مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء : الخامس ، الصفحة : 444
المشروع في لجنة المراجعة
تليت المادة 1135 بفقرتيها فأقرت اللجنة الفقرة الأولى منها بعد إدخال تعديل في الصياغة يجعل المعنى أكثر وضوحاً بالنص الآتي :
الكفالة باطلة إذا كان الإلتزام المكفول باطلاً .
وأصبح رقمها 845 في المشروع النهائي .
المشروع في مجلس النواب
تقرير لجنة الشئون التشريعية :
حذفت اللجنة المادة إكتفاء بالمادة 851 ( التي أصبحت 849 من المشروع ) - وأصبح رقمها 843.
مناقشات المجلس :
وافق المجلس على حذف المادة .
المشروع في مجلس الشيوخ
مناقشات لجنة القانون المدني :
محضر الجلسة الخامسة والثلاثين
تليت المادة 845 من المشروع كما وردت من الحكومة بناءً على طلب معالي السنهوري باشا وكان مجلس النواب قد حذفها وهي خاصة ببطلان الكفالة إذا كان الإلتزام الأصلي باطلاً ، وطلب معاليه إلى اللجنة إعادة هذه المادة إلى المشروع وذلك التغطية الحالة التي نصت عليها الفقرة الثانية من المادة 849 لتقرير المبادئ العامة ويندرج تحت صورها ما إذا كان الكفيل كفل مديناً ناقص الأهلية وهو يجهل نقص أهليته فيكون الإلتزام قابلاً للبطلان الإلتزام الأصلي وهذا بخلاف ما إذا كان الكفيل يعلم النقص في أهلية المدن الأصلي فإنه لا يستطيع التمسك بنقص الأهلية ولكنه يبقى كفيلاً وبخلاف ما إذا كان الكفيل کفل ناقص الأهلية بسبب نقص أهليته فهنا لا يستطيع أن يتمسك بنقص الأهلية بل لا يكون كفيلاً أصلاً إذ هو مدين أصلاً.
فهذه المادة تغطى الفرض الذي يكون الكفيل فيه قد كفل مديناً ناقص الأهلية وهو لا يعلم بنقص أهليته .
وقد وافقت اللجنة على إعادة المادة 845 إلى المشروع بالصيغة الآتية :
« مادة 845 - لا تكون الكفالة صحيحة إلا إذا كان الالتزام المكفول صحيحاً».
تقرير اللجنة :
كان مجلس النواب قد قرر حذف هذه المادة إلا أن اللجنة رأت الإبقاء عليها لأن حكمها يمهد تمهيداً منطقياً لما يليها من المواد ، على أن تستعيض عن نصها وهو « الكفالة باطلة إذا كان الالتزام المكفول باطلاً » .
بالنص الآتي :
لا تكون الكفالة صحيحة إلا إذا كان الإلتزام المكفول صحيحاً وقد راعت اللجنة في هذا التعديل أن الكفالة قد يقصد منها ضمان الوفاء إذا كان الإلتزام الأصلي باطلاً متى انصرفت النية إلى تأمين الدائن من خطر التمسك بالبطلان ولهذا رؤی أن يقتصر النص على حكم الكفالة التي يقصد منها إلى ضمان الوفاء بالإلتزام وهي تفترض بطبيعة الحال أن يكون الإلتزام المكفول صحيحاً.
وأصبح رقم المادة 776
مناقشات المجلس :
وافق المجلس على المادة كما أقرتها اللجنة .
مذكرة المشروع التمهيدي :
نقل المشروع نص المادة 1135 بفقرتيها عن المادة 710 من المشروع الفرنسي الإيطالي وهو يطابق في أحكامه المادة 496 / 605 من التقنين الحالي مع شيء من الإيضاح أما التقنين الفرنسي (م 2012 فقرة 2) فإنه يصحح كفالة التزام ناقص الأهلية حتى لو كان الكفيل يجهل وقت العقد نقص أهلية المدين وقد أثار هذا الحكم كثيراً من أوجه الخلاف والنقد الشديد ولذلك عدل عنه المشرع المصرى ، وقرر أن كفالة التزام ناقص الأهلية لا تكون صحيحة إلا إذا كان الكفيل يعلم بنقص الأهلية وكذلك فعلت معظم التقنينات الحديثة ، كما أن الشريعة الإسلامية تقضي هي أيضاً هذا الحكم (م 841 من مرشد الحيران).
ويلاحظ أن التزام الكفيل في هذه الحالة ليس التزاماً تبعياً يستند إلى إلتزام أصلى ، بل إن الكفيل يلتزم بصفة أصلية لا بإعتباره كفيلاً ذلك أن من كفل قاصرا في عقد وهو عالم بقصره كان ضامناً له في أداء التزامه إذا لم يتمسك القاصر بطلان العقد . وكان مسئولاً بصفة أصلية عن أداء الالتزام إذا تمسك القاصر بالبطلان ، كل هذا ما لم يقم دليل على ما يخالفه هذا وقد أورد التقنين البولوني في المادة 626 نصاً يقرب من هذا المعنى إذ يقضي بأن من كفل إلتزاماً باطلاً بسبب نقص أهلية المدين ، يكون ملزماً بتنفيذه كمدين أصلي إذا كان وقت الكفالة يعلم أو كان من الواجب عليه أن يعلم نقص أهلية المدين.
الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء : السابع المجلد : الثاني
نقل هذا النص عن المادة 1107 من المشروع التمهيدي ، وتجري على الوجه الآتي : " التأمين ضد الحريق الذي يعقد على منقولات المؤمن عليه جملة ، وتكون موجودة توقت الحريق في الأماكن التي يشغلها ، يمتد أثره إلى الأشياء المملوكة لأعضاء أسرته والأشخاص الملحقين بخدمته إذا كانوا مشتركين معه في معيشة واحدة "، وقد وافقت لجنة المراجعة على هذه المادة ، ووافق عليها مجلس النواب ، ولكن لجنة مجلس الشيوخ حذفتها لتعلقها " بجزئيات وتفاصيل يحسن أن تنظمها قوانين خاصة " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 5 ص 381- ص 392 في الهامش ) .
وانظر في هذا المعنى المادة 85 من قانون التأمين الألماني الصادر في 30 مايو سنة 1908 .
1- إذا ضمن الكفيل للمشترى نقل ملكية العين التى اشتراها ثم تملك الضامن هذه العين بعقد صادراً له من بائعها فإنه يكون للمشترى بمقتضى هذا الضمان أن يطالب الضامن بهذه العين بعد أن آلت إليه ملكيتها لأته متى صحت الكفالة لا تبرا ذمة الكفيل المتضامن من التزامه نحو الدائن إلا بانقضاء هذا الالتزام بإحدى وسائل الانقضاء التى حددها القانون ومن ثم لا يقبل من الكفيل أن يواجه الدائن بما ينطوى على إنكار حقه فى اقتضاء الوفاء منه بحجة أنه أصبح شخصياً المالك للشيء محل الالتزام دون المدين الأصلى سواء كان هذا الإنكار صريحاً فى صورة دفع لدعوى الدائن التى يطالبه فيها بالوفاء أو ضمناً فى صورة دعوى يرفعها هذا الكفيل ضد الدائن بثبوت ملكيته لهذا الشيء بما يعنى معارضة حق الدائن، إذ أن من التزم بالضمان امتنع عليه التعرض ومن يضمن نقل الملكية لغيره لايجوز له أن يدعيها لنفسه.
(الطعن رقم 5083 لسنة 63 جلسة 1995/01/29 س 46 ع 1 ص 270 ق 53)
2- الكفالة يمكن أن ترد على أى إلتزام متى كان صحيحاً و أياً كان نوعه أو مصدره ما دام يمكن تقديره نقدا أو يترتب على عدم تنفيذه الحكم بتعويضات ، و ليس فى أحكام الكفالة ما يمنع من أن يكفل شخص واحد تنفيذ الإلتزامات المترتبة على عقد فى ذمة عاقديه كليهما بأن يتعهد لكل منهما بأن يفى له بإلتزام المتعاقد الآخر فى حالة تخلف هذا المدين عن الوفاء به ، وفى هذه الحالة ينعقد عقد الكفالة بين الكفيل وبين كل من المتعاقدين بوصف كل منهما دائنا للآخر بالإلتزامات المترتبة له فى ذمته بمقتضى العقد الأصلى المبرم بينهما .
(الطعن رقم 192 لسنة 35 جلسة 1969/04/17 س 20 ع 2 ص616 ق 100)
تنص المادة 776 مدني على ما يأتي :
لا تكون الكفالة صحيحة إلا إذا كان الإلتزام المكفول صحيحاً .
ويخلص من النص سالف الذكر أنه حتى تكون الكفالة صحيحة وترتب إلتزاماً في ذمة الكفيل بضمان الإلتزام المكفول ، يجب أن يكون هذا الإلتزام الأخير ذاته صحيحاً ويكون الإلتزام المكفول صحيحاً إذا تولد من مصدر غير عقدي ، أو تولد من مصدر عقدي وكان العقد الذي تولد منه عقداً صحيحاً .
