مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء : الخامس ، الصفحة : 279
مذكرة المشروع التمهيدي :
لما كان إتفاق الخصوم نادر الوقوع ، ونظراً لما للحراسة من مزية حفظ المال الذمة صاحب الحق فيه ، نصت أكثر الشرائع على جواز فرض الحراسة بحكم من القضاء وقد توسع القضاء المصري في ذلك ، ونص المشروع على جواز الحكم بالحراسة :
1- في كل حالة تجوز فيها الحراسة الإتفاقية طبقاً للمادة السابقة ، أي حيث يكون هنالك منقول أو عقار أو مجموع من المال يقوم في شأنه نزاع أو يكون الحق فيه غير ثابت ، ولا يتفق الطرفان على وضعه تحت الحراسة ، فيجوز لأيهما أن يطلب الحكم بوضعه تحت الحراسة .
2 - في الأحوال الأخرى المنصوص عليها في القانون ، كالة توقيع الحجز وقد نصت عليها المادة 446 / 508 من تقنين المرافعات ، وحالة العرض الحقيقي فيما لا يمكن إيداعه خزينة المحكمة وقد نص عليها المشروع في المادة 472 ( انظر المادة 1961 من التقنين الفرنسي ) .
3- وأخيراً وضع المشروع نصاً عاماً يجيز الحكم بالحراسة في غير الحالتين السابقتين وبناءً على هذا النص لم يعد ضرورياً أن يكون هناك نص خاص في القانون يجيز الحراسة في كل حالة على حدة ، ولا أن يقوم بشأن المال المراد وضعه تحت الحراسة نزاع، أو يكون الحق فيه غير ثابت ، بل يكفي أن يكون لشخص مصلحة في مال لا نزاع فيها وأن تتجمع لدى هذا الشخص أسباب معقولة يخشى معها أن يختلس هذا المال حائزه أو أن يتلفه أو أن يغير فيه ( انظر المادة 663 ثانياً من المشروع الفرنسي الإيطالي )، و يترك للقاضي تقدير درجة الخطر الذي يهدد مصلحة طالب الحراسة ، وما يبرر خشية هذا الخطر من أسباب معقولة .
1- إن الحراسة القضائية ليست بعقد وكالة لأن القضاء لا الاتفاق بين ذوى الشأن هو الذى يفرضها ، فإن الحارس يصبح بمجرد تعيينه وبحكم القانون نائباً ، إذ يعطيه القانون سلطة فى حفظ وإدارة الأموال الموضوعة تحت حراستهوردها لصاحب الشأن عند انتهاء الحراسة وتقديم حساب عن إدارته لها . ونيابته هذه نيابة قانونية من حيث المصدر الذى يحدد نطاقها إذ ينوب عن صاحب الحق فى المال الموضوع تحت الحراسة وتثبت له هذه الصفة بمجرد صدور حكم الحراسة .
(الطعن رقم 6468 لسنة 72 جلسة 2014/04/15)
2- الحارس القضائي يستمد سلطته من الحكم الذى يقيمه - ويثبت له هذه الصفة بمجرد صدور الحكم دون حاجه إلى أى إجراء اخر كالتسليم و يكون هو صاحب الصفة فى الأعمال وفى الدعاوى المتعلقه بها و بمجرد صدور الحكم بعزل الحارس فإنه يفقد صفته وجميع التصرفات التي يجريها بعد عزله تعتبر صادرة خارج حدود نيابته .
(الطعن رقم 2117 لسنة 52 جلسة 1989/11/26 س 40 ع 3 ص 179 ق 348)
3- قاضى الأمور المستعجلة يمتنع عليه أن يمس أصل الحق فى الإجراء المؤقت الذى يأمر به ، وإذ كان قضاء الحكم المطعون فيه بفرض الحراسة محمولا على قيام النزاع الجدى حول صحة و قيام عقدى القسمة ... فإن تكليفه الحارس بتوزيع صافى ريع الأموال محل الحراسة على الخصوم طبقاً لأنصبتهم الشرعية فى التركة ينطوى على إهدار لعقدى القسمة وإعتبار أن الأموال محلهما تركة شائعة بين الورثة و هو ما يمس أصل الحق بما يعيبه بمخالفة القانون.
(الطعن رقم 1480 لسنة 54 جلسة 1985/02/28 س 36 ع 1 ص 324 ق 72)
4- من المقرر وفقاً لنص المادة 730 من القانون المدنى أن للقضاء أن يأمر بالحراسة إذا كان صاحب المصلحة فى منقول أو عقار قد تجمع لديه من الأسباب المعقولة ما يخشى منه خطراً عاجلاً من بقاء المال تحت يد حائزة ، والبيع ينعقد صحيحاً بالعقد غير المسجل كما ينعقد بالعقد المسجل ومن آثار هذا الإنعقاد الصحيح أن من حق المشترى أن يطالب البائع بالتسليم على إعتبار أنه إلتزام شخصى وأثر من آثار البيع الذى لا يحول دونه عدم حصول التسجيل ومن شأن هذه الآثار أيضاً أن يكون للمشترى إذا ما خشى على العين المبيعة من بقائها تحت يد البائع طيلة النزاع أن يطلب إلى المحكمة وضعها تحت الحراسة عملاً بنص المادة آنفة الذكر .
(الطعن رقم 1425 لسنة 47 جلسة 1980/01/17 س 31 ع 1 ص 190 ق 41)
5- تقدير الضرورة الداعية للحراسة أو الخطر الموجب لها من المسائل الواقعية التى تستقل يتقديرها محكمة الموضوع وحسبها أن تقيم قضاءها بهذا الإجراء التحفظى المؤقت على أسباب تؤدى إلى ما إنتهى إليه .
(الطعن رقم 1425 لسنة 47 جلسة 1980/01/17 س 31 ع 1 ص 190 ق 41)
6- سبق صدور حكم القضاء المستعجل بتعيين حارس على نادى القضاة لدعوة الجمعية العمومية وإجراء إنتخابات أعضاء مجلس الإدارة ، وإستند الحكم فى أسبابه إلى إنعدام القرار بالقانون المطعون فيه ذلك أن الحكم الصادر من قاضى الأمور المستعجلة هو حكم وقتى لا يحوز حجية الأمر المقضى عند طرح النزاع على محكمة الموضوع .
(الطعن رقم 16 لسنة 43 جلسة 1977/12/29 س 28 ع 1 ص 128 ق 36)
7- متى كانت العلاقة التى تربط المطعون عليه الأول بمورث الطاعنين و المطعون عليه الثانى هى علاقة تعاقدية أساسها عقد الشركة المبرم بينهم ، و الذى لم تكن الإدارة طرفاً فيه ، فإنه يكون للقضاء العادى ولاية الفصل فيما ينشأ عن هذا العقد من نزاع بشأن ما إشتمل عليه من حقوق و إلتزامات ، وما يتفرع عن هذا النزاع من طلب فرض الحراسة القضائية على المدرسة موضوع العقد ، إلا إذا كان من شأن هذه الحراسة وقف تنفيذ أمر إدارى صدر من جهة إدارية مختصة بإصداره فإن هذه الولاية تنعدم ، ويصبح القضاء الإدارى هو وحده الذى له ولاية الفصل فيها .
(الطعن رقم 440 لسنة 37 جلسة 1973/02/01 س 24 ع 1 ص 135ق 26)
8- إنه و إن كان مفاد نصوص المواد 884 و 899 و 900 و 901 من القانون المدنى أن الوارث لا يتصل أى حق له بأموال التركة ما دامت التصفية قائمة إلا أن أوراق الطعن وقد خلت مما يدل على أن التركة خضعت لإجراءات التصفية المنصوص عليها فى المادة 876 و ما بعدها من القانون ، وإنما أقام مورث الطاعنين الإعتراض على قائمة شروط البيع بصفته حارسا قضائيا على التركة المذكورة ، وهو ما يختلف عن التصفية ، فلا محل لتطبيق أحكامها .
(الطعن رقم 249 لسنة 36 جلسة 1970/12/15 س 21 ع 3 ص 1250 ق 203)
9- متى كانت محكمة الموضوع قد إنتهت بحق إلى رفض طلبات الطاعن الموضوعية ، فإن بحث طلبه المستعجل الخاص بغرض الحراسة القضائية - على السينما - لا يكون له محل .
(الطعن رقم 569 لسنة 34 جلسة 1969/06/12 س 20 ع 2 ص 957 ق 152)
10- عدم منازعة المدين فى دعوى الحراسة ووضع أمواله تحت يد الحارس والترخيص له فى إقتضاء حق الدائن من ريعها لا ينطوى على إقرار ضمنى بالحق ذلك أن المدين لا يترك أمواله بإرادته تحت يد الحارس حتى ينسب إليه ما يتضمن هذا الإقرار ، وإنما هو يلتزم بذلك تنفيذاً لحكم الحراسة . كما أن مطالبة الحارس بتقديم كشف الحساب لا يمكن إعتبارها بالتالى ونتيجة لما تقدم إقرارا ضمنياً بالحق قاطعاً للتقادم .
(الطعن رقم 168 لسنة 32 جلسة 1966/11/22 س 17 ع 4 ص 1705 ق 242)
11- مجال تطبيق أحكام إدارة المال الشائع الواردة بالمادة 828 و ما بعدها من القانون المدنى يختلف عن مجال تطبيق أحكام الحراسة على منقول أو عقار قام فى شأنه نزاع وكانت قد تجمعت لدى صاحب المصلحة فيه من الأسباب المعقولة ما يخشى معه خطراً عاجلاً من بقاء المال تحت يد حائزه فإن الحكم فى شأن هذا النزاع يدخل فيما نصت عليه المواد 729 و ما بعدها من القانون المدنى بشأن الحراسة ويكون تعيين الحارس سواء كانت الحراسة إتفاقية أو قضائية بإتفاق ذوى الشأن جميعا فإذا لم يتفقوا تولى القاضى تعيينه وذلك وفقاً للمادة 732 من ذلك القانون . وإذن فمتى كانت واقعة الدعوى هى قيام نزاع بين ورثة بائع وورثة مشتر على إدارة أعيان وأطيان التركة التى وقع البيع على جزء شائع فيها وذلك بسبب منازعة البائع فى صحة هذا البيع ومنازعة المشترى فى قسمة هذه الأطيان مما إقتضى تعيين البائع حارساً قضائياً على كافة عقارات التركة ثم ضم حارس فى الحراسة إليه ، وكانت المحكمة الاستئنافية قد طبقت أحكام الحراسة فى شأن هذا النزاع فإن النعى على الحكم بالخطأ فى القانون لعدم تطبيق المادة 828 من القانون المدنى يكون فى غير محله .
(الطعن رقم 165 لسنة 22 جلسة 1955/12/29 س 6 ع 4 ص 1612 ق 225)
12- تقدير المحكمة للخطر المبرر للحراسة من ظاهر مستندات الدعوى هو تقدير موضوعى لا معقب عليه . وإذن فمتى كان الحكم المطعون فيه قد استعرض وقائع النزاع ومستندات الطرفين وتبين منها جدية ادعاء المطعون عليها بأنه تجمع لديها من الأسباب ما تخشى منه خطرا عاجلا من بقاء الأطيان موضوع النزاع تحت يد الطاعن فإنه إذ قضى بوضع هذه الأطيان تحت الحراسة لا يكون قد خالف القانون .
(الطعن رقم 210 لسنة 22 جلسة 1954/02/25 س 5 ع 1 ص 553 ق 87)
13- متى كان يبين مما جاء فى الحكم أن المحكمة أقامت قضاءها بالحراسة على أموال الشركة استنادا إلى ما تجمع لديها من أسباب معقولة تحسست معها الخطر العاجل من بقاء المال تحت يد حائزه . وكان تقدير الجد فى النزاع وتوافر الخطر الموجب للحراسة من المسائل الموضوعية التى تقدرها محكمة الموضوع ، متى كانت الأسباب التى جعلتها قواماً لقضائها بهذا الاجراء الوقتى تؤدى إلى النتيجة التى رتبتها عليها ، وكان يبين منها أنها لم تتناول عقد تصفية الشركة المبرم بين الشركاء بالتأويل والتفسير كما ذهب اليه الطاعن إنما اقتصرت على استعراض وجهتى نظر الطرفين لتبين مبلغ الجد فى النزاع وكان مايدعيه الطاعن من أن الشركة قد حلت وأصبحت لاوجود لها أعمالا لأحكام العقد الآنف ذكره . مردود بأن شخصية الشركة تبقى قائمة بالقدر اللازم للتصفية وحتى تنتهى هذه التصفية . فإن ماينعاه الطاعن على هذا الحكم من الخطأ فى القانون والقصور فى التسبيب يكون على غير أساس .
(الطعن رقم 215 لسنة 21 جلسة 1952/10/30 س 4 ع 1 ص 63 ق 12)
14- الدفع بعدم ولاية المحاكم بالنظر فى مسألة هى من الشئون الدينية البحتة - تعيين حارس قضائى على كنيسة - وفقا لأحكام خط كلخانة والخط الهمايونى والتشريعات المنظمة لإختصاصات المجالس الملية ومنها الأمر العالى الصادر فى 14 من مايو 1883 و المعدل بالقانون رقم 19 لسنة 1927 بشأن طائفة الأرثوذكس - هذا الدفع متعلق بالنظام العام ومن ثم فإن سماعه لأول مرة أمام محكمة النقض جائز و لو لم يسبق طرحه على محكمة الموضوع
(الطعن رقم 98 لسنة 19 جلسة 1950/11/30 س 2 ع 1 ص 118 ق 23 )
الشرط في الحراسة القضائية أن يكون هناك استعمال أي خطر عاجل :
يشترط في جميع أحوال الحراسة القضائية أن يكون هناك إستعجال ، وهو ما يسميه التقنين المدني في المادة 730 منه كما سنرى "خطراً عاجلاً" ، وما يسميه تقنين المرافعات في المادة 49 منه عند الكلام في إختصاص القضاء المستعجل "المسائل المستعجلة التي يخشى عليها من فوات الوقت" ، والشرط مطلوب في جميع أحوال الحراسة القضائية كما قدمنا ، وهو منصوص عليه في بعض هذه الأحوال ومفهوم ضمناً في الأحوال الأخرى .
