مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء : السادس، الصفحة : 43
مذكرة المشروع التمهيدي :
1- هذه طائفة من النصوص ( م 1171 - 1177) تعرض لقيود الملكية المقررة لمصلحة الري الزراعي، ولا تخفى أهميتها في بلد زراعي کمصر، وتتلخص في حقوق ثلاثة : حق الشرب وحق المجرى وحق المسيل .
2- وقد قسم المشروع في حق الشرب الترع إلى قسمين :
(أ) ترع عامة مملوكة للدولة، وهذه يكون الحق في استعمالها بنسبة مساحة الأراضي التي تروى منها مع مراعاة ما تقتضيه القوانين والمراسيم واللوائح المتعلقة بذلك (م 1171 من المشروع، وهي توافق م 52/31 من التقنين الحالي ) وأهم هذه اللوائح هي لائحة الترع والجسور التي يتضمنها الأمر العالى الصادر في 22 فبراير سنة 1894 وهذه يبقى معمولاً بها منفصلة عن التقنين المدني، ويقتصر هذا التقنين على المبادئ الأساسية في الرى التي يندر أن تتغير.
(ب) ترع خاصة مملوكة للأفراد، والقاعدة أن من أنشأ مسقاة على نفقته الخاصة طبقاً للوائح المتعلقة بذلك كان مالكاً لها، وكان له وحده حق استعمالها، على أنه إذا استوفى حاجته منها و بقي بعد ذلك من الماء ما تحتاج إليه أراضي الملاك المجاورين، فلهؤلاء أن يأخذوا ما هم في حاجة إليه، على أن يشتركوا في نفقات إنشاء المسقاة وصيانتها بنسبة مساحة أراضيهم التي تنتفع منها (م 1172 من المشروع وهی توافق 33/32 من التقنين الحالى و م 8 و 9 من لائحة الترع والجسور ) ويبين من ذلك أن ملكية المياه الفائضة عن الحاجة تنزع من مالكها لا لمصلحة عامة بل لمصلحة خاصة، ويدفع للمالك التعويض المناسب عن ذلك، وهذا قيد على حق الملكية خطير بقدر ما هو عادل ويلاحظ أن مالك المسقاة مفضل على الجيران، فهو الذي يستوفي حاجته من المياه أولاً، ويأتي الجيران بعد ذلك، فإذا تزاحموا قدم من كانت حاجته أشد ويترك تقدير ذلك للجهة الإدارية المختصة .
3- أما حق المجرى فقد أعطاه المشروع لمالك الأرض البعيدة عن مأخذ المياه، فتمر من أرض الجار المياه الكافية لرى أرضه، وهي مياه يأخذها من ترعة عامة أو من ترعة خاصة مملوكة له، أو من ترعة خاصة مملوكة للغير، ولكن تقرر له عليها حق الشرب، وذلك في نظير تعويض عادل يعطى للجار مقدماً ( أنظر م 54/33 من التقنين الحالى، وهي تقتصر على إعطاء حق المجرى للمياه اللازمة للري، أما م 9 من لائحة الجسور فتتوسع في حق المجرى وتجعله للمياه الكافية للري، وبذلك أخذ المشروع) .
4- بقي حق المسيل، وقد أعطاه المشروع لمالك الأرض البعيدة عن المصرف العام فيكون له الحق في أن يستعمل المصرف الخاص المملوك لجاره بعد أن يستوفي الجار حاجته، أو في أن ينشىء مصرفاً خاصاً على نفقته في أرض الجار ليصل إلى المصرف العام وفي الحالة الأولى يشترك مالك الأرض في نفقة المصرف الخاص الذي أنشأه الجار وفي صيانته، بنسبة مساحة أرضه التي تنتفع من المصرف (م 1172 فقرة 2 من المشروع وفي الحالة الثانية يعطى الجار مقدماً التعويض العادل عما إقتطعه من أرضه لإنشاء المصرف (م 1173 من المشروع، وانظر أيضاً م 54 من التقنين المختلط، وم 15 من لائحة الترع والجسور أما المادة 33 من التقنين الأهلى فلم تقرر حق المسيل ) وهناك حق مسيل للمياه الطبيعية عرض له المشروع في المادة 1177، فأوجب على مالك الأرض المنخفضة أن تنزل في أرضه المياه التي تنحدر بفعل الطبيعة من الأراضى المرتفعة عنها، کمياه الأمطار، وليس لمالك الأرض المنخفضة أن يقيم جسراً يسد الماء، كما أنه ليس لمالك الأرض المرتفعة أن يأتي ما من شأنه الزيادة فيما يجب أن تتحمله الأرض من ذلك ( أنظر م 42 / 64 من التقنين الحالى ).
5- وهناك أحكام عامة تنظم حقوق الشرب والمجرى والمسيل جميعاً، نقلها المشروع عن لائحة الترع والجسور فالمادة 1174 تعطى للجار الذي ترتب على أرضه حق مجرى أو مسيل، فأصابه ضرر من المسقاة أو المصرف الذي يمر بأرضه، الحق في أن يطلب تعويضاً كاملاً ممن ينتفع بهذه المسقاة أو المصرف، سواء نشأ الضرر عن عدم التطهير أو عن سوء حالة الجسور أو عن أي سبب آخر ينسب إلى خطأ المالك المنتفع ( أنظر م 16 من لائحة الترع والجسور ) وإذا انتفع بالمسقاة أو المصرف أشخاص متعددون، سواء لأنهم إشتركوا جميعاً في الإنشاء، أو لأن واحدة منهم هو المنشيء وثبت للباقي حق الإنتفاع وفقاً لما تقدم من الأحكام، فإنهم يشتركون جميعاً في الإصلاحات الضرورية، ويجبرون على ذلك بناءً على طلب أي واحد منهم (م 1175 من المشروع، وهي توافق م 18 من لائحة الترع والجسور) وقد أبقي المشروع على إختصاص الجهات الإدارية (وهي رجال الإدارة ورجال الری) المنصوص عليها في لائحة الترع والجسور بالفصل في المنازعات المتعلقة بكل هذه الحقوق، فحسم بذلك خلافاً قائماً في ظل التقنين الحالي، إذ يتنازع الإختصاص القضاء العادي والجهات الإدارية المذكورة، فجعل المشروع الجهات الإدارية وحدها هي المختصة إذ هي أصلح للنظر في مثل هذه المنازعات على أنها تخضع لرقابة المحاكم إذا هي خرجت عن إختصاصها أو خالفت الإجراءات المبينة في اللوائح.
1 ـ إن حقوق الإرتفاق ، و منها حق الشرب ، إنما يجوز إكتسابها بالتقادم إذا ما توافرت أركان وضع اليد المكسب للملكية المقررة بالمادة 76 من القانون المدنى . فإذا قضت المحكمة بإكتساب حق الشرب بالتقادم وجب عليها أن تبين فى حكمها العناصر الواقعية اللازمة لثبوته ، من وضع اليد و صفته و مظهره و إستقراره طوال المدة المكسبة له ، حتى يتيسر لمحكمة النقض مراقبة صحة تطبيق القانون ، فإذا كان الحكم الذى قضى بثبوت ذلك الحق خالياً من بيان العناصر الواقعية التى تفيد أن مدعيه كان يستعمل الفتحة المتنازع عليها عليها لرى أرضه من مياه الراحة ، و أن إستعماله لها فى هذا الغرض كان ظاهراً غير غامض ، و مستمراً مدة خمس عشرة سنة ، فهذا يكون قصوراً فى التسبيب يعيبه و يستوجب نقضه .
(الطعن رقم 8 لسنة 15 جلسة 1945/05/31 س ع ع 1 ص 718 ق 264)
2 ـ إذا كان الحكم - حين قضى بأحقية المدعى فى الرى و الصرف من مسقى و مصرف معينين إستناداً إلى إتفاق غير مسجل محرر بين المدعى عليه و بين ملاك الأطيان الأصليين الذين آلت عنهم الملكية إلى المدعى - قد أسس ذلك على أن الحق موضوع هذا الإتفاق ، سواء كان الإتفاق منشئاً له أو مقرراً ، إن هو إلا من توابع الأطيان ينتقل معها إلى من تؤول إليهم ملكيتها ، و أن هذا الإتفاق يعتبر إشتراطاً لمصلحة الغير ممن تؤول إليهم ملكية الأطيان يترتب عليه نشوء الحق مباشرة للمشترط بلا حاجة إلى نقله بطريق الحوالة ، و ذلك دون أن يبين الحكم أن المدعى عليه مالك أو غير مالك لمجرى المصرف و المسقى ، و هل هو صاحب حق فى مياههما أم لا ، فإن كان مالكاً أو صاحب حق فهل الإتفاق المذكور منشئ للحق الذى هو محله فيكون تسجيله لازماً لإنشاء الحق بين العاقدين أنفسهم ، أم مقرر له فلا يلزم تسجيله ، أما إن لم يكن مالكاً و لا صاحب حق فيكون ذلك الإتفاق مجرد تعهد بعدم التعرض من جانب المدعى عليه فيما ليس له حق فيه و يكون القضاء للمدعى بالحق فى الرى و الصرف غير متوقف على وجوده و لا على تسجيله - فهذا الحكم يكون معدوم الأساس معجزاً محكمة النقض عن مراقبة صحة تطبيق القانون .
(الطعن رقم 135 لسنة 16 جلسة 1948/03/11 س ع ع 5 ص 563 ق 284)
3 ـ إن حق الإرتفاق المكتسب بالتراضي يجب أن يبقى ويستمر بشكله فى حدوده التي بدأ بها، فلا يملك أحد من المنتفعين به العبث به أو استعماله فى غير مصلحة له أو لمجرد العنت والإساءة إلى الغير. ففي دعوى بطلب الحكم بمنع تعرض المدعى عليه للمدعي فى صرف مياه أرضه فى مصرف معين وإزالة ما به من السدود والعوائق إذا دفع المدعى عليه بأن المدعي وإن كان له حق الإرتفاق بالصرف إلا أنه لم يدع حقه هذا على حالته وقت التعاقد بل إنه غير منها بأن أقام نضاحة على أطيانه ليستعين بها على صرف المياه وما دام هو قد فعل هذا فإنه يكون من حقه هو أن يمنعه من الصرف بوضع سدود فى المصرف - إذا دفع بهذا وحصلت المحكمة من وقائع الدعوى طريقة انتفاع الطرفين بحق الإرتفاق المقرر باتفاقهما، وتبينت أن المدعي كان هو البادي بإحداث التغيير فى طبيعة هذا الحق بإقامة النضاحة عليه وأن المدعى عليه لم يكن منه إلا أن وضع سداً فى المصرف أمام أرضه ليحول دون مرور مياه الصرف فيه حتى يحمي أرضه من الضرر الذي يلحقها من جراء ذلك، كما استظهرت أن المدعي لم يمض على انتفاعه بالتغيير الذي أحدثه إلا فترة وجيزة لا تستأهل حماية وضع اليد، وبناء على ذلك قضت برفض الدعوى فإن حكمها يكون مطابقاً للقانون.
(الطعن رقم 32 لسنة 14 جلسة 1944/12/14 س ع ع 4 ص 480 ق 171)
4 ـ لقاضي الموضوع السلطة التامة فى بحث ما يقدم له من أدلة الدعوى على وجه صحيح وفي موازنة بعضها ببعض وترجيح ما تطمئن نفسه إلى ترجيحه منها. فإذا كان الأساس الذي بنيت عليه دعوى التعويض هو أن وزارة الأشغال قطعت مصرفاً كان يستعمله المدعي لصرف مياه أطيان له، وأن هذا الفعل قد ترتب عليه بوار أطيانه، وقضى الحكم الابتدائي برفض الدعوى استنادا إلى أن الحكومة لم يقع من جانبها خطأ مستوجب للتعويض، وأمام محكمة الاستئناف عرض أساس آخر للدعوى وهو اكتساب وجود حق ارتفاق بالصرف على أرض الحكومة اكتسبه المدعي بالتقادم فقضت له بالتعويض بناء على ذلك، وعلى أن الوزارة قطعت المصرف عند إنشائها الترعة التي أنشأتها، وكانت الأدلة التي ساقها الحكم لإثبات اكتساب حق الإرتفاق بالتقادم تنحصر فى أن الوزارة لم تنكر على طالب التعويض دعواه به إلا أمام محكمة الاستئناف، وسكتت عن الدفع بعدم وجوده طوال المدة التي استغرقتها الدعوى أمام محكمة الدرجة الأولى، وكذلك فى أقوال طالب التعويض الذي قرر أن المصرف أنشئ فى سنة 1893، وفيما قرره خبير إثبات الحالة من أنه وجد فى الطبيعة مصرفين مارين بها من زمن بعيد، فإن هذه الأدلة لا تؤدي إلى النتيجة التي استخلصتها المحكمة منها. وذلك لأن سكوت الوزارة أمام محكمة الدرجة الأولى لا يؤخذ منه تسليمها بحق الإرتفاق، إذ الدفاع وقتئذ لم يكن دائراً حول وجود هذا الحق أو عدم وجوده وإنما كان دائراً حول ما إذا كان إنشاء الترعة التي أنشأتها الوزارة قد ترتب عليه ضرر لأرض طالب التعويض أو لم يترتب، ولأن قول المدعي إن المصرف أنشئ فى سنة 1893 لا يمكن اعتباره دليلاً فى هذا الصدد لصدوره من نفس المدعي بالحق المتنازع عليه، ولأن ما قرره الخبير ليس إلا عبارة مجهلة لا يمكن أن يؤخذ منها توافر شرط تكامل المدة اللازمة لاكتساب حق الإرتفاق بالتقادم. وإذن فإن هذا الحكم يكون قد لحقه العيب فى الاستناد والقصور فى الأسباب ويتعين نقضه.
(الطعن رقم 56 لسنة 9 جلسة 1940/03/14 س ع ع 3 ص 138 ق 44)
5 ـ الحق فى التعويض لا يترتب إلا حيث يكون هنالك إخلال بحق أو مصلحة مالية للمضرور. فإذا كان الثابت أن المطعون ضده قد أقام دعواه على أساس وجود حق إرتفاق بالري لأرضه على أرض الطاعنين وذلك عن طريق مسقاة تمر فى أرضهم لدى أطيانه فقاموا بهدم هذه المسقى مما ترتب عليه تلف زراعته وهو ما طالب بالتعويض عنه فى الدعوى. وكان الطاعنون قد أنكروا على المطعون ضده حق الإرتفاق الذي ادعاه. فإنه يتعين على محكمة الموضوع التحقق من وجود حق الإرتفاق الذي ادعى المطعون ضده الإخلال به حتى يحق له طلب التعويض فإذا أقامت المحكمة قضاءها بالتعويض على ما ذهبت إليه فى الحكم المطعون فيه من أن للمطعون ضده الحق فى إنشاء مجرى على أرض الطاعنين طبقاً للمادة 33 من القانون المدني الملغى والمادة التاسعة من لائحة الترع والجسور. والمادة 809 من القانون المدني والمادة 16 من القانون رقم 68 لسنة 1953 فى شأن الري والصرف وذلك رغم اختلاف هذا الحق عن حق الإرتفاق الذي جعله المدعى أساساً لطلب التعويض وذلك من حيث طبيعتهما ومصدرهما وكيفية كسبهما فإنها بذلك تكون قد غيرت أساس الدعوى من تلقاء نفسها وبذلك صار حكمها مشوباً بالقصور ومخالفاً للقانون.
(الطعن رقم 40 لسنة 31 جلسة 1965/11/11 س 16 ع 3 ص 1043 ق 162)
6 ـ يعد "ترعة عامة" - طبقا للمادة 2 من القانون 68 سنة 1953 كل مجرى معد للري تكون الدولة قائمة بنفقات صيانته يوم العمل بهذا القانون ويكون مدرجاً فى سجلات وزارة الأشغال أو فروعها ومن ثم فإذا كان الحكم المطعون فيه وهو بصدد تقرير ما إذا كانت المسقى التي تروى منها الأرض المشفوع فيها و تلك المملوكة للشفيع عامة أو خاصة، لم يعمل المعيار الذي حدده القانون فى هذا الشأن وأضفى صفة "العمومية" استنادا إلى ما أستخلصه الخبير المنتدب فى الدعوى وإلى شهادة إدارية موقعاً عليها من رجال الإدارة وكلاهما غير مؤسس على ما رسمه القانون من قواعد واجب إتباعها فإنه يكون قد خالف القانون بما يستوجب نقضه.
(الطعن رقم 384 لسنة 26 جلسة 1962/04/05 س 13 ع 1 ص 423 ق 62)
7 ـ إذا كان الحكم قد استند فى اعتباره المسقاة محل الدعوى مسقاة خصوصية إلى أدلة مؤدية إلى ذلك فإنه لا يعيبه كونه لم يرد على ما تمسك به القائلون بأنها ترعة عمومية من أنها ثابتة فى خرط المساحة ، أو أنها تروى أطيانا لأشخاص آخرين و مقام عليها كوبرى إذ أن مجرد إثبات المسقاة فى خرط المساحة لا يصلح دليلا على أنها مسقاة عمومية ، كما أن انتفاع ملاك آخرين بها بالرى منها أو إقامة وزارة الأشغال كوبريا عليها - ذلك لا يمنع كونها مسقاة خصوصية محملة بحق ارتفاق للغير أو للمصلحة العامة .
(الطعن رقم 101 لسنة 17 جلسة 1950/03/09 س 1 ع 1 ص 312 ق 81)
8 ـ النص فى المادة 16 من القانون رقم 68 لسنة 1953 - الذى صدر إستناداً إليه قرار وزارة الرى بإنشاء المسقاة محل النزاع بأنه " إذا رأى أحد ملاك الأطيان أنه يستحيل أو يتعذر عليه رى أرضه رياً كافياً أو صرفها صرفاً كافياً إلا بإنشاء مسقاه أو مصرف فى أرض ليست ملكه أو بإستعماله مسقاة أو مصرف موجود فى أرض الغير و تعذر عليه التراضى مع أصحاب ذوى الشأن فيرفع شكواه لمفتش الرى ليأمر بإجراء تحقيق فيها . . . و ترفع نتيجة هذا التحقيق إلى المفتش الذى يصدر قراراً مسبباً بإجابة الطلب أو رفضه ... " ، مفاده أن الحق الذى يتولد من ترخيص جهة الإدارة بإنشاء مسقاة فى أرض الغير ليجرى بها المياه توصلاً لإستعمالها فى رى أرض الجار هو حق المجرى و الشرب و هو الحق المقرر بالمادتين 808 ، 809 من القانون المدنى ، و تقرير هذا الحق يختلف عن حق الملكية فالحيازة بإستعمال المسقاة فى الرى ركوناً إلى ذلك الحق تعتبر حيازة بسبب معلوم أسباب الملكية مما تنتفى معه نية تملك أرض المسقاة ، و تبقى هذه الحيازة المتجردة من هذه النية غير صالحة للتمسك بالتملك مهما طال إمدها إلا إذا حصل تغييرفى سببها .
(الطعن رقم 455 لسنة 49 جلسة 1980/02/21 س 31 ع 1 ص 573 ق 112)
تنص المادة 808 مدني على ما يأتي :
" 1 - من أنشأ مسقاة أو مصرفاً خصوصياً طبقاً للوائح الخاصة بذلك كل له وحده حق استعمالها " .
" 2 - ومع ذلك يجوز للملاك المجاورين أن يستعملوا المسقاة أو المصرف فيما يحتاجه أراضيهم من ري أو صرف، بعد أن يكون المالك المسقاة أو المصرف قد استوفى حاجته منها وعلى الملاك المجاورين في هذه الحالة أن يشتركوا في نفقات إنشاء المسقاة أو المصرف وصيانتهما، بنسبة مساحة أراضيهم التي تنتفع منهما.
شروط الحصول على حق الشرب ( تغليب مصلحة خاصة راجحة على مصلحة خاصة مرجوحة ) :
تتلخص شروط الحصول على حق الشرب أن يكون للمالك مسقاة خاصة، استوفى منها حاجته، وله جار، هو أيضاً في حاجة إلى ري أرضه، فعندئذ يجوز للجار أن يحصل على حق الشرب من المياه الفائضة في هذا المسقاة، على أن يدفع لمالك المسقاة مقابلاً الشرب من المياه الفائضة في هذه المسقاة، على أن يدفع لمالك المسقاة مقابلا لما انتفع به من مائها سيأتي بيانه ولم يكن التقنين المدني السابق يجعل للجار حق الشرب على النحو المتقدم بيانه، إذ كانت المادة 32 / 53 من هذا التقنين تنص،كما رأينا، على أن " من أنشأت ترعة، فله الحق في الإنتفاع دون غيره بمائها أو بيعه "انظر آنفاً فقرة 442 في الهامش ولكن لائحة الترع والجسور التي صدرت في سنة 1894 أعطت، في المادة 8 منها، للجار أن يحصل على حق الشرب من ترعة جاره الخاصة بنفس الشروط التي تقررت فيما بعد في التقنين المدني الجديد أنظر آنفاً فقرة 442 في الهامش.
وإعطاء الجار حق الشرب على هذا النحو فيه تغليب مصلحة خاصة راجحة على مصلحة خاصة مرجوحة فمالك المسقاة مصلحته في أن يحتفظ بحق ملكيته كاملاً دون شريك له في مسقاته، حتى لو فاضت فيها مياه يرى أن يستأثر بها ولا يعطيها لجاره ولكن هذه المصلحة لو فاضت فيها مياه يرى أن يستأثر بها ولا يعطيها لجاره ولكن هذه المصلحة مصلحة ضعيفة مرجوحة، تنطوي على أنانية لا مبرر لها ويتغلب على هذه المصلحة المرجوحة لمصلحة راجحة للجار في أن يحصل على حق الشرب من المياه الفائضة في المسقاة وهو في حاجة إليها، في حين أن المالك قد استوفى حاجته، على أن يعوض الجار المالك فيما أخذ من مائه .(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء : الثامن، الصفحة : 943)
حق الشرب والمسيل :
تناول النص حق الشرب وحق المسيل الصرف بالنسبة للترع والمصارف التي يقيمها المالك بأرضه وعلى نفقته وأجاز للحيرت استعمال أي منهما بشروط الثلاثة :
1- أن يكون المالك قد روى أرضه رياً كافياً بواسطة المسقي فلا يجبر على اللجوء لاستكمال الرى بوسائل أخرى متوفرة لديه كآلة رافعة على ترعة عمومية أو آباراً ارتوازية بأرضه.
2- أن يكون المتمسك بإستعمال المسقي جاراً للمالك سواء كانت أرض الجار ملاصقة للمسقي أو المسيل أو غير ملاصقة ويذهب البعض إلى أنه في الحالة الأخيرة لا يكون للجار الحق في الشرب أو المسيل إذ لا يتوفر هذا الحق إلا بتلاصق أرض الجار للمسقي أو المسيل فلا يكفي جوار الأرض التي بها المسقي أو المسيل وإذا تعدد الجيران كانت الأسبقية للجار الأشد حاجة للمياه الفائضة ولو لم تكن أرضه ملاصقة للمسقي فإن لم يتفق الجيران على أسبقيات الرى، قام تفتيش الرى بتحديدها بموجب قرار إداري يصدره بناء على طلب من أحد الجيران، وينفذ القرار بالطريق المباشر، فإن ترتب عليه ضرر بأحد الجيران، فلا تحقق مسئولية وزارة الرى إلا إذا كان القرار مشوباً بإساءة استعمال السلطة.
وتنحصر الأسبقية في الري، في الجيران دون المالك، بحيث أن كان المالك لم يتم رى أرضه، ووجد جار أشد حاجة للمياه من المالك، فلا يترتب على ذلك الإنسانية تفضيل الجار على المالك، وإنما يمكن المالك من ری أرضه أولاً ولو ترتب على ذلك ملاك زراعة الجار.
3- أن يكون الجار في حاجة لإستعمال المقي لرى أرضه رياً كافياً ولو كان عنده مورداً آخر للمياه ولكنه لا يكفي لري أرضه بأكملها رياً كافياً كمسقي صغير أو بئراً وإذا تعددت المساقى المجاورة فللجار أن يتخير إحداها مما يمكنه من الری بدون مشقة فإن ثار خلاف حسمه تفتيش الرى.
وينحصر الحق المكتب، في حق الشرب، أي حق الجار في رى أرضه من المررى المجاورة، أما الأرض التي يمر بها مجرى المروى، فتظل على ملك صاحبها ما لم تحمل مجابهة في شأنها ويمنع واضع اليد هذا المالك من رى أرضه من المروى، إذ تدل هذه المجابهة على أن واضع اليد قد إغتصب المروى بمجراه وظهرت نيته في تملك المروي ومجراه.
حق المسيل، هو حق الجار في صرف المياه الزائدة عن حاجة الزرع في مصرف جاره، وهو بذلك من حقوق الارتفاق، ويكتسب بنص في القانون کنه المادة 808 من القانون المدني، أو بالتقادم .
وقد يكتسب بتصرف قانونی، بأن يتفق الجار مع جاره مالك الصرف على صرف مياه زراعته في مصرف الجار، ويخضع التصرف لما تخضع له المقود من حيث الإنعقاد والآثار والإنحلال، وإذا قضى بفسخ التصرف أو بطلانه و فلا يكون للحكم أثر رجعي إذا كان قد بدء في تنفيذه لتعذر إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد، وبالتالي يتفسخ العقد من وقت صيرورة الحكم نهائياً.
ويجب شهر التصرف المنتشي كحق المسيل على ما أوضحناه بالنسبة لحق الشرب.
حق الشرب وحق المجرى :
نظم المشرع حق الشرب بالمادة 808 من القانون المدني، بينما نظم حق المجرى بالمادة 809 من ذات القانون، ومفاد النصين أن حق الشرب هو أحقية الجار فی ری أرضه من المياه الموجودة في ترعة جاره بعد أن يروي الأخير أرضه ومقابل تعويض.
أما حق المجرى، فهو أحقية الجار في إنشاء ترعة بأرض جاره حتى يتمكن عن طريقها توصيل المياه إلى أرضه.
وبذلك يختلف حق الشرب عن حق المجرى من حيث طبيعة كل منهما وكيفية كسبهما، بحيث إذا أقام الجار دعواه بطلب تقرير حق الشرب فلا يجوز للمحكمة أن تقضي له بحق المجرى بتمكينه من شق ترعة في ملك الجار وإلا كان حكمها مخالفاً للقانون التغيير مسبب الدعوى من تلقاء نفسها.
حقوق الشرب والمسيل والمجري، حقوق عينية، مقررة على عقار لمصلحة عقار آخر، وبالتالي قد يتعرض مالك العقار الذي تقررت عليه تلك الحقوق لأصحابها بأن يمنع إنتفاعهم بها أو يقوم بهدم الترعة أو المصرف، أو يقيم بها إنشاءات تقلل من الإنتفاع بها، وحينئذ يجوز لأصحاب تلك الحقوق رفع الدعوى بأصل الحق على التفصيل الذي أوضحناه في صدد دعاوى الملكية، وقد يكتف هؤلاء باللجوء لدعاوى الحيازة باعتبارها أيسر من دعاوى الملكية، فلا يثبتون إلا حيازتهم، كما يجوز لمستأجر الأرض التي تقرر لها أي من هذه الحقوق، اللجوء لدعاوى الحيازة لحماية حيازته .(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء : الحادي عشر، الصفحة : 243)
وعلى ذلك يمكن تعريف المسقى الخاصة، بأنها المسقي التي ينشئها مالك أو أكثر على نفقتهم لرى أملاكهم، ويتولون الإنفاق على صيانتها، وذلك ما لم يعتبرها وزير الري بقرار منه ترعة عامة عملاً بالمادة الثانية من قانون الري والصرف .
عرفت المادة الثانية من القانون رقم 12 لسنة 1984 (المعدل) بإصدار قانون الري والصرف.
الترعة العامة والمصرف العام بالآتي :
تعتبر ترعة عامة أو مصرفاً عاماً كل مجری معد للرى أو الصرف تكون الدولة قائمة بنفقات صيانته ويكون مدرجاً بسجلات وزارة الري أو فروعها في تاريخ العمل بهذا القانون وكذلك المجارى التي تنشئها وزارة الرى بوصفها ترعاً عامة أو مصارف عامة وتدرجها في سجلات بهذا الوصف ".
ولم يعرف القانون المساقى والمصارف الخاصة، وعلى ذلك إذا لم تكن الترعة عامة ولم يكن المصرف عاماً طبقاً للشروط الواردة بالمادة سالفة الذكر، فإن المسقى تكون خاصة والمصرف يكون خاصاً.
ويشترط طبقاً للمادة المذكورة لكي تكون الترعة عامة وليكون المصرف عاماً توافر شرطين :
أولهما : أن تقوم الدولة بنفقات صيانتها.
ثانيهما : أن يكونا مدرجين بسجلات وزارة الري أو فروعها في تاريخ العمل بقانون الري والصرف، وكذلك المجاري التي تنشئها وزارة الرى بوصفها ترعاً عامة أو مصارف عامة وتدرجها في سجلاتها بهذا الوصف.
فإذا تخلف أحد هذين الشرطين، بأن كانت نفقات صيانة الترعة على كاهل الملاك الذين يروون أراضيهم منها، أو كانت الدولة هي القائمة بنفقات صيانتها ولكنها غير مدرجة بسجلات الوزارة، أو لم تكن من المجاري التي تنشئها وزارة الرى بوصفها ترعاً عامة (أو مصارف عامة) وتدرجها في سجلاتها بهذا الوصف فإنها تعتبر من المساقى الخاصة وتسري عليها أحكامها.
ومع ذلك يجوز بقرار من وزير الرى أن تعتبر أية مسقاة خاصة (أو مصرف خاص) ترعاً عاماً أو مصرفاً عاماً وذلك إذا كانت هذه المسقاة أو ذلك المصرف متصلاً مباشرة بالنيل أو بترعة عامة أو بمصرف عام أو ببحيرة .
ومفاد ذلك ألا يجبر صاحب المسقى الخاصة على أن يبيع ماءها ويسرى الحكم على حالة من من يحفر مسقى أو مصرف في أرضه الخاص، كما ينطبق على من يحفر مسقى أو مصرف في أرض غيره فمالك الأرض المحملة بحق ارتفاق بمرور مسقاة أو مصرف لا يمكنه الانتفاع بمياه المسقاة أو الإنتفاع بالمصرف، ويكون استعمالها مقصوراً على مالك العقار المنتفع الذي أنشأها.
تنظيم الانتفاع بين ملاك المسقى الخاصة :
تنص الفقرة الأولى من المادة 18 من القانون رقم 12 لسنة 1984 المعدل بإصدار قانون الري والصرف على أن : الملاك الأراضي التي تنتفع بمسقاة واحدة مملوكة لهم أخذ المياه منها وبنسبة مساحة ما يملكه كل منهم من هذه الأراضي".
ولتنظيم استعمال هؤلاء الملاك للمسقي الخاصة نصت الفقرة الثانية من المادة المذكورة على أن يضع مفتش ري الإقليم المختص جداول المناوبة للأراضي التي تخضع لهذا النظام ويتولى رجال الإدارة تنفيذها تحت إشرافه ويكون التظلم من قرارات مفتش ري الإقليم إلى مدير عام الري الذي يفصل في التظلم بقرار نهائي.
كما يختص مدير عام الري بالفصل في كل نزاع ينشأ عن كيفية إستعمال حق الانتفاع المذكور.
ويبين من ذلك أن ملكية المياه الفائضة عن الحاجة تنزع من مالكها لا لمصلحة عامة بل لمصلحة خاصة، ويدفع للمالك التعويض المناسب عن ذلك، وهذا قيد على حق الملكية خطير بقدر ما هو عادل ويلاحظ أن مالك المسقاة مفضل على الجيران، فهو الذي يستوفي حاجته من المياه أولاً، ويأتي الجيران بعد ذلك، فإذا تزاحموا قدم من كانت حاجته أشد ويترك تقدير ذلك للجهة الإدارية المختصة.
الإجراءات الواجب اتباعها لتقرير حق الإنتفاع بالمسقي الخاصة أو المصرف الخاص عند عدم الإتفاق مع الملاك :
رسم هذه الإجراءات قانون الري والصرف رقم 12 لسنة 1984 المعدل وتقضي هذه الإجراءات بأنه إذا تعذر على أحد الملاك رى أرضه أو صرفها على وجه كاف إلا بإنشاء أو استعمال مسقاة خاصة أو مصرف خاص في أرض غيره وتعذر عليه الإتفاق مع ملاكها فيعرض شكواه على مدير عام الري المختص ليأمر بالتحقيق فيها وعلى الإدارة أن تطلب جميع الخرائط والمستندات التي يستلزمها بحث الطلب في مدة لا تجاوز أسبوعين من تاريخ وصول الطلب إلى مدير عام الرى ويتولى مفتش ري الإقليم إجراء التحقيق في موقع المسقاة أو المصرف بعد أن يعلن بكتاب موصي عليه بعلم الوصول كل ذى شأن ورئيس الجمعية التعاونية الزراعية المختصة بالمكان والموعد الذين يحددهما قبل الإنتقال إلى الموقع المذكور بأربعة عشر يوماً على الأقل وتعرض نتيجة هذا التحقيق على مدير عام الرى ليصدر قراراً مسبباً بإجابة الطلب أو رفضه ويجب أن يصدر القرار خلال شهرين من تاريخ استيفاء تلك الخرائط والمستندات ويعلن القرار لكل ذي شأن بكتاب موصي عليه بعلم الوصول، وتسرى الأحكام المتقدمة في حالة طلب إقامة آلة رافعة على أرض الغير عند مأخذ المياه أو مصبها وكذلك المجرى اللازم لها لرى أو صرف أرض منفصلة عن المأخذ أو المصب.