ويجب التمييز هنا بين فرضين :
الفرض الأول : أن يلتزم شخص بوفاء التزام في ذمة الغير ، فيؤمن للدائن بذلك وفاء الإلتزام وفي هذا الفرض لا يكون هذا الشخص كفيلاً ، بل يكون مديناً أصلياً ، تعهد بوفاء إلتزام الغير للدائن ولا يهم في هذه الحالة أن يكون التزام الغير صحيحاً أو باطلاً أو قابلاً للإبطال ، ما دام الملتزم بوفائه قد إلتزام بصفة أصلية لا بإعتباره كفيلاً ويؤول ذلك على أن الملتزم بالوفاء قد إلتزم نحو الدائن بأن المدين لا يتمسك بأوجه البطلان في الدين ، وبأنه إذا تمسك بأوجه البطلان فأعلن بطلان الدين أو أبطله ، فان الملتزم بالوفاء يقوم نفسه بوفاء هذا الدين الباطل أو القابل للإبطال ومن ثم لا يكون الملتزم بالوفاء كفيلاً بل مديناً أصلياً كما قدمنا ، ويصح كما سبق القول أن يكون الدين الذي التزم بوفائه باطلاً أو قابلاً للإبطال ولو كان الملتزم بالوفاء كفيلاً ، أي أن التزامه تابع للدين الأصلي ، لأمكنه أن يتمسك ببطلان الدين الأصلي أو بإبطاله كما يتمسك بذلك المدين الأصلي نفسه، والفرض الثاني أن يكون الملتزم بالوفاء كفيلاً لا مديناً أصلياً ، فيكفل المدين الأصلي في الوفاء بإلتزامه وهذا هو الفرض الذي يعنينا هنا إذ أن التزام الكفيل يكون تابعاً للإلتزام الأصلي المكفول ، ولا تكون الكفالة صحيحة إلا إذا كان الإلتزام المكفول صحيحاً كما يقول النص سالف الذكر فإذا كان الإلتزام المكفول باطلاً أو قابلاً للإبطال ، أمكن للكفيل كما أمكن للمدين الأصلي أن يتمسك بهذا الدفع ، فيعلن بطلان الإلتزام الأصلي أو يبطله ، ومن ثم يصبح التزام الكفيل باطلاً.
وهذا هو ما قصدت إليه لجنة مجلس الشيوخ إذ قالت في تقريرها : "وقد راعت اللجنة في هذا التعديل أن الكفالة التي يقصد منها إلى ضمان الوفاء بالإلتزام ، وهي تفترض بطبيعة الحال أن يكون الإلتزام المكفول صحيحاً .. (الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء : العاشر ، الصفحة : 50)
يجب لقيام الكفالة وجود التزام، ولا تكون صحيحة إلا إذا كان هذا الإلتزام صحيحاً، فإن كان الإلتزام الأصلي باطلاً لتخلف الشكل أو لأن محله أو سببه مخالف للنظام العام أو الآداب وقعت كفالته باطلة، أما أن كان الإلتزام الاصلي قابلاً للأبطال، لعيب في الرضاء، كانت كفالته قابلة للإبطال وجاز للكفيل التمسك بهذا الدفع، ومن أمثلة العقد الباطل، دين المقامرة أو الرهان ودين الربا الفاحش والإلتزام الذي يكون محله مستحيلاً أو غير موجود أو غير مشروع، والكفيل هو من يضمن المدين الأصلي في الوفاء وهو ما تسرى بالنسبة لإلتزامه الأحكام السابقة.
كفالة العقد الباطل :
التزام المدين إذا كان باطلاً بطلاناً مطلقاً، فإن العقد الذي التزم بموجبه يكون غير موجود ويعتبر كأن لم يكن، وبالتالي لا يرتب إلتزاماً، ولما كانت الكفالة عقد بمقتضاه يكفل شخص تنفيذ إلتزام بأن يتعهد للدائن بأن يفي بهذا الإلتزام إذا لم يف به المدين، فإن التزام الكفيل لا يتحقق إلا إذا تحقق إلتزام المدين، بحيث أذا - إنعدم الإلتزام الأخير لم يوجد ثمة محل لإلتزام الكفيل ، وبالتالي فإن بطلان التزام المدين يؤدي إلى بطلان التزام الكفيل بطلاناً مطلقاً متعلقاً بالنظام العام مما تقضي به المحكمة من تلقاء نفسها، ويجوز التمسك به في أية حالة تكون عليها الدعوى ولو لأول مرة أمام محكمة النقض طالما كانت عناصر البطلان مطروحة على محكمة الموضوع.
فإذا قام الكفيل بالرغم من هذا البطلان المطلق بالوفاء للدائن، فإنه لا يجوز له الرجوع على المدين لإنعدام التزام الأخير، وأن الرجوع يتطلب وجود إلتزام، ولا يكون له إلا الرجوع على الدائن بدعوى رد غير المستحق لبطلان الوفاء الذي تم له لبطلان إلتزامه وإنعدام سبب إلتزامه بالوفاء.
فإن تم الوفاء أمام المحكمة بموجب صلح الحق بمحضر الجلسة، جاز للكفيل رفع دعوى مبتدأه بطلان التزامه وبطلان الصلح المترتب عليه حتى لو صدر حكم بإلحاق عقد الصلح بمحضر الجلسة، إذ لا يعدو هذا الحكم أن يكون عقداً مصدقاً عليه من المحكمة، فيخضع للبطلان وليس لطرق الطعن في الأحكام ، فلا يحوز حجية تحول دون طلب البطلان، فإن لم يقدم عقد صلح، وقضت المحكمة بإلزام الكفيل بالدين، وجب عليه الطعن في الحكم إن كان قابلاً لذلك، فإن لم يطعن وحاز الحكم قوة الأمر المقضي، تعين الإلتزام بهذه الحجية لأن حجية الأحكام تسمو على إعتبارات النظام العام.
فإن كان الدائن قام بتنفيذ التزامه بتسليم محله للمدين، بينما لم ينفذ الأخير التزامه المقابل، وأجبر الكفيل على الوفاء بالدين المكفول بموجب حكم نهائي، فإن المدين يكون قد أثري على حساب الكفيل، مما يجوز معه للأخير الرجوع عليه بدعوى الإثراء بلا سبب، وتسقط تلك الدعوى بانقضاء ثلاث سنوات من اليوم الذي يعلم فيه الكفيل بالبطلان الذي شاب التزام المدين عملاً بالمادتين 179 ، 180 من القانون المدني، مثال ذلك أن يبيع المالك عقار الأجنبي ويسلمه له بضمانه الكفيل، ثم يرجع البائع على الكفيل بحكم نهائي ويصدر قانون يجيز تملك الأجانب للعقارت، وهو ما يتحقق معه إثراء المدين على حساب الكفيل الذي قام بالوفاء بالثمن المكفول.
كفالة العقد القابل للإبطال :
العقد القابل للإبطال، هو العقد الباطل بطلاناً نسبياً، ولا يجوز للمحكمة التصدي له من تلقاء نفسها، وإنما بناءً على دفع ممن تقرر البطلان لمصلحته، وبالتالي إذا كان التزام المدين قابلاً للإبطال، و أبرمت كفالة لضمان تنفيذه، جاز لكل من المدين والكفيل التمسك بهذا البطلان، بإعتبار كل منهما صاحب المصلحة في الدفع، ويترتب على بطلان التزام المدين، بطلان التزام الكفيل لتوافر الغلط .
فإذا رجع الدائن على الكفيل، جاز للأخير التمسك ببطلان إلتزام الدين، وإن أدخل الكفيل، المدين ضامناً في الدعوى، للقضاء له عليه بما عسى أن يقضي به في الدعوى الأصلية، جاز لكل من الكفيل والمدين التمسك بالدفع فإذا تمسك أحدهما فقط بالدفع، كان ذلك كافية للقضاء بالبطلان، فلا يلزم تمسكهما به معا، وفي هذه الحالة لا يساغ القول بأن عدم تمسك أحدهما بالدفع يدل على التنازل عنه وبالتالى سقوط الحق فيه.
ولما كان العقد القابل للإبطال ترد عليه الإجازة كما يخضع الحق في إبطاله للتقادم وتنحصر إجازته في المدين دون كفيله، وبالتالي إذا أجازه المدين، إنقلب العقد صحيحة منذ إبرامه، مما يحول دون الكفيل والتمسك بالبطلان الذي كان عليه العقد قبل إجازة المدين له، أما الدفع يتقادم الحق في إبطال العقد فهو مقرر المصلحة الدائن، بحيث إذا توافرت عناصر التقادم، ولم يتمسك به الدائن ، إنقلب العقد صحيحاً منذ إبرامه، والتزم الكفيل بالكفالة.
أما إن رجع الدائن على الكفيل والمدين معاً، أو رجع على الكفيل وحده فأدخل المدين ضامنة في الدعوى، ولم يتمسك أي منهما بالبطلان، تعين القضاء في الدعوى الأصلية بإلزام الكفيل بأن يؤدى الدين للدائن، وفي الدعوى الفرعية بإلزام المدين بأن يؤدى للكفيل ما قد يؤديه الأخير للدائن.
فإذا اختصم الدائن الكفيل وحده، ولم يتمسك الكفيل بالتقادم وقضى الصالح الدائن، جاز للمدين عند رجوع الكفيل عليه أن يتمسك بالتقادم في مواجهته أن كان الكفيل قد أخطر المدين بدعوى الدائن وأن الوفاء سوف يتم بموجب الحكم الذي يصدر فيها، فلم يعترض على ذلك، حسبما تنص عليه المادة 798 من القانون المدني، أما إذا اعترض على الوفاء واستند في إعتراضه إلى التقادم وجب على الكفيل الدفع به وإلا سقط حقه في الرجوع على المدين، فإن لم يتضمن الاعتراض هذا السبب، وجب على الكفيل إدخاله ضامناً في الدعوى وإلا سقط حقه في الرجوع عليه.
ويكون العقد قابلاً للإبطال إذا كان مشوباً بعيب من عيوب الإرادة كغلط أو تدليس أو إكراه، أو لنقص في أهلية المدين .
كفالة العقد الصوري :
العقد الصوري، قد يكون غير موجود على وجه الإطلاق، عندما يكون صورياً صورية مطلقة، وقد يكون موجوداً مرتباً كافة أثاره من حقوق والتزامات، ولكن يكون أحد أركانه غير مطابق للواقع لغرض قصد إليه المتعاقدان، فتكون صوريته نسبية، وتثبت صورية العقد وفقاً للقواعد العامة ما لم تكن تدليسية، فيجوز إثباتها بكافة طرق الإثبات المقررة قانوناً ومنها البينة والقرائن، ويكون هذا الإثبات للمتعاقد المدلس عليه.
ومثال الصورية المطلقة، أن يبيع شخص لآخر عقاراً ليتوافر للمشتري نصاباً للتعيين في وظيفة تتطلب قدرا من اليسار، دون أن تتجه إرادة الطرفين إلى إحداث الآثار المترتبة على هذا العقد، فلا يلتزم البائع بنقل الملكية إلى المشتري، كما لا يلتزم الأخير بدفع الثمن، وتثبت حقيقة العلاقة بموجب العقد الحقيقي المتمثل في ورقة الضد، وترد الكفالة على هذا العقد رغم ورقة الضد، فيضمن الكفيل عدم منازعة المشتري للبائع في البيع ويلتزم بالتعويض الذي قد يقضي به على المشتري.
