مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني، الجزء السادس، الصفحة : 105
مذكرة المشروع التمهيدي :
إذا تقررت القسمة ولم يكن في الشركاء من هو ناقص الأهلية، فلهم أن يتفقوا عليها. وتكون القسمة في هذه الحالة عقد يسرى عليه من الأحكام ما يسرى على سائر العقود .. أما إذا لم ينعقد الإجماع فيما بينهم، أو كان فيهم من هو ناقص الأهلية وجب اتباع إجراءات القسمة القضائية.
1 ـ أن عقد القسمة الاتفاقية هذا وفقاً لما تقضى به المادة 835 من القانون المدنى كسائر العقود متى استوفى أركان انعقاده وشروط صحته يكون ملزماً للمتعاقدين ولا يجوز لأحد أطرافه أن يستقل بنقضه أو تعديله ، ويترتب عليه بوصفه من العقود الكاشفة ثبوت الملكية فيما بين المتعاقدين بالعقد ذاته ولو لم يُسجل .
(الطعن رقم 786 لسنة 76 جلسة 2015/03/16 س 66 ص 107 ق 17)
2 ـ مؤدى النص فى المادة 835 من القانون المدنى على أن " للشركاء إذا انعقد إجماعهم على أن يقتسموا المال الشائع بالطريقة التى يرونها__" أن القسمة التى لا يجمع عليها الشركاء لا يترتب عليها إنهاء حالة الشيوع إلا أن عقد القسمة الذى يوقعه بعضهم __ وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لا يعتبر باطلا وهو وإن كان لا يصلح للاحتجاج به على من لم يوقعه إلا أنه يعتبر ملزما لكل من وقعه ولا يجوز لأحد منهم التحلل من التزامه بحجة تخلف أحد الشركاء عن التوقيع ويظل العقد قائما وللشريك الذى لم يوقعه الحق متى شاء فينصرف أثره إليه.
(الطعن رقم 2730 لسنة 57 جلسة 1992/02/20 س 43 ع 1 ص 357 ق 77)
3 ـ النص فى المادة 835 من القانون المدنى على أنه " للشركاء ، إذا إنعقد إجماعهم ، أن يقتسموا المال الشائع بالطريقة التى يرونها ، فإذا كان بينهم من هو ناقص الأهلية و جبت مراعاة الإجراءات التى يفرضها القانون " و فى المادة الرابعة من المرسوم بقانون رقم 119 لسنة 1952 بأحكام الولاية على المال على أن " يقوم الولى على رعاية أموال القاصر و له إدارتها و ولاية التصرف فيها مع مراعاة الأحكام المقررة فى هذا القانون " و فى المادة 40 منه على أن " على الوصى أن يستأذن المحكمة فى قسمة مال القاصر بالتراضى .... " يدل مع خلو نصوص هذا القانون من قيد مماثل بالنسبة للولى فى مجال القسمة ، على أن يجرى القسمة بالتراضى عن أولاده القصر دون حاجة لإستئذان محكمة الأحوال الشخصية أو الحصول على موافقتها على مشروع تلك القسمة.
(الطعن رقم 702 لسنة 51 جلسة 1985/11/06 س 36 ع 2 ص 970 ق 201)
4 ـ إذ كانت القسمة غير المسجلة يحتج بها على من اشترى جزءا مفرزا من أحد المتقاسمين، ويترتب عليها فى شأنه ما يترتب عليها فى شأن المتقاسمين من إنهاء حالة الشيوع، واعتبار كل متقاسم مالكا للجزء المفرز الذي وقع فى نصيبه بموجب القسمة - إلا أن شرط ذلك - وطبقا لما نصت عليه المادة 835 من القانون المدني - أن ينعقد إجماع الشركاء على الشيوع على قسمة المال الشائع، فإذا لم يختصم الشريك المتصرف فى حكم القسمة، فإنه لا يجوز الاحتجاج به عليه ولا على خلفه العام أو الخاص أخذا بما هو مقرر قانوناً من أن حجية الأحكام نسبية فلا يحتج بها إلا على أطرافها.