وهذه المادة لا تسري على حق الشرب فحسب، بل تسري أيضاً على حق المجرى وحق المسيل، فإجراءات هذه الحقوق الثلاثة الشرب والمجرى والمسيل واحدة (م24).
وينفذ قرار مدير عام الري بالطريق الإداري بعد أداء تعويض لجميع الأشخاص الذين لحقهم ضرر منه (م26).
وإذا أجاز القرار الانتفاع بمسقاة خاصة موجودة أو مصرف خاص موجود يجب أن يشمل التعويض جزءاً مما تساويه تكاليف الإنشاء وقت تقرير الانتفاع محسوباً بنسبة مساحة الأرض التي تنتفع من أيهما (م 2/26).
والمفروض هنا أن الأراضي التي تنتفع من المسقاة أو المصرف يكون إنتفاعها كاملاً، ولذلك يكون التعويض بنسبة مساحة هذه الأرض، فإن كان الإنتفاع جزئياً، وجب مراعاة ذلك أيضاً عند تقدير التعويض، فيكون بنسبة مساحة الأراضي وبنسبة هذا الإنتفاع الجزئي .
وإذا رفض صاحب الشأن قبول التعويض المقرر أو تعذر أداؤه إليه أودع خزانة التفتيش المختص لحساب ذوى الشأن مع إخطارهم بذلك بكتاب موصى عليه بعلم الوصول ويعتبر الإيداع في حكم أداء التعويض (م 4/26).
وإذا صدر قرار لصالح أكثر من شخص جاز للإدارة العامة للرى أن ترخص الواحد منهم أو أكثر في تنفيذ القرار نيابة عن الآخرين ولمن نفذ القرار الرجوع على الباقين بما يخص كلا منهم في التكاليف بنسبة مساحة أرضه (م 27).
غير أنه يراعى أن تنظيم طريق اللجوء إلى مدير عام الرى لا يحول دون حق صاحب الشأن في اللجوء إلى المحكمة المختصة إذا شاء، فله سلوك أحد الطريقين انظر بند 132 .
التظلم من القرار الصادر من مدير عام الرى :
أجازت المادة 29 من قانون الري والصرف لكل ذي شأن أن يتظلم إلى وزير الأشغال العامة والموارد المائية من القرار الصادر من مدير عام الرى بإجابة أو رفض طلب إنشاء أو استعمال مسقاة خاصة أو مصرف خاص في أرض غيره ويقدم التظلم خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ إعلان صاحب الشأن بالقرار.
ويترتب على تقديم التظلم وقف تنفيذ القرار ما لم يكن منصوصاً فيه على تنفيذه بصفة عاجلة.
ويتم البت في التظلم خلال ثلاثين يوماً من تاريخ وصوله إلى مكتب الوزير فإذا لم يبت فيه خلال هذه المدة اعتبر التظلم مرفوضاً.
التظلم من التعويض :
تنص المادة 102 من قانون الري والصرف على أنه - مع عدم الإخلال بأحكام القانون رقم 10 لسنة 1990 - تختص بالفصل في منازعات التعويضات المنصوص عليها في هذا القانون لجنة تشكل بدائرة كل محافظة برئاسة قاض يندبه رئيس المحكمة الإبتدائية في المحافظة وعضوية وكيل الإدارة العامة للري ووكيل تفتيش المساحة ووكيل مديرية الزراعة بالمحافظة أو من يقوم مقامهم وممثل عن المحافظة يختاره المحافظ المختص ولا يكون إنعقادها صحيحاً إلا بحضور رئيسها وعضوين من أعضائها على الأقل وتصدر اللجنة قرارها خلال شهر من تاريخ أول جلسة.
ويصدر القرار بأغلبية الأصوات وعند تساوي الأصوات يرجح الجانب الذي منه الرئيس ويكون قرار اللجنة قابلاً للطعن أمام المحكمة الإبتدائية المختصة.
ولا يترتب على الطعن وقف تنفيذ القرار، وغنى عن البيان أن الحكم الصادر من المحكمة الإبتدائية يجوز الطعن عليه أمام محكمة الإستئناف، كما يجوز الطعن في الحكم الصادر من محكمة الاستئناف أمام محكمة النقض طبقاً للقواعد العامة.
والمقرر أن المشرع قد ناط بتلك اللجنة وحدها ولاية الفصل ابتدائياً في التعويضات المنصوص عليها في هذا القانون وجعل من المحكمة المدنية جهة طعن في قرارات تلك اللجنة، فإذ لجأ صاحب الشأن إلى المحكمة مباشرة كانت دعواه غير مقبولة وتقضي المحكمة بعدم قبولها من تلقاء نفسها لأن إجراءات التقاضي وقواعد الاختصاص الولائية مما يتعلق بالنظام العام.
يشترط لتقرير حق الشرب والصرف للجار توافر الشروط الآتية :
الشرط الأول :
أن يكون للمالك مسقاة خاصة أو مصرف خاص.
وقد بينا سلفاً المقصود بالمسقاة الخاصة والمصرف الخاص.
الشرط الثاني :
أن يستوفي المالك حاجته من المسقاة الخاصة أو المصرف الخاص :
فالملاك المجاورون لا يشتركون مع المنشئين للمسقاة الخاصة والمصرف الخاص على قدم المساواة، بل إن الأولين لا يأخذون من مياه المسقاة إلا الفائض عن حاجة المنشئين ومعنى ذلك أن يكون من حق المنشئين منعهم من الشرب حتى يستوفون حاجتهم، أي أن نوبة انتفاع المجاورين تأتي بعد سد حاجة المنشئين، حتى لو كان لدى الملاك مصدر آخر للري غير هذه المسقاة.
ويسري ما ذكر على الانتفاع بالمصرف الخاص.
ويرى البعض أن هذا الوضع يثير إشكالات بين المجاورين والمنشئين، كما أنه مدعاة لتحكم الأخيرين في الأولين، وأنه كان أحرى بالمشرع أن يقرر المساواة بين الجميع تحقيقاً لمصلحة الزراعة.
الشرط الثالث :
أن يكون للماك جارهو الذي له حق الشرب أو الصرف.
يشترط أن يكون للماك جار هو الذي له حق الشرب أو الصرف.
والمشرع وإن قرر حق الاشتراك للملاك المجاورين، إلا أنه لم يحدد المقصود بالجوار سواء في المادة 808 مدني أو في قانون الري والصرف.
ولذلك ثار الخلاف بين الفقهاء في بعض دستور الجوار والمسألة كلها لا تعدو فروضا ثلاثة :
(أ) أن تنشأ المسقاة الخاصة أو المصرف على حدود أملاك منشئها، وبذلك تقع إحدى ضفتيها عند حدود أراضي الجيران، فيكون لملاك هذه الأراضي الملاصقة حق الشرب منها، وقد انعقد الإجماع على ذلك.
(ب) أن يقتضي إنشاء المسقاة الحصول على حق المجرى في الأراضي التي تفصل أرض منشئها عن مأخذ المياه، وفي هذه الحالة يقع جزء من المسقاة في هذه الأراضي، فيعتبر أصحابها مجاورين للمسقاة، ويكون لهم بالتالي حق الإشتراك في إستعمال مائها ويسرى ذلك على حق الصرف.
(ج) أن تقع المسقاة كلها داخل أرض المالك فهي غير ملاصقة لأرض الجار، لأنها لا تقع في حدود هذه الأرض، ولا هي تعبرها حتى تصل إلى أرض المالك ففي هذه الصورة لا تكون أرض الجار ملاصقة للمسقاة ذاتها وهذه الصورة هي التي انقسم فيها الرأى.
الشرط الرابع :
حاجة الجار إلى رى أرضه :
يشترط أن يكون الجار في حاجة إلى رى أرضه وهذه الحاجة لا تتحقق
إذا كانت الأرض تتصل بترعة عامة أو بمسقی خاصة.
ولكنها تتحقق إذا كان لدى الجار مورد آخر للمياه ولكنه غير كاف فالقانون يعطيه الحق فى رى أرضه رياً كافياً ولذلك تنص المادة 4 من قانون الري والصرف على أنه : " إذا تعذر على أحد الملاك رى أرضه أو صرفها على وجه كاف.... الخ.
كما تتحقق الحاجة ولو كان الجار يستطيع أن يسدها بالالتجاء إلى طرق أخرى كحفر بئر ارتوازية أو بجلب المياه من طريق مجرى يطلبه من جار آخر فالقانون لا يفرض عليه أن يلجأ إلى طريقة دون أخرى.
غير أن هذه الحاجة لا تكون قائمة إذا كان يوجد مجری خاص أقرب لهذه الأرض المستفيدة من المجرى المطلوب استخدامه أو أن يكون المجرى الآخر في نفس البعد أو أبعد ولكن استخدامه يكون أقل عبئاً على الخير من استخدام المجرى محل النزاع.
ويسرى ذلك على حق الصرف.
الشرط الخامس :
اشتراك الجار في نفقات إنشاء المسقى :
يشترط لاشراك الجار في مياه المسقي أن يسهم في نفقات إنشاء المسقی وصيانته بنسبة مساحة أرضه المنتفعة. ويقصد بالإنشاء شق المجرى وتقوية جسوره ووضع البرازخ ونفقات الترخيص بالإنشاء وبالتوصيل بالمجارى المائية العامة.... الخ ويقصد بالصيانة والتطهير إزالة العوائق النباتية وغيرها وتقوية الجسور وإعادتها إلى حالتها إن تهدمت.... الخ.
ويقتصر الاشتراك في نفقات الإنشاء على النفقات اللازمة لأعمال شق القناة، وهذه النفقات لا يحسب فيها مقابل الأرض التي شقت فيها المسقاة، كما أنها لا تشمل تعويضاً عن حرمان المالك من زراعة هذه الأرض وانتفاعه بها ولذلك تظل المسقاة مملوكة لصاحبها ولا يترتب على إشراك ملاك الأراضي المجاورة في الانتفاع بالمسقاة إشراكهم في ملكيتها وقد راعى القانون في ذلك.
لا شك، أن مالك المسقاة ينشئها لمصلحته وهو غير حاسب حساب جيرانه، كما أنه يظل مالكاً لها وحده.
وقد ترتب على ذلك أن ميز المشرع مالك المسقاة عن سائر المنتفعين، فقرر له الأولوية في الري منها، فلا يكون لملاك الأراضي المجاورة استعمال المسقاة إلا بعد أن يكون المالك قد استوفى حاجته منها .
والاشتراك في نفقات الإنشاء بنسبة مساحة الأرض المنتفعة يقتضى إعادة
حساب نصيب كل من المنتفعين كلما جد عليهم منتفع جديد.
ويسري ما تقدم في حق الصرف.
فقد ميز المشرع مالك المسقاة والمصرف عن سائر المنتفعين فقرر له الأولوية في الري من المسقى أو صرف مياهه في المصرف، فلا يكون لملاك الأراضي المجاورة استعمال المسقاة إلا بعد أن يكون المالك قد استوفى حاجته منها، وفي حدود الفائض عن هذه الحاجة، وكذلك الحال بالنسبة للصرف.
وقد راعى المشرع في ذلك أن المسقاة أو المصرف الخاص رغم إنتفاع ملاك الأراضي المجاورة بها تظل مملوكة لملاكها خاصة وأن ملاك الأراضي المجاورة لم يتحملوا نصيباً من ثمن الأرض التي أقيمت عليها كما تحملوا نصيباً في نفقات إنشائها وصيانتها).(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء : الحادي عشر، الصفحة : 242)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الأول ، الصفحة / 78
حفْر الآْبار لإحْياء الْموات وتعلّق حقّ النّاس بمائها
أوّلاً: حفْر الْبئْر لإحْياء الْموات:
3 - حفْر الْبئْر وخروج الْماء منْها طريقٌ منْ طرق الإْحْياء. وقدْ أجْمع الْفقهاء على أنّه إذا تمّ تفْجير الْماء والانْتفاع به في الإْنْبات، مع نيّة التّملّك، يتمّ به الإْحْياء. وذهب جمْهور الْفقهاء (الْمالكيّة والشّافعيّة والْحنابلة) إلى أنّ تفْجير الْماء يتمّ به الإْحْياء في الْجمْلة، غيْر أنّ الْمالكيّة يشْترطون إعْلان النّيّة إذا كانت الْبئْر بئْر ماشيةٍ. والشّافعيّة في الصّحيح يشْترطون الْغرْس إذا كانت الْبئْر لبسْتانٍ، كما يشْترطون نيّة التّملّك. واشْترط بعْضهمْ طيّها (أيْ بناء جدْرانها) إذا كانتْ في أرْضٍ رخْوةٍ أمّا الْحنفيّة فيروْن أنّ الإْحْياء لا يتمّ بتفْجير الْماء وحْده، وإنّما بالْحفْر وسقْي الأْرْض.
ولا خلاف في أنّ للْبئْر في الأْرْض الْموات حريمًا، لحاجة الْحفْر والانْتفاع، حتّى لوْ أراد أحدٌ أنْ يحْفر بئْرًا في حريمه له أنْ يمْنعه؛ لأنّ النّبيّ صلي الله عليه وسلم جعل للْبئْر حريمًا. واخْتلفوا في الْمقْدار الّذي يعْتبر حريمًا، فحدّده الْحنفيّة والْحنابلة بالأْذْرع حسب نوْع الْبئْر. ويسْتند الْمذْهبان في ذلك إلى ما ورد منْ أخْبارٍ. أمّا الْمالكيّة والشّافعيّة فقدّروه بما لا يضيق على الْوارد، ولا على مناخ إبلها، ولا مرابض مواشيها عنْد الْورود، ولا يضرّ بماء الْبئْر وتفْصيل ذلك في مصْطلح «إحْياء الْموات».
ثانيًا: تعلّق حقّ النّاس بماء الآْبار:
4 - الأْصْل في هذه الْمسْألة ما رواه الْخلاّل عنْ رسول اللّه صلي الله عليه وسلم منْ أنّه قال: «النّاس شركاء في ثلاثٍ: الْماء والْكلإ والنّار. كما روي أنّه صلي الله عليه وسلم «نهى عنْ بيْع الْماء إلاّ ما حمل منْه»والاسْتثْناء يدلّ على أنّ الْمراد بالْماء في الْحديث الأْوّل غيْر الْمحْرز.
وعلى هذا فمياه الآْبار الْعامّة مباحةٌ ولا ملْك فيها لأحدٍ إلاّ بالاغْتراف. وأمّا مياه الآْبار الْخاصّة فإنّها خرجتْ عنْ الإْباحة الْعامّة. ولمّا كانتْ حاجة الإْنْسان إلى الْماء لشرْبه وشرْب حيوانه ممّا يسمّيه الْفقهاء بحقّ الشّفة ماسّةً ومتكرّرةً، كما أنّ أصْل الْماء قبْل جريانه في الْملْك الْخاصّ مباحٌ، وأنّ مياه الآْبار في الأْعمّ الأْغْلب متّصلةٌ بالْمجْرى الْعامّ، أوْجد ذلك شبْهة الإْباحة في ماء الآْبَارِ الْخَاصَّةِ، لَكِنَّهَا إِبَاحَةٌ قَاصِرَةٌ عَلَى حَقِّ الشَّفَةِ دُونَ حَقِّ الشُّرْبِ.
5 - وَاتِّجَاهَاتُ الْفُقَهَاءِ مُخْتَلِفَةٌ بِالنِّسْبَةِ لِمِلْكِيَّةِ مَاءِ آبَارِ الدّور والأْراضي الْممْلوكة، وتعلّق حقّ النّاس بها. فقيل بأنّ للنّاس حقًّا فيها. وهو قوْلٌ عنْد الْحنفيّة إذا لمْ يوجدْ ماءٌ قريبٌ في غيْر ملْك أحدٍ، حتّى لوْ لمْ يفضْ عنْ حاجته عنْد أبي حنيفة. وقيّد أكْثر الْمشايخ ذلك بما إذا كان يفيض عنْ حاجته وهو مذْهب الْحنابلة؛ لأنّ الْبئْر ما وضع للإْحْراز، ولأنّ في بقاء حقّ الشّفة ضرورةً، ولأنّ الْبئْر تتْبع الأْرْض دون الْماء، ولخبر: «النّاس شركاء في ثلاثٍ: الْماء والْكلإ والنّار» وهذا هو الظّاهر في مذْهب الشّافعيّة إذا كان حفْر الْبئْر بقصْد الانْتفاع بالْماء، أوْ حفر بقصْد التّملّك، وهو غيْر الْمشْهور عنْد الْمالكيّة في غيْر آبار الدّور والْحوائط الْمسوّرة. وقيّد ذلك ابْن رشْدٍ بما إذا كانت الْبئْر في أرْضٍ لا يضرّها الدّخول فيها.
الاتّجاه الثّاني: أنّه لا يتعلّق به حقّ أحدٍ، وملْكيّته خالصةٌ لصاحبه. وهو قوْلٌ عنْد الْحنفيّة، وروايةٌ عنْ أحْمد، ومذْهب الْمالكيّة بالنّسْبة لآبار الدّور والْحوائط الْمسوّرة، والْقوْل الْمشْهور عنْدهمْ بالنّسْبة لغيْرها من الآْبار الْخاصّة في الأْراضي الْممْلوكة، والأْصحّ عنْد الشّافعيّة إذا كان يمْلك الْمنْبع، أوْ كان حفرها بقصْد التّملّك. فلصاحب الْبئْر على هذا أنْ يمْنع الْغيْر منْ حقّ الشّفة أيْضًا، وأنْ يبيع الْماء؛ لأنّه في حكْم الْمحْرز. ويقيّد الْمنْع بغيْر منْ خيف عليْه الْهلاك؛ لأنّها حالة ضرور وفي معْنى الْماء الْمعادن الْجارية في الأْمْلاك، كالْقار والنّفْط .
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثالث ، الصفحة / 9
ارْتِفَاقٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - مِنْ مَعَانِي الاِرْتِفَاقِ لُغَةً: الاِتِّكَاءُ. وَارْتَفَقَ بِالشَّيْءِ انْتَفَعَ بِهِ. وَمَرَافِقُ الدَّارِ: مَصَابُّ الْمَاءِ وَنَحْوُهَا، كَالْمَطْبَخِ وَالْكَنِيفِ
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: عَرَّفَهُ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ حَقٌّ مُقَرَّرٌ عَلَى عَقَارٍ لِمَنْفَعَةِ عَقَارٍ آخَرَ. وَعَرَّفَهُ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّهُ تَحْصِيلُ مَنَافِعَ تَتَعَلَّقُ بِالْعَقَارِ فَالاِرْتِفَاقُ عِنْدَهُمْ أَعَمُّ مِنْهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، لأِنَّهُ يَشْمَلُ انْتِفَاعَ الشَّخْصِ بِالْعَقَارِ فَضْلاً عَنِ انْتِفَاعِ الْعَقَارِ بِالْعَقَارِ.
وَاَلَّذِي يُسْتَفَادُ مِمَّا أَوْرَدَهُ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي صُوَرِ الاِرْتِفَاقِ أَنَّهُمْ يَتَّفِقُونَ مَعَ الْمَالِكِيَّةِ فِي ذَلِكَ.
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الاِخْتِصَاصُ:
2 - الاِخْتِصَاصُ: مَصْدَرٌ، اخْتَصَصْتُهُ بِالشَّيْءِ فَاخْتَصَّ هُوَ بِهِ وَمَتَى اخْتَصَّ شَخْصٌ بِشَيْءٍ فَقَدِ امْتَنَعَ عَلَى غَيْرِهِ الاِنْتِفَاعُ بِهِ إِلاَّ بِإِذْنٍ مِنْهُ، فَالْفَرْقُ، عَدَا شَرْطِ الإْذْنِ، هُوَ أَنَّ الاِرْتِفَاقَ تُتَصَوَّرُ فِيهِ الْمُشَارَكَةُ فِي الاِنْتِفَاعِ، خِلاَفًا لِلاِخْتِصَاصِ، كَمَا أَنَّ الاِرْتِفَاقَ تَغْلِبُ عَلَيْهِ الدَّيْمُومَةُ، أَمَّا الاِخْتِصَاصُ فَيَغْلِبُ عَلَيْهِ عَدَمُهَا.
ب - الْحِيَازَةُ أَوِ الْحَوْزُ:
3 - مِنْ مَعَانِي الْحِيَازَةِ أَوِ الْحَوْزِ لُغَةً: الْجَمْعُ وَالضَّمُّ.
وَاصْطِلاَحًا: وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الشَّيْءِ وَالاِسْتِيلاَءُ عَلَيْهِ.
ج - الْحُقُوقُ:
4 - الْحُقُوقُ جَمْعُ حَقٍّ، وَالْحَقُّ لُغَةً: الأْمْرُ الثَّابِتُ الْمَوْجُودُ. وَاصْطِلاَحًا يَسْتَعْمِلُهُ الْفُقَهَاءُ فِيمَا ثَبَتَ لإِنْسَانٍ بِمُقْتَضَى الشَّرْعِ مِنْ أَجْلِ صَالِحِهِ.
وَمِمَّا فَرَّقَ بِهِ بَيْنَ الْحُقُوقِ وَالْمَرَافِقِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَقَارِ مَا نَقَلَهُ ابْنُ نُجَيْمٍ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَمَا يُذْكَرُ فِي دَعْوَى الْعَقَارِ مِنْ قَوْلِهِ بِحُقُوقِهِ وَمَرَافِقِهِ: فَحُقُوقُهُ عِبَارَةٌ عَنْ مَسِيلِ الْمَاءِ وَطَرِيقِ غَيْرِهِ وِفَاقًا، وَمَرَافِقُهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ مَنَافِعُ الدَّارِ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الْمَرَافِقُ: هِيَ الْحُقُوق.
فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْمَرَافِقُ وَالْحُقُوقُ سَوَاءٌ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْمَرَافِقُ أَعَمُّ، لأِنَّهَا تَوَابِعُ الدَّارِ مِمَّا يُرْتَفَقُ بِهِ، كَالْمُتَوَضِّئِ، وَالْمَطْبَخِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ، وَحَقُّ الشَّيْءِ تَابِعٌ لاَ بُدَّ لَهُ مِنْهُ، كَالطَّرِيقِ وَالشُّرْبِ فَهُوَ أَخَصُّ.
صِفَتُهُ (الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ):
5 - الْحُكْمُ الأْصْلِيُّ لِلاِرْتِفَاقِ الإْبَاحَةُ، مَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمُرْتَفِقِ ضَرَرٌ، أَوْ مَا لَمْ يَتَعَيَّنْ لِدَفْعِ ضَرَرٍ، أَمَّا الإْرْفَاقُ فَهُوَ مَنْدُوبٌ لِحَضِّهِ عَلَيْهِ، حَيْثُ قَالَ: «لاَ يَمْنَعُ أَحَدُكُمْ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ» وَقَالَ صلي الله عليه وسلم «لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ خَافَ جَارُهُ بَوَائِقَهُ».
أَنْوَاعُهُ مِنْ حَيْثُ قَابِلِيَّةُ رُجُوعِ الْمُرْفِقِ:
6 - الإْرْفَاقُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَحْدُودًا بِزَمَنٍ كَسَنَةٍ، أَوْ عَشْرِ سِنِينَ، أَوْ إِلَى الأْبَدِ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ اُتُّبِعَ، وَكَانَ لاَزِمًا لِلْمُرْفِقِ، لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ الْمُدَّةِ الْمُحَدَّدَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الإْرْفَاقُ مُطْلَقًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِأَجَلٍ، وَحِينَئِذٍ يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ قَدْرُ مَا يُعَدُّ ارْتِفَاقًا بَيْنَ الْجِيرَانِ، بِأَنْ يَتْرُكَ مُدَّةً يَنْتَفِعُ فِيهَا عَادَةً أَمْثَالُهُ، وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الإْرْفَاقُ بِالْغَرْزِ، أَوْ فَتْحِ بَابٍ، أَوْ سَقْيِ مَاءٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، كَإِعَادَةِ عَرْصَةٍ لِلْبِنَاءِ.
وَيَأْتِي تَفْصِيلُ أَحْكَامِ الرُّجُوعِ فِي (ف 24)
أَسْبَابُ الاِرْتِفَاقِ:
7 - يَنْشَأُ الاِرْتِفَاقُ عَنْ إِذْنِ الشَّارِعِ، وَهُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلأْمْوَالِ الْعَامَّةِ، أَوِ الْمُبَاحَاتِ كَإِحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَغَيْرِهِ، أَوْ إِذْنِ الْمَالِكِ بِالنِّسْبَةِ لِلأْمْوَالِ الْخَاصَّةِ، أَوْ بِاقْتِضَاءِ التَّصَرُّفِ بِثُبُوتِ الاِرْتِفَاقِ كَمَا فِي الإْجَارَةِ وَالْوَقْفِ، وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِطِ الاِنْتِفَاعَ بِحُقُوقِ الاِرْتِفَاقِ، وَقَدْ يَثْبُتُ بِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ دُونَ مَعْرِفَةِ سَبَبِ نُشُوئِهِ، وَذَلِكَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ عَلَيْهِ.
الاِرْتِفَاقُ بِالْمَنَافِعِ الْعَامَّةِ وَالأْوْلَوِيَّةُ فِيهِ:
8 - صَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ: يَجُوزُ الاِرْتِفَاقُ بِالْقُعُودِ فِي الْوَاسِعِ مِنَ الشَّوَارِعِ وَالطُّرُقَاتِ وَالرِّحَابِ بَيْنَ الْعُمْرَانِ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ عَلَى وَجْهٍ لاَ يَضِيقُ عَلَى أَحَدٍ، وَلاَ يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ، لاِتِّفَاقِ أَهْلِ الأْمْصَارِ فِي جَمِيعِ الأْعْصَارِ عَلَى إِقْرَارِ النَّاسِ عَلَى ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ إِنْكَارٍ، وَلأِنَّهُ ارْتِفَاقٌ مُبَاحٌ مِنْ غَيْرِ إِضْرَارٍ، فَلَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ كَالاِجْتِيَازِ. قَالَ أَحْمَدُ فِي السَّابِقِ إِلَى دَكَاكِينِ السُّوقِ (أَيِ الأْمَاكِنِ الْمُعَدَّةِ لِلْبَاعَةِ غَيْرِ الدَّائِمِينَ) غَدْوَةً: فَهُوَ لَهُ إِلَى اللَّيْلِ. وَكَانَ هَذَا فِي سُوقِ الْمَدِينَةِ فِيمَا مَضَى. وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم «مِنًى مُنَاخُ مَنْ سَبَقَ» وَلَهُ أَنْ يُظَلِّلَ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا لاَ ضَرَرَ فِيهِ... فَإِنْ قَامَ وَتَرَكَ مَتَاعَهُ فِيهِ لَمْ يَجُزْ لِغَيْرِهِ إِزَالَتُهُ، لأِنَّ يَدَ الأْوَّلِ عَلَيْهِ، وَإِنْ نَقَلَ مَتَاعَهُ كَانَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَقْعُدَ فِيهِ، لأِنَّ يَدَهُ قَدْ زَالَتْ، وَإِنْ قَعَدَ وَأَطَالَ مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ، لأِنَّهُ يَصِيرُ كَالْمُتَمَلِّكِ، وَيَخْتَصُّ بِنَفْعٍ يُسَاوِيهِ فِيهِ غَيْرُهُ فِي اسْتِحْقَاقِهِ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لاَ يُزَالُ، لأِنَّهُ سَبَقَ إِلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إِلَيْهِ مُسْلِمٌ. وَإِنْ اسْتَبَقَ اثْنَانِ إِلَيْهِ احْتَمَلَ أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمَا، وَاحْتَمَلَ أَنْ يُقَدِّمَ الإْمَامُ مَنْ يَرَى مِنْهُمَا. وَإِنْ كَانَ الْجَالِسُ يُضَيِّقُ عَلَى الْمَارَّةِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ الْجُلُوسُ فِيهِ، وَلاَ يَحِلُّ لِلإْمَامِ تَمْكِينُهُ بِعِوَضٍ وَلاَ غَيْرِهِ.
وَبِنَحْوِ ذَلِكَ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ قَالَ الرَّمْلِيُّ: (وَمَنْ أَلِفَ مِنْ مَسْجِدٍ أَوْ مَدْرَسَةٍ مَوْضِعًا يُفْتِي فِيهِ النَّاسَ، أَوْ يُقْرِئُ فِيهِ قُرْآنًا، أَوْ عِلْمًا شَرْعِيًّا، أَوْ آلَةً لَهُ، أَوْ لِتَعَلُّمِ مَا ذُكِرَ كَسَمَاعِ دَرْسٍ بَيْنَ يَدَيْ مُدَرِّسٍ فَهُوَ كَالْجَالِسِ فِي الشَّارِعِ لِمُعَامَلَةٍ، لَكِنَّ ذَلِكَ مَشْرُوطٌ بِأَنْ يُفِيدَ أَوْ يَسْتَفِيدَ. بَلْ هُوَ أَوْلَى مِمَّنْ يَجْلِسُ فِي الشَّارِعِ لِمُعَامَلَةٍ، لأِنَّ لَهُ غَرَضًا فِي مُلاَزَمَةِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لِيَأْلَفَهُ النَّاسُ. وَحَدِيثُ النَّهْيِ عَنِ اتِّخَاذِ الْمَسَاجِدِ وَطَنًا... مَخْصُوصٌ بِمَا عَدَا ذَلِكَ، وَلاَ يُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ إِذْنُ الإْمَامِ، وَإِذَا غَابَ الْمُدَرِّسُ فَلِغَيْرِهِ الْجُلُوسُ فِي مَكَانِهِ، حَتَّى لاَ تَتَعَطَّلَ مَنْفَعَتُهُ).
وَلَوْ سَبَقَ رَجُلٌ إِلَى مَوْضِعٍ مِنْ رِبَاطٍ مُسَبَّلٍ وَانْطَبَقَ عَلَيْهِ شَرْطُهُ، أَوْ فَقِيهٌ إِلَى مَدْرَسَةٍ، أَوْ مُتَعَلِّمُ قُرْآنٍ إِلَى مَا بُنِيَ لَهُ، أَوْ صُوفِيٌّ إِلَى خَانِقَاهُ لَمْ يُزْعَجْ وَلَمْ يَبْطُلْ حَقُّهُ مِنْهُ بِخُرُوجِهِ لِشِرَاءِ حَاجَةٍ وَنَحْوِهِ مِنَ الأْعْذَارِ، وَلَوْ لَمْ يَتْرُكْ مَتَاعًا وَلاَ نَائِبًا. وَمَتَى عَيَّنَ الْوَاقِفُ مُدَّةً لِلإْقَامَةِ فَلَيْسَ لِلْمُرْتَفِقِ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا، إِلاَّ إِذَا لَمْ يُوجَدْ فِي الْبَلَدِ مَنْ يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ شَرْطُ الْوَاقِفِ، لأِنَّ الْعُرْفَ يَشْهَدُ بِأَنَّ الْوَاقِفَ لَمْ يُرِدْ خُلُوَّ الْمَدْرَسَةِ، وَكَذَا يُعْمَلُ بِالْعُرْفِ فِي كُلِّ شَرْطٍ شَرَطَهُ الْوَاقِفُ، وَلاَ يُزَادُ فِي رِبَاطٍ مُدَّةٌ عَلَى ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مَا لَمْ تَدْعُ ضَرُورَةٌ.
9 - هَذَا وَقَدْ فَصَّلَ كُلٌّ مِنَ الْمَاوَرْدِيِّ وَأَبِي يَعْلَى بَيَانَ الاِرْتِفَاقِ بِالْمَنَافِعِ الْعَامَّةِ وَلاَ سِيَّمَا مِنْ حَيْثُ الْحَاجَةُ إِلَى إِذْنِ السُّلْطَانِ أَوْ عَدَمُهَا فَقَالاَ: وَأَمَّا الإْرْفَاقُ فَهُوَ مِنِ ارْتِفَاقِ النَّاسِ بِمَقَاعِدِ الأْسْوَاقِ، وَأَفْنِيَةِ الشَّوَارِعِ، وَحَرِيمِ الأْمْصَارِ، وَمَنَازِلِ الأْسْفَارِ فَتَنْقَسِمُ ثَلاَثَةَ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ يَخْتَصُّ الاِرْتِفَاقُ فِيهِ بِالصَّحَارِيِ وَالْفَلَوَاتِ، وَقِسْمٌ يَخْتَصُّ الاِرْتِفَاقُ فِيهِ بِأَفْنِيَةِ الأْمْلاَكِ، وَقِسْمٌ يَخْتَصُّ بِالشَّوَارِعِ وَالطُّرُقَاتِ.
