مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء : الخامس ، الصفحة : 275
الحراسة
مذكرة إيضاحية :
نظرة عامة (1) :
الحراسة والوديعة عقدان من نوع واحد، يختلفان في أن الحراسة لا ترد إلا على مال يقوم في شأنه نزاع أو يكون الحق فيه غير ثابت ، وأن الحارس مكلف بإدارة المال وأنه يرده إلى من يثبت له الحق فيه ، سواء أكان هو واضع اليد عليه قبل الحراسة أم لا .
ولم يرد في شأن الحراسة في التقنين الحالي غير مادتين مقتضيات تخللتا النصوص المتعلقة بالوديعة ، ولكن الحراسة ، وعلى الأخص الحراسة القضائية ، قد اتخذت في العمل أهمية كبرى ، حتى أصبح الخصوم كثيراً ما يلجأون إليها ، وتوسع القضاء في أحوالها ، حتى ذخرت المجاميع بأحكامه في شأنها. وكان أكثر هذا القضاء اجتهادياً لقلة النصوص التي يستند عليها فكان حرياً بهذا المشروع أن ينظر في هذا القضاء ليستنبط منه المبادئ والقواعد التي ينبغي أن يتضمنها التشريع الجديد فيما يتعلق بالحراسة.
وقد تضمن المشروع عشر مواد في الحراسة ، مرتبة ترتيباً منطقياً ، فبدأ بتعريف الحراسة باعتبارها عقداً ، ثم نص على أحوال الحراسة القضائية ، وخص حراسة الوقف بعض أحكامه ، ثم بين حقوق الحارس والتزاماته ، وانتهى ببيان طرق انقضاء الحراسة وأحكامها .
مذكرة المشروع التمهيدي :
يفهم من هذا التعريف أن الحراسة عقد يتم بين شخصين متنازعين أو بينهما حتى غير ثابت و بین شخص آخر يوكل إليه حفظ المال المتنازع عليه وإنها تكون في العقار كما تكون في المنقول أو فيهما معاً ، وأن الحارس كالوديع يقوم بحفظ المال ورده عند انتهاء الحراسة لكنه يختلف عنه في أنه يقوم بإدارة المال ، وفي أنه يرده إلى من يثبت له الحق فيه من الطرفين المتنازعين. ولا يشترط لإعتبار الشيء متنازعة فيه قيام دعوى بشأنه ، بل إن مجرد الخلاف بين صاحبي مصلحة فيه يكفي الخلاف بين المالكين على الشيوع ، ولو كان الخلاف في أمر فرعی ، كما إذا كان الخلاف على إدارة المال واستغلاله. ومثل الحق غير الثابت أن يكون الحق مقترناً بشرط موقف أو فاسخ .
1- ان الحراسة القضائية ليست بعقد وكالة لأن القضاء لا الاتفاق بين ذوى الشأن هو الذى يفرضها ، فإن الحارس يصبح بمجرد تعيينه وبحكم القانون نائباً ، إذ يعطيه القانون سلطة فى حفظ وإدارة الأموال الموضوعة تحت حراستهوردها لصاحب الشأن عند انتهاء الحراسة وتقديم حساب عن إدارته لها . ونيابته هذه نيابة قانونية من حيث المصدر الذى يحدد نطاقها إذ ينوب عن صاحب الحق فى المال الموضوع تحت الحراسة وتثبت له هذه الصفة بمجرد صدور حكم الحراسة .
(الطعن رقم 6468 لسنة 72 جلسة 2014/04/15)
2- إذ كانت دعوى الحراسة ليست من الدعاوى الموضوعية إذ لا تمس أصل الحق ولا تفصل فيه والمقصود منها حفاظ الشريك على حقه فى أعيان النزاع وضمان اقتضاء ريعها متى تجمع لديه من الأسباب المقبولة ما يخشى منه خطر عاجلاً مع بقاء المال تحت يد حائزه ومن ثم تعد من الأمور المستعجلة وهى تقوم على شروط معينة يتعين توافرها للحكم بتوقيع الحراسة على المال المراد الحفاظ عليه وهى أن يقوم نزاع جدى بشأن هذا المال وفق ما جاء بنص المادة 729 من القانون المدنى وتوافر المصلحة لدى طالب الحراسة وتوافر الخطر العاجل إذ أن الحراسة إجراء استثنائى لا يجوز اللجوء إليه إلا فى حالات الضرورة القصوى التى لا يكفى لدرئها إجراءات التقاضى العادية طبقاً لنص الفقرة الثانية من المادة 730 مدنى .
(الطعن رقم 37 لسنة 78 جلسة 2012/01/10 س 63 ص 106 ق 14)
3- موت أحد الشركاء المتضامنين فى شركة التضامن وإستمرار باقى الشركاء فيها دون موافقة ورثة الشريك المتوفى . ودون أن يكون متفقاً فى عقد الشركة على إستمرارها بعد الوفاة يجيز لهؤلاء الورثة طلب وضع أموالها تحت الحراسة القضائية حتى تثبت محكمة الموضوع فى تعيين مصف لها وتصفيتها متى تجمعت لديهم من الأسباب المعقولة ما يخشى معها وجود خطر عاجل من بقاء المال تحت يد حائزيه إذ أن شخصية الشركة لا تنتهى بوفاة الشريك المتضامن بل تبقى بالقدر اللازم للتصفية و حتى انتهائها .
(الطعن رقم 1053 لسنة 58 جلسة 1990/05/28 س 41 ع 2 ص 217 ق 210)
4- الحراسة القضائية إجراء تحفظى والحكم الصادر فيها ليس قضاء بإجراء يحتمل التنفيذ المادى فى ذاته وإنما هو تقرير يتوافر به صفة قانونية للحارس لأداء المهمة التى تناط به فى الحد الذى نص عليه الحكم ، وإبراز هذه الصفة ووضعها موضع التنفيذ بالنسبة للعقار ليس إلا عملاً حكمياً ليس له كيان مادى ، فلا يجوز للحارس إنتزاع الأعيان الموضوعة تحت الحراسة والتى يضع اليد عليها الشريك على الشيوع بسند قانونى من قبل فرض الحراسة ، كما إن الحراسة لاتؤثر فى حق هذا الشريك فى التصرف أو الإنتفاع بهذه الحصة فيما لا يتعارض مع سلطة الحارس .
(الطعن رقم 1014 لسنة 51 جلسة 1988/05/08 س 39 ع 2 ص 917 ق 149)
5- قاضى الأمور المستعجلة يمتنع عليه أن يمس أصل الحق فى الإجراء المؤقت الذى يأمر به ، وإذ كان قضاء الحكم المطعون فيه بفرض الحراسة محمولا على قيام النزاع الجدى حول صحة وقيام عقدى القسمة ... فإن تكليفه الحارس بتوزيع صافى ريع الأموال محل الحراسة على الخصوم طبقاً لأنصبتهم الشرعية فى التركة ينطوى على إهدار لعقدى القسمة وإعتبار أن الأموال محلهما تركة شائعة بين الورثة وهو ما يمس أصل الحق بما يعيبه بمخالفة القانون.
(الطعن رقم 1480 لسنة 54 جلسة 1985/02/28 س 36 ع 1 ص 324 ق 72)
6- متى كانت العلاقة التى تربط المطعون عليه الأول بمورث الطاعنين والمطعون عليه الثانى هى علاقة تعاقدية أساسها عقد الشركة المبرم بينهم ، والذى لم تكن الإدارة طرفاً فيه ، فإنه يكون للقضاء العادى ولاية الفصل فيما ينشأ عن هذا العقد من نزاع بشأن ما إشتمل عليه من حقوق و إلتزامات ، وما يتفرع عن هذا النزاع من طلب فرض الحراسة القضائية على المدرسة موضوع العقد ، إلا إذا كان من شأن هذه الحراسة وقف تنفيذ أمر إدارى صدر من جهة إدارية مختصة بإصداره فإن هذه الولاية تنعدم ، و يصبح القضاء الإدارى هو وحده الذى له ولاية الفصل فيها .
(الطعن رقم 440 لسنة 37 جلسة 1973/02/01 س 24 ع 1 ص 135 ق 26)
7- أوجبت المادة 23 من القانون رقم 160 لسنة 1958 و المادة 69 من لائحته التنفيذية أن تبين اللائحة الداخلية للمدرسة الخاصة التى تتقاضى مصروفات نظام تعيين الموظفين والمؤهلات المطلوب توافرها فيهم و المرتبات التى يمنحونها عند التعيين . وإذ كان يبين من اللائحة الداخلية للمدرسة موضوع النزاع أنه نص فى الباب السادس منها على أن يعين مدير المدرسة بقرار من صاحبها بناء على ترشيح مجلس الإدارة فإن القرار الصادر بتعيين مدير المدرسة من صاحبها أو من ورثته أو النائب عنهم لا يعتبر من القرارات الإدارية التى يمتنع على القضاء العادى وقف تنفيذها حتى و لو وافقت عليه مديرية التربية و التعليم ، كما أنه لا يحول دون القضاء بوضع المدرسة تحت الحراسة القضائية ، كما لا يحول دون ذلك ما تطلبت المادتان 4 ، 7 من القانون رقم 160 لسنة 1958 توافره فى صاحب المدرسة و مديرها من شروط ما دام أن إختصاص المدير قاصر على الشئون المالية و الإدارية دون الشئون التربوية و التعليمية التى يختص بها ناظر المدرسة على ما أفصحت عنه المادة 43 من اللائحة الداخلية للمدرسة .
(الطعن رقم 440 لسنة 37 جلسة 1973/02/01 س 24 ع 1 ص 135 ق 26)
8- مجال تطبيق أحكام إدارة المال الشائع الواردة بالمادة 828 و ما بعدها من القانون المدنى يختلف عن مجال تطبيق أحكام الحراسة على منقول أو عقار قام فى شأنه نزاع و كانت قد تجمعت لدى صاحب المصلحة فيه من الأسباب المعقولة ما يخشى معه خطراً عاجلاً من بقاء المال تحت يد حائزه فإن الحكم فى شأن هذا النزاع يدخل فيما نصت عليه المواد 729 وما بعدها من القانون المدنى بشأن الحراسة ويكون تعيين الحارس سواء كانت الحراسة إتفاقية أو قضائية بإتفاق ذوى الشأن جميعا فإذا لم يتفقوا تولى القاضى تعيينه و ذلك وفقاً للمادة 732 من ذلك القانون . وإذن فمتى كانت واقعة الدعوى هى قيام نزاع بين ورثة بائع وورثة مشتر على إدارة أعيان وأطيان التركة التى وقع البيع على جزء شائع فيها وذلك بسبب منازعة البائع فى صحة هذا البيع ومنازعة المشترى فى قسمة هذه الأطيان مما إقتضى تعيين البائع حارساً قضائياً على كافة عقارات التركة ثم ضم حارس فى الحراسة إليه ، وكانت المحكمة الاستئنافية قد طبقت أحكام الحراسة فى شأن هذا النزاع فإن النعى على الحكم بالخطأ فى القانون لعدم تطبيق المادة 828 من القانون المدنى يكون فى غير محله .