ومثال الصورية النسبية، أن يبرم عقد بيع حقيقي ، ولكن يثبت به ثمن يزيد أو يقل عن الثمن الحقيقي الذي أتفق عليه المتعاقدان، إما لمنع شفعة أو تخفيض رسوم التسجيل، وتثبت هذه الصورية وفقاً للقواعد العامة ورغم ورقة الضد، ترد الكفالة على هذا العقد، فيضمن الكفيل الآثار التي تترتب على منازعة المتعاقد المكفول، كما لو تمسك المشتري بالثمن المخفض وطعن بالتزوير في ورقة الضد للتخلص من باقي الثمن، وفي هذه الحالة يرجع البائع على الكفيل بباقي الثمن .
فإن تضمن عقد البيع ثمناً يزيد عن الثمن الحقيقي، وضمن الكفيل المشتري، ورجع البائع على الكفيل بالثمن الوارد بالعقد الصوري، جاز للكفيل التمسك بصورية العقد صورية نسبية، ويعتبر الكفيل من طبقة الغير بالنسبة لتلك الصورية، وبالتالي يجوز له إثباتها بكافة طرق الإثبات المقررة قانوناً ومنها البينة والقرائن، إن لم يتوافر لديه الدليل الكتابى .
وإذا رجع الدائن على الكفيل، وجب على الاخير إدخال المدين ضامن في الدعوى ليقضى عليه بما عسى أن يقضى به عليه نهائياً، ومتى صدر الحكم في الدعوى الأصلية بالزام الكفيل بأن يؤدى للدائن الدين، و إلزام المدين بأن يؤدى للكفيل ما قضى به في الدعوى الأصلية، وجب أن يكون المدين لديه ما يجوز للكفيل التنفيذ عليه حتى لا تتحقق المقولة بأن الكفالة أولها شهامة وآخرها ندامة .
كفالة بيع ملك الغير :
يكون البيع قابلاً للإبطال إذا باع شخص عيناً معينة بالذات غير مملوكة له إذا قصد نقل الملكية في الحال، يستوي أن يكون البائع عالماً بأنه لا يملك المبيع أو يعتقد أنه يملكه، وسواء سجل العقد أو لم يسجل إذ ليس من شأن التسجيل تطهير العقد ما شابه من أسباب البطلان، وسواء تم التسجيل للعقد أو للحكم الصادر بصحته ونفاذه.
والتمسك بالبطلان ناصر على المشترى دون المالك إذ للاخير رفع دعوى إسترداد الحيازة إذا كان المبيع تحت يد حائز كما أن البيع غير نافذ في حقه.
والتمسك بالأبطال يكون في صورة دعوى إبطال يرفعها المشتري على البائع ليسترد منه الثمن وإلزامه بدفع تعويض، وإما في صورة دفع عند مطالبته بالثمن، ويجوز للمشتري التمسك بالإبطال ولو لم يتعرض المالك له، أو كان المشتري يعلم بعدم ملكية البائع للمبيع، ويجب على القاضي أن يحكم بالابطال مالم يكن المالك قد أقر البيع أو أصبح البائع مالكاً للمبيع بأي سبب من أسباب کسب الملكية.
وتسقط دعوى الابطال بانقضاء ثلاث سنوات من وقت علم المشترى بعلم ملكية البائع للمبيع أو بإنقضاء خمس عشرة سنة من وقت التعاقد عملاً بالمادة 140 من القانون المدني، ويترتب على سقوط الدعوى، سقوط حق المشتري في طلب الإبطال والتعويض، ولا يبقى أمامه للتحلل من البيع إلا الدعوى التي يرفعها المالك بإسترداد الحيازة أو عدم نفاذ البيع في حقه، وحينئذ ينشأ للمشترى الحق في طلب التعويض برفع دعوى فرعية تتمثل في طلب عارض.
كما يسقط حق المشتري في الإبطال إذا أجاز البيع صراحة أو ضمناً كما لو رفع دعوى بصحة ونفاذ العقد أو طلب رفض دعوى فسخه التي رفعها البائع ولو كان المشترى عالما بعدم ملكية البائع للمبيع.
وترد الكفالة على بيع ملك الغير، سواء كان الكفيل عالماً بأن المبيع غير مملوك للبائع أو أنه لم يكن يعلم ذلك، فإذا ضمن الكفيل البائع في تنفيذ التزامه بنقل الملكية، أو أخل بهذا الإلتزام، جاز للمشتري الرجوع بالتعويض على البائع والكفيل معاً، أو على الكفيل وحده أن كان متضامناً ، إذ طالما امتنع التنفيذ العيني، وجب التنفيذ بطريق التعويض.
لكن اذا أمكن التنفيذ العيني، وطلبه المشتري، وجب القضاء له به، ويكون التنفيذ العينى لالتزام البائع ممكنا إذا انتقلت اليه ملكية المبيع بأي سبب من أسباب كسب الملكية، كالعقد المسجل أو الوصية ولو لم تسجل اذ يجوز رفع دعوى بصحتها ونفاذها وتسجيل صحيفتها ثم التأشير بالحكم في هامش هذا التسجيل، ومثلها الهية، وقد تنتقل الملكية للبائع بالميراث، فإذا امتنع البائع عن تنفيذ إلتزامه جاز تنفيذه جبراً عن طريق دعوى صحة ونفاذ العقد.
وإقرار المالك للبيع، هو تصرف قانوني لا ينتج أثره في نقل الملكية إلا إذا تم تسجيله ولا يشترط لرفض دعوى الإبطال أن تكون الملكية قد انتقلت بالفعل إلى البائع، وإنما يكفي لذلك، أن يكون إنتقالها الى البائع ممكناً ، كما لو أصبح البائع موصياً له بالعقار المبيع أو تمت هبته له، أو استصدر ضد المالك حكماً بصحة ونفاذ العقد المبرم بينهما، إذ يصبح إنتقال الملكية للبائع ممكنة بتسجيل الوصية أو الهبة والتأشير بالحكم في هامش تسجيل صحيفة دعوى صحة ونفاذ العقد، بحيث إذا طلب المشتري إبطال البيع رغم ذلك، كان متعسفاً في إستعمال حقه.
ولا يقتصر الإلتزام بنقل الملكية على البائع وحده، وإنما يمتد نفس الالتزام الى الكفيل متى كان متضامناً مع البائع، بحيث اذا انتقلت ملكية المبيع إلى الكفيل، التزم بنقلها الى المشتری، رضاء أو قضاء بصحة ونفاذ عقدي البيع والكفالة، وتسجيل صحيفة الدعوى ثم التأشير بالحكم، فإن كان الكفيل غير متضامن مع البائع، ورجع عليه المشترى، وتمسك الكفيل بالدفع بالتجريد، تعين القضاء بعدم قبول الدعوى.
وإذا رجع المشتري على الكفيل، جاز للآخر التمسك بكافة الدفوع وأوجه الدفاع التي كان يجوز للبائع التمسك بها .
أما إذا ضمن الكفيل المشتري في الوفاء بالثمن، كان له التمسك بكافة الدفوع وأوجه الدفاع المقررة للمشتري، وبالتالي يجوز للكفيل إذا رجع عليه البائع بالثمن، أن يتمسك ببطلان البيع، سواء كان عالمة وقت إبرام الكفالة بأن البائع غير مالك للمبيع أو علم بذلك بعد إبرامها، وسواء كان المالك قد تعرض للمشتري في المبيع أو لم يكن قد تعرض له ويرتبط حق الكفيل في إبداء دفوعه وأوجه دفاعه، بحق المشترى في ذلك، وبالتالي يسقط حق الكفيل في طلب إبطال البيع إذا كان المشترى قد تنازل عن هذا الحق صراحة أو ضمناً أو كان المالك قد أقر البيع، أو كانت الملكية قد انتقلت إليه أو إلى البائع، أو كانت دعوى الإبطال قد سقطت بالتقادم عملاً بالمادة 140 من القانون المدني .
أما إذا تعهد شخص عن البائع بنقل ملكية المبيع للمشترى، فلا يكون كفيلاً وإنما مديناً أصلياً بتنفيذ هذا الإلتزام إذا أخل به البائع، وذلك على التفصيل الذي أوضحناه فيما يلي، ولا ينحصر التعهد عن الغير على عقد البيع وإنما يمتد الى كافة العقود التي تتضمن القيام بعمل تنفيذاً لالتزام، كما لو تعهد شخص الطالب سكني بالحصول على موافقة المؤجر على إبرام عقد إيجار له، فلا يكون هذا الشخص كفيلاً وإنما مديناً أصلياً بهذا الإلتزام.
كفالة التزام المتعاقد المغبون :
يدل نص المادة 129 من القانون المدني، على أن إلتزامات أحد المتعاقدين إذا كانت لا تتعادل مع ما حصل عليه المتعاقد الآخر من فائدة بموجب العقد المبرم بينهما أو مع إلتزامات المتعاقد الآخر، وتبين أن المتعاقد المغبون لم يبرم العقد إلا لأن المتعاقد الآخر قد استغل فيه طيشاً بيناً أو هوى جامحاً ، جاز للقاضي بناءً على طلب المتعاقد المغبون أن يبطل العقد أو أن ينقص التزامات هذا المتعاقد ما لم يتوق الطرف الآخر دعوى الأبطال بعرض ما يكفي لرفع الغبن، وتسقط الدعوى بإنقضاء سنة من تاريخ العقد.