(الطعن رقم 1548 لسنة 69 جلسة 2002/04/09 س 53 ع 1 ص 499 ق 95)
5 ـ مؤدى نص المادة 835 من القانون المدني أن القسمة التي لا يجمع عليها الشركاء لا يترتب عليها إنهاء حالة الشيوع إلا أن عقد القسمة الذي يوقعه بعض الشركاء - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لا يعتبر باطلاً لعدم توقيعه من جميع الشركاء وهو وإن كان لا يصلح للاحتجاج به على من لم يوقعه إلا أنه يعتبر تخلف أحد الشركاء عن التوقيع ويظل العقد قائماً وللشريك الذي لم يوقعه الحق فى إقراره متى شاء فينصرف أثره إليه.
(الطعن رقم 1244 لسنة 55 جلسة 1989/05/31 س 40 ع 2 ص 512 ق 244)
6 ـ لمحكمة الموضوع أن تكون عقيدتها عن قيام حالة الشيوع التى يدعيها أحد الأخصام من أى دليل فى الدعوى دون أن تكون ملزمة بندب خبير لا ترى حاجة إلى الاستعانة به حتى و لو كانت قد ندبت أحد الخبراء من قبل لتحقيق مزاعم خصم آخر عن حصول القسمة مادامت لم تر فى تقريره ما يعارض الأسانيد الدالة على الشيوع.
(الطعن رقم 62 لسنة 22 جلسة 1955/11/03 س 6 ع 4 ص 1418 ق 191)
7 ـ حالة الشيوع بين الشركاء لا تنتهى الا باتجاه ارادتهم جميعا الى قسمة المال قسمة نهائية ، و اذن فمتى كان الحكم المطعون فيه اذ قرر عدم حصول قسمة فى العقار المشفوع به قد أقام قضاءه على ما حصلته المحكمة تحصيلا سائغا من أن الأعمال المادية التى أثبتها خبير الدعوى - استحداث مبانى بالمنزل - غير قاطعة فى افادة هذا المعنى و وجدت فى تقرير الخبير و أوراق الدعوى ما يكفى لتكوين عقيدتها دون حاجة الى الاستعانه برأى خبير آخر فان النعى على الحكم القصور فى التسبيب استنادا الى انه لم يرد على المطاعن التى وجهها الطاعن الى الخبير والى أعماله و لأنه مسخ محضر مناقشة الخبير هذا النعى يكون فى غير محله
(الطعن رقم 29 لسنة 19 جلسة 1951/05/31 س 2 ع 3 ص 905 ق 143)
8 ـ إذا رفضت المحكمة دعوى بطلان القسمة بناء على أن ما يقوله المدعي من أن الأرض التي اختص بها بموجب العقد وجدت بعد مساحتها تغاير المقادير الموضحة فيه لا يؤثر فى صحة القسمة ووجوب احترامها فإنها لا تكون مخطئة فى ذلك، لأن اختلاف المساحة لا يؤثر فى صحة العقد ما دام قد أحتيط فيه بذكر أن المقادير تقريبية، مما ينتفي معه القول بوجود غش أو خطأ فى القسمة.
(الطعن رقم 99 لسنة 13 جلسة 1944/05/11 س ع ع 4 ص 362 ق 133)
9 ـ المادة 13 من المرسوم بقانون رقم 178 لسنة 1952 إذ نصت على أنه " إذا وقع على ما يؤدى إلى تجزئة الأراضى الزراعية إلى أقل من خمسة أفدنة سواء كان ذلك . نتيجة للبيع أو المقايضة أو الميراث أو الوصية أو الهبة أو غير ذلك من طرق كسب الملكية وجب على ذوى الشأن أن يتفقوا على من تؤول إليه ملكية الأرض منهم " فقد دلت على أنها أنما تنصب على التصرفات و الوقائع التى تكسب ملكية الأطيان الزراعية و تؤدى إلى تجزئتها لأقل من خمسة أفدنة و لا تنصرف إلى قسمة هذه الأطيان بين الشركاء على الشيوع ، و العلة فى ذلك واضحة إذ أن القسمة بإعتبارها كاشفة للحق لا منشئة له لا تكسب أطرافها ملكية جديدة بل تقرر ملكية كل شريك لحصة مفرزة بعد أن كانت شائعة و تؤدى إلى تجزئة ملكية الأطيان التى نتناولها ، ذلك أن هذه الملكية تعتبر مجزأة فعلاً بين الشركاء بمقتضى سند إكتسابها و منذ قيام حالة الشيوع بين الشركاء و كل ما ترتب على قسمتها هو تحويل الحصص الشائعة إلى مفرزة ، و من ثم فإن النعى على عقد القسمة بالبطلان بدعوى مخالفة المادة 23 من قانون الإصلاح الزراعى و القول ببقاء ملكية الطاعن شائعة مما يخوله حق طلب الشفعة فى القدر المتصرف فيه ، يكون على غير أساس .