(الطعن رقم 165 لسنة 22 جلسة 1955/12/29 س 6 ع 4 ص 1612 ق 225)
9- لما كان تقدير الضرورة الداعية للحراسة أو الخطر الموجب لها هو على ما جرى به قضاء هذه المحكمة من المسائل الموضوعية التى يستقل بتقديرها قاضى الموضوع ، وكانت الاسباب التى أقامت عليها المحكمة قضاءها برفض الحراسة لا مخالفة فيها للمادتين 729 ، 730 فقرة ثانية من القانون المدنى اللتين أجازتا للمحكمة القضاء بهذا الإجراء التحفظى إذا ما تجمع لدى صاحب المصلحة فى منقول أو عقار من الأسباب المعقولة ما يخشى معه خطرا عاجلا من بقاء المال تحت يد حائزه ، لما كان ذلك ، وكانت الأسباب التى استندت اليها المحكمة فى رفض طلب الحراسة مبررة لقضائها فإن النعى على الحكم بمخالفة القانون أوالقصور فى التسبيب يكون على غير أساس .
(الطعن رقم 99 لسنة 21 جلسة 1953/06/30 س 4 ع 1 ص 1253 ق 200)
يمكن تعريف الحراسة تعريفاً مستخلصاً من المادة 729 مدني – وسيأتي ذكرها – بأنها وضع مال يقوم في شأنه نزاع أو يكون الحق فيه غير ثابت ، و يتهدده خطر عاجل ، في يد أمين يتكفل بحفظه وإدارته ورده مع تقديم حساب عنه إلى من يثبت له الحق فيه . ويوضع المال تحت الحراسة إما باتفاق بين الطرفين المتنازعين فتكون حراسة اتفاقية، وإما بحكم من القضاء فتكون حراسة قضائية.
تنص المادة 729 من التقنين المدني على ما يأتي : "الحراسة عقد يعهد الطرفان بمقتضاه إلى شخص آخر بمنقول أو عقار أو مجموع من المال يقوم في شأنه نزاع أو يكون الحق فيه غير ثابت ، فيتكفل هذا الشخص بحفظه وبإدارته وبرده مع غلته المقبوضة إلى من يثبت له الحق فيه" .
الحراسة الاتفاقية هي عقد وديعة تتميز بخصائص معينة : ويتبين من النص سالف الذكر أن الحراسة الاتفاقية هي عقد وديعة ، ففيها يعهد إلى شخص بما ليحفظه ويرده عند إنتهاء العقد : ولكنها وديعة تتميز بخصائص معينة أهمها ما يأتي :
1- الشيء المودع ، عقارًا كان أو منقولاً أو مجموعاً من المال ، متنازع عليه ، أو الحق فيه غير ثابت كأن يكون هذا الحق معلقاً على شرط واقف أو على شرط فاسخ .
2- ولا يقتصر المودع عنده أي الحارس على حفظ المال، بل يجب عليه أيضاً أن يديره وأن يقدم حساباً عنه، فيعتبر إذن وكيلاً في الإدارة، إلى جانب أنه مودع عنده في الحفظ، ومن ثم تطبق أحكام الوديعة والوكالة فيما لم يرد فيه إتفاق أو نص مخالف .
3- ويرد الحارس المال إلى من يثبت له الحق فيه، بعد البث في النزع الذي كان قائماً في شأنه . ويجوز أيضاً رد المال لمن يتفق الخصوم المتنازع عليه من بينهم أو من غيرهم، وقد كان التقنين المدني القديم ( م 490 ، 599 ) صريحاً في هذا المعنى ولا يجوز للحارس أن يرد المال قبل أن يتعين من يقع له الرد، بالبت في النزاع أو بإتفاق الخصوم المتنازعين. ومع ذلك إذا كان الحارس غير مأجور – وهذا نادر – جاز له رد الوديعة إلى الخصوم جميعاً قبل الميعاد، إذا طرأت عليه أسباب مشروعة يتعذر عليه معها أن يستمر حافظاً للمال .
الإتفاق على الحراسة يغني عن توافر شرط الخطر العاجل الواجب توفره في الحراسة القضائية : وسنرى فيما يلي أن الحراسة القضائية تقتضى توافر شرط قيام الخطر العاجل ، أما الحراسة الإتفاقية فالإتفاق عليها بين الخصوم يغني عن تحرى توافر هذا الشرط . ويكفى أن يكون الخصوم قد اتفقوا على وضع المال المتنازع عليه تحت الحراسة، حتى يفترض أن هناك خطراً عاجلاً يستدعى وضع المال تحت الحراسة، وأنه بذلك قد قامت إحدى حالات الحراسة فواجهها الخصوم بهذا الإتفاق فلا يبحث بعد ذلك، كما يبحث في الحراسة القضائية على ما سنرى، هل هناك خطر عاجل فنكون في حالة من حالات الحراسة، فإن ذلك قد بت فيه الخصوم بإتفاقهم على الحراسة، ولا معقب عليهم في ذلك .
وتبقى الحراسة الإتفاقية، كالحراسة القضائية، إجراء مؤقتاً لا مساس له بالموضوع، وله صفة التحفظ . وكذلك تبقى الحراسة الاتفاقية خاضعة لنفس الأحكام التي تخضع لها الحراسة القضائية من حيث الآثار التي تترتب عليها والتزامات الحارس وحقوقه وانتهاء الحراسة . (الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء : السابع ، المجلد : الأول ، الصفحة : 1010)
الحراسة أما أن تكون إتفاقية وأما أن تكون قضائية، وكلاهما اجراء مؤقت لا يمس أصل الحق يقصد به التحفظ على المال، وتخضع الحراستين لأحكام واحدة سوف نتناولها في المواد التالية، ويكفي لقيام الحراسة الإتفاقية أن يتفق عليها الخصوم في عقد مستقل أو بموجب شرط تضمنه عقد مبرم بينهم كأن يشترط أنه في حالة تخلف المشتري عن الوفاء بأحد الأقساط توضع العين المبيعة تحت حراسة شخص يعينه بذات العقد فإن خلا العقد من شخص الحارس أو توفي بعد الإتفاق عليه أو حجر عليه أو تنحى جاز للخصوم تعيين حارس آخر بعد ذلك فان لم يتفقوا قام القاضي بتعيينه دون بحث للحراسة ذاتها فقد تقررت بإتفاق الخصوم ومن ثم لا يكون للقاضي ولا لأحد الخصوم أن يجحد الحراسة لأي سبب ولو بتخلف شرط قيام الخطر العاجل إذ أن هذا الشرط قاصر على الحراسة القضائية دون الإتفاقية، ويكون الإختصاص لقاضي الموضوع إلا إذا توافر شرط الإستعجال فينعقد الإختصاص حينئذ لقاضي الأمور المستعجلة فإن لم يتوفر هذا الشرط لم يكن القضاء المستعجل مختصاً حتى لو اتفق الخصوم على إختصاصه إذ أن الإختصاص النوعي متعلق بالنظام العام فلا يجوز الإتفاق على ما يخالف أحكامه، وتظل الحراسة اتفاقية رغم تدخل الفضاء ويحكمها العقد المبرم بشأنها فإذا ارتكب الحارس ما يستوجب عزله أو أساء الإدارة جاز لأي من الخصوم أن يطلب عزله، كما يجوز عزله بإجماع الآراء.
وإذا تعدد أطراف العقد الذي تضمن الإتفاق على الحراسة، وجب موافقة جميع أطرافه على الحراسة ومهمة الحارس وتعيينه، فإن لم يتوافر إجماعهم على تلك العناصر، فلا تنعقد الحراسة الإتفاقية ولا يبقى إلا الحراسة القضائية إذا توافرت شروطها، فلا يعتد حينئذ عند القضاء في دعوى الحراسة، بما كانت الأغلبية قد اتجهت اليه من الإتفاق السابق على الحراسة، إذ طالما لم يتوافر الإجماع فلا يجوز رفع دعوى بفرضها إلا إذا توافرت الشروط اللازمة لذلك.
وإذا تم الإتفاق على الحراسة دون تعيين الحارس أو تحديد الأعمال التي تناط به، وجب إجماع الآراء على ذلك، وإلا جاز لأي من الأطراف اللجوء للقضاء التعيين حارس وتحديد أعماله، دون بحث لشروط الحراسة القضائية، لأن مهمة القاضي في هذه الحالة تنحصر في الطلبات المطروحة عليه في شأن الحراسة الإتفاقية.
وتخضع الحراسة الإتفاقية للقواعد التي تخضع لها العقود، وبالتالي يجب توافر الأهلية اللازمة في التصرف الذي ترد عليه الحراسة، فإن كان من أعمال التصرف، کالبيع، وجب توافر أهلية التصرف، وأن كان من أعمال الإدارة كالإيجار، وجب أن تتوافر أهلية التصرف أو أهلية الادارة، كما لو تضمن عقد الإيجار أنه في حالة تأخر المؤجر عن تسليم العين المؤجرة، توضع تحت الحراسة وحينئذ تكفي أهلية الإدارة.
كما تخضع الحراسة الإتفاقية، لكافة أسباب الإنحلال، كالفسخ والبطلان، فقد تتضمن قيام الخصم بعمل معين قبل التنفيذ إلا أنه يخل به، مما يجوز معه لخصمه التمسك بفسخها، ولا يبقى إلا الحراسة القضائية إذا توافرت شروطها، وقد يقع المتعاقد في غلط أو تدليس أو إكراه، وبالتالي يجوز له التمسك ببطلان الحراسة، والدفع بعد تنفيذ التزامه إذا كان يوجب عليه تسليم العين .
وقد تتم الحراسة الاتفاقية بعد أن ينشب النزاع بين المتعاقدين، وقد لا يكون بينهم عقد، فيدعى كل منهم أن له حقاً على العين، سواء كانت عقاراً أو منقولاً، فيتفقان على تسليمها لحارس لحفظها وإدارتها وتسليمها لمن يثبت أنه صاحب الحق فيها، بموجب حكم نهائي أو إتفاق لاحق، وبالتالي لا يشترط الإعتبار العين متنازعاً فيها قيام دعوى بين الطرفين المتنازعين، وإنما يكفي مجرد الخلاف بينهما كالخلاف بين مالكين على الشيوع، وقد يتعلق الخلاف بأمر فرعی كإدارة العين واستغلالها.
كما ترد الحراسة الإتفاقية على حق إحتمالی غیر ثابت، كما لو كان مقترناً بشرط موقف أو فاسخ، فقد لا يتحقق الشرط الموقف، أو يتحقق الشرط الفاسخ، وفي الحالتين لا يثبت الحق.(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء : العاشر ، الصفحة : 240)
واضح من النص أن هذا التعريف ينصرف إلى الحراسة الإتفاقية فالحراسة الإتفاقية هي التي توصف بأنها عقد.
تظهر أهمية الحراسة من كونها إجراء مؤقتاً يتخذ للمحافظة على حقوق ومصلحة الخصوم حتى يحسم الأمر في أصل الحق إما اتفاقاً أو قضاءً ، والذي قد يستغرق وقتاً طويلاً ويعرض بالتالي حقوقهم ومصالحهم للخطر.
ورغم أهمية الحراسة فإنه لم يرد بشأنها بالتقنين المدنى القديم سوى مادتين فقط، تخللتها النصوص المتعلقة بالوديعة، إلى أن صدر التقنين المدني الجديد ونظمها ببعض النصوص غير القليلة مستلهما في ذلك ما استقر عليه القضاء في العديد من الأحكام، إذ عقد لها فصلاً خاصاً ، هو الفصل الخامس من الباب الثالث من العقود الواردة على العمل وخص الحراسة بتسع مواد.
تنقسم الدراسة إلى عدة أنواع.