فإذا كان المغبون هو المشترى بأن اتفق مع البائع على ثمن مرتفع لا يتناسب البتة مع قيمة المبيع، وضمن الكفيل التزامات المشترى متضامناً معه، جاز للكفيل إذا رجع عليه البائع أن يتمسك بكافة الدفوع وأوجه الدفاع التي يجوز للمشتري التمسك بها متى توافرت شروطها، وبالتالي يجوز للكفيل التمسك ببطلان العقد للغير، وحينئذ يجب عليه أن يثبت القيمة الحقيقية بمعرفة خبير مثمن، ويثبت أيضاً أن البائع قد استغل في المشترى طيشاً بيناً أو هوى جامحاً ، ومتى أثبت ذلك، قضی ببطلان العقد إن لم يكن البائع قد أقر أمام المحكمة بقبول الثمن الذي قرره الخبير رفعاً للغين، وحينئذ يتوقى البائع دعوى الإبطال، ويرتد التزام المشتري والكفيل الى الثمن الحقيقي، وبالتالي يصح التزام كل منهما، مما يوجب القضاء بإلزام الكفيل به.
أما إذا كان المضمون هو البائع، بأن باع عيناً قيمة بثمن لا يتناسب مع تلك القيمة، وضمن الكفيل إلتزامات البائع متضامناً معه، ورجع المشتري على الكفيل، جاز للأخير أن يتمسك في مواجهة المشترى بكافة الدفوع وأوجه الدفاع التي كان يجوز للبائع أن يتمسك بها متى توافرت شروطها، وبالتالي يجوز للكفيل التمسك ببطلان العقد للغين، ومتى أثبت دفعه على نحو ما تقدم ، قضى ببطلان العقد ما لم يعرض المشتري على البائع ما يكفي لرفع الغبن، ويكون العرض وفقاً لما يتطلبه القانون، أي بعرض فرق الثمن على البائع عرضاً حقيقياً إن كان حاضراً بالجلسة، فإن لم يكن حاضراً وجب أن يتم العرض بموطنه، وأن كان ماثلاً في الدعوى بوكيل، فلا يكون العرض على الوكيل صحيحاً إلا إذا كان سند وكالته يتسع لقبول العرض.
فإن تم العرض وقيله البائع أو أودع المبلغ المعروض، ولم ينازع في مقداره توقى المشتري دعوى الأبطال، وإلتزم كل من البائع والكفيل بتنفيذ التزامهما ويتحقق موجب ضمان الكفيل .
تمسك الكفيل بالبطلان :
عندما يتضامن الكفيل مع المدين في تنفيذ الإلتزام، يكون للدائن الرجوع على الكفيل وحده، سواء بالتنفيذ العينى أو بالتعويض إذا أخل المدين بإلتزامه، ولذلك يجب على الكفيل إذا توافر سبب يؤدى الى بطلان العقد أن يتمسك بهذا البطلان حتى ينقضى إلتزام الدين ويتبعه ببطلان إلتزامه وإنقضاء الكفالة، وأن يراعي المدة المقررة لسقوط حق المدين بالتقادم، وذلك برفع دعوى الإبطال قبل إكتمال التقادم، فإن كان الدائن قد رجع عليه، وجب أن يتمسك بإبطال العقد.
ويثبت حق الكفيل في إبطال العقد بمجرد رفع دعوى الإبطال أو الدفع بذلك بحيث إذا صدرت إجازة من المدين المكفول للعقد بعد ذلك، فلا تنفذ في حق الكفيل ، وحينئذ يتعين على الدائن ترك دعواه أن كان قد رفعها، لرفع دعوى جديدة ضد المدين.
وإن كان للكفيل التمسك بإبطال العقد، فليس له التنازل عن هذا الأبطال الانحصار هذا الحق في المدين وحده دون ضامنة، كما يعتد بارادة المدين وحده بالنسبة لسقوط الحق في إبطال العقد بالتقادم.
ولا ينحصر حق الكفيل في طلب الإبطال بالنسبة للعقد الذي تضمن التزام المدين، وإنما يمتد إلى الأبطال المتعلق بعقد الكفالة ذاته، کوقوعه في غلط أو تدليس أو إكراه أو كان ناقص الأهلية.
الشرط الجزائي التزام تابع لإلتزام المدين، وهو بمثابة تعويض إتفاقي يستحق إذا أخل المدين بالتزامه الأصلي ويلجأ إليه الدائن لحث المدين على التنفيذ، ولا كان الكفيل المتضامن يلتزم بكل ما يلتزم به المدين، ومن ثم يجوز للدائن عند رجوعه على الكفيل، أن يطلب إلزامه بالتعويض الإتفاقي وفقاً للشرط الجزائي والقواعد المقررة في شأنه.
التعهد للدائن بجعل المدين يلتزم بالعقد :
مؤدي نص المادة 153 من القانون المدني ، أنه إذا تعهد شخص بأن يجعل الغير يلتزم بإبرام عقد معين، فإن هذا التعهد لا يلزم الغير، بحيث إذا رفض إبرام العقد، التزام المتعهد بأن يعوض الدائن ، وفقاً لقواعد المسئولية العقدية بإعتبار أن التعهد عقد ملزم للجانبين، فإذا أخل به أحدهما، توافر في حقه الخطأ العقدي، ويجوز للمتعهد أن يتخلص من التعويض إذا قام هو بنفسه بتنفيذ الإلتزام الذي تعهد به.
ويختلف التعهد عن الكفالة في أن الدائن لا يجوز له إلزام المتعهد بتنفيذ الإلتزام الذي تعهد به، بينما يجوز له ذلك في الكفالة، وأن إلتزام المتعهد بدفع تعویض، هو إلتزام أصلي ولا يوجد سواه إذا رفض الغير إبرام العقد، فتنحصر دفوع وأوجه دفاع المتعهد في العقد الذي تعهد بموجبه، وإذا أبرم الغير العقد، قامت علاقة تعاقدية مستقلة عن العقد الذي أبرمه المتعهد بينما الكفالة عقد تابع للعقد المكفول، وبالتالي يجوز للكفيل التمسك بالدفوع وأوجه الدفاع المتعلقة بالعقد الأخير فضلاً عن الدفوع وأوجه الدفاع المتعلقة بعقد الكفالة كالبطلان، وما يتصل به كالمقاصة. (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء : العاشر ، الصفحة : 661)
توجب المادة أن يكون الإلتزام المكفول صحيحاً.
وهذا الحكم إن هو إلا تطبيق القواعد القانونية العامة ففضلاً عن أن إلتزام الكفيل التزام تابع يتبع الالتزام الأصلي، وهو لهذا يأخذ مصيره، فإن محل إلتزام الكفيل هو ضمان الوفاء بالإلتزام الأصلي، فإذا لم يوجد هذا الإلتزام أو وقع باطلاً، فإن التزام الكفيل لا يكون له محل، ومن ثم يقع باطلاً .
ونفرق في هذا الصدد بين البطلان المطلق والبطلان النسبي أو القابلية للإبطال.
(1) - البطلان المطلق :
إذا كان الإلتزام الأصلى باطلاً كان التزام الكفيل باطلاً كذلك، أياً كان سبب البطلان سواء كان بسبب إنعدام الأهلية أو لمخالفته للنظام العام والآداب، أو لغير ذلك من الأسباب ولايثير هذا الأمر أية منازعة، إذ يكون التزام الكفيل باطلاً إذا كان الالتزام الأصلي باطلاً ، حتى ولو لم يكن المدين قد طلب البطلان وقضى له به، حيث يكون لكل ذي مصلحة أن يطلبه.
ولما كان الكفيل ذا مصلحة، فإن له أن يطلب البطلان.
(2) - البطلان النسبي أو القابلية للإبطال :
نفرق في هذا الصدد بين القابلية للإبطال بسبب عيب من عيوب الرضا أو بسبب نقص الأهلية.
ونعرض هنا للقابلية للإبطال بسبب عيب من عيوب الرضا.
فإذا كان العقد قابلاً للإبطال لعيب في الرضا، فإن الكفالة تكون كذلك قابلة للإبطال أخذاً بفكرة التبعية التي تعد من خصائصها الجوهرية ولما كان العقد القابل للإبطال يرتب آثاره إلى أن يقضي ببطلانه، فإنه ينبغي أن يراعى أنه إذا ما استقر العقد الأصلي وأصبح نهائياً عن طريق الإجازة أو التقادم، فإن التزام الكفيل يصير نهائياً كذلك، أما إذا طلب المدين إبطال العقد الأصلي وقضى له به، فإن إلتزام الكفيل ينقضي كذلك بالتبعية وهو ينقضي بأثر رجعي شأنه في ذلك شأن الإلتزام الأصلي.
ولما كانت المادة 1 / 782 مدني تقضي بأن للكفيل أن يتمسك بجميع الأوجه التي يحتج بها على المدين"، فإنه استناداً إلى هذا النص يكون الكفيل أن يطلب إبطال الإلتزام الأصلي، إذا لم يطلب المدين البطلان، لأنه يستفي فضلاً عن الدفوع الخاصة به من الدفوع الخاصة بالمدين نفسه، هذا ما لم يكن الكفيل والدائن قد قصداً تأمين هذا الأخير ضد طلب المدين إبطال العقد لعيب بإرادته، بعد علمهما بسبب الإبطال، إذ في هذه الحالة لا يكون للكفيل أن يطلب إبطال العقد إستناداً إلى هذا السبب.
كفالة الإلتزام الطبيعي:
يجمع الشراح في مصر على أن كفالة الإلتزام الطبيعي إبتداءً لا تجوز، وذلك لسببين:
الأول : أن الإلتزام التابع لا يتصور أن يكون أشد من الإلتزام الأصلي، وهو إلتزام طبیعی.
والثاني : أنه لو قلنا إن التزام الكفيل يكون طبيعياً فهذا القول يعتبر ضرباً من العبث، و يتضاد مع فكرة الكفالة ذاتها التي تقضي بإجبار الكفيل على الوفاء بالدين إذا لم يف المدين به ولكن هذا القول ليس معناه عدم إمكان قيام كفالة يكون فيها إلتزام الكفيل طبيعياً بعد أن كان مدنياً فإذا انقضى إلتزام المدين بالتقادم، أو كان دين ناقص الأهلية ولم تتم الكفالة بسبب ذلك. وأبطل فإنه في الحالتين يشغل ذمة المدين إلتزام طبيعي وكذلك يكون التزام الكفيل.
