loading
المذكرة الإيضاحية

مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء : الخامس ، الصفحة : 454

مذكرة المشروع التمهيدي :

كفالة الالتزامات المستقبلة أو الشرطية جارية في العمل ، على الأخص في عقد الحساب الجاري وفتح الإعتماد والقضاء والفقه يجمعان على صحتها رغم عدم وجود نص في التقنين الحالي وقد رأى المشروع من المناسب أن يسلك بشأنها مسلك التقنينات الحديثة ، فينص صراحة على جواز كفالة الإلتزام المستقبل والإلتزام الشرطي.

على أنه ، حماية للكفيل ، وهو شخص يتورط عادة دون أن يجني من وراء كفالته ربحاً ما ، قرر المشروع وجوب تحديد مبلغ معين تصح في حدوده كفالة الإلتزام المستقبل، كما قرر أيضاً أن كفالة الإلتزام المستقبل التي لأجل غير محدد يجوز الرجوع فيها طالما لم ينشأ الإلتزام بعد والقضاء المصري يؤيد هذا الإتجاه ( أنظر على الأخص استئناف مختلط 23 يناير سنة 1907 ب 19 ص 100 ، 3 ديسمبر سنة 1913 ب 26 ص 76) .

والمادة 1136 في مجموعها تطابق المادتين 627 و 628 من التقنين البولوني .

الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء : العاشر

هذا وقد كان المشروع التمهيدي يشتمل على نصين يعتبران من تطبيقات كفالة الدين المستقبل فكانت المادة 1137 من هذا المشروع تنص على أن "الوكالة في إقراض شخص آخر تعتبر كفالة الإلتزام مستقبلاً ، إلا إذا اتفق على خلاف ذلك" وكانت المادة 1137 مكرراً من المشروع تنص على ما يأتي : "وفي الحالة المنصوص عليها في المادة السابقة ، يبرأ الكفيل إذا كان الدائن وقت نشوء الإلتزام يعلم ، أو كان يستطيع أن يعلم ، أن حالة المدين المكفول قد أصبحت بالغة السوء ، ولم يكن قد حصل على الكفيل على ما يؤكد كفالته" . ويوضح هذين النصين ما يقابلهما من النصوص في المشروع الفرنسي الإيطالي وفي التقنين المدني الألماني فقد جاء في المادتين 708 و 709 من المشروع الفرنسي الايطالي أنه " إذا وكل شخص غيره في فتح إعتماد لشخص ثالث والتزم الموكل إزاء الوكيل شخصاً ، اعتبر كفيلاً في دين مستقبل ومتى أعطي هذا التوكيل وقبل ، فلا يجوز الرجوع فيه كما لا يجوز التنازل عنه إلا برضاء الطرفين وفي هذه الحالة تبرأ ذمة الكفيل إذا كان الدائن يعلم أو في وسعه أن يعلم ، وقت نشوء الإلتزام المكفول ، أن مركز المدين كان سيئاً وأنه لم يحصل على إذن الكفيل" وجاء في المادة 778 من التقنين المدني الألماني : "من وكل غيره في فتح إعتماد لثالث بإسمه ولحسابه ، يسأل ككفيل قبل الوكيل عن إلتزام الشخص الثالث الناتج من فتح الاعتماد " ، ومعنى كلمة "وكيل" الواردة في هذه النصوص هو "إعطاء تعليمات أو أوامر" ، ولما عرض نص المشروع التمهيدي على لجنة المراجعة ، رأت هذه اللجنة حذفهما " إكتفاء بتطبيق القواعد العامة ".

وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي للنص ما يأتي : "كفالة الإلتزامات المستقبلة أو الشرطية جارية في العمل ، على الأخص في عقود الحساب الجاري وفتح الإعتماد والقضاء والفقه مجمعان على صحتهما رغم عدم وجود نص في التقنين الحالي ( السابق ) وقد رأى المشروع من المناسب أن يسلك بشأنهما مسلك التقنينات الحديثة ، فينص صراحة على جواز كفالة الإلتزام المستقبل والإلتزام الشرطي على أنه حماية للكفيل ، وهو شخص يتورط عادة دون أن يجني من وراء كفالته ربحاً ما ، قرر المشروع وجوب تحديد مبلغ معين تصح في حدوده كفالة الإلتزام المستقبل ، كما قرر أيضاً أن كفالة الالتزام المستقبل التي لأجل غير محدد يجوز الرجوع فيها طالما لم ينشأ الإلتزام بعد والقضاء المصري يؤيد هذا الإتجاه : انظر على الأخص استئناف مختلط 23 يناير سنة 1907 م 19 ص 100 – 3 ديسمبر سنة 1913 م 26 ص 76 – والمادة 1136 في مجموعها تطابق المادتين 627 و 628 من التقنين البولوني " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 5 ص 454 ص 457 ) .

وقد جاء في محاضر جلسات لجنة الأستاذ كامل صدقي في الصدد ما يأتي : " قال الرئيس إنه تحسن حماية الشخص الذي يكفل في ساعة ضعفه ، إذا كثيراً ما يحصل في مصر أن يكفل الشخص قريباً له أو تكفل الزوجة زوجها وهذه الحماية أدعى في حالة الزوجة الموسرة الأمية التي تساق إلى كفالة زوجها ، هذا فضلاً عن أن تحديد مقدار الدين المكفول كشرط لصحة الكفالة مأخوذ به في كثير من التقنينات الحديثة كما هو الحال في سويسرا حيث الشعب على حظ وفير من الثقافة والمعرفة وفي وسعه حماية نفسه" وقال عضو آخر : "أن من بين التقنينات ما أجاز تقديم كفالة ضماناً لدين غير محدد المقدار ، كما أن من بينها ما لم يقرر ذلك ولا ضير من الإعتراف بصحة كفالة التزام يمكن تحديد مقداره فيما بعد" وعقب أحد الأعضاء "بأن النص الذي أخذ به المشروع الفرنسي الإيطالي للإلتزام والعقود يقرر صحة كفالة دين غير محدد المقدار ، بينما يعلق قانون الإتحاد السويسري صحة الكفالة على بيان مقدار الدين" فقال الرئيس : "أن من الممكن إزاء هذين الرأيين المتعارضين إيجاد حل وسط يسمح بشمول الكفيل بقسط من الحماية ، واقترح أن تجعل صحة الكفالة رهناً ببيان مقدار الدين إذا ما تعلق الأمر بإلتزام مستقبل أو بإلتزام بعمل شيء" وقد وافقت اللجنة على اقتراح الرئيس بأغلبية الأصوات ثم انتقلت اللجنة إلى مناقشة النص فاقترح الأخذ بالحكم الوارد في المادة 627 من القانون البولوني مضافاً ( إليه ) نص المادة 628 من نفس التقنين . . . فوافقت اللجنة على الأخذ بنص المادتين 627 و 628 " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 5 ص 454 – ص 455 في الهامش ).

موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار / محمد عزمي البكري، الجزء : العاشر

كفالة الإلتزامات المستقبلة أو الشرطية جارية في العمل، على الأخص في عقود الحساب الجاري وفتح الاعتماد والقضاء والفقه مجمعان على صحتها رغم عدم وجود نص في التقنين الحالي وقد رأى المشروع من المناسب أن يسلك بشأنها مسلك التقنينات الحديثة، فينص صراحة على جواز كفالة الإلتزام المستقبل والإلتزام الشرطي.

على أنه، حماية للكفيل، وهو شخص يتورط عادة دون أن يجني من وراء كفالته ربحاً ما، قرر المشروع وجوب تحديد مبلغ معين تصح في حدوده كفالة الإلتزام المستقبل، كما قرر أيضاً أن كفالة الإلتزام المستقبل التي لأجل غير محدد يجوز الرجوع فيها طالما لم ينشأ الإلتزام بعد والقضاء المصري يؤيد هذا الإتجاه (أنظر على الأخص استئناف مختلط 23 يناير سنة 1907 ب 19 ص 100 ، 3 ديسمبر سنة 1913 ب 26 ص 76.

الأحكام

1- المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن النص في الفقرة الأولى من المادة 778 من القانــون المدني على أن تجوز الكفالة في الدين المستقبل إذا حدد مقدمًا المبلغ المكفول .... مفاده أنه وإن كان الأصل أن يكون الالتزام المكفول موجودًا عند التعاقد ، إلا أن المشرع أجاز لصحته عند عدم وجوده أن يحدد الطرفان مقداره في عقد الكفالة حماية للكفيل من التورط في كفالة دين غير موجود ولا يُعلم مقداره أو يتعذر تحديده مستقبلًا فيضار منه وذلك باعتبار أن عقد الكفالة من عقود التبرع بالنسبة إلى الكفيل ، أما إذا وجد الالتزام المكفول على وجه غير الذى اتجهت إرادة الكفيل إلى ضمانه ، امتنع القول بانعقاد الكفالة لانعدام محلها ، وقاضى الموضوع هو الذى يحدد مدى التزام الكفيل ، ويفسر عقد الكفالة في هذا الخصوص وهو في تحديده مدى التزام الكفيل يقضى في مسألة موضوعية ، أما في تفسير عقد الكفالة فإنه يتقيد بقاعدة قانونية لمحكمة النقض حق الرقابة عليها ، وهى تفسير الكفالة تفسيرًا ضيقًا دون توسع في حدود ما التزم به الكفيل ، فعند الشك يكون التفسير لمصلحته فيحدد التزامه في أضيق نطاق تتحمله عبارات الكفالة ويرجح المعنى الذى يخفف عنه .

(الطعن رقم 7220 لسنة 86 ق - جلسة 13 / 10 / 2019 )

2- المقرر - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن كفالة الالتزامات الناشئة عن الحساب الجاري هي كفالة لدين مستقبل لا يتعين مقداره إلا عند قفل الحساب وتصفيته واستخراج الرصيد ومن ثم فلا تصح هذه الكفالة - وفقًا لنص المادة 778 من القانون المدني - إلا إذا حدد الطرفان مقدمًا في عقد الكفالة قدر الدين الذي يضمنه الكفيل ، وكان الثابت من أوراق الدعوى ومنها صورة إقرار الكفالة المؤرخ 28/3/2002 – محل التداعي - المنسوب إلى الطاعن بالطعن الثاني ، وتقرير خبير الدعوى - الذى اطلع على أصل هذا الإقرار وأثبت مضمونه - أنه يكفل بطريق التضامن الشركة المصرية للغازات الصناعية إياج في سداد جميع المبالغ المدينة بها للبنك المطعون ضده الأول بخصوص أي حساب جارٍ أو قرض أو تسهيل ، وكانت عبارات هذا الإقرار وإن عددت مصادر التزام الدين المكفول إلا أنها جاءت عامة مبهمة دون تحديد لتاريخ نشأتها أو قيمة التسهيل الائتماني الممنوح بموجبها وما ترصد عنها من مديونية وقت انعقاد هذه الكفالة على نحو يقطع بأن الالتزام المكفول في كل منها كان قائمًا وقت انعقاد الكفالة ، ومن ثم فإن الالتزام المكفول في كل هذه العقود لم يحدد وبالتالي يكون الدين مستقبليًّا ، وإذ جاءت عبارات تلك الكفالة خالية أيضًا من مقدار المبلغ المكفول فإنها تكون غير صحيحة ، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون معيبًا بما يستوجب نقضه في هذا الخصوص .

(الطعن رقم 7220 لسنة 86 ق - جلسة 13 / 10 / 2019 )

3- النص فى الفقرة الأولى من المادة 778 من القانون المدنى على أن " تجوز الكفالة فى الدين المستقبل إذا حدد مقدماً المبلغ المكفول ...." مفاده أنه وإن كان الأصل أن يكون الالتزام المكفول موجوداً عند التعاقد، إلا أن المشرع أجاز لصحته عند عدم وجوده أن يحدد الطرفان مقداره فى عقد الكفالة حماية للكفيل من التورط فى كفالة دين غير موجود ولا يعلم مقداره أو يتعذر تحديده مستقبلاً فيضار منه باعتبار أن عقد الكفالة من عقود التبرع ، أما إذا وجد الالتزام المكفول على وجه غير الذى اتجهت إرادة الكفيل إلى ضمانه ، امتنع القول بانعقاد الكفالة لانعدام محلها .