(1) الحراسة الاتفاقية :
وقد أوردنا تعريفا لها، وهي الحراسة التي تتم باتفاق الطرفين ولئن كان يشترط في الحراسة القضائية - كما سنرى - توافر الخطر العاجل الذي يبرر فرض الحراسة، فإن الإتفاق على الحراسة يغني عن تحري هذا الشرط، ويكفي أن يكون الخصوم قد اتفقوا على وضع المال المتنازع عليه تحت الحراسة حتى يفترض أن هناك خطراً عاجلاً يستدعي وضع المال تحت الحراسة ومن الجائز أن يتفق الطرفان على الحراسة، ولكنهما يختلفان في شخص الحارس، فيلجأ الطرفان أو أحدهما إلى المحكمة لتعيين حارس لهما على النحو الذي يعين به الحارس القضائي.
(2) الحراسة القضائية :
وهي التي تفرض بموجب حكم من القضاء، ويجوز أن تفرض الحراسة بحكم القضاء، ثم يتفق الطرفان على تعيين الحارس.
(3) الحراسة القانونية :
الحراسة القانونية هي التي يقررها القانون بغير حاجة إلى حكم من القاضي أو إتفاق بين الأفراد.
وتنظم هذه الحراسة نصوص خاصة واردة سواء في التقنين المدني أو في قانون المرافعات أو في أي قانون خاص آخر. وسنعرض فى المبحث التالى البعض أمثلة الحراسة القانونية.
(4) الحراسة الإدارية :
الحراسة الإدارية هي تلك التي تفرضها جهة الإدارة على المرفق العام الذي يدار بطريق الإلتزام في حالة توقف المرفق كلياً أو جزئياً أو عدم قدرة الملتزم على إدارته أو ارتكابه مخالفات جسيمة تهدد سير المرفق وتجعل الملتزم غير أهل لإدارته، وفرض الحراسة في هذا الحالة حق قائم للجهة الإدارية سواء نص عليه في وثيقة الإلتزام أم لا، إذ أن الحراسة الإدارية كجزاء تعتبر من الجزاءات التي تتولد عن عقد الإلتزام استناداً إلى السلطة اللائحية التي ل لإدارة في العقود الإدارية ولو لم ينص على ذلك صراحة.
(5) حراسة الطوارئ :
حراسة الطوارئ هي تلك التي تفرض استناداً إلى القرار بقانون رقم 162 لسنة 1958 بشأن حالة الطوارئ وتعتبر إجراء من إجراءات الأمن تلجأ إليه الدولة عقب إعلان حالة الطوارئ فيها، فقد أجازت الفقرة الرابعة من المادة الثالثة من القرار بقانون (معدلة بالقرار بقانون رقم 37 لسنة 1972) على أن الرئيس الجمهورية متى أعلنت حالة الطوارئ تكليف أي شخص بتأدية أي عمل من الأعمال والإستيلاء على أي منقول أو عقار .... الخ.
وقد صدرت تشريعات عديدة تتعلق بحراسة الطوارئ منها القرار بقانون رقم 150 لسنة 1964 برفع الحراسة عن أموال وممتلكات بعض الأشخاص والقرار بقانون رقم 49 لسنة 1971 بتصفية الحراسة على أموال وممتلكات الأشخاص الخاضعين لأحكام القانون رقم 150 لسنة 1964 برفع الحراسة عن أموال وممتلكات بعض الأشخاص، والقرار بقانون رقم 52 لسنة 1972 بتصفية الحراسات المفروضة طبقاً للقانون رقم 150 لسنة 1964 والقرار بقانون رقم 53 لسنة 1972 بتصفية الحراسات السابقة على القانون رقم 34 لسنة 1971 والقانون رقم 69 لسنة 1974 بإصدار قانون تسوية الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة، والقرار بقانون رقم 141 لسنة 1981 بتصفية الأوضاع الناشئة عن فرض الحراسة.
وكان قد صدر القانون رقم 34 لسنة 1971 بتنظيم فرض الحراسة وتأمين سلامة الشعب وبموجبه أصبح لا يجوز فرض الحراسة على أموال الأشخاص الطبيعيين إلا بحكم قضائی وفي الأحوال الواردة في هذا القانون ووفقاً للضوابط المنصوص عليها فيه (م 1).
ونصت مادته العاشرة على تشكيل المحكمة التي تختص بالفصل في دعاوي فرض الحراسة.
(6) حراسة التعبئة :
ينظم هذه الحراسة القرار بقانون رقم 87 لسنة 1960 في شأن التعبئة العامة.
وتعلن التعبئة العامة بقرار من رئيس الجمهورية في حالة توتر العلاقات الدولية أو قيام خطر الحرب أو نشوب حرب (م 1).
وللجهة الإدارية المختصة أن تصدر قراراً بكل أو بعض التدابير اللازمة للمجهود الحربي منها الإستيلاء على العقارات أو شغلها والإستيلاء على المحال العامة والمحال الصناعية والتجارية والإستيلاء على العمليات الخاصة بموضوع التزام مرفق عام أو على المحال التي تعمل لحساب الحكومة (م 24 - رابعاً وخامساً وسادساً) .
عرف بعض الفقهاء الحراسة القضائية بأنها : "إيداع الشيء الموضوع تحت يد القضاء عند شخص معين بأمر المحكمة إن كانت المصلحة قاضية بذلك " .
وهذا التعريف ناقص، لأنه قصر الحراسة على الأشياء الموضوعة تحت يد القضاء، فأخرج من حكمها الأشياء المتنازع عليها التي لا تكون موضوعة تحت يد القضاء .
وعرفها آخرون بأنها : "إيداع شيء متنازع عليه، بأمر القضاء عند شخص معين، حتى ينتهى النزاع".
وهذا التعريف ناقص أيضاً ، لأنه قصر الحراسة على الأشياء المتنازع عليها، مع أن الحراسة على الأشياء الخالية من النزاع جائزة أيضاً ، وفضلاً عن ذلك فإن التعريف لا يتسع بحيث يصعب أن يدخل فيه حالات الحراسة على المجاميع الأموال، وقد أصبحت الحراسة عليها شائعة في العصر الحديث كما نصت على جواز الحراسة عليها القوانين الحديثة، مثل القانون المدني المصري الجديد.
ولذلك عرف بعض ثالث الحراسة القضائية بأنها: نيابة يوليها القضاء بإجراء مستعجل ووقتي يأمر به، استناداً إلى نص في القانون، بناء على طلب صاحب المصلحة، إذا رأى القاضي أنها إجراء ضروري للمحافظة على حقوق أصحاب الشأن ومصالحهم، ويعهد القاضى للحارس، بموجب هذا الإجراء، بمنقول أو عقار أو مجموع من المال لحفظه وإدارته ليرده مع غلته المقبوضة لمن يثبت حقه فيه وقد يعهد القاضى إلى الحارس بتصفية المال وتوزيع ما ينتج منه على أصحاب الحق فيه".
ويمضي هذا البعض قائلاً بأن الحراسة القضائية هي في الواقع نيابة قانونية وقضائية. فهي نيابة قانونية لأن القانون هو الذي يحدد نطاقها ويبين حالاتها ويوضح أركانها ويعين آثارها. وهي نيابة قضائية أيضاً لأن القضاء هو الذي يضفي على الحارس صفته فلا تؤول إليه صفة النيابة إلا بمقتضى حكم منه والقضاء هو الذي يتولى في غالب الأحوال تحديد نطاق سلطتها وفقاً لنصوص القانون، وهو الذي يؤدي له الحارس حساباً عن عمله، وأخيراً هو الذي ينهي مأمورية الحارس القضائي.
ونرى تعريف الحراسة بتعريف مقارب للتعريف السابق يتفق ومضمون نصوص القانون - بأنها : إجراء وقتي يحكم به القضاء بوضع منقول أو عقار أو مجموع من المال يقوم في شأنه نزاع أو يكون الحق فيه غير ثابت، أو إذا كان صاحب المصلحة في منقول أو عقار قد تجمع لديه من الأسباب المعقولة ما يخشى معه خطراً عاجلاً من بقاء المال تحت يده، بوضعه تحت الحراسة وتعيين حارس عليه يتكفل بحفظه وإدارته وبرده مع غلته المقبوضة إلى من يثبت له الحق فيه.
وهي بهذا الوصف نيابة قانونية وقضائية بالتفصيل الذي ذهب إليه الرأي الثالث.
تختلف الحراسة القضائية عن الحراسة الاتفاقية في عدة نواح هي :
1- الحراسة القضائية مصدرها نص القانون وحكم القضاء، أما الحراسة الاتفاقية فمصدرها الإتفاق.
وهذا يصدق على مبدأ فرض الحراسة فقط أما فيما يتعلق بتعيين الحارس فإنه يكون باتفاق ذوى الشأن جميعاً سواء في الحراسة القضائية أو الاتفاقية، فإذا ألم يتقوا عليه تولى القاضى تعيينه.
2- الأصل في الحراسة الاتفاقية أن تكون مجاناً ما لم يحصل الإتفاق على تقدير أجر الحارس، بعكس الحراسة القضائية، فالحارس يعين بحكم القضاء فيكون من حقه تقاضى أجراً ما لم يتنازل عنه صراحة.
3- يرجع الحارس القضائي بأتعابه ونفقاته على من يعينه القاضي من الخصوم لتحمل هذه المصاريف، أما الحارس الاتفاقي فإن رجوعه بماقد يستحق له من أتعاب ونفقات تختلف بإختلاف الظروف.
4- تختلف مسئولية الحارس الاتفاقي باختلاف كونه مأجوراً أو متطوعاً، وتتحدد مسئوليته على أي الحالتين وفقاً للأحكام المحددة لمسئولية الوديع.
الشروط الواجب توافرها في المال محل الحراسة:
يشترط في المال محل الحراسة أي المال الذي يجوز فرض الحراسة عليه أربعة شروط هي :
أولاً : قابلية المال للتعامل فيه :
يشترط لفرض الحراسة على المال أن يكون هذا المال قابلاً للتعامل فيه.
وينبني على ذلك أنه لا يجوز فرض الحراسة على الأموال العامة.
والأموال العامة طبقاً للمادة 1 / 87 مدني هي العقارات والمنقولات التي للدولة أو للأشخاص الإعتبارية العامة، والتي تكون مخصصة لمنفعة عامة بالفعل أو بمقتضى قانون (مرسوم) أو قرار من الوزير المختص.
وقد نصت الفقرة الثانية من المادة على أن هذه الأموال لا يجوز التصرف فيها أو الحجز عليها أو تملكها بالتقادم .
وحكمة هذا المنع ترجع إلى أن الشارع أسبغ على هذه الأموال حصانة قانونية خاصة تمنع من التعامل فيها أو وضع اليد عليها أو تملكها بمضي المدة، كما منع المحاكم من الحكم في الدعاوى المتعلقة بملكيتها، فتدخل القضاء في شأن ملكيتها وإحتمال الحكم بها للأفراد أو اتخاذ إجراء وقتی بشأنها يتعارض مع نصوص القانون، ويحول من جهة أخرى دون تمكن الحكومة من الإنتفاع بها لتقوم بوظيفتها العامة .
وتعتبر المصالح العمومية ذات الصبغة التجارية أو الصناعية التي تتولى الدولة أو الأشخاص الإدارية إدارتها واستغلالها كالسكك الحديدية والتليفونات والتلغراف والبريد مصالح إدارية تباشر خدمة عامة مما لا يجوز للقضاء التدخل في شئونها وفرض الحراسة القضائية عليها لما في ذلك من مخالفة واضحة المبدأ الفصل بين السلطات.
ويلاحظ أن هذه المصالح العمومية تتولاها في مصر هيئات عامة (لها شخصية اعتبارية عامة).