وأخيراً إذا قدم المدين بإلتزام طبيعي كفيلاً وهو يعلم أنه كذلك، فإنه يمكن حمل مسلكه هذا على أنه إعتراف بالدين، أو تجديده إلى دين مدنى ومن ثم تكون الكفالة قد تمت بقصد الوفاء بدين مدنی. (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء : العاشر، الصفحة : 450)
صحة الالتزام المكفول لا يعتبر الالتزام المكفول : لا وجود حقیقی إلا إذا كان صحيحاً فإذا نشأ الإلتزام من عقد باطل ، کالهبة بغير عقد رسمى ودین القمار والربا الفاحش والتعهد بدين في مقابل علاقات غير مشروعة ، فإنه يكون باطلاً لا وجود له ولا يصلح محلاً الكفالة .
أما إذا كان الإلتزام ناشئاً من عقد قابل للإبطال ، فإنه يكون له وجود صحيح ويصلح محلاً الكفالة الى أن يتمسك ذو الشأن في إبطال العقد بإبطاله ويتقرر بطلانه فينعدم بأثر رجعي ويعتبر كأن لم يكن فلا يعود يصلح محلاً للكفالة وتبطل الكفالة التي عقدت بشأنه قبل أن يتقرر بطلانه ، وذلك سواء كانت قابلية العقد للإبطال بسبب نقص في أهلية أحد العاقدين أو بسبب عيب في رضاه كالغلط والتدليس والإكراه والاستغلال وقد نصت المادة 776 مدني على أن «لا تكون الكفالة صحيحة إلا إذا كان الإلتزام المكفول صحيحاً».
غير أننا سنرى أن المشرع أفرد حكماً خاصاً لكفالة الإلتزام الناشئ من عقد قابل للإبطال بسبب نقص في أهلية المدين بهذا الإلتزام ( أنظر نبذة 33 وما بعدها) .
كفالة الإلتزام الباطل تقدم أنه يشترط في صحة الكفالة إلى أن يكون الإلتزام المكفول صحيحاً ، ماذا كان هذا الإلتزام باطلاً أو تقرر بطلانه بطلت الكفالة تبعاً له .
ولكن ألا يترتب على إلتزام الكفيل أي أثر قانوني بإعتباره إلتزاماً أصلياً إذا كان الإلتزام الأصلي ليس باطلاً بل قابلاً للإبطال فقط ؟
تقضي القواعد العامة بأن نفرق في ذلك بين ما إذا كان الكفيل عالماً بسبب قابلية الإلتزام الأصلي للإبطال أو غير عالم به ، فان كانت الثانية بطلت الكفالة بتقرير بطلان الإلتزام الأصلي ولم يترتب عليها أي أثر لأن الكفيل لا يكون قد قصد أن يلتزم بصفة أصلية وإنما اعتقد أنه يكفل إلتزاماً أصلياً صحيحاً يجوز له الرجوع به على المدين متى وفاة في حين أن الإلتزام المكفول ظهر أنه باطل لا يخول وفاؤه رجوعاً على المدين ، بل يعتبر الكفيل في هذه الحالة واقعاً في غلط جوهري في محل إلتزامه ، فيجوز له أن يبطل العمر ما لم يجز المدين إلتزامه بعد زوال سبب البطلان .
وإن كانت الأولى ، فأما أن يكون الكفيل قد راعى في الكفالة إحتمال عدم تمسك المدين ببطلان الإلتزام الأصلي وقصد الكفالة في حالة تحقق هذا الإحتمال فقط ، وأما أن لا يكون قد راعى ذلك وقصد الالتزام سواء تحقق الإحتمال المذكور أو لم يتحقق ففي الحالة الأولى يكون الكفيل قد قصد أن يلتزم بالكفالة في حدود التزام المدين ، على أن يرجع عليه بالدين إذا هو وفاة عنه ، فيكون إلتزامه تابعاً لإلتزام المدين ولا يمكن اعتباره ملتزماً إلتزاماً أصلياً ويبطل التزامه متى تقرر بطلان الإلتزام الأصلي أما في الحالة الثانية فيحتمل أن يكون قد قصد أن يؤمن الدائن ضد خطر تمسك المدين بالبطلان فيعتبر متعهداً عن المدين بعدم تمسكه بالبطلان وتبرأ ذمته إذا نزل المدين عن حقه في طلب البطلان ما لم يكن قد تعهد فوق ذلك بضمان الوفاء بالإلتزام ، أما أن تمسك المدين بالبطلان ، اعتبر الكفيل مخلاً بتعهده عن الغير ووجب عليه تعويض الدائن بوفاء الإلتزام المكفول بدلاً من المدين ، ويحتمل كذلك أن يكون قد قبل أن يوفي بالإلتزام القابل للإبطال سواء تمسك المدين بالبطلان أو لم يتمسك ، بقطع النظر عن رجوعه على المدين ، فيجوز إعتباره ملتزماً أصلياً بالدين وهی ثبت أنه قصد ذلك .
هذا هو ما تقضى به القواعد العامة في مختلف صور كفالة الإلتزامات الناشئة عن عقود قابلة للأبطال ، سواء كان سببه الأبطال نقص في الأهلية أو عيب في الرضا كغلط أو تدليس أو إکراه وفقاً لما يثبت أن نية الكفيل قد اتجهت إليه في كل صورة على حدة وقد طبعه المشرع تطبيقاً خاصاً على كفالة إلتزام ناقص الأهلية وسكت عن تطبيقه على كفالة الإلتزام القابل للإبطال بسبب عيب في الرضا. (الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء : التاسع ، الصفحة : 41)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الرابع والثلاثون ، الصفحة / 301
الركن الخامس : مَحَلُّ الْكَفَالَةِ:
قَدْ تَكُونُ الْكَفَالَةُ بِالْمَالِ، وَيُطْلِقُ عَلَيْهَا كَثِيرٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ: الضَّمَانَ، وَقَدْ تَكُونُ بِالنَّفْسِ، وَيُطْلِقُ عَلَيْهَا الْبَعْضُ: كَفَالَةَ الْبَدَنِ، وَكَفَالَةَ الْوَجْهِ.
أَوَّلاً - كَفَالَةُ الْمَالِ:
قَدْ يَكُونُ الْمَكْفُولُ بِهِ دَيْنًا، وَقَدْ يَكُونُ عَيْنًا، وَالْحُكْمُ يَتَغَيَّرُ فِي كُلِّ حَالَةٍ:
أ - كَفَالَةُ الدَّيْنِ:
23 - يَشْتَرِطُ الْفُقَهَاءُ لِصِحَّةِ كَفَالَةِ الدَّيْنِ: أَنْ يَكُونَ دَيْنًا صَحِيحًا، وَأَنْ يَكُونَ وَاجِبًا فِي الذِّمَّةِ عَلَى التَّفْصِيلِ الآْتِي:
1 - أَنْ يَكُونَ دَيْنًا صَحِيحًا:
يُشْتَرَطُ فِي الدَّيْنِ الْمَكْفُولِ بِهِ أَنْ يَكُونَ دَيْنًا صَحِيحًا، وَهُوَ مَا لاَ يَسْقُطُ إِلاَّ بِالأْدَاءِ أَوِ الإْبْرَاءِ ، وَعَلَى ذَلِكَ تَجُوزُ كَفَالَةُ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ عِنْدَ وُجُوبِهَا بِالْقَضَاءِ أَوِ الرِّضَاءِ سَوَاءٌ كَانَتْ مَاضِيَةً أَوْ حَاضِرَةً أَوْ مُسْتَقْبَلَةً.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - فِي الْجَدِيدِ -: تَجِبُ نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ بِالْعَقْدِ وَالتَّمْكِينِ وَحِينَئِذٍ لاَ يَصِحُّ ضَمَانُ النَّفَقَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ .
فَإِذَا كَانَ الدَّيْنُ صَحِيحًا، فَلاَ يَشْتَرِطُ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومَ الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ وَالْعَيْنِ؛ لأِنَّ الْكَفَالَةَ مِنْ قَبِيلِ التَّبَرُّعِ، وَالتَّبَرُّعُ يَصِحُّ مَعَ الْجَهَالَةِ كَالنَّذْرِ، وَقَدْ جَرَى بِهَا الْعُرْفُ، وَالْحَاجَةُ إِلَى التَّعَامُلِ بِهَا تُبَرِّرُ ذَلِكَ، غَيْرَ أَنَّ الْحَنَابِلَةَ يَشْتَرِطُونَ لِصِحَّةِ الْكَفَالَةِ بِدَيْنٍ مَجْهُولٍ أَنْ يَكُونَ مَآلُهُ إِلَى الْعِلْمِ بِمِقْدَارِهِ، كَأَنْ يَقُولَ الْكَفِيلُ: كَفَلْتُ لَكَ بِمَالِكَ قِبَلَ فُلاَنٍ، وَلاَ يَعْلَمُ مِقْدَارَ ذَلِكَ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ - فِي الْجَدِيدِ - إِلَى عَدَمِ صِحَّةِ الْكَفَالَةِ بِالدَّيْنِ الْمَجْهُولِ، وَهُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُمْ؛ لأِنَّ الْكَفَالَةَ الْتِزَامُ دَيْنٍ فِي الذِّمَّةِ، وَالْتِزَامُ الْمَجْهُولِ غَرَرٌ يَنْهَى عَنْهُ الشَّارِعُ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ مَعْلُومًا حَتَّى يَكُونَ الْكَفِيلُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ أَمْرِهِ وَمِنْ قُدْرَتِهِ عَلَى الْوَفَاءِ بِمَا الْتَزَمَ بِهِ .
2 - أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا فِي الذِّمَّةِ:
يَشْتَرِطُ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ الْمَكْفُولُ بِهِ وَاجِبًا فِي الذِّمَّةِ عِنْدَ الْكَفَالَةِ بِهِ، أَوْ أَنْ يَكُونَ مَآلُهُ إِلَى الْوُجُوبِ، وَعَلَى ذَلِكَ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِالدَّيْنِ الْمَوْعُودِ بِهِ - وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا عِنْدَ الْكَفَالَةِ - لأِنَّ مَآلَهُ إِلَى الْوُجُوبِ، وَذَلِكَ كَأَنْ يَقُولَ الْكَفِيلُ: أَقْرِضْ فُلاَنًا وَأَنَا كَفِيلٌ بِمَا سَتُقْرِضُهُ إِيَّاهُ .