(الطعن رقم 374 لسنة 35 جلسة 1969/11/06 س 20 ع 3 ص 1164 ق 180)
10 ـ إذا كان القانون رقم 55 لسنة 1960 بقسمة الأعيان التى إنتهى فيها الوقف قد جعل الإختصاص بإجراء قسمة هذه الأعيان و فرز حصة الخيرات فيها و بيع ما يتعذر قسمته منها للجان المشكلة وفقاً لأحكامه بقصد التيسير على المستحقين الوصول إلى حقوقهم و تجنبهم إجراءات التقاضى المعتادة و ما يتفرع عنها من هذه منازعات و خصومات ، إلا أنه مع ذلك لم يخرج بحجية القرارات الصادرة من اللجان عن قاعدة الحجية النسبية للأحكام و عدم تعديها إلى غير خصوم الدعوى فقضى صراحة فى المادة 14 على أن " لكل ذى شأن لم يختصم فى إجراءات القسمة أن يرفع دعوى بحقه أمام المحكمة المختصة .. " ، كما لم يخرج فى أحكام هذا القانون على أى من نصوص و أحكام قانون الشهر العقارى رقم 114 لسنة 1946 بل إنه نص فى المادة 12 على على أن " تعتبر القرارات النهائية للجان القسمة بمثابة أحكام مقررة للقسمة بين أصحاب الشأن و تشهر فى مصلحة الشهر العقارى والتوثيق بناء على طلب وزارة الأوقاف أو أحد ذوى الشأن " .. ، كما نص فى المادة 15 /1 على أنه " يجوز لكل ذى شأن و لوزارة الأوقاف إشهار طلب القسمة بعد إعلانه طبقاً لما هو مبين فى المادة الثالثة من هذا القانون و طبقاً للإجراءات المقررة فى شأن شهر صحيفة دعوى الملكية و يكون له نفس الآثار القانونية التى تترتب على إشهار صحيفة دعوى الملكية
(الطعن رقم 1920 لسنة 50 جلسة 1982/01/24 س 33 ع 1 ص 169 ق 31)
11 ـ القسمة الإتفاقية عقد كسائر العقود ومن ثم تخضع للقواعد العامة فلا يجوز إثباتها إلا بالكتابة أو ما يقوم مقامها إذا زادت قيمة المال المقسوم على عشرة جنيهات .
(الطعن رقم 151 لسنة 33 جلسة 1967/04/20 س 18 ع 2 ص 850 ق 130)
12 ـ حالة الشيوع بين الشركاء لا تنتهى الا باتجاه ارادتهم جميعا الى قسمة المال قسمة نهائية ، و اذن فمتى كان الحكم المطعون فيه اذ قرر عدم حصول قسمة فى العقار المشفوع به قد أقام قضاءه على ما حصلته المحكمة تحصيلا سائغا من أن الأعمال المادية التى أثبتها خبير الدعوى - استحداث مبانى بالمنزل - غير قاطعة فى افادة هذا المعنى و وجدت فى تقرير الخبير و أوراق الدعوى ما يكفى لتكوين عقيدتها دون حاجة الى الاستعانه برأى خبير آخر فان النعى على الحكم القصور فى التسبيب استنادا الى انه لم يرد على المطاعن التى وجهها الطاعن الى الخبير والى أعماله و لأنه مسخ محضر مناقشة الخبير هذا النعى يكون فى غير محله .