إما إذا كانت الدولة أو الهيئات الإدارية قد عهدت إلى فرد أو شركة بطريق الالتزام بإدارة أحد المرافق العامة كمشروعات توريد المياه والغاز والكهرباء والنقل فإن العلاقة بين ملتزم المرفق العام والدولة أو الهيئة مانحة الإلتزام تخضع لأحكام القانون الإداري لأن كل ما يرد من شروط عن طريقة إدارة المرفق ومدته وغير ذلك له صفة اللائحة، ولذلك فإن هذه الشروط لا علاقة لها بالقانون المدني، ومن ثم فلا ولاية للقضاء المدني بالفصل في المنازعات التي تقوم بين الملتزم والحكومة. أما بالنسبة للعلاقة بين الملتزم والمنتفعين، كعلاقة شركات المياه والغاز والكهرباء والنقل بعملائها فهذه علاقة تخضع لأحكام القانون المدني، وينبني على ذلك أن المنازعات التي تقوم في شأن هذه العلاقة تخضع لسلطان القانون المدني.
إلا أن ركن عدم قابلية المال للتعامل لا يجوز أن يؤخذ على إطلاقه، لأنه إن صح في أموال الحكومة العامة، فقد لا يصح في غيرها، فإن عدم قابلية الأموال الموقوفة للتصرف فيها لم يمنع المحاكم من وضعها تحت الحراسة القضائية حفظاً لحقوق الوقف أو المستحقين فيه أو لحقوق الدائنين .
كما أنه يجوز وضع الحراسة على الأموال العامة إذا كانت الصفة العامة لهذه الأموال وكذلك ملكيتها متنازعاً عليها ويدعيها أحد الأفراد.
وإذا أثيرت منازعة بشأن قابلية المال للتعامل فيه أو ملكيته وجب علی القاضى المستعجل أن يمحص هذا النزاع من ظاهر المستندات توصلاً إلى توافر ركن عدم قابلية المال للتعامل فيه من عدمه، فإذا تبين له قابلية المال للتعامل فيه قضى بالحراسة إذا توافرت شروطها، وإذا استبان له جدية القول بعدم قابليتها للتعامل قضى برفض الدعوى، وهو في ذلك لا يقضى في أصل النزاع بل يقضى دائماً وفقاً للظاهر من الأوراق.
غير أنه يجوز وضع الحراسة على زراعة الأفراد في الأملاك العامة بطريق الخفية أي بدون عقد إيجار، فإذا قام نزاع بين الأفراد حول الإنتفاع بذراع الأملاك العامة ومن منهم أحق بالمحصولات القائمة عليها، جاز وضع هذه المحصولات تحت الحراسة والحراسة هنا وضعت على المحصولات وهي أموال خاصة ولم تفرض على الأملاك العامة ذاتها .
أما الأموال الخاصة المملوكة للدولة والأشخاص الإعتبارية العامة، فيجوز وضعها تحت الحراسة، غير أن ذلك يستبعد أن يحصل في العمل بسبب ملائمة الحكومة والأشخاص الإعتبارية العامة وقدرتها على القيام بإلتزاماتها مما ينفي ركن الخطر الواجب في الحراسة.
وعلى أي حال فرقابة القضاء على الأموال الخاصة للدولة وكذلك على الأموال الخاصة للأشخاص الإعتبارية العامة رقابة كاملة لا تحددها قيود.
ولما كان القانون رقم 147 لسنة 1957 المعدل الأحكام المادة 970 مدني يقضي بأنه لا يجوز تملك هذه الأموال أو كسب أي حق عيني عليها بالتقادم، فإنه ينبني على ذلك أنه لا يجوز وضعها تحت الحراسة إذا كان النزاع يدور حول الحيازة أو تملكها أو تملك أي حق عيني عليها بالتقادم.
يجب أن يكون المال محل الحراسة قابلاً للحجز عليه لأن المال إذا كان غير قابل للحجز عليه، فإن فرض الحراسة عليه يتعارض مع ما يقرره المشرع من حماية لهذا المال، بمنع الحجز عليه.
ومثال ذلك القانون رقم 513 لسنة 1953 بعدم جواز التنفيذ على الملكية الزراعية في حدود خمسة أفدنة.
وتقضى المادة الأولى من هذا القانون بأن :
"لا يجوز التنفيذ على الأراضي الزراعية التي يملكها الزارع إذا لم يجاوز ما يملكه منها خمسة أفدنة، فإذا زادت ملكيته على هذه المساحة وقت التنفيذ جاز إتخاذ الإجراءات على الزيادة وحدها ويدخل فيما لا يجوز التنفيذ عليه.
(أ) الآلات الزراعية والمواشي اللازمة لاستثمار الأرض غير الجائز التنفيذ عليها.
(ب) مسكن الزارع وملحقاته.
ويعتبر زارعاً في أحكام هذا القانون كل من كانت حرفته الأصلية الزراعة وكانت هي كل أو جل ما يعتمد عليه في معيشته سواء باشرها بنفسه أو بواسطة غيره".
ونصت المادة الثانية منه على أن:
لا تسري أحكام المادة السابقة على :
(أ) أصحاب الديون الممتازة.
(ب) الدائنين بديون ناشئة عن جناية أو جنحة.
(ج) الدائنين بنفقة مترتبة على الزوجية وأجرة الحضانة أو الرضاع أو المسكن وبما يكون مستحقاً من المهر.
(د) الدائنين الذين ينص القانون على عدم سريان هذا القانون عليهم .
ومن ثم لا يجوز للدائن أن يطلب وضع هذه الملكية تحت الحراسة، لأنه لا يستطيع التنفيذ عليها حتى لو قضى له في موضوع الحق الذي يدعيه.
غير أنه إذا لم تكن الحراسة من أجل الدين، وإنما طلبت لسبب آخر، کنزاع على الملكية أو وضع اليد أو الإدارة، فإنه يجوز فرض الحراسة عليها لعدم تعارض الحراسة مع ما قصده الشارع من حماية واجبة لرعايتها، بل إن إجراء الحراسة يكون الغرض منها في الحالات المذكورة المحافظة على حقوق أصحاب الشأن من المزارعين .
أن يكون المال قابلاً لإدارته بواسطة الغير :
يجب أن يكون المال محل الحراسة قابلاً لإدارته بواسطة الغير.
وبالترتيب على ذلك لا يجوز فرض الحراسة على مكاتب المحامين وعيادات الأطباء ونحوهم من ذوي المهن الحرة، إذ لا يتصور أن يحل حارس محل المحامي أو محل الطبيب في مكتبه أو عيادته، لأن الاعتبار الشخصي الملحوظ في هذه الأحوال يمنع من ذلك، فهذه المهن تقوم على الكفاءة الشخصية لصاحبها، وهذه الكفاءة تختلف من شخص لآخر، وهي أساس ثقة عملائه فيه وتعاملهم معه، ومن ثم فإنه قد يترتب على فرض الحراسة انصراف العملاء عن صاحب المهنة، فضلاً عما تنطوي عليه الحراسة في هذه الصورة من سلب الحرية المحامي أو الطبيب في مزاولته مهنته الأمر الذي لا يجيزه الدستور، كما يفقده كرامته ويحط من سمعته ويدعو إلى عدم ثقة العملاء فيه.
إلا أن مناط ذلك هو قيام المحامي أو الطبيب بممارسة مهنته فعلاً .
ولكن يجوز فرض الحراسة على صيدلية، لأنه يمكن تعيين أحد الصيادلة حارساً عليها يتولى إدارتها.
وقد ذهب رأى إلى أن يشترط في المال محل الحراسة أن يكون مالاً متقوماً أي أن يكون قابلاً للإستغلال المادي، فيكون الغرض من وضعه تحت الحراسة نزعه من واضع اليد واستغلاله بمعرفة حارس، أما إذا كان المال غير قابل للاستغلال المادي فلا يجوز وضعه تحت الحراسة، ومثال ذلك المعاهد العلمية والنوادي الثقافية والإجتماعية والرياضية والنقابات المهنية والكنائس والمساجد، ورتب هذا الرأي على ذلك عدم جواز وضع إدارة مدرسة للتعليم الإبتدائي تحت الحراسة، لأن مهمة المدرسة تعليمية ثقافية ترمي إلى تعليم النشء وتثقيفهم، وليس من ورائها إستغلال مادي حتى يجوز نزع إدارتها من يدها وتكليف حارس قضائي بها ليجمع المال المتحصل منها ويوزعه على الشركاء .
غير أن الرأي الراجح فقهاً وقضاءً - والذي أخذت به محكمة النقض كما سنرى - يجيز فرض الحراسة على المنشآت الغير قابلة للاستغلال المادي، متى توافرت شروط الحراسة، ولم يرد حظر صريح أو ضمني من فرض الحراسة عليها، لأن هذه المنشآت وإن كانت لا تهدف إلى الكسب المادي إلا أن إدارتها تتطلب تدبير المال اللازم لصرف مرتبات الموظفين والعمال القائمين بشئون هذه الإدارة، فإذا ساءت إدارتها واضطرب فيها النظام بسبب استئثار أحد الشركاء أو الأعضاء بمواردها المالية وامتناعه عن صرف المرتبات والأجور المستحقة للعاملين بها، فقد أصبح من المتعين إقامة حارس عليها لإدارتها وتصريف شئونها".
ولكن تجنب المشرع في التقنين المدني الجديد هذا الخلاف ونص صراحة على جواز وضع الحراسة على المنقول والعقار ومجموع الأموال (المادتان 729 ، 730) ومن ثم فأصبح من الجائز - بلا خلاف وضع الحراسة على مجموع من المال.
ولما كان المحل التجاري في معنى المادة 2/594 مدنی مال منقول معنوي يتضمن مجموعة عناصر ومخصص لإستغلال تجارة أو صناعة معينة، وهو وإن كان يشمل عناصر مادية كالسلع والمهمات، وعناصر معنوية كالعنوان والإسم التجاري والحق في الإجارة والاتصال بالعملاء والسمعة التجارية وحقوق الملكية الصناعية، إلا أن له قيمة اقتصادية منفصلة تختلف عن القيمة الذاتية لكل من هذه العناصر على حدة فهو يمثل هذه العناصر مجتمعة منظوراً إليها كوحدة معنوية مستقلة بقواعدها وأحكامها الخاصة. ومن ثم فإنه يجوز وضع المحل التجارى تحت الحراسة القضائية طالما توافرت شروطها.
أن يكون المال متصلاً بموضوع الدعوى :
وهذا الشرط يمنع من وضع أموال الوكيل تحت الحراسة في دعوى حساب عن إدارته، إذ حتى لو ثبت انشغال نمته بمبلغ معين بعد تقديم الحساب، فإن هذا لا يستوجب رفع يده عن ماله.
غير أنه لا يمنع من فرض الحراسة أن تكون الأعيان المراد فرض الحراسة عليها مؤجرة للغير، وما على الحارس إلا اعتماد الإيجارات الصحيحة الصادرة عنها وتحصيل الأجرة ودفع الأموال والديون المستحقة على العقارات منها وتوزيع الصافي على الشركاء أو دفعه لصاحب العقارات أو إيداعه في الخزينة طبقاً للحكم الصادر بتعيينه فحكم الحراسة لا يخول الحارس نزع الأعيان من تحت يد مستأجرها .
حالتان يجوز فيهما فرض الحراسة القضائية :
الحالة الأولى : قيام نزاع جدي في شأن المال :
المقصود بهذه الحالة :
يشترط للحكم بالحراسة القضائية في هذه الحالة قيام نزاع جدي في شأن المال المراد وضعه تحت الحراسة، فهذا النزاع هو الذي يبرر فرض الحراسة.
