ، كما يكون ضمنياً . ويستخلص الاتفاق الضمني على الأجر عادة من حرفة المودع عنده ، فالإيداع في المخازن العامة وفي مخازن الاستيداع بالجمارك وفي محطات السكك الحديدية وفي الجراجات العامة يفرض فيه أن يكون بأجر وإذا لم يعين مقدار الأجر ، ترك تعيينه للعرف أو لتقدير القاضي ولا يجوز تعديل الأجر المتفق عليه لا بالنقص ولا بالزيادة ، وفي هذا تختلف الوديعة المأجورة عن الوكالة المأجورة وتتميز الوديعة المأجورة عن المقاولة في أمرين : ( أولاً ) في أن الوديعة حتى لو كانت مأجورة ليست في الأصل من عقود المضاربة ، ولا يبقى المودع عنده من ورائها الكسب ، إلا إذا كان يحترف مهنة الإستيداع . أما المقاولة فهي من عقود المضاربة ، ويبغى المقاول الكسب من ورائها . ( ثانياً ) في أن الغرض الأساس من الوديعة هو حفظ الشيء والحفظ هو الإلتزام الجوهري فيها كما سبق القول ، أما المقاولة فقد لا تقع على الحفظ أصلاً ، وأن وقعت فالحفظ فيها يكون أمراً ثانوياً غير مقصود لذاته .
ووقت الدفع هو الوقت الذي يتفق عليه المتعاقدان ، ويدفع جملة واحدة أو على أقساط في مواعيد معينة ، فإذا لم يتفق على وقت كان الأجر مستحقاً في الوقت الذي يعينه العرف فإن لم يوجد عرف ، كان الدفع في الوقت الذي ينتهي فيه حفظ الوديعة (م 724 مدني )، وإذا انتهى حفظ الوديعة فيها الموعد المحدد ، استحق المودع عنده من الأجر بنسبة المدة التي بقي فيها الشيء في حفظه ، ما لم يتفق على غير ذلك . وتقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد : "الأصل في الوديعة أن تكون دون أجر ، إلا إذا نص في العقد على أجر فيكون واجباً وفي هذه الحالة إما أن يكون الأجر واجب الأداء دفعة واحدة ، فيصير مستحقاً في الوقت الذي ينتهي فيه حفظ الوديعة ، ما لم يتفق الطرفان على غير ذلك وإما أن يكون مقسطاً على فترات من الزمن ، فيستحق الأجر عن كل فترة في نهايتها وإذا انتهى حفظ الوديعة قبل الموعد المحدد له وكان هناك أجر متفق عليه ، فإن تطبيق القواعد العامة يبيح للوديع أن يطالب من الأجر المتفق عليه بنسبة ما وفاة هو من التزامه بحفظ الشيء ، غير أنه إذا ظهر أن الطرفين قصداً غير ذلك فقصدهما أولى بالإتباع : انظر في هذا المعنى المادة 699 / 2 من التقنين الألماني" . (الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء : السابع ، المجلد : الأول ، الصفحة : 957)
لما كان الأصل في الوديعة أنها بغير أجر، فإن المودع عنده لا يجوز له المطالبة بأجر إلا إذا اشترط ذلك في العقد، فإن اشترط الاجر استحقه، وقد يكون الإنفاق على الأجر صريحاً أو ضمنياً ويستفاد ذلك من حرفة المودع عنده فصاحب الجراج وصاحب المستودع لا يقبلان الوديعة إلا بأجره ويرجع الى العرف في تحديد الأجر أو يتولى القاضي تحديده، ومتى اتفق على أجر فإنه لا يجوز تعديله زيادة أو نقصاً ويدفع الأجر جملة واحدة أو أقساطاً في الوقت المتفق عليه وإلا فوفقاً للعرف فإن لم يوجد عرف ففي نهاية الوديعة فإن انتهت الوديعة قبل الأجل المحدد لها استحق الأجر بنسبة الوقت الذي استمرت فيه الوديعة ما لم يوجد اتفاق على غير ذلك، ويتم الدفع بالمكان المتفق عليه فإن لم يوجد اتفاق فوفقاً للعرف فإن لم يوجد عرف في موطن المودع بإعتباره المدين بالأجر أو بالمكان الذي به مقر عمله المتصل بالوديعة، وذلك كله وفقاً للقواعد العامة. (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء : العاشر ، الصفحة : 221)
أوضحت المادة أن الأصل في الوديعة أن تكون بغير أجر، وعلى ذلك إذا لم يوجد اتفاق صريح أو ضمني بين المودع والوديع على تقاضى الأخير أجراً عن الوديعة، كانت الوديعة غير مأجورة، والوديع متبرعاً. وتكون الوديعة من عقود التبرع. هذا فضلاً عن أن الوديعة لو كانت مأجورة أيضاً فإنها لا تدخل في عقود المضاربة.