وَالْقِسْمُ الأْوَّلُ ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ لاِجْتِيَازِ السَّابِلَةِ وَاسْتِرَاحَةِ الْمُسَافِرِينَ فِيهِ فَلاَ نَظَرَ لِلسُّلْطَانِ فِيهِ لِبُعْدِهِ عَنْهُ وَضَرُورَةِ السَّابِلَةِ فِيهِ. وَاَلَّذِي يَخْتَصُّ السُّلْطَانُ بِهِ مِنْ ذَلِكَ إِصْلاَحُ عَوْرَتِهِ «خَلَلِهِ» وَحِفْظُ مِيَاهِهِ، وَالتَّخْلِيَةُ بَيْنَ النَّاسِ وَنُزُولُهُ، وَيَكُونُ السَّابِقُ إِلَى الْمَنْزِلِ أَحَقَّ بِحُلُولِهِ مِنَ الْمَسْبُوقِ حَتَّى يَرْتَحِلَ. فَإِنْ وَرَدُوهُ عَلَى سَوَاءٍ وَتَنَازَعُوا فِيهِ، نَظَرَ فِي التَّعْدِيلِ بَيْنَهُمْ بِمَا يُزِيلُ تَنَازُعَهُمْ. وَكَذَلِكَ الْبَادِيَةُ إِذَا انْتَجَعُوا أَرْضًا طَلَبًا لِلْكَلأَ وَارْتِفَاقًا بِالْمَرْعَى وَانْتِقَالاً مِنْ أَرْضٍ إِلَى أَرْضٍ كَانُوا فِيمَا تَرَكُوهُ وَارْتَحَلُوا عَنْهُ كَالسَّابِلَةِ لاَ اعْتِرَاضَ عَلَيْهِمْ فِي تَنَقُّلِهِمْ وَرَعْيِهِمْ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي. أَنْ يَقْصِدُوا بِنُزُولِهِمْ بِهَا الإْقَامَةَ وَالاِسْتِيطَانَ، فَلِلسُّلْطَانِ فِي نُزُولِهِمْ بِهَا نَظَرٌ يُرَاعَى فِيهِ الأْصْلَحُ فَإِنْ كَانَ مُضِرًّا بِالسَّابِلَةِ مُنِعُوا مِنْهَا قَبْلَ النُّزُولِ وَبَعْدَهُ، وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ بِالسَّابِلَةِ رَاعَى الأْصْلَحَ فِي نُزُولِهِمْ بِهَا أَوْ مَنَعَهُمْ مِنْهَا وَنَقَلَ غَيْرَهُمْ إِلَيْهَا، كَمَا فَعَلَ عُمَرُ حِينَ مَصَّرَ الْبَصْرَةَ وَالْكُوفَةَ. نَقَلَ إِلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْمِصْرَيْنِ مَنْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ، لِئَلاَّ يَجْتَمِعَ فِيهِ الْمُسَافِرُونَ، فَيَكُونَ سَبَبًا لاِنْتِشَارِ الْفِتْنَةِ وَسَفْكِ الدِّمَاءِ، كَمَا يُفْعَلُ فِي إِقْطَاعِ الْمَوَاتِ مَا يُرَى، فَإِنْ لَمْ يَسْتَأْذِنُوهُ حَتَّى نَزَلُوا فِيهِ لَمْ يَمْنَعْهُمْ مِنْهُ. كَمَا لاَ يَمْنَعُ مَنْ أَحْيَا مَوَاتًا بِغَيْرِ إِذْنِهِ. وَدَبَّرَهُمْ بِمَا يَرَاهُ صَلاَحًا لَهُمْ، وَنَهَاهُمْ عَنْ إِحْدَاثِ زِيَادَةٍ مِنْ بَعْدُ، إِلاَّ عَنْ إِذْنِهِ. رَوَى كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَدِمْنَا مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي عُمْرَتِهِ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ، فَكَلَّمَهُ أَهْلُ الْمِيَاهِ فِي الطَّرِيقِ أَنْ يَبْنُوا مَنَازِلَ فِيمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ لَمْ تَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ فَأَذِنَ لَهُمْ، وَاشْتَرَطَ أَنَّ ابْنَ السَّبِيلِ أَحَقُّ بِالْمَاءِ وَالظِّلِّ.
الْقِسْمُ الثَّانِي: وَهُوَ مَا يَخْتَصُّ بِأَفْنِيَةِ الدُّورِ وَالأْمْلاَكِ. يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ مُضِرًّا بِأَرْبَابِهَا مُنِعَ الْمُرْتَفِقُ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُضِرٍّ بِهِمْ فَفِي إِبَاحَةِ ارْتِفَاقِهِمْ بِهِ مِنْ غَيْرِ إِذْنٍ قَوْلاَنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ لَهُمُ الاِرْتِفَاقَ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ أَرْبَابُهَا، لأِنَّ الْحَرِيمَ مِرْفَقٌ إِذَا وَصَلَ أَهْلُهُ إِلَى حَقِّهِمْ مِنْهُ سَاوَاهُمْ النَّاسُ فِيمَا عَدَاهُ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ الاِرْتِفَاقُ بِحَرِيمِهِمْ إِلاَّ عَنْ إِذْنِهِمْ، لأِنَّهُ تَبَعٌ لأِمْلاَكِهِمْ فَكَانُوا بِهِ أَحَقَّ وَبِالتَّصَرُّفِ فِيهِ أَخَصَّ.
وَأَمَّا حَرِيمُ الْمَسَاجِدِ وَالْجَوَامِعِ فَيُنْظَرُ، فَإِنْ كَانَ الاِرْتِفَاقُ بِهَا مُضِرًّا بِأَهْلِ الْجَوَامِعِ وَالْمَسَاجِدِ مُنِعُوا مِنْهُ، وَلَمْ يَجُزْ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَأْذَنَ فِيهِ، لأِنَّ الْمُصَلِّينَ بِهَا أَحَقُّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُضِرًّا جَازَ ارْتِفَاقُهُمْ بِحَرِيمِهَا.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: وَهُوَ مَا اخْتَصَّ بِأَفْنِيَةِ الشَّوَارِعِ وَالطُّرُقَاتِ فَكِلاَهُمَا فِيهِ لاَ يَخْرُجُ عَمَّا سَبَق.
حُقُوقُ الاِرْتِفَاقِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ:
10 - تَبَيَّنَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ يُطْلِقُونَ الاِرْتِفَاقَ عَلَى مَا يَرْتَفِقُ بِهِ، وَيَخْتَصُّ بِمَا هُوَ مِنْ التَّوَابِعِ،كَالشُّرْبِ وَمَسِيلِ الْمَاءِ وَالطَّرِيقِ وَالْمُرُورِ وَالْمَجْرَى وَالْجِوَارِ، وَأَنَّ أَبَا يُوسُفَ خَصَّ الاِرْتِفَاقَ بِمَنَافِعِ الدَّارِ. وَلِكُلٍّ مِنَ الْمَرَافِقِ الْمَذْكُورَةِ مُصْطَلَحٌ خَاصٌّ بِهِ، وَلِذَلِكَ فَيَكْفِي هُنَا أَنْ يَعْرِفَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَرَافِقِ، وَيُبَيِّنَ حُكْمَهُ، عَلَى أَنْ يَتْرُكَ التَّفْصِيلَ لِلْمُصْطَلَحَاتِ الْخَاصَّةِ.
الشُّرْبُ:
11 - الشُّرْبُ: لُغَةً النَّصِيبُ مِنَ الْمَاءِ. وَفِي الاِصْطِلاَحِ: هُوَ النَّصِيبُ مِنَ الْمَاءِ لِلأْرَاضِيِ لاَ لِغَيْرِهَا.
وَرُكْنُهُ الْمَاءُ لأِنَّهُ يَقُومُ بِهِ.
وَشَرْطُ حِلِّهِ أَنْ يَكُونَ ذَا حَظٍّ مِنَ الشُّرْبِ.
وَحُكْمُهُ الإْرْوَاءُ، لأِنَّ حُكْمَ الشَّيْءِ مَا يُفْعَلُ لأِجْلِهِ.
مَسِيلُ الْمَاءِ:
12 - الْمَسِيلُ: الْمَجْرَى وَمَسِيلُ الْمَاءِ مَجْرَاهُ وَإِذَا كَانَ لِشَخْصٍ مَجْرَى مَاءٍ جَارٍ أَوْ سِيَاقِ مَاءٍ بِحَقٍّ قَدِيمٍ فِي مِلْكِ شَخْصٍ آخَرَ فَلَيْسَ لِصَاحِبِهِ مَنْعُهُ. وَإِذَا كَانَ لِدَارٍ مَسِيلُ مَطَرٍ عَلَى دَارِ جَارٍ مِنْ قَدِيمٍ فَلَيْسَ لِلْجَارِ مَنْعُهُ، وَصُورَةُ حَقِّ الْمَسِيلِ أَنْ يَكُونَ لِرَجُلٍ أَرْضٌ لَهَا مَجْرَى مَاءٍ فِي أَرْضٍ أُخْرَى.
حَقُّ التَّسْيِيلِ:
13 - صُورَتُهُ أَنْ تَكُونَ لِشَخْصٍ دَارٌ لَهَا حَقُّ تَسْيِيلِ
الْمَاءِ عَلَى أَسْطُحَةِ دَارٍ أُخْرَى، أَوْ عَلَى أَرْضِ دَارٍ أُخْرَى
الطَّرِيقُ:
14 - فِي حَاشِيَةِ ابْنِ عَابِدِينَ أَنَّ الطُّرُقَ ثَلاَثَةٌ: طَرِيقٌ إِلَى الطَّرِيقِ الأْعْظَمِ، وَطَرِيقٌ إِلَى سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ، وَطَرِيقٌ خَاصٌّ فِي مِلْكِ إِنْسَانٍ وَسَيَأْتِي أَحْكَامُ التَّصَرُّفِ فِيهَا.
حَقُّ الْمُرُورِ:
15 - هُوَ أَنْ يَكُونَ لِشَخْصٍ حَقُّ الْمُرُورِ فِي أَرْضِ شَخْصٍ آخَرَ.
وَالْحُكْمُ فِيهِ مَا نَصَّتْ عَلَيْهِ الْمَادَّةُ (1225) مِنْ مَجَلَّةِ الأْحْكَامِ: «إِذَا كَانَ لأِحَدٍ حَقُّ الْمُرُورِ فِي عَرْصَةِ آخَرَ، فَلَيْسَ لِصَاحِبِ الْعَرْصَةِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنَ الْمُرُورِ وَالْعُبُورِ».
وَقَدْ نَصَّتِ الْمَادَّةُ (1224) عَلَى حُكْمٍ عَامٍّ يَتَعَلَّقُ بِثُبُوتِ الْحُقُوقِ فِي الْمَرَافِقِ، هُوَ: «يُعْتَبَرُ الْقِدَمُ فِي حَقِّ الْمُرُورِ وَحَقِّ الْمَجْرَى وَحَقِّ الْمَسِيلِ. يَعْنِي تُتْرَكُ هَذِهِ الأْشْيَاءُ وَتَبْقَى عَلَى وَجْهِهَا الْقَدِيمِ الَّذِي كَانَتْ عَلَيْهِ، لأِنَّ الشَّيْءَ الْقَدِيمَ يَبْقَى عَلَى حَالِهِ بِحُكْمِ الْمَادَّةِ (6) وَلاَ يَتَغَيَّرُ إِلاَّ أَنْ يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى خِلاَفِهِ. أَمَّا الْقَدِيمُ الْمُخَالِفُ لِلشَّرْعِ فَلاَ اعْتِبَارَ لَهُ. يَعْنِي إِذَا كَانَ الشَّيْءُ الْمَعْمُولُ بِهِ غَيْرَ مَشْرُوعٍ فِي الأْصْلِ فَلاَ اعْتِبَارَ لَهُ وَإِنْ كَانَ قَدِيمًا، وَيُزَالُ إِنْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ فَاحِشٌ. مَثَلاً إِذَا كَانَ لِدَارٍ مَسِيلٌ قَذِرٌ فِي الطَّرِيقِ الْعَامِّ، وَلَوْ مِنَ الْقَدِيمِ، وَكَانَ فِيهِ ضَرَرٌ لِلْمَارَّةِ فَإِنَّ ضَرَرَهُ يُرْفَعُ، وَلاَ اعْتِبَارَ لِقِدَمِهِ».
وَفِي شَرْحِ الْمَادَّةِ قَالَ الأْتَاسِيُّ: (وَكَذَا لاَ اعْتِبَارَ لِقِدَمِهِ إِذَا كَانَ غَيْرَ مَشْرُوعٍ،) وَإِنْ كَانَ ضَرَرُهُ خَاصًّا. كَمَا إِذَا كَانَ لِرَجُلٍ كَوَّةٌ تُشْرِفُ عَلَى مَقَرِّ نِسَاءِ جَارِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ إِزَالَةُ الضَّرَرِ، وَإِنْ كَانَ قَدِيمًا، كَمَا أَفْتَى فِي الْحَامِدِيَّةِ قَائِلاً: وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ الْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ حَيْثُ كَانَ الضَّرَرُ بَيِّنًا، فَلَوْ كَانَ مَشْرُوعًا كَمَا إِذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ الشَّرْعِيَّةِ أَنَّ الْجَارَ أَحْدَثَ الْبِنَاءَ بَعْدَ أَنْ كَانَتِ الْكَوَّةُ تُشْرِفُ عَلَى أَرْضٍ سَبْخَةٍ لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ إِزَالَةُ الضَّرَرِ.
حَقُّ التَّعَلِّي:
16 - نَصَّتِ الْمَادَّةُ (1198) مِنَ الْمَجَلَّةِ عَلَى أَنَّ (كُلَّ أَحَدٍ لَهُ التَّعَلِّي عَلَى حَائِطِهِ الْمِلْكِ، وَبِنَاءُ مَا يُرِيدُ، وَلَيْسَ لِجَارِهِ مَنْعُهُ مَا لَمْ يَكُنْ ضَرَرًا فَاحِشًا).
وَقَالَ الأْتَاسِيُّ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ: (وَلاَ عِبْرَةَ بِزَعْمِهِ أَنَّهُ يَسُدُّ عَنْهُ الرِّيحَ وَالشَّمْسَ، كَمَا أَفْتَى بِهِ فِي الْحَامِدِيَّةِ، لأِنَّهُ لَيْسَ مِنَ الضَّرَرِ الْفَاحِشِ. وَفِي الأْنْقِرَوِيَّةِ: لَهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى حَائِطِ نَفْسِهِ أَزْيَدَ مِمَّا كَانَ، وَلَيْسَ لِجَارِهِ مَنْعُهُ وَإِنْ بَلَغَ عَنَانَ السَّمَاءِ). أَقُولُ: هَذَا مُسَلَّمٌ إِذَا كَانَ التَّعَلِّي يَسُدُّ الرِّيحَ وَالشَّمْسَ عَنْ مِثْلِ سَاحَةِ دَارِ الْجَارِ. أَمَّا إِذَا كَانَ يَسُدُّهُمَا عَنْ سَطْحِ بَيْتِهِ الْمُسَقَّفِ بِالْخَشَبِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْهُ عَلَى مَا أَفْتَى بِهِ الْمُتَأَخِّرُونَ.
حَقُّ الْجِوَارِ:
17 - نَصَّتِ الْمَادَّةُ (1201) مِنَ الْمَجَلَّةِ عَلَى أَنَّ: (مَنْعَ الْمَنَافِعِ الَّتِي لَيْسَتْ مِنَ الْحَوَائِجِ الأْصْلِيَّةِ، كَسَدِّ
الْهَوَاءِ وَالنَّظَّارَةِ، أَوْ مَنْعِ دُخُولِ الشَّمْسِ لَيْسَ بِضَرَرٍ فَاحِشٍ، لَكِنْ سَدُّ الضِّيَاءِ بِالْكُلِّيَّةِ ضَرَرٌ فَاحِشٌ. فَإِذَا أَحْدَثَ رَجُلٌ بِنَاءً فَسُدَّ بِسَبَبِهِ شُبَّاكُ بَيْتِ جَارِهِ، وَصَارَ بِحَالٍ لاَ يَقْدِرُ عَلَى الْقِرَاءَةِ مَعَهَا مِنَ الظُّلْمَةِ، فَلَهُ أَنْ يُكَلَّفَ رَفْعُهُ لِلضَّرَرِ الْفَاحِشِ، وَلاَ يُقَالُ: الضِّيَاءُ مِنَ الْبَابِ كَافٍ، لأِنَّ بَابَ الْبَيْتِ يُحْتَاجُ إِلَى غَلْقِهِ لِلْبَرْدِ وَغَيْرِهِ مِنَ الأْسْبَابِ. وَإِنْ كَانَ لِهَذَا الْمَحَلِّ شُبَّاكَانِ فَسُدَّ أَحَدُهُمَا بِإِحْدَاثِ ذَلِكَ الْبِنَاءِ فَلاَ يَضُرُّ ضَرَرًا فَاحِشًا.
وَالْعِلَّةُ فِي الْمَنْعِ هُوَ تَحَقُّقُ الضَّرَرِ الْفَاحِشِ، فَإِذَا تَحَقَّقَ مُنِعَ الْعَمَلُ، وَإِلاَّ أُبِيحَ.
تِلْكَ هِيَ حُقُوقُ الاِرْتِفَاقِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.
18 - وَيُمْكِنُ إِنْشَاءُ حُقُوقِ ارْتِفَاقٍ أُخْرَى غَيْرِهَا حَسْبَمَا يَجْرِي الْعُرْفُ وَاسْتِعْمَالُ النَّاسِ، فَإِنْ حَدَثَتْ حُقُوقُ ارْتِفَاقٍ أُخْرَى بِالاِسْتِعْمَالِ تُطَبَّقُ عَلَيْهَا الأْحْكَامُ السَّابِقَةُ، فَفِي وَسَائِلِ الْمُوَاصَلاَتِ الْعَامَّةِ مَثَلاً كَالْقِطَارَاتِ وَالطَّيَّارَاتِ وَالسَّيَّارَاتِ، وَالْمَقَاعِدِ فِي الأْمَاكِنِ الْعَامَّةِ وَغَيْرِهَا، إِمَّا أَنْ يُخَصَّصَ مَقْعَدٌ مُعَيَّنٌ لِكُلِّ رَاكِبٍ أَوْ لاَ، فَإِنْ خُصِّصَ لِكُلِّ رَاكِبٍ مَقْعَدٌ مُعَيَّنٌ فَلاَ يَجُوزُ لِغَيْرِهِ أَنْ يَجْلِسَ فِيهِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ. وَأَمَّا إِذَا لَمْ تُعَيَّنْ الْمَقَاعِدُ لِلرَّاكِبِينَ فَلِكُلِّ رَاكِبٍ أَنْ يَجْلِسَ فِي الْمَقْعَدِ الَّذِي سَبَقَ إِلَيْهِ، وَهَكَذَا الأَْمْرُ فِي كُلِّ مَا كَانَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ.
19 - هَذَا وَقَدْ أَوْرَدَ فُقَهَاءُ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَحْكَامَ الْمَرَافِقِ السَّابِقَةِ، لَكِنْ تَحْتَ عَنَاوِينَ أُخْرَى غَيْرِ الاِرْتِفَاقِ، حَيْثُ أَوْرَدَهَا الْمَالِكِيَّةُ فِي بَابِ (نَفْيُ الضَّرَرِ وَسَدُّ الذَّرَائِعِ)، وَأَوْرَدَهَا الشَّافِعِيَّةُ فِي بَابِ (تَزَاحُمُ الْحُقُوقِ) وَأَوْرَدَهَا الْحَنَابِلَةُ فِي بَابِ (الصُّلْحُ)
التَّصَرُّفُ فِي حُقُوقِ الاِرْتِفَاقِ:
20 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الطَّرِيقَ نَوْعَانِ: نَافِذٌ، وَغَيْرُ نَافِذٍ. فَالطَّرِيقُ النَّافِذُ مُبَاحٌ لاَ يُمْلَكُ لأَِحَدٍ مِنَ النَّاسِ، فَلِكُلٍّ مِنْهُمْ فَتْحُ بَابِ مِلْكِهِ فِيهِ كَيْفَ شَاءَ، فَلِلْعَامَّةِ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِمَا لاَ يَضُرُّ الْمَارَّةَ.
وَأَمَّا غَيْرُ النَّافِذِ فَهُوَ مِلْكُ مَنْ نَفَذَتْ أَبْوَابُهُمْ إِلَيْهِ، لاَ مَنْ لاَصَقَهُ جُدْرَانُهُمْ مِنْ غَيْرِ نُفُوذِ أَبْوَابِهِمْ إِلَيْهِ، فَمَنْ نَفَذَتْ أَبْوَابُهُمْ إِلَيْهِ فَهُمُ الْمُلاَّكُ وَهُمْ شُرَكَاءُ فِي ذَلِكَ، وَلَيْسَ لِغَيْرِهِمْ إِشْرَاعُ جَنَاحٍ فِيهِ، أَوْ بَابٍ لِلاِسْتِطْرَاقِ إِلاَّ بِرِضَاهُمْ. وَهَذَا فِي الْمَذَاهِبِ الثَّلاَثَةِ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.
21 - وَقَدْ أَجَازَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بَيْعَ الشُّرْبِ، أَوْ بَعْضَهُ، وَبَيْعَ حُقُوقِ الأَْمْلاَكِ، كَحَقِّ الْمُرُورِ، وَحَقِّ الْمَجْرَى، وَحَقِّ التَّعَلِّي، لِمَسِيسِ الْحَاجَةِ، وَجَوَّزُوا الْعَقْدَ عَلَى الْمَنَافِعِ، وَإِنْ كَانَتْ مَعْدُومَةً، إِرْفَاقًا بِالنَّاسِ، لَكِنِ اشْتَرَطُوا فِي حَقِّ إِجْرَاءِ الْمَاءِ عَلَى السُّطُوحِ وَإِجَارَتِهِ وَإِعَارَتِهِ أَنْ تُعْرَفَ السُّطُوحُ الَّتِي يَجْرِي عَلَيْهَا وَمِنْهَا، كَمَا أَجَازُوا إِعَارَةَ الْعُلُوِّ مِنْ جِدَارٍ وَنَحْوِهِ لِلْبِنَاءِ عَلَيْهِ، وَإِجَارَتَهُ لِذَلِكَ كَسَائِرِ الأَْعْيَانِ الَّتِي تُعَارُ وَتُؤْجَرُ، فَإِنْ بَاعَهُ حَقَّ الْبِنَاءِ أَوِ الْعُلُوِّ الْمَعْلُومِ اسْتَحَقَّ الْمُشْتَرِي الْبِنَاءَ عَلَيْهِ.
22 - أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَقَدْ جَاءَ فِي حَاشِيَةِ ابْنِ عَابِدِينَ أَنَّ الطُّرُقَ ثَلاَثَةٌ:
طَرِيقٌ إِلَى الطَّرِيقِ الأْعْظَمِ، وَطَرِيقٌ إِلَى سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ، وَطَرِيقٌ خَاصٌّ فِي مِلْكِ إِنْسَانٍ، فَالأْخِيرُ لاَ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ بِلاَ ذِكْرِهِ أَوْ ذِكْرِ الْحُقُوقِ أَوِ الْمَرَافِقِ. وَالأْوَّلاَنِ يَدْخُلاَنِ بِلاَ ذِكْرٍ. وَالْمُرَادُ بَيْعُ رَقَبَةِ الطَّرِيقِ لاَ حَقِّ الْمُرُورِ، فَإِذَا كَانَتْ دَارُهُ دَاخِلَ دَارِ رَجُلٍ، وَكَانَ لَهُ طَرِيقٌ فِي دَارِ ذَلِكَ الرَّجُلِ إِلَى دَارِهِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ فِيهَا حَقُّ الْمُرُورِ فَقَطْ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ رَقَبَةُ الطَّرِيقِ، فَإِذَا بَاعَ رَقَبَةَ الطَّرِيقِ صَحَّ، فَإِنْ حَدَّ فَظَاهِرٌ، وَإِلاَّ فَلَهُ بِقَدْرِ عَرْضِ الْبَابِ الْعُظْمَى.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا الطَّرِيقِ وَاَلَّذِي يَكُونُ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ أَنَّ الطَّرِيقَ الأْوَّلَ مِلْكٌ لِلْبَائِعِ، وَالثَّانِي مُشْتَرَكٌ بَيْنَ جَمِيعِ أَهْلِ السِّكَّةِ، وَفِيهِ أَيْضًا حَقٌّ لِلْعَامَّةِ.
وَلاَ يُبَاعُ الشُّرْبُ وَلاَ يُوهَبُ وَلاَ يُؤْجَرُ وَلاَ يُتَصَدَّقُ بِهِ إِلاَّ تَبَعًا لِلأْرْضِ، لأِنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَنُقِلَ عَنْ شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ أَنَّ بَعْضَهُمْ جَوَّزَ بَيْعَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَيَنْفُذُ الْحُكْمُ بِصِحَّةِ بَيْعِهِ.
23 - أَمَّا حَقُّ الْمَسِيلِ فَإِذَا كَانَ مُحَدَّدًا بِبَيَانِ الْمِقْدَارِ الَّذِي يَسِيلُ فِيهِ الْمَاءُ فَبَيْعُهُ جَائِزٌ، وَإِذَا كَانَ غَيْرَ مُبَيَّنٍ فَلاَ يَجُوزُ لِلْجَهَالَةِ. أَمَّا بَيْعُ الرَّقَبَةِ فَيَجُوزُ مِنْ غَيْرِ بَيْعِ حَقِّ الْمَسِيلِ مَعَهُ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ تَحْدِيدُهُ، وَيَصِحُّ بَيْعُ حَقِّ الْمُرُورِ تَبَعًا لِلأْرْضِ بِلاَ خَوْفٍ، وَيَصِحُّ بَيْعُهُ وَحْدَهُ فِي رِوَايَةٍ، وَبِهِ أَخَذَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ، قَالَ السَّائِحَانِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.
وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ حَقِّ التَّعَلِّي، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَقِّ الْمُرُورِ، أَنَّ حَقَّ الْمُرُورِ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَةِ الأْرْضِ وَهِيَ مَالٌ هُوَ عَيْنٌ، أَمَّا حَقُّ التَّعَلِّي فَمُتَعَلِّقٌ بِالْهَوَاءِ، وَهُوَ لَيْسَ بِعَيْنٍ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ بَيْعُ حَقِّ الْمُرُورِ
وَحْدَهُ وَصَحَّحَهُ أَبُو اللَّيْثِ.
وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ حَقِّ الشُّرْبِ إِلاَّ تَبَعًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْفَتْحِ، وَظَاهِرُ كَلاَمِهِمْ أَنَّهُ بَاطِلٌ، قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فَاسِدًا لاَ بَاطِلاً، لأِنَّ بَيْعَهُ يَجُوزُ فِي رِوَايَةٍ، وَبِهِ أَخَذَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ.
أَحْكَامُ رُجُوعِ الْمُرْفِقِ وَأَثَرِهِ عَلَى الاِرْتِفَاقِ:
24 - الْمُعْتَمَدُ فِي الإْرْفَاقِ بِالْغَرْزِ أَنَّهُ لاَ رُجُوعَ فِيهِ بَعْدَ الإْذْنِ، طَالَ الزَّمَانُ أَوْ قَصُرَ، عَاشَ أَوْ مَاتَ (الْمُرْتَفِقُ)، إِلاَّ أَنْ يَنْهَدِمَ الْجِدَارُ فَلاَ يُعِيدُ الْغَرْزَ إِلاَّ بِإِرْفَاقٍ جَدِيدٍ، وَأَمَّا إِعَادَةُ الْعَرْصَةِ لِلْبِنَاءِ فَالرَّاجِحُ أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ حَيْثُ لَمْ يُقَيَّدْ بِأَجَلٍ، وَلَوْ قَبْلَ أَنْ يَمْضِيَ مَا يُرْفَقُ وَيُعَارُ لِمِثْلِهِ فِي الْعَادَةِ، وَلَكِنْ عَلَى الْمُرْفِقِ دَفْعُ مَا أَنْفَقَ الْمُرْتَفِقُ أَوْ قِيمَتِهِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعَرْصَةِ وَالْجِدَارِ أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَرَى الْقَضَاءَ بِإِعَارَةِ الْجِدَارِ إِذَا امْتَنَعَ صَاحِبُهُ مَتَى لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِي الإْعَارَةِ ضَرَرٌ، وَهُوَ قَوْلُ الإْمَامِ الشَّافِعِيِّ وَابْنِ كِنَانَةَ وَابْنِ حَنْبَلٍ.
وَمَا ذُكِرَ بِالنِّسْبَةِ لِلْعَرْصَةِ مِنْ جَوَازِ الرُّجُوعِ هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ.
وَجَعَلَ ابْنُ رُشْدٍ وَابْنُ زَرْقُونٍ حُكْمَ الْعَرْصَةِ جَارِيًا فِي الْجِدَارِ أَيْضًا، لأِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَنْفَعَةٌ، وَرَجَّحَهُ ابْنُ رِجَالٍ فَقَالَ: قَدْ يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْمَذْهَبَ لاَ فَرْقَ بَيْنَ الْجِدَارِ وَالْعَرْصَةِ فِي أَنَّ لِكُلٍّ مِنْ صَاحِبَيْهِمَا الرُّجُوعَ حَيْثُ لَمْ يُقَيَّدْ بِأَجَلٍ بَعْدَ أَنْ يُعْطِيَ الْمُرْفِقُ كُلًّا مِنْهُمَا مَا أَنْفَقَهُ، وَإِلاَّ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ إِلاَّ بَعْدَ مُدَّةٍ يَرْتَفِقُ فِيهَا الْمُعَارُ، فَهُنَاكَ إِذَنْ رَأْيَانِ فِي جَوَازِ الرُّجُوعِ فِي الْعَرْصَةِ.
الاِسْتِحْقَاقُ فِي الْمُسَاقَاةِ:
26 - الْحَنَفِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّ الْمُسَاقَاةَ تَنْفَسِخُ بِاسْتِحْقَاقِ الأْشْجَارِ، وَلاَ حَقَّ لِلْعَامِلِ فِي الثَّمَرَةِ حِينَئِذٍ؛ لأِنَّهُ عَمِلَ فِيهَا بِغَيْرِ إِذْنِ الْمَالِكِ.
وَلِلْعَامِلِ عَلَى مَنْ تَعَاقَدَ مَعَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، غَيْرَ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ اشْتَرَطُوا لِوُجُوبِ الأْجْرَةِ ظُهُورَ الثَّمَرِ، فَإِنْ لَمْ تَظْهَرِ الثِّمَارُ حَتَّى اسْتُحِقَّتِ الأْشْجَارُ فَلاَ أُجْرَةَ، وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنَّ الأْجْرَةَ تُسْتَحَقُّ فِي حَالَةِ جَهْلِهِ بِالاِسْتِحْقَاقِ؛ لأِنَّ الَّذِي تَعَاقَدَ مَعَهُ غَرَّهُ، فَإِنْ عَلِمَ فَلاَ أُجْرَةَ لَهُ.
وَلَوْ خَرَجَ الثَّمَرُ فِي الشَّجَرِ ثُمَّ اسْتُحِقَّتِ الأْرْضُ، فَالْكُلُّ لِلْمُسْتَحِقِّ (الأْرْضُ وَالشَّجَرُ وَالثَّمَرُ) وَيَرْجِعُ الْعَامِلُ عَلَى مَنْ تَعَاقَدَ مَعَهُ بِأَجْرِ مِثْلِ عَمَلِهِ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّ الْمُسْتَحِقَّ مُخَيَّرٌ بَيْنَ إِبْقَاءِ الْعَامِلِ وَبَيْنَ فَسْخِ عَقْدِهِ، فَإِنْ فَسَخَ دَفَعَ لَهُ أَجْرَ عَمَلِهِ.
وَالْحُكْمُ فِي ضَمَانِ تَلَفِ الأَْشْجَارِ وَالثِّمَارِ - بَعْدَ الاِسْتِحْقَاقِ - يُرْجَعُ فِيهِ إِلَى بَابِ الضَّمَانِ.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / العاشر ، الصفحة / 33
ب - الْمُزَارَعَةُ وَالْمُسَاقَاةُ:
9 -ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى عَدَمِ جَوَازِ الْمُزَارَعَةِ، خِلاَفًا لأِبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، فَقَدْ قَالاَ بِجَوَازِهَا.
وَأَنَّ مِنْ شُرُوطِ صِحَّتِهَا بَيَانَ الْمُدَّةِ، فَهِيَ مِنَ الْعُقُودِ الْمُؤَقَّتَةِ عِنْدَهُمَا .
وَأَمَّا الْمُسَاقَاةُ فَلاَ يُشْتَرَطُ تَوْقِيتُهَا عِنْدَهُمَا، فَإِنْ تُرِكَ تَأْقِيتُهَا جَازَتِ اسْتِحْسَانًا؛ لأِنَّ وَقْتَ إِدْرَاكِ الثَّمَرِ مَعْلُومٌ .
وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِذِكْرِ التَّأْقِيتِ فِي الْمُزَارَعَةِ، فَتَصِحُّ عِنْدَهُمْ بِلاَ تَقْدِيرِ مُدَّةٍ .
وَأَمَّا الْمُسَاقَاةُ عِنْدَهُمْ فَإِنَّهَا تُؤَقَّتُ بِالْجُذَاذِ، أَيْ: جَنْيِ الثَّمَرِ، حَتَّى أَنَّ بَعْضَهُمْ يَرَى فَسَادَهَا إِنْ أُطْلِقَتْ وَلَمْ تُؤَقَّتْ، أَوْ أُقِّتَتْ بِوَقْتٍ يَزِيدُ عَلَى الْجُذَاذِ، وَيَرَى ابْنُ الْحَاجِبِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهَا إِنْ أُطْلِقَتْ صَحَّتْ وَحُمِلَتْ عَلَى الْجُذَاذِ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الشَّرْحِ الْكَبِيرِ: أَنَّ التَّأْقِيتَ لَيْسَ شَرْطًا فِي صِحَّتِهَا، وَغَايَةُ مَا فِي الأْمْرِ أَنَّهَا إِنْ أُقِّتَتْ فَإِنَّهَا تُؤَقَّتُ بِالْجُذَاذِ .
وَأَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَإِنَّهُمْ يَرَوْنَ أَنَّ الْمُزَارَعَةَ إِذَا أُفْرِدَتْ بِالْعَقْدِ فَلاَ بُدَّ فِيهَا مِنْ تَقْرِيرِ الْمُدَّةِ، وَأَمَّا إِذَا كَانَتْ تَابِعَةً لِلْمُسَاقَاةِ فَإِنَّ مَا يَجْرِي عَلَى الْمُسَاقَاةِ يَجْرِي عَلَيْهَا .
وَأَمَّا الْمُسَاقَاةُ فَإِنَّ مِنْ شُرُوطِ صِحَّتِهَا عِنْدَهُمْ أَنْ تَكُونَ مُؤَقَّتَةً، إِذْ يُشْتَرَطُ فِيهَا مَعْرِفَةُ الْعَمَلِ بِتَقْدِيرِ الْمُدَّةِ كَسَنَةٍ.
وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَلاَ يَشْتَرِطُونَ لِصِحَّةِ الْمُزَارَعَةِ وَالْمُسَاقَاةِ التَّأْقِيتَ، بَلْ تَصِحُّ مُؤَقَّتَةً وَغَيْرَ مُؤَقَّتَةٍ، فَلَوْ زَارَعَهُ أَوْ سَاقَاهُ دُونَ أَنْ يَذْكُرَ مُدَّةً جَازَ؛ لأِنَّهُ صلي الله عليه وسلم لَمْ يَضْرِبْ لأِهْلِ خَيْبَرَ مُدَّةً . وَكَذَا خُلَفَاؤُهُ مِنْ بَعْدِهِ صلي الله عليه وسلم . وَلِكُلٍّ مِنَ الْعَاقِدَيْنِ فَسْخُهَا مَتَى شَاءَ، فَإِنْ كَانَ الْفَسْخُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ قَبْلَ ظُهُورِ الثَّمَرِ وَبَعْدَ شُرُوعِ الْعَامِلِ بِالْعَمَلِ فَعَلَيْهِ لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مِثْلِ عَمَلِهِ. وَإِنْ فَسَخَ الْعَامِلُ قَبْلَ ظُهُورِ الثَّمَرِ فَلاَ شَيْءَ لَهُ .
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الخامس عشر ، الصفحة / 22
رهْنُ الثّمار:
18 - اتّفق الْفُقهاءُ على جواز رهْن الثّمار سواءٌ ما كانتْ على الشّجر أمْ لا، ولا فرْق في ذلك بيْن أنْ يكُون الرّهْنُ بعْد بُدُوّ الصّلاح أوْ قبْلهُ، وذلك لأنّ النّهْي عن الْبيْع قبْل بُدُوّ الصّلاح إنّما كان لعدم الأْمْن من الْعاهة وهذا مفْقُودٌ هُنا، وبتقْدير تلفها لا يفُوتُ حقُّ الْمُرْتهن من الدّيْن لتعلُّقه بذمّة الرّاهن.
وأجاز الْمالكيّةُ رهْن الثّمار الّتي لمْ تُخْلقْ بعْدُ.
ثُمّ إنّ الْحنفيّة لمْ يُجوّزُوا رهْن الثّمر بدُون الشّجر، أو الشّجر بدُون الثّمر بناءً على أصْلٍ عنْدهُمْ وهُو أنّ الْمرْهُون متى اتّصل بغيْر الْمرْهُون خلْقةً لا يجُوزُ لامْتناع قبْض الرّهْن وحْدهُ، وعلى ذلك فلوْ رهن شجرًا وفيه ثمرٌ لمْ يُسمّه في الرّهْن دخل في الرّهْن تصْحيحًا للْعقْد، وقدْ فصّل الشّافعيّةُ في رهْن الثّمار، وفرّقُوا بيْن أنْ تكُون الثّمارُ مع الشّجر أوْ وحْدها، وبيْن أنْ يكُون الثّمرُ ممّا يتسارعُ فسادُهُ أوْ لا، فقرّرُوا أنّ رهْن الثّمار على الشّجر لهُ حالان، أحدُهُما: أنْ يرْهن الثّمر مع الشّجر، وحينئذٍ فإنْ كان الثّمرُ ممّا يُمْكنُ تجْفيفُهُ صحّ الرّهْنُ مُطْلقًا، أيْ سواءٌ أبدا فيه الصّلاحُ أمْ لا، وسواءٌ كان الدّيْنُ حالًّا أوْ مُؤجّلاً.
وإنْ كان ممّا لا يُمْكنُ تجْفيفُهُ فسد الرّهْنُ إلاّ في ثلاث مسائل هي: أنْ يرْهنهُ بديْنٍ حالٍّ، أوْ مُؤجّلٍ يحلُّ قبْل فساده، أوْ يحلُّ بعْد فساده، أوْ معهُ، لكنْ بشرْط بيْعه عنْد إشْرافه على الْفساد وجعْل الثّمن رهْنًا مكانهُ.
الثّاني: رهْنُ الثّمر وحْدهُ. فإنْ كان لا يُحْفظُ بالْجفاف فهُو كالّذي يتسارعُ إليْه الْفسادُ، وقدْ تقدّم حُكْمُهُ، وإنْ كان يتجفّفُ فهُو على ضرْبيْن:
الضّرْبُ الأْوّلُ: أنْ يرْهن قبْل بُدُوّ الصّلاح، فإنْ رهن بديْنٍ حالٍّ وشرط قطْعهُ وبيْعهُ جاز، وإنْ أطْلق جاز أيْضًا، وإنْ رهن بمُؤجّلٍ نظر، إنْ كان يحلُّ قبْل بُلُوغ الثّمر وقْت الإْدْراك أوْ بعْدهُ جاز الرّهْنُ، إلاّ أنّ الْجواز في حالة ما قبْل بُلُوغه وقْت الإْدْراك مُقيّدٌ بشرْط الْقطْع، أمّا إذا رهنها مُطْلقًا لمْ يصحّ.
الضّرْبُ الثّاني: أنْ يرْهن بعْد بُدُوّ الصّلاح. فيجُوزُ بشرْط الْقطْع مُطْلقًا إنْ رهن بحالٍّ أو مُؤجّلٍ هُو في معْناهُ. وإنْ رهنهُ بمُؤجّلٍ يحلُّ قبْل بُلُوغ الثّمر وقْت الإْدْراك، فعلى ما سبق في الضّرْب الأْوّل .
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السابع والثلاثون ، الصفحة / 300
مَسِيلٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - السَّيْلُ لُغَةً: مَعْرُوفٌ، جَمْعُهُ سُيُولٌ وَهُوَ مَصْدَرٌ فِي الأْصْلِ، مِنْ سَالَ الْمَاءُ يَسِيلُ سَيْلاً مِنْ بَابِ بَاعَ، وَسَيَلاَنًا إِذَا طَغَى وَجَرَى، ثُمَّ غَلَبَ الْمَسِيلُ فِي الْمُجْتَمِعِ مِنَ الْمَطَرِ الْجَارِي فِي الأْوْدِيَةِ، وَالْمَسِيلُ مَجْرَى السَّيْلِ، وَالْجَمْعُ مَسَايِلُ وَمُسُلٌ بِضَمَّتَيْنِ. وَرُبَّمَا قِيلَ مُسْلاَنٌ مِثْلُ رَغِيفٍ وَرُغْفَانٍ .
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ .
وَمِنْ صُوَرِ الْمَسِيلِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ: أَنْ تَكُونَ لِشَخْصٍ دَارٌ لَهَا حَقُّ تَسْيِيلِ الْمَاءِ عَلَى أَسْطِحَةِ دَارٍ أُخْرَى، أَوْ عَلَى أَرْضِ دَارٍ أُخْرَى .
مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَسِيلِ مِنْ أَحْكَامٍ:
يَتَعَلَّقُ بِالْمَسِيلِ أَحْكَامٌ مِنْهَا:
مَسِيلُ الْمَاءِ مِنْ حُقُوقِ الاِرْتِفَاقِ:
2 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مَرَافِقَ وَحُقُوقَ الْعَقَارِ مِنْ أَرْضٍ أَوْ دَارٍ، تَابِعَةٌ لَهُ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْهَا وَأَنَّهَا حُقُوقٌ مُقَرَّرَةٌ عَلَى مَحَالِّهَا وَمِنْهَا الْمَسِيلُ وَمَا يُمَاثِلُهُ وَلَهُ أَحْكَامٌ تَخُصُّهُ يَأْتِي بَيَانُهَا.
أ - التَّصَرُّفُ فِي الْمَسِيلِ:
3 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي التَّصَرُّفِ فِي الْمَسِيلِ بِالْبَيْعِ أَوِ الْهِبَةِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ.
قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: لاَ يَجُوزُ بَيْعُ الْمَسِيلِ وَهِبَتُهُ لِجَهَالَتِهِ، إِذْ لاَ يَدْرِي قَدْرَ مَا يَشْغَلُهُ مِنَ الْمَاءِ، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ نَقْلاً عَنِ الْفَتْحِ: هَذَا إِذَا لَمْ يُبَيِّنْ مِقْدَارَ الْمَسِيلِ، أَمَّا لَوْ بَيَّنَ حَدَّ مَا يَسِيلُ فِيهِ الْمَاءُ، أَوْ بَاعَ أَرْضَ الْمَسِيلِ مِنْ نَهْرٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ حَقِّ التَّسْيِيلِ فَهُوَ جَائِزٌ بَعْدَ أَنْ يُبَيِّنَ حُدُودَهُ .
وَأَمَّا بَيْعُ حَقِّ التَّسْيِيلِ وَهِبَتُهُ دُونَ رَقَبَةِ الْمَسِيلِ فَلاَ يَصِحُّ بِاتِّفَاقِ الْمَشَائِخِ، سَوَاءٌ كَانَ عَلَى الأْرْضِ ، أَوْ عَلَى السَّطْحِ، لأِنَّهُ نَظِيرُ حَقِّ التَّعَلِّي، وَبَيْعُ حَقِّ التَّعَلِّي لاَ يَجُوزُ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ، لأِنَّهُ لَيْسَ حَقًّا مُتَعَلِّقًا بِمَا هُوَ مَالٌ بَلْ بِالْهَوَاءِ وَإِنْ كَانَ عَلَى الأْرْضِ ، وَهُوَ أَنْ يَسِيلَ الْمَاءُ عَنْ أَرْضِهِ كَيْلاَ يُفْسِدَهُ فَيُمِرَّهُ عَلَى أَرْضٍ لِغَيْرِهِ، فَهُوَ مَجْهُولٌ لِجَهَالَةِ مَحَلِّهِ الَّذِي يَأْخُذُهُ .
وَإِذَا ادَّعَى رَجُلٌ مَسِيلَ مَاءٍ فِي دَارِ رَجُلٍ فَلاَ بُدَّ وَأَنْ يُبَيِّنَ مَسِيلَ مَاءِ الْمَطَرِ أَوْ مَاءِ الْوُضُوءِ، وَكَذَا يَنْبَغِي بَيَانُ مَوْضِعِ مَسِيلِ الْمَاءِ أَنَّهُ فِي مُقَدَّمِ الْبَيْتِ أَوْ فِي مُؤَخَّرِهِ .
وَإِذَا اشْتَرَى بَيْتًا فِي دَارٍ لاَ يَدْخُلُ مَسِيلُ الْمَاءِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ، وَلَوْ ذُكِرَ بِحُقُوقِهِ وَمَرَافِقِهِ يَدْخُلُ وَهُوَ الأْصَحُّ ، وَمَنِ اشْتَرَى مَنْزِلاً فِي دَارٍ أَوْ مَسْكَنًا فِيهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ الْمَسِيلُ فِي هَذِهِ الدَّارِ إِلَى ذَلِكَ الْمُشْتَرِي، إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِكُلِّ حَقٍّ أَوْ بِمَرَافِقِهِ أَوْ بِكُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ.
وَلَوْ كَانَ لِلْبَائِعِ فِي الدَّارِ الْمَبِيعَةِ مَسِيلٌ لِدَارٍ لَهُ أُخْرَى بِجَنْبِهَا وَقَالَ بِكُلِّ حَقٍّ فَذَلِكَ كُلُّهُ لِلْمُشْتَرِي وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ، وَلَوْ بَاعَ رَجُلٌ دَارًا وَلآِخَرَ فِيهَا مَسِيلُ مَاءٍ، فَرَضِيَ صَاحِبُ الْمَسِيلِ بِبَيْعِ الدَّارِ، قَالُوا: إِنْ كَانَ لَهُ رَقَبَةُ الْمَسِيلِ كَانَ لَهُ حِصَّةٌ مِنَ الثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ حَقُّ جَرْيِ الْمَاءِ فَقَطْ فَلاَ قِسْطَ لَهُ مِنَ الثَّمَنِ وَبَطَلَ حَقُّهُ إِذَا رَضِيَ بِالْبَيْعِ .
وَإِذَا اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ دَارًا فَادَّعَى رَجُلٌ فِيهَا مَسِيلَ مَاءٍ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً فَهُوَ لَهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ، فَإِنْ شَاءَ الْمُشْتَرِي أَمْسَكَهَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا، فَإِنْ كَانَ قَدْ بَنَى فِيهَا بِنَاءً فَلَهُ أَنْ يَنْقُضَ بِنَاءَهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِقِيمَةِ بِنَائِهِ .
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ كَانَ الْمَاءُ يَسِيلُ وَيَنْبُعُ فِي مِلْكٍ فَهُوَ لِصَاحِبِ الأْرْضِ الَّتِي يَنْبُعُ فِيهَا يُرْسِلُهُ مَتَى شَاءَ وَيَحْبِسُهُ مَتَى شَاءَ، فَإِنِ اجْتَمَعَ جَمَاعَةٌ عَلَى إِجْرَاءِ مَاءٍ فِي سَانِيَةٍ إِلَى أَرْضِهِمْ لَمْ يُقَدَّمْ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى الآْخَرِ، وَإِنْ كَانَ أَعْلَى يَقْتَسِمُونَهُ بَيْنَهُمْ بِالْقُلَلِ أَوِ الْخَشَبِ أَوْ كَيْفَمَا اتَّفَقُوا عَلَى سَبِيلِ اشْتَرَاكِهِمْ أَوَّلَ إِجْرَائِهِمْ لَهُ .
وَفِي الْمُدَوَّنَةِ: قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إِنِ اشْتَرَيْتَ شِرْبَ يَوْمٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ بِغَيْرِ أَرْضٍ مِنْ قَنَاةٍ أَوْ مِنْ بِئْرٍ أَوْ مِنْ عَيْنٍ أَوْ مِنْ نَهْرٍ، أَيَجُوزُ ذَلِكَ أَمْ لاَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: ذَلِكَ جَائِزٌ، قَالَ: وَهَذَا الَّذِي قَالَ مَالِكٌ لاَ شُفْعَةَ فِيهِ، لأِنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ أَرْضٌ. قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: إِذَا قُسِمَتِ الأْرْضُ وَتُرِكَ الْمَاءُ فَبَاعَ أَحَدُهُمْ نَصِيبَهُ الَّذِي صَارَ لَهُ مِنْ أَرْضِهِ بِغَيْرِ مَاءٍ، ثُمَّ بَاعَ نَصِيبَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الْمَاءِ، فَإِنَّ مَالِكًا قَالَ لِي: هَذَا الْمَاءُ لاَ شُفْعَةَ فِيهِ وَالأْرْضُ أَيْضًا لاَ شُفْعَةَ فِيهَا، وَإِنَّمَا الشُّفْعَةُ فِي الْمَاءِ إِذَا كَانَتِ الأْرْضُ بَيْنَ النَّفَرِ لَمْ يَقْتَسِمُوهَا فَبَاعَ أَحَدُهُمْ مَاءَهُ بِغَيْرِ أَرْضِهِ، فَقَالَ مَالِكٌ: فَفِي هَذَا الشُّفْعَةُ إِذَا كَانَتِ الأْرْضُ لَمْ تُقْسَمْ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إِنْ بَاعَ أَحَدُهُمْ حِصَّتَهُ مِنَ الْمَاءِ، ثُمَّ بَاعَ آخَرُ بَعْدَهُ حِصَّتَهُ مِنَ الْمَاءِ أَيَضْرِبُ الْبَائِعُ الأْوَّلُ مَعَهُمْ فِي الْمَاءِ بِحِصَّتِهِ مِنَ الأْرْضِ ؟ قَالَ: لاَ وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ حِصَّتَهُ مِنَ الأْرْضِ وَتَرَكَ حِصَّتَهُ مِنَ الْمَاءِ، ثُمَّ بَاعَ بَعْدَ ذَلِكَ بَعْضُ شُرَكَائِهِ حِصَّتَهُ مِنَ الأْرْضِ ، لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهَا شُفْعَةٌ لِمَكَانِ مَا بَقِيَ لَهُ فِي الْمَاءِ، قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ قَوْمًا اقْتَسَمُوا أَرْضًا وَكَانَ بَيْنَهُمْ مَاءٌ يَسْقُونَ بِهِ وَكَانَ لَهُمْ شُرَكَاءُ فِي ذَلِكَ الْمَاءِ، فَبَاعَ أَحَدٌ مِنْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَهُمُ الْمَاءُ حِصَّتَهُ مِنَ الْمَاءِ أَيَضْرِبُ مَعَ شُرَكَائِهِ فِي الشُّفْعَةِ بِحِصَّتِهِ مِنَ الأْرْضِ ؟ قَالَ: لاَ
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: يَجُوزُ أَنْ يُصَالِحَ عَلَى إِجْرَاءِ الْمَاءِ أَوِ الصُّلْحِ عَلَى إِخْرَاجِ مِيزَابٍ وَعَلَى إِلْقَاءِ الثَّلْجِ فِي مِلْكِهِ - أَيِ الْمُصَالَحِ مَعَهُ - عَلَى مَالٍ، لأِنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إِلَى ذَلِكَ، لَكِنْ مَحَلُّهُ فِي الْمَاءِ الْمَجْلُوبِ مِنْ نَهْرٍ وَنَحْوِهِ إِلَى أَرْضِهِ، وَالْحَاصِلُ إِلَى سَطْحِهِ مِنَ الْمَطَرِ.
وَأَمَّا مَسِيلُ غُسَالَةِ الثِّيَابِ وَالأْوَانِي فَلاَ يَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَى إِجْرَائِهَا عَلَى مَالٍ، لأِنَّهُ مَجْهُولٌ لاَ تَدْعُو الْحَاجَةُ إِلَيْهِ، قَالَهُ الْمُتَوَلِّي مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ الْبُلْقِينِيُّ، وَقَالَ: إِنَّ الْحَاجَةَ إِلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ حَاجَةِ الْبِنَاءِ فَلاَ مَانِعَ مِنْهُ إِذَا بَيَّنَ قَدْرَ الْجَارِي إِذَا كَانَ عَلَى السَّطْحِ، وَبَيَّنَ مَوْضِعَ الْجَرَيَانِ إِذَا كَانَ عَلَى الأْرْضِ وَالْحَاجَةُ إِلَى ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنَ الْحَاجَةِ إِلَى الْبِنَاءِ فَلَيْسَ كُلُّ النَّاسِ يَبْنِي، وَغَسْلُ الثِّيَابِ وَالأْوَانِي لاَ بُدَّ مِنْهُ لِكُلِّ النَّاسِ أَوِ الْغَالِبِ وَهُوَ بِلاَ شَكٍّ يَزِيدُ عَلَى حَاجَةِ الْبِنَاءِ، فَمَنْ بَنَى حَمَّامًا وَبِجَانِبِهِ أَرْضٌ لِغَيْرِهِ فَأَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ حَقَّ مَمَرِّ الْمَاءِ فَلاَ تَوَقُّفَ فِي جَوَازِ ذَلِكَ، بَلِ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ حَاجَةِ الْبِنَاءِ عَلَى الأْرْضِ .
قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَلَعَلَّ مُرَادَ الْمُتَوَلِّي مِنْ ذَلِكَ حَيْثُ كَانَ عَلَى السَّطْحِ وَلَمْ يَحْصُلِ الْبَيَانُ فِي قَدْرِ مَا يَصُبُّ وَقَالَ الإْسْنَوِيُّ: وَشَرْطُ الْمُصَالَحَةِ عَلَى إِجْرَاءِ مَاءِ الْمَطَرِ عَلَى سَطْحِ غَيْرِهِ أَنْ لاَ يَكُونَ لَهُ مَصْرِفٌ إِلَى الطَّرِيقِ إِلاَّ بِمُرُورِهِ عَلَى سَطْحِ جَارِهِ .
وَمَحَلُّ الْجَوَازِ فِي الثَّلْجِ إِذَا كَانَ فِي أَرْضِ الْغَيْرِ لاَ فِي سَطْحِهِ لِمَا فِيهِ مِنَ الضَّرَرِ، وَيُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ السَّطْحِ الَّذِي يَجْرِي فِيهِ الْمَاءُ أَوْ مِنْهُ الْمَاءُ، سَوَاءٌ كَانَ بِبَيْعٍ أَوْ إِجَارَةٍ أَوْ إِعَارَةٍ، لأِنَّ الْمَطَرَ يَقِلُّ بِصِغَرِهِ وَيَكْثُرُ بِكِبَرِهِ، وَمَعْرِفَةُ قَدْرِ السَّطْحِ الَّذِي يَجْرِي إِلَيْهِ وَقُوَّتِهِ وَضَعْفِهِ فَإِنَّهُ قَدْ يَتَحَمَّلُ قَلِيلَ الْمَاءِ دُونَ كَثِيرِهِ، وَلاَ يَضُرُّ الْجَهْلُ بِقَدْرِ مَاءِ الْمَطَرِ، لأِنَّهُ لاَ يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ لأِنَّهُ عَقْدٌ جُوِّزَ لِلْحَاجَةِ.
ثُمَّ إِنْ عُقِدَ عَلَى الأْوَّلِ بِصِيغَةِ الإْجَارَةِ فَلاَ بُدَّ مِنْ بَيَانِ مَوْضِعِ الإِْجْرَاءِ وَبَيَانِ طُولِهِ وَعَرْضِهِ وَعُمْقِهِ وَقَدْرِ الْمُدَّةِ إِنْ كَانَتِ الإْجَارَةُ مُقَدَّرَةً بِهَا، وَإِلاَّ فَلاَ يُشْتَرَطُ بَيَانُ قَدْرِهَا، وَلاَ بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْمَوْضِعُ مَحْفُورًا وَإِلاَّ فَلاَ يَصِحُّ لأِنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لاَ يَمْلِكُ الْحَفْرَ .
وَأَمَّا بَيْعُ مَسِيلِ الْمَاءِ فَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: وَإِنْ عَقَدَ بِصِيغَةِ الْبَيْعِ بِأَنْ قَالَ: بِعْتُكَ مَسِيلَ الْمَاءِ وَجَبَ بَيَانُ الطُّولِ وَالْعَرْضِ، وَفِي الْعُمْقِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ هَلْ يَمْلِكُ مَوْضِعَ الْجَرَيَانِ أَمْ لاَ؟ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَإِيرَادُ النَّاقِلِينَ يَمِيلُ إِلَى تَرْجِيحِ الْمِلْكِ، وَقَالَ الشِّرْبِينِيُّ: لاَ يَجِبُ بَيَانُ الْعُمْقِ لأِنَّهُ مَلَكَ الْقَرَارَ، قَالَ الإِْسْنَوِيُّ: وَإِنْ عَقَدَ بِلَفْظِ الصُّلْحِ فَهَلْ يَنْعَقِدُ بَيْعًا أَوْ إِجَارَةً؟ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ الشَّيْخَانِ، وَصَرَّحَ فِي الْكِفَايَةِ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ بَيْعًا سَوَاءٌ وَجَّهَ الْعَقْدَ إِلَى الْحَقِّ أَوِ الْعَيْنِ، قَالَ عَمِيرَةُ: قَدْ قَالُوا فِي مَسْأَلَةِ الْبِنَاءِ أَنَّهُ لاَ يُمْلَكُ عَيْنًا، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِيمَا يَظْهَرُ وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ لَفْظَ مَسْأَلَةِ الْمَاءِ مَثَلاً يَنْصَرِفُ إِلَى الْعَيْنِ بِخِلاَفِ قَوْلِهِ: بِعْتُكَ رَأْسَ الْجِدَارِ لِلْبِنَاءِ .
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنْ صَالَحَ رَجُلٌ عَلَى إِجْرَاءِ مَاءِ سَطْحِهِ مِنَ الْمَطَرِ عَلَى سَطْحٍ آخَرَ، أَوْ صَالَحَهُ عَلَى إِجْرَاءِ مَاءِ الْمَطَرِ فِي أَرْضِهِ حَالَ كَوْنِ الْمَاءِ مِنْ سَطْحِهِ، أَوْ صَالَحَهُ عَلَى إِجْرَاءِ مَاءِ الْمَطَرِ فِي أَرْضِهِ حَالَ كَوْنِهِ عَنْ أَرْضِهِ، جَازَ الصُّلْحُ فِي ذَلِكَ إِذَا كَانَ مَا يَجْرِي مَاؤُهُ مِنْ أَرْضٍ أَوْ سَطْحٍ مَعْلُومًا لَهُمَا إِمَّا بِالْمُشَاهَدَةِ وَإِمَّا بِمَعْرِفَةِ مِسَاحَةِ السَّطْحِ أَوِ الأْرْضِ الَّتِي يَنْفَصِلُ مَاؤُهَا، لأِنَّ الْمَاءَ يَخْتَلِفُ بِصِغَرِ السَّطْحِ وَالأْرْضِ وَكِبَرِهِمَا، فَاشْتُرِطَ مَعْرِفَتُهُمَا.
وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا مَعْرِفَةُ الْمَوْضِعِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ إِلَى السَّطْحِ أَوْ إِلَى الأْرْضِ ، دَفْعًا لِلْجَهَالَةِ، وَلاَ تَفْتَقِرُ صِحَّةُ الإْجَارَةِ إِلَى ذِكْرِ الْمُدَّةِ لِدَعْوَى الْحَاجَةِ إِلَى تَأْبِيدِ ذَلِكَ، فَيَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَى الْمَنْفَعَةِ فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ غَيْرَ مُقَدَّرٍ مُدَّةً كَنِكَاحٍ. لَكِنْ قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَوَاعِدِ فِي السَّابِعَةِ وَالثَّمَانِينَ: لَيْسَ بِإِجَارَةٍ مَحْضَةٍ؛ لِعَدَمِ تَقْدِيرِ الْمُدَّةِ، بَلْ هُوَ شَبِيهٌ بِالْبَيْعِ، بِخِلاَفِ السَّاقِيَةِ الَّتِي يَجْرِي فِيهَا غَيْرُ مَاءِ الْمَطَرِ فَكَانَتْ بَيْعًا تَارَةً وَإِجَارَةً تَارَةً أُخْرَى، فَاعْتُبِرَ فِيهَا تَقْدِيرُ الْمُدَّةِ وَإِنْ كَانَتِ الأْرْضُ أَوِ السَّطْحُ الَّذِي يَجْرِي عَلَيْهِ الْمَاءُ مُسْتَأْجَرًا أَوْ عَارِيَةً، لَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَالِحَ الْمُسْتَأْجِرَ أَوِ الْمُسْتَعِيرَ عَلَى إِجْرَاءِ الْمَاءِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إِذْنِ مَالِكِهِ أَمَّا فِي السَّطْحِ فَلِتَضَرُّرِهِ بِذَلِكَ، وَأَمَّا فِي الأْرْضِ فَ لأِنَّهُ يَجْعَلُ لِغَيْرِ صَاحِبِ الأْرْضِ رَسْمًا، فَرُبَّمَا ادَّعَى مِلْكَهَا بَعْدُ. وَيَحْرُمُ إِجْرَاءُ مَاءٍ فِي مِلْكِ إِنْسَانٍ بِلاَ إِذْنِهِ. وَلَوْ مَعَ عَدَمِ تَضَرُّرِهِ، أَوْ مَعَ عَدَمِ تَضَرُّرِ أَرْضِهِ بِذَلِكَ؛ لأِنَّهُ اسْتِعْمَالٌ لِمِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ وَلَوْ كَانَ رَبُّ الْمَاءِ مَضْرُورًا إِلَى إِجْرَائِهِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ. فَلاَ يَجُوزُ لَهُ.
وَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى أَنْ يَسْقِيَ أَرْضَهُ مِنْ نَهْرِهِ، أَوْ مِنْ عَيْنِهِ أَوْ بِئْرِهِ مُدَّةً - وَلَوْ مُعَيَّنَةً - لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ لِعَدَمِ مِلْكِهِ الْمَاءَ، لأِنَّ الْمَاءَ الْعِدَّ لاَ يُمْلَكُ بِمِلْكِ الأْرْضِ ، وَإِنْ صَالَحَهُ عَلَى سَهْمٍ مِنَ النَّهْرِ أَوِ الْعَيْنِ أَوِ الْبِئْرِ كَثُلُثٍ وَنَحْوِهِ مِنْ رُبُعٍ أَوْ خُمُسٍ جَازَ الصُّلْحُ، وَكَانَ ذَلِكَ بَيْعًا لِلْقَرَارِ أَيْ لِلْجُزْءِ الْمُسَمَّى مِنَ الْقَرَارِ وَالْمَاءُ تَابِعٌ لِلْقَرَارِ، فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ مَا لِكُلِّ مِنْهُمَا فِيهِ .
ب - إِرْثُهُ وَالْوَصِيَّةُ بِهِ
4 - الْمَسِيلُ مِنَ الْحُقُوقِ الاِرْتِفَاقِيَّةِ، وَقَدْ ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى قَبُولِهِ التَّوَارُثَ لأِنَّ الْوِرَاثَةَ خِلاَفَةٌ قَهْرِيَّةٌ بِحُكْمِ الشَّارِعِ وَلَيْسَتْ مِنْ قَبِيلِ التَّمَلُّكِ الاِخْتِيَارِيِّ فَلَمْ تُشْتَرَطْ فِيهَا الْمَالِيَّةُ وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهَا، لأِنَّهَا تُشْبِهُ الْمِيرَاثَ مِنْ نَاحِيَةِ أَنَّ التَّمَلُّكَ فِيهَا إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلِذَا قَالُوا: إِنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ، فَمَا يَجُوزُ التَّوَارُثُ فِيهِ يَجُوزُ الإْيصَاءُ بِهِ، فَمَثَلاً إِذَا أَوْصَى صَاحِبُ شِرْبٍ لآِخَرَ بِأَنْ يَسْقِيَ أَرْضَهُ مِنْ شِرْبِهِ جَازَ ذَلِكَ وَكَانَ لِلْمُوصَى لَهُ سَقْيُ أَرْضِهِ، وَيَنْتَهِي حَقُّهُ فِي ذَلِكَ بِوَفَاتِهِ، لأِنَّهَا وَصِيَّةٌ بِمَنَافِعَ وَهِيَ تَنْتَهِي بِمَوْتِ الْمُنْتَفِعِ كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْكَاسَانِيُّ فِي الْبَدَائِعِ .
اعْتِبَارُ الْقِدَمِ فِي حَقِّ الْمَسِيلِ
5 - يُعْتَبَرُ الْقِدَمُ فِي حَقِّ الْمَسِيلِ - لَكِنِ الْقِدَمُ غَيْرُ مُنْشِئٍ لِلْحَقِّ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مَعَ تَفْصِيلٍ أَوْرَدَهُ بَعْضُ الْمَذَاهِبِ وَمَعْنَى اعْتِبَارِهِ:
أَنْ يَتْرُكَ الْمَسِيلَ وَمَا يُمَاثِلَهُ كَالْمِيزَابِ عَلَى وَجْهِهِ الْقَدِيمِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ، لأِنَّ الشَّيْءَ الْقَدِيمَ يَبْقَى عَلَى حَالِهِ وَلاَ يَتَغَيَّرُ إِلاَّ أَنْ يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى خِلاَفِهِ.