ولم توضح المادتان 729 ، 730 من التقنين المدني النزاع المبرر للحراسة وماهيته وأحواله، عكس المادة 691 مدني فرنسي التي نصت على أحوال النزاع وهي المتعلقة بالملكية ووضع اليد. ولذلك لا يتحتم أن يكون النزاع الموجب للحراسة منصباً على الملكية أو وضع اليد.
وإيراد القانون اللفظ "النزاع" في صيغة مرنة غير محددة جاء تأثراً منه بما استقر عليه الفقه والقضاء من أن يترك للقاضي سلطة مطلقة في تقدير صدور النزاع التي تبرر الحكم بوضع المال تحت الحراسة، فيجوز له أن يقضي بها كلما اقتضتها المحافظة على حقوق الخصوم.
والمقصود بالنزاع هنا هو النزاع بمعناه الواسع، فهو يشمل النزاع المنصب على المنقول أو العقار أو مجموع الأموال المراد وضعها تحت الحراسة، أو النزاع الذي يتصل بهذا المال اتصالاً يقتضي عدم بقائه في يد حائزه وإن لم يكن منصباً على المال المذكور بالذات، فيمكن أن ينصب النزاع على إدارة المال واستغلاله أو على الريع وكيفية توزيعه على أصحاب النصيب.
ويجب أن يكون النزاع متعلقاً مباشرة بالشيء المطلوب وضعه تحت الحراسة، وأن يكون المقصود من الفصل في هذا النزاع رفع اليد الموضوعة على الشيء المتنازع فيه. وكل نزاع لا يحتمل أن يؤدى الفصل فيه مباشرة إلى هذه النتيجة لا يمكن أن يترتب عليه فرض الحراسة.
فالنزاع في الملكية يؤدي إلى الحراسة، لأن من نتائجه المحتملة رفع يد المدعى عليه عن العين المتنازع في ملكيتها عذر الحكم بالملكية لمدعيها.
وكذلك الحال بالنسبة إلى النزاع الخاص بقسمة المال الشائع، فإن من نتائج الفصل فيه رفع يد أحد الشركاء عن نصيب غيره في الملك.
وبالنسبة إلى فسخ الشركة وتصفيتها، فإن هذا الفسخ يترتب عليه رفع يد القائم بإدارة الشركة ووضع أموال الشركة وإدارتها في يد المصفى، وغير ذلك من الأحوال الأخرى المماثلة.
أما النزاع الخاص بحساب الإدارة الذي ينتهي بالحكم على المدعى عليه بما يظهر في ذمته لخصمه المدعي فلا يمكن أن يكون سبباً للحراسة، لأن مآل الفصل فيه هو إثبات شغل الذمة بمبلغ معين والإلزام بدفعه، والحكم بهذا لا يمنع من استمرار يد المدعى عليه على العين المتنازع في حساب إدارتها.
ويكفي لتوافر شرط النزاع الذي يتطلبه القانون وجود مجرد خلاف بين صاحبي المصلحة فيه.
يشترط في النزاع الذي يبرر رفع دعوى الحراسة، أن يكون جدياً، ومعنى جدية النزاع أن يكون على أساس من الصحة يؤكده ظاهر المستندات المقدمة من طرفي الدعوى ومن الظروف والملابسات المحيطة بالدعوى. فإذا استبان القاضى جدية النزاع تعين عليه الحكم بفرض الحراسة، أما إذا كان الإدعاء لا تعلوه أي مسحة من الجد وجب عليه أن يقضي بعدم اختصاصه بنظر الدعوى وليس بعدم قبول الدعوى أو رفضها إذ أن النزاع هو شرط للحكم بالحراسة، وبالتالي لإختصاص القضاء المستعجل نوعياً بنظر الدعوى.
وبالترتيب على ما تقدم لا يكفى لقيام النزاع الجدي، ادعاء طالب الحراسة بوجود نزاع بينه وبين المدعى عليه.
غير أنه لا يشترط لقيام النزاع الجدى رفع دعوى بالحق أمام محكمة الموضوع ، بل قد يكون المقصود من رفع الدعوى الموضوعية خدمة دعوی الحراسة، ولذلك لابد أن تستخلص المحكمة النزاع من واقع هذه القضية.
ويظل قاضى الأمور المستعجلة مختصا بالنظر في طلب الحراسة أثناء قيام الدعوى أمام محكمة الموضوع، إذ يكون للطالب في هذه الحالة الأخيرة الخيار بين أن يلجأ إلى المحكمة الموضوعية ليحصل منها على حكم وقتی مستعجل أو إلى قاضى الأمور المستعجلة ليحصل منه على حكم مستعجل.
وقد يعترض على عدم اشتراط أن تكون هناك دعوى مرفوعة أمام القضاء بأن هذا يمكن الخصم من انتزاع المال من يد خصمه بوضعه تحت الحراسة، ثم لا يرفع الخصم دعوى النزاع الموضوعية فيبقى المال تحت الحراسة إلى غير أجل معين ويرد على هذا الإعتراض بأنه في وسع الخصم الآخر أن يتظلم من بقاء الحراسة. كما يجوز له أن يطلب من المحكمة تحديد ميعاد لرفع دعوى الموضوع وتوقيت الحراسة بهذا الميعاد.
تقدير النزاع متروك لقاضى الموضوع :
يستقل قاضي الحراسة بتقدير أوجه النزاع التي تبرر فرض الحراسة، فركن النزاع من المسائل الموضوعية التي تقدرها محكمة الموضوع، دون رقابة عليها من محكمة النقض طالما أقامت قضاءها على أسباب تؤدي إلى النتيجة التي رتبتها عليها.
من الأمثلة على النزاع الذي يبرر وضع المال تحت الحراسة القضائية ما يأتي :
النزاع على الملكية أو الحيازة :
إذا وقع نزاع على ملكية عقار وكان العقار في يد الحائز واستوفى الشروط اللازمة لحماية حيازته بدعوى منع التعرض أو بدعوى استرداد الحيازة، لم يجز في الأصل أن يؤخذ العقار منه عن طريق وضعه تحت الحراسة، بل يبقى العقار في يده، وعلى الخصم الآخر أن يرفع دعوى الملكية.
غير أنه إذا أثبت الخصم الآخر أن هناك خطراً عاجلاً من بقاء العقار تحت يد الحائز، كما إذا أهمل الحائز في المحافظة على العقار وأخذ يبدد غلته توقعاً الآن يحكم لخصمه بالملكية، جاز للخصم أن يطلب وضع العقار تحت الحراسة القضائية، وذلك إلى أن يفصل في دعوى الملكية.
وقد لا يكون النزاع منصباً على الملكية وإنما على الحيازة، كما إذا امتنع المدين الراهن رهنا حيازيا عن تسليم العين المرهونة إلى الدائن، فأقام الأخير دعوى بتسليم العين، ولكنه خشي أن يخرب الراهن العين وأن هناك خطراً عاجلاً يهدد مصلحته، فإنه يجوز له رفع دعوى حراسة عليها حتى يفصل فى دعواه الموضوعية.
إذا لم يتمكن الراسي عليه المزاد من تسلم الأرض بسبب منازعات يثيرها المدين المنزوعة ملكيته، كان له طلب وضع العين تحت الحراسة إذا أثبت أن في بقاء الأرض تحت يد المدين خطراً يهدد مصلحته، كما لو استمر المدين في إستغلال الأرض لمصلحته إستغلالاً يضر بها أو بمصلحته .
ويجوز أيضاً للدائنين طلب الحراسة على الأعيان المبيعة بالمزاد إذا قصر الراسي عليه المزاد في دفع الثمن، وكان في حالة إفلاس لا تمكنه من دفعه، خصوصاً إذا استمر المدين المنزوعة ملكيته واضعاً يده على العقار يحصل على ريعه إضراراً بالدائنين.
من الحالات التي يجوز فيها للبائع طلب فرض الحراسة على الشيء و المبيع ما يأتي :
1- إذا كان البائع قد رفع دعوى على المشتري ببطلان عقد البيع لخلل في أحد أركانه، أو بإبطاله لنقص في الأهلية أو لعيب في الرضاء، أو بفسخه لتخلف المشتري عن دفع الثمن، أو لإخلاله بشروط البيع، وكان في بقاء العين المبيعة تحت يد المشتري خطر عاجل، إذ يجوز له طلب وضع العين المبيعة تحت الحراسة حتى يفصل في دعواه الموضوعية .
2- إذا كان البائع الذي يتمتع بإمتياز البائع لم يستوف الثمن ويخشى على الأعيان المبيعة من عدم العناية بها وإهمالها، فإن كانت أرضاً زراعية بتركها بوراً أو بزراعتها زراعة متوالية بدون تسميد حتى تستنزف قوتها وتقل قيمتها الأمر الذي يؤثر على ضمان امتياز البائع .
3- إذا كان العقار المبيع مثقلاً بأعباء أخرى تركها المدين تتزايد بقبضه جميع الريع، وعدم وفاء الدائنين ديونهم منه، فضلاً عن سوء إدارته، وتعريضه حقوق البائع لخطر الضياع.
4- إذا كان الحائز أهمل تنفيذ الأعمال التي تطلبها السلطة الإدارية مما يعرضها لنزع ملكيتها .
أو إذا امتنع عن سداد الأموال الأميرية الأمر الذي يعرضها لتوقيع الحجز الإداري عليها وبيعها بأبخس الأثمان، مما يترتب عليه نقص ضمان البائع الذي لم يستوف الثمن.
5- إذا حكم للشفيع بالشفعة، وكان هناك خلاف بينه وبين البائع على مقدار الثمن والمصروفات .
6- إذا طعن البائع في عقد البيع المنسوب إليه بالتزوير، وتبين من التحقيقات التي أجرتها الجهة المختصة جدية الطعن.
7- إذا كان الشيء المبيع ثمار حديقة وتأخر المشتري في دفع باقي الثمن المتفق عليه في العقد بحجة عدم تسلمه الحديقة أو بحجة عدم جنى شيء من ثمارها الحصول عجز في مساحتها عن المقدار الوارد في عقد البيع إذا كان جني الثمار متنازعاً عليه بين الطرفين وكان في استمرار الثمار الناضجة على الشجر بدون بيع ضرر محدق بحقوق الطرفين البائع والمشتري.
ولكن لا يجوز للبائع الذي لم يستوف الثمن، إذا لم يكن هناك خطر عاجل يهدد حقوقه، أن يطلب فرض الحراسة على العين المبيعة بدعوى أن إجراءات نزع الملكية إجراءات طويلة وأن الحراسة طريق للوصول إلى حقه في وقت قريب، لأن نزع الملكية هو الطريق الوحيد الذي رسمه القانون لتنفيذ الدائن بحقه، ولم تشرع الحراسة كوسيلة لإجبار المدين على الوفاء بالتزاماته.
وإذا كان العقار المبيع مزرعاً أو مؤجراً، ويدار إدارة حسنة ويقوم حائزة بتنفيذ ما تفرضه السلطة الإدارية من أعمال، ولا يوجد أي خوف على حقوق البائع الذي لم يستوف الثمن، فلا يجوز فرض الحراسة القضائية على العقار .
فرض الحراسة القضائية بناءً على طلب المشتري :
إذا رفع المشتري على البائع دعوى بصحة عقد البيع وتسليم العين المبيعة، وخشي أن يخرب البائع العين أو يهمل فيها بما ينقص من قيمتها أو يؤثر على إنتاجيتها، كان له فرض الحراسة حتى يحكم في دعواه الموضوعية.