حالة الاتفاق على أجر :
ظاهر من نص المادة 724 أن المشرع لم يعتبر المجانية من مستلزمات الوديعة، وإن جعلها هي الأصل، ومن ثم فإنه يجوز الاتفاق بين المودع والوديع على أجر يتقاضاه الأخير.
وهذا الاتفاق كما يكون صريحاً ، يكون ضمنياً ويستنتج ضمناً من ظروف الوديع وحرفته ويفترض في الأشخاص الذين يتخذون من قبول الودائع حرفة لهم، كمخازن المفروشات والمحصولات والجراجات العامة أنهم مأجورون على عملهم لأن ذلك من مستلزمات مهنهم .
هل يلزم المالك الحقيقى بدفع الأجر ؟
الأجر المتفق عليه صراحاً أو ضمناً للوديع يلزم به المودع ولو لم يكن مالكاً. ولا يجوز للوديع مطالبة المالك بهذا الأجر، لأنه لم يكن طرفاً في الاتفاق فلا يحتج به عليه من جهة، ولأن من جهة أخرى لم يفد من هذا الإيداع شيئاً، فلا يكون من العدالة أن يطالب بأجر عنه.
وقت الوفاء بالأجر :
تنص المادة 724 مدني على أنه إذا اتفق على أجر وجب على المودع أن يؤديه وقت انتهاء الوديعة غير أن هذا الحكم مما لا يتعلق بالنظام العام فيجوز الاتفاق على ميعاد آخر للوفاء بالأجر.
فقد يتفق على الوفاء به جملة واحدة وقت العقد أو بعد مدة معينة قبل رد الوديعة أو دفعه على أقساط في مواعيد محددة. أما إذا انتفى هذا الإتفاق فإن المودع يلتزم بأداء الأجر وقت انتهاء الوديعة.
وإذا انتهى حفظ الوديعة قبل الموعد المحدد له، فإن تطبيق القواعد العامة يبيح للوديع أن يطالب من الأجر المتفق عليه بنسبة ما وفاه هو من التزامه بحفظ الشئ، غير أنه إذا ظهر أن الطرفين قصداً غير ذلك فقصدهما أولى بالاتباع. (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء : التاسع ، الصفحة : 490)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثالث والأربعون ، الصفحة / 40
اسْتِيفَاءُ الْوَدِيعِ حَقَّهُ مِنَ الْوَدِيعَةِ:
34 - إِذَا كَانَ لِلْوَدِيعِ عَلَى مَالِكِ الْوَدِيعَةِ حَقٌّ عَجَزَ عَنْ أَخْذِهِ مِنْهُ؛ لِجُحُودِهِ وَامْتِنَاعِهِ بِالْبَاطِلِ عَنْ أَدَائِهِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ اسْتِيفَاءِ الْوَدِيعِ حَقَّهُ مِنَ الْوَدِيعَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَ وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَ.
وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (ظَفَرٌ بِالْحَقِّ ف 4 وَمَا بَعْدَهَا، وَاسْتِيفَاء ف 17 - 18).
انْتِهَاءُ عَقْدِ الإْيدَاعِ
67 - عَقْدُ الإْيدَاعِ جَائِزٌ مِنَ الْجَانِبَيْنِ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخُهُ مَتَى شَاءَ، دُونَ تَوَقُّفٍ عَلَى رِضَا الطَّرَفِ الآْخَرِ أَوْ قَبُولِهِ.
وَعَلَى ذَلِكَ فَمَتَى أَرَادَ الْمُودِعُ اسْتِرْدَادَ وَدِيعَتِهِ، لَزِمَ الْوَدِيعُ رَدَّهَا إِلَيْهِ، لِعُمُومِ قوله تعالي : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأْمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) .
وَمَتَى أَرَادَ الْوَدِيعُ رَدَّهَا لِصَاحِبِهَا لَزِمَهُ قَبُولُهَا، لأِنَّ الْوَدِيعَ مُتَبَرِّعٌ بِإِمْسَاكِهَا وَحِفْظِهَا لِمَالِكِهَا، وَمَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ.
وَقَدْ سَبَقَ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي الْفِقْرَةِ 9
فَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْوَدِيعُ مُتَبَرِّعًا بِالْحِفْظِ، كَمَا فِي حَالَةِ الْوَدِيعَةِ بِأَجْرٍ، فَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى لُزُومِ عَقْدِ الإْيدَاعِ حِينَئِذٍ، لِصَيْرُورَتِهِ إِجَارَةً عَلَى الْحِفْظِ، وَاعْتِبَارِ الْوَدِيعِ فِيهِ أَجِيرًا، وَبِذَلِكَ لاَ يَكُونُ لأِحَدٍ مِنَ الطَّرَفَيْنِ أَنْ يَفْسَخَهُ بِإِرَادَتِهِ الْمُنْفَرِدَةِ قَبْلَ تَمَامِ الْمُدَّةِ، كَسَائِرِ الإْجَارَاتِ .
68 - أَمَّا انْفِسَاخُ عَقْدِ الإْيدَاعِ، بِمَعْنَى حَلِّ رَابِطَةِ الْعَقْدِ لِطُرُوءِ سَبَبٍ يَمْنَعُ بَقَاءَهُ وَاسْتِمْرَارَهُ فَقَدْ ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ لَهُ سَبْعَةَ أَسْبَابٍ:
أَحَدُهَا: مَوْتُ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ (الْمُودِعِ أَوِ الْوَدِيعِ):
أَمَّا الْمُودِعُ، فَلأِنَّ مِلْكِيَّةَ الْمَالِ الْمُودَعِ انْتَقَلَتْ بِمَوْتِهِ إِلَى وَرَثَتِهِ أَوْ دَائِنِيهِ.
وَأَمَّا الْوَدِيعُ، فَلأِنَّ أَهْلِيَّتَهُ لِلْحِفْظِ قَدْ زَالَتْ بِمَوْتِهِ.
وَعَلَى ذَلِكَ نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ. وَهُوَ مُقْتَضَى مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ اعْتِبَارًا بِالْوَكَالَةِ .
وَعَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ تُوُفِّيَ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ، لَزِمَ الْوَدِيعَ رَدُّ الْوَدِيعَةِ إِلَى وَرَثَتِهِ، أَدَاءً لِحَقِّ الأْمَانَةِ. فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ صَارَ ضَامِنًا لَهَا. وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي كَيْفِيَّةِ تَضْمِينِهِ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْوَالٍ.
قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: لاَ يَلْزَمُهُ رَدُّهَا قَبْلَ طَلَبِهَا. وَعَلَيْهِ: فَإِذَا مَاتَ الْمُودِعُ، فَلَمْ يَرُدَّهَا الْوَدِيعُ إِلَى الْوَرَثَةِ قَبْلَ الطَّلَبِ، فَهَلَكَتْ، فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ .
وَإِذَا مَاتَ الْمُودِعُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَطَلَبَهَا الْوَرَثَةُ، فَلَمْ يَرُدَّهَا، لاَ يَضْمَنُ .
وَأَسَاسُ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْمُودِعَ إِذَا مَاتَ، فَتُرَدُّ وَدِيعَتُهُ إِلَى وَرَثَتِهِ مَا لَمْ تَكُنِ التَّرِكَةُ مُسْتَغْرِقَةً بِالدَّيْنِ، فَإِنْ كَانَتْ كَذَلِكَ، فَلاَ تُسَلَّمُ لِلْوَارِثِ إِذَا كَانَ يَخَافُ عَلَيْهَا مِنْهُ إِلاَّ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ. وَإِنْ سَلَّمَهَا الْوَدِيعُ إِلَى الْوَارِثِ بِلاَ إِذْنِ الْحَاكِمِ، وَهَلَكَتْ أَوْ ضَاعَتْ، فَعَلَى الْوَدِيعِ ضَمَانُهَا .
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: يَجِبُ عَلَى الْوَدِيعِ رَدُّهَا حَالاً إِلَى الْوَرَثَةِ، حَتَّى لَوْ تَلِفَتْ فِي يَدِهِ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنَ الرَّدِّ، ضَمِنَ عَلَى الأْصَحِّ . فَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْوَرَثَةَ، رَدَّ إِلَى الْحَاكِمِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَقَيَّدَ فِي الْعُدَّةِ هَذَا الْجَوَابَ بِمَا إِذَا لَمْ تَعْلَمِ الْوَرَثَةُ بِالْوَدِيعَةِ، فَأَمَّا إِذَا عَلِمُوا، فَلاَ يَجِبُ الرَّدُّ إِلَيْهِمْ إِلاَّ بَعْدَ طَلَبِهِمْ .
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يَجِبُ عَلَى الْوَدِيعِ رَدُّهَا حَالاً دُونَ طَلَبِ الْوَرَثَةِ، فَإِنْ تَلِفَتْ قَبْلَ التَّمَكُّنِ، فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ. أَمَّا إِذَا تَلِفَتْ بَعْدَهُ، فَفِي تَضْمِينِهِ وَجْهَانِ .
أَمَّا إِذَا مَاتَ الْوَدِيعُ، فَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْوَدِيعَةَ تَكُونُ أَمَانَةً مَحْضَةً فِي يَدِ وَرَثَتِهِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ رَدُّهَا لِمَالِكِهَا .
وَقَدْ جَاءَ فِي الْمَادَّةِ (801) مِنَ الْمَجَلَّةِ الْعَدْلِيَّةِ: إِذَا مَاتَ الْمُسْتَوْدِعُ، وَوُجِدَتِ الْوَدِيعَةُ عَيْنًا فِي تَرِكَتِهِ، تَكُونُ أَمَانَةً فِي يَدِ وَارِثِهِ، فَيَرُدُّهَا لِصَاحِبِهَا. وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِذَا مَاتَ الْمُودِعُ، فَعَلَى وَارِثِهِ رَدُّهَا فَإِنْ تَلِفَتْ فِي يَدِهِ بَعْدَ التَّمَكُّنِ ضَمِنَ عَلَى الأْصَحِّ . فَإِنْ كَانَ الْمَالِكُ غَائِبًا، سَلَّمَهَا إِلَى الْحَاكِمِ .
وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَإِنْ مَاتَ، وَعِنْدَهُ وَدِيعَةٌ مَعْلُومَةٌ بِعَيْنِهَا، فَعَلَى وَرَثَتِهِ تَمْكِينُ صَاحِبِهَا مِنْ أَخْذِهَا، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِمَوْتِهِ، وَجَبَ عَلَيْهِمْ إِعْلاَمُهُ بِهِ، وَلَيْسَ لَهُمْ إِمْسَاكُهَا قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ بِهَا رَبُّهَا، لأِنَّهُ لَمْ يَأْتَمِنْهُمْ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا حَصَّلَ مَالَ غَيْرِهِمْ فِي أَيْدِيهِمْ، بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَطَارَتِ الرِّيحُ إِلَى دَارِهِ ثَوْبًا، وَعَلِمَ بِهِ، فَعَلَيْهِ إِعْلاَمُ صَاحِبِهِ بِهِ. فَإِنْ أَخَّرَ ذَلِكَ مَعَ الإْمْكَانِ ضَمِنَ، كَذَا هَاهُنَا .
وَالثَّانِي: زَوَالُ أَهْلِيَّةِ أَحَدِهِمَا لِلتَّصَرُّفِ بِجُنُونٍ وَنَحْوِهِ كَإِغْمَاءٍ مِنْ غَيْرِ إِفَاقَةٍ، كَمَا هُوَ الشَّأْنُ فِي الْوَكَالَةِ.
أَمَّا الْوَدِيعُ، فَلأِنَّهُ لَمْ يَعُدْ أَهْلاً لِلْحِفْظِ.
وَأَمَّا الْمُودِعُ، فَلأِنَّهُ لَمْ يَعُدْ وَلِيَّ نَفْسِهِ، بَلْ يَلِي غَيْرُهُ مَالَهُ وَشُئُونَهُ. وَعَلَى ذَلِكَ نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ مُقْتَضَى مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ اعْتِبَارًا بِالْوَكَالَةِ .
وَالثَّالِثُ: عَزْلُ الْوَدِيعِ نَفْسَهُ، أَوْ عَزْلُ الْمُودِعِ لَهُ مَعَ عِلْمِهِ: فَإِذَا وَقَعَ ذَلِكَ انْفَسَخَ عَقْدُ الإْيدَاعِ، وَتَكُونُ الْوَدِيعَةُ فِي يَدِهِ أَمَانَةً شَرْعِيَّةً، لَهَا حُكْمُ الأْمَانَاتِ مِنْ حَيْثُ وُجُوبُ الْمُبَادَرَةِ لِرَدِّهَا إِلَى أَهْلِهَا.
وَعَلَى ذَلِكَ نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ مُقْتَضَى مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ اعْتِبَارًا بِالْوَكَالَةِ .
وَالرَّابِعُ: نَقْلُ الْمَالِكِ مِلْكِيَّةَ الْوَدِيعَةِ لِغَيْرِ الْوَدِيعِ: كَمَا لَوْ بَاعَهَا لآِخَرَ وَنَحْوَ ذَلِكَ، حَيْثُ تَرْتَفِعُ الْوَدِيعَةُ وَيَنْتَهِي حُكْمُهَا.
نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الشَّافِعِيَّةُ . قَالَ فِي تُحْفَةِ الْمُحْتَاجِ: وَفَائِدَةُ الاِرْتِفَاعِ أَنَّهَا تَصِيرُ أَمَانَةً شَرْعِيَّةً، فَعَلَيْهِ الرَّدُّ لِمَالِكِهَا أَوْ وَلِيِّهِ إِنْ عَرَفَهُ، أَيْ إِعْلاَمُهُ بِهَا أَوْ بِمَحَلِّهَا فَوْرًا عِنْدَ التَّمَكُّنِ، وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهُ، كَضَالَّةٍ وَجَدَهَا وَعَرَفَ مَالِكَهَا. فَإِنْ غَابَ رَدَّهَا لِلْحَاكِمِ، وَإِلاَّ ضَمِنَ .