(الطعن رقم 29 لسنة 19 جلسة 1951/05/31 س 2 ع 3 ص 905 ق 143)
13 ـ إجراء القسمة بالتراضى جائز ولو كان بين الشركاء من هو ناقص الأهلية ، على أن يحصل الوصى أو القيم على إذن من الجهة القضائية المختصة بإجراء القسمة على هذا الوجه وعلى أن تصدق هذه الجهة على عقد القسمة بعد تمامه حتى يصبح نافذا فى حق ناقص الأهلية . و إذ كان البطلان المترتب على عدم مراعاة هذه الإجراءات قد شرع لمصلحة القاصر و من فى حكمه حتى لا يتعاقد الوصى أو القيم على تصرف ليس له فى الأصل أن يستقل به ، فإن هذا البطلان يكون نسبيا لا يحتج به إلا ناقص الأهلية الذى يكون له عند بلوغه سن الرشد إن كان قاصراً أو عند رفع الحجر عنه إن كان محجورا عليه التنازل عن التمسك بهذا البطلان و إجازة القسمة الحاصلة بغير إتباع هذه الإجراءات.
(الطعن رقم 190 لسنة 29 جلسة 1964/01/23 س 15 ع 1 ص 131 ق 24)
تنص المادة 835 مدني على ما يأتي :
" للشركاء، إذا انعقد إجماعهم، أن يقتسموا المال الشائع بالطريقة التي يرونها فإذا كان بينهم من هو ناقص الأهلية وجبت مراعاة الإجراءات التي يفرضها القانون.
القسمة الاتفاقية عقد تسري عليه أحكام سائر العقود :
والقسمة الإتفاقية عقد كسائر العقود، أطرافه الشركاء المشتاعون ومحله المال الشائع ومن ثم تسرى على هذه القسمة أحكام العقود فلابد من تراضي الشركاء وتوافرت الأهلية وخلو الإدارة من العيوب واستبقاء المحل لمشروطه ووجود سبب مشروع .
ويجوز تعليق الاتفاقية على شرط واقف كما إذا اتفق الشركاء على تعليق القسمة على ما إذا كانت عين من الأعيان الداخلة فيها تثبت ملكيتها للشركاء كذلك يجوز تعليق القسمة على شرط فاسخ كما إذا اتفق الشركاء على انفساخ القسمة إذا تحول المال الشائع من أرض زراعية إلى أرض للبناء في خلال مدة معينة .
وإذا أبرم القسمة الإتفاقية بعض الشركاء دون بعض فإن الشركاء الذين أبرموها يبقون ملتزمين بها حتى إذا أقرها الشركاء الآخرون أصبحت نافذة في حق الجميع ويعتبر عقد القسمة بالنسبة إلى من لم يقره من الشركاء إيجاباً موجهاً إلى هؤلاء فيكون لهم أو لورثتهم إقرار القسمة بقبولهم إياها ولكن هذا الإيجاب يبقى قائماً لمدة المحددة له أو المدة المعقولة وفقاً لأحكام المادة 93 مدني وقد يجعل إقرار الشركاء الذين لم يبرموا العقد شرطاً واقفاً أو شرطاً فاسخاً في القسمة وذلك فيما إذا لم يعتبر عقد القسمة إيجاباً موجهاً لمن لم يقره من الشركاء كما سبق القول أما القسمة التي تتم بين بعض الشركاء وتتناول كل المال الشائع فتهدر عمداً أو خطأ نصيب الشركاء الذين لم يشتركوا في القسمة، فتكون بداهة باطلة.
وتخضع القسمة الاتفاقية للقواعد العامة في الإثبات فإذا زادت قيمة المال الشائع الذي دخل القسمة على عشرة جنيهات كما هو الغالب فلا يجوز إثباتها إلا بالكتابة أو ما يقوم مقام الكتابة أما إذا لم تزد القيمة على عشرة جنيهات فإنه يجوز إثبات القسمة بالبينة والقرائن.