(الطعن رقم 6915 لسنة 77 جلسة 2008/04/08 س 59 ص 390 ق 71)

4- إذا عين الكفيل فى الالتزام المستقبل مدة الكفالة فإنه يكون ضمانا لما ينشأ فى ذمة المدين من إلتزامات خلال هذه المدة بشرط ألا تجاوز هذه الإلتزامات الحد الأقصى المتفق على كفالته وإذا كان الطاعن الثانى قد تمسك فى دفاعه أمام محكمة الإستئناف بأنه ضمن الديون التى تنشأ فى ذمة الطاعن الأول حتى . . فى حدود مبلغ . . جنيهاً كما هو ثابت من عقد الكفالة المعقود بينه وبين البنك المطعون ضده فى . . وأن الطاعن الأول قد ورد للبنك خلال تلك المدة أقطاناً تزيد قيمتها على المبلغ المكفول فبرئت ذمته بذلك من هذا المبلغ وكان الحكم المطعون فيه لم يحقق هذا الدفاع الجوهرى أو يرد عليه فإنه يكون معيباً قاصر البيان .

(الطعن رقم 31 لسنة 42 جلسة 1976/06/14 س 27 ع 1 ص 1345 ق 256)

5- كفالة الإلتزمات الناشئة عن الحساب الجارى هى كفالة لدين مستقبل لا يتعين مقداره إلا عند قفل الحساب وتصفيته واستخراج الرصيد ، ومن ثم فلا تصح هذه الكفالة - وفقاً لنص المادة 778 من القانون المدنى - إلا إذا حدد الطرفان مقدماً فىعقد الكفالة قدر الدين الذى يضمنه الكفيل . وإذ كان الحكم المطعون فيه قد إلتزم هذا النظر فى قضائه و أنتهى إلى أن العقد المبرم بين الطرفين قد تضمن كفالة المدين فى التوريد فى حدود المبلغ الذى تسلمه وقد ورد المدين أقطاناً تزيد قيمتها على هذا المبلغ ، ولم يتضمن العقد تحديداً لأى مبلغ يكفله المطعون ضده عن رصيد الحساب الجارى للعمليات الأخرى مما يجعله غير مسئول عن كفالة هذا الرصيد ، فإنه لا يكون قد خالف القانون أو أخطأ فى تطبيقه .

(الطعن رقم 690 لسنة 40 جلسة 1976/03/15 س 27 ع 1 ص 637 ق 127)

6- لئن كان الأصل أنه إذ امتد الإيجار بحكم القانون بعد إنقضاء مدته فإنه طبقاً للقواعد المقررة فى إمتداد الإيجار يمتد بنفس شروط الإيجار الأصلى فتكون إلتزامات المؤجر هى نفسها إلتزاماته السابقة ، وكذلك تكون إلتزامات المستأجر وتبقى التأمينات العينية والشخصية التى تكفل إلتزامات المستأجر فى الإيجار الأصلى كافلة لهذه الإلتزامات بعد أن امتد الإيجار ، إلا أنه متى كان الامتداد تطبيقاً لتشريعات إستثنائية فإن الكفيل الذى يكفل المستأجر قبل صدور هذه التشريعات لا تمتد كفالته لإلتزامات المستأجر عن إمتداد الإيجار إلا إذا قبل ذلك لأنه وقت أن كفل المستأجر كان يقصد كفالته فى المدة المتفق عليها فى الإيجار ولم يدخل فى حسابه أن هذه المدة ستمتد بحكم التشريع الإستثنائى إذ كان ذلك و كان الطاعن الثالث قد كفل الطاعنين الأول و الثانى فى سداد أجرة السنتين المتفق عليهما فى العقد و قبل صدور القرار بقانون رقم 139 لسنة 1962 وهو تشريع إستثنائى قضى بإمتداد عقود الإيجار بحكم القانون إلى نهاية سنه 1965/64 الزراعية فإن كفالته لا تمتد بإمتداد الإيجار إلا إذا قبل ذلك . ولما كان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر و إستخلص إمتداد الكفالة أخذاً بإمتداد العقد دون أن يعنى ببحث دفاع الطاعن الثالث من أنه لم يرتض إمتداد كفالته وهو بحث قد يتغير به وجه الرأى فى الدعوى ، فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون وشابه قصور فى التسبيب .

(الطعن رقم 189 لسنة 40 جلسة 1975/03/17 س 26 ع 1 ص 610 ق 122)

شرح خبراء القانون

تنص المادة 778 مدني على ما يأتي :

"1- تجوز الكفالة في الدين المستقبل إذا حدد مقدماً الدين المكفول ، كما تجوز الكفالة في الدين الشرطي" .

"2- على أنه إذا كان الكفيل في الدين المستقبل لم يعين مدة الكفالة، فإن له في أي وقت أن يرجع فيها ما دام الدين المكفول لم ينشأ" .

ويخلص من هذا النص أنه تجوز كفالة الدين الشرطي ، و تجوز كفالة الدين المستقبل .

أما كفالة الدين الشرطي فلا شك في جوازها طبقاً للقواعد العامة ، سواء كان الدين الأصلي المكفول معلقاً على شرط فاسخ أو معلقاً على شرط واقف فالدين المعلق على شرط فاسخ دين موجود ونافذ ، فتجوز كفالته وتكون الكفالة في هذه الحالة تابعة للدين الأصلي ، وعلى ذلك تكون هي أيضاً معلقة على شرط فاسخ فإذا تخلف الشرط الفاسخ ، صار الدين الأصلي باتاً ، وكذلك يكون باتاً التزام الكفيل أما إذا تحقق الشرط الفاسخ ، فإن الدين الأصلي ينفسخ بأثر رجعي ويعتبر كأنه لم يكن ، وكذلك ينفسخ إلتزام الكفل ويعتبر كأنه لم يكن، وكذلك لا شك في جواز كفالة الدين المعلق على شرط واقف ، لأنه وإن لم يكن نافذاً دين موجود فيكفله الكفيل ، ويكون التزامه كالإلتزام المكفول معلقاً على شرط واقف فإذا تخلف الشرط الواقف زال الدين الأصلي بأثر رجعي واعتبر كأنه لم يمكن وكذلك يزول التزام الكفيل ، ويعتبر كأنه لم يكن أما إذا تحقق الشرط الواقف ، فإن الإلتزام الأصلي ينفذ بأثر رجعي ، وكذلك ينفذ إلتزام الكفيل فيصبح التزام كل من المدين الأصلي والتزام الكفيل نافذاً باتاً ، وتسري في هذه الحالة أحكام الكفالة .

وكذلك تجوز كفالة الدين المستقبل وإن كان ديناً غير موجود وقت الكفالة ، وذلك بإستثناء الإلتزام في تركة مستقبلة فإنه باطل وتبطل تبعاً له الكفالة ومثل الدين المستقبل فتح إعتماد فتجوز كفالته ، كما تجوز كفالة الدين الاحتمالي لأنه دين مستقبل فإذا فتح شخص إعتماداً في مصرف ، جاز أن يقدم كفيلاً يضمن ما عسى أن يقبضه المدين من هذا الإعتماد وبالقدر الذي يقبض ، وذلك قبل أن يقبض المدين شيئاً من الإعتماد كذلك يستطيع أن يقدم شخص كفيلاً يضمنه فيما عسى أن يشتريه من متجر معين ، فيكون الكفيل ضامناً لثمن البضائع التي يشتريها المدين الأصلي .

وتكون كفالة الدين المستقبل قائمة ويكون الكفيل ملزماً بها ، حتى قبل أن يوجد هذا الدين ولكن الكفيل لا يكون ملتزماً بأي مقدار من المال قبل أن يوجد الدين ، فإذا ما وجد كفله المدين بالمقدار الذي به يوجد .

ولكن نص المادة 778 مدني سالف الذكر وضع لكفالة الدين المستقبل قيدين :

القيد الأول يجب في الدين المستقبل المكفول أن يحدد مقدماً في عقد الكفالة مقدار الدين المكفول فإذا كفل شخص فتح إعتماد أو ثمن بضائع لم تشتر بعد ، وجب تحديد المقدار الذي كفله الكفيل ، فيذكر مثلاً في عقد الكفالة أن الكفيل يكفل الإعتماد لغاية مبلغ كذا أو يكفل ثمن البضائع لغاية مبلغ كذا والسبب في وضع هذا القيد حماية الكفيل ، فهو يقوم على كفالة دين مستقبل لما بوجد ، فلا أقل من تحديد مبلغ يكفله حتى لا يتورط في كفالة دين لم يوجد ولا يعلم مقداره وقد كانت القواعد العامة تقضي ، إذا لم يوجد نص ، بجواز كفالة الدين المستقبل حتى لو لم يحدد مقداره.

القيد الثاني ما تنص عليه الفقرة الثانية من المادة 778 مدني سالفة الذكر من أنه "إذا كان الكفيل في الدين المستقبل لم يعين مدة للكفالة ، كان له في أي وقت أن يرجع فيها ما دام الدين المكفول لم ينشأ" فإذا عني الكفيل مدة لقيام كفالته ، لم يجز له أن يرجع في الكفالة طوال هذه المدة ، ووجب عليه وفاء الدين عن المدين الأصلي متى وجد الدين وحل ولم يوفه المدين الأصلي في خلال هذه المدة أما إذا لم يعين الكفيل مدة لقيام كفالته ، أو عين مدة وانقضت قبل نشوء الدين المستقبل وتحققه فعلاً ، فإن للكفيل أن يرجع في الكفالة ما دام الدين المكفول لم ينشأ فإذا نشأ الدين المكفول ، سواء في حالة عدم تعيين مدة للكفالة لم يجرع الكفيل في خلالها عن كفالته ، أو في حالة تعيين مدة نشأ في خلالها الدين المكفول ، فإن الكفيل عندئذ لا يستطيع الرجوع في الكفالة وتصبح ملزمة له وقد كانت القواعد العامة تقضي ، لولا وجود نص الفقرة الثانية من المادة 778 مدني سالفة الذكر ، بأن الكفيل لا يستطيع الرجوع في الكفالة ويبقى ملتزماً بها حتى قبل نشوء الدين المستقبل، ما دام لم يعين وقتاً لقيام كفالته وينقص هذا الوقت قبل نشوء الدين .(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء : العاشر، الصفحة : 64)

تجوز الكفالة ولو كان الدين لن يترتب في ذمة الدين إلا في المستقبل بإستثناء الكفالة المتعلقة بالإلتزام في ترکه مستقبله فإنه باطل وتتبعه كفالته، ومن ثم يجوز كفالة ما قد يشتريه المدين من متجر، وكفالة فتح اعتماد للمدين في مصرف عما قد يسحبه من هذا الإعتماد ويشترط أن يحدد الدين المستقبل في عقد الكفالة لصحتها، وأن يحدد الكفيل أجلاً لنشوء الدين بحيث تترتب أحكام الكفالة إذا نشأ الدين خلال هذا الاجل، فإن لم يحدد أجل كان للكفيل في أي وقت أن يرجع في الكفالة ما دام الدين المكفول لم ينشأ أما إذا نشأ الدين فلا يجوز الكفيل أن يرجع في كفالته ويظل ملتزماً بالكفالة وفقاً لما تضمنته .

وليس لرجوع الكفيل في الكفالة شكل خاص، وبالتالي يجوز الرجوع بإنذار رسمى على يد محضر يوجهه الى الدائن، أو بخطاب مسجل أو غير مسجل، أو شفاهة على أن يتحمل الكفيل إثبات قيامه بأخطار الدائن بالرجوع، وينتج الرجوع أثره فور وصوله إلى علم الدين حقيقة بإستلامه له أو إمتناعه عن استلامه، أو حكماً بتسليمه في موطنه.

وإذا حدد الكفيل مدة لكفالة الدين المستقبل، وانقضت دون نشوء الدين اعتبرت الكفالة كأن لم تكن فور انقضاء المدة دون حاجة لإتخاذ أي إجراء، إذ تكون إرادته قد اتجهت لاحداث هذا الأثر إذا لم ينشأ الدين خلالها، وهي إرادة تطابقت مع إرادة الدائن على التفاسخ إذا لم ينشأ الدين خلال المدة التي تم الإتفاق عليها بعقد الكفالة أما قبل إنقضاء تلك المدة، فإن التزام الكفيل يظل قائمة مما يحول دون رجوعه في كفالته والإ كان ذلك فسخاً لها من جانب واحد لا يلزم الدائن الذي يكون له الحق في إنشاء الدين قبل إنقضاء المدة، ثم الرجوع على الكفيل دون اعتداد بالفسخ الذي أوقعه الأخير من جانبه.

وحتى يلتزم الكفيل بالكفالة، يجب أن ينشأ كل الدين خلال المدة المحددة فإن نشأ جزء منه فقط خلالها، وجب أن ينشأ الجزء الباقی قبل انقضائها، أما إن نشأ الجزء الباقي بعد انقضاء المدة، فلا يضمن الكفيل إلا الجزء الذي نشأ خلال المدة، أما الجزء الذي نشأ بعد انقضائها، فلا يضمنه الكفيل لنشأته بعد تفاسخ الكفالة وانحلالها.