وَاشْتَرَطَ الشَّافِعِيُّ - فِي الْجَدِيدِ - أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ ثَابِتًا فِي الذِّمَّةِ عِنْدَ الْكَفَالَةِ، وَعَلَى ذَلِكَ: فَإِنَّ الْكَفَالَةَ لاَ تَصِحُّ - عَلَى هَذَا الْقَوْلِ - بِمَا سَيَكُونُ مِنْ دَيْنٍ مَوْعُودٍ بِهِ، وَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - فِي الْجَدِيدِ - مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ الْكَفَالَةِ بِالدَّيْنِ قَبْلَ ثُبُوتِهِ، يَرْجِعُ إِلَى أَنَّ الْكَفَالَةَ ضَمُّ ذِمَّةٍ إِلَى ذِمَّةٍ فِي الدَّيْنِ، وَالدَّيْنُ قَبْلَ ثُبُوتِهِ لاَ تُشْغَلُ بِهِ ذِمَّةٌ، فَلاَ يَتَحَقَّقُ مَعْنَى الْكَفَالَةِ .
وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى صِحَّةِ الْكَفَالَةِ بِالدَّرْكِ - رَغْمَ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ وَلَمْ يَلْزَمْ - لأِنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إِلَيْهِ، وَعَلَى ذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَضْمَنَ شَخْصٌ لأِحَدِ الْعَاقِدَيْنِ مَا بَذَلَهُ لِلآْخَرِ إِنْ خَرَجَ مُقَابِلُهُ مُسْتَحَقًّا أَوْ مَعِيبًا أَوْ نَاقِصًا وَرُدَّ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ أَوْ كَانَ بَعْدَهُ.
وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّ ضَمَانَ الدَّرْكِ إِنَّمَا يَصِحُّ بَعْدَ الْقَبْضِ؛ لأِنَّهُ إِنَّمَا يَضْمَنُ مَا دَخَلَ فِي يَدِ الْبَائِعِ، وَلاَ يَدْخُلُ الثَّمَنُ فِي ضَمَانِهِ إِلاَّ بِقَبْضِهِ، وَضَمَانُ الدَّرْكِ أَنْ يَضْمَنَ لِلْمُشْتَرِي الثَّمَنَ إِنْ خَرَجَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا، أَوْ إِنْ أَخَذَ بِشُفْعَةٍ سَابِقَةٍ عَلَى الْبَيْعِ بِبَيْعٍ آخَرَ، وَلاَ يَخْتَصُّ ضَمَانُ الدَّرْكِ بِالثَّمَنِ بَلْ يَجْرِي فِي الْمَبِيعِ فَيَضْمَنُهُ لِلْبَائِعِ إِنْ خَرَجَ الثَّمَنُ الْمُعَيَّنُ مُسْتَحَقًّا أَوْ أَخَذَ بِشُفْعَةٍ سَابِقَةٍ .
أَمَّا الْجُعْلُ فِي الْجَعَالَةِ فَأَجَازَ الْكَفَالَةَ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، سَوَاءٌ كَانَتِ الْكَفَالَةُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ أَوْ كَانَتْ بَعْدَهُ لأِنَّهُ آيِلٌ إِلَى اللُّزُومِ، وَالأْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ عَدَمُ صِحَّةِ الْكَفَالَةِ بِالْجُعْلِ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنَ الْعَمَلِ؛ لأِنَّهُ غَيْرُ آيِلٍ لِلُّزُومِ بِنَفْسِهِ، بَلْ بِالْعَمَلِ، وَمُقَابِلُ الأْصَحِّ جَوَازُ الْكَفَالَةِ بِهِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ .
ب - كَفَالَةُ الْعَيْنِ:
24 - الْمَقْصُودُ بِضَمَانِ الْعَيْنِ أَوْ كَفَالَتِهَا: أَنْ يَلْتَزِمَ الْكَفِيلُ بِرَدِّ عَيْنِهَا إِنْ كَانَتْ قَائِمَةً، وَبِرَدِّ مِثْلِهَا أَوْ قِيمَتِهَا إِذَا تَلِفَتْ، وَلِلْفُقَهَاءِ فِي حُكْمِ كَفَالَةِ الأْعْيَانِ تَفْصِيلٌ يَرْجِعُ إِلَى ثُبُوتِ الْحَقِّ فِي ذِمَّةِ الأْصِيلِ أَوْ عَدَمِ ثُبُوتِهِ، وَذَلِكَ عَلَى التَّفْصِيلِ الآْتِي:
قَدْ يَكُونُ الْمَكْفُولُ بِهِ مِنَ الأْعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ مَضْمُونَةً بِنَفْسِهَا أَوْ مَضْمُونَةً بِغَيْرِهَا، وَقَدْ يَكُونُ الْمَكْفُولُ بِهِ أَمَانَةً فِي يَدِ حَائِزِهِ، فَهَذِهِ حَالاَتٌ ثَلاَثٌ تَفْصِيلُهَا كَمَا يَلِي:
1 - الْعَيْنُ الْمَضْمُونَةُ بِنَفْسِهَا:
25 - هِيَ الَّتِي يَجِبُ عَلَى حَائِزِهَا أَنْ يَرُدَّهَا إِلَى صَاحِبِهَا إِنْ كَانَتْ قَائِمَةً أَوْ يَرُدَّ مِثْلَهَا أَوْ قِيمَتَهَا إِنْ تَلِفَتْ، وَذَلِكَ كَالْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ أَوِ الْمَقْبُوضَةِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ.
وَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى صِحَّةِ كَفَالَةِ هَذَا النَّوْعِ مِنَ الأْعْيَانِ : فَيَلْتَزِمُ الْكَفِيلُ بِرَدِّ الْعَيْنِ مَا دَامَتْ قَائِمَةً، وَبِرَدِّ الْمِثْلِ إِنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً، وَبِرَدِّ الْقِيمَةِ إِنْ كَانَتْ قِيَمِيَّةً، وَالْحُكْمُ كَذَلِكَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فِي الْعَيْنِ الْمَبِيعَةِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ قَوْلٌ آخَرُ لِلشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ لاَ تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِالأْعْيَانِ ، عَلَى أَنَّهُ إِذَا اسْتَحَقَّ لَزِمَهُ عَيْنُهُ، وَإِنَّمَا تَصِحُّ إِذَا ضَمِنَ الْمُعَيَّنَ عَلَى أَنَّهُ إِذَا تَلِفَ بِتَعَدٍّ أَوْ تَقْصِيرٍ الْتَزَمَ بِدَفْعِ قِيمَتِهِ أَوْ بِرَدِّ مِثْلِهِ، وَعَلَى ذَلِكَ: إِذَا ضَمِنَ عَيْنَ الْمَغْصُوبِ لَمْ يَصِحَّ الضَّمَانُ، وَلَكِنْ إِذَا كَفَلَهُ عَلَى أَنَّهُ مُلْزَمٌ بِضَمَانِهِ إِذَا تَعَذَّرَ رَدُّهُ صَحَّ الضَّمَانُ .
2 - الْعَيْنُ الْمَضْمُونَةُ بِغَيْرِهَا:
26 - وَهِيَ الَّتِي يَجِبُ عَلَى حَائِزِهَا أَنْ يَرُدَّهَا إِلَى صَاحِبِهَا إِنْ كَانَتْ قَائِمَةً، فَإِذَا هَلَكَتْ لاَ يَجِبُ أَنْ يَرُدَّ مِثْلَهَا أَوْ قِيمَتَهَا، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْتِزَامٌ آخَرُ، مِثَالُ ذَلِكَ: الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْبَائِعِ، فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ بِالثَّمَنِ، فَإِذَا هَلَكَ سَقَطَ الثَّمَنُ عَنِ الْمُشْتَرِي إِذَا لَمْ يَكُنْ دَفَعَهُ، وَوَجَبَ عَلَى الْبَائِعِ رَدُّهُ إِلَيْهِ إِنْ كَانَ دَفَعَهُ، وَكَذَلِكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ، فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ بِالدَّيْنِ إِذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ تَزِيدُ عَلَيْهِ، وَإِلاَّ كَانَ مَضْمُونًا بِقَدْرِ قِيمَتِهِ مِنَ الدَّيْنِ.
وَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنَ الأْعْيَانِ يَجُوزُ ضَمَانُ تَسْلِيمِهِ فَقَطْ مَا دَامَ قَائِمًا، فَإِذَا هَلَكَ سَقَطَتِ الْكَفَالَةُ، لأِنَّهُ إِذَا هَلَكَ هَلَكَ عَلَى صَاحِبِ الْيَدِ بِمَا هُوَ مَضْمُونٌ بِهِ، فَالْمَبِيعُ مَضْمُونٌ بِالثَّمَنِ، وَإِذَا هَلَكَ فِي يَدِ الْبَائِعِ سَقَطَ الثَّمَنُ عَنِ الْمُشْتَرِي وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ لاَ يَصِحُّ ضَمَانُ الأْعْيَانِ ، عَلَى مَعْنَى تَسْلِيمِهَا بِذَاتِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْعَيْنِ الْمَضْمُونَةِ بِنَفْسِهَا عَرْضُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيَّةِ، فَيَجْرِيَانِ أَيْضًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ .
3 - الأْمَانَةُ:
27 - قَسَّمَ الْحَنَفِيَّةُ الأْعْيَانَ الَّتِي تُعَدُّ أَمَانَةً فِي يَدِ حَائِزِهَا قِسْمَيْنِ: قِسْمٌ يَجِبُ عَلَى صَاحِبِ الْيَدِ تَسْلِيمُهُ، بِمَعْنَى أَنَّهُ مُلْتَزِمٌ بِأَنْ يَسْعَى إِلَى تَسْلِيمِهِ إِلَى مَالِكِهِ، كَالْعَارِيَّةِ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ وَالْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَهَذَا الْقِسْمُ تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِتَسْلِيمِهِ لِوُجُوبِ التَّسْلِيمِ عَلَى صَاحِبِ الْيَدِ، فَإِذَا هَلَكَ لاَ يَلْزَمُ الْكَفِيلَ شَيْءٌ لِكَوْنِهِ أَمَانَةً، وَالأْمَانَةُ إِذَا هَلَكَتْ تَهْلِكُ مَجَّانًا.