وقد قدمنا أن المادة 2/846 مدني تقضي بأنه إذا دامت قسمة المهايأة المكانية خمس عشرة سنة انقلبت قسمة نهائية ما لم يتفق الشركاء على غير ذلك فالتراضي هنا لم يقع ابتداءً على قسمة نهائية وإنما وقع على مهايأة مكانية مؤقتة ومع ذلك تنقلب هذه القسمة المؤقتة بحكم القانون لا بحكم التراضي إلى قسمة نهائية إذا دامت خمس عشرة سنة ولم يكن الشركاء قد اتفقوا من قبل على أن الهيئة لا تنقلب إلى قسمة نهائية وقد سبق تفصيل القول في ذلك ونكتفي هنا بالإشارة إلى أن المهايأة المكانية التي انقلبت إلى قسمة نهائية ليست بقسمة اتفاقية فلا يجوز تقضها للغبن كما تنقض القسمة الإتفاقية وهي في الوقت ذاته ليست بقسمة قضائية وإنما هي قسمة وقعت بحكم القانون.
أما القسمة الفعلية فهي قسمة اتفاقية يجوز نقضها للغبن والقسمة الفعلية تقوم على اتفاق بين الشركاء ولكنه ليس اتفاقاً صريحاً بل هو اتفاق ضمنى فيتصرف أحد الشركاء في جزء مفرز من المال الشائع يعادل حصته ثم ينهج نهجه سائر الشركاء كل منهم يتصرف في جزء مفرز يعادل حصته في المال الشائع فيستخلص من تصرفاتهم هذه ضمناً أنهم ارتضوا قسمة المال الشائع فيما بينهم على الوجه الذي تصرفوا على مقتضاه ويكون نصيب كل منهم هو الجزء المفرز الذي سبق له أن تصرف فيه.
للشركاء اختيار طريقة القسمة الاتفاقية : وقد رأينا انظر آنفا فقرة 540 أن المادة 835 مدني تنص على أن " للشركاء إذا انعقد إجماعهم أن يقتسموا المال الشائع بالطريقة التي يرونها " فللشركاء إذن اختيار الطريقة التي تتم بها القسمة الاتفاقية فقد يختارون أن تكون القسمة عينية فيفرزون نصيب كل منهم عيناً في المال الشائع . وقد تكون هذه القسمة العينية بمعدل أو تكون بغير معدل وقد يختارون أن تكون القسمة قسمة كلية كما هو الغالب أو أن تكون قسمة جزئية فيبقون بعض المال في الشيوع ويفرزون نصيب كل منهم في المال الباقي أو يتفقون على تجنيب جزء مفرز من المال الشائع نصيباً لأحدهم ويستمر الباقون في الشيوع فيما بقى من المال بعد التجنيب.
وقد يختارون القسمة بطريق التصفية وبخاصة إذا كان يتعذر قسمة المال عيناً ويتفقون على بيع المال الشائع كله أو بعضه في المزاد ويقتسمون ثمنه وما عسى إلا يباع من المال يبقى شائعاً فيما بينهم أو يقتسمونه عيناً وقد يختارون البيع بالممارسة إذا أجمعوا على ذلك فليس هناك ما يجبرهم على البيع بالمزاد إلا إذا اختلفوا وإذا باعوا المال بالمزاد فقد يتفقون على إلا يدخل المزاد إلا شريك منهم وإذا لم يتفقوا على ذلك جاز للأجنبي أن يدخل المزاد إلا شريك منهم وإذا لم يتفقوا على ذلك جاز للأجنبي أن يدخل في المزاد وفي جميع الأحوال إذا رسا المزاد على أجنبي اعتبر رسوا المزاد بيعاً لا قسمة أما إذا رسا على أحد الشركاء فإنه يعتبر قسمة تصفية.