ويجب لصحة الكفالة، أن تتضمن تحديداً مقدماً للدين المضمون بما ينفي عنه الجهالة، فلا يكفي لصحتها أن يكون الدين غير محدد مقدمة بعقد الكفالة أو بملحق له، حتى لو أمكن تحديده مستقبلاً، خلافاً للقانون المدني السابق.

يجوز كفالة الإلتزام المعلق على شرط، فتكون بدورها معلقة على ذات الشرط، فإن كان شرطاً فاسخاً وتحقق زال الإلتزام بأثر رجعي منذ نشوئه وزالت الكفالة تبعاً له أما أن تخلف أصبح الإلتزام باتاً ومثله الكفالة أما أن كان شرطاً واقفاً وتحقق نقذ الإلتزام والكفالة بأثر رجعي، أما أن تخلف زال الإلتزام بأثر رجعي وتبعته الكفالة.

مفاد ذلك، أن التزام المدين إذا كان معلقاً على شرط، فإن هذا الإلتزام يبقى أو يزول تبعاً لما إذا كان الشرط واقفاً أو فاسخاً ويرد ذات الأثر على الكفالة فتبقى بقاء التزام المدين وتزول بزواله، إذ تدور الكفالة مع التزام المدين وجوداً وعدماً.

وقد يرد الشرط على التزام الكفيل، فإن كان واقفة، فإن الكفالة لا تنفذ إلا إذا محقق الشرط، وإن كان فاسخاً، فإن الكفالة تكون نافذة فور إبرام عقدها، وتنفسخ إرادة الكفيل والدائن فور تحقق الشرط الفاسخ وتكون الكفالة معلقة على شرط واقف، إذا اشترط الكفيل لنفاذ كفالته تمكنه من بيع عين مملوكة له خلال أجل معين، فإذا تم البيع خلاله، حقق الشرط الواقف ونفذت الكفالة، أما إن لم تمكن من ذلك خلال الآجل، فإن الشرط يكون قد تخلف، فلا تنفذ الكفالة ويصبح الدين غير مكفول وينحصر الوفاء به في المدين ما لم يكن قد اشترط تقديم كفيل، وحينئذ تسرى المادة 774 من القانون المدني.

ومثل الشرط الفاسخ، أن يضمن الكفيل المدين ويعلق ذلك على شرط فاسخ، هو حضور والد المدين من السفر، فتكون الكفالة نافذة فور إبرام الكفالة وتظل كذلك حتى يحضر الغائب فتنفسخ، ويجوز تحديد أجل لذلك تنفسخ الكفالة بعده إن لم يحضر الغائب.

كما يجوز كفالة الدين المضاف لأجل، وتمتد الكفالة لأصل الدين وفوائده إن تضمنها العقد الأصلي، والا فلا تستحق إلا وفقاً للقواعد العامة، وأجل الدين يكون مقرراً لمصلحة المدين، فإن لم يكن الدين مكفولاً، جاز للمدين أن يتنازل عن الأجل بالقيام بالوفاء به، أما إن كان الدين مكفولاً، فإن الأجل يكون مقررة للمدين والكفيل معاً، وبالتالي لا يجوز للمدين أن يتفرد بالتنازل عن الأجل وإلا وجب الزامه بالدين دون أن يمتد هذا التنازل للكفيل، لأن الكفيل عندما ضمن الدين قد راعى أجل الوفاء به وقبل الكفالة لأن ظروفه المادية تسمح بالوفاء في هذا الوقت إذا امتنع المدين عن ذلك، وأنه لذلك ما كان يقبل الكفالة لو تحدد للوفاء تاريخ سابق، سواء تم ذلك بتنازل المدين عن الآجل، أو لسقوط الأجل السبب يرجع إلى المدين، كإعساره أو إفلاسه أو للأسباب التي نصت عليها المادة 273 من القانون المدني، وفي هذه الحالات يجوز للكفيل الدفع بعدم قبول الدعوى التي يرفعها عليه الدائن لإلزامه بأداء الدين، لرفعها قبل الأوان، مما يضطر الدائن الى رفعها بعد حلول الأجل ذلك لأن الإفلاس أو الإعسار، وان كان يؤدى إلى سقوط الأجل بالنسبة للمدين، فإن الأجل يظل قائماً بالنسبة للكفيل فيرجع عليه الدائن عند حلوله بباقي الدين .

كما يجوز للكفيل الرجوع على المدين بمجرد حلول أجل الوفاء بالدين، حتى لو منح الدائن للمدين أجلاً جديداً للوفاء، إذ يثبت حق الكفيل في الرجوع على المدين فور حلول أجل الوفاء بالدين دون قيام الدين بالوفاء سواء رجع ذلك إلى إخلاله بإلتزامه أو لقيام الدائن بمد أجل الوفاء. (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء : العاشر ، الصفحة : 678)

جواز الكفالة في الدين المستقبل :

كفالة الدين المستقبل شائعة في العمل الآن لأن الدائن يفضل أن يحصل على ضمان لحقه قبل أن يمنح ائتمانه للمدين ومن الأمثلة على كفالة الدين المستقبل، كفالة الاعتماد الذي يفتحه البنك لأحد عملائه فالبنك يفتح لعملية اعتماداً قيمته ألف جنيه مثلاً ويتعاقد في نفس الوقت مع شخص آخر على ضمان الوفاء بما يسحبه المدين من هذا الإعتماد المفتوح ودين العميل لا ينشأ في مواجهة البنك إلا من وقت السحب فعلاً ، أما قبل ذلك فإنه لا يعدو أن يكون ديناً مستقبلاً والكفالة توجد لضمان هذا الدين عندما ينشأ.

الرجوع عن الكفالة في الدين المستقبل :

لم يشأ المشرع أن يجعل الكفيل ملتزماً بكفالة الدين المستقبل إلى ما لا نهاية ولذا قضت المادة بأنه إذا لم تعين مدة الكفالة، فإن للكفيل أن يتحلل من التزامه إذا هو أخطر الدائن بذلك وينتج التعبير أثره طبقاً للقواعد العامة، من الوقت الذي يصل فيه إلى علم الدائن فإذا علم الدائن برجوع الكفيل قبل أن ينشأ الدين كله فلا يكون الكفيل ضامناً لما ينشأ من دين في المستقبل وإذا علم الدائن برجوع الكفيل بعد أن نشأ بعض الدين، فلا يكون الكفيل ضامناً إلا للجزء الذي نشأ دون غيره مما ينشأ في المستقبل.

ولولا نص المادة (778) طبقت القواعد العامة وهي تؤدي إلى بقاء الكفيل ملتزماً ولا يحق له الرجوع في الكفالة.

أما إذا كانت مدة الكفالة محددة، كمدة سنة مثلاً، فلا يجوز للكفيل أن يرجع في الكفالة خلال هذه المدة، فإذا لم ينشأ شيء من الدين أثناءها برئت ذمة الكفيل بصفة نهائية، وإذا نشأ جزء من الدين فقط فإن الكفيل يضمن هذا الجزء وحده. وليس الحد الأقصى لمبلغ الكفالة، لأنه لا يضمن إلا ما ينشأ من الدين خلال مدة الكفالة.

تنص الفقرة الأولى من المادة 778 على أنه : "كما تجوز الكفالة في الدين الشرطي".

ويستوي في ذلك أن يكون الشرط واقفاً أو فاسخاً.

وتطبيقاً لفكرة التبعية فإن مصير إلتزام الكفيل يرتبط بمصير الإلتزام المكفول فإذا كان الشرط الذي علق عليه الإلتزام المكفول واقفاً فإن التزام الكفيل يكون أيضاً معلقاً على شرط واقف، فإذا تحقق الشرط أصبح كل من الإلتزام المكفول وإلتزام الكفيل نافذاً ، وإذا تخلف الشرط ، زال كل من الإلتزامين في نفس الوقت أما إذا كان الشرط الذي علق عليه الإلتزام المكفول فاسخاً ، فإن كل من الإلتزامين يكون نافذاً قبل تحقق الشرط، فإذا تحقق الشرط زال كل من الإلتزامين بأثر رجعي. (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء : العاشر ، الصفحة : 456)

لا بد في الكفالة من وجود إلتزام يتعهد الكفيل بضمان الوفاء به إذا لم يف به المدين .

ولا يشترط في هذا الإلتزام أن يكون محله إعطاء مبلغ من النقود كما هو الغالب في الإلتزامات التي تعقد الكفالة لضمانها ، بل يجوز أن يكون محله إعطاء شيء آخر غير النقود أو القيام بعمل أو الإمتناع عن عمل ، فيتعهد الكفيل بأن يقوم بالعمل المطلوب مثلاً إذا لم يقم به المدين .

وإذا كان العمل المطلوب تدروني فیه أن يقوم به المدين شخصياً لا أي شخص غيره ، يعتبر محل الكفالة ضمان وفاء المدين شخصياً بهذا العمل او ضمان ما قد يحكم به عليه من تعويضات جزاء إخلاله بإلتزامه .

ومتى وجد الإلتزام ، جازت کفالته ، مهما كان مصدره وأياً كانت أوصافه ، أي سواء كان الإلتزام المكفول ناشئاً من عقد أو من فعل ضار أو من فعل نافع أو من نص في القانون تجوز كفالة دين النفقة كما تجوز كفالة القروض وكفالة التعويضات أو المبالغ الواجب ردها نتيجة الإثراء دون سبب ، وسواء كان الإلتزام منجزاً أو معلقاً على شرط واقف أو فاسخ أو مقترناً باجل في المادة 778.

فإذا لم يوجد الإلتزام المكفول أصلاً أو وجد على وجه غير الذي اتجهت ارادة الكفيل الى ضمانه، أو وجد وانقضى قبل أن ترد عليه الكفالة : امتنع إنعقاد الكفالة لانعدام محلها .

غير أنه إذا كان الإلتزام المكفول غیر موجود وقت الكفالة ولكنه مزمع وجوده بعدها ، فإنه يصح محلاً للكفالة بإعتباره إلتزاماً مستقبلاً كما في كفالة رصيد حساب جار أو عقد فتح اعتماد في تاريخ معین، وقد نص القانون صراحة على ذلك كما سيجيء في نبذة 29 .

كفالة الإلتزام المستقبل - نصت المادة 778 مدني على جواز الكفالة في الدين المستقبل إذا حدد مقدماً المبلغ المكفول به على أنه إذا كان الكفيل في الدين المستقبل لم يعين مدة للكفالة ، كان له في أي وقت أن يرجع فيها ما دام الدين المكفول لم ينشأ .

ويبين من ذلك أن القانون قد أجاز كفالة الدين المستقبل وأنه اشترط في ذلك تحديد مقدار الدين المكفول مقدماً ، فتجوز مثلاً كفالة الدين الذي يفتح به إعتماد لمصلحة المدين والمدين الذي يسفر عنه حساب والمدين الذي يعطي خطاب ضمان أن يعين في الكفالة الحد الأقصى الذي يلتزم الكفيل بضمانه ويجوز أن تكون الكفالة في هذه الحالة محمية المحلية أو غير محدودة المدة .

ففي الحالة الأولى تعتبر الكفالة معلقة على شرط نشوء الدين في المدة المحددة ومقصورة على ما ينشأ منه خلالها فإذا سحب المدين شيئاً من الإعتماد المفتوح أو صار حسابه مديناً قبل انقضاء المدة المعينة تحقق الشرط والتزم الكفيل بضمان المبلغ المسحوب أو الرصيد المدين يوم إنقضاء هذه المدة في حدود الحد الأقصى الذي ضمنه الكفيل .

ولا يجوز الكفيل أن يتحلل من الكفالة قبل حلول الأجل المعين لانتهائها والذي يتبين فيه تحقق الشرط أو نشوء الدين أو عدمه .

ويرى البعض أن تعهد الكفيل في هذه الحالة لا يكون - قبل نشوء الدين المكفول - كفالة حقيقية ، بل مجرد وعد بالكفالة ، ولا يلزم الكفيل بوفاء الدين المكفول ما دام هذا الدين لم ينشأ ، وإنما يلزم فقط بأن يضمن وفاءه عند نشوئه ماذا سحب وعده قبل الميعاد وقبل أن يتبين نشوء الدين المكفول أو عدمه ، كان ذلك إخلالاً منه بوعده موجباً مسئوليته وإلزامه بتعويض ، لا عن عدم وفاء الدين ، بل عن عدم قيامه بكفالة هذا الدين .