والخطر العاجل هو خطر فوري يهدد مصلحة ذي الشأن ، ولا يدفعه إلى وضع المال تحت الحراسة وتقدير ما إذا كان هناك خطر عاجل يتوقف على ظروف كل حالة ، فيختلف من حالة إلى أخرى بحسب تغير هذه الظروف ولذلك كان الخطر العاجل أمراً تقديرياً متروكاً إلى قاضي الموضوع ، ولا معقب عليه في ذلك من محكمة النقض . فيكون هناك خطر عاجل إذا وقع نزاع على ملكية المال أو على حيازته وكان بقاء المال في حيازة واضع اليد يخضى منه ضياعه أو تلفه أو تبديد الريع . ويتحقق الخطر العالج في إدارة المال الشائع إذا وقع خلاف بين الشركاء بحيث يصبح بعضهم مهدداً بنزع الملكية لعدم سداد الضرائب أو أقساط الدين ويتوافر شرط الخطر العاجل في التركية إذا قام خلاف بين الورثة على قيمة نصيب كل منهم ، أو على قسمة أموال التركة، أو على إدارتها .
والخطر العاجل والاستعجال ليسا أمرين مختلفين، بل هما أمر واحد فحيث يوجد خطر عاجل يكون الأمر مستعجلاً، ويدخل في اختصاص القضاء المستعجل كما يدخل في اختصاص محكمة الموضوع بإعتباره أمراً مستعجلاً يقتضى اتخاذ إجراء تخفى هو وضع المال تحت الحراسة القضائية وهناك من فرق بين الخطر العاجل والإستعجال، فجعل الإستعجال درجة أعلى في الخطر، وحتم وجود الخطر العاجل شرطاً موضوعياً في جميع دعاوى الحراسة القضائية سواء رفعت أمام محكمة الموضوع أو أمام القضاء المستعجل، واستبقى الإستعجال شرطاً لاختصاص القضاء المستعجل بهذه الدعاوى فإذا رفعت دعوى الحراسة أمام محكمة الموضوع ، فما على المحكمة إلا أن تتثبت من وجود الخطر العاجل أما إذا رفعت أمام القضاء المستعجل، فعلى القاضي أن يتثبت أولاً من وجود الخطر العاجل كشرط موضوعي للحكم بالحراسة، وأن يتثبت ثانياً من وجود الإستعجال – وهو درجة أعلى في الخطر كما قدمنا – كشرط لاختصاصه بنظر الدعوى ولكن هذا التفريق لا مبرر له ، فليست هناك درجات متفاوتة في الخطر العاجل ، وما دام الخطر عاجلاً فهذا هو الاستعجال الذي يعقد للقضاء المستعجل اختصاصه ، وقد استعمل تعبير "الخطر العاجل" في دعاوى الحراسة مقابلاً ومطابقاً للتعبير "الإستعجال" في إختصاص القضاء المستعجل .
ويخلص مما قدمناه أن شرط الخطر العاجل هو شرط موضوعي ، حتى لو رفعت دعوى الحراسة أمام القضاء المستعجل .
ويترتب على ذلك ما يأتي :
( 1 ) إذا رفعت الدعوى أمام القضاء المستعجل ، ورأى القاضي أن الشرط لم يتوافر ، جاز أن يحكم برفض الدعوى لا بعدم الاختصاص . ( 2 ) وإذا رفض القضاء المستعجل دعوى الحراسة لعدم توافر الشرط ، لم يجز رفعها من جديد أمام محكمة الموضوع إذ الدعوى قد تخلف فيها شرط موضوعي فيتعين رفضها حتى أمام محكمة الموضوع ، وذلك مالم تتغير الحالة وتنشأ ظروف جديدة يتحقق معها قيام الخطر العاجل . ( 3 ) وإذا رفعت دعوى الحراسة أمام محكمة الموضوع ، جاز الدفع بإنتفاء الخطر العاجل في أية حالة كانت عليها الدعوى ، حتى أمام محكمة الاستئناف لأول مرة . ( 4 ) ولا يجوز رفع دعوى الحراسة أمام محكمة الموضوع إلا كإجراء وقتي تابع للدعوى بأصل الحق ، فلا ترفع أمام هذه المحكمة كدعوى مستقلة ، ذلك أنها بطبيعتها دعوى تحفظ وقتي ، وهي هي لم تتغير طبيعتها سواء رفعت أمام القضاء المستعجل أو رفعت أمام محكمة الموضوع ، فإن رفعت أمام هذه المحكمة الأخيرة رفعت كإجراء وقتي تابع لدعوى أصلية .
طبيعة الحراسة القضائية : والحراسة القضائية بطبيعتها إجراء تحفظي ويستتبع ذلك أن تكون إجراءً وقتياً لا يمس الموضوع .
فهي أولاً إجراء تحفظي . ومن لا يصح أن تكون الحراسة القضائية إجراءً تنفيذياً، أو أن تستعمل وسيلة للضغط على المدين حتى تدفعه إلى الوفاء بدينه بل يجب، حتى في الحالات التي يوضع فيها مال المدين تحت الحراسة القضائية للوفاء بدينه، أن يكون هناك خطر عاجل على مصلحة الدائن يقتضى هذه الحراسة، كأن يكون المدين في سبيل إخفاء ماله أو التصرف فيه إضرار بالدائن ، فتأتي الحراسة إجراء تحفظياً لمنعه من ذلك . وإذا نتج عنها أن استوفى الدائن حقه ، فلم يكن هذا هو المقصود أصلاً منها وسيأتي بيان ذلك عند الكلام في الحالات المشار إليها .
وهي ثانياً إجراء وقتي . ويترتب على ذلك أنها لا تبقى إلا ببقاء الظروف التي استدعتها فإن تغيرت هذه الظروف وأصبحت الحراسة لا ضرورة لها ، وجب رفعها والعكس صحيح ، فإذا رفعت الدعوى في وقت لم يكن هناك مبرر لوضع الحراسة على المال ، لم يكن هذا مانعاً من الحكم بالحراسة بعد ذلك إذا تغيرت الظروف وجد ما يستدعى وضعها ولكن هذا لا يعنى أن الحكم في دعوى الحراسة لا يحوز قوة الأمر المقضي ، بل هو كسائر الأحكام الوقتية يحوز هذه القوة مادامت الظروف التي صدر فيها باقية لم تتغير ، فإذا تغيرت نشأ سبب جديد يمتنع معه الاحتجاج بقوة الأمر المقضى .
وهي ثالثاً إجراء لا يمس الموضوع فالحكم بالحراسة القضائية ليس من شأنه أن يؤثر في موضوع الدعوى الأصلية ، وإذا وضع مال متنازع في ملكيته بين شخصين تحت الحراسة القضائية وعين أحدهما حارساً ، فليس هذا معناه ثبوت حق الحارس في الملكية أو حتى رجحان هذا الحق فلا يزال النزاع الموضوعي ، وهو النزاع في الملكية ، على حالة لم يتأثر بالحراسة ، ومن الجائز أن يقضى بالملكية في النهاية للخصم الآخر الذي لم يعين حارساً . ويترتب على ذلك أنه إذا طلب أحد الخصوم من القاضي ضمن طلب الحراسة طلبات أخرى تتعلق بالموضوع ، قضت المحكمة بعدم اختصاصها بنظر هذه الطلبات إذا هي تخرج عن نطاق دعوى الحراسة ويترتب على ذلك أيضاً أن القاضي إذ عين حارساً وحدد ما يخوله من سلطات ، لم يجز أن تتضمن هذه السلطات ما يمس الموضوع ، كأن يسلم أحد الخصوم ربع المال الموضوع تحت الحراسة .
تنص المادة 730 من التقنين المدني على ما يأتي :
«يجوز للقضاء أن يأمر بالحراسة» :
«1- في الأحوال المشار إليها في المادة السابقة إذا لم يتفق ذوو الشأن على الحراسة» .
«2- إذا كان صاحب المصلحة في منقول أو عقار قد تجمع لديه من الأسباب المعقولة ما يخشى معه خطراً عاجلاً من بقاء المال تحت يد حائزه» .
«3- في الأحوال الأخرى المنصوص عليها في القانون».
ونرى من النص سالف الذكر أن هناك فروضاً ثلاثة تجوز فيها الحراسة القضائية وإذا توخينا أن نرتب هذه الفروض ترتيباً نراعي فيه التدرج من التخصيص إلى التعميم ، لوجب أن نعدل عن الترتيب الوارد في النص ، بل ونعدل عن الترتيب الوارد في المشروع التمهيدي ، إلى الترتيب الآتي :
( الفرض الأول ) ويشتمل على حالات وردت في نصوص معينة . وقد أجاز القانون فرض الحراسة القضائية في هذه الحالات الخاصة المذكورة على سبيل الحصر ، إذا توافرت الشروط التي نص عليها . ونرى من ذلك أن هذا الفرض الأول قد انحصر في حالات خاصة معينة بذواتها ، فهو أدنى مراتب التدرج من التخصيص إلى التعميم .
( الفرض الثاني ) ويتناول الحالات المشار إليها في المادة السابقة على المادة 730 مدني ، أي الحالات المشار إليها في المادة 729 مدني وهي المادة الخاصة بالحراسة الاتفاقية . فتجوز الحراسة القضائية على «منقول أو عقار أو مجموع من المال يقوم في شأنه نزاع ، أو يكون الحق فيه غير ثابت» ( م 729 مدني ) ، «إذا لم يتفق ذوو الشأن على الحراسة» ( م 730 مدني ) . وهنا نرى أننا انتقلنا خطوة من التخصيص إلى التعميم ، فجعلنا الحراسة جائزة في كل شيء يقوم في شأنه نزاع ، أو يكون الحق فيه غير ثابت» ( م 730 مدني ) ، وهنا نرى أننا انتقلنا خطوة من التخصيص إلى التعميم ، فجعلنا الحراسة جائزة في كل شيء يقوم في شأنه نزاع أو يكون الحق فيه غير ثابت . والمفروض طبعاً في هذا الفرض أن هناك خطراً عاجلاً وهو الشرط العام في كل حراسة قضائية كما قدمنا ، ولكن قيام الخطر العاجل لا يكفي بل يجب أيضاً أن يكون هناك نزاع أو أن يكون الحق غير ثابت ، ومن ثم كان هذا الفرض في منزلة وسطى بين التخصيص والتعميم .
( الفرض الثالث ) وفيه لا ترد حالات خاصة معينة بذواتها كما في الفرض الأول ، بل ولا يرد قيد قيام النزاع أو عدم ثبوت الحق كما في الفرض الثاني؛ فيكفي أن يقوم خطر عاجل، أو كما يقول النص أن تتجمع لدى صاحب المصلحة «من الأسباب المعقولة ما يخشى معه خطراً عاجلاً من بقاء المال تحت يد حائزه»، حتى يجوز للقاضي أن يفرض الحراسة القضائية فلا يشترط إذن في هذا الفرض الثالث إلا توافر الشرط العام في كل حراسة قضائية ، وهو قيام الخطر العاجل ، ومن ثم كان هذا الفرض هو أعلى مراتب التدرج من التخصيص إلى التعميم .
قيام الخطر العاجل كاف وحده لفرض الحراسة : قدمنا أن الفقرة الثانية من المادة 730 مدني تجيز للقضاء أن يأمر بالحراسة «إذا كان صاحب المصلحة في منقول أو عقار قد تجمع لديه من الأسباب المعقولة ما يخشى معه خطرًا عاجلاً من بقاء المال تحت يد حائزه» . فلا يشترط إذن في هذا الفرض الثالث ، كما سبق القول ، إلا توافر الشرط العام في كل حراسة قضائية ، وهو قيام الخطر العاجل ، ولذلك يدخل في هذا الفرض جميع أحوال الحراسة التي لا تدخل في الفروض الأخرى ، فلا يشترط نص خاص في القانون ولا قيام نزاع جدي أو حق غير ثابت ، بل يكفي قيام الخطر العاجل وحده لفرض الحراسة ، ومن ثم تكون أحوال الحراسة غير مذكورة على سبيل الحصر . وتقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا المعنى : «وأخيراً وضع المشروع نصاً عاماً يجيز الحكم بالحراسة في غير الحالتين السابقتين ، وبناءً على هذا النص لم يعد ضرورياً أن يكون هناك نص خاص في القانون يجيز الحراسة في كل حالة على حدة ، ولا أن يقوم بشأن المال المراد وضعه تحت الحراسة نزاع ، أو يكون الحق فيه غير ثابت ، بل يكفي أن يكون لشخص مصلحة في مال لا نزاع فيها ، وأن تتجمع لدى هذا الشخص أسباب معقولة يخشى معها أن يختلس هذا المال حائزاً أو أن يتلفه أو أن يغير فيه : انظر المادة 663 ثانياً من المشروع الفرنسي الإيطالي . ويترك للقاضي تقدير درجة الخطر الذي يهدد مصلحة طالب الحراسة ، وما يبرر خشية هذا الخطر من أسباب معقولة» .
فيكفي إذن أن يكون لطالب الحراسة مصلحة في منقول أو عقار ، ولم يتطلب القانون أن يكون له حق في المنقول أو العقار ، بل لم يحدد المصلحة فيصح أن تكون مصلحة مادية أو مصلحة أدبية ، كما يصح أن تكون مصلحة محققة أو مصلحة محتملة، وسيأتي بيان ذلك في التطبيقات العملية .
ويجب ، كما هو صريح النص ، أن تتجمع لدى طالب الحراسة أسباب معقولة للخشية من خطر عاجل من بقاء المال تحت يد حائزه ، وليس في هذا إلا ترديد للشرط العام المطلوب توافره في جمع دعاوى الحراسة كما سبق القول ، وتقدير قيام الأسباب المعقولة والخطر العاجل مسألة موضوعية يترك تقديرها لقاضي الموضوع ، وقد صرحت بذلك المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي إذ تقول فيما رأينا : «ويترك للقاضي تقرير درجة الخطر الذي يهدد مصلحة طالب الحراسة ، وما يبرر خشية هذا الخطر من أسباب معقولة».
الولاية في دعوى الحراسة القضائية : كانت الولاية في دعوى الحراسة القضائية تتنازعها جهات قضائية أربع : القضاء الوطني والقضاء المختلط والقضاء الشرعي والقضاء الإداري ، وقد ألغى القضاء المختلط و أدمجت ولاية القضاء الشرعي في ولاية القضاء الوطني فأصبحت الولاية الآن تتنازعها جهتان قضائيتان : القضاء العام والقضاء الإداري .
والقضاء العام هو الذي له الولاية في الأصل في دعوى الحراسة ، ولكن هذا القضاء لا ولاية له في إلغاء أمر إداري أو في وقفه أو في تأويله فإذا صدر أمر إداري من جهة إدارية مختصة ، لم يكن للقضاء العام ولاية في وقف تنفيذ هذا الأمر ولو عن طريق فرض الحراسة القضائية ، إذ من شأن الحراسة أن تقف تنفيذ الأمر والقضاء الإداري وحده هو الذي له الولاية في وقف تنفيذ الأمر الإداري وفي إلغائه ، ويخلص من ذلك أن القضاء العام لا يجوز له فرض الحراسة القضائية وتعيين حارس قضائي ، إذا كان ذلك من شأنه أن يعطل تنفيذ أمر إداري فإذا أعطت الإدارة أحد الأفراد ترخيصاً بالحفر والتنقيب عن الآثار فاكتشف مقبرة أثرية ، ثم أصدرت الإدارة أمراً بإلغاء الترخيص لمخالفة الشروط المدونة فيه ، فإن القضاء العام لا ولاية له في تعيين حارس على المقبرة إذا وقع نزاع بين الإدارة والمرخص له في الحفر انتهى إلى أن استولت الإدارة على الحفائر لإتمام عملية الحفر بنفسها ، وبذلك قضت محكمة الإستئناف المختلطة .