أَمَّا الْقَدِيمُ الْمُخَالِفُ لِلشَّرْعِ فَلاَ اعْتِبَارَ لَهُ، يَعْنِي إِذَا كَانَ الشَّيْءُ الْمَعْمُولُ غَيْرَ مَشْرُوعٍ فِي الأْصْلِ فَلاَ اعْتِبَارَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ قَدِيمًا، وَيُزَالُ إِنْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ فَاحِشٌ، لأِنَّ الْقَاعِدَةَ الْعَامَّةَ لِبَقَاءِ حَقِّ الْمَسِيلِ وَمَا يُمَاثِلُهُ مِنْ حُقُوقٍ: أَلاَّ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا ضَرَرٌ، وَإِلاَّ وَجَبَ إِزَالَةُ مَنْشَأِ هَذَا الضَّرَرِ، فَمَثَلاً إِذَا كَانَ لِدَارٍ مَسِيلُ مَاءٍ قَذِرٍ فِي الطَّرِيقِ الْعَامِّ وَلَوْ مِنَ الْقَدِيمِ وَكَانَ فِيهِ ضَرَرٌ لِلْمَارَّةِ فَإِنَّ ضَرَرَهُ يُرْفَعُ، وَلاَ اعْتِبَارَ لِقِدَمِهِ، لأِنَّ الضَّرَرَ لاَ يَكُونُ قَدِيمًا لِوُجُوبِ إِزَالَتِهِ .
قَالَ الْبُهُوتِيُّ: وَمَتَى وَجَدَ سَيْلَ مَائِهِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، أَوْ وَجَدَ مَجْرَى مَاءِ سَطْحِهِ عَلَى سَطْحِ غَيْرِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ سَبَبَهُ فَهُوَ حَقٌّ لَهُ، لأِنَّ الظَّاهِرَ وَضْعُهُ بِحَقِّ مِنْ صُلْحٍ أَوْ غَيْرِهِ خُصُوصًا مَعَ تَطَاوُلِ الأْزْمِنَةِ .
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: الْقِدَمُ يَتَحَقَّقُ بِمُضِيِّ عَشْرِ سَنَوَاتٍ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَبِمُضِيِّ عِشْرِينَ سَنَةٍ عِنْدَ أَصْبَغٍ، وَعَنْ سَحْنُونٍ فِي مَصَبِّ مَاءٍ أَوْ مَسِيلٍ يَكْفِي مُضِيُّ أَرْبَعِ سَنَوَاتٍ عَلَيْهِ، قَالَ الْوَنْشَرِيسِيُّ: وَبِالأْوَّلِ مَضَى الْعَمَلُ .
وَقَدْ فَرَّعَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى ذَلِكَ فُرُوعًا:
فَقَدْ جَاءَ فِي مَجَلَّةِ الأْحْكَامِ الْعَدْلِيَّةِ: لِدَارٍ مَسِيلُ مَطَرٍ عَلَى دَارِ الْجَارِ مِنَ الْقَدِيمِ وَإِلَى الآْنِ، فَلَيْسَ لِلْجَارِ مَنْعُهُ قَائِلاً: لاَ أَدَعُهُ يَسِيلُ بَعْدَ ذَلِكَ .
قَالَ فِي الْخَانِيَةِ: وَهَذَا جَوَابُ الاِسْتِحْسَانِ فِي الْمِيزَابِ وَمَسِيلِ مَاءِ السَّطْحِ، وَفِي الْقِيَاسِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إِلاَّ أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ لَهُ مَسِيلَ مَاءٍ فِي دَارِهِ، وَالْفَتْوَى عَلَى جَوَابِ الاِسْتِحْسَانِ .
وَذَكَرَ الْحَنَابِلَةُ نَحْوَهُ قَالَ الْبُهُوتِيُّ: فَإِنِ اخْتَلَفَا فِي أَنَّهُ وُضِعَ بِحَقِّ أَوَّلاً، فَقَوْلُ صَاحِبِ الْمَسِيلِ وَنَحْوِهِ إِنَّهُ وُضِعَ بِحَقِّ مَعَ يَمِينِهِ عَمَلاً بِظَاهِرِ الْحَالِ، فَإِنْ زَالَ فَلِرَبِّهِ إِعَادَتُهُ لأِنَّ الظَّاهِرَ اسْتِمْرَارُ حَقِّهِ فِيهِ فَلاَ يَزُولُ حَتَّى يُوجَدَ مَا يُخَالِفُهُ .
وَجَاءَ فِي مَجَلَّةِ الأْحْكَامِ الْعَدْلِيَّةِ الْمَادَّةِ (1230): (دُورٌ فِي طَرِيقٍ لَهَا مَيَازِيبٌ مِنْ القَدِيمٍ مُنَصَّبَةٌ عَلَى ذَلِكَ الطَّرِيقِ، وَمِنْهُ تَمْتَدُّ إِلَى عَرْصَةٍ وَاقِعَةٍ فِي أَسْفَلِهِ جَارِيَةٍ مِنَ الْقَدِيمِ لَيْسَ لِصَاحِبِ الْعَرْصَةِ سَدُّ ذَلِكَ الْمَسِيلِ الْقَدِيمِ، فَإِنْ سَدَّهُ يُرْفَعُ السَّدُّ مِنْ طَرَفِ الْحَاكِمِ وَيُعَادُ إِلَى وَضْعِهِ الْقَدِيمِ) لأِنَّهُ يُرِيدُ بِالسَّدِّ دَفْعَ الضَّرَرِ عَنْ عَرْصَتِهِ وَفِي ذَلِكَ ضَرَرٌ بِالطَّرِيقِ الَّذِي تُنْصَبُ إِلَيْهِ الْمَيَازِيبُ وَهُوَ لاَ يَجُوزُ، لأِنَّ ذَلِكَ الطَّرِيقَ إِنْ كَانَ خَاصًّا فَفِيهِ دَفْعُ الضَّرَرِ الْخَاصِّ بِمِثْلِهِ.
وَقَدْ وَرَدَ فِي الْمَادَّةِ (25) أَنَّ الضَّرَرَ لاَ يُزَالُ بِمِثْلِهِ، وَإِنْ كَانَ عَامًّا فَفِيهِ دَفْعُ الضَّرَرِ الْخَاصِّ بِالضَّرَرِ الْعَامِّ وَقَدْ وَرَدَ فِي الْمَادَّةِ (26) أَنَّهُ يُتَحَمَّلُ الضَّرَرُ الْخَاصُّ لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْعَامِّ وَلاَ سَبِيلَ إِلَى رَفْعِ الْمَيَازِيبِ عَنِ الطَّرِيقِ الْخَاصِّ لأِنَّهَا قَدِيمَةٌ وَلاَ عَنِ الطَّرِيقِ الْعَامِّ لأِنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقِ الضَّرَرُ حَيْثُ كَانَ مَسِيلُ الْمَاءِ إِلَى الْعَرْصَةِ الْمَذْكُورَةِ قَدِيمًا فَاتَّضَحَ بِمَا ذُكِرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالطَّرِيقِ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ مَا يَعُمُّ الْخَاصَّ وَالْعَامَّ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى الإْطْلاَقِ .
وَقَالَ فِي الْمَادَّةِ (1232) مِنَ الْمَجَلَّةِ (حَقُّ مَسِيلٍ لِسِيَاقٍ مَالِحٍ فِي دَارٍ لَيْسَ لِصَاحِبِ الدَّارِ أَوْ لِمُشْتَرِيهَا إِذَا بَاعَهَا مَنْعُ جَرْيِهِ بَلْ يَبْقَى كَمَا فِي السَّابِقِ) قَالَ شَارِحُهَا: نَعَمْ لِلْمُشْتَرِي إِذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِذَلِكَ وَقْتَ الْبَيْعِ خِيَارُ الْفَسْخِ لأِنَّهُ عَيْبٌ وَهُوَ ثَابِتٌ بِحَقٍّ لاَزِمٍ وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي مَنْعُهُ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ .
نَفَقَةُ إِصْلاَحِ الْمَسِيلِ
6 - قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مَنْ لَهُ حَقٌّ فِي إِجْرَاءِ مَاءٍ عَلَى سَطْحِ غَيْرِهِ أَنَّ نَفَقَةَ السَّطْحِ عَلَى صَاحِبِهِ .
قِسْمَةُ الْمَسِيلِ وَدُخُولُهُ فِي الْمَقْسُومِ
7 - قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنْ كَانَ مَسِيلُ مَاءٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَأَرَادَ أَحَدُهُمَا قِسْمَةَ ذَلِكَ وَأَبَى الآْخَرُ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ مَوْضِعٌ يَسِيلُ مِنْهُ مَاؤُهُ سِوَى هَذَا قُسِمَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَوْضِعٌ آخَرُ إِلاَّ بِضَرَرٍ لَمْ يُقْسَمْ .
وَأَمَّا دُخُولُ الْمَسِيلِ فِي الْعَقَارِ الْمَقْسُومِ فَقَدْ نَصَّتِ الْمَادَّةُ (1165) مِنَ الْمَجَلَّةِ الْعَدْلِيَّةِ عَلَى أَنَّ حَقَّ الطَّرِيقِ وَالْمَسِيلِ فِي الأْرَاضِيِ الْمُجَاوِرَةِ لِلْمَقْسُومِ دَاخِلٌ فِي الْقِسْمَةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ فِي أَيِّ حِصَّةٍ وَقَعَ يَكُونُ مِنْ حُقُوقِ صَاحِبِهَا، سَوَاءٌ قِيلَ: بِجَمِيعِ حُقُوقِهَا أَوْ لَمْ يُقَلْ.
قَالَ شَارِحُهَا الأْتَاسِيُّ: احْتُرِزَ بِقَوْلِهِ فِي الأْرَاضِيِ الْمُجَاوِرَةِ عَمَّا إِذَا كَانَ الطَّرِيقُ أَوِ الْمَسِيلُ فِي الْحِصَّةِ الأْخْرَى فَحُكْمُهُ كَمَا فِي الْمَادَّةِ الآْتِيَةِ (1166) ثُمَّ إِنَّ قَوْلَهُ: (سَوَاءٌ قِيلَ بِجَمِيعِ حُقُوقِهَا) هُوَ مَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي مُخْتَصَرِهِ (كَمَا فِي الْهِنْدِيَّةِ).
وَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الأْصْلِ: إِذَا كَانَتِ الأْرْضُ بَيْنَ قَوْمٍ مِيرَاثًا اقْتَسَمُوهَا بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَأَصَابَ كُلَّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ قَرَاحٌ عَلَى حِدَةٍ، فَلَهُ مَسِيلُ مَائِهِ وَكُلُّ حَقٍّ لَهَا، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا لاَ يَدْخُلاَنِ (كَذَا فِي الْمُحِيطِ).
وَنَقَلَ شَارِحُ الْمَجَلَّةِ عَنِ الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ عَازِيًا لِلذَّخِيرَةِ مَا نَصُّهُ: وَذَكَرَ شَيْخُ الإْسْلاَمِ فِي قِسْمَةِ الأْرَاضِيِ وَالْقُرَى: أَنَّ الطَّرِيقَ وَمَسِيلَ الْمَاءِ يَدْخُلاَنِ فِي الْقِسْمَةِ بِدُونِ ذِكْرِ الْحُقُوقِ وَالْمَرَافِقِ إِذَا كَانَ الطَّرِيقُ وَمَسِيلُ الْمَاءِ فِي أَرْضِ الْغَيْرِ، وَلَمْ يَكُونَا فِي أَنْصِبَائِهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ إِحْدَاثُ هَذِهِ الْحُقُوقِ فِي أَنْصِبَائِهِ حَتَّى لاَ تَفْسُدَ الْقِسْمَةُ.
وَعَلَيْهِ مَحْمَلُ كَوْنِ الصَّحِيحِ أَنَّ الطَّرِيقَ وَالْمَسِيلَ لاَ يَدْخُلاَنِ، عَلَى مَا إِذَا لَمْ يَكُونَا فِي أَرْضِ الْغَيْرِ، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمَادَّةِ (فِي الأْرَاضِي الْمُجَاوِرَةِ) .
وَنَصَّتِ الْمَادَّةُ (1166) مِنَ الْمَجَلَّةِ عَلَى أَنَّهُ إِذَا شُرِطَ حِينَ الْقِسْمَةِ كَوْنَ طَرِيقِ الْحِصَّةِ أَوْ مَسِيلِهَا فِي الْحِصَّةِ الأْخْرَى فَالشَّرْطُ مُعْتَبَرٌ، وَهَذَا إِذَا لَمْ يَكُونَا مَوْجُودَيْنِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَمِثْلُهُ - بَلْ أَوْلَى - مَا إِذَا كَانَا مَوْجُودَيْنِ قَبْلَهَا فَاشْتَرَطَا تَرْكَهُمَا عَلَى حَالِهِمَا.
وَقَوْلُهُ: (إِذَا شُرِطَ) احْتِرَازٌ عَمَّا إِذَا لَمْ يُشْتَرَطْ شَيْءٌ وَحُكْمُهُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَادَّةِ وَهُوَ (إِذَا كَانَ طَرِيقُ حِصَّتِهِ فِي حِصَّةٍ أُخْرَى، وَلَمْ يُشْتَرَطْ بَقَاؤُهُ حِينَ الْقِسْمَةِ، فَإِنْ كَانَ قَابِلَ التَّحْوِيلِ إِلَى طَرَفٍ آخَرَ يُحَوَّلْ سَوَاءٌ قِيلَ حِينَ الْقِسْمَةِ: بِجَمِيعِ حُقُوقِهَا أَوْ لَمْ يُقَلْ، أَمَّا إِذَا كَانَ الطَّرِيقُ غَيْرَ قَابِلٍ التَّحْوِيلَ إِلَى طَرَفٍ آخَرَ فَيُنْظَرُ إِنْ قِيلَ حِينَ الْقِسْمَةِ بِجَمِيعِ حُقُوقِهَا فَالطَّرِيقُ دَاخِلٌ يَبْقَى عَلَى حَالِهِ، وَإِنْ لَمْ يُذْكُرِ التَّعْبِيرُ الْعَامُّ كَقَوْلِهِمْ بِجَمِيعِ حُقُوقِهَا تَنْفَسِخِ الْقِسْمَةُ وَالْمَسِيلُ فِي هَذَا الْخُصُوصِ كَالطَّرِيقِ بِعَيْنِهِ.
الْمَسِيلُ الْوَاقِعُ فِي دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ
8 - نَصَّتِ الْمَادَّةُ (1168) مِنَ الْمَجَلَّةِ عَلَى أَنَّهُ: (إِذَا كَانَ لِوَاحِدٍ حَقُّ مَسِيلٍ فِي دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ فَفِي قِسْمَةِ الدَّارِ بَيْنَهُمَا يُتْرَكُ الْمَسِيلُ عَلَى حَالِهِ) .
إِحْدَاثُ الْمَسِيلِ فِي مِلْكٍ عَامٍّ أَوْ مِلْكٍ خَاصٍّ
9 - نَصَّتِ الْمَادَّةُ (1231) مِنَ الْمَجَلَّةِ الْعَدْلِيَّةِ: عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لأِحَدٍ أَنْ يُجْرِيَ مَسِيلَ مَحَلِّهِ الْمُحْدَثِ إِلَى دَارِ آخَرَ، الْمُرَادُ أَنَّهُ لَيْسَ لأِحَدٍ إِحْدَاثُ مَسِيلِ مَحَلِّهِ إِلَى دَارِ آخَرَ حَتَّى لَوْ كَانَ مَحَلُّهُ قَدِيمًا.
فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُحَوِّلَ مَسِيلَهُ إِلَى دَارِ غَيْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ مُضِرًّا أَوْ لاَ، لأِنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِلاَ إِذْنِهِ، وَكَمَا جَاءَ فِي الْمَادَّةِ (96) أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ، حَتَّى لَوْ أَذِنَ لَهُ بِذَلِكَ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْ ذَلِكَ كَمَا نَصَّتْ عَلَيْهِ الْمَادَّةُ (1226) (لِلْمُبِيحِ صَلاَحِيَةُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ إِبَاحَتِهِ وَالضَّرَرُ لاَ يَكُونُ لاَزِمًا بِالإْذْنِ وَالرِّضَا..) .
وَقَالَ الْبُهُوتِيُّ: (وَيَحْرُمُ إِجْرَاءُ مَاءٍ فِي مِلْكِ إِنْسَانٍ بِلاَ إِذْنِهِ وَلَوْ مَعَ عَدَمِ تَضَرُّرِهِ أَوْ مَعَ عَدَمِ تَضَرُّرِ أَرْضِهِ بِذَلِكَ، لأِنَّهُ اسْتِعْمَالٌ لِمِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَلَوْ كَانَ رَبُّ الْمَاءِ مَضْرُورًا إِلَى إِجْرَائِهِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ فَلاَ يَجُوزُ لَهُ .
وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَلَهُمْ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ:
قَالَ الْوَنْشَرِيسِيُّ: الْمَرَافِقُ الَّتِي لاَ ضَرَرَ فِيهَا لاَ يُمْنَعُ مِنْهَا مَنْ أَرَادَ إِحْدَاثَهَا لأِنَّهُ يَنْتَفِعُ هُوَ وَغَيْرُهُ لاَ يَسْتَضِرُّ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمَرَافِقِ الَّتِي فِيهَا يَسِيرُ ضَرَرٍ عَلَى الْجَارِ هَلْ يُقْضَى بِهَا عَلَيْهِ أَوْ يُنْدَبُ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ عَلَى قَوْلَيْنِ كَغَرْزِ الرَّجُلِ خَشَبَةَ حَائِطِهِ فِي جِدَارِ جَارِهِ، فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي مَالِ الْجَارِ مَعَ شَيْءٍ مِنْ ضَرَرٍ فَكَيْفَ مَا لاَ ضَرَرَ فِيهِ بِوَجْهٍ.
أَمَّا إِنْ أَحْدَثَ الرَّجُلُ فِي طَرِيقٍ مَا فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى مَنْ يَمُرُّ فِيهِ فَلاَ يَسُوغُ لَهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ فِي الطَّرِيقِ الْمُتَمَلَّكَةِ كَمَا فِي النَّازِلَةِ، وَلاَ يَسُوغُ ذَلِكَ فِي الْمَحَجَّاتِ وَلاَ فِي الطَّرِيقِ غَيْرِ الْمُتَمَلَّكَةِ بِإِذْنٍ وَلاَ بِغَيْرِ إِذْنٍ، لأِنَّ الْمَنْفَعَةَ غَيْرُ خَاصَّةٍ بِالإْذْنِ فَلاَ إِذْنَ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ.
ثُمَّ قَالَ: رَجُلٌ لَهُ مَسْكَنٌ نَازَعَهُ جَارُهُ فِي مِرْحَاضٍ بِهِ، وَاخْتَلَفُوا فِي قِدَمِهِ وَحُدُوثِهِ.
وَسَاقَ تَفْصِيلَ الْمَسْأَلَةِ ثُمَّ قَالَ: إِنْ كَانَ مَا ذُكِرَ مِنَ الْمَجْرَى مُضِرَّةٌ بِالطَّرِيقِ بِسَبَبِ الْمِرْحَاضِ فَالْحُكْمُ الْمَنْعُ مِنْ كُلِّ مَا يَضُرُّ بِالطَّرِيقِ وَلاَ تُسْتَحَقُّ عَلَى الطُّرُقِ إِذَا كَانَ فِيهِ إِضْرَارٌ بِهَا لأِنَّ الطَّرِيقَ قَدِيمَةٌ وَمَصَالِحَهَا عَامَّةٌ وَالإْحْدَاثَاتُ الْمُضِرَّةُ بِهَا تُرْفَعُ عَنْهَا وَإِنْ قَدُمَتْ، فَيُتْرَكُ الْكُرْسِيُّ فِي دَارِ صَاحِبِه وَالْمَجْرَى إِذَا لَمْ يَثْبُتْ حُدُوثُ مَضَرَّةٍ بِسَبَبِ ذَلِكَ عَلَى أَحَدٍ، وَيُمْنَعُ مَالِكُ الْمَجْرَى مِنْ إِجْرَاءِ مِرْحَاضِهِ عَلَيْهِ إِذَا كَانَتْ تُفْضِي إِلَى طَرِيقِ النَّاسِ .
وَقَالَ فِي الْبَهْجَةِ: إِذَا تَنَازَعَا فِي قِدَمِهِ وَحُدُوثِهِ مَحْمُولٌ عَلَى الْحُدُوثِ حَتَّى يُثْبِتَا خِلاَفَهُ .
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / التاسع والثلاوثون ، الصفحة / 39
الْقُيُودُ الْوَارِدَةُ عَلَى الْمِلْكِ:
تَرِدُ عَلَى الْمِلْكِ قُيُودٌ تَتَعَلَّقُ إِمَّا بِالأْسْبَابِ أَوْ بِالاِسْتِعْمَالِ أَوْ بِالاِنْتِقَالِ، وَكَذَلِكَ الْقُيُودُ الَّتِي أُعْطِيَتْ لِوَلِيِّ الأْمْرِ وَلِلْمُتَعَاقِدِ.
أَوَّلاً - الْقُيُودُ الْوَارِدَةُ عَلَى أَسْبَابِ الْمِلْكِ
10 - تَظْهَرُ هَذِهِ الْقُيُودُ مِنْ خِلاَلِ كَوْنِ أَسْبَابِ كَسْبِ الْمِلْكِ فِي الشَّرِيعَةِ مُقَيَّدَةٌ بِأَنْ تَكُونَ مَشْرُوعَةً، وَلَيْسَتْ مُطْلَقَةً، وَلِذَلِكَ فَالْوَسَائِلُ الْمُحَرَّمَةُ مِنْ سَرِقَةٍ، وَغَصْبٍ، أَوِ اسْتِغْلاَلٍ، أَوْ قِمَارٍ، أَوْ رِبًا، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لَيْسَتْ مِنْ أَسْبَابِ التَّمَلُّكِ، حَيْثُ قَطَعَتِ الشَّرِيعَةُ الطَّرِيقَ بَيْنَ الأْسْبَابِ الْمُحَرَّمَةِ وَالْمِلْكِ، وَمَنَعَتْهَا مَنْعًا بَاتًّا، وَطَالَبَتِ الْمُؤْمِنِينَ جَمِيعًا أَنْ تَكُونَ أَمْوَالُهُمْ حَلاَلاً طَيِّبًا، وَبِذَلِكَ وَرَدَتِ الآْيَاتُ وَالأْحَادِيثُ الْكَثِيرَةُ، مِنْهَا قوله تعالي : (لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) . حَيْثُ مَنَعَ أَكْلَ أَمْوَالِ النَّاسِ إِلاَّ عَنْ طَرِيقِ الرِّضَا وَالإْرَادَةِ.
وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِأَكْلِ الطَّيِّبَاتِ فَقَالَ تَعَالَى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) .
وَقَدْ وَرَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ : (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) وَقَالَ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ».
ثَانِيًا - الْقُيُودُ الْوَارِدَةُ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمِلْكِ
11 - وَضَعَتِ الشَّرِيعَةُ قُيُودًا عَلَى الْمِلْكِ مِنْ حَيْثُ الاِسْتِعْمَالِ فَأَوْجَبَتْ عَلَى الْمَالِكِ:
أ - أَنْ لاَ يَكُونَ مُبَذِّرًا مُسْرِفًا، وَلاَ مُقَتِّرًا بَخِيلاً، قَالَ تَعَالَى : (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) وَقَالَ سُبْحَانَهُ (وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا) .
وَالآْيَاتُ وَالأْحَادِيثُ فِي هَذَا الْمَجَالِ كَثِيرَةٌ تَدُلُّ عَلَى حُرْمَةِ الإْسْرَافِ وَالتَّبْذِيرِ وَتَضْيِيعِ الْمَالِ بِدُونِ فَائِدَةٍ حَتَّى فِي مَجَالِ الأْكْلِ، يَقُولُ مُحَمَّدٌ بْنِ حَسَنٍ الشَّيْبَانِيُّ: ثُمَّ الْحَاصِلُ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمَرْءِ فِيمَا اكْتَسَبَهُ مِنَ الْحَلاَلِ الإْفْسَادُ، وَالسَّرَفُ، وَالتَّقْتِيرُ... ثُمَّ السَّرَفُ فِي الطَّعَامِ أَنْوَاعٌ: وَمِنْهُ الاِسْتِكْثَارُ فِي الْمُبَاحَاتِ وَالأْلْوَانِ .
ب - أَلاَّ يَسْتَعْمِلَ الْمَالِكُ مَا حَرَّمَهُ الشَّرْعُ، وَمِنْ ذَلِكَ حُرْمَةُ لُبْسِ الْحَرِيرِ لِلرِّجَالِ وَاسْتِعْمَالِ الذَّهَبِ لَهُمْ وَاسْتِعْمَالِ أَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ
ج - وُجُوبُ الاْسْتِنْمَاءِ فِي الْجُمْلَةِ وَعَدَمِ تَعْطِيلِ الأْمْوَالِ حَتَّى تُؤَدِّيَ دَوْرَهَا فِي التَّدَاوُلِ وَالتَّعْمِيرِ، تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الآْيَاتُ وَالأْحَادِيثُ الْكَثِيرَةُ الَّتِي تُطَالِبُ بِالْعَمَلِ وَالتِّجَارَةِ وَالصِّنَاعَةِ وَالزِّرَاعَةِ بِصِيَغِ الأْوَامِرِ، وَمِنْهَاقوله تعالي : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأْرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ) وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأْرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ) وَمِنَ الأْحَادِيثِ قَوْلُ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم: «مَنْ وَلِيَ يَتِيمًا لَهُ مَالٌ فَلْيَتَّجِرْ فِيهِ وَلاَ يَتْرُكُهُ حَتَّى تَأْكُلَهُ الصَّدَقَةُ» . كَمَا صَرَّحَ الْفُقَهَاءُ بِأَنَّ مَا لاَ تَتِمُّ مَصَالِحُ الأْمَّةِ إِلاَّ بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، وَنَصُّوا عَلَى أَنَّ الْحِرَفَ وَالصَّنَائِعَ وَالتِّجَارَةَ الْمُحْتَاجَ إِلَيْهَا مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ لأِنَّ قِيَامَ الدُّنْيَا بِهَا، وَقِيَامَ الدِّينِ يَتَوَقَّفُ عَلَى أَمْرِ الدُّنْيَا، حَتَّى لَوِ امْتَنَعَ الْخَلْقُ مِنْهُ أَثِمُوا، وَكَانُوا سَاعِينَ فِي إِهْلاَكِ أَنْفُسِهِمْ، لَكِنَّ النُّفُوسَ مَجْبُولَةٌ عَلَى الْقِيَامِ بِهِ، فَلاَ تَحْتَاجُ إِلَى حَثٍّ عَلَيْهَا وَتَرْغِيبٍ فِيهَا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ بْنُ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيُّ: ثُمَّ الْمَذْهَبُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْكَسْبَ بِقَدْرِ مَا لاَ بُدَّ مِنْهُ فَرِيضَةٌ .
وَيُنْظَرُ مُصْطَلَحُ (إِنْمَاءٌ ف 10 - 17).
د - عَدَمُ الإْضْرَارِ بِالْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ: اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلشَّخْصِ فِي اسْتِعْمَالِهِ مِلْكَهُ أَنْ يَقْصِدَ الإْضْرَارَ بِالْغَيْرِ، لِقَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم: «لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ» وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الإْضْرَارِ بِأَحَدٍ لاَ فِي مَالِهِ، وَلاَ فِي نَفْسِهِ وَلاَ فِي عِرْضِهِ.
وَكَذَلِكَ لاَ يَجُوزُ مُقَابَلَةُ الضَّرَرِ بِالضَّرَرِ وَالإْتْلاَفِ بِالإْتْلاَفِ، فَكُلُّ تَصَرُّفٍ - وَلَوْ كَانَ فِي مِلْكِ الْمَالِكِ - يُمْنَعُ إِذَا أَدَّى إِلَى الإْضْرَارِ بِالآْخَرِينَ، وَلِذَلِكَ مَنَعَ الْفُقَهَاءُ الْمَالِكَ مِنْ إِشْعَالِ النَّارِ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ، وَلَوْ كَانَ فِي مِلْكِهِ، مَا دَامَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ إِحْرَاقُ شَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِ الْجِيرَانِ، حَيْثُ يُعْتَبَرُ مُتَعَدِّيًا، وَعَلَيْهِ الضَّمَانُ .
12 - وَلَكِنَّ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا فِي مَنْعِ الْجَارِ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ الْمُعْتَادَةِ الَّتِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الإْضْرَارُ بِالْجَارِ عَلَى ثَلاَثَةِ مَذَاهِبَ:
فَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ، وَهُمْ مُتَقَدِّمُو الْحَنَفِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى الرَّاجِحِ، وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْنَعُ مَا دَامَ فِيهِ قَصْدُ الإْضْرَارِ، أَوْ كَانَ الضَّرَرُ فَاحِشًا، وَهُمُ الْمَالِكِيَّةُ، وَأَحْمَدُ فِي الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ، وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الضَّرَرِ الْفَاحِشِ فَيُمْنَعُ، وَغَيْرُ الْفَاحِشِ الَّذِي لاَ يُمْنَعُ، وَهُوَ رَأْيُ أَبِي يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ، وَمُتَأَخِّرِي الْحَنَفِيَّةِ، وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ .
وَكَمَا مَنَعَتِ الشَّرِيعَةُ الإْضْرَارَ بِالأْفْرَادِ مَنَعَتِ الإْضْرَارَ بِالْمُجْتَمَعِ، وَلِذَلِكَ حَرَّمَتِ الاِحْتِكَارَ وَالرِّبَا، وَالْمُتَاجَرَةَ الْمُؤَدِّيَةَ إِلَى الْفَسَادِ.
ثَالِثًا - الْقُيُودُ الْوَارِدَةُ عِنْدَ انْتِقَالِ الْمِلْكِ
13 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ لاِنْتِقَالِ الْمِلْكِ شُرُوطًا وَضَوَابِطَ، وَجَعَلَتِ الشَّرِيعَةُ وَسَائِلَ الاِنْتِقَالِ - كَقَاعِدَةٍ عَامَّةٍ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ - فِي الرِّضَا وَالإْرَادَة، بَلِ اشْتَرَطَتْ أَنْ يَكُونَ الرِّضَا غَيْرَ مَشُوبٍ بِعُيُوبِ الرِّضَا وَعُيُوبِ الإْرَادَة، مِنَ الْغِشِّ وَالتَّدْلِيسِ وَالاِسْتِغْلاَلِ وَالإْكْرَاهِ وَالْغَلَطِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : (لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) وَلِقَوْلِ الرَّسُولِ صلي الله عليه وسلم: «إِنَّمَا الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ» وَقَوْلِهِ: «لاَ يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ مَا أَعْطَاهُ عَنْ طِيبِ نَفْسِهِ».
وَلِلتَّفْصِيلِ ر: مُصْطَلَحَ (رِضًا ف 13 وَمَا بَعْدَهَا).
كَذَلِكَ حَدَّدَ الْفُقَهَاءُ إِرَادَةَ الْمَالِكِ الْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ بِالثُّلُثِ إِذَا كَانَتْ تَصَرُّفَاتُهُ عَطَاءً وَهِبَةً، أَوْ مُحَابَاةً، أَوْ وَصِيَّةً .
ر: مُصْطَلَحَ (مَرَضُ الْمَوْتِ).
وَقَدْ قَيَّدَتِ الشَّرِيعَةُ إِرَادَةَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ فِي الْعُقُودِ الَّتِي فِيهَا ضَرَرٌ، أَوْ مِنْ شَأْنُهَا الضَّرَرُ عَلَى تَفْصِيلٍ يُرَاجَعُ فِيهِ مُصْطَلَحُ: (حَجْرٌ، سَفَهٌ ف 26 وَمَا بَعْدَهَا).
وَأَمَّا فِي حَالَةِ الْمَوْتِ فَإِنَّ جَمِيعَ أَمْوَالِ الْمَيِّتِ تَنْتَقِلُ إِلَى الْوَرَثَةِ حَسَبَ قَوَاعِدِ الْفَرَائِضِ، كَمَا أَنَّ وَصِيَّتَهُ تُنَفَّذُ فِي حُدُودِ الثُّلُثِ، وَتَنْتَقِلُ إِلَى الْمُوصَى إِلَيْهِمْ.
وَلِلتَّفْصِيلِ يُرَاجَعُ مُصْطَلَحُ (إِرْثٌ ف 14، وَصِيَّةٌ).