ولكن إذا كان البائع قد تصرف في العين لمشتر آخر قبل أن يسجل المشتري الأول دعوى صحة التعاقد والتسليم لم يجز الحكم بوضع العين تحت الحراسة، لأن الدعوى الموضوعية غير منتجة في تسليم العين إلى المشتري الأول.
غير أنه إذا نازع المشتري في صحة العقد المسجل بأن ادعى التواطؤ بين البائع والمشتري الثاني إضراراً بحقوقه، وثبتت جدية النزاع، جاز وضع العقار المبيع تحت الحراسة.
حكم الاتفاق بين البائع والمشتري على فرض الحراسة :
قد يشترط البائع على المشتري في عقد البيع أنه في حالة عدم وفاء المشتري بالثمن في الميعاد، يكون للبائع طلب وضع المبيع تحت الحراسة.
وقد ذهبت أحكام عديدة إلى أن هذا الشرط صحيح وليس مخالفاً للنظام العام، فيجب نفاذه والحكم به مستقلاً عن شرطي الإستعجال أو الخطر.
وهذا القضاء محل نظر، لأنه من المقرر أن اشتراط البائع في عقد البيع وضع المبيع تحت الحراسة في حالة التأخير في دفع الثمن لا تأثير له على إختصاص قاضي الأمور المستعجلة، لأن إختصاص القاضى المستعجل يستند إلى قاعدة من النظام العام لا يجوز الإتفاق على حكمها، ولا يجبر القاضي المستعجل على الإخلال بها، تنفيذاً لإتفاق خاص وإلا خرج عن اختصاصه.
واختصاص القاضى المستعجل مناطه الإستعجال وعدم المساس بالموضوع، فإذا لم يتوافر هذان الشرطان فلا اختصاص له.
رابعاً : النزاع بين المؤجر والمستأجر :
يتصل بالنزاع على الحيازة نزاع يتصل بعقد الإيجار بين المؤجر والمستأجر، فينصب النزاع بطريق غير مباشر على الحيازة عن طريق النزاع المباشر على عقد الإيجار.
ويترتب على وجود هذا النزاع حق كل من المؤجر والمستأجر في طلب فرض الحراسة على العين المؤجرة.
ونعرض فيما يلي أمثلة للحالات التي يجوز فيها لكل من المؤجر والمستأجر طلب فرض الحراسة القضائية على العين المؤجرة.
(أ) فرض الحراسة القضائية بناء على طلب المؤجر :
من الحالات التي يجوز فيها للمؤجر طلب فرض الحراسة على العين المؤجرة ما يأتي :
1- إذا طعن المؤجر في عقد الإيجار بالبطلان أو الإبطال أو طلب فسخه وكان في وضع العين المؤجرة تحت يد المستأجر خطر عاجل يهدد مصالح المؤجر.
2- إذا عمد المستأجر إلى إنقاص ضمان وفاء الأجرة ببيع البضائع الموجودة في المحال المؤجرة، والتي تعتبر ضامنة لوفاء الأجرة، من غير أن يظهر نيته في استبدال غيرها بها وفي هذه الحالة تكون مهمة الحارس قبض مبلغ معين من ثمن البضائع المبيعة يخصص لمواجهة تنفيذ نصوص عقد الإيجار.
3- إذا كانت الأعيان المؤجرة عبارة عن أرض زراعية وأخذ المستأجر يعمل على إنقاص ضمان وفاء الأجرة بإهماله زراعتها وتركها بوراً، وكانت الضرورة تقضي بتهيئة الأرض للزراعة حالاً .
4- تعيين حارس قضائي على المحصولات الزراعية التي وقع عليها الحجز التحفظي من أجل الأجرة المتأخرة، ليتولى الحارس جمعها وبيعها وإيداع ثمنها خزانة المحكمة على ذمة الفصل في دعوى الأجرة، وذلك توقياً لتلف المحصولات أو انخفاض أسعارها إذا تركت دون جمع وبيع .
5- تعيين حارس على العين ليقوم بتحصيل الإيجار من المستأجرين وإيداعه خزينة المحكمة حتى يفصل في دعوى بطلان حجز ما للمدين لدى الغير .
6- إذا قام نزاع بين المؤجر والمستأجر حول تفسير شروط الإيجار ومدى أحقية المؤجر لجزء من المحصولات إلى جانب قيمة الإيجار، وتكون مهمة الحارس جمع المحاصيل وبيعها وإيداع ثمنها خزانة المحكمة على ذمة الفصل في هذا النزاع.
7- إذا قام نزاع بين المؤجر والمستأجر بشأن تجديد عقد الإيجار تجديداً ضمنياً أو امتداده، وتكون مهمة الحارس إيداع ثمن غلة العين خزانة المحكمة إلى أن يفصل في هذا النزاع .
8- إذا أهمل المستأجر تنفيذ الأعمال التي تطلبها السلطة الإدارية مما يعرض المؤجر لنزع ملكية الأرض.
9- إذا امتنع المستأجر عن سداد الأموال الأميرية مما قد يترتب عليه توقيع الحجز الإداري على العين وبيعها بثمن بخس.
ولا يجوز الحكم بتعيين حارس على عين مؤجرة إذا أسس طلب الحراسة على صورية عقد الإيجار الصادر عنها حتى ولو رفعت دعوى ببطلان الإيجار لم يفصل فيها بعد خصوصاً إذا كان المستأجر في حالة من اليسار لا يخشى معها على حقوق المؤجرة.
وإذا قضى ببطلان الحكم الصادر بتعيين الحارس واعتباره كأن لم يكن بالنسبة لشخص معين فلا يجوز لآخر طلب وضع أعيان مملوكة إليه تحد الحراسة القضائية بحجة استئجارها من الحارس المقضي ببطلان تعيينه حتى يفصل من المحكمة في النزاع الخاص بالإيجار.
10- إذا لجأ المستأجر إلى الحصول على آجال لدفع الأجرة عن طريق توقيع حجوز صورية بأسماء دائنين خياليين، جاز للمؤجر أن يطلب تعیین حارس يعهد إليه بتحصيل الأجرة في مواعيدها المتفق عليها في عقود الإيجار حتى يفصل في صحة الحجوز الموقعة.
11- إذا تأخر المستأجر عن الوفاء بالأجرة في مواعيدها، إذا كان يخش على المحصولات القائمة في الأرض من التلف أو يخشى من انخفاض أسعاره إذا هي تركت في العين المؤجرة دون جمعها، أو إذا قام المستأجر بتبديد بعض المحصولات المحجوز عليها.
إنما لا يجوز للمؤجر فرض الحراسة القضائية إذا أسس طلب الحراسة على صورية عقد الإيجار الصادر عنها حتى ولو رفعت دعوى ببطلان الإيجار ولم يفصل فيها بعد خصوصاً إذا كان المستأجر في حالة من اليسار لا يخشى معها على حقوق المؤجر.
طلب فرض الحراسة القضائية بناء على طلب المستأجر :
الحالة الأولى :
فرض الحراسة القضائية في حالة عدم تسليم العين المؤجرة صالحة للإستعمال :
1- بالنسبة للأماكن الخاضعة لأحكام الباب الأول من القانون رقم 49 لسنة 1977 :
تنص الفقرة الخامسة من المادة 13 من القانون رقم 49 لسنة 1977 فى شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر على أن: "يلتزم المؤجر بتسليم العين المؤجرة صالحة للإستعمال في المواعيد المتفق عليها وإلا جاز للمستأجر بعد إعذار المالك إستكمال الأعمال الناقصة بترخيص من قاضى الأمور المستعجلة مع خصم التكاليف من الأجرة".
وعلى ذلك إذا كانت الأعمال الناقصة داخل العين المؤجرة وهو ما يعنيه هذا النص فإنه على المستأجر إعذار المالك بإستكمال الأعمال الناقصة فإذا لم يمتثل كان له أن يطلب من قاضي الأمور المستعجلة الترخيص له بإستكمال الأعمال الناقصة مع خصم التكاليف من الأجرة، ولا يحتاج الأمر إلى فرض الحراسة على العين المؤجرة.
أما إذا كانت الأعمال الناقصة بالأجزاء المشتركة من العقار كمدخل المبنى أوء السلالم، فإن القيام بهذه الأعمال يلتزم بها المؤجر أيضاً باعتبارها من ملحقات العين عملاً بالمادة 564 مدني التي تقضي بأن : "يلتزم المؤجر أن يسلم المستأجر العين المؤجرة وملحقاتها في حالة تصلح معها لأن تفي بما أعدت له من المنفعة، وفقاً لما تم عليه الإتفاق أو لطبيعة العين".
وفي هذه الحالة إذا تقاعس المؤجر عن القيام بالأعمال الناقصة في هذه الأجزاء المشتركة كان للمستأجرين أو لأحدهم طلب وضع العقار تحت الحراسة القضائية وتعيين حارس عليه يحسن أن يكون من المهندسين المختصين تكون مهمته قبض الأجرة من المستأجرين والقيام بالأعمال الناقصة وتسليم الباقي إلى المالك.
ذلك أن تقاعس المؤجر عن إستكمال الأعمال السالفة الذكر يعطل انتفاع المستأجر بالعين وهذا يكون ركن الخطر العاجل الواجب توافره في دعوى الحراسة القضائية.
تجب التفرقة في فرض الحراسة على التركة بين حالتين :
الحالة الأولى : هي التي يعين فيها مصف للتركة.
الحالة الثانية : هي التي لا يعين فيها مصف للتركة. ونعرض لهاتين الحالتين فيما يلي :
(أ)- حالة تعيين مصف للتركة:
نصت المادة 875 مدني في فقرتها الأولى على أن: "تعيين الورثة وتحديد أنصبائهم في الإرث وانتقال أموال التركة إليهم تسري في شأنها أحكام الشريعة الإسلامية والقوانين الصادرة في شأنها".
ثم نصت الفقرة الثانية من المادة على أن: "وتتبع في تصفية التركة الأحكام الآتية" ثم نص بعد ذلك في المواد من 879 حتى 914 على أحكام تفصيلية في تصفية التركة وجردها وتسوية ديونها وتسليم أموالها وقسمتها.
إذا لم يعين مصف التركة، فقد تقوم الحاجة لفرض الحراسة القضائية، ويمكن رد الأسباب التي تدعو لوضع أموال التركة تحت الحراسة إلى ثلاثة أسباب هي :
1- النزاع على أيلولة التركة.
2- النزاع على إدارة التركة أو استغلالها.
3- النزاع على الوفاء بديون التركة.
ونعرض لهذه الأسباب تفصيلاً على النحو الآتي :
السبب الأول : النزاع على أيلولة التركة :
استقرت أحكام المحاكم على جواز وضع أموال التركة تحت الحراسة القضائية إذا وجد نزاع على أيلولة التركة وكان إجراء الحراسة ضرورياً لحفظ مصالح أصحاب الشأن فيها .
ويجوز طلب الحراسة بسبب النزاع على أيلولة التركة، إما من الموصى له أو من أحد الورثة أو ممن يدعى الوراثة.
وتوضع الحراسة إما على التركة بأكملها أو على جزء منها أو على المال المعين الموصى به، كل ذلك تبعاً لظروف كل حالة.
يكفي لفرض الحراسة القضائية قيام خلاف بين الورثة على الإدارة والإستغلال وما يترتب على ذلك من اضطراب وتعطيل للإدارة والإستغلال وتعريض حقوق التركة ومصالحها للضياع.