ويتفرع على ذلك أن المرافق العامة التي تديرها الدولة إدارة مباشرة ، كالسكك الحديدية والبريد والتلغراف والتليفون ، لا تجوز إقامة حارس قضائي عليها ، لأن ذلك من شأنه تعطيل تنفيذ الأوامر الإدارية التي تدار بها هذه المرافق .
أما إذا كان المرفق العام يدار بطريق الإلتزام ، كما إذا أديرت مرافق النور والغاز والمياه والنقل عن طريق شركات خاصة ، فإن العلاقة بين الملتزم وعميل المرفق العام تكون علاقة مدنية ، ومن ثم يجوز للقضاء العام إقامة حارس قضائي على هذه الشركات إذا توافرت شروط الحراسة ، وليس في إقامة الحراسة في هذه الحالة ما يعطل تنفيذ الأوامر الإدارية ، إذ أن القرارات التي تصدرها هذه الشركات لإدارة المرافق العامة التي تستلزمها لا تعتبر أوامر إدارية، بل هي قرارات خاصة تخضع خضوعاً كاملاً لرقابة القضاء العام ، ولهذا القضاء الولاية في إلغائها وفي وقف تنفيذها ولو عن طريق فرض الحراسة القضائية .
عدم قيام الوظيفة الولائية في دعوى الحراسة : وإذا تقرر أن القضاء العام هو الذي له في الأصل الولاية في دعوى الحراسة ولا تنعدم ولايته إلا إذا كان هناك أمر إداري يكون من شأن الحراسة وقف تنفيذه ، فإن الوظيفة الولائية لهذا القضاء لا تقوم في دعوى الحراسة ، بل الذي يقوم هو الوظيفة القضائية ذلك أن دعوى الحراسة هي دعوى قضائية ، وهي خصومة تنعقد عن طريق الإجراءات المعتادة للدعوى ، لا عن طريق الأمر على عريضة .
وليس في نص المادة 730 مدني ما يتعارض مع ذلك ، فقد جاء في صدر هذه المادة : «يجوز للقضاء أن يأمر بالحراسة» ، والمقصود بالقضاء هنا المحكمة ، كما أن المقصود بعبارة «أن يأمر بالحراسة» هو أن يحكم بالحراسة» . ويقطع في أن القضاء بالحراسة هو حكم قضائي لا أمر على عريضة أن النص صريح ، سواء في الحكم القاضي بالحراسة أو في الحكم القاضي بإنتهائها ، في أن الذي يصدر هو حكم قضائي لا أمر على عريضة .
فتنص المادة 733 مدني على أن «يحدد الاتفاق أو الحكم القاضي بالحراسة ما على الحارس من التزامات وما له من حقوق وسلطة» ، وتنص الفقرة الأولى من المادة 738 مدني على أن «تنتهي الحراسة باتفاق ذوي الشأن جميعاً أو بحكم القضاء» . وقد كان نص التقنين المدني القديم صريحاً أيضاً في ذلك ، إذا كانت المادة 491/600 من هذا التقنين تنص على أن «للمحكمة أن تعين حارساً أو حافظاً للأشياء المتنازع فيها أو الموضوعة تحت يد القضاء ، كما يجوز أن تعين لذلك أحد الأخصام المترافعين» .
وإلى جانب النصوص التشريعية تقوم طبيعة الحراسة القضائية شاهداً على ما تقدم .
فالحراسة القضائية إجراءً قضائي بطبيعته ، يقتضي إعلان الخصوم للحضور في جلسة علنية ومناقشتهم وسماع أقوال طالب الحراسة والخصم الموجه ضده هذا الإجراء فليست الحراسة القضائية إجراءً تحفظياً بحتاً كالحجز التحفظي ، ومهمة الحارس القضائي لا تقتصر على مجرد القيام بأعمال تحفظية بل تمتد إلى أعمال الإدارة وقد تجاوز ذلك أعمال التصرف والحراسة نزع للمال من تحت يد حائزه وتسليمه إلى الحارس يحفظه ويديره ، فهي إجراء خطير يقتضي سماع أقوال طرفي الخصومة فيه بعد إعلانهم للحضور ، ويصدر فيها حكم مسبب ومن ثم وجب أن تتبع فيها الإجراءات المعتادة للدعوى ، لا إجراءات الأمر على عريضة حيث لا تسمع أقوال الخصوم ولا تعقد جلسة علنية ويكتفى بالعريضة التي يقدمها طالب الأمر لقاضي الأمور الوقتية فيجب إذن رفع الدعوى بطلب الحراسة القضائية وفقاً للإجراءات المقررة في رفع الدعاوى ، وذلك ما لم ينص القانون صراحة على أن يكون ذلك بأمر على عريضة كما فعل في المادة 941 مرافعات وهي تقول : «إلى أن يصدر القرار بتثبيت منفذ الوصية ، يجوز له أن يطلب من المحكمة أن تأمر على وجه الإستعجال بتسليمه أموال التركة بإعتباره مديراً مؤقتاً ويجوز له أن يطلب تسليمه هذه الأموال بالصفة المذكورة بأمر يصدر من قاضي الأمور الوقتية على عريضة ، إذا لم يكن طلب تثبيته قد رفع إلى المحكمة» .
ووجوب أن يكون طلب الحراسة القضائية بطريق رفع الدعوى وانعقاد الخصومة القضائية ، لا بطريق الأمر على عريضة ، هو المعمول به في عهد التقنين القديم والجديد .
الإختصاص النوعي – القضاء المستعجل ومحكمة الموضوع : ومتى تقرر في الحراسة القضائية وجوب رفع دعوى بطلبها ، فإن المحكمة المختصة اختصاصاً نوعياً بنظر هذه الدعوى هي إحدى محكمتين :
أولاً – القضاء المستعجل : وهو يقوم بوظيفة قضائية لا بوظيفة ولائية ، ويسمع كلاً من طرفي الخصومة يدلي بحججه معارضاً بها حجج الطرف الآخر ، ويصدر حكماً مسبباً يجوز الطعن فيه ولما كانت الحراسة كما قدمنا إجراءً مؤقتاً مستعجلاً لا يمس أصل الحق وكان القضاء المستعجل هو الذي يختص بهذه الإجراءات المؤقتة المستعجلة التي لا تمس أصل الحق ، لذلك كانت المحكمة المختصة اختصاصاً طبيعياً بنظر دعوى الحراسة هي محكمة القضاء المستعجل فترفع هذه الدعوى في الأصل إلى قاضي الأمور المستعجلة ، ولا يشترط في ذلك أن تكون هناك دعوى موضوعية مرفوعة أمام محكمة الموضوع، بل يصح أن ترفع دعوى الحراسة قبل رفع دعوى الموضوع وفي هذه الحالة لا يمكن أن ترفع دعوى الحراسة إلا أمام قاضي الأمور المستعجلة ، إذ لا يمكن رفعها أمام محكمة الموضوع قبل أن ترفع أمام هذه المحكمة الدعوى الموضوعية.
وحتى بعد رفع الدعوى الموضوعية أمام محكمة الموضوع يجوز رفع دعوى الحراسة أمام القضاء المستعجل بل إن اختصاص القضاء المستعجل حتى في هذه الحالة يبقى هو الأصل كما يقضي صريح النص ، إذ تقول الفقرة الأخيرة من المادة 45 مرافعات وهي تتكلم عن الأمور التي يختص بها القضاء المستعجل «على أن هذا لا يمنع من اختصاص محكمة الموضوع أيضاً بهذه الأمور إذا رفعت لها بطريق التبعية» ، فيكون الأصل إذن هو اختصاص القضاء المستعجل ، ويجوز أن يحل محله اختصاص محكمة الموضوع.
ثانياً – محكمة الموضوع : وهذه لا تكون مختصة بطبيعة الحال إلا إذا رفعت إليها أولاً الدعوى الموضوعية ، فيجوز عندئذ رفع دعوى الحراسة بطريق التبعية ، فإذا رفعت دعوى الإستحقاق أمام محكمة الموضوع ، جاز رفع دعوى الحراسة على العين المطالب بملكيتها أمام نفس المحكمة تبعاً للدعوى الموضوعية، لأن قاضي الأصل هو قاضي الفرع وتنظر أمام محكمة الموضوع كدعوى مستعجلة بجميع الإجراءات التي تتطلبها الدعاوى المستعجلة .
ويخلص من ذلك أنه قبل رفع الدعوى الموضوعية لا يكون مختصاً بدعوى الحراسة سوى قاضي الأمور المستعجلة، وبعد رفع الدعوى الموضوعية يكون مختصاً بدعوى الحراسة كل من قاضي الأمور المستعجلة بطريق أصلي ومحكمة الموضوع بطريق التبعية فإذا رفعت الدعوى أمام إحدى الجهتين، امتنع رفعها ثانية أمام الجهة الأخرى وهذا ما تقضي به المادة 45 من تقنين المرافعات، وهي المادة التي سبق ذكرها .
الاختصاص المحلي : وإذا رفعت دعوى الحراسة أمام قاضي الأمور المستعجلة ، فإن محكمة القضاء المستعجل التي تختص بنظر هذه الدعوى اختصاصاً محلياً هي المحكمة التي يقع في دائرتها موطن المدعي عليه أي المرفوع ضده دعوى الحراسة ، أو المحكمة التي تقع الحراسة عليه وتنص الفقرة الأولى من المادة 59 مرافعات في هذا الصدد على ما يأتي : «في الدعاوى المتضمنة طلب اتخاذ إجراء وقتي يكون الاختصاص للمحكمة التي يقع في دائرتها موطن المدعى عليه أو المحكمة المطلوب حصول الإجراء في دائرتها» .
وإذا رفعت دعوى الحراسة بطريق التبعية لدعوى الموضوع ، فإنها ترفع أمام محكمة الموضوع ، ولو كانت هذه المحكمة غير مختصة محلياً بنظرها فيما لو رفعت إليها مستقلة .
ولا تتعلق هذه القواعد بالنظام العام، فيجوز الإتفاق على ما يخالفها ، كما يجوز النزول عن التمسك بها صراحة أو ضمناً ولا يجوز للمحكمة أن تقضي بعدم اختصاصها محلياً من تلقاء نفسها ، بل يجب أن يتمسك المدعى عليه بعدم الاختصاص قبل إبداء سائر الدفوع الشكلية وقبل التكلم في الموضوع، وإلا اعتبر متنازلاً عن الدفع .
2- الإجراءات والحكم في دعوى الحراسة
إجراءات دعوى الحراسة : ترفع دعوى الحراسة بناء على طلب المدعي بصحيفة تعلن للمدعى عليه على يد أحد المحضرين ( م 63/1 مرافعات ) . وإذا رفعت بطريقة تبعية لدعوى الموضوع ، جاز رفعها بالإجراء الذي ترفع به الطلبات العارضة ويجب أن يبين في صحيفة الدعوى موضوعها وطلبات المدعي فيها بالإيجاز ( م 63/2 مرافعات ) ويكون ميعاد الحضور أربعاً وعشرين ساعة ، ويجوز في حالة الضرورة القصوى نقص هذا الميعاد وجعله من ساعة إلى ساعة بشرط أن يحصل الإعلان للخصم نفسه ( م66/2 مرافعات ) ويقيد قلم الكتاب الدعوى في يوم تقديم الصحيفة في السجل الخاص بذلك بعد أن يتثبت في حضور المدعي أو من يمثله تاريخ الجلسة المحددة لنظرها في أصل الصحيفة وصورها وعلى قلم الكتاب فى اليوم التالى على الأكثر أن يسلم اصل الصحيفة وصورها إلى قلم المحضرين لإعلانها ورد الأصل إليه ( م 67 مرافعات).
وتتبع بعد ذلك الإجراءات المقررة في قانون المرافعات للدعاوى المستعجلة ، من حيث إيداع المستندات قلم الكتاب عند قيد الدعوى، وتقديم المدعى عليه مستنداته في جلسة المرافعة ذاتها ، وإعطاء المحكمة الخصوم المواعيد المناسب للإطلاع على المستندات والرد عليها، وحالة تغيب الخصم عن الحضور، وما يثار أمام المحكمة من دفوع وطلبات، وموقف القضاء المستعجل من الطلبات التي قد تستدعي سماع شهود أو ندب خبراء أو إنتقال للمعاينة أو توجيه يمين حاسمة أو متممة أو الطعن بالتزوير أو الإنكار أو المطالبة بتقديم مستند لدى الغير، إلى غير ذلك من الإجراءات .
وإذا رفعت دعوى الحراسة بطريق التبعية أمام محكمة الموضوع . فإنه يجوز رفعها لأول مرة أمام المحكمة الاستئنافية بإعتبارها من الإجراءات التحفظية التي يجوز تقديمها في أية حالة تكون عليها الدعوى .
والنفاذ المعجل بغير كفالة واجب بقوة القانون لحكم الحراسة ، سواء أصدره قاضي الأمور المستعجلة أصدرته محكمة الموضوع ، وذلك ما لم ينص في الحكم على تقديم كفالة ( م 228 مرافعات ) .
ويجوز الطعن في حكم الحراسة بالإستئناف دائماً ، أياً كانت قيمة النزاع الأصلي أو قيمة الأموال الموضوعة تحت الحراسة ، وسواء صدر الحكم من قاضي الأمور المستعجلة أو صدر من محكمة الموضوع ( م 220 مرافعات ) .
حجية حكم الحراسة : حكم الحراسة وقتي ، سواء صدر من قاضي الأمور المستعجلة أو من محكمة الموضوع ، ولا ينفي عنه هذه الطبيعة الوقتية أنه يفصل بصفة قطعية ، فهو إنما يفصل قطعياً في الحراسة لمدة مؤقتة ، ويكون في خلالها قابلاً للتعديل إذا تغيرت الظروف التي اقتضت إصداره فحكم الحراسة إذن حكم قطعي مؤقت .
وهو كحكم قطعي يجوز قوة الأمر المقضي ، ومن ثم يفيد القضاء ويلزم طرفي الخصومة . فليس للقضاء أن يعدل على حكمه وليس لطرفي الخصومة
أن يرفعا دعوى ثانية بذات الموضوع ونفس السبب للوصول إلي تعديل الحكم الأول ما لم تتغير الظروف كما سيأتي حكم الحراسة كحكم مؤقت ليس له إلا حجية نسبية مؤقتة فحجيته لأنها لا تلزم قاضي الموضوع .