رَابِعًا - الْقُيُودُ الَّتِي أُعْطِيَتْ لِوَلِيِّ الأْمْرِ:
أَعْطَتِ الشَّرِيعَةُ الإْسْلاَمِ يَّةُ وَلِيَّ الأْمْرِ حَقَّ وَضْعِ قُيُودٍ عَلَى الْمِلْكِ وَمِنْ ذَلِكَ:
الأْوَّلُ - تَقْيِيدُ الْمِلْكِ الْخَاصِّ لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ
14 - تُقِرُّ الشَّرِيعَةُ الْمِلْكَ لِلأْفْرَادِ وَتَحْمِيهِ وَتَصُونَهُ، وَمِعْيَارُ تَقْيِيدِهِ فِيهَا يَقُومُ عَلَى الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ الَّتِي لاَ تَخْتَصُّ بِوَاحِدٍ مُعَيَّنٍ، أَوْ جَمَاعَةٍ مُعَيَّنَةٍ، وَإِنَّمَا تَعُمُّ الْمُجْتَمَعَ، يَقُولُ الشَّاطِبِيُّ: لأِنَّ الْمَصَالِحَ الْعَامَّةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمَصَالِحِ الْخَاصَّةِ .
فَحَقُّ الْمِلْكِ، وَإِنْ كَانَ خَاصًّا بِصَاحِبِهِ، وَمِنْ حَقِّهِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ كَمَا يَشَاءُ، إِلاَّ أَنَّ حَقَّ الْغَيْرِ مَصُونٌ وَمُحَافَظٌ عَلَيْهِ شَرْعًا، فَمُرَاعَاةُ مَصَالِحِ الآْخَرِينَ قَيْدٌ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْحُقُوقِ وَمِنْهَا الْمِلْكُ، يَقُولُ الشَّاطِبِيُّ: لأِنَّ طَلَبَ الإْنْسَانِ لِحَظِّهِ حَيْثُ أُذِنَ لَهُ لاَ بُدَّ فِيهِ مِنْ مُرَاعَاةِ حَقِّ اللَّهِ وَحَقِّ الْمَخْلُوقِينَ .
وَحَقُّ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالنَّفْعِ الْعَامِّ.
الثَّانِي - الْقُيُودُ الَّتِي أُعْطِيَتْ لِوَلِيِّ الأْمْرِ عَلَى حَقِّ التَّمَلُّكِ:
وَيَنْدَرِجُ تَحْتَهَا مَا يَلِي:
أ - إِحْيَاءُ الأْرْضِ الْمَوَاتِ:
15 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَمَلُّكِ الأْرْضِ الْمَوَاتِ بِالإْحْيَاءِ دُونَ إِذْنِ الإْمَامِ ، أَوْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ إِذْنُ الإْمَامِ لِتَمَلُّكِهَا، فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ فِي الإْحْيَاءِ إِذْنُ الإْمَامِ .
وَخَالَفَهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْمَالِكِيَّةُ عَلَى تَفْصِيلٍ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (إِحْيَاءُ الْمَوَاتِ ف 14).
ب - تَمَلُّكُ الْمَعَادِنِ
16 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمَعَادِنَ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ جَامِدَةً أَمْ سَائِلَةً، وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ ظَاهِرَةً أَمْ فِي بَاطِنِ الأْرْضِ ، وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ مِلْكًا خَاصًّا أَمْ غَيْرَ مَمْلُوكَةٍ فَهِيَ مِلْكٌ لِلدَّوْلَةِ (جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ) تَتَصَرَّفُ فِيهَا بِمَا يُحَقِّقُ الْمَصْلَحَةَ الْعَامَّةَ بِتَأْجِيرِهَا لِمُدَّةِ مَعْلُومَةٍ، أَوْ إِقْطَاعِهَا لاَ عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ .
وَكَذَلِكَ الأْمْرُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي الْمَعَادِنِ الظَّاهِرَةِ فِي أَرْضِ الْمَوَاتِ، حَيْثُ لاَ تُمْلَكُ عِنْدَهُمْ بِالإْحْيَاءِ، لأِنَّ فِي ذَلِكَ إِضْرَارًا بِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْمَعَادِنِ الْبَاطِنَةِ، فَلاَ تُمْلَكُ بِالإْحْيَاءِ عَلَى الرَّاجِحِ فِي الْمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَعَلَى أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (إِحْيَاءُ الْمَوَاتِ ف 29)
ج - الْحِمَى:
17 - الْحِمَى حَيْثُ هُوَ قَيْدٌ عَلَى الإْحْيَاءِ، فَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الصَّحِيحِ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِغَيْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَحْمُوا لأِنْفُسِهِمْ شَيْئًا، وَلَكِنْ لَهُمْ أَنْ يَحْمُوا مَوَاضِعَ لِتَرْعَى فِيهَا خَيْلُ الْمُجَاهِدِينَ، وَنَعَمُ الْجِزْيَةِ وَإِبِلُ الصَّدَقَةِ وَضَوَالُّ النَّاسِ عَلَى وَجْهٍ لاَ يَتَضَرَّرُ بِهِ مَنْ سِوَاهُمْ.
ثُمَّ إِنَّ الْحِمَى نَفْسَهُ مُقَيَّدٌ بِالْمَصْلَحَةِ فَلاَ يَجُوزُ التَّوَسُّعُ فِيهِ.
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (إِحْيَاءُ الْمَوَاتِ ف 21، وَحِمًى ف 6).
الثَّالِثُ - الْقُيُودُ الَّتِي أُعْطِيَتْ لِوَلِيِّ الأْمْرِ عَلَى حَقِّ التَّصَرُّفِ فِي الْمِلْكِ:
لِوَلِيِّ الأْمْرِ الْحَقُّ فِي تَقْيِيدِ تَصَرُّفَاتِ الْمَالِكِ بِمَا تَقْتَضِيهِ الْمَصْلَحَةُ الْعَامَّةُ دُونَ ضَرَرٍ وَلاَ ضِرَارٍ، وَيَظْهَرُ ذَلِكَ فِيمَا يَأْتِي:
أ - التَّسْعِيرُ:
18 - التَّسْعِيرُ هُوَ تَقْدِيرُ السُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ لِلنَّاسِ سِعْرًا وَإِجْبَارُهُمْ عَلَى التَّبَايُعِ بِمَا قَدَّرَهُ. وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الأْصْلَ فِي التَّسْعِيرِ هُوَ الْحُرْمَةُ، أَمَّا جَوَازُ التَّسْعِيرِ فَمُقَيَّدٌ عِنْدَهُمْ بِشُرُوطِ مُعَيَّنَةٍ.
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (تَسْعِيرٌ ف 5 وَمَا بَعْدَهَا).
ب - الاِحْتِكَارُ:
19 - الاِحْتِكَارُ هُوَ شِرَاءُ طَعَامٍ وَنَحْوِهِ، وَحَبْسُهُ إِلَى الْغَلاَءِ. وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الاِحْتِكَارَ بِالْقُيُودِ الَّتِي اعْتَبَرَهَا كُلٌّ مِنْهُمْ مَحْظُورٌ، لِمَا فِيهِ مِنَ الإْضْرَارِ بِالنَّاسِ وَالتَّضْيِيقِ عَلَيْهِمْ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْحَاكِمَ يَأْمُرُ الْمُحْتَكِرَ بِإِخْرَاجِ مَا احْتَكَرَ إِلَى السُّوقِ وَبَيْعِهِ لِلنَّاسِ.
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (احْتِكَارٌ ف 12).
مَدَى سُلْطَانِ الدَّوْلَةِ فِي نَزْعِ الْمِلْكِ
20 - لِلدَّوْلَةِ الْحَقُّ فِي نَزْعِ الْمِلْكِ اسْتِثْنَاءً لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ
قَالَ ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ عِنْدَ إِنْسَانٍ طَعَامٌ وَاضْطُرَّ النَّاسُ إِلَيْهِ يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُمْ .
وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:
أَوَّلاً - اسْتِمْلاَكُ الأْرَاضِي الْمَمْلُوكَةِ مِلْكًا خَاصًّا لأِجْلِ الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ:
21 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا ضَاقَ الْمَسْجِدُ بِالنَّاسِ فَيَجُوزُ تَوْسِعَتُهُ عَلَى حِسَابِ الأْرَاضِي الْمَمْلُوكَةِ مِلْكًا خَاصًّا وَكَذَلِكَ الأْمْرُ إِذَا احْتَاجَ النَّاسُ إِلَى شَقِّ طُرُقٍ عَامَّةٍ أَوْ تَوْسِعَتِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلَكِنْ لاَ بُدَّ مِنْ تَعْوِيضٍ عَادِلٍ يَقُومُ بِتَقْدِيرِهِ ذَوُو الْخِبْرَةِ.
وَقَدْ نَصَّتْ مَجَلَّةُ الأْحْكَامِ الْعَدْلِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ: لَدَى الْحَاجَةِ يُؤْخَذُ مِلْكُ كَائِنٍ مَنْ كَانَ بِالْقِيمَةِ بِأَمْرِ السُّلْطَانِ وَيُلْحَقُ بِالطَّرِيقِ، لَكِنْ لاَ يُؤْخَذُ مِنْ يَدِهِ مَا لَمْ يُؤَدِّ لَهُ الثَّمَنَ وَذَلِكَ لِمَا رُوِيَ عَنِ الصَّحَابَةِ رضي الله تعالي عنهم لَمَّا ضَاقَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ أَخَذُوا أَرَضِينَ بِكُرْهٍ مِنْ أَصْحَابِهَا بِالْقِيمَةِ وَزَادُوا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَبِفِعْلِ عُثْمَانَ رضي الله تعالي عنه فِي تَوْسِيعِهِ مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم .
ثَانِيًا - نَزْعُ الْمِلْكِيَّةِ لأِجْلِ مَصْلَحَةِ الأْفْرَادِ:
22 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا تَعَارَضَتْ مَصْلَحَةٌ فَرْدِيَّةٌ مَعَ مَصْلَحَةٍ فَرْدِيَّةٍ أُخْرَى فَإِنَّ الشَّرِيعَةَ تُقَدِّمُ أَقْوَاهُمَا وَأَوْلاَهُمَا بِالاِعْتِبَارِ وَأَكْثَرِهِمَا دَرْءًا لِلْمَفْسَدَةِ، وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ أَجَازَتِ الشَّرِيعَةُ نَزْعَ الْمِلْكِ الْخَاصِّ، أَوِ التَّمَلُّكَ الْقَهْرِيَّ لأِجْلِ مَصْلَحَةٍ فَرْدِيَّةٍ فِي عِدَّةِ صُوَرٍ، مِنْهَا:
أ - الشُّفْعَةُ:
23 - الشُّفْعَةُ لُغَةً: الضَّمُّ، وَشَرْعًا: تَمْلِيكُ الْبُقْعَةِ جَبْرًا عَلَى الْمُشْتَرِي بِمَا قَامَ عَلَيْهِ بِمِثْلِهِ إِذَا كَانَ مِثْلِيًّا، وَإِلاَّ فَبِقِيمَتِهِ .
وَالشُّفْعَةُ ثَابِتَةٌ لِلشَّرِيكِ بِالاِتِّفَاقِ، وَلِلْجَارِ عَلَى خِلاَفٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، حَيْثُ ذَهَبَ جُمْهُورُهُمُ (الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) إِلَى عَدَمِ ثُبُوتِهَا لِلْجَارِ، فِي حِينِ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى ثُبُوتِهَا لِلْجَارِ الْمُلاَصِقِ .
وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (شُفْعَةٌ ف 4 وَمَا بَعْدَهَا).
ب - بَيْعُ أَمْوَالِ الْمَدِينِ لِصَالِحِ الدَّائِنِ جَبْرًا عَلَيْهِ
24 - أَجَازَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ - مَا عَدَا أَبَا حَنِيفَةَ - بَيْعَ أَمْوَالِ الْمَدِينِ لأِدَاءِ دُيُونِ الْغُرَمَاءِ مَا دَامَ لَهُ مَالٌ، حَيْثُ يَحْجُرُ الْقَاضِي عَلَيْهِ إِذَا طَلَبُوا ذَلِكَ، ثُمَّ يَبِيعُ الْقَاضِي مَالَهُ وَيُوَزِّعُهُ عَلَيْهِمْ حَسَبَ حِصَصِ دُيُونِهِمْ إِذَا امْتَنَعَ الْمَدِينُ عَنْ بَيْعِهِ بِنَفْسِهِ، وَذَلِكَ يَشْمَلُ جَمِيعَ الدُّيُونِ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ دُيُونَ قَرْضٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ نَفَقَةٍ أَوْ دِيَةٍ أَوْ تَعْوِيضٍ .
ج - بَيْعُ الْمَرْهُونِ لأِدَاءِ الدَّيْنِ
25 - لِلْحَاكِمِ أَنْ يُجْبِرَ الرَّاهِنَ عَلَى قَضَاءِ دَيْنِهِ، أَوْ بَيْعِ الْمَرْهُونِ، فَإِنْ أَبَى يَقُومُ الْحَاكِمُ بِبَيْعِهِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ.
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (رَهْنٌ ف 24).
د - الأْشْيَاءُ الَّتِي لاَ تَنْقَسِمُ أَوْ فِي قِسْمَتِهَا ضَرَرٌ:
26 - يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُجْبِرَ عَلَى الْبَيْعِ مَنْ أَبَاهُ إِذَا طَلَبَ الْبَيْعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فِي الأْشْيَاءِ الَّتِي لاَ تَنْقَسِمُ أَوْ فِي قِسْمَتِهَا ضَرَرٌ فَإِذَا امْتَنَعَ بَاعَ عَنْهُ الْحَاكِمُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ اللاَّحِقِ بِالطَّالِبِ، لأِنَّهُ إِذَا بَاعَ نَصِيبَهُ مُفْرَدًا نَقَصَ ثَمَنُهُ .
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (قِسْمَةٌ ف 12 وَمَا بَعْدَهَا).
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الحادي والأربعون ، الصفحة / 387
النَّهْرُ الصَّغِيرُ وَحَقُّ الاِنْتِفَاعِ بِهِ:
7 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ كَانَ النَّهْرُ غَيْرُ الْمَمْلُوكِ صَغِيرًا يَتَزَاحَمُ النَّاسُ عَلَيْهِ وَيَتَشَاحُّونَ فِي مَائِهِ فَلِمَنْ فِي أَوَّلِ النَّهْرِ (أَيْ أَعْلاَهُ) أَنْ يَسْقِيَ أَرْضَهُ وَيَحْبِسَ الْمَاءَ إِلَى الْكَعْبِ، ثُمَّ يُرْسِلَ الْمَاءَ إِلَى الَّذِي يَلِيهِ، ثُمَّ مِنَ الثَّانِي إِلَى الثَّالِثِ، وَهَكَذَا إِلَى أَنْ يَنْتَهِيَ سَقْيُ الأْرَاضِي كُلِّهَا .
وَالأْصْلُ فِي هَذَا مَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ «أَنَّ رَجُلاً مِنَ الأْنْصَارِ خَاصَمَ الزُّبَيْرَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلي الله عليه وسلم - فِي شِرَاجِ الْحَرَّةِ الَّتِي يَسْقُونَ بِهَا النَّخْلَ، فَقَالَ الأْنْصَارِيُّ: سَرِّحِ الْمَاءَ يَمُرُّ، فَأَبَى عَلَيْهِ، فَاخْتَصَمَا عِنْدَ النَّبِيِّ - صلي الله عليه وسلم -، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلي الله عليه وسلم - لِلزُّبَيْرِ: اسْقِ يَا زُبَيْرُ، ثُمَّ أَرْسِلِ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ، فَغَضِبَ الأْنْصَارِيُّ فَقَالَ: أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ؟ فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ - صلي الله عليه وسلم - ثُمَّ قَالَ: اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ احْبِسِ الْمَاءَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْجَدْرِ، فَقَالَ الزُّبَيْرُ: وَاللَّهِ إِنِّي لأَحْسِبُ هَذِهِ الآْيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ ( فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُم ).
وَإِنَّمَا أَمَرَ النَّبِيُّ - صلي الله عليه وسلم - الزُّبَيْرَ - رضي الله عنه - أَنْ يَسْقِيَ ثُمَّ يُرْسِلَ الْمَاءَ تَسْهِيلاً عَلَى غَيْرِهِ، فَلَمَّا قَالَ الأْنْصَارِيُّ مَا قَالَ اسْتَوْعَى النَّبِيُّ - صلي الله عليه وسلم - لِلزُّبَيْرِ حَقَّهُ .
وَقَدْ رَوَى عُبَادَةُ - رضي الله عنه - «أَنَّ النَّبِيَّ - صلي الله عليه وسلم - قَضَى فِي شُرْبِ النَّخْلِ مِنَ السَّيْلِ أَنَّ الأْعْلَى فَالأْعْلَى يَشْرَبُ قَبْلَ الأْسْفَلِ ، وَيُتْرَكُ الْمَاءُ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَاءُ إِلَى الأْسْفَلِ الَّذِي يَلِيهِ، حَتَّى تَنْقَضِيَ الْحَوَائِطُ أَوْ يَفْنَى الْمَاءُ» .
وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلي الله عليه وسلم - قَضَى فِي سَيْلٍ مَهْزُورٍ وَمُذَيْنِبٍ، أَنَّ الأْعْلَى يُرْسَلُ إِلَى الأْسْفَلِ وَيُحْبَسُ قَدْرَ كَعْبَيْنِ» .
وَإِذَا سَقَى الأْوَّلُ وَلَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ مِنَ الْمَاءِ، أَوْ سَقَى الثَّانِي وَلَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ، فَلاَ شَيْءَ لِمَنْ بَعْدَهُ، لأِنَّهُ لَيْسَ لَهُ إِلاَّ مَا فَضَلَ، فَهُوَ كَالْعُصْبَةِ مَعَ أَصْحَابِ الْفُرُوضِ فِي الْمِيرَاثِ .
وَإِنْ كَانَ فِي أَرْضِ أَحَدِهِمَا انْخِفَاضٌ وَارْتِفَاعٌ، أَيْ كَانَ بَعْضُهَا مُرْتَفِعًا وَبَعْضُهَا مُنْخَفِضًا فَإِنَّهُ يَسْقِي كُلَّ نَوْعٍ عَلَى حِدَةٍ لأِنَّ هُمَا لَوْ سَقَيَا مَعًا لَزَادَ الْمَاءُ فِي الأْرْضِ الْمُنْخَفِضَةِ عَلَى الْقَدْرِ الْمُسْتَحَقِّ، وَطَرِيقَةُ ذَلِكَ أَنْ يَسْقِيَ الْمُنْخَفِضُ حَتَّى يَبْلُغَ الْكَعْبَيْنِ ثُمَّ يَسُدَّهُ ثُمَّ يَسْقِيَ الْمُرْتَفِعُ .
وَإِذَا سَقَى الأْعْلَى ، ثُمَّ احْتَاجَ إِلَى سَقْيِ أَرْضِهِ مَرَّةً أُخْرَى قَبْلَ انْتِهَاءِ سَقْيِ الأْرَاضِي كُلِّهَا فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ إِلَى أَنْ يَنْتَهِيَ سَقْيُ الأْرَاضِي لِيَحْصُلَ التَّعَادُلُ .
هَذَا هُوَ الأْصْلُ فِي هَذَا وَهُوَ أَنْ يَبْدَأَ مَنْ فِي أَعْلاَ النَّهْرِ بِالسَّقْيِ فَيَسْقِيَ أَرْضَهُ وَيَحْبِسَ الْمَاءَ حَتَّى يَصِلَ إِلَى كَعْبِهِ ثُمَّ يُرْسِلَهُ إِلَى مَنْ يَلِيهِ، وَهَكَذَا كَمَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ، إِذَا كَانَ إِحْيَاؤُهُمْ مَعًا، أَوْ أَحْيَا الأْعْلَى قَبْلَ غَيْرِهِ، أَوْ جَهِلَ الْحَالَ .
8 - أَمَّا لَوْ كَانَ مَنْ فِي أَسْفَلِ النَّهْرِ هُوَ الَّذِي سَبَقَ بِالإْحْيَاءِ فَهُوَ الْمُقَدَّمُ فِي السَّقْيِ، ثُمَّ مَنْ أَحْيَا بَعْدَهُ، وَهَكَذَا لأِنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي السَّقْيِ هُوَ السَّبْقُ إِلَى الإْحْيَاءِ لاَ إِلَى أَوَّلِ النَّهْرِ .
بَلْ قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنْ كَانَ الأْسْفَلُ أَسْبَقَ إِحْيَاءً فَهُوَ الْمُقَدَّمُ، بَلْ لَهُ مَنْعُ مَنْ أَرَادَ إِحْيَاءَ أَقْرَبَ مِنْهُ إِلَى النَّهْرِ وَسَقْيَهُ مِنْهُ عِنْدَ الضِّيقِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلاَمُ الرَّوْضَةِ وَصَرَّحَ بِهِ جَمْعٌ، لِئَلاَّ يُسْتَدَلَّ بِقُرْبِهِ بَعْدُ عَلَى أَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ. ثُمَّ مَنْ وَلِيَهُ فِي الإْحْيَاءِ وَهَكَذَا، وَلاَ عِبْرَةَ حِينَئِذٍ بِالْقُرْبِ مِنَ النَّهْرِ، وَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مُرَادَهُمْ بِالأْعْلَى : الْمُحْيِي قَبْلَ الثَّانِي وَهَكَذَا، لاَ الأْقْرَبُ إِلَى النَّهْرِ .
وَقَيَّدَ سَحْنُونُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ مَحَلَّ تَقْدِيمِ الأْسْفَلِ السَّابِقِ فِي الإْحْيَاءِ عَلَى الأْعْلَى الْمُتَأَخِّرِ فِي الإْحْيَاءِ إِذَا خِيفَ عَلَى زَرْعِ الأْسْفَلِ الْهَلاَكُ بِتَقْدِيمِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ فِي السَّقْيِ، وَإِلاَّ قُدِّمَ الأْعْلَى الْمُتَأَخِّرُ فِي الإْحْيَاءِ عَلَى الأْسْفَلِ ، وَالَّذِي حَقَّقَهُ مُصْطَفَى الرَّمَاصِيِّ أَنَّ الأْسْفَلَ يُقَدَّمُ إِذَا تَقَدَّمَ فِي الإْحْيَاءِ وَلَوْ لَمْ يُخَفْ عَلَى زَرْعِهِ بِتَقْدِيمِ الأْعْلَى .
قَدْرُ مَا يُحْبَسُ مِنَ الْمَاءِ:
9 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْقَدْرِ الَّذِي يُحْبَسُ مِنَ الْمَاءِ قَبْلَ إِرْسَالِهِ إِلَى الآْخَرِ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ: نَظَرْنَا فِي قَوْلِ النَّبِيِّ - صلي الله عليه وسلم -: «ثُمَّ احْبِسِ الْمَاءَ حَتَّى يَبْلُغَ الْجَدْرَ» فَكَانَ ذَلِكَ إِلَى الْكَعْبَيْنِ .
وَقَدْ ذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِيمَا يُحْبَسُ مِنَ الْمَاءِ وَجْهَيْنِ:
قَالَ: الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يَحْبِسُهُ حَتَّى يَبْلُغَ الْكَعْبَيْنِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ يُرْجَعُ فِي قَدْرِ السَّقْيِ إِلَى الْعَادَةِ وَالْحَاجَةِ، وَقَدْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: لَيْسَ التَّقْدِيرُ بِالْكَعْبَيْنِ فِي كُلِّ الأْزْمَانِ وَالْبُلْدَانِ، لأِنَّهُ مُقَدَّرٌ بِالْحَاجَةِ، وَالْحَاجَةُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ الأْرْضِ وَبِاخْتِلاَفِ مَا فِيهَا مِنْ زَرْعٍ وَشَجَرٍ، وَبِوَقْتِ الزِّرَاعَةِ وَبِوَقْتِ السَّقْيِ .
وَفِي حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ عَلَى أَسْنَى الْمَطَالِبِ ذَكَرَ أَنَّ كَلاَمَ الْجُمْهُورِ الَّذِي ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ (وَهُوَ أَنْ يُحْبَسَ الْمَاءُ حَتَّى يَبْلُغَ الْكَعْبَيْنِ) مَحْمُولٌ عَلَى أَرْضٍ يَكْفِيهَا ذَلِكَ، أَمَّا الأْرْضُ الَّتِي لاَ تَكْفِيهَا إِلاَّ زِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ كَغَالِبِ مَزَارِعِ الْيَمَنِ فَتُسْقَى إِلَى حَدِّ كِفَايَتِهَا عَادَةً مَكَانًا وَزَمَانًا، وَقَدِ اخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ، قَالَ الأْذْرُعِيُّ: وَهُوَ قَوِيٌّ، وَمِمَّنْ جَزَمَ بِهِ الْمُتَوَلِّيُّ.
10 - وَهَلِ الْمُرَادُ بِالْكَعْبَيْنِ اللَّذَيْنِ يُحْبَسُ الْمَاءُ إِلَيْهِمَا الأْسْفَلُ مِنَ الْكَعْبَيْنِ أَوِ الأْعْلَى كَمَا قَالُوا فِي آيَةِ الْوُضُوءِ؟ الظَّاهِرُ الأْوَّلُ، وَالْمَرْجِعُ إِلَى الْقَدْرِ الْمُعْتَدِلِ أَوِ الْغَالِبِ، لأِنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَرْتَفِعُ كَعْبُهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْخَفِضُ وَيَدْنُو مِنْ أَسْفَلِ الرِّجْلِ وَالأْقْرَبُ الأْوَّلُ .
وَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَابْنُ وَهْبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: يَحْبِسُ الأْعْلَى مِنَ الْمَاءِ مَا بَلَغَ الْكَعْبَ وَيُرْسِلُ مَا زَادَ عَلَيْهِ لِلَّذِي يَلِيهِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَهُوَ الأْظْهَرُ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُرْسِلُ جَمِيعَ الْمَاءِ وَلاَ يَحْبِسُ شَيْئًا مِنْهُ (أَيْ بَعْدَ سَقْيِ أَرْضِهِ ).
ثَانِيًا: النَّهْرُ الْخَاصُّ (الْمَمْلُوكُ) وَحَقُّ الاِنْتِفَاعِ
11 - إِذَا كَانَ النَّهْرُ مَمْلُوكًا لِشَخْصٍ، كَأَنْ شَقَّ شَخْصٌ لِنَفْسِهِ نَهْرًا مِنَ الأْنْهَارِ غَيْرِ الْمَمْلُوكَةِ أَصْبَحَ مَالِكًا لَهُ وَكَانَ أَحَقَّ بِهِ لِسَقْيِ أَرْضِهِ وَدَوَابِّهِ، وَلَيْسَ لأِحَدٍ مُزَاحَمَتُهُ أَوْ سَقْيُ أَرْضٍ أَوْ شَجَرٍ أَوْ زَرْعٍ مِنْهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ، لأِنَّ الْحَقَّ لَهُ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إِذْنِهِ .
فَقَدْ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ مَنْ سَقَى أَرْضَهُ أَوْ زَرَعَهُ مِنْ نَهْرِ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ إِذْنٍ - سَوَاءٌ اضْطُرَّ إِلَى ذَلِكَ أَوْ لاَ- لاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَخَذَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ يُؤَدِّبْهُ السُّلْطَانُ بِالضَّرْبِ وَالْحَبْسِ إِنْ رَأَى ذَلِكَ .
وَلَكِنْ لِلْغَيْرِ حَقُّ الشُّرْبِ لِنَفْسِهِ وَدَوَابِّهِ إِلاَّ إِذَا خِيفَ تَخْرِيبُ النَّهْرِ بِكَثْرَةِ الدَّوَابِّ.
قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَالشَّفَةُ إِذَا كَانَتْ تَأْتِي عَلَى الْمَاءِ كُلِّهِ بِأَنْ كَانَ جَدْوَلاً صَغِيرًا وَفِيمَا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوَاشِي كَثْرَةٌ تَقْطَعُ الْمَاءَ، قَالَ بَعْضُهُمْ: لاَ يَمْنَعُ، وَقَالَ أَكْثَرُهُمْ: يَمْنَعُ لِلضَّرَرِ وَجُزِمَ بِالثَّانِي فِي الْمُلْتَقَى .
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَيْسَ لِمَالِكِ النَّهْرِ أَنْ يَمْنَعَ مَا لِلشُّرْبِ وَالاِسْتِعْمَالِ وَسَقْيِ الدَّوَابِّ وَلَوْ بِدَلْوٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ أَنَّهُ لاَ يُدْلِي أَحَدٌ فِيهِ دَلْوًا .
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ: الشُّرْبُ وَسَقْيُ الدَّوَابِّ مِنَ الْجَدَاوِلِ وَالأْنْهَارِ الْمَمْلُوكَةِ إِذَا كَانَ السَّقْيُ لاَ يَضُرُّ بِمَالِكِهَا جَائِزٌ، إِقَامَةً لِلإْذْنِ الْعُرْفِيِّ مَقَامَ اللَّفْظِيِّ، ثُمَّ قَالَ: لَوْ كَانَ النَّهْرُ لِمَنْ لاَ يُعْتَبَرُ إِذْنُهُ كَالْيَتِيمِ وَالأْوْقَافِ الْعَامَّةِ فَعِنْدِي فِيهِ وَقْفَةٌ، وَالظَّاهِرُ الْجَوَازُ .
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَسْتَقِيَ مِنَ الْمَاءِ الْجَارِي لِشُرْبِهِ وَغَسْلِهِ وَغَسْلِ ثِيَابِهِ وَيَنْتَفِعَ بِهِ فِي أَشْبَاهِ ذَلِكَ مِمَّا لاَ يُؤَثِّرُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ إِذْنِهِ إِذَا لَمْ يَدْخُلْ إِلَيْهِ فِي مَكَانٍ مَحُوطٍ عَلَيْهِ، وَلاَ يَحِلُّ لِصَاحِبِهِ الْمَنْعُ، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلي الله عليه وسلم -: «ثَلاَثَةٌ لاَ يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: رَجُلٌ كَانَ لَهُ فَضْلُ مَاءٍ بِالطَّرِيقِ فَمَنَعَهُ مِنَ ابْنِ السَّبِيلِ».. .. «وَعَنْ بُهَيْسَةَ عَنْ أَبِيهَا أَنَّهُ قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَا الشَّيْءُ الَّذِي لاَ يَحِلُّ مَنْعُهُ؟ قَالَ: الْمَاءُ، قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ: مَا الشَّيْءُ الَّذِي لاَ يَحِلُّ مَنْعُهُ؟ قَالَ: الْمِلْحُ، قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَا الشَّيْءُ الَّذِي لاَ يَحِلُّ مَنْعُهُ؟ قَالَ: أَنْ تَفْعَلَ الْخَيْرَ خَيْرٌ لَكَ» . فَأَمَّا مَا يُؤَثِّرُ فِي الْمَاءِ كَسَقْيِ الْمَاشِيَةِ الْكَثِيرَةِ وَنَحْوَ ذَلِكَ: فَإِنْ فَضَلَ الْمَاءُ عَنْ حَاجَةِ صَاحِبِهِ لَزِمَهُ بَذْلُهُ لِذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْ حَاجَتِهِ لَمْ يَلْزَمْ بَذْلُهُ .
ثَالِثًا: النَّهْرُ دَاخِلُ الْمِلْكِ:
12 - إِذَا كَانَ النَّهْرُ دَاخِلَ مِلْكِ رَجُلٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ غَيْرَهُ مِنَ الدُّخُولِ فِي أَرْضِهِ وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ فِي الْجُمْلَةِ .