لم يستقر القضاء - قبل صدور التقنين المدني الجديد على مبدأ معين في جواز فرض الحراسة القضائية على التركة كلها وفاء لديونها، فذهبت بعض الأحكام إلى عدم جواز ذلك، بحجة أن الحراسة القضائية تتصل بتنظيم الحقوق العينية وحمايتها، فلا يؤمر بها لمجرد ضمان وفاء الديون، فهي لم تشرع وسيلة الاستيفاء الديون ، خصوصاً إذا كانت أموال التركة يديرها وارث لم ينسب إليه أي إهمال في إدارتها ولم يحاول الدائن الحصول على دينه بالطرق العادية التنفيذ التي قررها القانون للدائن.
بينما ذهبت أحكام أخرى إلى جواز فرض الحراسة القضائية على التركة بناءً على طلب الدائنين وفاء لديونهم إذا أساء الورثة إدارتها وبددوا غلتها بدلاً من تخصيصها لوفاء الديون.
أما بعد صدور التقنين المدني الجديد فقد اتجه الرأي إلى أن المشرع إذ نص في المادة 875 مدني على أن الشريعة الإسلامية هي التي تطبق في میراث المصريين حتى ولو كانوا غير مسلمين، فإن ذلك يستتبع حتماً تطبيق القاعدة الشرعية التي تقضي بأن لا تركة إلا بعد سداد الديون، وأن من نتائج تطبيق هذه القاعدة أن يكون لدائني التركة حق إمتياز عليها بمقدار ديونهم مما يخول لهم تتبع أعيانها لاستيفاء حقوقهم بطريق الأفضلية على الوارث ومن يتعامل معه متی شهروا ديونهم طبقاً للأوضاع المقررة في المادة 14 من القانون رقم 114 لسنة 1946 الخاص بالشهر العقاري، وبذلك يصبح لدائني التركة مصلحة في طلب فرض الحراسة على أعيان التركة - إذا لم يكن قد عين مصف عليها - لا كوسيلة لسداد ديون التركة، بل كإجراء تحفظي يراد منه المحافظة على حقوق هؤلاء الدائنين، بمعنى أن تكون مأمورية الحارس مقصورة على إدارة أعيان التركة وإستغلالها وإيداع صافي المتحصل خزانة المحكمة إلى أن تعين المحكمة المختصة مصف على التركة .
ويشترط للحكم بالحراسة في هذه الحالة ما يأتي :
1- ألا يكون قد عين مصف على التركة لأن نظام التصفية - كما ذكرنا سلفاً - يقضي بإستقلال المصفى بإدارة التركة وتحصيل مالها من حقوق وبيع أعيانها كلها أو بعضها للوفاء بديونها.
2- أن يكون الدائن قد شهر دينه طبقاً للمادة 14 من قانون الشهر العقاري.
3- أن يكون هناك خطر على حقوق الدائنين من بقاء التركة تحت يد أحد الورثة، كما لو أساء إدارتها أو بعد غلتها أو أهمل تعميرها مما يضعف من الضمانات العامة المقررة للدائنين.
يتحدد حق الشريك المشتاع بقدر الحصة التي له في المال الشائع، ولكن حقه يرد على الشيء الشائع كله، فلا يتركز في جزء معين من هذا الشيء.
وللشركاء الآخرين مثل هذا الحق أيضاً، إذ يرد حق كل منهم في نفس الوقت على الشيء الشائع كله، فإذا كان للشريك المشتاع بمقتضى ما له من حق في ملكية الشيء الشائع أن يستعمل هذا الشيء وأن يستغله، فإن سلطته في هذا الإستعمال والإستغلال تكون مقيدة بحقوق الشركاء الآخرين، بحيث يتعين ألا يترتب على ممارسته لهذه السلطة المساس بحقوق غيره من الشركاء. وعلى ذلك نصت الفقرة الأولى من المادة 826 مدني بقولها : "كل شريك في الشيوع يملك حصته ملكاً تاماً ، وله أن يتصرف فيها وأن يستولي على ثمارها وأن يستعملها بحيث لا يلحق الضرر بحقوق سائر الشركاء".
وقد يقع النزاع بين الشركاء في شأن المال الشائع ويتخذ هذا النزاع إحدى صور ثلاث هي :
(أ) النزاع على الملكية.
(ب) النزاع على الإدارة.
(ج) النزاع على الديون التي يتحملها المال الشائع.
ونعرض لهذه الصور الثلاث بالتفصيل على النحو الآتي :
النزاع على الملكية :
قد يقع النزاع على أنصبة الشركاء في المال الشائع، فيدعى أحد الشركاء ملكيته وحده للمال الشائع، أو ينازع الشركاء واحداً منهم ويدعون أنه ليس له نصيب في المال الشائع، أو يدعى أحد الشركاء أن له نصيباً أكبر أو يدعی الشركاء أن واحداً منهم له نصيب أصغر.
وقد يستأثر أحد الشركاء أو بعضهم بالريع بزعم أنهم وحدهم أصحاب النصيب فيه وينازعهم الباقون في ذلك.
فإذا استبان للقاضى المستعجل جدية هذه المنازعات فإنه يقضي بفرض الحراسة القضائية على المال الشائع متى توافرت بقية أركان الحراسة الأخرى.
وتستمر الحراسة حتى ينتهي النزاع في الملك قضاء أو رضاء ويتعين على القاضي المستعجل في هذه الحالة أن يأمر الحارس بعدم تسليم الريع المقابل النصيب المتنازع عليه إلى الشركاء، بل يتعين الإحتفاظ به بإيداعه في خزانة المحكمة مثلاً حتى يفصل في النزاع على الملكية لأنه إذا قضى بغير ذلك يكون قد مس أصل الحق المحرم عليه أما الريع المقابل للقدر المتيقن من النصيب الخالي من أي نزاع فإنه يسلم بمعرفة الحارس لأربابه .
النزاع على الإدارة :
النزاع على إدارة المال الشائع من أهم المنازعات التي تعرض للشركاء في المال الشائع، ولذلك على التقنين المدني بتنظيم إدارة المال الشائع في المواد 827 وما بعدها .
رفع دعوى القسمة لا يستلزم بذاته فرض الحراسة القضائية على المال الشائع .
أما إذا طالت إجراءات القسمة وتنازع الشركاء في ملكية أو إدارة المال الشائع المدة التي تدوم فيها هذه الإجراءات، وكانت هناك أسباب جدية للخشية من ضياع الريع أو نقصه لسوء الإدارة، جاز لصاحب المصلحة من الشركاء طلب فرض الحراسة القضائية على المال الشائع.
أما إذا كان كل من الشركاء منتفعاً بما يوازي قيمة نصيبه في الأموال المشاعة بطريق قسمة المهايأة أو بحكم من القضاء فإن طلب الحراسة يضحي في غير محله.
الحراسة على حصة شائعة :
ليس ثمة ما يمنع من الناحية العملية من وضع حصة شائعة فقط تحت الحراسة دون باقي المال الشائع، فيكون الحارس في علاقته مع باقي الشركاء في نفس الوضع الذي كان فيه المالك للحصة موضوع الحراسة، فيستطيع الإتفاق معهم على استغلالها إما بتأجيرها للغير أو بقسمة إنتفاع. فإذا تعذر الإتفاق بين الحارس وباقي الشركاء، كان ذلك مبرراً لطلب فرض الحراسة على المال الشائع كله لإمكان إدارته وإستغلاله لمصلحة جميع الشركاء .
لا يجوز تعيين كل شريك حارساً على نصيبه في المال الشائع :
إذا قضى بفرض الحراسة القضائية على المال الشائع، فلا يجوز تعيين كل من الشركاء حارساً على حصته من المال الشائع، لأن العلة من الحراسة وهی قيام حالة الشيوع وعدم الإتفاق على الإدارة، لا يخفف منها أو يزيلها تخويل كل من الشركاء إدارة نصيبه شائعاً بصفته حارساً لا مالكاً .
من غير أنه إذا أمكن تقسيم المال الشائع قسمة مهيأة، جاز تعيين كل شريك حارساً على حصته، لأنه سينتفی وجود ثمة نزاع بين الشركاء على كيفية إدارة المال الشائع، ولا ينال من ذلك أن الحراسة قد تستمر مدة طويلة، لأنه لا يوجد ما يحول دون بقاء الإجراء التحفظي مدة طويلة حتى ينتهي النزاع اتفاقاً أو قضاءً .
وجوب توافر النزاع لفرض الحراسة على المال الشائع :
ذهب بعض الشراح إلى أنه لا يشترط للحكم بالحراسة في حالة الشيوع توافر النزاع الواجب توافره في دعاوى الحراسة الأخرى، بل يكفي قيام الشيوع وعدم الإتفاق على الإدارة.
غير أن الراجح في الفقه ذهب إلى أن دعوى الحراسة على المال الشائع يتعين أن يتوافر فيها كافة الأركان اللازم تحققها في كافة دعاوى الحراسة الأخرى حتى يحكم القضاء بفرضها، ومنها ركن النزاع إذ لا داعي لتخصيصها بوضع منفرد بغير مخصص من القانون حتى ولو رفعت من صاحب النصيب الأكبر .
قد يقع النزاع في ديون يكون المال الشائع مثقلا بها، كأن يكون مرهوناً في دين أو مترتباً عليه حق اختصاص أو حق امتياز.
فإذا تأخر بعض الشركاء في الوفاء بما يخصهم في هذه الديون وتنازعوا فيها، وخشي البعض الآخر من جراء هذه المنازعة أن تنزع ملكية المال الشائع جاز لأي منهم طلب وضع المال تحت الحراسة فيقبض الحارس ريع المال ويسدد منه الديون غير المتنازع فيها و يودع خزانة المحكمة قيمة الديون المتنازع فيها حتى يفصل في النزاع .
ومن هذا القبيل امتناع بعض الشركاء عن أداء نفقات الإصلاح المستحقة على المال الشائع أو سداد الأموال الأميرية المستحقة عليها.
وليس الغرض من الحراسة في الأحوال المذكورة هو قهر المدين على الوفاء بحصته في هذه الديون، بل يراد بها دفع الضرر عن حقوق الشركاء وإنقاذ المال الشائع من خطر إجراءات نزع الملكية التي يباشرها الدائنون أو مصلحة الضرائب.
تتصل بالحراسة على المال الشائع إدارة ملكية الطبقات والشقق.
والمقصود بملكية الطبقات والشقق، هي ملكية العقارات المقسمة إلى طبقات أو شقق إذا تعدد الملاك وكان لكل منهم طابق أو أكثر أو شقة أو أكثر يملكها ملكية خاصة فنكون بصدد نوعان من الملكية.
1- ملكية مفرزة، وهي ملكية الطبقات والشقق التي يملكها مفرزة ملاك متعددون.
2- ملكية شائعة شيوعاً جبرياً ، وهي أجزاء البناء المعدة للإستعمال المشترك بين الجميع مثل الأساسات والجدران الرئيسية والمداخل والأفنية والأسطح والسلم والمصاعد والممرات والدهاليز وقواعد الأرضيات وكل أنواع أنابيب المياه والغاز والنور وغيرها .
ويجري على الأجزاء المشتركة حكم الشيوع الإجباري فلا تقبل القسمة.
ويكون نصيب كل مالك فيها بنسبة قيمة الجزء المفرز الذي له في الدار، وليس للمالك أن يتصرف في نصيبه مستقلاً عن الجزء المفرز الذي يملكه، لما بين الشيئين من علاقة التبعية.