وتقول محكمة النقض في هذا الصدد إن إجراء الحراسة وهو إجراء مستعجل ليس من شأنه أن يحسم النزاع بين الخصمين في أصل الحق ، إذ هو تقدير وقتي عاجل ، يتحسس به القاضي المستعجل ما يبدو للنظرة الأولي أن يكون وجه الصواب في خصوص الإجراء المطلوب ، مع بقاء أصل الحق سليماً يناضل فيه ذو الشأن لدى محكمة الموضوع.
وحجيته مؤقتة لأنها لا تبقى إلا ببقاء الظروف التي بني عليها الحكم .
فإذا تغيرت هذه الظروف ، سواء من ناحية الواقع أو من ناحية القانون، ووجد ما يستوجب التعديل في حكم الحراسة ، زالت حجية هذا الحكم، أو أمكن رفع دعوى جديدة يطلب فيها ما يغاير الذي قضى به حكم الحراسة الأول . (الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء : السابع ، المجلد : الأول ، الصفحة : 1021)
الحراسة القضائية وأن كانت تشابه الوكالة العامة والوديعة في بعض أحكامهما إلا أنها في الحقيقة نيابة قانونية وقضائية، فالقانون يحدد نطاقها والقضاء يسبغ على الحارس صفته، وهي إجراء تحفظي مؤقت لا يمس الموضوع بمعنى أنها حفظ للمال فتحول دون تصرف المدين فيه أو اخفائه، ومؤقتة فلا تبقى إلا ببقاء الظروف التي استدعتها فتدور حجية الحكم مع هذه الظروف وجوداً وعدماً، ولا أثر للحكم على الموضوع فان كان الحارس خصماً فقد يحكم بالملكية للخصم الآخر، ولذلك فيجب على القاضي ألا يحكم إلا بناءً على ظاهر المستندات فليس له بحث الموضوع لتعرف من صاحب الحق فيه ولكن له البحث القانوني المحض بفرض أن الوقائع ثابتة، فلا يجوز له إحالة الدعوى للتحقيق أو ندب خبير أو توجيه اليمين أو غير ذلك من وسائل البحث الموضوعي، وترد على العقار والمنقول.
وإذا توافرت شروط الحراسة الاتفاقية، طبقاً للمادة 729 من القانون المدني بوجود نزاع في شأن منقول أو عقار أو مجموع من المال، أو يكون الحق غیر ثابت لأي من الخصمين، إلا أنهما لا يتفقان على وضع المال تحت الحراسة، وحينئذ يجوز لأي منهما أن يطلب الحكم بوضعه تحت الحراسة، عملاً بالفقرة الأولى من المادة 730 من ذات القانون.
كما يجوز اللجوء للحراسة القضائية في حالة العرض الحقيقي للمال الذي يتعذر إيداعه خزينة المحكمة، وذلك بأن يرفع المدين دعوى بوضع محل التزامه تحت الحراسة، وفاء منه بهذا الالتزام، وجاء نص الفقرة الثانية من المادة 730 من القانون المدني مطلقاً يجيز لكل صاحب مصلحة في منقول أو عقار تجمعت لديه من الأسباب المعقولة ما يخشى منه خطراً عاجلاً من بقاء المال تحت يد حائزه، أن يرفع دعوى بوضعه تحت الحراسة ولو لم يكن هذا المال محل منازعة ولو لم يكن الحق فيه غير ثابت، ويكفي أن تتوافر أسباب معقولة يخشى معها أن يقوم حائز المال بإختلاسه أو إختلاس بعضه أو إتلافه كلياً أو جزئياً ، أو أن يغير فيه، ومتى تبين للقاضى إمكانية ذلك، تحقق لديه الخطر العاجل الذي يهدد طالب الحراسة وتوافرت الخشية التي توجب وضع المال تحت الحراسة القضائية صوناً له حتى يحسم النزاع في شأنه.
فرض الحراسة ولو بعد صدور الحكم الموضوعي المنهي النزاع :
المقرر أن دعوى الحراسة القضائية إنما هي إجراءً تحفظياً وقتياً لا يمس موضوع الحق فهي بذلك لا تعد من إجراءات التنفيذ، ولا يحول دون قبولها أن يكون الحق الموضوعي الواردة عليه تلك الدعوى قد حسم بحكم نهائي حاز قوة الأمر المقضي واكتسب مقومات السند التنفيذى طالما أن عين النزاع ظلت في حيازة الخصم الآخر وتوافرت بذلك الضرورة الداعية للحراسة أو الخطر الموجب لها إذ لا يحول دون رفع دعوى الحراسة صدور حكم نهائی باستحقاق العين أو بفسخ العقد الذي تتم الحيازة بموجبه أو بإستحقاق طالب الحراسة العقار المقام على أرضه من الحائز لها .
لما كان ذلك، وكان المقرر أن كل طلب قضائي ينطوي على شقين، أحدهما موضوعی ينحسم النزاع بالفصل فيه نهائياً، والثانی مستعجل لا يمس أصل الحق، وللمدعي إما أن يلجأ لمحكمة الموضوع بطلب موضوعی لحم أصل النزاع، كدعوى صحة ونفاذ عقد البيع مع التسليم وقد يلجأ لقاضي الأمور المستعجلة، بطلب وقتی، بفرض الحراسة القضائية على المبيع، وقد يرفع دعواه الموضوعية ويضمنها طلباً مستعجلاً بفرض الحراسة القضائية، وحينئذ تكون لمحكمة الموضوع ولاية الفصل في الشق المستعجل المتعلق بالحراسة إذا ما تبين لها تعذر الفصل في الموضوع بالحالة التي عليها الدعوى، فمقضي في هذا الشق وتحدد جلسة لنظر الشق الموضوعي، أما إذا كانت الدعوى مهية للحكم فيها، فإنها تقضي في موضوعها، وعلى هدى هذا القضاء يكون التصدي للشئ المستعجل بحيث إذا قضت بقبول الطلبات الموضوعية، تعين عليها قبول أو رفض الشق المستعجل حسبما يبين لها من توافر شروطه أو تخلفها، فلا يلزم إذا قضت بقبول الشق الموضوعي أن تقبل الشق المستعجل، لكن إذا رفضت الشق الموضوعى، تعین عليها رفض الشق المستعجل .
وإذا رفع المدعي دعواه الموضوعية، جاز له أن يتقدم بطلب عارض فيها بفرض الحراسة القضائية بصفة مستعجلة كما يجوز له أن يبقى الدعوى الموضوعية أمام محكمة الموضوع، وأن يرفع دعوى جديدة أمام قاضي الأمور المستعجلة بفرض الحراسة القضائية، إذ لا يحول رفع الشق الموضوعي أمام محكمة الموضوع، من رفع الشق المستعجل أمام قاضي الأمور المستعجلة فإذا قضی أولا في الشق المستعجل فلا تكون للحكم الصادر فيه حجية أمام محكمة الموضوع.
وإذا طرح الشقان على محكمة الموضوع، وقضت أولاً في الشق المستعجل، فإن هذا القضاء لا يفيدها عندما تتصدى للشق الموضوعي، كما لا تتوافر بالقضاء في الشق المستعجل أسباب عدم صلاحية القضاة عند نظرهم الشق الموضوعى.
وإذا اقتصرت الدعوى الموضوعية على الطلب الموضوعي، كانت الدعوى المستعجلة مقبولة أمام قاضي الأمور المستعجلة حتى بعد صدور الحكم في الموضوع حتى لو كان هذا الحكم قد حاز قوة الشيء المحكوم فيه، وحتى لو كان مشمولاً بالنفاذ المعجل.
وتلتزم محكمة الموضوع عندما تتصدى لدعوى الحراسة، بكل ما يلتزم به قاضي الأمور المستعجلة عند نظره لها، فتتحق من توافر الشروط اللازمة لفرض الحراسة وفقاً لما يلي .
إمتداد الحراسة للأموال وملحقاتها :
المقرر أن ملحقات الشىء تأخذ حكمه وتتبعه، وبالتالي فإن وضع الشيء تحت الحراسة القضائية يؤدي إلى إلحاق توابعه به ولو لم ينص الحكم على ذلك لتحقق هذا الأثر بقوة القانون، وقد تناولنا الملحقات بالمادة 432 فتحيل اليها، فان لم تكن الأموال وملحقاتها في حيازة الحارس، مما تطلب تنفيذاً جبرياً لحكم الحراسة وثارت منازعة عند التنفيذ متعلقة بالملحقات، فصل فيها قاضي التنفيذ على هدى ما أوضحناه بالمادة سالفة البيان.
شروط اختصاص القضاء المستعجل بدعوى الحراسة :
1- وجود نزاع جدى أو الخشية :
يجب أن يوجد نزاع جدى على أساس من الصحة يؤكده ظاهر المستندات وظروف الحال ولا يكفي لوجود النزاع رفع دعوى موضوعية أو الإدعاء بوجود حق طالما لم يؤيده الظاهر، فإن تبين للقاضى المستعجل انتفاء النزاع حكم بعدم اختصاصه ووقف عند هذا الحد. كمن يدعي أنه وارث ويطلب فرض الحراسة على التركة بينما ينكر باقي الورثة هذه الصفة فللقاضي بحث ذلك من ظاهر المستندات لبيان ما إذا كان للمدعي حق ظاهر في التركة أم لا، فإذا خلص إلى إنتفائه، انتفی شرط النزاع الجدي الذي لا يكفي له الإدعاء المجرد الذي لا أساس له.
ومثل النزاع الجدى، أن يكون الحق في المال غير ثابت لأحد الخصوم، وهو ما كان يتطلب إنفاق الخصمين على وضع المال من الحراسة وفقاً للمادة 729 من القانون المدني، وإذا لم يتفقا، فقد أجازت الفقرة الأولى من المادة 730 منه لأي منهما طلب وضعه تحت الحراسة القضائية، وحينئذ يجب أن يستند الطالب الى النزاع الجدى أو علم ثبوت الحق في المال.
فإن لم يتوافر أي من السببين، ولكن توافرت المصلحة لطالب الحراسة، كانت دعواه مقبولة طالما توافرت الخشبية من بقاء المال تحت يد حائزة، مثال ذلك أن يخشى الشريك الموصي من بقاء أموال الشركة تحت يد الشريك التضامن رغم عدم وجود منازعة بشأنها، فمناط قبول الدعوى، وجود منازعة أو حق غير ثابت أو خشية على المال.
وإذا وجد نص في القانون يجيز وضع المال تحت الحراسة القضائية، فإن القاضي يحكم بذلك دون بحث لشروط الحراسة القضائية، وينحصر بحثه في الشروط التي تضمنها النص، فإن توافرت قضى بوضع المال تحت الحراسة القضائية، مثال ذلك ما نصت عليه المادة 488 من قانون المرافعات، من أنه إذا كان الشيء المعروض من غير النقود ومعدة للبقاء حيث وجد ورفض الدائن العرض، جاز للمدين أن يطلب من قاضي الأمور المستعجلة وضعه تحت الحراسة القضائية، وحينئذ لا يتصدى القاضي الشروط الحراسة القضائية، وإنما يقضي بوضع المال تحت الحراسة طالماً ثبت لديه أن الطالب أنذر الدائن بتسلم المال إلا أنه رفض هذا العرض، ويكفي إعلان صحيفة الدعوى دليلاً على العرض الحقيقي الذي أعقبه طلب وضع المال تحت الحراسة، ويترتب على الحكم بذلك، براءة ذمة الطالب وإنقضاء التزامه بالوفاء.
فإن لم توجد منازعة بين الخصوم، وكان الحق ثابت لأحدهم ولا توجد خشية بالنسبة له على المال من وجوده في يد حائزه ، ولم يوجد نص في القانون يجيز وضع المال تحت الحراسة، يتعين القضاء برفض الدعوى.
2- توافر الخطر العاجل :
يجب أن يتوافر الخطر العاجل الجدى الذي ينذر بضياع حقوق طالب الحراسة أو إتلاف المال من واضع اليد عليه أو العبث به، وأن يكون هذا الخطر لا يكفي لتفاديه التقاضي العادي بأن أصبح محدقاً وشيكاً الوقوع، وتوافرت الأسباب المعقولة التي يخشى معها بقاء المال تحت يد حائزة، ومتی محقق قاضي الأمور المستعجلة من أن الخطر وصل إلى درجة تهدد حقوق طالب الحراسة، واستند في ذلك إلى أسباب تؤدي إلى هذه النتيجة، فإنه يكون قد إستخلص شرط الإستعجال وهو مناط اختصاصه.
أما إذا عجز قاضى الأمور المستعجلة عن الوقوف على درجة الخطر، أو كان ذلك يتطلب منه بحثاً موضوعياً، كندب خبير أو إجراء تحقيق، حكم بعلم اختصاصه لإنتفاء شرط الإستعجال.
ويتحقق الخطر العاجل، بتفاوض البائع مع الغير لبيع المال مرة أخرى وتسليمه، أو قيامه بادخال تعديلات عليه أو الشروع في هدمه، وقيام الشريك المدير بالتصرف في بعض أموال الشركة دون موافقة باقي الشركاء، أو تجميد نشاط الشركة، أو عدم صرف أية أرباح رغم قيام الشركة بنشاطها وعدم تقديم الشريك المدير أية ميزانية عن أكثر من عام أو تقصيره الجسيم في أعمال الإدارة، و استئثاره بأرباح الشركة.
وينتفى الخطر العاجل إذا تمثل المال في أرض فضاء أو بور مملوكة على الشيوع، طالما لم تكن مستغلة، وبالتالي فإن وجودها في حيازة واضع اليد عليها لا يتوافر معه الخطر الموجب لرفع دعوى الحراسة عليها، ويكون للمتضرر رفع دعوى موضوعية بأصل الحق، كدعوى القسمة ولو بطريق التصفية، فإذا رفع دعوى الحراسة، وجب القضاء بعدم إختصاص قاضي الأمور المستعجلة بنظرها لعدم توافر الخطر العاجل المحدق، وهو قضاء ينطوي على رفض الدعوى مما يحول دون إحالتها إلى محكمة الموضوع لإنتفاء طرح الطلب الموضوعي على قاضى الأمور المستعجلة، وإذا طرحت دعوى الحراسة على محكمة الموضوع تبعاً للطلب الموضوعي المتعلق بأصل الحق، ورأت الفصل أولا في طلب الحراسة، وجب عليها أن تقضي برفضه وليس بعدم الاختصاص بنظره لانعقاد الاختصاص العام لها سواء بالطلبات المستعجلة المرفوعة تبعاً للطلبات الموضوعية أو بنظر الطلبات الأخيرة.