وفي الحالة الثانية نصت المادة 2/778 مدني على انه اذا كان الكفيل في الدين المستقبل لم يعين مدة الكفالة ، كان له في أي وقت أن يرجع فيها ما دام الدين المكفول لم ينشأ .

ويلاحظ على هذا النص أنه أستعمل في التعبير عن المعنى المقصود عبارة الرجوع في الكفالة وأن إستعمال هذه العبارة اقتضى من المشرع أن يشترط في الرجوع في الكفالة عدم نشوء الدين قبله ، وأن ذلك قد يفيد أن المشرع اعتبر ما سماه رجوعاً في الكفالة إلغاء لها ، فاحتاط له بأن قيده بعدم الإضرار بالدائن ، فاشترط في صحته أن لا يكون الدين قد نشأ ، وقد يرتب على ذلك أن لبس الكفيل أن يتحلل من الكفالة أو يضع حداً لها ما دام المدين قد سحب شيئاً من الإعتماد المفتوح أو قد صار حسابه الجاري مديناً ولو بمبلغ ضئيل ، فيبقى ملتزماً بالكفالة في حدود القدر الأقصى الذي عينه للمبلغ المكفول ولكن لمدة لا نهاية لها ولا شك أن هذه النتيجة لا يمكن التسليم بها .

والتكييف الصحيح الكفالة في هذه الحالة أنها تكون عقداً غير محدد المدة وأنه لا يعقل أن يكون المقصود بها أن تلزم الكفيل إلى الأبد ، فتعتبر مدتها متوقفة على مشيئته ، فيجوز له أن يضع حداً لها بإرادته، ويكون ذلك بإعلان ارادته هذه إلى الدائن ، ولا تنتج هذه الأرادة أثرها في وضع حد للكفالة إلا من الوقت الذي تتصل فيه بعلم الدائن وفقاً للمادة 91 مدنی.

وهذا الأثر ليس سوى تحديد مدة للكمالة ، فتنقلب الكفالة من عقد غير محدد المدة الى عقد محدد المدة ، وتسري عليها إذن الأحكام التي تقدمت بشأن الكفالة محددة المدة ( نبذة 48 ).

فإذا لم يكن الدين المكفول قد نشأ في الوقت الذي عينه الكفيل حداً للكفالة ، اعتبرت الكفالة أنها كانت معلقة على شرط واقف وأن هذا الشرط لم يتحقق في الوقت المناسب تصبح الكفالة كأن لم تكن وفي هذه الصورة يبدو إعلان الكفيل إرادته في وضع حد للكفالة كأنه رجوع في الكفالة ولو أنه في الحقيقة ليس كذلك أما إذا كان الدين الكفول قد تحقق بعضه في قيمة الدين في الوقت الذي عينه الكفيل هذا للكفالة ، فإن الكفالة تقتصر على هذا القدر من الدين ولا يسأل الكفيل عما يجاوزه بعد ذلك .

كفالة الإلتزام الشرطي - رأينا أنه يجوز كفالة الإلتزام المستقبل وأن الكفالة تعتبر في هذه الحالة معلقة على شرط واقف وتحقق الإلتزام المكفول .

وقد نصت المادة 778 فقرة أولى مدني على أن تجوز كذلك كفالة الدين الشرطى ، ولم تفرق في ذلك بين الشرط الواقف والشرط الفاسخ .

فإذا ضمن الكفيل إلتزاماً شرطياً ، صحت كفالته. (الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء : التاسع ، الصفحة : 41 )

الفقه الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / العاشر ، الصفحة / 39

الْكَفَالَةُ:

20 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ تَأْقِيتِ الْكَفَالَةِ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ - فِي غَيْرِ الأْصَحِّ عِنْدَهُمْ - إِلَى جَوَازِ تَأْقِيتِهَا إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ كَشَهْرٍ وَسَنَةٍ. وَمَنَعَ ذَلِكَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأْصَحِّ عِنْدَهُمْ.

ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمُجِيزُونَ لِذَلِكَ فِي التَّوْقِيتِ إِلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ.

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى جَوَازِ التَّوْقِيتِ بِوَقْتٍ مَجْهُولٍ جَهَالَةً غَيْرَ فَاحِشَةٍ، جَرَى الْعُرْفُ بَيْنَ النَّاسِ عَلَى التَّوْقِيتِ بِهِ، كَوَقْتِ الْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ، فَإِنْ كَانَ الْوَقْتُ الْمَجْهُولُ غَيْرَ مُتَعَارَفٍ عَلَيْهِ بَيْنَ النَّاسِ، كَمَجِيءِ الْمَطَرِ وَهُبُوبِ الرِّيحِ، فَلاَ يَصِحُّ تَأْقِيتُ الْكَفَالَةِ بِهِ.

وَأَجَازَ الْمَالِكِيَّةُ تَوْقِيتَ الْكَفَالَةِ إِلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ، كَمَا نُقِلَ عَنِ ابْنِ يُونُسَ فِي كِتَابِ الْحَمَالَةِ (الْكَفَالَةِ) أَنَّ الْحَمَالَةَ بِالْمَالِ الْمَجْهُولِ جَائِزَةٌ، فَكَذَا الْحَمَالَةُ بِهِ إِلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ، وَالْحَنَابِلَةُ يُجِيزُونَ تَأْقِيتَ الْكَفَالَةِ وَلَوْ إِلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ لاَ يَمْنَعُ حُصُولَ الْمَقْصُودِ مِنْهَا كَوَقْتِ الْحَصَادِ وَالْجُذَاذِ؛ لأَِنَّهَا تَبَرُّعٌ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ فَتَصِحُّ كَالنَّذْرِ.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الرابع والثلاثون ، الصفحة / 291

الْكَفَالَةُ الْمُعَلَّقَةُ:

10 - وَهِيَ الَّتِي يُعَلَّقُ وُجُودُهَا عَلَى وُجُودِ شَيْءٍ آخَرَ، كَمَا إِذَا قَالَ شَخْصٌ لِلْمُشْتَرِي: أَنَا كَفِيلٌ لَكَ بِالثَّمَنِ إِذَا اسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ، فَإِذَا كَانَ الشَّيْءُ الَّذِي عُلِّقَتْ بِهِ الْكَفَالَةُ مَوْجُودًا وَقْتَ التَّعْلِيقِ، فَإِنَّ الْكَفَالَةَ تَنْعَقِدُ مُنَجَّزَةً، وَذَلِكَ كَمَا لَوْ قَالَ الْكَفِيلُ لِلدَّائِنِ: إِذَا أَفْلَسَ فُلاَنٌ فَأَنَا كَفِيلٌ لَكَ بِهَذَا الدَّيْنِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ فُلاَنًا هَذَا كَانَ قَدْ أَفْلَسَ فِعْلاً وَقْتَ إِنْشَاءِ الْكَفَالَةِ.

11 - وَلِلْفُقَهَاءِ فِي حُكْمِ الْكَفَالَةِ الْمُعَلَّقَةِ خِلاَفٌ يُمْكِنُ إِيجَازُهُ فِيمَا يَلِي:

ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى صِحَّةِ الْكَفَالَةِ الْمُعَلَّقَةِ عَلَى شَرْطٍ مُلاَئِمٍ، وَهُوَ الشَّرْطُ الَّذِي يَكُونُ سَبَبًا لِوُجُوبِ الْحَقِّ، كَقَوْلِ الْكَفِيلِ لِلْمُشْتَرِي: إِذَا اسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ فَأَنَا ضَامِنُ الثَّمَنِ، أَوِ الشَّرْطِ الَّذِي يَكُونُ سَبَبًا لإِمْكَانِ الاِسْتِيفَاءِ، كَقَوْلِ الْكَفِيلِ لِلدَّائِنِ: إِذَا قَدِمَ فُلاَنٌ - أَيِ الْمَكْفُولُ عَنْهُ - فَأَنَا كَفِيلٌ بِدَيْنِكَ عَلَيْهِ، أَوِ الشَّرْطِ الَّذِي يَكُونُ سَبَبًا لِتَعَذُّرِ الاِسْتِيفَاءِ، كَقَوْلِ الْكَفِيلِ لِلدَّائِنِ: إِذَا غَابَ فُلاَنٌ - الْمَدِينُ - عَنِ الْبَلَدِ فَأَنَا كَفِيلٌ بِالدَّيْنِ .

وَذَهَبُوا كَذَلِكَ إِلَى صِحَّةِ الْكَفَالَةِ الْمُعَلَّقَةِ بِشَرْطٍ جَرَى بِهِ الْعُرْفُ، كَمَا لَوْ قَالَ الْكَفِيلُ: إِنْ لَمْ يُؤَدِّ فُلاَنٌ مَا لَكَ عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ إِلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَنَا لَهُ ضَامِنٌ، لأِنَّهُ عَلَّقَ الْكَفَالَةَ بِالْمَالِ بِشَرْطٍ مُتَعَارَفٍ فَصَحَّ .

فَأَمَّا إِذَا عُلِّقَتِ الْكَفَالَةُ عَلَى شَرْطٍ غَيْرِ مُلاَئِمٍ، كَقَوْلِهِ: إِنْ هَبَّتِ الرِّيحُ أَوْ إِنْ نَزَلَ الْمَطَرُ أَوْ إِنْ دَخَلَتُ الدَّارَ فَأَنَا كَفِيلٌ، فَلاَ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ ؛ لأِنَّ تَعْلِيقَ الْكَفَالَةِ عَلَى شَرْطٍ غَيْرِ مُلاَئِمٍ لاَ يَظْهَرُ فِيهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ، وَذَهَبَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْمَذْهَبِ إِلَى أَنَّ الْكَفَالَةَ تَصِحُّ إِذَا مَا عُلِّقَتْ عَلَى شَرْطٍ غَيْرِ مُلاَئِمٍ، وَيَلْغُو التَّعْلِيقُ .

وَيَبْدُو مِمَّا ذَكَرَهُ الْمَالِكِيَّةُ مِنْ فُرُوعٍ: أَنَّ الْكَفَالَةَ تَكُونُ صَحِيحَةً إِذَا عُلِّقَتْ عَلَى الشُّرُوطِ الْمُلاَئِمَةِ، وَلاَ تَكُونُ صَحِيحَةً إِذَا عُلِّقَتْ عَلَى شَرْطٍ غَيْرِ مُلاَئِمٍ .

أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَالأْصَحُّ عِنْدَهُمْ عَدَمُ جَوَازِ تَعْلِيقِ الضَّمَانِ وَالْكَفَالَةِ لأِنَّ كُلًّا مِنَ الضَّمَانِ وَالْكَفَالَةِ عَقْدٌ كَالْبَيْعِ، وَهُوَ لاَ يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ.

وَمُقَابِلُ الأْصَحِّ عِنْدَهُمْ: جَوَازُ تَعْلِيقِ الضَّمَانِ وَالْكَفَالَةِ؛ لأِنَّ الْقَبُولَ لاَ يُشْتَرَطُ فِيهِمَا، فَجَازَ تَعْلِيقُهُمَا كَالطَّلاَقِ، وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: يَمْتَنِعُ تَعْلِيقُ الضَّمَانِ دُونَ الْكَفَالَةِ؛ لأِنَّ الْكَفَالَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْحَاجَةِ .

وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ رِوَايَتَانِ تَذْهَبُ أُولاَهُمَا إِلَى بُطْلاَنِ الْكَفَالَةِ مَعَ التَّعْلِيقِ، وَهُوَ مَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي؛ لأِنَّ فِي التَّعْلِيقِ خَطَرًا فَلَمْ يَجُزْ تَعْلِيقُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ، وَالْكَفَالَةُ تُثْبِتُ حَقًّا لآِدَمِيٍّ مُعَيَّنٍ فَلَمْ يَجُزْ تَعْلِيقُ ثُبُوتِهِ عَلَى شَرْطٍ.

وَتَذْهَبُ الرِّوَايَةُ الأْخْرَى إِلَى صِحَّةِ تَعْلِيقِ الْكَفَالَةِ مُطْلَقًا، لأِنَّ تَعْلِيقَ الْكَفَالَةِ وَالضَّمَانِ عَلَى شَرْطٍ صَحِيحٍ كَضَمَانِ الْعُهْدَةِ وَقَدْ مَالَ إِلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ؛ لأِنَّهُ أَضَافَ الضَّمَانَ إِلَى سَبَبِ الْوُجُودِ فَيَجِبُ أَنْ يَصِحَّ كَضَمَانِ الدَّرَكِ .