وَلِلْفُقَهَاءِ تَفْصِيلٌ فِي ذَلِكَ بَيَانُهُ كَالآْتِي:
قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: الْمَاءُ الَّذِي يَكُونُ فِي الْحِيَاضِ وَالآْبَارِ وَالْعُيُونِ لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لِصَاحِبِهِ بَلْ هُوَ مُبَاحٌ فِي نَفْسِهِ، سَوَاءٌ كَانَ فِي أَرْضٍ مُبَاحَةٍ أَوْ مَمْلُوكَةٍ، لَكِنْ لَهُ حَقٌّ خَاصٌّ فِيهِ، لأِنَّ الْمَاءَ فِي الأْصْلِ خُلِقَ مُبَاحًا لِحَدِيثِ: «الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلاَثٍ» وَالشَّرِكَةُ الْعَامَّةُ تَقْتَضِي الإْبَاحَةَ، فَلَوْ كَانَ النَّهْرُ فِي مِلْكِ رَجُلٍ فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ مَنْ يُرِيدُ مِنَ الشُّرْبِ لِنَفْسِهِ أَوْ مَاشِيَتِهِ مِنَ الدُّخُولِ فِي مِلْكِهِ، لأِنَّ الدُّخُولَ إِلَى أَرْضِهِ إِضْرَارٌ بِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ الضَّرَرَ عَنْ نَفْسِهِ، وَهَذَا إِذَا كَانَ مَنْ يُرِيدُ الدُّخُولَ يَجِدُ مَاءً بِقُرْبِهِ فِي أَرْضٍ مُبَاحَةٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً بِقُرْبِهِ وَاضْطُرَّ لِلدُّخُولِ وَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ وَدَابَّتِهِ الْهَلاَكَ فَيُقَالُ لِصَاحِبِ النَّهْرِ: إِمَّا أَنْ تَأْذَنَ بِالدُّخُولِ لِيَأْخُذَ الْمَاءَ بِشَرْطِ أَنْ لاَ يَكْسِرَ ضَفَّةَ النَّهْرِ، وَإِمَّا أَنْ تُخْرِجَ الْمَاءَ إِلَيْهِ وَتُعْطِيَهُ بِنَفْسِكَ. فَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ وَمَنَعَهُ مِنَ الدُّخُولِ فَلَهُ أَنْ يُقَاتِلَهُ بِالسِّلاَحِ لِيَأْخُذَ قَدْرَ مَا يَنْدَفِعُ بِهِ الْهَلاَكُ، وَالأْصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ أَنَّ قَوْمًا وَرَدُوا مَاءً فَسَأَلُوا أَهْلَهُ أَنْ يَدُلُّوهُمْ عَلَى الْبِئْرِ فَأَبَوْا، وَسَأَلُوهُمْ أَنْ يُعْطُوهُمْ دَلْوًا فَأَبَوْا، فَقَالُوا لَهُمْ: إِنَّ أَعْنَاقَنَا وَأَعْنَاقَ مَطَايَانَا كَادَتْ تُقْطَعُ فَأَبَوْا، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِسَيِّدِنَا عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - فَقَالَ: هَلاَّ وَضَعْتُمْ فِيهِمُ السِّلاَحَ .
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: مَا كَانَ مِنَ الْمَاءِ فِي أَرْضٍ مُتَمَلَّكَةٍ، سَوَاءٌ كَانَ مُسْتَنْبَطًا مِثْلَ بِئْرٍ يَحْفِرُهَا أَوْ عَيْنٍ يَسْتَخْرِجُهَا، أَوْ غَيْرَ مُسْتَنْبَطٍ غَدِيرًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ وَيَحِلُّ لَهُ بِيعُهُ وَمَنْعُ النَّاسِ مِنْهُ إِلاَّ بِثَمَنٍ، إِلاَّ أَنْ يَرِدَ عَلَيْهِ قَوْمٌ لاَ ثَمَنَ مَعَهُمْ وَيَخَافُ عَلَيْهِمُ الْهَلاَكَ إِنْ مَنَعَهُمْ فَحَقَّ عَلَيْهِ أَنْ لاَ يَمْنَعَهُمْ.
فَإِنْ مَنَعَهُمْ فَعَلَيْهِمْ مُجَاهَدَتُهُ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ.
وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مَنْ خَافَ عَلَى مُسْلِمٍ الْمَوْتَ أَنْ يُحْيِيَهُ بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَيَجِبُ عَلَى أَصْحَابِ الْمِيَاهِ بَيْعُهَا مِنَ الْمُسَافِرِينَ بِمَا تُسَاوِي، وَلاَ يَشْتَطُّوا عَلَيْهِمْ فِي ثَمَنِهَا، وَإِنْ كَانَ الْمُسَافِرُونَ لاَ ثَمَنَ مَعَهُمْ وَجَبَتْ مُوَاسَاتُهُمْ لِلْخَوْفِ عَلَيْهِمْ وَلاَ يُتْبِعُوا بِالثَّمَنِ وَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ أَمْوَالٌ بِبَلَدِهِمْ، لأِنَّ هُمُ الْيَوْمَ أَبْنَاءُ سَبِيلٍ يَجُوزُ لَهُمْ أَخْذُ الزَّكَاةِ لِوُجُوبِ مُوَاسَاتِهِمْ .
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: الْمِيَاهُ الْمُخْتَصَّةُ بِبَعْضِ النَّاسِ وَهِيَ مِيَاهُ الآْبَارِ وَالْقَنَوَاتِ، كَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي مِلْكِهِ أَوِ انْفَجَرَ فِيهِ عَيْنٌ مَلَكَهَا وَمَلَكَ مَاءَهَا فِي الأْصَحِّ، إِذِ الْمَاءُ يُمْلَكُ، وَهُوَ نَمَاءُ مِلْكِهِ كَالثَّمَرَةِ وَاللَّبَنِ، لَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ بَذْلُ الْفَاضِلِ مِنْهُ عَنْ شُرْبِهِ لِشُرْبِ غَيْرِهِ مِنَ الآْدَمِيِّينَ وَعَنْ مَاشِيَتِهِ وَزَرْعِهِ لِمَاشِيَةِ غَيْرِهِ .
وَفِي مُقَابِلِ الأْصَحِّ: أَنَّهُ لاَ يَمْلِكُ الْمَاءَ، لِخَبَرِ: «الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلاَثٍ» وَسَوَاءٌ مَلَكَ الْمَاءَ عَلَى الصَّحِيحِ أَوْ لاَ، لاَ يَلْزَمُهُ بَذْلُ مَا فَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِ لِزَرْعٍ وَشَجَرٍ، وَيَجِبُ بَذْلُ الْفَاضِلِ مِنْهُ عَنْ شُرْبِهِ لِشُرْبِ غَيْرِهِ مِنَ الآْدَمِيِّينَ وَالْفَاضِلِ عَنْ مَاشِيَتِهِ وَزَرْعِهِ لِمَاشِيَةِ غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ بَذْلُهُ لِلْمَاشِيَةِ دُونَ الزَّرْعِ لِحُرْمَةِ الرُّوحِ، وَقِيلَ: يَجِبُ بَذْلُهُ لِلزَّرْعِ كَالْمَاشِيَةِ، وَقِيلَ: لاَ يَجِبُ لِلْمَاشِيَةِ كَالْمَاءِ الْمُحْرَزِ وَإِنَّمَا يَجِبُ الْبَذْلُ لِلْمَاشِيَةِ إِنْ كَانَ هُنَاكَ كَلأَ مُبَاحٌ وَلَمْ يَجِدْ مَاءً مَبْذُولاً لَهُ وَلَمْ يُحْرِزْهُ فِي إِنَاءٍ وَنَحْوِهُ، وَإِلاَّ فَلاَ يَجِبُ بَذْلُهُ. وَحَيْثُ وَجَبَ الْبَذْلُ لَمْ يَجُزْ أَخْذُ عِوَضٍ عَلَيْهِ فَإِنْ صَحَّ بَيْعُ الطَّعَامِ لِلْمُضْطَرِّ، لِصِحَّةِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ فَضْلِ الْمَاءِ.
وَيُشْتَرَطُ فِي بَيْعِ الْمَاءِ التَّقْدِيرُ بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ لاَ بِرَيِّ الْمَاشِيَةِ وَالزَّرْعِ .
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنَّهُ لاَ يَمْلِكُ الْمَاءَ لِحَدِيثِ: «الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلاَثٍ»، وَمَا فَضَلَ مِنْ مَائِهِ الَّذِي لَمْ يُحْرِزْهُ عَنْ حَاجَتِهِ وَحَاجَةِ عِيَالِهِ وَحَاشِيَتِهِ وَدِرْعِهِ يَجِبُ بَذْلُهُ لِبَهَائِمِ غَيْرِهِ وَزَرْعِهِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «لاَ تَمْنَعُوا فَضْلَ الْمَاءِ لِتَمْنَعُوا بِهِ فَضْلَ الْكَلإَ» .
وَهَذَا مَا لَمْ يَجِدْ رَبُّ الْبَهَائِمِ أَوِ الزَّرْعِ مَاءً مُبَاحًا فَيَسْتَغْنِي بِهِ فَلاَ يَجِبُ الْبَذْلُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، وَكَذَا إِذَا كَانَ الْبَاذِلُ لِلْمَاءِ يَتَضَرَّرُ فَلاَ يَلْزَمُهُ الْبَذْلُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ طَالِبُ الْمَاءِ يُؤْذِي صَاحِبَهُ بِدُخُولِهِ فِي أَرْضِهِ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَمْنَعَهُ دَفْعًا لِلأْذَى .
رَابِعًا: النَّهْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ جَمَاعَةٍ وَحَقُّ الاِنْتِفَاعِ بِهِ:
13 - إِذَا كَانَ النَّهْرُ مَمْلُوكًا لأِكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ فَلَيْسَ لأِحَدٍ مِنَ الشُّرَكَاءِ فِي النَّهْرِ أَنْ يَشُقَّ مِنْهُ نَهْرًا أَوْ يَنْصِبَ عَلَيْهِ رَحًى أَوْ دَالِيَةً أَوْ جِسْرًا أَوْ قَنْطَرَةً أَوْ يُوَسِّعَ فَمَ النَّهْرِ أَوْ يَسُوقَ نَصِيبَهُ إِلَى أَرْضٍ لَهُ أُخْرَى إِلاَّ بِرِضَا شُرَكَائِهِ لأِنَّ هُمْ قَدْ يَتَضَرَّرُونَ بِذَلِكَ .
وَلاَ يَجُوزُ لِغَيْرِ الشُّرَكَاءِ فِي النَّهْرِ أَنْ يَسْقِيَ أَرْضَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِمْ، فَقَدْ نَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ الْخَانِيَّةِ أَنَّ النَّهْرَ إِذَا كَانَ خَاصًّا بِقَوْمٍ فَلَيْسَ لِغَيْرِهِمْ أَنْ يَسْقِيَ بُسْتَانَهُ أَوْ أَرْضَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِمْ، فَإِنْ أَذِنُوا إِلاَّ وَاحِدًا أَوْ كَانَ فِيهِمْ صَبِيٌّ أَوْ غَائِبٌ لاَ يَسَعُ الرَّجُلَ أَنْ يَسْقِيَ مِنْهُ أَرْضَهُ أَوْ زَرْعَهُ .
وَفِي الأْمِّ: لَوْ أَنَّ جَمَاعَةً كَانَ لَهُمْ مِيَاهٌ بِبَادِيَةٍ فَسَقَوْا مِنْهَا وَاسْتَقَوْا وَفَضَلَ مِنْهَا شَيْءٌ، فَجَاءَ مَنْ لاَ مَاءَ لَهُ يَطْلُبُ أَنْ يَشْرَبَ أَوْ يَسْقِيَ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ دُونَ وَاحِدٍ لَمْ يَجُزْ لِمَنْ مَعَهُ فَضْلٌ مِنَ الْمَاءِ- وَإِنْ قَلَّ- مَنْعُهُ إِيَّاهُ إِنْ كَانَ فِي عَيْنٍ أَوْ بِئْرٍ أَوْ نَهْرٍ، لأِنَّهُ فَضْلُ مَاءٍ يَزِيدُ وَيُسْتَخْلَفُ .
كَيْفِيَّةُ قِسْمَةِ مَاءِ النَّهْرِ الْمُشْتَرَكِ:
14 - يَتَّفِقُ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الشُّرَكَاءِ فِي حَفْرِ النَّهْرِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِمَاءِ هَذَا النَّهْرِ فِي شُرْبِهِ وَسَقْيِ أَرْضِهِ، فَإِنْ تَرَاضَوْا فِيمَا بَيْنَهُمْ عَلَى كَيْفِيَّةٍ خَاصَّةٍ فِي الاِنْتِفَاعِ جَازَ ذَلِكَ لأِنَّ الْحَقَّ لَهُمْ .
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ يَجُوزُ أَنْ يَقْتَسِمَ الشُّرَكَاءُ مَاءَ النَّهْرِ بِالْمُهَايَأَةِ إِذَا تَرَاضَوْا عَلَى ذَلِكَ وَكَانَ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَعْلُومًا، مِثْلَ أَنْ يَجْعَلُوا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الشُّرَكَاءِ حِصَّةً يَوْمًا وَلَيْلَةً، أَوْ أَنْ يَجْعَلُوا لِوَاحِدٍ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إِلَى الزَّوَالِ، وَلِلآْخَرِ مِنَ الزَّوَالِ إِلَى الْغُرُوبِ وَنَحْوَ ذَلِكَ، أَوِ اقْتَسَمُوهُ بِالسَّاعَاتِ وَأَمْكَنَ ضَبْطُ ذَلِكَ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ جَازَ إِذَا تَرَاضَوْا بِهِ، لأِنَّ الْحَقَّ لَهُمْ لاَ يَتَجَاوَزُهُمْ، أَوْ أَنْ يَسْقِيَ كُلٌّ مِنْهُمْ يَوْمًا، أَوْ بَعْضُهُمْ يَسْقِي يَوْمًا وَبَعْضُهُمْ يَسْقِي أَكْثَرَ بِحَسَبِ حِصَّتِهِ وَيُسْتَأْنَسُ لِذَلِكَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ( لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) .
قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: وَإِذَا اقْتَسَمُوا بِالْمُهَايَأَةِ جَازَ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمُ الرُّجُوعُ مَتَى شَاءَ عَلَى الصَّحِيحِ، فَإِنْ رَجَعَ وَقَدْ أَخَذَ نَوْبَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ الآْخَرُ نَوْبَتَهُ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ نَوْبَتِهِ مِنَ النَّهْرِ لِلْمُدَّةِ الَّتِي أَخَذَ نَوْبَتَهُ فِيهَا .
وَقِيلَ: تَلْزَمُ الْمُهَايَأَةُ لِيَثِقَ كُلُّ وَاحِدٍ بِالاِنْتِفَاعِ، وَقِيلَ: لاَ تَصِحُّ الْقِسْمَةُ بِالْمُهَايَأَةِ، لأِنَّ الْمَاءَ يَقِلُّ وَيَكْثُرُ، وَتَخْتَلِفُ فَائِدَةُ السَّقْيِ بِالأْيَّامِ .
15 - وَإِنْ تَشَاحَّ الشُّرَكَاءُ فِي قِسْمَةِ الْمَاءِ أَوْ ضَاقَ عَنْهُمْ قَسَمَهُ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمْ.
وَطَرِيقَةُ ذَلِكَ- كَمَا يَقُولُ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ -بِنَصْبِ نَحْوِ خَشَبَةٍ أَوْ حَجَرٍ فِي عُرْضِ النَّهْرِ مُسْتَوِيَةِ الطَّرَفَيْنِ وَالْوَسَطِ، مَوْضُوعَةٍ بِمُسْتَوٍ مِنَ الأْرْضِ ، وَفِيهَا ثُقُبٌ مُتَسَاوِيَةٌ أَوْ مُتَفَاوِتَةٌ عَلَى قَدْرِ الْحِصَصِ مِنَ النَّهْرِ، لأِنَّهُ طَرِيقٌ فِي اسْتِيفَاءِ كُلِّ وَاحِدٍ حِصَّتَهُ.
فَإِنْ كَانَتْ أَمْلاَكُهُمْ مُسْتَوِيَةً فَوَاضِحٌ.
وَإِنْ كَانَتْ أَمْلاَكُهُمْ مُخْتَلِفَةً قَسَّمَ الْمَاءَ عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ، فَلَوْ كَانَ لِوَاحِدٍ النِّصْفُ وَلآِخَرَ الثُّلْثُ وَلآِخَرَ السُّدْسُ فَإِنَّهُ يَجْعَلُ فِي الْخَشَبَةِ سِتَّ ثُقُبٍ، لِصَاحِبِ النِّصْفِ ثَلاَثَةُ ثُقُوبٍ تَصُبُّ فِي سَاقِيَتِهِ، وَلِصَاحِبِ الثُّلْثِ اثْنَانِ يَصُبَّانِ فِي سَاقِيَتِهِ، وَلِصَاحِبِ السُّدْسِ وَاحِدٌ يَصُبُّ فِي سَاقِيَتِهِ .
وَإِنْ كَانَ لِوَاحِدٍ الْخُمُسَانِ، وَالْبَاقِي لاِثْنَيْنِ يَتَسَاوَيَانِ فِيهِ، جَعَلَ فِي الْخَشَبَةِ عَشَرَةَ ثُقُوبٍ، لِصَاحِبِ الْخَمْسِينَ أَرْبَعَةٌ تَصُبُّ فِي سَاقِيَتِهِ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الآْخَرِينَ ثَلاَثَةٌ تَصُبُّ فِي سَاقِيَتِهِ.
وَإِنْ كَانَ النَّهْرُ لِعَشَرَةٍ، لِخَمْسَةٍ مِنْهُمْ أَرَاضٍ قَرِيبَةٌ مِنْ أَوَّلِ النَّهْرِ، وَلِخَمْسَةٍ أَرَاضٍ بَعِيدَةٌ جَعَلَ لأِصْحَابِ الأْرْضِ الْقَرِيبَةِ خَمْسَةَ ثُقُوبٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ ثُقْبٌ، وَجَعَلَ لِلْبَاقِينَ خَمْسَةً تَجْرِي فِي النَّهْرِ حَتَّى تَصِلَ إِلَى أَرْضِهِمْ، ثُمَّ تُقَسَّمَ بَيْنَهُمْ قِسْمَةً أُخْرَى .
وَمَا حَصَلَ لأِحَدِهِمْ فِي سَاقِيَتِهِ تَصَرَّفَ فِيهِ بِمَا أَحَبَّ، فَكُلُّ وَاحِدٍ يَصْنَعُ بِنَصِيبِهِ مَا شَاءَ .
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا كَانَ نَهْرٌ بَيْنَ قَوْمٍ وَاخْتَصَمُوا فِي الشُّرْبِ كَانَ الشُّرْبُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَرَاضِيهِمْ، لأِنَّ الْمَقْصُودَ الاِنْتِفَاعُ بِسَقْيِ الأْرَاضِي فَيُتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ، فَإِنْ كَانَ الأْعْلَى مِنْهُمْ لاَ يَشْرَبُ حَتَّى يَسْكَرَ النَّهْرُ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ إِبْطَالِ حَقِّ الْبَاقِينَ وَلَكِنَّهُ يَشْرَبُ بِحِصَّتِهِ .
فَإِنْ تَرَاضَوْا عَلَى أَنْ يَسْكُرَ الأْعْلَى النَّهْرَ حَتَّى يَشْرَبَ بِحِصَّتِهِ أَوِ اصْطَلَحُوا عَلَى أَنْ يَسْكُرَ كُلٌّ مِنْهُمْ فِي نَوْبَتِهِ جَازَ لأِنَّ الْحَقَّ لَهُمْ، إِلاَّ أَنَّهُ إِذَا تَمَكَّنَ مِنْ ذَلِكَ بِلَوْحٍ فَلاَ يَسْكُرُ بِمَا يَنْكَبِسُ بِهِ النَّهْرُ كَالطِّينِ وَغَيْرِهِ، لِكَوْنِهِ إِضْرَارًا بِهِمْ بِمَنْعِ مَا فَضَلَ مِنَ السَّكْرِ عَنْهُمْ، إِلاَّ إِذَا رَضُوا بِذَلِكَ.
فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمُ الشُّرْبُ إِلاَّ بِالسَّكْرِ وَلَمْ يَصْطَلِحُوا عَلَى شَيْءٍ فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِأَهْلِ الأْسْفَلِ حَتَّى يَرْوُوا، ثُمَّ بَعْدَهُ لأِهْلِ الأْعْلَى أَنْ يَسْكُرُوا.
وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: «أَهْلُ أَسْفَلِ النَّهْرِ أُمَرَاءٌ عَلَى أَهْلِ أَعْلاَهُ حَتَّى يَرْوُوا». لأِنَّ لَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوا أَهْلَ الأْعْلَى مِنَ السَّكْرِ، وَعَلَيْهِمْ طَاعَتُهُمْ فِي ذَلِكَ، وَمَنْ لَزِمَكَ طَاعَتُهُ فَهُوَ أَمِيرُكَ.
وَفِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: قَالَ شَيْخُ الإْسْلاَمِ: وَاسْتَحْسَنَ مَشَايِخُ الأْنَامِ قَسْمَ الإْمَامِ بِالأَْيَّامِ، أَيْ إِذَا لَمْ يَصْطَلِحُوا وَلَمْ يَنْتَفِعُوا بِلاَ سَكْرٍ يَقْسِمُ الإْمَامُ بَيْنَهُمْ بِالأْيَّامِ فَيَسْكُرُ كُلٌّ فِي نَوْبَتِهِ.
قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: فِيهِ دَفْعُ الضَّرَرِ الْعَامِّ وَقَطْعُ التَّنَازُعِ وَالْخِصَامِ، إِذْ لاَ شَكَّ أَنَّ لِكُلِّ شَرِيكٍ فِي هَذَا الْمَاءِ حَقًّا، فَتَخْصِيصُ أَهْلِ الأْسْفَلِ بِهِ حِينَ قِلَّةِ الْمَاءِ فِيهِ ضَرَرٌ لأِهْلِ الأْعْلَى ، كَذَا تَخْصِيصُ أَهْلِ الأْعْلَى بِهِ فِيهِ ذَلِكَ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْكُلِّ، فَلِذَا اسْتَحْسَنُوا مَا ذَكَرُوا وَارْتَضَوْهُ .
وَلَوْ كَانَتْ قِسْمَةُ الْمَاءِ وَقَعَتْ بِالْكِوَى -بِكَسْرِ الْكَافِ جَمْعُ كَوَّةٍ بِفَتْحِهَا: الثُّقْبُ- فَأَرَادَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ أَنْ يَقْسِمَ بِالأْيَّامِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَلأِنَّ الْقَدِيمَ يُتْرَكُ عَلَى قِدَمِهِ لِظُهُورِ الْحَقِّ فِيهِ .
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنِ اجْتَمَعَ جَمَاعَةٌ عَلَى إِجْرَاءِ الْمَاءِ بِأَرْضٍ مُبَاحَةٍ أَوْ أَرْضِهِمُ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَهُمْ أَوْ عَلَى حَفْرِ بِئْرٍ أَوْ عَيْنٍ قُسِّمَ الْمَاءُ بَيْنَهُمْ عَلَى حَسَبِ أَعْمَالِهِمْ بِقِلْدٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُتَوَصَّلُ بِهَا إِلَى إِعْطَاءِ كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ.
قَالَ الدُّسُوقِيُّ: وَإِذَا قُسِّمَ الْمَاءُ بِالْقِلْدِ فَإِنَّهُ يُرَاعَى اخْتِلاَفُ كَثْرَةِ الْجَرْيِ وَقِلَّتِهِ، فَإِنَّ جَرْيَهُ عِنْدَ كَثْرَتِهِ أَقْوَى مِنْ جَرْيِهِ عِنْدَ قِلَّتِهِ، فَيُرْجَعُ فِي ذَلِكَ لأِهْلِ الْمَعْرِفَةِ، وَإِنْ تَشَاحُّوا فِي التَّبْدِئَةِ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ، فَمَنْ خَرَجَ سَهْمُهُ بِالتَّقْدِيمِ قُدِّمَ .
مُؤْنَةُ كِرَى الأْنْهَارِ (عِمَارَتُهَا وَإِصْلاَحُهَا):
16 - الأْنْهَارُ إِمَّا عَامَّةٌ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ لأِحَدٍ أَوْ خَاصَّةٌ مَمْلُوكَةٌ لِشَخْصٍ أَوْ أَكْثَرَ.
وَيَخْتَلِفُ مَنْ يَتَحَمَّلُ كِرَى الأْنْهَارِ وَإِصْلاَحَهَا بِاخْتِلاَفِ نَوْعِ النَّهْرِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَأْتِي:
أَوَّلاً: الأْنْهَارُ الْعَامَّةُ:
17 - كَرْيُ الأْنْهَارِ الْعَامَّةِ كَالنِّيلِ وَدِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ يَكُونُ عَلَى السُّلْطَانِ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، لأِنَّ مَنْفَعَةَ الْكَرْيِ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ، فَتَكُونُ مُؤْنَتُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صلي الله عليه وسلم -: «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» .
وَتَكُونُ الْمُؤْنَةُ مِنْ مَالِ الْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ دُونَ الْعُشُورِ وَالصَّدَقَاتِ، لأِنَّ الْعُشُورَ وَالصَّدَقَاتِ لِلْفُقَرَاءِ، وَالْخَرَاجَ وَالْجِزْيَةَ لِلنَّوَائِبِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ الْمَالِ شَيْءٌ يَكُونُ كَرْيُهُ عَلَى النَّاسِ، فَإِنِ امْتَنَعُوا أَجْبَرَ الإْمَامُ النَّاسَ عَلَى كَرْيِهِ إِحْيَاءً لِمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ، إِذْ هُمْ لاَ يُقِيمُونَهَا بِأَنْفُسِهِمْ، قَالَ عُمَرُ - رضي الله تعالي عنه -: لَوْ تُرِكْتُمْ لَبِعْتُمْ أَوْلاَدَكُمْ .
إِلاَّ أَنَّ الإْمَامَ يُخْرِجُ لِلْكَرْيِ مَنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الْعَمَلِ وَيُطِيقُهُ، وَيَجْعَلُ مُؤْنَتَهُ عَلَى الْمَيَاسِيرِ الَّذِينَ لاَ يُطِيقُونَهُ بِأَنْفُسِهِمْ، كَمَا يَفْعَلُ فِي تَجْهِيزِ الْجُيُوشِ، لأِنَّهُ يُخْرِجُ مَنْ كَانَ يُطِيقُ الْقِتَالَ، وَيَجْعَلُ مُؤْنَتَهُ عَلَى الأْغْنِيَاءِ، كَذَا هَاهُنَا.
وَلَوْ خِيفَ مِنْ هَذِهِ الأْنْهَارِ الْغَرَقُ فَعَلَى السُّلْطَانِ إِصْلاَحُ مَسَنَاتِهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ .
ثَانِيًا: الأْنْهَارُ الْمَمْلُوكَةُ:
18 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الأْنْهَارَ الْمَمْلُوكَةَ يَكُونُ كَرْيُهَا وَإِصْلاَحُهَا وَعِمَارَتُهَا عَلَى مَنْ يَمْلِكُونَهَا، لأِنَّ الْحَقَّ لَهُمْ وَالْمَنْفَعَةَ تَعُودُ عَلَيْهِمْ عَلَى الْخُصُوصِ وَالْخُلُوصِ .
كَيْفِيَّةُ الْكَرْيِ وَالإْصْلاَحِ:
19 - يَخْتَلِفُ الْفُقَهَاءُ فِي كَيْفِيَّةِ كَرْيِ النَّهْرِ الْمُشْتَرَكِ وَإِصْلاَحِهِ عَلَى الْوَجْهِ الآْتِي:
عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يَكُونُ كَرْيُ النَّهْرِ الْمُشْتَرَكِ وَإِصْلاَحُهُ عَلَى الشُّرَكَاءِ بِحَسَبِ مِلْكِهِمْ فِيهِ.
وَيُوَضِّحُ الْحَنَابِلَةُ الْكَيْفِيَّةَ الَّتِي يَتِمُّ بِهَا الإْصْلاَحُ فَيَقُولُونَ: إِذَا كَانَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ فِي النَّهْرِ أَقْرَبَ إِلَى أَوَّلِهِ مِنْ بَعْضٍ اشْتَرَكَ الْكُلُّ فِي كَرْيِهِ وَإِصْلاَحِهِ حَتَّى يَصِلُوا إِلَى الأْوَّلِ ، ثُمَّ إِذَا وَصَلُوا فَلاَ شَيْءَ عَلَى الأْوَّلِ بَعْدَ ذَلِكَ لاِنْتِهَاءِ اسْتِحْقَاقِهِ، لأِنَّهُ لاَ حَقَّ لَهُ فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ، وَيَشْتَرِكُ الْبَاقُونَ حَتَّى يَصِلُوا إِلَى الثَّانِي ثُمَّ لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ لِمَا تَقَدَّمَ، ثُمَّ يَشْتَرِكُ مِنْ بَعْدِ الثَّانِي حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى الثَّالِثِ، ثُمَّ لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَهَكَذَا كُلَّمَا انْتَهَى الْعَمَلُ إِلَى مَوْضِعِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِيمَا بَعْدَهُ شَيْءٌ لأِنَّهُ لاَ مِلْكَ فِيمَا وَرَاءَ مَوْضِعِهِ.
فَإِنْ كَانَ يَفْضُلُ عَنْ جَمِيعِهِمْ مِنْهُ مَا يَحْتَاجُ إِلَى مَصْرَفٍ فَمُؤْنَتُهُ عَلَى جَمِيعِهِمْ، لاِشْتِرَاكِهِمْ فِي الْحَاجَةِ إِلَيْهِ لِلاِنْتِفَاعِ بِهِ، فَكَانَتْ مُؤْنَتُهُمْ عَلَيْهِ كَأَوَّلِهِ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مُؤْنَةُ كَرْيِ النَّهْرِ الْمُشْتَرَكِ عَلَيْهِمْ مِنْ أَعْلاَهُ فَإِذَا جَاوَزُوا أَرْضَ رَجُلٍ مِنْهُمْ بَرِئَ مِنْ مُؤْنَةِ الْكَرْيِ، وَيُوَضِّحُ ابْنُ عَابِدِينَ ذَلِكَ فَيَقُولُ: بَيَانُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الشُّرَكَاءُ فِي النَّهْرِ عَشَرَةً فَعَلَى كُلٍّ عُشْرُ الْمُؤْنَةِ فَإِذَا جَاوَزُوا أَرْضَ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَهِيَ عَلَى التِّسْعَةِ الْبَاقِينَ أَتْسَاعًا لِعَدَمِ نَفْعِ الأْوَّلِ فِيمَا بَعْدَ أَرْضِهِ، وَهَكَذَا فَمَنْ فِي الآْخِرِ أَكْثَرُهُمْ غَرَامَةً لأِنَّهُ لاَ يَنْتَفِعُ إِلاَّ إِذَا وَصَلَ الْكَرْيُ إِلَى أَرْضِهِ وَدُونَهُ فِي الْغَرَامَةِ مَنْ قَبْلَهُ إِلَى الأْوَّلِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّ الْكَرْيَ مِنْ حُقُوقِ الْمِلْكِ، وَالْمِلْكُ فِي الأْعْلَى مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْكُلِّ مِنْ فُوَّهَةِ النَّهْرِ إِلَى مَشْرَبِ أَوَّلِهِمْ، فَكَانَتْ مُؤْنَتُهُ عَلَى الْكُلِّ، فَأَمَّا بَعْدَهُ فَلاَ مِلْكَ لِصَاحِبِ الأْعْلَى فِيهِ إِنَّمَا لَهُ حَقٌّ، وَهُوَ حَقُّ تَسْيِيلِ الْمَاءِ فِيهِ، فَكَانَتْ مُؤْنَتُهُ عَلَى صَاحِبِ الْمِلْكِ لاَ عَلَى صَاحِبِ الْحَقِّ، وَلِهَذَا كَانَتْ مُؤْنَةُ الْكَرْيِ عَلَى أَصْحَابِ النَّهْرِ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي الأْصَحِّ: الْكَرْيُ عَلَى جَمِيعِ الشُّرَكَاءِ مِنْ أَوَّلِ النَّهْرِ إِلَى آخِرِهِ لاِشْتِرَاكِهِمْ وَانْتِفَاعِهِمْ بِهِ، وَقَالَ الصَّاحِبَانِ بِحِصَصِ الشُّرْبِ وَالأْرَضِينَ كَمَا يَسْتَوُونَ فِي اسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ لأِنَّ لِصَاحِبِ الأْعْلَى حَقًّا فِي الأْسْفَلِ لاِحْتِيَاجِهِ إِلَى تَسْيِيلِ مَا فَضَلَ مِنَ الْمَاءِ فِيهِ .
20 - قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: وَلَيْسَ عَلَى أَهْلِ الشَّفَةِ مِنَ الْكَرْيِ شَيْءٌ، لأِنَّ الْكَرْيَ مِنْ حُقُوقِ الْمِلْكِ وَلاَ مِلْكَ لأِهْلِ الشَّفَةِ فِي رَقَبَةِ النَّهْرِ، بَلْ لَهُمْ حَقُّ شُرْبِ الْمَاءِ وَالسَّقْيِ لِلدَّوَابِّ فَقَطْ، وَلأِنَّ هُمْ لاَ يُحْصُونَ، لأِنَّ هُمْ أَهْلُ الدُّنْيَا جَمِيعًا .
امْتِنَاعُ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ عَنِ الْكَرْيِ وَالإْصْلاَحِ:
21 - يَتَّفِقُ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مَا يَحْتَاجُهُ النَّهْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ جَمَاعَةٍ مِنْ كَرْيٍ وَإِصْلاَحٍ وَعِمَارَةٍ يَكُونُ عَلَى جَمِيعِ الشُّرَكَاءِ فِيهِ. لَكِنَّهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِي حُكْمِ مَا إِذَا امْتَنَعَ حَدُّ الشُّرَكَاءِ عَنِ الْمُشَارَكَةِ فِي الْكَرْيِ وَالإْصْلاَحِ.