وإذا تبين لقاضي الأمور المستعجلة أو لمحكمة الموضوع عند نظر الشق المستعجل، توافر الخشية من وجود الأموال في يد الحائز لها، وتوافرت الأسباب المؤيدة لذلك، فإن الخطر يكون عاجلاً ووشيك الوقوع، ويصل حينئذ الى الدرجة التي توجب وضع الأموال تحت الحراسة للمحافظة عليها وصوناً لحقوق طالب الحراسة، حتى يحسم النزاع الموضوعي، وطالما تم وضع الأموال تحت الحراسة القضائية، فإن الحكم القاضي بذلك يكون وقتياً وتحفظياً، وبالتالي يصون الحقوق من المساس بها ولا يرتب ضرراً بمن كانت الأموال في حيازته، إذ يناط بالحارس إدارتها والمحافظة عليها وإيداع ريعها خزينة المحكمة، ثم تسليمها لمن يثبت له الحق فيها بموجب الحكم النهائي الذي يصدر في الدعوى الموضوعية حاسماً للنزاع، ولذلك يجب على القاضي أو المحكمة، وضع الأموال تحت الحراسة القضائية إذا توافرت القرائن من ظاهر المستندات على توافر الخشية من بقائها في يد حائزها وهو ما يتوافر به الخطر العاجل، إذ لو انتفت تلك الخشية انتفى هذا الخطر، ويكون القضاء قد صان الحقوق وحفظها لأصحابها ولم يساعد على تبديدها، ولم يتحقق ذلك إذا توافرت الخشية وقضى برفض وضع المال تحت الحراسة القضائية.
ولقاضى الأمور المستعجلة أو محكمة الموضوع عند الفصل في طلب الحراسة، السلطة الكاملة في تقدير درجة الخطر واعتباره عاجلاً ومحدقاً توافر معه الخشية من الأضرار يطالب الحراسة، دون معقب عليه أو عليها في ذلك وكل ما يتطلبه القانون أن تتضمن أسباب الحكم الوقائع التي تساند القضاء بوضع الأموال تحت الحراسة، وهو تقدير موضوعی.
وإذا تضمنت الدعوى الموضوعية، شقاً مستعجلاً بوضع الأموال تحت الحراسة القضائية، فإن الحكم الصادر في هذا الشق يكون جائزة استئنافه على استقلال أمام محكمة الإستئناف وفقاً للمادة 212 من قانون المرافعات، ويكون الحكم الصادر من محكمة الاستئناف في هذا الشق، جائزاً الطعن فيه على إستقلال أمام محكمة النقض، أما الحكم الصادر من قاضي الأمور المستعجلة، فيجوز الطعن فيه أمام المحكمة الإبتدائية منعقدة في غرفة مشورة، ولا يكون الحكم الصادر من هذه المحكمة جائز الطعن فيه بالنقض إلا إذا كان صادراً بالمخالفة لحجية حكم سابق بين ذات الخصوم.
وإن كان مناط اختصاص قاضي الأمور المستعجلة، أن يكون المطلوب إتخاذ إجراء وقتي لا يمس أصل الحق، فان ذلك يتوافر في دعوى الحراسة، باعتبارها ليست دعوى موضوعية لا تمس أصل الحق وبمثابة إجراء تحفظي، فتنحصر الطلبات فيها إلى اتخاذ إجراء وقتي.
3-عدم المساس بأصل الحق :
يجب ألا تمس الحراسة أصل الحق، ذلك أن دعوى الحراسة ليست دعوی موضوعية، وإنما هي إجراء وقتی خفظی يقصد بها حفظ المال حتى يتم صدور حكم موضوعى فی دعوى موضوعية يحسم النزاع بين الخصوم، لذلك يجب او على قاضي الأمور المستعجلة أو محكمة الموضوع أن طرحت عليا الحراسة تبعا للدعوى الموضوعية، ألا يمس أو تمس أصل الحق، وحينئذ يمتنع عليهما تخويل الحارس سلطات تتعلق بأصل الحق الذي قد يعرض على محكمة الموضوع فتجد أن قاضي الأمور المستعجلة قد سبقها الى الفصل فيه رغم أن اختصاصه النوعي لا ويمتد إلى ذلك، فإن صدر حكم في دعوى الحراسة مس أصل الحق، كان مشوباً بمخالفة الإختصاص وتعين الطعن فيه على استقلال إن كان صادراً من محكمة الموضوع، فإن لم يطعن فيه وحاز قوة الأمر المقضى، ترتب عليه حسم المسألة الموضوعية التي فصل فيها، مما لا يجوز معه لمحكمة الموضوع إعادة التصدي لها رغم مخالفة الحكم للإختصاص النوعي المتعلق بالنظام العام، إذ أن حجية الأحكام تسمو على إعتبارات النظام العام، بحيث أن خالفت حجية الحكم، كان حكمها مشوباً بمخالفة حجية حكم سابق صادر بین ذات الخصوم مما يجوز معه الطعن فيه بالنقض إن كان قد صدر بصفة نهائية.
وتبعاً لذلك، يجب ألا يساير قاضي الأمور المستعجلة طالب الحراسة في طلباته التي تضمنتها صحيفة إفتتاح الدعوى أو طلباته العدالة إذا كانت تمس اصل الحق، أو كان التصدي لها يتطلب بحثاً موضوعياً كندب خبير أو إجراء تحقيق أو توجيه يمين، حتى لو لم يدفع المدعى عليه بعدم الاختصاص نوعياً بنظر الدعوى وحينئذ يتعين على القاضي أن ينظر في إمكان تحوير تلك الطلبات الموضوعية إلى طلبات وقتية، فإن أمكن ذلك، قضى فيها باعتبارها وقتية على نحو ما أوضحناه بالشرط الأول فيما تقدم. أما إن استعصت الطلبان الموضوعية على التحوير، وجب عليه أن يقضي بعدم إختصاصه نوعياً بنظر الدعوى، ويقف عند هذا الحد إذ يتطوى قضاؤه، على قضاء برفض الدعوى، مما تمتنع معه الإحالة.
ومثل الطلبات القابلة للتحوير، أن ترفع دعوى الحراسة ويطلب فيها تعیین حارس لتحميل الريع وتوزيعه على الشركاء بقدر نصيب كل منهم، بالرغم من وجود نزاع بين الخصوم على مقدار الحصص، وبتالي يم طلب التوزيع أصل الحق المتنازع فيه مما يوجب حسمه أولاً بقضاء موضوع يحدد لكل شريك حصته التي يتم التوزيع وفقاً لها، وحينئذ يحور القاضي هذا الطلب بما يتفق واختصاصه النوعي، بجعله طلباً وقتياً تحفظياً لا يمس أصل الحق، وذلك بايداع الريع خزينة المحكمة لحين صدور حكم نهائي بتحديد حصة كل شريك، فيتم التوزيع وفقاً لذلك، ويراعى أن محكمة الموضوع لا يجوز لها تحوير الطالب الوقتي الى طلب موضوعی .
ومثل الطلبات الموضوعية التي لا تقبل التحوير، رفع دعوى بصحة ونفاذ عقد القسمة ووضع الأموال تحت الحراسة القضائية، أو صحة ونفاذ عقد البيع والتسليم مع فرض الحراسة القضائية على المبيع، وإذا تضمنت الدعوى شقين، أحدهما موضوعی، وثانيهما مستعجل، فإن قاضى الأمور المستعجلة يقضي في الدعوى برمتها بعدم اختصاصه نوعياً بنظرها ويأمر بإحالته إلى محكمة الموضوع للفصل فيها.
ويجب التفرقة بين المساس بأصل الحق، والفصل في أصل الحق، ففي الحالة الأولى، يتعين على قاضي الأمور المستعجلة، أن يقضي بعدم اختصاصه نوعياً بنظر الدعوى، ويقف عند هذا الحد دون أن يقضي بالإحالة، إذ يتضمن قضاؤه حينئذ قضاء برفض الدعوى فلا يبقى ما يصلح لإحالته إلى محكمة الموضوع.
أما في الحالة الثانية، فإن المدعى عندما رفع دعواه قصد أن يتم الفصل فيها من قاضي الأمور المستعجلة، فتكون قد رفعت بالمخالفة لقواعد الإختصاص النوعي، مما يتعين معه على قاضي الأمور المستعجلة، أن يحكم بعدم إختصاصه نوعياً بالفصل في الدعوى ويأمر بإحالته إلى المحكمة المختصة عملاً بالمادتين 109 ، 110 من قانون المرافعات. وأوضحنا فيما تقدم أن قاضي الأمور المستعجلة إذا فصل في الدعوى في هذه الحالة كان قضاؤه مشوباً بمخالفة قواعد الاختصاص النوعي مما يوجب الطعن فيه وإلا حاز الحكم قوة الأمر المقضي.
وإذا كانت الطلبات تنصرف الى إتخاذ إجراء وقتی ولكن تنطوي على مساس بأصل الحق، وجب على قاضي الأمور المستعجلة أن يقضي بعدم اختصاصه نوعياً بالفصل في الدعوى والوقوف عند هذا الحد على نحو ما تقدم، فان لم يلتزم ذلك وأمر بإحالتها إلى محكمة الموضوع، وجب عليها أن تقضي بعدم قبولها لرفعها بغير الطريق الذي رسمه القانون، ولا تلتزم بالفصل فيها .
4- أن تكون الأموال قابلة للتعامل فيها :
يجب أن يكون محل الحراسة قابلاً لأن يتولى الغير إدارته قابلاً للتعامل فيه فلا يجوز فرض الحراسة على الأموال العامة فهي غير قابلة للتعامل فيها، سواء كانت أموالاً عامة بطبيعتها كالشواطئ والاسواق العامة وما يقام عليها من منشآت، أو كانت أموالاً عامة بالتخصیص کالعقارات التي تنزع ملكيتها للمنفعة العامة إلا إذا كانت ملكيتها متنازع فيها وكذلك صفتها العامة، والأموال التي تنجبي في صورة رسوم ومثلها رسوم النظافة ورسوم أبنية المحاكم ولا على أرض المزارع التي لا تجاوز خمسة أفدنة فهي غير قابلة للحجز عليها، وبالتالي لا يجوز فرض الحراسة عليها لإستيفاء دين من هذه المساحة ولكن إذا نشب نزاع بصدد ملكيتها أو حيازتها أو إدارتها جاز وضعها تحت الحراسة إذ أن النزاع الموضوعي لا شأن له بدین يراد استيفاؤه، ذلك لأن الدائن إذا خشي قيام المدين بتبديد أمواله، جاز للدائن أن يطلب وضع هذه الأموال تحت الحراسة على أن يودع الحارس ريعها خزانة المحكمة لحين الفصل في دعوى الدائن، ولا أموال المدين المعسر ولا مكاتب المحامين وعيادات الأطباء وأصحاب المهن الحرة لعدم إمكان ادارتها بمعرفة الغير، واختلف الفقه بصدد الصيدليات والكنائس وأموال الكنائس، والمساجد الخاصة والمدارس الخاصة والمعاهد العلمية الحرة على أن تكون الحراسة لوزارة التربية والتعليم والنقابات والاندية الاجتماعية أو الرياضية، والراجح إمكان فرض الحراسة عليها على أن تبقى للكنائس شعاراتها الدينية وتعين وزارة الأوقاف حارساً بالنسبة للمساجد وتقتصر الحراسة على المنقولات والاموال.
5 - يجب ألا تمس الحراسة القرار الإداري :
إذا كانت الأموال المطلوب وضعها تحت الحراسة القضائية، قد صدر في شأنها قرار إداري استوفى أركانه القانونية، فانه يمتنع على القضاء العادي وضع هذه الأموال تحت الحراسة القضائية لما في ذلك من مساس بالقرار الإداري وإهدار الحجيته ومخالفة لقواعد الاختصاص الولائي المتعلق بالنظام العام، وإذ تضمن دعوى الحراسة فصلاً في خصومة لا يختص بها القضاء العادي، فإنه يتعين على قاضي الأمور المستعجلة وهو فرع من هذا القضاء، أو محكمة الموضوع إن كانت الدعوى بشقيها قد رفعت إليها القضاء بعدم الإختصاص الولائي وإحالة الدعوى بحالتها إلى محكمة القضاء الإدارى بمجلس الدولة يناط بقلم کتابها تحديد جلسة وإخطار الخصوم بها.
فان خالف قاضي الأمور المستعجلة، أو محكمة الموضوع تلك القواعد،وتصدي أر تصدت للدعوى، كان الحكم مشوبا بمخالفة قواعد الإختصاص الولائي، والسبيل إلى تصحيح هذا الخطأ، يكون بالطعن في الحكم، فإن لم يتم الطعن، حاز الحكم قوة الأمر المقضي بالنسبة لجميع خصومه ومنهم الجهة الإدارية طالما كانت مختصمة في الدعوى وظلت ممثلة فيها حتى صدور الحكم،كما يحوز نفس الحجية بالنسبة لجهة القضاء الإداري مما يحول دونه واعادة نظر المنازعة أو ما قد يتفرع عنها من دعاوى، کدعوى التعويض المترتبة على القرار الإداري، وذلك في ظل قانون المرافعات الحالي الذي أوجب الاحالة بين القضاء العادي والإداري، والتزام القضاء المحال إليه حجية حكم الإحالة ولو كان مخالفاً القواعد الاختصاص الولائي طالما حاز قوة الأمر المقضى، وبالتالي تثبت الحجية للحكم الصادر من إحدى الجهتين في مواجهة الجهة الأخرى، خلافاً لما كان عليه قانون المرافعات السابق الذي كان يفصل كل جهة قضائية عن الأخرى، فلم يكن يجيز أو يوجب الاحالة، ولم تكن حجية الحكم الصادر من إحداها تتعدى الى الأخرى.
يستوي أن يكون القرار الإداري صادراً في شأن تسيير مرفق عام أو بمناسبة تسييره، أو في شأن عقد إداري وهو الذي يتضمن شروطاً استثنائية غير مألوفة في عقود القانون المدني، أو كان العقد يحيل في شأن هذه الشروط الى اللوائح القائمة التي تنظم تلك العقود، مثال ذلك أن تبرم جهة الادارة عقداً مع مقاول تشترط فيه حقها في التحفظ على معدات المقاول وبيعها في حالة مخالفته شروط العقد لإسترداد ما تكون قد تكبدته من خسائر بسبب سحب العملية، وحينئذ يكون القرار الإداري الصادر بذلك، قد استند إلى العقد الإداري والتشريع الذي ينظمه، ويستوفی بذلك أركانه القانونية مما كان يتعين معه على المقاول اللجوء للقضاء الإداري، فإن خالف ذلك ورفع الدعوى أمام القضاء العادي، بوضع تلك الأموال تحت الحراسة لحفظها حتى يتم الفصل في الدعوى الموضوعية، وجب على هذا القضاء أن يحكم، ولو من تلقاء نفسه بعدم اختصاصه ولائياً بنظر الدعوى وإحالتها إلى محكمة القضاء الإداري، يستوي أن تكون الدعوى مرفوعة الى قاضي الأمور المستعجلة أو لمحكمة الموضوع تبعاً للدعوى الموضوعية.