ج - الْكَفَالَةُ الْمُضَافَةُ:

12 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى جَوَازِ إِضَافَةِ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ إِلَى أَجَلٍ مُسْتَقْبَلٍ كَأَنْ يَقُولَ الْكَفِيلُ: أَنَا ضَامِنٌ لَكَ هَذَا الْمَالَ أَوْ هَذَا الدَّيْنَ ابْتِدَاءً مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ الْقَادِمِ، وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ لاَ يَكُونُ كَفِيلاً إِلاَّ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، أَمَّا قَبْلَهُ فَلاَ يُعَدُّ كَفِيلاً وَلاَ يُطَالَبُ بِالْمَالِ، وَإِذَا تُوُفِّيَ قَبْلَ الْوَقْتِ الْمُحَدَّدِ لاَ يُؤْخَذُ الدَّيْنُ مِنْ تَرِكَتِهِ.

وَفَرَّقَ الْحَنَفِيَّةُ بَيْنَ إِضَافَةِ الْكَفَالَةِ وَتَأْجِيلِ الدَّيْنِ الْمَكْفُولِ بِهِ، فَالْكَفَالَةُ الْمُضَافَةُ هِيَ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِدَيْنٍ غَيْرِ مَوْجُودٍ عِنْدَ إِنْشَائِهَا، وَلَكِنَّهَا تَعَلَّقَتْ بِهِ بِسَبَبِ إِضَافَتِهَا إِلَيْهِ، كَمَا لَوْ قَالَ الْكَفِيلُ لِلدَّائِنِ: أَنَا كَفِيلٌ بِمَا سَتُقْرِضُهُ لِفُلاَنٍ مِنَ الْمَالِ، أَوْ بِسَبَبِ تَعْلِيقِهَا بِهِ، كَمَا لَوْ قَالَ: إِنْ أَقْرَضْتُ فُلاَنًا مَبْلَغَ كَذَا فَأَنَا كَفِيلٌ بِهِ، وَهَذَا النَّوْعُ مِنَ الْكَفَالَةِ لاَ يَنْعَقِدُ إِلاَّ بَعْدَ وُقُوعِ مَا عُلِّقَ بِهِ، وَلاَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَثَرٌ إِلاَّ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ.

أَمَّا إِنْ كَانَ الدَّيْنُ الْمَكْفُولُ مَوْجُودًا عِنْدَ إِنْشَاءِ الْكَفَالَةِ، فَقَدْ يَكُونُ حَالًّا وَقَدْ يَكُونُ مُؤَجَّلاً، فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ الْمَكْفُولُ حَالًّا، وَأُضِيفَتْ كَفَالَتُهُ إِلَى زَمَنٍ مُسْتَقْبَلٍ، كَأَنْ يَقُولَ الْكَفِيلُ لِلدَّائِنِ: كَفَلْتُ لَكَ دَيْنَكَ الَّذِي عَلَى فُلاَنٍ ابْتِدَاءً مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ الآْتِي، فَلاَ يَكُونُ لِلْكَفَالَةِ أَثَرٌ إِلاَّ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ الآْتِي، وَيَتَأَجَّلُ الدَّيْنُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْكَفِيلِ وَحْدَهُ بِسَبَبِ إِضَافَةِ الْكَفَالَةِ، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَدِينِ فَلاَ يَتَغَيَّرُ وَصْفُ الدَّيْنِ بَلْ يَظَلُّ حَالًّا؛ إِذْ لاَ يَلْزَمُ مِنْ تَأْجِيلِ الدَّيْنِ عَلَى الْكَفِيلِ بِسَبَبِ كَفَالَتِهِ الْمُضَافَةِ تَأْجِيلُهُ عَلَى الْمَدِينِ الأْصِيلِ ، وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ تَكُونُ الْكَفَالَةُ مُنْعَقِدَةً فِي الْحَالِ، وَلَكِنَّ آثَارَهَا لاَ تَظْهَرُ إِلاَّ عِنْدَ حُلُولِ الأْجَلِ.

وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ الْمَكْفُولُ مُؤَجَّلاً عِنْدَ إِنْشَاءِ الْكَفَالَةِ، وَكَانَتِ الْكَفَالَةُ مُطْلَقَةً بِأَنْ قَالَ الْكَفِيلُ: كَفَلْتُ لَكَ دَيْنَكَ الَّذِي عَلَى فُلاَنٍ، فَإِنَّ مُطَالَبَةَ الْكَفِيلِ تُرْجَأُ إِلَى وَقْتِ حُلُولِ الدَّيْنِ عَلَى الأْصِيلِ ؛ لأِنَّ الْكَفَالَةَ الْمُطْلَقَةَ بِدَيْنٍ تَلْزَمُ بِمَا يَتَّصِفُ بِهِ مِنَ الْحُلُولِ أَوِ التَّأْجِيلِ، وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْضًا تَكُونُ الْكَفَالَةُ مُنْعَقِدَةً فِي الْحَالِ، وَلَكِنَّ آثَارَهَا لاَ تَظْهَرُ إِلاَّ عِنْدَ حُلُولِ الأْجَلِ.

وَمِنْ هَذَا يَتَّضِحُ أَنَّ جُمْهُورَ الْحَنَفِيَّةِ يُجِيزُ إِضَافَةَ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ إِلَى الزَّمَنِ الْمُسْتَقْبَلِ، وَيُرَتِّبُ عَلَى ذَلِكَ: أَنَّ إِضَافَتَهَا إِلَى وَقْتٍ مَعْلُومٍ. أَوْ مَجْهُولٍ جَهَالَةً غَيْرَ فَاحِشَةٍ لاَ يَمْنَعُ مِنْ جَوَازِهَا إِلَى الأْجَلِ الَّذِي ذُكِرَ، وَذَلِكَ كَإِضَافَتِهَا إِلَى الْحَصَادِ أَوْ إِلَى الْمِهْرَجَانِ أَوْ إِلَى النَّيْرُوزِ، أَمَّا إِضَافَةُ الْكَفَالَةِ إِلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ جَهَالَةً فَاحِشَةً - كَنُزُولِ الْمَطَرِ - فَلاَ تَصِحُّ؛ لأِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنَ الآْجَالِ الْمُتَعَارَفَةِ أَوِ الْمُنْضَبِطَةِ، وَإِذَا بَطَلَ الأْجَلُ لِتَفَاحُشِ الْجَهَالَةِ فِيهِ وَعَدَمِ تَعَارُفِهِ، صَحَّتِ الْكَفَالَةُ، وَكَانَتْ مُنَجَّزَةً .

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى صِحَّةِ إِضَافَةِ الْكَفَالَةِ إِلَى زَمَنٍ مُسْتَقْبَلٍ مَعْلُومٍ، وَحِينَئِذٍ لاَ يُطَالَبُ الْكَفِيلُ إِلاَّ إِذَا حَلَّ الأْجَلُ، وَكَذَلِكَ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ إِذَا أُضِيفَتْ إِلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ جَهَالَةً غَيْرَ فَاحِشَةٍ، كَخُرُوجِ الْعَطَاءِ، وَلَكِنَّ الْقَاضِيَ يَضْرِبُ لَهُ أَجَلاً بِقَدْرِ مَا يَرَى، وَعِنْدَئِذٍ لاَ يَتَرَتَّبُ عَلَى الْكَفَالَةِ أَثَرُهَا إِلاَّ بِحُلُولِ الأْجَلِ الَّذِي أُضِيفَتْ إِلَيْهِ .

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنْ كَفَلَ إِلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ لَمْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ لأِنَّهُ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ يَسْتَحِقُّ مُطَالَبَتَهُ فِيهِ وَهَكَذَا الضَّمَانُ، وَإِنْ جَعَلَهُ إِلَى الْحَصَادِ وَالْجُزَازِ وَالْعَطَاءِ خَرَجَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ، كَالأْجَلِ فِي الْبَيْعِ، وَالأْوْلَى صِحَّتُهَا هُنَا، لأِنَّهُ تَبَرُّعٌ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ جَعَلَ لَهُ عِوَضًا لاَ يَمْنَعُ مِنْ حُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ فَصَحَّ، كَالنَّذْرِ، وَهَكَذَا كُلُّ مَجْهُولٍ لاَ يَمْنَعُ مَقْصُودَ الْكَفَالَةِ .

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ نَجَّزَ الْكَفَالَةَ وَشَرَطَ تَأْخِيرَ الْمَكْفُولِ بِهِ شَهْرًا كَضَمِنْتُ إِحْضَارَهُ، وَأَحْضَرَهُ بَعْدَ شَهْرٍ جَازَ، لأِنَّهُ الْتِزَامٌ بِعَمَلٍ فِي الذِّمَّةِ، فَكَانَ كَعَمَلِ الإْجَارَةِ يَجُوزُ حَالًّا وَمُؤَجَّلاً.

وَخَرَجَ بِشَهْرٍ مَثَلاً التَّأْجِيلُ بِمَجْهُولٍ، كَالْحَصَادِ فَلاَ يَصِحُّ التَّأْجِيلُ إِلَيْهِ، وَالأْصَحُّ أَنَّهُ يَصِحُّ ضَمَانُ الْحَالِّ مُؤَجَّلاً أَجَلاً مَعْلُومًا؛ إِذْ الضَّمَانُ تَبَرُّعٌ، وَالْحَاجَةُ تَدْعُو إِلَيْهِ، فَكَانَ عَلَى حَسَبِ مَا الْتَزَمَهُ وَيَثْبُتُ الأْجَلُ فِي حَقِّ الضَّامِنِ عَلَى الأْصَحِّ ، فَلاَ يُطَالَبُ إِلاَّ كَمَا الْتَزَمَ.

وَمُقَابِلُ الأْصَحِّ : لاَ يَصِحُّ الضَّمَانُ لِلْمُخَالَفَةِ، وَوَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُحَرَّرِ تَصْحِيحُهُ، قَالَ فِي الدَّقَائِقِ: وَالأْصَحُّ مَا فِي بَقِيَّةِ النُّسَخِ وَالْمِنْهَاجِ، وَلَوْ ضَمِنَ الْمُؤَجَّلَ مُؤَجَّلاً بِأَجَلٍ أَطْوَلَ مِنَ الأْوَّلِ فَكَضَمَانِ الْحَالِّ مُؤَجَّلاً .

د - الْكَفَالَةُ الْمُؤَقَّتَةُ:

13 - تَوْقِيتُ الْكَفَالَةِ مَعْنَاهُ: أَنْ يَكْفُلَ الْكَفِيلُ الدَّيْنَ مُدَّةً مَعْلُومَةً مُحَدَّدَةً، فَإِذَا انْقَضَتْ تِلْكَ الْمُدَّةُ يَبْرَأُ بَعْدَهَا مِنَ الْتِزَامِهِ وَتَنْتَهِي الْكَفَالَةُ، وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِ الْكَفِيلِ: أَنَا كَفِيلٌ بِنَفْسِ فُلاَنٍ أَوْ بِدِيَتِهِ مِنَ الْيَوْمِ إِلَى نِهَايَةِ هَذَا الشَّهْرِ، فَإِذَا انْقَضَى الشَّهْرُ بَرِئْتُ مِنَ الْكَفَالَةِ.

وَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي صِحَّةِ تَوْقِيتِ الْكَفَالَةِ بِنَاءً عَلَى اخْتِلاَفِهِمْ فِي الأَْثَرِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهَا، فَمَنْ رَأَى أَنَّ ذِمَّةَ الْكَفِيلِ لاَ تُشْغَلُ بِالدَّيْنِ وَإِنَّمَا يُطَالَبُ فَقَطْ بِأَدَائِهِ، أَجَازَ الْكَفَالَةَ الْمُؤَقَّتَةَ، وَقَيَّدَ الْمُطَالَبَةَ بِالْمُدَّةِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا، أَمَّا مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ ذِمَّةَ الْكَفِيلِ تَصِيرُ مَشْغُولَةً بِالدَّيْنِ إِلَى جَانِبِ ذِمَّةِ الْمَدِينِ، فَلَمْ يُجِزْ تَوْقِيتَ الْكَفَالَةِ؛ لأِنَّ الْمَعْهُودَ فِي الشَّرْعِ أَنَّ الذِّمَّةَ إِذَا شُغِلَتْ بِدَيْنٍ صَحِيحٍ فَإِنَّهَا لاَ تَبْرَأُ مِنْهُ إِلاَّ بِالأْدَاءِ أَوِ الإْبْرَاءِ ، وَقَبُولُ الْكَفَالَةِ لِلتَّوْقِيتِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ سُقُوطُ الدَّيْنِ عَنِ الْكَفِيلِ دُونَ أَدَاءٍ أَوْ إِبْرَاءٍ، وَتَطْبِيقًا عَلَى ذَلِكَ ذَهَبَ أَغْلَبُ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْكَفِيلَ لَوْ قَالَ: كَفَلْتُ فُلاَنًا مِنْ هَذِهِ السَّاعَةِ إِلَى شَهْرٍ، تَنْتَهِي الْكَفَالَةُ بِمُضِيِّ الشَّهْرِ بِلاَ خِلاَفٍ، وَلَوْ قَالَ: كَفَلْتُ فُلاَنًا شَهْرًا أَوْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ.. مِنَ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْكَفِيلَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يُطَالَبُ فِي الْمُدَّةِ وَيَبْرَأُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ.. وَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ يَكُونُ كَفِيلاً أَبَدًا وَيَلْغُو التَّوْقِيتُ .