وَالْقِسْمُ الآْخَرُ لاَ يَجِبُ عَلَى صَاحِبِ الْيَدِ تَسْلِيمُهُ، بَلْ عَلَى الْمَالِكِ أَنْ يَسْعَى إِلَى ذَلِكَ، كَالْوَدَائِعِ وَأَمْوَالِ الْمُضَارَبَةِ، وَهَذَا الْقِسْمُ لاَ تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِتَسْلِيمِهِ، كَمَا لاَ تَجُوزُ بِقِيمَتِهِ؛ إِذْ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهُمَا مَضْمُونًا أَوْ وَاجِبًا عَلَى صَاحِبِ الْيَدِ، وَلاَ كَفَالَةَ إِلاَّ بِمَا هُوَ وَاجِبٌ .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى عَدَمِ صِحَّةِ ضَمَانِ الْوَدَائِعِ وَالْعَارِيَّاتِ وَمَالِ الْقِرَاضِ، عَلَى أَنَّهَا. إِذَا تَلِفَتْ أَتَى بِعَيْنِهَا، وَلَكِنْ إِذَا ضَمِنَهَا عَلَى أَنَّهَا إِذَا تَلِفَتْ بِتَعَدٍّ أَوْ تَقْصِيرٍ الْتَزَمَ بِدَفْعِ الْقِيمَةِ أَوْ رَدِّ الْمِثْلِ، صَحَّ الضَّمَانُ وَلَزِمَ؛ لأِنَّ هَا كَفَالَةٌ مُعَلَّقَةٌ عَلَى ثُبُوتِ الدَّيْنِ، وَهِيَ جَائِزَةٌ عِنْدَهُمْ .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْعَيْنَ إِذَا لَمْ تَكُنْ مَضْمُونَةً عَلَى مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ، كَالْوَدِيعَةِ وَالْمَالِ فِي يَدِ الشَّرِيكِ وَالْوَكِيلِ وَالْوَصِيِّ، فَلاَ يَصِحُّ ضَمَانُهَا؛ لأِنَّ الْوَاجِبَ فِيهَا التَّخْلِيَةُ دُونَ الرَّدِّ .
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الأْمَانَاتِ، كَالْوَدِيعَةِ وَالْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَالْعَيْنِ الَّتِي يَدْفَعُهَا إِلَى الْقَصَّارِ وَالْخَيَّاطِ لاَ يَصِحُّ ضَمَانُهَا إِنْ ضَمِنَهَا مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ فِيهَا؛ لأِنَّ هَا غَيْرُ مَضْمُونَةٍ عَلَى مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ، فَكَذَلِكَ عَلَى ضَامِنِهِ، أَمَّا إِنْ ضَمِنَهَا إِنْ تَعَدَّى فِيهَا فَظَاهِرُ كَلاَمِ أَحْمَدَ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الضَّمَانِ، فَعَلَى هَذَا إِنْ تَلِفَتِ الْعَيْنُ بِغَيْرِ تَعَدٍّ وَلاَ تَفْرِيطٍ لَمْ يَلْزَمِ الضَّامِنَ شَيْءٌ، وَإِنْ تَلِفَتْ بِتَفْرِيطٍ أَوْ تَعَدٍّ لَزِمَ الْحَائِزَ ضَمَانُهَا، وَلَزِمَ ضَامِنَهُ ذَلِكَ؛ لأِنَّ هَا مَضْمُونَةٌ عَلَى مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ، فَلَزِمَ ضَامِنَهُ، كَالْغُصُوبِ وَالْعَوَارِيِّ، وَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ ضَمَانُ مَا لَمْ يَجِبْ، وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَهُمْ
ثَانِيًا - كَفَالَةُ النَّفْسِ:
28 - هِيَ الْتِزَامُ الْكَفِيلِ بِإِحْضَارِ الْمَكْفُولِ إِلَى الْمَكْفُولِ لَهُ أَوْ إِلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَتَّحِدُ الْمَكْفُولُ بِهِ وَالْمَكْفُولُ عَنْهُ.
وَقَدِ اخْتَلَفَتْ كَلِمَةُ الْفُقَهَاءِ فِي حُكْمِ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ، وَفِي مَضْمُونُهَا وَذَلِكَ عَلَى التَّفْصِيلِ التَّالِي:
أ - حُكْمُ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ:
29 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ صَحِيحَةٌ، وَهَذَا مَذْهَبُ شُرَيْحٍ وَالثَّوْرِيِّ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَغَيْرِهِمْ لقوله تعالي : (قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ) وَلِمَا رَوَاهُ حَمْزَةُ بْنُ عَمْرٍو الأْسْلَمِيُّ: أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه بَعَثَهُ مُصَدِّقًا، فَوَقَعَ رَجُلٌ عَلَى جَارِيَةِ امْرَأَتِهِ، فَأَخَذَ حَمْزَةُ مِنَ الرَّجُلِ كُفَلاَءَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى عُمَرَ، وَكَانَ عُمَرُ قَدْ جَلَدَهُ مِائَةَ جَلْدَةٍ، فَصَدَّقَهُمْ، وَعَذَرَهُ بِالْجَهَالَةِ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: اسْتُفِيدَ مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ مَشْرُوعِيَّةُ الْكَفَالَةِ بِالأْبْدَانِ، فَإِنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو الأْسْلَمِيَّ صَحَابِيٌّ، وَقَدْ فَعَلَهُ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ عُمَرُ مَعَ كَثْرَةِ الصَّحَابَةِ حِينَئِذٍ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ كَذَلِكَ قَوْلَ جَرِيرٍ وَالأْشْعَثِ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فِي الْمُرْتَدِّينَ: اسْتَتِبْهُمْ وَكَفِّلْهُمْ، فَتَابُوا وَكَفَّلَهُمْ عَشَائِرُهُمْ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: أَخَذَ الْبُخَارِيُّ الْكَفَالَةَ بِالأْبْدَانِ فِي الدُّيُونِ مِنَ الْكَفَالَةِ بِالأْبْدَانِ فِي الْحُدُودِ بِطَرِيقِ الأْوْلَى، وَالْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ قَالَ بِهَا الْجُمْهُورُ .
وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ صِحَّةُ كَفَالَةِ الْبَدَنِ فِي الْجُمْلَةِ لِلْحَاجَةِ إِلَيْهَا وَاسْتُؤْنِسَ لَهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ).
وَفِي قَوْلٍ لاَ تَصِحُّ؛ لأِنَّ الْحُرَّ لاَ يَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ وَلاَ يُقْدَرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ، وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ بِالأْوَّلِ .
ب - مَضْمُونُ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ:
30 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي صِحَّةِ كَفَالَةِ النَّفْسِ بِالنَّظَرِ إِلَى مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِهَا بِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ حَدٌّ أَوْ قِصَاصٌ، وَذَلِكَ عَلَى التَّفْصِيلِ الآْتِي:
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى جَوَازِ الْكَفَالَةِ بِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؛ لأِنَّ هَا مُجَرَّدُ الْتِزَامٍ بِإِحْضَارِ مَنْ يَجِبُ إِحْضَارُهُ إِلَى مَجْلِسٍ يَنْبَغِي أَنْ يَحْضُرَهُ، وَلاَ تَتَضَمَّنُ الْتِزَامًا بِدَيْنِ الْمَكْفُولِ إِلاَّ بِالشَّرْطِ، كَأَنْ يَقُولَ الْكَفِيلُ: إِنْ لَمْ أُحْضِرْهُ إِلَى مَجْلِسِ الْقَضَاءِ الْفُلاَنِيِّ فِي وَقْتِ كَذَا فَعَلَيَّ مَا عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ. كَمَا ذَهَبُوا إِلَى عَدَمِ جَوَازِ الْكَفَالَةِ بِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ حَدٌّ خَالِصٌ لِلَّهِ، كَحَدِّ الزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ؛ لأِنَّ هَا تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ، فَلاَ يَلِيقُ بِهَا الاِسْتِيثَاقُ، سَوَاءٌ طَابَتْ نَفْسُ الْمَطْلُوبِ بِالْكَفَالَةِ أَوْ لَمْ تَطِبْ، وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ إِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ أَوْ بَعْدَهَا، أَمَّا الْكَفَالَةُ بِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ حَدٌّ فِيهِ حَقٌّ لِلْعَبْدِ، كَحَدِّ الْقَذْفِ، أَوْ بِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ قِصَاصٌ، فَإِنَّهَا تَصِحُّ بِاتِّفَاقِ الْحَنَفِيَّةِ، إِنْ طَابَتْ بِهَا نَفْسُ الْمَطْلُوبِ؛ لأِنَّهُ أَمْكَنَ تَرْتِيبُ مُوجِبِهِ عَلَيْهِ، وَهُوَ تَسْلِيمُ النَّفْسِ؛ لأِنَّ تَسْلِيمَ النَّفْسِ فِيهِمَا وَاجِبٌ، فَيُطَالَبُ بِهِ الْكَفِيلُ، فَيَتَحَقَّقُ الضَّمُّ.
وَإِنْ لَمْ تَطِبْ نَفْسُ الْمَطْلُوبِ بِإِعْطَاءِ الْكَفِيلِ بِلاَ جَبْرٍ - فِي الْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ - فَلاَ تَجُوزُ الْكَفَالَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، أَيْ لاَ يُجْبَرُ عَلَى إِعْطَاءِ كَفِيلٍ بِنَفْسِهِ يَحْضُرُهُ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ لإِثْبَاتِ ادِّعَاءِ خَصْمِهِ عَلَيْهِ، وَتَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِالْبَدَنِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ، لِوُجُودِ حَقِّ الْعَبْدِ، فَيَلِيقُ الاِسْتِيثَاقُ .