وجود قاصر أو محجور عليه أو غائب بين الشركاء :
فإذا كان بين الشركاء قاصر أو محجور عليه لجنون أو عته أو غفلة أو سفه أو كان فيهم غائب فقد أوجبت المادة 835 مدني كما رأينا مراعاة الإجراءات التي فرضها القانون والقانون هنا هو قانون الولاية على المال وقد وردت فيه نصوص خاصة بالقسمة إذا كان يبين الشركاء من هو غير كامل الأهلية أو كان فيهم غائب.
وجوه الطعن في القسمة الإتفاقية : ولما كانت القسمة الإتفاقية كما قدمنا عقداً تسري عليه أحكام سائر العقود فإن وجوه الطعن فيها هي نفس وجوه الطعن في العقد.
فقد يطعن في القسمة الإتفاقية بالبطلان المطلق كما إذا وقعت قسمة اتفاقية بين الورثة قبل موت المورث فهذا العقد يكون تعاملاً في تركة مستقبلة ومن ثم يكون باطلاً ويجوز لكل ذي مصلحة أن يطعن فيه بالبطلان
وقد يطعن في القسمة الاتفاقية بالإبطال لنقص الأهلية فإذا كان أحد الشركاء قاصراً مثلاً ولم تراع الإجراءات التي أسلفنا ذكرها في القسمة انظر آنفاً فقرة 543 جاز لهذا الشريك أن يطلب إبطال القسمة وفقاً للقواعد العامة.
وقد يطعن في القسمة الإتفاقية بالإبطال لعيب من عيوب الإدارة فإذا وقع الشركاء مثلاً في غلط جوهري في قيمة أحد أعيان الأموال الشائعة فقدرت قيمتها بأقل من الحقيقة أو بأكثر منها إلى حد كبير جاز للشريك الذي وقعت في نصيبه هذه العين إذا قدرت بأكثر من قيمتها أو للشركاء الآخرين إذا قدرت بأقل من قيمتها طلب إبطال القسمة الاتفاقية للغبن.(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء : الثامن، الصفحة : 1180)
والقسمة الرضائية أو الاتفاقية عقد يلزم النفاذة وترتيب آثاره بإنقضاء الشيوع إجماع الشركاء وتوقيعهم جميعاً عليه فلا يكفي لذلك توافر أغلبية معينة وإنما يلزم إجماع الشركاء، فإن رفض أحدهم القسمة أو وافق عليها ولكنه امتنع عن التوقيع على العقد فإن القسمة لا تتم ما لم يثبت الشركاء موافقة الشريك الممتع على إجرائها وفقاً للقواعد العامة المقررة في الإثبات.
ويتحدد نطاق عقد القمة بما أجمع الشركاء عليه في الحدود التي قررها القانون فلا ترد القسمة على الأجزاء المخصصة للانتفاع المشترك والتي يعتبر الشيوع فيها إجبارياً كالسلم والمصعد والأفنية مما يتعين معه انحصار عقد القسمة على وحدات العقار دون أجزائه المشتركة وأن الحق بالعقار أرض فضاء خصصها الشركاء الأبواء سياراتهم جاز لهم الإتفاق على أن تقسم بينهم جميعاً فيختص كل واحد منهم بجزء محدد منها طالما كانت تلك الأرض داخلة في ملكيتهم وذلك وفقاً لقواعد قمة المهايأة.
والأصل في القسمة الرضائية أن يتفق جميع الشركاء عليها وأن يوقعوا على عقدها فور إبرامها لكن لا يوجد ما يحول دون إرجاء توقيع العقد من بعض التقاسمين بحيث يكون لهم هذا الحق عندما يرغبون في إقرار القسمة دون أن يكون لمن قام بالتوقيع الحق في التحلل من القسمة أو العدول عنها بحجة عدم توقيع البعض على عقدها فور إيداعه ولا كان حق إقرار القسمة والتوقيع على عقدها ليس لصيقاً بشخص من لم يوقع فإن هذا الحق ينتقل إلى ورثته من بعده بحيث إذا قاموا بالتوقيع نقلت القسمة في حق الجميع وجاز لأي متقاسم رفع دعوى بصحة ونفاذ عقد القمة وهو ما يتطلب لقبولها تسجيل صحيفتها عملاً بالمادة 126 مكرراً من قانون المرافعات لأن عقد القمة الذي لا يتطلب تسجيلاً لنفاذه فيما بين الشركاء في العقد الذي لا ترفع دعوى بصحته ونفاذه وإنما يقوم الشركاء جميعاً بتنفيذه.