شركات الأشخاص في شركات التضامن والتوصية البسيطة والمحاصة.
وهذه الشركات يجوز فرض الحراسة القضائية عليها كلما توافر النزاع الجدي - مع باقي أركان الحراسة - ومن الأمثلة على ذلك ما يأتي :
1- أن يستأثر أحد الشركاء بالإدارة والأرباح بحيث يصبح من الخطر بقاء الأموال تحت يده .
2- أن يقوم نزاع بين أحد الشركاء وبين الشريك المتولى إدارتها في شأن ملكية بعض أموال الشركة، فيدعى الشريك أنها ملكه ويدعى المدير أنها ملك الشركة، ويصبح من الخطر بقاء تلك الأموال في يد المدير.
3- أن يهمل المدير الإدارة ويهمل مصالح الشركة التي يديرها.
4- أن يخلو منصب المدير لوفاته أو لعزله أو لاستقالته أو لغير ذلك من الأسباب .
5- أن يفلس الشريك المسئول في شركة التوصية.
6- أن يقيم أحد الأعضاء دعوى فسخ، فيحتدم النزاع بين المديرين والأعضاء، ويقوم خطر عاجل يستوجب حارساً قضائياً يتولى الإدارة مؤقتاً يفصل في دعوى الفسخ.
أما إذا أقام كل من طرفي التداعي دعوى موضوعية يستند فيها إلى بطلان عقد الشركة سند الدعوى فإنه لا يكون هناك ثمة نزاع جدى على شركة أقر طرفاها ببطلان عقدها، ويكون لذلك في القضاء بفرض الحراسة مساس بأصل الحق.
7- أن يخل المدير المعين في عقد الشركة بإلتزاماته إخلالاً جسيماً يقتضى استبدال غيره به حتى ولو كان متفقاً في عقد الشركة على تعيينه مصفياً .
8- أن يقوم نزاع بين الشركاء في قيمة أموال الشركة، أو فيما إذا كانت الشركة قد صفيت فعلاً أم لا.
9- أن يكون المدير المسئول في شركة التوصية قد أفلس، ويرى السنديك الكفالة حسن إدارة الشركة وضعها تحت الحراسة.
10- أن يتولى بعض الشركاء إدارة الشركة خلافاً لنصوص العقد ويستأثرون بالإدارة ويقوم الخلف بينهم وبين بقية الشركاء بما يتضح معه وجود خطر من إستمرار الوضع على ما هو عليه.
11- أن يقوم نزاع في طبيعة العلاقة التي تربط بين الطرفين هل هي شركة توصية أو إيجارة أشخاص.
12- إذا توفي أحد الشركاء المتضامنين ولم يوافق ورثته على الإستمرار في الشركة ولم يكن منصوصاً في عقد الشركة على جواز استمرارها بعد وفاة أحد الشركاء، جاز للورثة أن يطلبوا وضع الشركة تحت الحراسة إلى أن يبت في أمر حلها وتصفيتها.
الشركات المساهمة لها في هذا المجال وضع مميز عن وضع شركات - الأشخاص، ذلك أن الشريك في الشركات المساهمة (المساهم) لا يتولى إدارة الشركة بصفته مساهماً ولا يتولاها بصفته الشخصية وإنما الذي يباشرهذه المهمة هو مجلس الإدارة تحت إشراف الجمعية العمومية للشركة ولهذا فإن الخلاف بين المساهمين حول ملكية الأسهم لا يؤدى بذاته - كقاعدة عامة لفرض الحراسة على أموال الشركة المساهمة ، لأنه خلافاً للوضع بالنسبة لشركات الأشخاص لا يؤدي عادة إلى تعطيل أعمال الشركة المساهمة إذ أن الذي يتولى إدارتها هو مجلس الإدارة تحت إشراف الجمعية العمومية للشركة حسبما تسفر عنه آراء الأغلبية في حدود النصاب الأساسي للشركة .
فإذا حدث نزاع بين المساهمين حول ملكية الأسهم، فإن ذلك في ذاته لا يؤدي في الأصل لإقامة حارس على أموال الشركة إذ لا خطر من هذا النزاع على إدارة الشركة وكل ما يترتب عليه من الأثر هو عدم تمكن الشخص الذي يدعى ملكية الأسهم دون أن يحوزها من حضور الجمعية العمومية للشركة لما يتطلبه الحضور من إيداع الأسهم بمركز الشركة أو بأحد المصارف ومثل هذا الأمر يمكن دفعه بالإلتجاء إلى القضاء المستعجل بطلب تحويلها حضور الجمعية العمومية دون خصمه الذي يحوز الأسهم وينازعه في ملكيتها غير أنه يجوز وضع الشركات المساهمة تحت الحراسة القضائية إذا قام نزاع بين أعضاء مجلس إدارة الشركة يؤدي إلى عرقلة نشاطها أو إذا استقال أو توفي أحد الأعضاء مما يتعذر معه انعقاد المجلس، ففي هذه الأحوال ومثيلاتها تتوقف أعمال الشركة ويتحقق بذلك الخطر المسوغ لفرض الحراسة عليها لإدارتها وضمان سير العمل فيها ومهمة الحارس في هذه الحالة هي مجرد دعوة الجمعية العمومية للانعقاد لاتخاذ الإجراءات اللازمة لانتخاب مجلس الإدارة على أن يتولى الحارس القيام بأعمال الإدارة إلى حين انتخاب مجلس الإدارة الجديد وعندئذ تنتهي مهمة الحارس ويتولى المجلس الجديد تصريف شئون الشركة.
ولا ينال من سلطة الحارس في هذا الخصوص أن يكون عقد تأسيس الشركة ينص على أن المجلس الإدارة وحده حق دعوة الجمعية العمومية.
أما إذا كانت الأسهم مرهونة رهناً حيازياً فإنه يجوز تعيين حارس قضائي لتسلم هذه الأسهم من الدائن المرتهن وإيداعها مركز الشركة حتى يمكن المساهم من حضور الجمعية العامة ثم ترد بعد ذلك إلى الدائن المرتهن.
وقد تحل الشركة وتدخل في دور التصفية، ومع ذلك تفرض الحراسة عليها، وتكون مهمة الحارس إثبات ما تكشف عنه أوراق الشركة وسجلاتها من حقوق وديون وما يصل إلى علم الحارس عن ذلك بأي طريق ممكن، حتى يتمكن من حصر الحقوق المالية التي تصلح عنصراً للتصفية، وبخاصة إذا تبين أن عقد تصفية الشركة لم ترد به جميع الديون ذلك أن مهمة الحارس في هذه الحالة تختلف عن مهمة المصفي ولا تتعارض معها، فلا تتنافى الحراسة مع قيام التصفية.
بنص الشطر الثاني من الفقرة الأولى من المادة 730 التي تجيز فرض الحراسة إذا كان صاحب المصلحة في منقول أو عقار قد تجمع لديه من الأسباب المعقولة ما يخشى معه خطراً عاجلاً من بقاء المال تحت يد حائزه إلى الأصل الفرنسي الذي استمدت منه، نجد أنه يشير إلى الحقوق التي لم تستقر ولم تثبت وهذه الحقوق إما أن تكون محل نزاع فتدخل في مدلول لفظ "نزاع" المنصوص عليه في الشطر الأول من الفقرة الأولى من المادة 730 سالفة الذكر، أو يكون لشخص مصلحة في منقول أو عقار أو مجموع من المال ويخشى عليه خطراً عاجلاً من بقائه تحت يد حائزة ففي هذه الحالة تطبق الفقرة الثانية من المادة 730 ، ولذلك لم يكن هناك محلاً للنص على هذه الحالة استقلالاً .
ومعنى هذا أنه لا يشترط لفرض الحراسة وجود نزاع بين الطرفين، إذا كان الحق في المنقول أو العقار أو مجموع المال غير ثابت .
فإذا اشترى شخص داراً في بلد لا يسكنها، وعلق الشراء على شرط واقف هو أن يسكن البلد الذي فيه الدار، فالمشترى له حق ملكية في الدار معلق على شرط واقف، والبائع له حق ملكية في نفس الدار معلق على شرط فاسخ.
فإذا كانت الدار في يد البائع، ولتوقعه أن الشرط الواقف سيتحقق أخذ يسيء استعمال الدار ويخربها فيهدد بذلك حق المشتري المعلق على شرط واقف، جاز المشتري أن يطلب وضع الدار تحت الحراسة انتظاراً لتحقق الشرط. والحق هنا غیر متنازع فيه، ولكنه حق غير ثابت لأنه معلق على شرط واقف. ولو فرض العكس وكانت الدار في يد المشتري استأجرها مثلاً قبل أن ينتقل إلى البلد نهائياً، وتوقعاً منه أن هذا الانتقال النهائي لن يتم فيتخلف الشرط أخذ يسيء إستعمال الدار، فإنه يجوز للبائع في هذه الحالة أن يطلب وضع الدار تحت الحراسة انتظاراً لتخلف الشرط. والحق هنا غير متنازع عليه، ولكنه حق غير ثابت لأنه معلق على شرط فاسخ. وقد ضربت مذكرة المشروع التمهيدي مثالا للحق غیر الثابت بأن يكون الحق مقترناً بشرط موقف أو فاسخ.
والحق يكون غير ثابت أيضاً إذا رسا مزاد العقار المنزوع ملكيته على شخص وضع يده عليه، ثم قرر شخص أخر زيادة العشر، فهنا يكون حق الراسي عليه المزاد غير ثابت، إذ لا تعرف نتيجة التقرير بزيادة العشر وما يترتب عليه من إعادة البيع بالمزاد، فقد يرسو المزاد مرة ثانية على من رسا عليه أول مرة وقد لا يرسو فإذا خيف على العقار وهو في يد الراسي عليه المزاد، وحقه غير ثابت كما رأينا - جاز للدائنين وللمدين أن يطلبوا وضع العقار تحت الحراسة حتى يفصل في موضوع المزاد الثاني وسواء اعتبر الشرط الفاسخ الذي تعلق عليه ملكية الراسى عليه المزاد الأول هو مجرد التقرير بزيادة العشر أو رسو المزاد الثاني، ففي الحالتين يعتبر حق الراسي عليه المزاد الأول غير ثابت، وهذا وحده يكفي - ولو لم يكن هناك نزاع - التبرير فرض الحراسة القضائية إذا ثبت أن هناك خطراً عاجلاً يهدد مصلحة الدائنين أو مصلحة المدين.
ويجوز أيضاً وضع العين التي بيعت بالمزاد سداداً للدين تحت الحراسة القضائية، إذا تخلف الراسي عليه المزاد عن دفع الثمن واتخذت الإجراءات لبيعها على ذمته، وخشي من بقاء العين تحت يده لإهماله في إدارتها أو لإحداثه . تخريبات فيها، وبخاصة إذا كان معسراً يتعذر الرجوع عليه بالتعويض وحق الراسي عليه المزاد هنا حق قد فسخ بتخلفه عن دفع الثمن، فهو ليس بحق غير ثابت، بل هو حق قد زال .
ضرورة توافر الخطر العاجل :
يشترط لفرض الحراسة القضائية في الحالتين السابقتين، وفي الحالة الأخرى المنصوص عليها بالمادة 730 توافر الخطر العاجل، لأن الخطر العاجل ركن من أركان الحراسة القضائية، لأن الحراسة إجراء استثنائي لا تبرره إلا ضرورة ملحة. (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء : التاسع ، الصفحة : 537)