والحكم الصادر من قاضي الأمور المستعجلة، في دعوى الحراسة، بعدما الإختصاص، يجب أن ينص فيه على الإحالة طالما لم يتضمن قضاء برفض الدعوى وهو ما يتوافر عندما تكون الدعوى مما تختص بها محكمة أخرى ويكون المدعي قد طلب إليه الفصل فيها. أما اذا كان الحكم قد تضمن قضاء برفض الدعوى، كما لو تبين لقاضي الأمور المستعجلة عدم توافر شروط اختصاصه، كما لو تبين له إنتفاء الخطر العاجل، فإنه حينما يقضي بعدم اختصاصه بنظرها، فإن هذا القضاء ينطوي على قضاء برفض الدعوى، والمقرر أن الإحالة لا ترد على القضاء برفض الدعوى، وأن الإختصاص بالدعوى المستعجلة ينعقد لقاضي الأمور المستعجلة وحده إذا توافرت شروطها، فإن تخلفت وحكم بعدم اختصاصه فلا محل لإحالته لعدم وجود جهة أخرى تختم بها .
فإن تبين للقضاء العادي أن القرار الإداري مشوباً بعيب ينحدر به إلى درجة العلم بتخلف أركاته اللازمة لقيامه، وجب عليها طرح هذا القرار إذ يعتبر حينئذ عقبة مادية، وهي بذلك لا تتعرض لقرار إداري بتعطيل أو تأويل، ويترتب على ذلك أن للمحاكم العادية أن تعطي القرار الإداري وصفه القانوني على هدى حكمة التشريع ومبدأ الفصل بين السلطات وحماية الأفراد وحقوقهم، وهي في سبيل ذلك، لها التحقق من قيام القرار الإداري بمقوماته القانونية والتعرف على فحواه، فان تبين لها توافر أركانه وجب عليها ألا تتصدى له بإلغاء أو تأویل الخروج ذلك عن ولايتها، أما إذا تبين إنتفاء أركانه وبالتالي إنحداره إلى العدم، طرحته واخضعت الدعوى للقانون الخاص، ولا يعتبر ذلك منها تعرضاً للقرار بالإلغاء أو التأويل، مثال ذلك أن تبيع جهة الادارة عيناً من الأموال المملوكة لها ملكية خاصة بموجب عقد تنتظمة نصوص القانون الخاص، ثم تصدر قراراً إدارياً بفسخ العقد وتشرع في تغيير معالم العين أو في هدمها مما يتوافر به إنعدام القرار الإداري لما تضمنه من فسخ بإرادة جهة الإدارة المنفردة بينما تعتبر في العقد من أشخاص القانون الخاص وكان يتعين عليها اللجوء للقضاء العادي لإستصدار حكم بالفسخ، كما يتوافر الخطر العاجل ما يجوز معه رفع دعوى بوضع العين المبيعة تحت الحراسة القضائية، ويختص بها القضاء العادي لانعدام القرار الإداري.
ومتى توافرت الشروط سالفة البيان، قضى بوضع الأموال تحت الحراسة القضائية ويكون الحكم جائزاً تنفيذه جبراً فور صدوره متى كانت تلك الأموال في حيازة المحكوم عليه مما يوجب تسليمها إلى الحارس، وقد يكون تسليمها له رمزياً، كما لو كانت في حيازة المحكوم عليه وعينته المحكمة حارساً عليها، أو كانت الأموال مؤجرة فتظل في حيازة مستأجرها ولكنه يلزم بدفع الأجرة للحارس تنفيذاً لحكم الحراسة بشرط أن يكون قد أعلن به إن لم يكن قد اختصم في الدعوى.
وطالما توافرت للحكم الصادر بالحراسة مقومات السند التنفيذي، فإنه يجوز رفع أشکال في تنفيذه فور صدوره أو بعد إعلانه أو عند تنفيذه، وقتی صدر الحكم في الإشكال، فلا يجوز الإستشكال في تنفيذه، ويعتبر مثل هذا الإشكال، إشكالاً نائياً لا يوقف التنفيذ، وينعقد الإختصاص بنظر الإشكال القاضي التنفيذ بوصفه قاضياً للأمور المستعجلة، فلا يختص به قاضي الأمور المستعجلة الذي أصدر حكم الحراسة ما لم يكن هو قاضي التنفيذ، ولا توافر في الحالة الأخيرة شروط عدم صلاحيته لنظر الإشكال، لأن الحكم الذي أصدره بالحراسة وقتی لم يمر به أصل الحق وهذا المساس هو مناط عدم الصلاحية.
النصوص الخاصة التي أجازت الحراسة القضائية :
أحوال الحراسة المشار إليها بالفقرة الثالثة من المادة 730 هي ما نص عليه في المواد 336 ، 988 ،1071 ، 1133 / 3 مدني و 364 و 407 / 2،1 مرافعات وهي متعلقة بعرض الدين محل الوفاء على الدائن ووضعه تحت الحراسة ونزع الشيء الذي ترتب عليه حق الإنتفاع من المنتفع ووضعه تحت الحراسة و تخلية العقار المرهون وتعيين حارس تتخذ في مواجهته إجراءات نزع الملكية ووضع الدائن القول المثقل بحق امتیاز لمصلحته تحت الحراسة، وتعيين حارس على المنقولات المحجوز عليها، ووضع العقار المحجوز عليه تحت الحراسة، وتخضع منازعات حراسة المحجوزات لقاضي التنفيذ، ويجوز تعيين حارس قضائي لتحصيل الاجرة من المستأجرين وإيداعها خزانة المحكمة حتى يفصل في بطلان حجز ما للمدين لدى الغير.
وفي هذه الحالات، يرفع طالب الحراسة دعواه أمام قاضي الأمور المستعجلة استنادا لحقه الذي قرره له المشرع بموجب أي من هذه النصوص، فلا يكلف إثبات الشروط اللازمة لاختصاص قاضي الأمور المستعجلة بها، إذ قامت قرينة قانونية قاطعة على توافرها، كما لا يلتزم القاضي يبحث تلك الشروط إكتفاء بتوافر الشروط التي يتطلبها النص، فإن تعلقت الحراسة بعقار يرغب المدين في تسليمه، وامتنع الدائن عن إستلامه، جاز للمدين وضعه تحت الحراسة القضائية تنفيذاً لالتزامه، وحينئذ لا يثبت إلا قيام التزامه وسعيه إلى تنفيذه بإنذار وجهه للدائن متضمناً موعداً لذلك إنقضاء هذا الميعاد دون قيام الدائن بالإستلام، ومتى أثبت المدين ذلك، وجب على قاضي الأمور المستعجلة وضع العقار تحت الحراسة القضائية، دون حاجة إلى بحث شروط اختصاصه إكتفاء بتحقق هذه العناصر، ولا يعتد بالدفاع المتعلق بالنزاع الجدى أو الخطر العاجل، باعتباره دفاعاً ظاهر الفساد في حالة وجود نص يجيز وضع العقار تحت الحراسة القضائية. وبالتالي لا يكون الحكم مشوباً بالقصور إذا ما أغفل الرد على هذا الدفاع.
شروط قبول دعوى الحراسة القضائية :
يشترط لقبول دعوى الحراسة توفر المصلحة والصفة والأهلية بالنسبة للمدعي وألا يكون قد سبق صدور حكم فيها عن ذات السبب وبين نفي الخصوم وألا يكون هناك اتفاق سابق بين الخصوم على اللجوء للتحكيم، كما يجب أن ترفع الدعوى على ذي صفة، ويجب على المدعي اختصام كل مالك أو صاحب حق عيني على المال محل الحراسة وإلا اعتبر هذا من الغير ويكون له الحق في الاستشكال في تنفيذ حكم الحراسة ويجيبه قاضي التنفيذ الى طلب وقف تنفيذ هذا الحكم كما له أن يطلب رفع الحراسة، أما صاحب الحق الشخصي فلا يلزم اختصامه لأن حكم الحراسة لا يمس حقه، ولكن يجوز اختصامه لصدور الحكم في مواجهته حتى إذا صدر الحكم بتكليف الحارس بتحميل الأجرة، التزم بالوفاء بها للحارس دون المؤجر، فان لم يختصم وجب إعلانه بصورة من الحكم.
مصاريف الدعوى والنفاذ المعجل :
دعوى الحراسة بمثابة إجراء وقتی تحفظى لا تنتهي بالحكم الصادر فيها الخصومة وإنما تظل قائمة حتى صدور الحكم في الدعوى الموضوعية نهائيا وبه تنتهي الخصومة وتبعاً لذلك، يجب ألا يتضمن الحكم الصادر في دعوى الحراسة إلزام المدعى عليه مصاريفها عند الحكم بوضع الأموال تحت الحراسة القضائية، إذ يعتبر هذا الحكم معلقاً على صدور حكم في الموضوع، وبالتالي يرجئ القاضی البت في المصاريف حتى يصدر الحكم الموضوعي فيلزم خاسر الدعوى مصاريفها، ويدخل فيها أجر الحارس، إذ يظل الحارس يباشر أعمال الحراسة حتى يصدر الحكم في موضوع النزاع، فإن كان من كسب الدعوى هو الذي كان يدفع أجر الحارس، كان له الرجوع بما دفعه على من ألزم المصاريف بطلب على عريضة متى أصبح الحكم نهائياً.
أما إذا قضى برفض دعوى الحراسة، فان الحكم يكون قد أنهى الخصومة فيها، وبالتالي يتعين إلزام رافعها المصاريف.
الحكم الصادر بوضع الأموال تحت الحراسة القضائية، حكم وقتي من شأنه حفظ تلك الأموال بمعرفة الحارس لحين صدور حكم في الموضوع يحسم النزاع بين الخصوم، فإن كانت الدعوى مرفوعة أمام محكمة الموضوع بالشقين المستعجل المتمثل في وضع الأموال تحت الحراسة القضائية، والموضوعي المتمثل في إستحقاق تلك الأموال أو صحة ونفاذ العقد المتعلق بها وتسليمها، فإن المحكمة قد تفصل في الشقين معاً بوضع الأموال تحت الحراسة القضائية وتعيين حارس عليها، وبصحة ونفاذ العقد مع التسليم أو باستحقاق تلك الأموال، ولا يغني القضاء في الشق الموضوعي عن الحكم في الشق المستعجل، إذ طالما توافرت شروط الحراسة وجب على المحكمة أن تقضى بها لينفذ الحكم الصادر بها تنفيذاً معجلاً دون إنتظار لصيرورة الحكم الموضوعى نهائياً، إذ قد يستغرق ذلك وقتاً طويلاً.
أما إذا قضت في الشق المستعجل أولاً، وجب عليها تحديد جلسة لنظر الموضوع بعد أن وضعت الأموال المتنازع عليها تحت الحراسة القضائية، ويظل الطلب الموضوعی مطروحاً عليها حتى يتم الفصل فيه، بحيث إذا قضت في الشق المستعجل وأغفلت تحديد جلسة لنظر الشق الموضوعي، تعين على المدعي أن يعجل الدعوى أمامها للفصل في الشق الموضوعي، فان لم يعجلها، أو وقف السير فيها لأي سبب، أو شطب دون أن يجدد السير فيها خلال ثلاثين يوماً، جاز للمدعى عليه تعجيلها والتمسك بإعتبارها كأن لم تكن عملاً بالمادة 82 من قانون المرافعات و برفع الحراسة التي فرضتها المحكمة في الشق المستعجل، بإعتبار أن هذا الشق لا يستقيم إلا بقاء الشق الموضوعي، ابتداءً عند رفع الدعوى وانتهاء عند الفصل فيه باعتباره تابعا للشق الموضوعي، يبقى ببقائه ويزول بزواله، وكذلك الحال إذا قضى بسقوط الدعوى بعد الحكم بوضع الأموال تحت الحراسة.
فإن كانت الدعوى قد رفعت أمام قاضي الأمور المستعجلة بوضع الأموال تحت الحراسة القضائية، وقضى بذلك، تعين على المحكوم له رفع الدعوى الموضوعية أمام محكمة الموضوع بعد الوقت المناسب الذي يكفي لاتخاذ الاجراءات واعداد المستندات، وهو تقدير يستقل به قاضي الموضوع عند نظر طلب رفع الحراسة، إن كانت الحراسة مقضي بها من محكمة الموضوع، ومن قاضي الأمور المستعجلة أن كان هو الذي قضى بالحراسة، إذ ترفع الدعوى ريع الحراسة أمام المحكمة التي فرضت الحراسة.
عدم انقطاع التقادم بدعوى الحراسة :
دعوى الحراسة، دعوى وقتية تحفظية لا تمس أصل الحق المتنازع فيه، فهی تنقل الأموال المتنازع عليها الحارس أن كانت في غير حيازته لحفظها مؤقتاً حتى يصدر حكم مرة رعي، وبالتالي فان الدعوى لا تتضمن مطالبة بالحق المتنازع عليه، فلا تقطع تقادمه، إذ لا يعتبر إنتقال الأموال للحارس من إجراءات التنفيذ القاطعة للتقادم.
يجب أن يسبق التنفيذ إعلان الحكم الشخص المحكوم عليه أو لموطنه الأصلي وإلا كان باطلاً (م 281 مرافعات) ولا يلزم إعلان الحكم إلا إذا كان المال الموضوع تحت الحراسة في حيازة شخص آخر غير الحارس، إذ يتطلب الأمر تنفيذاً جبرياً للحكم وهذا لا يجوز إلا بإعلان المحكوم عليه الحائز بالسند التنفيذي، ومن ثم لا يلزم الاعلان اذا كان الحارس هو الحائز للمال فيتسلمه سلماً حكمياً دون حاجة إلى تنفيذ جبرى، تثبت الصفة للحارس فور صدور الحكم وقبل إعلانه في الحالة الواجب فيها الإعلان.