وَالْخَامِسُ: إِقْرَارُ الْوَدِيعِ بِالْوَدِيعَةِ لِغَيْرِ صَاحِبِهَا: لأِنَّ ذَلِكَ يُنَافِي حِفْظَهَا لِلْمَالِكِ، فَيَنْفَسِخُ عَقْدُ الإْيدَاعِ ضَرُورَةً، لِعَدَمِ فَائِدَةِ الْبَقَاءِ، وَتَصِيرُ مَضْمُونَةً بِيَدِهِ لِتَعَدِّيهِ بِذَلِكَ الإْقْرَارِ .
نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الشَّافِعِيَّةُ .
وَالسَّادِسُ: تَعَدِّي الْوَدِيعِ أَوْ تَفْرِيطُهُ الْمُوجِبُ لِلضَّمَانِ: سَوَاءٌ بِالإْنْفَاقِ أَوْ بِالاِسْتِعْمَالِ غَيْرِ الْمَأْذُونِ بِهِ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ، حَيْثُ يَزُولُ بِذَلِكَ الاِئْتِمَانُ، وَتَنْقَلِبُ يَدُ الْوَدِيعِ إِلَى يَدِ ضَمَانٍ، وَيَنْفَسِخُ عَقْدُ الإْيدَاعِ.
وَعَلَى ذَلِكَ نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ .
وَحُجَّتُهُمْ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ - وَهُوَ الْحِفْظُ - قَدْ زَالَ وَانْعَدَمَ بِالتَّعَدِّي. وَخَالَفَهُمُ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي ذَلِكَ، فَلَمْ يَذْهَبُوا لاِرْتِفَاعِ عَقْدِ الْوَدِيعَةِ بِالتَّعَدِّي، وَقَالُوا: إِنَّ الْوَدِيعَ إِذَا تَعَدَّى، فَخَالَفَ فِي الْوَدِيعَةِ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ بِذَلِكَ ضَامِنًا، فَإِذَا عَادَ إِلَى الْوِفَاقِ بِتَرْكِ الْخِلاَفِ، وَمُعَاوَدَةِ الْحِفْظِ لِلْمَالِكِ، بَرِئَ مِنَ الضَّمَانِ. لأِنَّ سَبَبَ ضَمَانِهِ إِنَّمَا هُوَ إِعْجَازُ الْمَالِكِ عَنِ الاِنْتِفَاعِ بِالْوَدِيعَةِ، وَضَرَرُ الإْعْجَازِ قَدِ ارْتَفَعَ بِالْعَوْدِ إِلَى الْوِفَاقِ، فَوَجَبَ أَلاَّ يُؤَاخَذَ بِالضَّمَانِ عِنْدَ الْهَلاَكِ .
وَالسَّابِعُ: جُحُودُ الْوَدِيعَةِ: لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي انْفِسَاخِ عَقْدِ الْوَدِيعَةِ وَانْتِهَائِهِ بِالْجَحُودِ الْمُضَمِّنِ لَهَا . لأِنَّ الْمَالِكَ لَمَّا طَلَبَ مِنْهُ الْوَدِيعَةَ، فَقَدْ عَزَلَهُ عَنِ الْحِفْظِ، وَالْوَدِيعَ لَمَّا جَحَدَ الْوَدِيعَةَ حَالَ حَضْرَةِ الْمَالِكِ، فَقَدْ عَزَلَ نَفْسَهُ عَنِ الْحِفْظِ، فَانْفَسَخَ الْعَقْدُ، فَبَقِيَ مَالُ الْغَيْرِ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، فَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ، فَإِذَا هَلَكَ، تَقَرَّرَ الضَّمَانُ .
____________________________________________________________________
كتاب مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان فى المعاملات الشرعية على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان لمؤلفه المغفورله )محمد قدرى باشا) (الطبعة الثانية(بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصرالمحمية سنة1308هجرية 1891 افرنجيه
( مادة 704)
ليس للمستودع أن يأخذ أجرة على حفظ الوديعة ما لم يشترط ذلك في العقد