وَعَلَى الْجُمْلَةِ فَإِنَّ الْحُكْمَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَنَّ الآْبِيَ يُجْبَرُ عَلَى الْمُشَارَكَةِ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي الْجَدِيدِ لاَ يُجْبَرُ الآْبِي وَلِكُلِّ مَذْهَبٍ تَفْصِيلٌ خَاصٌّ يَخْتَلِفُ عَنْ غَيْرِهِ وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:
22 - قَسَّمَ الْحَنَفِيَّةُ النَّهْرَ الْمَمْلُوكَ إِلَى قِسْمَيْنِ: عَامٍّ، وَخَاصٍّ.
وَالْفَاصِلُ بَيْنَهُمَا أَنَّ مَا تُسْتَحَقُّ بِهِ الشُّفْعَةُ خَاصٌّ، وَمَا لاَ تُسْتَحَقُّ بِهِ الشُّفْعَةُ عَامٌّ. وَاخْتُلِفَ فِي تَحْدِيدِ ذَلِكَ، فَقِيلَ: الْخَاصُّ مَا كَانَ لِعَشَرَةٍ فَمَا دُونَهَا، أَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَرْيَةٌ وَاحِدَةٌ، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ النَّهْرُ لِمَا دُونَ الأْرْبَعِينَ فَهُوَ خَاصٌّ، وَإِنْ كَانَ لأِرْبَعِينَ فَهُوَ نَهْرٌ عَامٌّ، وَجَعَلَ بَعْضُهُمُ الْحَدَّ الْفَاصِلَ فِي الْمِائَةِ، وَبَعْضُهُمْ فِي الأْلْفِ وَغَيْرُ ذَلِكَ عَامٌّ، وَأَصَحُّ مَا قِيلَ فِيهِ: أَنَّهُ يُفَوَّضُ إِلَى رَأْيِ الْمُجْتَهِدِ فَيَخْتَارُ مِنَ الأْقَاوِيلِ أَيَّ قَوْلٍ شَاءَ، وَقِيلَ: الْخَاصُّ مَا لاَ تَجْرِي فِيهِ السُّفُنُ، وَمَا تَجْرِي فِيهِ فَهُوَ عَامٌّ.
قَالَ الإْتْقَانِيُّ: وَلَكِنَّ أَحْسَنَ مَا قِيلَ فِيهِ: إِنْ كَانَ النَّهْرُ لِدُونِ مِائَةٍ فَالشَّرِكَةُ خَاصَّةٌ وَإِلاَّ فَعَامَّةٌ .
23 - وَعَلَى ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ النَّهْرُ عَامًّا وَأَبَى بَعْضُ الشُّرَكَاءِ مِنَ الْكَرْيِ، فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْكَرْيِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ الْعَامِّ وَهُوَ ضَرَرُ بَقِيَّةِ الشُّرَكَاءِ، وَضَرَرُ الآْبِي خَاصٌّ وَيُقَابِلُهُ عِوَضٌ فَلاَ يُعَارَضُ بِهِ.
وَإِذَا أَرَادَ الشُّرَكَاءُ فِي النَّهْرِ الْعَامِّ أَنْ يُحَصِّنُوهُ خِيفَةَ الاِنْبِثَاقِ وَفِيهِ ضَرَرٌ عَامٌّ كَغَرَقِ الأْرَاضِي وَفَسَادِ الطُّرُقِ يُجْبَرُ الآْبِي، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ عَامٌّ فَلاَ يُجْبَرُ الآْبِي لأِنَّهُ مَوْهُومٌ، بِخِلاَفِ الْكَرْيِ فَإِنَّهُ مَعْلُومٌ.
24 - أَمَّا النَّهْرُ الْخَاصُّ فَقَدِ اخْتَلَفَ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ فِي إِجْبَارِ الْمُمْتَنِعِ عَنِ الْكِرَى.
فَإِنْ كَانَ الْمُمْتَنِعُ بَعْضَ الشُّرَكَاءِ فَقَدْ جَاءَ فِي الْكِفَايَةِ: قِيلَ: يُجْبَرُ الآْبِي وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الإْسْكَافِ، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: أُجْبِرَ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْخِزَانَةِ، وَقِيلَ: لاَ يُجْبَرُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْبَلْخِيِّ، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ.
وَإِنْ كَانَ الْمُمْتَنِعُ كُلَّ الشُّرَكَاءِ فِي النَّهْرِ وَاتَّفَقُوا عَلَى تَرْكِ الْكَرْيِ فَفِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لاَ يُجْبِرُهُمُ الإْمَامُ عَلَى ذَلِكَ كَمَا لَوِ امْتَنَعُوا عَنْ عِمَارَةِ أَرَاضِيهِمْ، وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: يُجْبِرُهُمُ الإْمَامُ عَلَى ذَلِكَ لِحَقِّ أَصْحَابِ الشَّفَةِ فِي النَّهْرِ
25 - وَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ جَبْرِ الآْبِي إِذَا أَبَى بَعْضُ الشُّرَكَاءِ مِنَ الْكَرْيِ وَقَامَ الْبَاقُونَ بِالْكَرْيِ، فَهَلْ يَرْجِعُونَ عَلَى الآْبِي بِمَا يَخُصُّهُ مِنْ مُؤْنَةِ مَا أَنْفَقُوا؟ قَالُوا: إِنْ كَانَ بِأَمْرِ الْقَاضِي رَجَعُوا عَلَى الآْبِي.
نَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ الذَّخِيرَةِ: أَنَّ الْقَاضِيَ إِذَا أَمَرَ الْبَاقِينَ بِكَرْيِ نَصِيبِ الآْبِي عَلَى أَنْ يَسْتَوْفُوا مُؤْنَةَ الْكَرْيِ مِنْ نَصِيبِهِ مِنَ الشُّرْبِ مِقْدَارَ مَا يَبْلُغُ قِيْمَةَ مَا أَنْفَقُوا عَلَيْهِ فَإِنَّهُمْ يَرْجِعُونَ عَلَى الآْبِي بِذَلِكَ.
وَإِنْ لَمْ يَرْفَعُوا الأْمْرَ إِلَى الْقَاضِي، هَلْ يَرْجِعُونَ عَلَى الآْبِي بِقِسْطِهِ مِنَ النَّفَقَةِ وَيُمْنَعُ الآْبِي مِنْ شُرْبِهِ حَتَّى يُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ؟ قِيلَ: نَعَمْ، وَقِيلَ: لاَ.
وَذُكِرَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ أَنَّ الأْوَّلَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَمَثَلُهُ فِي التَّتَارَخَانِيَّةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لاَ تَرْجِيحَ لأِحَدِ الْقَوْلَيْنِ لَكِنَّ مَفْهُومَ كَلاَمِ الدُّرِّ كَالْهِدَايَةِ وَالتَّبْيِينِ وَغَيْرِهِمَا تَرْجِيحُ عَدَمِ الرُّجُوعِ إِذَا كَانَ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي .
26 - وَالأْصْلُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ يُقْضَى عَلَى شَرِيكٍ فِيمَا لاَ يَنْقَسِمُ أَنْ يُعَمِّرَ مَعَ شَرِيكِهِ أَوْ يَبِيعَ مِنْهُ جَمِيعَ حِصَّتِهِ إِنْ أَبَى التَّعْمِيرَ.
لَكِنَّ الْمَالِكِيَّةَ اسْتَثْنَوْا مِنْ ذَلِكَ الشُّرَكَاءَ فِي الْبِئْرِ أَوِ الْعَيْنِ أَوِ النَّهْرِ فَإِنَّ مَنْ أَبَى الْعِمَارَةَ مِنَ الشُّرَكَاءِ لاَ يُجْبَرُ عَلَى الْبَيْعِ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى الْبِئْرِ أَوِ الْعَيْنِ زَرْعٌ أَوْ شَجَرٌ فِيهِ ثَمَرٌ مُؤَبَّرٌ أَمْ لاَ، وَيُقَالُ لِلشَّرِيكِ: عَمِّرْ إِنْ شِئْتَ وَلَكَ مَا حَصَلَ مِنَ الْمَاءِ بِعِمَارَتِكَ، وَقَالَ الدُّسُوقِيُّ: هُوَ إِمَّا كُلُّ الْمَاءِ إِنْ كَانَ التَّخْرِيبُ أَذْهَبَ كُلَّ الْمَاءِ وَحَصَلَ الْمَاءُ بِالتَّعْمِيرِ، أَوْ مَا زَادَ مِنْهُ بِالْعِمَارَةِ، وَذَلِكَ إِلَى أَنْ تَسْتَوْفِيَ قَدْرَ مَا أَنْفَقْتَ، أَوْ إِلَى أَنْ يَأْتِيَكَ صَاحِبُكَ الآْبِي بِمَا يُصِيبُهُ مِنَ النَّفَقَةِ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ.
وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ: يُجْبَرُ الشَّرِيكُ عَلَى الْبَيْعِ إِنْ أَبَى الْعِمَارَةَ إِنْ كَانَ عَلَى الْبِئْرِ أَوِ الْعَيْنِ زَرْعٌ أَوْ شَجَرٌ فِيهِ ثَمَرٌ مُؤَبَّرٌ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَرَجَّحَ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ .
وَجَاءَ فِي مَوَاهِبِ الْجَلِيلِ: إِذَا احْتَاجَتْ بِئْرٌ أَوْ قَنَاةٌ بَيْنَ شُرَكَاءَ لِسَقْيِ أَرْضِهِمْ إِلَى الْكَنْسِ لِقِلَّةِ مَائِهَا فَأَرَادَ أَحَدُهُمُ الْكَنْسَ وَأَبَى الآْخَرُونَ. - وَفِي تَرْكِ الْكَنْسِ ضَرَرٌ عَلَى الْمَاءِ وَانْتِقَاصٌ، وَالْمَاءُ يَكْفِي أَوْ لاَ يَكْفِي إِلاَّ الَّذِينَ أَرَادُوا الْكَنْسَ خَاصَّةً- فَلِلَّذِينِ أَرَادُوا الْكَنْسَ أَنْ يَكْنِسُوا ثُمَّ يَكُونُوا أَوْلَى بِالَّذِي زَادَ فِي الْمَاءِ لِكَنْسِهِمْ دُونَ مَنْ لَمْ يَكْنِسْ حَتَّى يُؤَدُّوا حِصَّتَهُمْ مِنَ النَّفَقَةِ فَيَرْجِعُوا إِلَى أَخْذِ حِصَّتِهِمْ مِنْ جَمِيعِ الْمَاءِ
27 - وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِذَا امْتَنَعَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ عَنِ الْعِمَارَةِ فِي النَّهْرِ وَالْقَنَاةِ وَالْبِئْرِ فَفِي الْجَدِيدِ لاَ إِجْبَارَ عَلَيْهِ كَمَا لاَ يُجْبَرُ عَلَى زَرْعِ الأْرْضِ الْمُشْتَرَكَةِ، وَلأِنَّ الْمُمْتَنِعَ يَتَضَرَّرُ أَيْضًا بِتَكْلِيفِهِ الْعِمَارَةَ وَالضَّرَرُ لاَ يُزَالُ بِالضَّرَرِ.
وَفِي الْقَدِيمِ يُجْبَرُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ وَصِيَانَةً لِلأْمْلاَكِ الْمُشْتَرَكَةِ عَنِ التَّعْطِيلِ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ: وَالأْظْهَرُ عِنْدَ جُمْهُورِ الأْصْحَابِ هُوَ الْجَدِيدُ.
وَصَحَّحَ صَاحِبُ الشَّامِلِ الْقَدِيمَ وَأَفْتَى بِهِ الشَّاشِيُّ.
وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْفَتَاوَى: الأْقْيَسُ أَنْ يُجْبَرَ الْمُمْتَنِعُ، وَقَالَ: وَالاِخْتِيَارُ إِنْ ظَهَرَ لِلْقَاضِي أَنَّ امْتِنَاعَهُ مَضَارَّةٌ أَجْبَرَهُ، وَإِنْ كَانَ لإِعْسَارٍ أَوْ غَرَضٍ صَحِيحٍ أَوْ شَكَّ فِيهِ لَمْ يُجْبَرْ.
وَلَوْ أَنْفَقَ الشَّرِيكُ عَلَى تَعْمِيرِ النَّهْرِ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُ الشَّرِيكِ الْمُمْتَنِعِ مِنَ الاِنْتِفَاعِ بِالْمَاءِ لِسَقْيِ الزَّرْعِ وَغَيْرِهِ، لَكِنْ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنَ الاِنْتِفَاعِ بِالدُّولاَبِ وَالْبَكَرَةِ وَالآْلاَتِ الَّتِي أَحْدَثَهَا .
قَالَ النَّوَوِيُّ: وَإِذَا قُلْنَا بِالْقَدِيمِ- وَهُوَ إِجْبَارُ الْمُمْتَنِعِ- فَأَصَرَّ عَلَى الاِمْتِنَاعِ فَإِنَّ الْحَاكِمَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ اقْتَرَضَ عَلَيْهِ، أَوْ أُذِنَ لِلشَّرِيكِ فِي الإْنْفَاقِ عَلَيْهِ لِيَرْجِعَ عَلَى الْمُمْتَنِعِ، فَلَوِ اسْتَقَلَّ بِهِ الشَّرِيكُ فَلاَ رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: قَوْلاَنِ: الْقَدِيمُ: نَعَمْ، وَالْجَدِيدُ: لاَ، وَقِيلَ: يَرْجِعُ فِي الْقَدِيمِ، وَفِي الْجَدِيدِ قَوْلاَنِ .
28 - وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ يُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ مِنَ الشُّرَكَاءِ عَنِ الْعِمَارَةِ لِحَقِّ شُرَكَائِهِ أَيْ يُجْبِرُهُ الْحَاكِمُ وَيَأْخُذُ مِنْ مَالِ الْمُمْتَنِعِ النَّقْدَ وَيُنْفِقُ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُمْتَنِعِ نَقْدٌ بَاعَ الْحَاكِمُ عَرْضَهُ وَأَنْفَقَ مِنْ ثَمَنِهِ مَعَ شَرِيكِهِ بِالْمُحَاصَّةِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْمُمْتَنِعِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ عَلَى الْحَاكِمِ لِنَحْوِ تَغْيِيبِ مَالِهِ اقْتَرَضَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ لِيُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ كَنَفَقَةٍ نَحْوَ زَوْجَتِهِ، وَإِنْ عَمَّرَ الشَّرِيكُ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ أَوْ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ رَجَعَ عَلَى شَرِيكِهِ لِوُجُوبِهِ عَلَى الْمُنْفَقِ عَنْهُ .
وَإِذَا أَرَادَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ أَنْ يُعَمِّرَ فَلَيْسَ لِلشُّرَكَاءِ مَنْعُهُ وَالْمَاءُ بَيْنَهُمْ عَلَى الشَّرِكَةِ، وَلاَ يَخْتَصُّ بِهِ الْمُعَمِّرُ لأِنَّ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ مِلْكِهِمَا وَإِنَّمَا أَثَّرَ أَحَدُهُمَا فِي نَقْلِ الطِّينِ مِنْهُ وَلَيْسَ لَهُ فِيهِ عَيْنُ مَالٍ، وَرُجُوعُ الْمُعَمِّرِ بِمَا أَنْفَقَ عَلَى مَا سَبَقَ .
حُكْمُ مَا انْحَسَرَ عَنْهُ الْمَاءُ:
29 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الأْرْضِ الَّتِي يَنْكَشِفُ عَنْهَا مَاءُ النَّهْرِ هَلْ تَكُونُ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ تَكُونُ لِمَنْ يَلِي هَذِهِ الأْرْضَ ؟ فَعِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ تَكُونُ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ، وَعِنْدَ غَيْرِهِمْ تَكُونُ لِمَنْ يَلِي الأْرْضَ الَّتِي انْكَشَفَ عَنْهَا النَّهْرُ، وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ، وَلِكُلِّ مَذْهَبٍ تَفْصِيلٌ خَاصٌّ وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:
فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: لَوْ جَزَرَ مَاءُ الأْنْهَارِ الْعِظَامِ كَسَيْحُونَ وَدِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ عَنْ أَرْضٍ فَلَيْسَ لِمَنْ يَلِيهَا أَنْ يَضُمَّهَا إِلَى أَرْضِ نَفْسِهِ، لأِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَعُودَ مَاؤُهَا إِلَى مَكَانِهِ وَلاَ يَجِدَ إِلَيْهِ سَبِيلاً فَيُحْمَلُ عَلَى جَانِبٍ آخَرَ فَيَضُرُّ، حَتَّى لَوْ أَمِنَ الْعَوْدَ، أَوْ كَانَ بِإِزَائِهَا مِنَ الْجَانِبِ الآْخَرِ أَرْضٌ مَوَاتٌ لاَ يَسْتَضِرُّ أَحَدٌ بِحَمْلِ الْمَاءِ عَلَيْهِ فَلَهُ ذَلِكَ، وَيُمَلَّكُهُ إِذَا أَحْيَاهُ بِإِذْنِ الإْمَامِ أَوْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ عَلَى الاِخْتِلاَفِ فِي اشْتِرَاطِ إِذْنِ الإْمَامِ فِي الإْحْيَاءِ أَوْ عَدَمِ اشْتِرَاطِهِ .
وَاخْتَلَفَ فُقَهَاءُ الْمَالِكِيَّةِ فِي الْحُكْمِ، فَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ عُلَيْشٌ، وَقَدْ سُئِلَ عَنْ أَرْضٍ انْكَشَفَ عَنْهَا الْبَحْرُ هَلْ تَكُونُ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ لِمَنْ تَلِيهِ أَوْ لِمَنْ دَخَلَ الْبَحْرُ أَرْضَهُ؟ أَنَّهَا تَكُونُ لِمَنْ تَلِيهِ ثُمَّ قَالَ: وَذَلِكَ هُوَ قَوْلُ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ وَعَلَيْهِ حَمْدِيسُ، وَبِهِ الْفَتْوَى وَالْقَضَاءُ، وَقَالَ سَحْنُونٌ وَأَصْبَغُ وَمُطَرِّفٌ: تَكُونُ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ كَمَا كَانَ الْبَحْرُ .
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: لَوِ انْحَسَرَ مَاءُ النَّهْرِ عَنْ جَانِبٍ مِنْهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهِ مِنْ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ الْعَامَّةِ، وَلَيْسَ لِلسُّلْطَانِ إِقْطَاعُهُ لأِحَدٍ كَالنَّهْرِ وَحَرِيمِهِ.
وَلَوْ زَرَعَهُ أَحَدٌ لَزِمَهُ أُجْرَتُهُ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، وَيَسْقُطُ عَنْهُ قَدْرُ حِصَّتِهِ إِنْ كَانَ لَهُ حِصَّةٌ فِي مَالِ الْمَصَالِحِ.
نَعَمْ، لِلإْمَامِ دَفْعُهُ لِمَنْ يَرْتَفِقُ بِهِ بِمَا لاَ يَضُرُّ الْمُسْلِمِينَ.
وَمِثْلُهُ مَا يَنْحَسِرُ عَنْهُ الْمَاءُ مِنَ الْجَزَائِرِ فِي الْبَحْرِ، وَيَجُوزُ زَرْعُهُ وَنَحْوَهُ لِمَنْ لَمْ يَقْصِدْ إِحْيَاءَهُ، وَلاَ يَجُوزُ فِيهِ الْبِنَاءُ وَلاَ الْغِرَاسُ وَلاَ مَا يَضُرُّ الْمُسْلِمِينَ .
وَفَرَّقَ الْحَنَابِلَةُ بَيْنَ أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ غَلَبَ عَلَيْهَا الْمَاءُ ثُمَّ نَضَبَ عَنْهَا وَبَيْنَ أَرْضٍ نَضَبَ عَنْهَا الْمَاءُ وَلَمْ تَكُنْ مَمْلُوكَةً لأِحَدٍ.
جَاءَ فِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ: وَلاَ يُمْلَكُ بِإِحْيَاءِ مَا نَضَبَ أَيْ غَارَ عَنْهُ الْمَاءُ مِمَّا كَانَ مَمْلُوكًا وَغَلَبَ الْمَاءُ عَلَيْهِ ثُمَّ نَضَبَ الْمَاءُ عَنْهُ، بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ مُلاَّكِهِ قَبْلَ غَلَبَةِ الْمَاءِ عَلَيْهِ فَلَهُمْ أَخْذُهُ؛ لأِنَّ هَا لاَ تُزِيلُ مِلْكَهُمْ عَنْهُ.
أَمَّا مَا نَضَبَ عَنْهُ الْمَاءُ مِنَ الْجَزَائِرِ وَالرَّقَاقِ مِمَّا لَمْ يَكُنْ مَمْلُوكًا فَلِكُلِّ أَحَدٍ إِحْيَاؤُهُ بَعُدَتْ أَوْ قَرُبَتْ كَمَوَاتٍ، قَالَ الْحَارِثِيُّ: مَعَ عَدَمِ الضَّرَرِ وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ فِي التَّنْقِيحِ: لاَ يُمْلَكُ بِالإْحْيَاءِ، وَتَبِعَهُ فِي الْمُنْتَهَى، وَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْعَبَّاسِ بْنِ مُوسَى: إِذَا نَضَبَ الْمَاءُ مِنْ جَزِيرَةٍ إِلَى فِنَاءِ رَجُلٍ لَمْ يَبْنِ فِيهَا، لأِنَّ فِيهَا ضَرَرًا، وَهُوَ أَنَّ الْمَاءَ يَرْجِعُ إِلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ، فَإِذَا وَجَدَهُ مَبْنِيًّا رَجَعَ إِلَى الْجَانِبِ الآْخَرِ فَأَضَرَّ بِأَهْلِهِ، وَلأِنَّ الْجَزَائِرَ مَنْبَتُ الْكَلأَ وَالْحَطَبِ فَجَرَتْ مَجْرَى الْمَعَادِنِ الظَّاهِرَةِ .
وَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ: يُرْوَى عَنْ عُمَرَ - رضي الله تعالي عنه - أَنَّهُ أَبَاحَ الْجَزَائِرَ يَعْنِي أَبَاحَ مَا يَنْبُتُ فِي الْجَزَائِرِ مِنَ النَّبَاتِ، قَالَ: إِذَا نَضَبَ الْفُرَاتُ عَنْ شَيْءٍ، ثُمَّ نَبَتَ فِيهِ نَبَاتٌ فَجَاءَ رَجُلٌ يَمْنَعُ النَّاسَ مِنْهُ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ مَا نَضَبَ عَنْهُ الْمَاءُ لاَ يَنْتَفِعُ بِهِ أَحَدٌ، فَعَمَرَهُ رَجُلٌ عِمَارَةً لاَ تَرُدُّ الْمَاءَ، مِثْلَ أَنْ يَجْعَلَهُ مَزْرَعَةً فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ؛ لأِنَّهُ مُتَحَجِّرٌ لِمَا لَيْسَ لِمُسْلِمٍ فِيهِ حَقٌّ .
وَلِلتَّفْصِيلِ انْظُرْ (إِحْيَاء ف 11).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجلة الأحكام العدلية
مادة (1262) الشرب
الشرب هو نوبة الانتفاع بسقي الحيوان والزرع.
مادة (1266) حق الشفة للإنسان والحيوان
للإنسان والحيوان حق الشفة في الماء الذي يحرز.
مادة (1267) الأنهار المملوكة
الأنهار المملوكة يعني المياه الداخلة في المجاري المملوكة حق شربها لأصحابها وللعامة فيها حق الشفة فقط فلا يسوغ لأحد أن يسقي أراضيه من نهر مخصوص بجماعة أو جدول أو قناة أو بئر بلا إذنهم لكن يسوغ له الشرب بسبب حق شفته وله أيضاً أن يورد حيواناته من النهر والجدول والقناة المذكورات إن لم يخش من تخريبها بحسب كثرة الحيوانات وكذلك له اخذ الماء منها إلى جنينته وداره بالجرة والبرميل.
مادة (1268) الماء المتتابع الورود
يسوغ لمن كان ضمن ملكه ماء متتابع الورود سواء كان حوضاً أو بئراً أو نهراً أن يمنع طالبه من الدخول في ملكه لكن إذا لم يوجد في قربه ماء مباح غيره للشرب فيجبر صاحب الملك على إخراج الماء لذلك الطالب أو إعطائه الرخصة بالدخول لأجل أخذ الماء وإن لم يخرج له الماء فله حق الدخول وأخذ الماء لكن بشرط السلامة يعني أن عدم الضرر شرط كتخريبه حافة الحوض أو البئر أو النهر.
مادة (1269) حظر شق جدول من النهر المشترك
ليس لأحد الشركاء في النهر المشترك أن يشق منه نهراً يعني جدولاً إلا بإذن الآخرين وليس له أن يبدل نوبته القديمة وليس له أن يبدل نوبته القديمة وليس له أن يسوق الماء في نوبته إلى ارض له أخرى لا شرب لها من ذلك النهر ولو رضي أصحاب الحصص بهذه الأشياء فلهم أو لورثتهم الرجوع بعد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كتاب مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان فى المعاملات الشرعية على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان لمؤلفه المغفور له (محمد قدرى باشا) (الطبعة الثانية) بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصرالمحمية سنة1308هجرية 1891 افرنجيه
(مادة 4)
الحقوق التي بها يكون التصرف والانتفاع بالأعيان على ثلاثة أنواع
الأول- حق ملك رقبة العين ومنفعتها
الثاني- حق ملك الانتفاع بالعين دون الرقبة
الثالث- حق الشرب والمسيل والمرور والتعلى ونحو ذلك من الحقوق
(مادة 38)
الشرب هو نوبة الانتفاع بالماء سقياً للأرض أو الشجر أو الزرع.
(مادة 39)
مياه النهر الأعظم وفروعه والترع ذوات المنفعة العامة التي ليست مملوكة لأحد مباحة لكل أحد حق في أن يسقي منها دوابه وأرضه وأن يشق منها جدولاً لسقي أرضه ما لم يكن ذلك مضراً بالعامة.
(مادة 40)
الترع والمجاري المملوكة ملكاً عاماً أو خاصاً يجوز لكل أحد أن يسقي دوابه منها إلا إذا خيف تخريبها لكثرتها وليس لأحد من غير الشركاء أن يسقي أرضه منها إلا بإذن أصحابها وليس لأحد من الشركاء أن يشق منها بربخاً أو ينصب عليها آلة بخارية أو تابوتاً بلا رضا بقية الشركاء إلا آلة وضعت في ملكه وكانت حافتا النهر وبطد له ولا يضر بنهر وماء.
(مادة 41)
الماء المحرز في الأواني كالحياض والصهاريج المملوكة لا حق لأحد في الانتفاع به إلا بإذن صاحبه.
(مادة 42)
من أنشأ ترعة من ماله لسقي أرضه فله الانتفاع بما فيها كيف شاء وليس لغيره أن يسقي أرضه منها إلا بإذن المنشئ وللغير أن يشرب منها ويسقى دابته.
(مادة 43)
حق استعمال مياه الترع العمومية وتوزيعها يكون بقدر الأراضي المقتضى ريها مع مراعاة عدم الضرر بالعامة.
مادة (44)
ليس لصاحب الأرض التي تسقى بالآلات أو الترع أن يجبر أصحاب الأراضي التي دونه على تصريف مياهه في أراضيهم إن لم يكن له حق المسيل فيها.
(مادة 45)
إذا كان لأحد مسقى جار بحق في أرض آخر فليس لرب الأرض أن يمنعه عن إجرائه في أرضه.
(مادة 46)
من سقى أرضه سقياً معتاداً تتحمله أرضه فسال منها الماء في أرض غيره فأتلف زرعه فلا ضمان عليه وإن سقاها سقياً غير معتاد فعليه الضمان.
(مادة 47)
حق الشرب يورث ويوصي بالانتفاع به ولا يباع إلا تبعا للأرض كحق المسيل ولا يوهب ولا يؤجر.
(مادة 51)
من كان له مجرى أو سياق ماء جار بحق قديم في ملك شخص آخر فليس لصاحبه منعه.
(مادة 52)
إذا كان لدار مسيل مطر على دار الجار من القديم فليس للجار منعه.
(مادة 53)
إذا كان لأحد مجرى أو سياق ماء في دار آخر فحصل به خلل تسبب عنه للجار ضرر فللجار أن يجبر صاحبه على دفع الضرر عنه بتعميره وإصلاحه أو عدم الإجراء فيه وإذا أراد صاحبه إصلاحه فمنعه الجار من الدخول في داره يخير صاحبه الدار بين أن يتركه يدخل ويصلح وبين أن يفعل صاحب الدار ذلك بماله.
(مادة 54)
إذا كان لدار مسيل قذر في الطريق الخاص وكان مضراً بأهله يرفع ضرره ولو كان قديماً ولا يعتبر قدمه.
(مادة 55)
لا يجوز لأحد أن يجرى مسيل محله المحدث إلى دار آخر بدون إذنه إن لم يكن له حق في ذلك.
(مادة 56)
لا يجوز لأحد إحداث شيء من الميازيب ولا حفر بالوعة في طريق العامة إذا كان يضر بالعامة وأن أحدث ذلك في زقاق غير نافذ لا يجوز إلا بإذن أهله سواء أضربهم أم لا.
( مادة 622)
تصح المساقاة بدون بيان المدة وتقع على أول ثمر يخرج من تلات السنة وتصح بيان المدة المتعارفة فلو ذكرا مدة طويلة لا يعيشان إليها غالبا لم تصح
( مادة 623)
اذا ذكر للمساقاة لا تخرج الثمرة في افسدت المساقاة
وان ذكرا للمساقاة مدة يحتمل خروج الثمرة فيها وعدم خروجها كانت المساقاة موقوفة فانشر في الوقت المسمى ثمرة يرغب في مثلها في المعاملة صحت المساقاة ويقسم الخارج منهما على حسب شرطهما وإن تأخر غروب العمرة عن الوقت المسمی فدت المسافات وللسان أرمثل علوان يخرجن أصلا فلاش لكل منهما على الاخر
( مادة 624)
عقد المساواة لازم من الجانبين فلا يملك أحدهما الامتناع والفم من غير رضا الآخر لايعذر ويجر الساق على العمل الأمن عذر
( مادة 625)
اذا انقضت مدة المساواة بطلت فإن كان على الشجر ثمر لم يبد صلاحه فالخيار للساقي انشاء قام على العمل الى انتهاء الثمرة بلا وجوب أجر عليه للحصة صاحب الأرض وان شاء رد العمل ويخير الأخر بالخيارات الثلاثة المذكورة في المادة الاتية
( مادة 626)
لا يجوز للساقی أن یساقی غيره الا باذن مالك الشجر فان ساق بغير اذنه فالخارج للمالك وللمساقي الثاني أجر مثله على المساق الاول بالغا مابلغ ولا أجر للاول
( مادة 627)
اذا استحق التجرأوالتخيل وفيه غررجع المساق بأجر مثله على صاحب الشجر فان لم تخرج النخيل أو الشجر ثمرا حتی استحقت فلا شي للمساقي
( مادة 628)
إذا عجز العامل عن العمل أو كان غير مأمون على المرجاز قسم المساقاة
( مادة 629)
إذا دفع أحد الشريكين للاخر الشجر مساقاة وشرط له أكثر من قدر نصيبه لايجوز ویکون الخارب دهمانصفين على قدرنصیهماولاأجوله فان شرط أن يكون الخارج بينهما نصفين جاز
( مادة 630)
اذا مات العامل بطلت المساقاة فإن كان على الشمرمرلیدر فورثته بالخياران شاؤا قاموا عليه حتی يدرك الثمر وإن كره ذلك صاحب الأرض وان شاؤا قطعه لا يجبرون على العمل فيخير الاخر بين أن يقسم البسر على الشرط المتفق عليه وبين أن يعطيهم قمة نصيبهم من اليسر وبين أن ينفق على البسر حتي يبلغ فيرجع بما أنفقه في حصتهم من الثمر
( مادة 631)
إذا مات رب الأرض والثمر غض يقوم العامل كما كان وإن كره ذلك ورثة صاحب الأرض وإن أراد العامل القطع لجر على الملوخيرورة رب الأرض بالخيارات الثلاثة المارة
( مادة 632)
اذا مات كل من صاحب الأرض والعامل والثمرغض فالخيار في القيام عليه وعدمه لورثة العامل فإن شاؤا أقاموا على العمل الى يد وصلاح الثمر وان شاؤا ردوه و يكون الخيار لورثة صاحب الأرض على الوصف المتقدم في المادة السالفة
( مادة 633)
الأعمال اللازمة للثمر قبل ادراكه كسقى وتلقيح وحفظه تلزم العامل والاعمال اللازمة بعد إدراك الثمر كالجذاذ ونحوه تلزم كلا من العاقدين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مشروع تقنين الشريعة الإسلامية على مذهب الإمام الأعظم ابى حنيفة (رضى الله عنه ) إعداد اللجنة التحضيرية لتقنين الشريعة الإسلامية بإشراف مجمع البحوث الإسلامية الطبعة التمهيدية (1392هـ ـ 1972م )
مصطلحات فقهية
مادة ۳۳ - حق الشرب هو : نصيب معين معلوم من النهر ونحوه.
مادة 34 - حق المسيل : حق جريان الماء ، والسيل ، والتوكاف من دار إلى الخارج.
( التوكاف : رشح ماء المطر من سقف أو نحوه).