ذلك أن دعوى الحراسة القضائية، ليست بالدعوى الموضوعية، فهي لا تم أصل الحق ولا تعتبر فاصلة فيه، وإنما هي إجراء تحفظي مؤقت، وبالتالي يكون الحكم الصادر فيها وقتياً لا يمس أصل الحق، وواجب النفاذ فور صدوره بقوة القانون، دون حاجة لأعلاه كسند تنفيذى إلا في حالة تنفيذه جبراً على الأموال إن لم تكن في حيازة الحارس، فإن كانت في حيازته، فلا حاجة لاتخاذ إجراءات التنفيذ الجبرى التي تبدأ بإعلان السند التنفيذي، أي حكم الحراسة بعد تذييله بالصيغة التنفيذية، وتثبت صفة الحارس فور صدور الحكم ولو لم يكن قد أصبح نهائياً لنفاذه معجلاً بقوة القانون. كما تزول صفته بمجرد صدور الحكم بعزله، إذ أنه يعين بحكم وقتی واجب النفاذ، ويعزل أيضاً بحكم وقتی واجب النفاذ بقوة القانون دون حاجة لاعلانه إلا إن لم يكن قد مثل في دعوى عزله ولم يقدم مذكرة بدفاعه، وحينئذ يجب إعلانه بالحكم.
الحكم الصادر بوضع الأموال تحت الحراسة القضائية، حكم وقتي لا يمس أصل الحق المتعلق بهذه الأموال، وبالتالي تكون حجيته قاصرة على الإجراء الرقي الذي صدر به الحكم، وتظل له تلك الحجية ما بقيت الظروف التي صدر فيها قائمة وهو ما يحول دون الخصوم والعودة إلى مناقشة ما قضى به الحكم في دعوى تالية تتعلق بنات الإجراء إلا إذا كانت تلك الظروف قد تغيرت، فالحكم الوقتي الصادر بعدم الاختصاص بنظر دعوى الحراسة لإنتفاء الخطر العاجل أو لإنتفاء المنازعة الجلية، تكون له الحجية ما بقيت تلك الحالات قائمة، أما أن تغيرت، بتوافر الخطر العاجل أو بتوافر المنازعة الجدية، فلا تكون للحكم السابق حجية عند نظر دعوى الحراسة الثانية.
وتزول حجية حكم الحراسة عند نظر محكمة الموضوع للنزاع المتعلق بأصل الحق، سواء كان الحكم يفرض الحراسة صادرة من قاضي الأمور المستعجلة أو في الشق المستعجل من محكمة الموضوع، وفي الحالة الأخيرة لا ينال صدور الحكم المستعجل من محكمة الموضوع من صلاحيتها في الفصل في أصل الحق، إذ لا حجية لهذا الحكم بالنسبة لها، ولها مخالفة دلالة قضائية.
متى قامت منازعة على الملكية وكان الحائز يستطيع حماية حيازته باستيفائه شروط دعاوى وضع اليد. فإنه لا يجوز أخذ العين منه عن طريق الحراسة ويكون للخصم الآخر رفع دعوى الملكية ما لم يثبت هذا الخصم وجود خطر عاجل - كتبليد غلة العقار فيجوز له في هذه الحالة وضع العقار تحت الحراسة بدعوى أمام القضاء المستعجل أو أمام المحكمة التي تنظر دعوى الملكية، وإذا انصب النزاع على الحيازة كما إذا امتنع الدين عن تسليم العين المرهونة رهن حيازة جاز المرتهن أن يطلب وضعها تحت الحراسة أمام القضاء المستعجل أو أمام محكمة الموضوع حتى يفصل في دعوى التعليم، كما تجوز الحراسة إذا قام نزاع في جدية الرهن الحيازي كما يجوز للراسي عليه مزاد العقار المنزوعة ملكيته وضعه تحت الحراسة إذا امتنع المدين عن تسليمه وكان هناك خطر عاجل يهدد مصلحه حتى يفصل قاضي الموضوع فى دعوى التسليم .
وهي تنصب على عقد البيع كان يرفع البائع دعوى بطلان البيع لتخلف أحد أركانه أو بإبطاله لنقع في الأهلية أو لغلط أو تدليس أو أكراه أو بفسخه للإخلال بشروط البيع أو للتحف عن دفع الثمن ويشترط في الحالة الأخيرة أن يوجد خطر عاجل وقد لا يستلزم هذا الخطر إذا وجد شرط على الحراسة عند التخلف عن دفع الثمن إذ تكون الحراسة هنا إتفاقیة، فإذا أثبت البائع الخطر العاجل من بقاء العين تحت يد المشتري جاز له طلب وضعها تحت الحراسة حتى يفصل في الدعوى الموضوعية، كأن يمتنع المشتري عن سداد الديون التي تضمنها العين وفقاً لشروط البيع أو لم يسدد الضرائب مما يهدد العين بنزع ملكيتها وذلك إلى أن يستوفي البائع الثمن من المشتري فإذا انتفى الخطر العاجل تعیین رفض دعوى الحراسة، وإذا رفعت دعوى صحة التعاقد والتسليم وخشي المشتري أن يخرب البائع العين جاز له أن يطلب وضعها تحت الحراسة حتى يفصل في الدعوى الموضوعية بشرط ألا يوجد عقد مسجل عن بيع سابق لذات العقار فإن وجد مثل هذا التسجيل تعين رفض دعوى الحراسة لأن دعوى صحة التعاقد تكون غير منتجة في تسليم العين حتى لو نازع المشتري في صحة العقد المسجل بأن أدعى التواطؤ بين البائع والمشتري الذي سجل عقده اضراراً بحقوقه .
إذا طعن المؤجر في عقد الايجار بالبطلان أو بالأبطال أو بالفسخ وخشي من بقاء العين تحت يد المستأجر لخطر عاجل جاز له أن يطلب وضعها تحت الحراسة حتى يفصل في الدعوى الموضوعية، كما له ذلك إذا أهمل المستأجر زراعة الأرض أو قام نزاع حول صحة التنازل عن الأجرة امتنع المستأجر على أثره من لمنع أو لبيع المحصولات المحجوز عليها تحفظيا وإيداعها خزينة المحكمة حتى يفصل في دعوى الأجرة.
وأيضا يجوز للمستأجر طلب وضع العين المؤجرة تحت الحراسة وتكون مهمة الحارس تحصيل الأجرة وادارة العقار ودفع أجرة البواب واشتراك المياه والنور والقيام بالإصلاحات الضرورية للعين مما يلتزم به المؤجر، وأصلاح المصعد والإشراف على تسييره وتمكين المستأجرين من الإنتفاع به، ولكن لا يجوز تعيين حارس لتركيب مضخة لرفع المياه للأدوار العليا لأن الحراسة ليست من وسائل التنفيذ.
وفقاً لنص المادتين 827 و 828 مدنی أن الأصل في ادارة المال الشائع تكون للشركاء مجتمعين والا الأغلبية على أساس قيمة الأنصباء ولها اختيار مدير محدد له طريقة الادارة، فاذا لم تتوفر الأغلبية وتولي الإدارة أحد الشركاء اعتبر وكيلاً عن الباقين ما لم يعترض عليه أحد، فان لم توجد أغلبية أو اعترض على من قام بالادارة، جاز لأي من الشركاء أن يطلب من القاضي تعيين مدير من بين الشركاء أو من غيرهم ويكون دائماً، وليست هذه هي الحراسة القضائية فعمل الحارس مؤقت ويعين بدعوى مستعجلة أو دعوى تتبع الدعوى الموضوعية الخاصة بتعيين المدير، وقد يتطلب الأمر تعيين حارس بالرغم من وجود مدیر ثبت تطرفه أو إجحاف بحقوق البعض أو لسبب آخر فيتوفر الخطر العاجل ومن ثم يكون لأي شريك طلب تعيين حارس حتى يفصل في الدعوى الموضوعية بعزل المدير وتعيين آخر محله.
وقد يقع النزاع على أنصبة الشركاء فيقوم خطر عاجل إذ بتعذر توزيع الريع ولذلك فلأي شريك أن يطلب تعيين حارس القبض الريع وصرف الأنصبة غير المتنازع فيها وايداع الانصبة المتنازع فيها خزينة المحكمة إلى أن يصدر حكم نهائي بمقدار نصيب كل شريك وإذا كان المال الشائع مرهوناً أو مترتباً عليه حق اختصاص أو حق امتياز وامتنع بعض الشركاء عن الوفاء بحصته في الدين وخشي باقي الشركاء من نزع ملكيته جاز لأي منهم أن يطلب وضعه تحت الحراسة ليقوم الحارس بسداد الدين من الريع وإيداع الباقی خزينة المحكمة حتى يفصل في النزاع، كما يجوز لأي شريك يخشى على الريع من التبديد وضع المال تحت الحراسة ووضع الريع خزينة المحكمة حتى الفصل في النزاع وإذا كان أحد الشركاء مديناً جاز لدائنه أن يطلب وضع حصة مدينه في المال الشائع تحت الحراسة، فإن كان المال الشائع مقسوماً قسمة مهايأة وضعت حصة المدين مفرزة تحت الحراسة، وإذا طلب أحد الشركاء قسمة المال الشائع وكانت هناك أسباب جدية للخشية من تبديد الريع جاز لأي شريك أن يطلب وضع المال تحت الحراسة .
المواد 875 - 914 مدنی و941 و 967 مرافعات، فإذا تم تعيين مصفى للتركة وفقاً لاحكام هذه المواد فهذا يغني عن وضعها تحت الحراسة فتعیین مصفى للتركة بدعوى موضوعية ينهي مهمة الحارس على التركة بقوة القانون، فالحراسة إجراء وقتي يزول من الوقت الذي تظهر فيه وقائع جديدة تغير من مركز الخصوم أو النزاع، وقد يعزل المصفى وتكون التركة في حاجة لمن يلي أعبائها حتى يتم تعيين مصفى جديد ويكون هناك خطر عاجل ومن ثم يجوز لكل ذي مصلحة أن يطلب تعيين حارس قضائي للمحافظة على التركة وادارة أعيانها وإذا عين حارس على التركة فإن الحراسة تمتد إلى أعيان التركة الموجودة في بلد أجنبي وذلك على خلاف في الرأي.
أما إذا لم يعين مصفى للتركة، ونشب نزاع بين الورثة فإنه يجب تعيين حارس قضائي، فإن كان النزاع بصدد الانصبة أو إنكار صفة الوارث على أحد الورثة أو أنفرد البعض بالتركة جاحدين على الباقين حقهم فيها أو منفردين بريعها أو مغالطين فيه، أو أغتصبها أجنبي أو تقدم موصى له بوصية جحدها الورثة أو طعنوا فيها بالتزوير أو البطلان وكان هذا الطعن جدياً ، أو وضعت الحكومة يدها على التركة بحجة أن لا وارث لها، فانه في هذه الأحوال وما شابهها يجوز وضع التركة تحت الحراسة متى كان النزاع جدياً وتوفر الخطر العاجل فيقوم الحارس بتحصيل الريع وصرف غير المتنازع عليه منه لمستحقيه .
أما أن كان النزاع بصدد كيفية الإدارة أو من يتولاها أو أساء. من تولى الإدارة إلى حقوق الآخرين جاز لكل ذي مصلحة أن يطلب وضع التركة تحت الحراسة متى كان النزاع جدياً وتوفر الخطر العاجل وهو الخطر المحدق الذي ينذر بضياع حقوق طالب الحراسة، ولكن لا يجوز لدائن التركة أن يطلب وضعها تحت الحراسة متى كان من يديرها لم ينسب إليه أهمال ولم يحاول الدائن الحصول على دينه بالطرق العادية للتنفيذ إذ أن الحراسة ليست من هذه الطرق.
وإذا كان النزاع بصدد وفاءً ديون التركة كان أمتنع الورثة عن الوفاء أو نازعوا الدائنين فيما لهم من ديون أو أخذوا في تبديد أعيان التركة، جاز لكل ذي مصلحة أن يطلب وضع التركة تحت الحراسة متى كان النزاع جدياً وتوفر الخطر العاجل ليقوم الحارس بتحصيل الريع وإيداع ما يفي الديون بخزينة المحكمة حتى يفصل في موضوع النزاع، وقضى بأنه إذا عهد للحارس بتصفية التركة جاز له الطعن في الهبات التي صدرت من المورث إضراراً بحقوق الدائنين، ونرى أن التصفية هي موضوع النزاع وليست إجراءً وقتياً ومن ثم تمتنع على الحارس ويجب تعیین مصفى للتصفية.
غالباً ما تنحصر هذه المنازعات في الادارة فيختلف المدير مع الاعضاء أو مع مجلس الادارة وقد يسئ المدير الإدارة أو يخلو هذا المنصب بالوفاة أو بالإستقالة أو بالعزل، وقد ينشب النزاع بأن يقيم أحد الأعضاء دعوى فسخ، وقد يتوفی أحد الشركاء المتضامنين ويرفض ورثته الاستمرار في الشركة ويخلو العقد من استمرارها بعد وفاة أحد الشركاء، وقد يدعي بعض الشركاء حل الشركة وينكر البعض الآخر، وقد يتفق الشركاء على التصفية ثم يختلفون على تفسير عقد التصفية، وقد تحل الشركة ويعين لها مصفي يتضرر منه بعض الشركاء، وقد يثور خلاف بين المدير وشريك على ملكية بعض الأموال بأن يدعي الشريك ملكيته لها بينما يدعي المدير ملكية الشركة لها وقد يستأثر المدير بأرباح الشركة ويمتنع عن توزيعها أو تقديم ميزانيات الشركة، وقد يقوم النزاع في تكييف العلاقة بين الخصمين هل هي شركة توصية أو عقد عمل، ففي هذه المنازعات منی کانت جلية وتوفر الخطر العاجل جاز لكل عضو أن يطلب فرض الحراسة القضائية، ولا يوجد ما يمنع أن يعين قاضي الموضوع مصفاً للشركة وأن يعين قاضي الأمور المستعجلة حارساً لها حتى يفصل في النزاع المتعلق بالمصفى، وفي شركات المساهمة يجوز لكل شريك طلب وضع الشركة تحت الحراسة وتكون مهمة الحارس دعوة الجمعية العمومية لانتخاب مجلس ادارة جديد ويجوز للقاضي أن يحكم بوقف التعامل في الاسهم حتى لا تهبط أسعارها، ولا يجوز الحراسة إذا كان الغرض منها المساس بالموضوع، إذ أنها إجراء وقتی تحفظی، فلا يجوز تعيين حارس لتصفية الشركة أو التعديل عقدها أو للحد من سلطة المدير، فهذا فصل في موضوع التاع نظم له القانون إجراءات خاصة.