وَيُمَيِّزُ الْمَالِكِيَّةُ بَيْنَ نَوْعَيْنِ مِنْ كَفَالَةِ الْوَجْهِ: ضَمَانُ الْوَجْهِ:
31 - وَهُوَ الْتِزَامُ الإْتْيَانِ بِذَاتِ الْمَضْمُونِ وَإِحْضَارِهِ وَقْتَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، وَهَذَا لاَ يَجُوزُ إِلاَّ إِذَا كَانَ الْمَضْمُونُ مَدِينًا؛ لأِنَّ مُقْتَضَى الضَّمَانِ إِحْضَارُهُ إِلَى الطَّالِبِ لِيَتَمَكَّنَ مِنَ اسْتِيفَاءِ دَيْنِهِ مِنْهُ، وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ لاَ يَصِحُّ ضَمَانُ الْوَجْهِ فِيمَنْ يَثْبُتُ عَلَيْهِ قِصَاصٌ أَوْ حَدٌّ أَوْ تَعْزِيرٌ وَلِلزَّوْجِ رَدُّ ضَمَانِ الْوَجْهِ إِذَا صَدَرَ مِنْ زَوْجَتِهِ، سَوَاءٌ كَانَ ضَمَانُهَا لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ الَّذِي عَلَى الْمَضْمُونِ يَبْلُغُ ثُلُثَ مَالِهَا أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ؛ لأِنَّهُ مَظِنَّةٌ لِخُرُوجِهَا لِطَلَبِهِ، وَفِي ذَلِكَ مَعَرَّةٌ عَلَيْهِ .
الضَّمَانُ بِالطَّلَبِ:
32 - وَهُوَ الْتِزَامُ طَلَبِ الْغَرِيمِ وَالتَّفْتِيشِ عَلَيْهِ إِنْ تَغَيَّبَ وَالدَّلاَلَةُ عَلَيْهِ دُونَ الاِلْتِزَامِ بِإِحْضَارِهِ، وَقِيلَ: يَلْتَزِمُ بِإِحْضَارِهِ، وَلِذَا صَحَّ ضَمَانُ الطَّلَبِ فِيمَنْ كَانَ مَطْلُوبًا بِسَبَبِ حَقٍّ مَالِيٍّ، أَوْ بِسَبَبِ قِصَاصٍ وَنَحْوِهِ مِنَ الْحُقُوقِ الْبَدَنِيَّةِ مِنْ حُدُودٍ وَتَعْزِيرَاتٍ مُتَعَلِّقَةٍ بِآدَمِيٍّ، كَأَنْ يَقُولَ الْكَفِيلُ: أَنَا حَمِيلٌ بِطَلَبِهِ، أَوْ لاَ أَضْمَنُ إِلاَّ الطَّلَبَ، أَوْ لاَ أَضْمَنُ إِلاَّ وَجْهَهُ، أَوْ أَضْمَنُ وَجْهَهُ بِشَرْطِ عَدَمِ غُرْمِ الْمَالِ إِنْ لَمْ أَجِدْهُ .
وَحَاصِلُ كَفَالَةِ الْبَدَنِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ كَمَا قَالَ الإْمَامُ الْغَزَالِيُّ: الْتِزَامُ إِحْضَارِ الْمَكْفُولِ بِبَدَنِهِ، فَكُلُّ مَنْ يَلْزَمُهُ حُضُورُ مَجْلِسِ الْحُكْمِ عِنْدَ الاِسْتِعْدَاءِ، أَوْ يَسْتَحِقُّ إِحْضَارُهُ، تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِبَدَنِهِ، فَتَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ حَقٌّ مَالِيٌّ لآِدَمِيٍّ كَمَدِينٍ وَأَجِيرٍ وَكَفِيلٍ، وَبِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ عُقُوبَةُ آدَمِيٍّ كَالْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ - عَلَى الأْظْهَرِ - وَقِيلَ: لاَ تَصِحُّ قَطْعًا، وَلاَ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ حَدٌّ لِلَّهِ تَعَالَى كَالزِّنَا وَالْخَمْرِ - عَلَى الْمَذْهَبِ - وَقِيلَ: قَوْلاَنِ.
فَإِنْ كَفَلَ بَدَنَ مَنْ عَلَيْهِ مَالٌ لَمْ يُشْتَرَطَ الْعِلْمُ بِقَدْرِهِ؛ لِعَدَمِ لُزُومِهِ لِلْكَفِيلِ، وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَصِحُّ ضَمَانُهُ.
وَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِبَدَنِ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ بِإِذْنِ وَلِيِّهِمَا؛ لأِنَّهُ قَدْ يَسْتَحِقُّ إِحْضَارَهُمَا لإِقَامَةِ الشَّهَادَةِ عَلَى صُورَتِهِمَا فِي الإْتْلاَفِ وَغَيْرِهِ، وَبِبَدَنِ مَحْبُوسٍ وَغَائِبٍ، وَإِنْ تَعَذَّرَ تَحْصِيلُ الْغَرَضِ فِي الْحَالِ، وَبِبَدَنِ مَيِّتٍ قَبْلَ دَفْنِهِ لِيَشْهَدَ عَلَى صُورَتِهِ بِإِذْنِ الْوَارِثِ.
وَالْقَاعِدَةُ: أَنَّ كُلَّ دَيْنٍ، لَوِ ادُّعِيَ بِهِ عَلَى شَخْصٍ عِنْدَ حَاكِمٍ لَزِمَهُ الْحُضُورُ لَهُ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِبَدَنِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ .
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى صِحَّةِ الاِلْتِزَامِ بِإِحْضَارِ مَنْ عَلَيْهِ حَقٌّ مَالِيٌّ إِلَى رَبِّهِ، سَوَاءٌ مَنْ كَانَ عَلَيْهِ الْحَقُّ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا، وَلِذَا صَحَّتِ الْكَفَالَةُ بِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لاَزِمٌ، مَعْلُومًا كَانَ الدَّيْنُ - لِلْكَفِيلِ - أَوْ مَجْهُولاً، وَلاَ يَمْنَعُ مِنْ جَوَازِهَا أَنْ يَكُونَ الْمَكْفُولُ مَحْبُوسًا عِنْدَ الْحَاكِمِ، إِذِ الْمَحْبُوسُ عِنْدَهُ يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ.
وَلاَ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ حَدٌّ لِلَّهِ، - كَحَدِّ الزِّنَا، أَوْ بِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ حَدٌّ لآِدَمِيٍّ، كَحَدِّ الْقَذْفِ، لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا: «لاَ كَفَالَةَ فِي حَدٍّ» ؛ وَلأِنَّ مَبْنَاهُ عَلَى الإْسْقَاطِ وَالدَّرْءِ بِالشُّبْهَةِ، فَلاَ يَدْخُلُهُ الاِسْتِيثَاقُ وَلاَ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ غَيْرِ الْجَانِي، وَلاَ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ قِصَاصٌ؛ لأِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْحَدِّ، وَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، وَبِبَدَنِ الْمَحْبُوسِ وَالْغَائِبِ.
وَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ - عِنْدَهُمْ - مَعَ اشْتِرَاطِ أَنْ يَضْمَنَ الْمَالَ إِذَا لَمْ يَحْضُرِ الْمَكْفُولُ، وَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ حَالَّةً وَمُؤَجَّلَةً، كَمَا صَحَّ الضَّمَانُ كَذَلِكَ .
____________________________________________________________________
كتاب مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان فى المعاملات الشرعية على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان لمؤلفه المغفورله )محمد قدرى باشا) (الطبعة الثانية(بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصرالمحمية سنة1308هجرية 1891 افرنجيه
( مادة ۷۳۱)
يشترط لصحة الكفالة أن يكون كل من الكفيل والمكفول له عاقلاً بالغاً فلا تصح كفالة مجنون ولا صبي ولو كان تاجراً ولا الكفالة لمجنون أو صبي الا اذا كان تاجراً
( مادة ۷۳۲)
يشترط أيضاً لصحة الكفالة أن يكون المكفول به مضموناً على الأصيل ديناً أوعيناً أو نفساً معلومة وأن يكون مقدور التسليم من الكفيل.
( مادة ۷۳۳)
لا تصح كفالة المريض مرض الموت إن كان مدیوناً بدين محيط بماله وان كان دينه غير محیط بماله وكانت كفالته تخرج من ثلث ما بقي من ماله بعد أداء الدين عن كلها والا فيقدر الثلث.
(مادة 742)
تصح الكفالة بالمال سواء كان معلوماً أو مجهولاً وإنما تصح بالدين الصحيح الثابت في الذمة وهو ما لا يسقط إلا بالأداء أو الإبراء.
(مادة 743)
لا تصح الكفالة بالدين الغير الصحيح إلا بدين النفقة المقدرة للزوجة بالتراضي أو بأمر القاضي.
مجلة الأحكام العدلية
مادة (631) شروط الكفالة بالمال
يشترط في الكفالة بالمال أن يكون المكفول به مضموناً على الأصيل يعني أنّ إيفاءه يلزم الأصيل بناءً عليه تصح الكفالة بثمن المبيع وبدل الإجارة وسائر الديون الصحيحة. كذلك تصح الكفالة بالمال المغصوب وعند المطالبة يكون الكفيل مجبورا على إيفائه عيناً أو بدلاً، وكذلك تصح الكفالة بالمال المقبوض على سوم الشراء أن كان قد سمى ثمنه. وأما الكفالة بعين المبيع قبل القبض فلا تصح لان البيع لما كان ينفسخ بتلف المبيع في يد البائع لا يكون عين المبيع مضمونا عليه بل إنما يلزمه رد ثمنه أن كان قد قبضه وكذلك لا تصح الكفالة بعين المال المرهون والمستعار وسائر الأمانات لكونها غير مضمونة على الأصيل لكن لو قال أنا كفيل أن أضاع المكفول عنه هذه الأشياء واستهلكها تصح الكفالة، وأيضاً تصح الكفالة بتسليم هؤلاء وعند المطالبة لو لم يكن للكفيل حق حبسها من جهة يكون مجبورا على تسليمها إلا انه كما كان في الكفالة بالنفس يبرا الكفيل لوفاة المكفول به كذلك لو تلفت هذه المذكورات لا يلزم الكفيل شيء.