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى جَوَازِ تَوْقِيتِ الْكَفَالَةِ فِي إِحْدَى حَالَتَيْنِ: أَنْ يَكُونَ الْمَدِينُ مُوسِرًا وَلَوْ فِي أَوَّلَ الأْجَلِ فَقَطْ، أَوْ أَنْ يَكُونَ مُعْسِرًا وَالْعَادَةُ أَنَّهُ لاَ يُوسِرُ فِي الأْجَلِ الَّذِي ضَمِنَ الضَّامِنُ إِلَيْهِ، بَلْ بِمُضِيِّ ذَلِكَ الأْجَلِ عَلَيْهِ وَهُوَ مُعْسِرٌ، فَإِنْ لَمْ يُعْسِرْ فِي جَمِيعِهِ، بَلْ أَيْسَرَ فِي أَثْنَائِهِ كَبَعْضِ أَصْحَابِ الْغَلاَّتِ وَالْوَظَائِفِ، كَأَنْ يَضْمَنَهُ إِلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَادَتُهُ الْيَسَارُ بَعْدَ شَهْرَيْنِ، فَلاَ يَصِحُّ؛ لأِنَّ الزَّمَنَ الْمُتَأَخِّرَ عَنِ ابْتِدَاءِ يَسَارِهِ يُعَدُّ فِيهِ صَاحِبُ الْحَقِّ مُسَلِّفًا، لِقُدْرَةِ رَبِّ الْحَقِّ عَلَى أَخْذِهِ مِنْهُ عِنْدَ الْيَسَارِ، هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْيَسَارَ الْمُتَرَقَّبَ كَالْمُحَقَّقِ، وَأَجَازَهُ أَشْهَبُ لأِنَّ الأْصْلَ اسْتِصْحَابُ عُسْرِهِ .

وَالأْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ تَوْقِيتُ الْكَفَالَةِ، كَأَنَا كَفِيلٌ بِزَيْدٍ إِلَى شَهْرٍ وَأَكُونُ بَعْدَهُ بَرِيئًا، وَمُقَابِلُ الأْصَحِّ عِنْدَهُمْ: أَنَّهُ يَجُوزُ، لأِنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ فِي تَسْلِيمِهِ هَذِهِ الْمُدَّةَ، بِخِلاَفِ الْمَالِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الأْدَاءُ؛ فَلِهَذَا امْتَنَعَ تَأْقِيتُ الضَّمَانِ قَطْعًا .

وَاخْتَلَفَ الْحَنَابِلَةُ فِي صِحَّةِ تَوْقِيتِ الْكَفَالَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

الأْوَّلُ: أَنَّ الْكَفَالَةَ تَكُونُ صَحِيحَةً، وَيَبْرَأُ الْكَفِيلُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ الَّتِي عَيَّنَهَا وَإِنْ لَمْ يَحْدُثْ فِيهَا وَفَاءٌ.

وَالثَّانِي: عَدَمُ صِحَّةِ الْكَفَالَةِ؛ لأِنَّ الشَّأْنَ فِي الدُّيُونِ أَنَّهَا لاَ تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَنِ .

الركن الخامس : مَحَلُّ الْكَفَالَةِ:

قَدْ تَكُونُ الْكَفَالَةُ بِالْمَالِ، وَيُطْلِقُ عَلَيْهَا كَثِيرٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ: الضَّمَانَ، وَقَدْ تَكُونُ بِالنَّفْسِ، وَيُطْلِقُ عَلَيْهَا الْبَعْضُ: كَفَالَةَ الْبَدَنِ، وَكَفَالَةَ الْوَجْهِ.

أَوَّلاً - كَفَالَةُ الْمَالِ:

قَدْ يَكُونُ الْمَكْفُولُ بِهِ دَيْنًا، وَقَدْ يَكُونُ عَيْنًا، وَالْحُكْمُ يَتَغَيَّرُ فِي كُلِّ حَالَةٍ:

أ - كَفَالَةُ الدَّيْنِ:

23 - يَشْتَرِطُ الْفُقَهَاءُ لِصِحَّةِ كَفَالَةِ الدَّيْنِ: أَنْ يَكُونَ دَيْنًا صَحِيحًا، وَأَنْ يَكُونَ وَاجِبًا فِي الذِّمَّةِ عَلَى التَّفْصِيلِ الآْتِي:

1 - أَنْ يَكُونَ دَيْنًا صَحِيحًا:

يُشْتَرَطُ فِي الدَّيْنِ الْمَكْفُولِ بِهِ أَنْ يَكُونَ دَيْنًا صَحِيحًا، وَهُوَ مَا لاَ يَسْقُطُ إِلاَّ بِالأْدَاءِ أَوِ الإْبْرَاءِ ، وَعَلَى ذَلِكَ تَجُوزُ كَفَالَةُ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ عِنْدَ وُجُوبِهَا بِالْقَضَاءِ أَوِ الرِّضَاءِ سَوَاءٌ كَانَتْ مَاضِيَةً أَوْ حَاضِرَةً أَوْ مُسْتَقْبَلَةً.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - فِي الْجَدِيدِ -: تَجِبُ نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ بِالْعَقْدِ وَالتَّمْكِينِ وَحِينَئِذٍ لاَ يَصِحُّ ضَمَانُ النَّفَقَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ .

فَإِذَا كَانَ الدَّيْنُ صَحِيحًا، فَلاَ يَشْتَرِطُ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومَ الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ وَالْعَيْنِ؛ لأِنَّ الْكَفَالَةَ مِنْ قَبِيلِ التَّبَرُّعِ، وَالتَّبَرُّعُ يَصِحُّ مَعَ الْجَهَالَةِ كَالنَّذْرِ، وَقَدْ جَرَى بِهَا الْعُرْفُ، وَالْحَاجَةُ إِلَى التَّعَامُلِ بِهَا تُبَرِّرُ ذَلِكَ، غَيْرَ أَنَّ الْحَنَابِلَةَ يَشْتَرِطُونَ لِصِحَّةِ الْكَفَالَةِ بِدَيْنٍ مَجْهُولٍ أَنْ يَكُونَ مَآلُهُ إِلَى الْعِلْمِ بِمِقْدَارِهِ، كَأَنْ يَقُولَ الْكَفِيلُ: كَفَلْتُ لَكَ بِمَالِكَ قِبَلَ فُلاَنٍ، وَلاَ يَعْلَمُ مِقْدَارَ ذَلِكَ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ - فِي الْجَدِيدِ - إِلَى عَدَمِ صِحَّةِ الْكَفَالَةِ بِالدَّيْنِ الْمَجْهُولِ، وَهُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُمْ؛ لأِنَّ الْكَفَالَةَ الْتِزَامُ دَيْنٍ فِي الذِّمَّةِ، وَالْتِزَامُ الْمَجْهُولِ غَرَرٌ يَنْهَى عَنْهُ الشَّارِعُ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ مَعْلُومًا حَتَّى يَكُونَ الْكَفِيلُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ أَمْرِهِ وَمِنْ قُدْرَتِهِ عَلَى الْوَفَاءِ بِمَا الْتَزَمَ بِهِ .

2 - أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا فِي الذِّمَّةِ:

يَشْتَرِطُ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ الْمَكْفُولُ بِهِ وَاجِبًا فِي الذِّمَّةِ عِنْدَ الْكَفَالَةِ بِهِ، أَوْ أَنْ يَكُونَ مَآلُهُ إِلَى الْوُجُوبِ، وَعَلَى ذَلِكَ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِالدَّيْنِ الْمَوْعُودِ بِهِ - وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا عِنْدَ الْكَفَالَةِ - لأِنَّ مَآلَهُ إِلَى الْوُجُوبِ، وَذَلِكَ كَأَنْ يَقُولَ الْكَفِيلُ: أَقْرِضْ فُلاَنًا وَأَنَا كَفِيلٌ بِمَا سَتُقْرِضُهُ إِيَّاهُ .

وَاشْتَرَطَ الشَّافِعِيُّ - فِي الْجَدِيدِ - أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ ثَابِتًا فِي الذِّمَّةِ عِنْدَ الْكَفَالَةِ، وَعَلَى ذَلِكَ: فَإِنَّ الْكَفَالَةَ لاَ تَصِحُّ - عَلَى هَذَا الْقَوْلِ - بِمَا سَيَكُونُ مِنْ دَيْنٍ مَوْعُودٍ بِهِ، وَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - فِي الْجَدِيدِ - مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ الْكَفَالَةِ بِالدَّيْنِ قَبْلَ ثُبُوتِهِ، يَرْجِعُ إِلَى أَنَّ الْكَفَالَةَ ضَمُّ ذِمَّةٍ إِلَى ذِمَّةٍ فِي الدَّيْنِ، وَالدَّيْنُ قَبْلَ ثُبُوتِهِ لاَ تُشْغَلُ بِهِ ذِمَّةٌ، فَلاَ يَتَحَقَّقُ مَعْنَى الْكَفَالَةِ .

وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى صِحَّةِ الْكَفَالَةِ بِالدَّرْكِ - رَغْمَ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ وَلَمْ يَلْزَمْ - لأِنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إِلَيْهِ، وَعَلَى ذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَضْمَنَ شَخْصٌ لأِحَدِ الْعَاقِدَيْنِ مَا بَذَلَهُ لِلآْخَرِ إِنْ خَرَجَ مُقَابِلُهُ مُسْتَحَقًّا أَوْ مَعِيبًا أَوْ نَاقِصًا وَرُدَّ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ أَوْ كَانَ بَعْدَهُ.

وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّ ضَمَانَ الدَّرْكِ إِنَّمَا يَصِحُّ بَعْدَ الْقَبْضِ؛ لأِنَّهُ إِنَّمَا يَضْمَنُ مَا دَخَلَ فِي يَدِ الْبَائِعِ، وَلاَ يَدْخُلُ الثَّمَنُ فِي ضَمَانِهِ إِلاَّ بِقَبْضِهِ، وَضَمَانُ الدَّرْكِ أَنْ يَضْمَنَ لِلْمُشْتَرِي الثَّمَنَ إِنْ خَرَجَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا، أَوْ إِنْ أَخَذَ بِشُفْعَةٍ سَابِقَةٍ عَلَى الْبَيْعِ بِبَيْعٍ آخَرَ، وَلاَ يَخْتَصُّ ضَمَانُ الدَّرْكِ بِالثَّمَنِ بَلْ يَجْرِي فِي الْمَبِيعِ فَيَضْمَنُهُ لِلْبَائِعِ إِنْ خَرَجَ الثَّمَنُ الْمُعَيَّنُ مُسْتَحَقًّا أَوْ أَخَذَ بِشُفْعَةٍ سَابِقَةٍ .

أَمَّا الْجُعْلُ فِي الْجَعَالَةِ فَأَجَازَ الْكَفَالَةَ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، سَوَاءٌ كَانَتِ الْكَفَالَةُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ أَوْ كَانَتْ بَعْدَهُ لأِنَّهُ آيِلٌ إِلَى اللُّزُومِ، وَالأْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ عَدَمُ صِحَّةِ الْكَفَالَةِ بِالْجُعْلِ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنَ الْعَمَلِ؛ لأِنَّهُ غَيْرُ آيِلٍ لِلُّزُومِ بِنَفْسِهِ، بَلْ بِالْعَمَلِ، وَمُقَابِلُ الأْصَحِّ جَوَازُ الْكَفَالَةِ بِهِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ .

ب - كَفَالَةُ الْعَيْنِ:

24 - الْمَقْصُودُ بِضَمَانِ الْعَيْنِ أَوْ كَفَالَتِهَا: أَنْ يَلْتَزِمَ الْكَفِيلُ بِرَدِّ عَيْنِهَا إِنْ كَانَتْ قَائِمَةً، وَبِرَدِّ مِثْلِهَا أَوْ قِيمَتِهَا إِذَا تَلِفَتْ، وَلِلْفُقَهَاءِ فِي حُكْمِ كَفَالَةِ الأْعْيَانِ تَفْصِيلٌ يَرْجِعُ إِلَى ثُبُوتِ الْحَقِّ فِي ذِمَّةِ الأْصِيلِ أَوْ عَدَمِ ثُبُوتِهِ، وَذَلِكَ عَلَى التَّفْصِيلِ الآْتِي:

قَدْ يَكُونُ الْمَكْفُولُ بِهِ مِنَ الأْعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ مَضْمُونَةً بِنَفْسِهَا أَوْ مَضْمُونَةً بِغَيْرِهَا، وَقَدْ يَكُونُ الْمَكْفُولُ بِهِ أَمَانَةً فِي يَدِ حَائِزِهِ، فَهَذِهِ حَالاَتٌ ثَلاَثٌ تَفْصِيلُهَا كَمَا يَلِي:

1 - الْعَيْنُ الْمَضْمُونَةُ بِنَفْسِهَا:

25 - هِيَ الَّتِي يَجِبُ عَلَى حَائِزِهَا أَنْ يَرُدَّهَا إِلَى صَاحِبِهَا إِنْ كَانَتْ قَائِمَةً أَوْ يَرُدَّ مِثْلَهَا أَوْ قِيمَتَهَا إِنْ تَلِفَتْ، وَذَلِكَ كَالْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ أَوِ الْمَقْبُوضَةِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ.

وَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى صِحَّةِ كَفَالَةِ هَذَا النَّوْعِ مِنَ الأْعْيَانِ : فَيَلْتَزِمُ الْكَفِيلُ بِرَدِّ الْعَيْنِ مَا دَامَتْ قَائِمَةً، وَبِرَدِّ الْمِثْلِ إِنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً، وَبِرَدِّ الْقِيمَةِ إِنْ كَانَتْ قِيَمِيَّةً، وَالْحُكْمُ كَذَلِكَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فِي الْعَيْنِ الْمَبِيعَةِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ قَوْلٌ آخَرُ لِلشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ لاَ تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِالأْعْيَانِ ، عَلَى أَنَّهُ إِذَا اسْتَحَقَّ لَزِمَهُ عَيْنُهُ، وَإِنَّمَا تَصِحُّ إِذَا ضَمِنَ الْمُعَيَّنَ عَلَى أَنَّهُ إِذَا تَلِفَ بِتَعَدٍّ أَوْ تَقْصِيرٍ الْتَزَمَ بِدَفْعِ قِيمَتِهِ أَوْ بِرَدِّ مِثْلِهِ، وَعَلَى ذَلِكَ: إِذَا ضَمِنَ عَيْنَ الْمَغْصُوبِ لَمْ يَصِحَّ الضَّمَانُ، وَلَكِنْ إِذَا كَفَلَهُ عَلَى أَنَّهُ مُلْزَمٌ بِضَمَانِهِ إِذَا تَعَذَّرَ رَدُّهُ صَحَّ الضَّمَانُ .

2 - الْعَيْنُ الْمَضْمُونَةُ بِغَيْرِهَا:

26 - وَهِيَ الَّتِي يَجِبُ عَلَى حَائِزِهَا أَنْ يَرُدَّهَا إِلَى صَاحِبِهَا إِنْ كَانَتْ قَائِمَةً، فَإِذَا هَلَكَتْ لاَ يَجِبُ أَنْ يَرُدَّ مِثْلَهَا أَوْ قِيمَتَهَا، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْتِزَامٌ آخَرُ، مِثَالُ ذَلِكَ: الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْبَائِعِ، فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ بِالثَّمَنِ، فَإِذَا هَلَكَ سَقَطَ الثَّمَنُ عَنِ الْمُشْتَرِي إِذَا لَمْ يَكُنْ دَفَعَهُ، وَوَجَبَ عَلَى الْبَائِعِ رَدُّهُ إِلَيْهِ إِنْ كَانَ دَفَعَهُ، وَكَذَلِكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ، فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ بِالدَّيْنِ إِذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ تَزِيدُ عَلَيْهِ، وَإِلاَّ كَانَ مَضْمُونًا بِقَدْرِ قِيمَتِهِ مِنَ الدَّيْنِ.

وَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنَ الأْعْيَانِ يَجُوزُ ضَمَانُ تَسْلِيمِهِ فَقَطْ مَا دَامَ قَائِمًا، فَإِذَا هَلَكَ سَقَطَتِ الْكَفَالَةُ، لأِنَّهُ إِذَا هَلَكَ هَلَكَ عَلَى صَاحِبِ الْيَدِ بِمَا هُوَ مَضْمُونٌ بِهِ، فَالْمَبِيعُ مَضْمُونٌ بِالثَّمَنِ، وَإِذَا هَلَكَ فِي يَدِ الْبَائِعِ سَقَطَ الثَّمَنُ عَنِ الْمُشْتَرِي وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ لاَ يَصِحُّ ضَمَانُ الأْعْيَانِ ، عَلَى مَعْنَى تَسْلِيمِهَا بِذَاتِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْعَيْنِ الْمَضْمُونَةِ بِنَفْسِهَا عَرْضُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيَّةِ، فَيَجْرِيَانِ أَيْضًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ .

3 - الأْمَانَةُ:

27 - قَسَّمَ الْحَنَفِيَّةُ الأْعْيَانَ الَّتِي تُعَدُّ أَمَانَةً فِي يَدِ حَائِزِهَا قِسْمَيْنِ: قِسْمٌ يَجِبُ عَلَى صَاحِبِ الْيَدِ تَسْلِيمُهُ، بِمَعْنَى أَنَّهُ مُلْتَزِمٌ بِأَنْ يَسْعَى إِلَى تَسْلِيمِهِ إِلَى مَالِكِهِ، كَالْعَارِيَّةِ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ وَالْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَهَذَا الْقِسْمُ تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِتَسْلِيمِهِ لِوُجُوبِ التَّسْلِيمِ عَلَى صَاحِبِ الْيَدِ، فَإِذَا هَلَكَ لاَ يَلْزَمُ الْكَفِيلَ شَيْءٌ لِكَوْنِهِ أَمَانَةً، وَالأْمَانَةُ إِذَا هَلَكَتْ تَهْلِكُ مَجَّانًا.

وَالْقِسْمُ الآْخَرُ لاَ يَجِبُ عَلَى صَاحِبِ الْيَدِ تَسْلِيمُهُ، بَلْ عَلَى الْمَالِكِ أَنْ يَسْعَى إِلَى ذَلِكَ، كَالْوَدَائِعِ وَأَمْوَالِ الْمُضَارَبَةِ، وَهَذَا الْقِسْمُ لاَ تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِتَسْلِيمِهِ، كَمَا لاَ تَجُوزُ بِقِيمَتِهِ؛ إِذْ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهُمَا مَضْمُونًا أَوْ وَاجِبًا عَلَى صَاحِبِ الْيَدِ، وَلاَ كَفَالَةَ إِلاَّ بِمَا هُوَ وَاجِبٌ .

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى عَدَمِ صِحَّةِ ضَمَانِ الْوَدَائِعِ وَالْعَارِيَّاتِ وَمَالِ الْقِرَاضِ، عَلَى أَنَّهَا. إِذَا تَلِفَتْ أَتَى بِعَيْنِهَا، وَلَكِنْ إِذَا ضَمِنَهَا عَلَى أَنَّهَا إِذَا تَلِفَتْ بِتَعَدٍّ أَوْ تَقْصِيرٍ الْتَزَمَ بِدَفْعِ الْقِيمَةِ أَوْ رَدِّ الْمِثْلِ، صَحَّ الضَّمَانُ وَلَزِمَ؛ لأِنَّ هَا كَفَالَةٌ مُعَلَّقَةٌ عَلَى ثُبُوتِ الدَّيْنِ، وَهِيَ جَائِزَةٌ عِنْدَهُمْ .

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْعَيْنَ إِذَا لَمْ تَكُنْ مَضْمُونَةً عَلَى مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ، كَالْوَدِيعَةِ وَالْمَالِ فِي يَدِ الشَّرِيكِ وَالْوَكِيلِ وَالْوَصِيِّ، فَلاَ يَصِحُّ ضَمَانُهَا؛ لأِنَّ الْوَاجِبَ فِيهَا التَّخْلِيَةُ دُونَ الرَّدِّ .

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الأْمَانَاتِ، كَالْوَدِيعَةِ وَالْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَالْعَيْنِ الَّتِي يَدْفَعُهَا إِلَى الْقَصَّارِ وَالْخَيَّاطِ لاَ يَصِحُّ ضَمَانُهَا إِنْ ضَمِنَهَا مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ فِيهَا؛ لأِنَّ هَا غَيْرُ مَضْمُونَةٍ عَلَى مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ، فَكَذَلِكَ عَلَى ضَامِنِهِ، أَمَّا إِنْ ضَمِنَهَا إِنْ تَعَدَّى فِيهَا فَظَاهِرُ كَلاَمِ أَحْمَدَ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الضَّمَانِ، فَعَلَى هَذَا إِنْ تَلِفَتِ الْعَيْنُ بِغَيْرِ تَعَدٍّ وَلاَ تَفْرِيطٍ لَمْ يَلْزَمِ الضَّامِنَ شَيْءٌ، وَإِنْ تَلِفَتْ بِتَفْرِيطٍ أَوْ تَعَدٍّ لَزِمَ الْحَائِزَ ضَمَانُهَا، وَلَزِمَ ضَامِنَهُ ذَلِكَ؛ لأِنَّ هَا مَضْمُونَةٌ عَلَى مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ، فَلَزِمَ ضَامِنَهُ، كَالْغُصُوبِ وَالْعَوَارِيِّ، وَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ ضَمَانُ مَا لَمْ يَجِبْ، وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَهُمْ

ثَانِيًا - كَفَالَةُ النَّفْسِ:

28 - هِيَ الْتِزَامُ الْكَفِيلِ بِإِحْضَارِ الْمَكْفُولِ إِلَى الْمَكْفُولِ لَهُ أَوْ إِلَى مَجْلِسِ الْحُكْمِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَتَّحِدُ الْمَكْفُولُ بِهِ وَالْمَكْفُولُ عَنْهُ.

وَقَدِ اخْتَلَفَتْ كَلِمَةُ الْفُقَهَاءِ فِي حُكْمِ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ، وَفِي مَضْمُونُهَا وَذَلِكَ عَلَى التَّفْصِيلِ التَّالِي:

أ - حُكْمُ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ:

29 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْكَفَالَةَ بِالنَّفْسِ صَحِيحَةٌ، وَهَذَا مَذْهَبُ شُرَيْحٍ وَالثَّوْرِيِّ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَغَيْرِهِمْ لقوله تعالي : (قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ) وَلِمَا رَوَاهُ حَمْزَةُ بْنُ عَمْرٍو الأْسْلَمِيُّ: أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه بَعَثَهُ مُصَدِّقًا، فَوَقَعَ رَجُلٌ عَلَى جَارِيَةِ امْرَأَتِهِ، فَأَخَذَ حَمْزَةُ مِنَ الرَّجُلِ كُفَلاَءَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى عُمَرَ، وَكَانَ عُمَرُ قَدْ جَلَدَهُ مِائَةَ جَلْدَةٍ، فَصَدَّقَهُمْ، وَعَذَرَهُ بِالْجَهَالَةِ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: اسْتُفِيدَ مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ مَشْرُوعِيَّةُ الْكَفَالَةِ بِالأْبْدَانِ، فَإِنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو الأْسْلَمِيَّ صَحَابِيٌّ، وَقَدْ فَعَلَهُ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ عُمَرُ مَعَ كَثْرَةِ الصَّحَابَةِ حِينَئِذٍ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ كَذَلِكَ قَوْلَ جَرِيرٍ وَالأْشْعَثِ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فِي الْمُرْتَدِّينَ: اسْتَتِبْهُمْ وَكَفِّلْهُمْ، فَتَابُوا وَكَفَّلَهُمْ عَشَائِرُهُمْ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: أَخَذَ الْبُخَارِيُّ الْكَفَالَةَ بِالأْبْدَانِ فِي الدُّيُونِ مِنَ الْكَفَالَةِ بِالأْبْدَانِ فِي الْحُدُودِ بِطَرِيقِ الأْوْلَى، وَالْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ قَالَ بِهَا الْجُمْهُورُ .

وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ صِحَّةُ كَفَالَةِ الْبَدَنِ فِي الْجُمْلَةِ لِلْحَاجَةِ إِلَيْهَا وَاسْتُؤْنِسَ لَهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ).

وَفِي قَوْلٍ لاَ تَصِحُّ؛ لأِنَّ الْحُرَّ لاَ يَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ وَلاَ يُقْدَرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ، وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ بِالأْوَّلِ .

ب - مَضْمُونُ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ:

30 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي صِحَّةِ كَفَالَةِ النَّفْسِ بِالنَّظَرِ إِلَى مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِهَا بِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ حَدٌّ أَوْ قِصَاصٌ، وَذَلِكَ عَلَى التَّفْصِيلِ الآْتِي:

ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى جَوَازِ الْكَفَالَةِ بِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؛ لأِنَّ هَا مُجَرَّدُ الْتِزَامٍ بِإِحْضَارِ مَنْ يَجِبُ إِحْضَارُهُ إِلَى مَجْلِسٍ يَنْبَغِي أَنْ يَحْضُرَهُ، وَلاَ تَتَضَمَّنُ الْتِزَامًا بِدَيْنِ الْمَكْفُولِ إِلاَّ بِالشَّرْطِ، كَأَنْ يَقُولَ الْكَفِيلُ: إِنْ لَمْ أُحْضِرْهُ إِلَى مَجْلِسِ الْقَضَاءِ الْفُلاَنِيِّ فِي وَقْتِ كَذَا فَعَلَيَّ مَا عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ. كَمَا ذَهَبُوا إِلَى عَدَمِ جَوَازِ الْكَفَالَةِ بِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ حَدٌّ خَالِصٌ لِلَّهِ، كَحَدِّ الزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ؛ لأِنَّ هَا تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ، فَلاَ يَلِيقُ بِهَا الاِسْتِيثَاقُ، سَوَاءٌ طَابَتْ نَفْسُ الْمَطْلُوبِ بِالْكَفَالَةِ أَوْ لَمْ تَطِبْ، وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ إِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ أَوْ بَعْدَهَا، أَمَّا الْكَفَالَةُ بِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ حَدٌّ فِيهِ حَقٌّ لِلْعَبْدِ، كَحَدِّ الْقَذْفِ، أَوْ بِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ قِصَاصٌ، فَإِنَّهَا تَصِحُّ بِاتِّفَاقِ الْحَنَفِيَّةِ، إِنْ طَابَتْ بِهَا نَفْسُ الْمَطْلُوبِ؛ لأِنَّهُ أَمْكَنَ تَرْتِيبُ مُوجِبِهِ عَلَيْهِ، وَهُوَ تَسْلِيمُ النَّفْسِ؛ لأِنَّ تَسْلِيمَ النَّفْسِ فِيهِمَا وَاجِبٌ، فَيُطَالَبُ بِهِ الْكَفِيلُ، فَيَتَحَقَّقُ الضَّمُّ.

وَإِنْ لَمْ تَطِبْ نَفْسُ الْمَطْلُوبِ بِإِعْطَاءِ الْكَفِيلِ بِلاَ جَبْرٍ - فِي الْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ - فَلاَ تَجُوزُ الْكَفَالَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، أَيْ لاَ يُجْبَرُ عَلَى إِعْطَاءِ كَفِيلٍ بِنَفْسِهِ يَحْضُرُهُ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ لإِثْبَاتِ ادِّعَاءِ خَصْمِهِ عَلَيْهِ، وَتَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِالْبَدَنِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ، لِوُجُودِ حَقِّ الْعَبْدِ، فَيَلِيقُ الاِسْتِيثَاقُ .

وَيُمَيِّزُ الْمَالِكِيَّةُ بَيْنَ نَوْعَيْنِ مِنْ كَفَالَةِ الْوَجْهِ: ضَمَانُ الْوَجْهِ:

31 - وَهُوَ الْتِزَامُ الإْتْيَانِ بِذَاتِ الْمَضْمُونِ وَإِحْضَارِهِ وَقْتَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، وَهَذَا لاَ يَجُوزُ إِلاَّ إِذَا كَانَ الْمَضْمُونُ مَدِينًا؛ لأِنَّ مُقْتَضَى الضَّمَانِ إِحْضَارُهُ إِلَى الطَّالِبِ لِيَتَمَكَّنَ مِنَ اسْتِيفَاءِ دَيْنِهِ مِنْهُ، وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ لاَ يَصِحُّ ضَمَانُ الْوَجْهِ فِيمَنْ يَثْبُتُ عَلَيْهِ قِصَاصٌ أَوْ حَدٌّ أَوْ تَعْزِيرٌ وَلِلزَّوْجِ رَدُّ ضَمَانِ الْوَجْهِ إِذَا صَدَرَ مِنْ زَوْجَتِهِ، سَوَاءٌ كَانَ ضَمَانُهَا لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ الَّذِي عَلَى الْمَضْمُونِ يَبْلُغُ ثُلُثَ مَالِهَا أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ؛ لأِنَّهُ مَظِنَّةٌ لِخُرُوجِهَا لِطَلَبِهِ، وَفِي ذَلِكَ مَعَرَّةٌ عَلَيْهِ .

الضَّمَانُ بِالطَّلَبِ:

32 - وَهُوَ الْتِزَامُ طَلَبِ الْغَرِيمِ وَالتَّفْتِيشِ عَلَيْهِ إِنْ تَغَيَّبَ وَالدَّلاَلَةُ عَلَيْهِ دُونَ الاِلْتِزَامِ بِإِحْضَارِهِ، وَقِيلَ: يَلْتَزِمُ بِإِحْضَارِهِ، وَلِذَا صَحَّ ضَمَانُ الطَّلَبِ فِيمَنْ كَانَ مَطْلُوبًا بِسَبَبِ حَقٍّ مَالِيٍّ، أَوْ بِسَبَبِ قِصَاصٍ وَنَحْوِهِ مِنَ الْحُقُوقِ الْبَدَنِيَّةِ مِنْ حُدُودٍ وَتَعْزِيرَاتٍ مُتَعَلِّقَةٍ بِآدَمِيٍّ، كَأَنْ يَقُولَ الْكَفِيلُ: أَنَا حَمِيلٌ بِطَلَبِهِ، أَوْ لاَ أَضْمَنُ إِلاَّ الطَّلَبَ، أَوْ لاَ أَضْمَنُ إِلاَّ وَجْهَهُ، أَوْ أَضْمَنُ وَجْهَهُ بِشَرْطِ عَدَمِ غُرْمِ الْمَالِ إِنْ لَمْ أَجِدْهُ .

وَحَاصِلُ كَفَالَةِ الْبَدَنِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ كَمَا قَالَ الإْمَامُ الْغَزَالِيُّ: الْتِزَامُ إِحْضَارِ الْمَكْفُولِ بِبَدَنِهِ، فَكُلُّ مَنْ يَلْزَمُهُ حُضُورُ مَجْلِسِ الْحُكْمِ عِنْدَ الاِسْتِعْدَاءِ، أَوْ يَسْتَحِقُّ إِحْضَارُهُ، تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِبَدَنِهِ، فَتَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ حَقٌّ مَالِيٌّ لآِدَمِيٍّ كَمَدِينٍ وَأَجِيرٍ وَكَفِيلٍ، وَبِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ عُقُوبَةُ آدَمِيٍّ كَالْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ - عَلَى الأْظْهَرِ - وَقِيلَ: لاَ تَصِحُّ قَطْعًا، وَلاَ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ حَدٌّ لِلَّهِ تَعَالَى كَالزِّنَا وَالْخَمْرِ - عَلَى الْمَذْهَبِ - وَقِيلَ: قَوْلاَنِ.

فَإِنْ كَفَلَ بَدَنَ مَنْ عَلَيْهِ مَالٌ لَمْ يُشْتَرَطَ الْعِلْمُ بِقَدْرِهِ؛ لِعَدَمِ لُزُومِهِ لِلْكَفِيلِ، وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَصِحُّ ضَمَانُهُ.

وَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِبَدَنِ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ بِإِذْنِ وَلِيِّهِمَا؛ لأِنَّهُ قَدْ يَسْتَحِقُّ إِحْضَارَهُمَا لإِقَامَةِ الشَّهَادَةِ عَلَى صُورَتِهِمَا فِي الإْتْلاَفِ وَغَيْرِهِ، وَبِبَدَنِ مَحْبُوسٍ وَغَائِبٍ، وَإِنْ تَعَذَّرَ تَحْصِيلُ الْغَرَضِ فِي الْحَالِ، وَبِبَدَنِ مَيِّتٍ قَبْلَ دَفْنِهِ لِيَشْهَدَ عَلَى صُورَتِهِ بِإِذْنِ الْوَارِثِ.

وَالْقَاعِدَةُ: أَنَّ كُلَّ دَيْنٍ، لَوِ ادُّعِيَ بِهِ عَلَى شَخْصٍ عِنْدَ حَاكِمٍ لَزِمَهُ الْحُضُورُ لَهُ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِبَدَنِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ .

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى صِحَّةِ الاِلْتِزَامِ بِإِحْضَارِ مَنْ عَلَيْهِ حَقٌّ مَالِيٌّ إِلَى رَبِّهِ، سَوَاءٌ مَنْ كَانَ عَلَيْهِ الْحَقُّ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا، وَلِذَا صَحَّتِ الْكَفَالَةُ بِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لاَزِمٌ، مَعْلُومًا كَانَ الدَّيْنُ - لِلْكَفِيلِ - أَوْ مَجْهُولاً، وَلاَ يَمْنَعُ مِنْ جَوَازِهَا أَنْ يَكُونَ الْمَكْفُولُ مَحْبُوسًا عِنْدَ الْحَاكِمِ، إِذِ الْمَحْبُوسُ عِنْدَهُ يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ.

وَلاَ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ حَدٌّ لِلَّهِ، - كَحَدِّ الزِّنَا، أَوْ بِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ حَدٌّ لآِدَمِيٍّ، كَحَدِّ الْقَذْفِ، لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا: «لاَ كَفَالَةَ فِي حَدٍّ» ؛ وَلأِنَّ مَبْنَاهُ عَلَى الإْسْقَاطِ وَالدَّرْءِ بِالشُّبْهَةِ، فَلاَ يَدْخُلُهُ الاِسْتِيثَاقُ وَلاَ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ غَيْرِ الْجَانِي، وَلاَ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ قِصَاصٌ؛ لأِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْحَدِّ، وَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، وَبِبَدَنِ الْمَحْبُوسِ وَالْغَائِبِ.

وَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ - عِنْدَهُمْ - مَعَ اشْتِرَاطِ أَنْ يَضْمَنَ الْمَالَ إِذَا لَمْ يَحْضُرِ الْمَكْفُولُ، وَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ حَالَّةً وَمُؤَجَّلَةً، كَمَا صَحَّ الضَّمَانُ كَذَلِكَ .

_____________________________________________________________

كتاب مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان فى المعاملات الشرعية على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان لمؤلفه المغفورله )محمد قدرى باشا) (الطبعة الثانية(بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصرالمحمية سنة1308هجرية 1891 افرنجيه

( مادة 736)

يصح أن تكون الكفالة منجزة أو مضافة الى زمن مستقبل أو معلقة بشرط ملائم بان يكون شرطا لوجوب الحق أولا مكان الاستيفاء ولتعذره

 

مجلة الأحكام العدلية

مادة (640) إخراج الكفيل نفسه من الكفالة

ليس للكفيل أن يخرج نفسه من الكفالة بعد إنعقادها ولكن له ذلك قبل ترتب الدين في ذمة المديون في الكفالة المعلقة والمضافة. مثلاً: فكما انه ليس لمن كفل أحداً عن نفسه أو دينه منجزاً أن يخرج نفسه من الكفالة كذلك لو قال ما يثبت لك على فلان من الدين فإنا كفيل له فليس له الرجوع عن الكفالة لأنه وان كان ثبوت الدين مؤخرا عن عقد الكفالة لكن ترتبه في ذمة المديون مقدمٌ على عقد الكفالة. وأما لو قال أنا كفيل بكل ما تبيعه لفلان فثمنه علي أو قال أنا كفيلٌ بثمن المال الذي تبيعه لفلان يضمن للمكفول له ثمن المال الذي يبيعه المكفول له لفلان المذكور إلا أن له أن يخرج نفسه من الكفالة قبل البيع بان يقول رجعت عن الكفالة فلا تبع إلى ذلك الرجل مالاً فلو باع المكفول له شيئاً بعد ذلك فلا يكون الكفيل ضامنا ثمن ذلك المبيع.