وهناك تطبيقات أخرى يكتفي في فرض الحراسة بسببها مجرد توفر الخطر العاجل ولو لم يوجد نزاع قائم، فللمدين الراهن رهن حيازة أن يطلب وضع العين المرهونة تحت الحراسة إذا أساء الدائن أدرانها (م 1106مدنی) ولمالك الرقبة هذا الحق إذا أساء صاحب حق الإنتفاع إستعمال العين، كما يجوز للدائن في الرهن الرسمي أن يطلب وضع العقار المرهون تحت الحراسة (م 1047مدنی) ويجوز للموعود له ببيع عين له أن يطلب وضعها تحت الحراسة إذا خشي أن يتصرف الواعد فيها وذلك حتى ينقضي الوقت الذي يجوز له فيه إبداء رغبته في الشراء، وإذا وضع الدائن ريع العقار من الحراسة اعتبر بمثابة دائن حاجز للعقار فيجب اعلانه للتقدم في التوزيع مع سائر الدائنين الحاجزين والا كانت إجراءات التوزيع باطلة، ويجب أن ترد الحراسة على بعض أموال المدين وليس على مجموع أمواله إذ يعتبر ذلك حجزاً وتستثنى حالة اختفاء المدين المعسر ليتجنب مطالبة الدائنين ويرى السنهورى أن للدائن أن يطلب وضع مجموع أموال مدينة العسر تحت الحراسة حتى في أثناء نظر دعوى شهر الإعسار ليحافظ الحارس على الأموال من التبديد والذي يمتنع هو أن تكون مهمة الحارس تصفية أموال الدين وسداد ديونه تلك مسألة موضوعية لا شأن للحراسة بها بينما الحراسة إجراء حفظی مؤقت ومن ثم تنحصر الطلبات فيها في وضع الأموال تحت الحراسة وإيداع ريعها خزينة المحكمة حتى يتم الفصل في الدعوى الموضوعية .
ولا يشترط الفرض الحراسة أن يكون الحق قائماً بل نتجوز ولو كان الحق محتملاً متى كان هناك خطر عاجل تهدد هذا الحق ومثال ذلك أن يطلب المجني عليه وضع أموال المتهم تحت الحراسة ليضمن الوفاء بالتعويض الذي قد يقضي له به، وقد ترفع دعوى حجر فيبادر المطلوب الحجر عليه إلى تبديد أمواله مما يلحق الضرر بالورثة وقد بادر الى التبليد قبل رفع دعوى الحجر، فمتى توفر الخطر العاجل مما يهدد حتى الورثة المحتمل في الوراثة فلأي منهم أن يطلب وضع أموال مورثهم تحت الحراسة حتى يفصل في طلب الحجر، كما يجوز وضع أموال الغائب تحت الحراسة ولو لم تقض سنة كاملة على الغيبة. (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء : العاشر ، الصفحة : 243)
ففي هذه الحالة لا يشترط وجود نزاعی جدي ، أو أن يكون الحق غير ثابت، بل يكفي أن يكون صاحب المصلحة في منقول أو عقار قد تجمع لديه من الأسباب المعقولة ما يخشى منه خطراً عاجلاً من بقاء المال تحت يد حائزه، أي يكفي في هذه الحالة قيام الخطر العاجل نفسه.
هناك فروضاً ثلاثة تجوز فيها الحراسة القضائية.
الفرض الأول: ويشتمل على حالات وردت في نصوص معينة على سبيل الحصر.
الفرض الثاني: ويتناول الحالات المشار إليها في المادة 729 والتي يشترط لجوازها في كل شيء يقوم في شأنه نزاع أو يكون الحق فيه غير ثابت ومن ثم يلزم لتوافر مقومات الحراسة أن يكون هناك خطر عاجل ونزاع جدی.
الفرض الثالث: وهو ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 730 مدنی وفيه لا ترد حالات خاصة معينة بذواتها كما في الفرض الأول. بل ولا يرد فيه قيام النزاع أو عدم ثبوت الحق كما في الفرض الثاني فيكفي أن يقوم خطر عاجل أو كما يقول النص أن يتجمع لدى صاحب المصلحة من الأسباب المعقولة ما يخشى معه خطراً عاجلاً من بقاء المال تحت يد حائزه حتى يجوز للقاضي أن يفرض الحراسة القضائية. فلا يشترط إذن في هذا الفرض الثالث إلا أن يتوافر الشرط العام في كل الحراسة القضائية وهو قيام الخطر العاجل.
ومن ثم كان هذا الفرض هو أعلى مراتب التدرج من التخصيص إلى التعميم - وإذ يدخل فيه جميع أحوال الحراسة التي لا تدخل في الفروض الأخرى فلا يشترط نص خاص ولا قيام نزاع جدى أو حق غير ثابت بل يكفي قیام الخطر العاجل وحده لفرض الحراسة (يراجع في هذا الشأن الوسيط للدكتور السنهوري الجزء السابع صفحة 808 ، 807 وما بعدها).
المادة 730 اشترطت أن يكون لرافع الدعوى مصلحة في عقار أو منقول، ولم تشترط أن يكون له حق في عقار أو منقول.
وقد جاء لفظ " مصلحة " عاماً ومن ثم فإن الأصل أن العام على عمومه، فتشمل هذه المصلحة، المصلحة المادية والأدبية على السواء، أي تكفى أيهما التوافر المصلحة في دعوى الحراسة.
ولا يشترط أن تكون هذه المصلحة قائمة، وإنما يعمل بنص المادة الثالثة مرافعات التي تنص على أنه يكفي المصلحة المحتملة إذا كان الغرض من الطلب الإحتياط لدفع ضرر محدق أو الإستيثاق لحق يخشى زوال دليله عند النزاع فيه .
فيجوز الحكم بالحراسة إذا كان الغرض منها الإحتياط لدفع ضرر محدق.
ويلاحظ أن المادة 729 مدني التي تناولت الحراسة الإتفاقية نصت على أن تشمل الحراسة منقولاً أو عقاراً أو مجموعاً من المال، غير أن الفقرة الثانية من المادة 730 التي نصت على فرض الحراسة إذا كان صاحب المصلحة في منقول أو عقار قد تجمع لديه من الأسباب المعقولة ما يخشى معه خطراً عاجلاً قد أغفلت عبارة "مجموع من المال"، وهذا سهو غير مقصود من المشرع، لأنه ليس معقولاً أن يكون في الفرض الذي أراد فيه إطلاق الحراسة القضائية من هذه القيود، قد قصد بإغفاله عبارة "مجموع من المال" أن يعود إلى تقييد هذه الحراسة وقد جرت أحكام القضاء في ظل التقنين المدني الملغي على فرض الحراسة القضائية على مجموع من المال.
ومن ثم فإنه يجوز فرض الحراسة في هذه الحالة على مجموع من المال .
ويجب أن تتجمع لدى طالب الحراسة أسباب معقولة للخشية من خطر عاجل من بقاء المال تحت يد حائزه، وليس في هذا إلا ترديداً للشرط العام المطلوب في جميع دعاوى الحراسة كما سنرى .
وتقدير قيام الأسباب المعقولة والخطر العاجل مسألة موضوعية يترك تقديرها لقاضي الموضوع.
والمقصود بذلك الحراسة التي ينص القانون على فرضها على المال في الحالة التي يحددها، سواء ورد النص على ذلك في القانون المدني أو في قانون المرافعات أو في أي قانون أخر.
ولذا سنعرض هنا بعض الأمثلة للحراسة القانونية.
أولاً : الحراسة على الأشياء محل الوفاء :
نصت المادة 336 مدني على أنه: "إذا كان محل الوفاء شيئاً معيناً بالذات، وكان الواجب أن يسلم في المكان الذي يوجد فيه، جاز للمدين بعد أن ينذر الدائن يتسلمه أن يحصل على ترخيص من القضاء في إيداعه، فإذا كان هذا الشيء عقاراً أو شيئاً معداً للبقاء حيث وجد، جاز للمدين أن يطلب وضعه تحت الحراسة".
ونصت المادة 488 مرافعات على أنه: "إذا رفض العرض، وكان المعروض نقوداً قام المحضر بإيداعها خزانة المحكمة في اليوم التالي لتاريخ المحضر على الأكثر، وعلى المحضر أن يعلن الدائن بصورة من محضر الإيداع خلال ثلاثة أيام من تاريخه.
وإذا كان المعروض شيئاً غير النقود جاز للمدين الذي رفض عرضه أن يطلب من قاضي الأمور المستعجلة الترخيص في إيداعه بالمكان الذي يعينه القاضي إذا كان الشيء مما يمكن نقله أما إذا كان الشيء معداً للبقاء حيث وجد جاز للمدين أن يطلب وضعه تحت الحراسة".
ونصت المادة 489 مرافعات على أنه : "يجوز العرض الحقيقي في الجلسة أمام المحكمة بدون إجراءات إذا كان من وجه إليه العرض حاضراً وتسلم النقود المعروضة عند رفضها الكاتب الجلسة لإيداعها خزانة المحكمة ويثبت في محضر الإيداع ما أثبت في محضر الجلسة خاصاً بالعرض ورفضه.
وإذا كان المعروض في الجلسة من غير النقود تعين على العارض أن يطلب إلى المحكمة تعيين حارس عليه، ولا يقبل الطعن في الحكم الصادر بتعيين الحارس.
وللعارض أن يطلب على الفور الحكم بصحة العرض".
ويبين مما سلف أن المشرع رسم طريقين لعرض الدين من غير النقود وهو محل دراستنا هنا - أولهما خارج الجلسة وثانيهما أثناء نظر الدعوى.
فإذا كان عرض الدين من غير النقود خارج الجلسة سواء كان منقولاً أو عقاراً، وسواء كان المنقول مثلياً أو قيمياً، ذلك أنه لا يستفاد من عدم ذكر نص المادة 336 مدني الحالة التي يكون فيها محل الوفاء شيئاً مثلياً أن حكمه لا يطبق عليها، إذ أنها داخلة في عموم نص المادة 489 مرافعات فإنه يجب على المدين إذا أراد تبرئة نمته أن يعرض هذا الشيء عرضاً فعلياً على دائنه على يد محضر، فإذا رفض الدائن العرض دون مبرر وكان العرض صحيحاً، وكان الشيء المعروض مما يمكن نقله وإيداعه كمجوهرات وعروض يسيرة النقل، جاز للمدين أن يطلب من قاضي الأمور المستعجلة وفقاً للمادة 488 مرافعات، أو أن يطلب بعريضة من قاضي الأمور الوقتية وفقاً للمادة 336 مدني، أمراً بإيداعه بالمكان الذي يعينه القاضي، وقد يكون هذا المكان هو خزانة المحكمة.
أما إذا كان الشيء المعروض مما لا يتيسر نقله بل كان معداً للبقاء حيث وجد كالعقارات والمنقولات العسيرة النقل والتي هي معدة لتبقى حيث هي كالآلات الزراعية والسيارات والمؤن وأدوات العمارة ونحو ذلك فإنه يجوز المدين أن يطلب وضعه تحت الحراسة، وذلك بالطريقة سالفة الذكر . وتقوم هذه الحراسة مقام الإيداع.
قد جعلت الفقرة الثانية من المادة 488 مرافعات قاضي الأمور المستعجلة هو المختص بالحكم في طلب وضع الأشياء المعروضة تحت الحراسة أو الترخيص بإيداعها في المكان الذي بعينه فيما لو رفض الدائن قبول العرض ولم يجعل الشارع هذا الإختصاص لقاضى التنفيذ، لأن إجراءات العرض أو الإيداع - كما جاء بتقرير اللجنة التشريعية - لا تعتبر من إجراءات التنفيذ وإنما يتعلق الأمر فيها بوفاء اختياري، ولذلك رؤى أن يكون الاختصاص المشار إليه في هذه المادة لقاضي الأمور المستعجلة لا لقاضى التنفيذ الذي لا يختص إلا فيما يتعلق بالتنفيذ الجبري.
أما إذا كان عرض الدين من غير النقود أثناء نظر الدعوى، أي أثناء نظر الدعوى التي يرفعها الدائن على المدين للمطالبة بالدين، فللمدين أن يعرضه على دائنه أثناء المرافعة في أية جلسة أمام المحكمة إذا كان من وجه إليه العرض حاضراً، ويجوز ذلك في أية حالة تكون عليها الدعوى سواء أمام محكمة أول درجة أو أمام المحكمة الاستئنافية .
وإذا كان الشيء مما لا يتيسر نقله أو كان معداً للبقاء حيث وجد، فيكفي في عرضه أن يقرر المدين في محضر الجلسة بأن الشيء تحت تصرف الدائن وعليه الحضور لإستلامه في المكان الذي يحدده إذا شاء .
ويبين من ذلك أن القانون قد فرض فرضاً غير قابل لإثبات العكس أن الشيء المعروض، إذا كان مما لا يتيسر نقله، وقد عرضه المدين لإبراء ذمته، يكون في خطر عاجل إذا اقتصر المدين على تركه تحت تصرف الدائن دون أن يتسلمه هذا الأخير فعلاً، فأوجب وضعه تحت الحراسة. وتكون الحراسة هنا قد توافر شرطها العام وهو قيام الخطر العاجل.
إلا أن هذا الشرط قد فرض القانون توافره فرضاً لا يقبل إثبات العكس كما قدمنا نظراً للظروف المحيطة بالشيء المعروض.
وإذا كان العقار المحجوز مؤجراً اعتبرت الأجرة المستحقة عن المدة التالية التسجيل التنبيه محجوزة تحت يد المستأجر وذلك بمجرد تكليفه من الحاجز أو أي دائن بيده سند تنفيذي بعدم دفعها للمدين. وإذا وفي المستأجر الأجرة قبل هذا التكليف صح وفاؤه وسئل عنها المدين بوصفه حارساً (م 407/2،3 مرافعات)، ويعاقب بعقوبة التبديد إن هو بدد الأجرة بعد قبضها.
وتحسب الأجرة يوماً بيوم، فمثلاً إذا حجز على العقار في منتصف الشهر، كانت الأجرة عن الأيام حتى يوم تسجيل التنبيه من حق المدين ويمكن الحجز على هذه الأجرة قبل قبضها بإجراءات حجز ما للمدين لدى الغير أما الأجرة عن الأيام التالية لهذا اليوم فتعتبر محجوزاً عليها تبعاً لحجز العقار، وضماناً الحق الدائن الحاجز، فإنه يستطيع أن يطلب تعيين حارس القبض الأجرة من المستأجر وحفظها ويقدم طلب تعيين الحارس إلى قاضي التنفيذ.
ومجرد التكليف من الحاجز أو أي دائن بيده سند تنفيذي لمستأجر العقار بعدم دفع ما يستحق من الأجرة بعد تسجيل التنبيه يقوم مقام الحجز تحت يده دون حاجة إلى إجراء آخر ذلك أن مجرد تكليف المستأجر بعدم الدفع يكون بمثابة حجز ما للمدين تحت يده، ولو لم تشتمل ورقة التكليف على كل البيانات الواجب توافرها في إعلان حجز ما للمدين لدى الغير، وبدون حاجة إلى أن يتبعه إبلاغ المدين بالحجز.
وإذا لم يكلف المستأجر بعدم الدفع فإن وفاءه يصح، ولو كان عالمنا بالشروع في التنفيذ على العقار في مواجهة المؤجر وبتسجيل التنبيه بنزع الملكية. (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء : التاسع ، الصفحة : 743)