فإذا أبرم عقد القسمة بين بعض الشركاء فقط دون أن يشارك فيه البعض الآخر وبالتالي لم يكن هذا البعض طرفاً في العقد فإن القسمة لا تقع حتى لو انحصرت في قدر يعادل نصيب من أبرموا العقد ولكن يتضمن هذا العقد إيجاباً موجهاً من الأخيرين إلى من لم يكونوا طرفاً فيه فإذا قبلوا القسمة نفذت في حق الجميع ويعتبر العقد في هذه الحالة معلقاً على شرط واقف هو تحقق هذا القبول كما ينتقل هذا الحق للورثة من لم يكن طرفاً في العقد ويفنفى ذلك أن يكون العقد قد تضمن قسمة لجميع المال الشائع وحدد جزءاً مفرزة لكل شريك وإلا تعین تحرير عقد قسمة جديد أو ملحق للعقد السابق يرتضيه جميع الشركاء ويوقعون عليه.
علي أن تتم قسمة الوحدات والأراضي بين أعضاء جمعيات الإسكان التعاوني وفقاً للأقدمية المطلقة لهؤلاء الأعضاء دون اعتداد بالأسبقية في الوفاء بمقدم الثمن طالما أن هذا المقدم قد تم الوفاء به في الميعاد الذي حددته الجمعية وبالتالي فإن أسبقية العضو تسقط بصدد هذه القصة إذا قام بالوفاء بالمقدم بعد انقضاء هذا الميعاد ويتقدمه من بادر بالوفاء خلال الميعاد.
يتم فرز حصة لكل شريك بموجب تصرفات قانونية متبادلة بين الشركاء جميعاً بمعدل أو بدون معدل وتدور تلك التصرفات بين النفع والضرر ولذلك تكون قابلة للإبطال إن وجد ناقص أهلية.
يدل على ذلك أن المشرع في قانون الولاية على المال لا يوجب على الوصي أن يستأذن المحكمة إلا إذا باشر تصرفاً قانوناً أما أعمال الإدارة المعتادة فإنه يعفيه من استصدار هذا الأذن والمقرر أن المشرع عندما يضع قاعدة في قانون معين فإنها تكون واجبة الإتباع في سائر القوانين لما كان ذلك وكان القانون الآتي قد أوجب في المادة 840 منه تعليق المحكمة على القمة حتى تكون نافذة فإن لم تصدق عليها أعتبرت كأن لم تكن فهذا التصديق اللاحق يعادل الاستئذان السابق وكانت المادة 40 من قانون الولاية على المال قد أوجبت على الوصي أن يستأذن المحكمة في قسمة مال القاصر إذا تمت بالتراضي فإن تمت قضاء وجب أن يطلب التصديق عليها من المحكمة التي تتبعها محكمة القسمة مما مفاده أن الإستئذان يعادل التصديق وطالما خضعت القسمة لهما فإنها تعتبر تصرفة قانونية وليست من أعمال الإدارة المعتادة وقد حصرت المادة 39 من قانون الولاية على المال أعمال الإدارة غير المعتادة التي تتطلب إذناً من المحكمة في الإيجار لمدة أكثر من ثلاث سنوات في الأراضي الزراعية ولمدة أكثر من سنة في المباني أو لمدة تمتد لأكثر من سنة بعد بلوغ القاصر سن الرشد ثم أفرد هذا القانون المادة 40 منه للقسمة وإن كان يعتبرها من أعمال الإدارة غير المعتادة لضمنها.
عقد القسمة كسائر العقود قد يتضمن ستراً لهبة يبرمها مالك المال مع غير مالك يدعي أنه شريك معه فيه ويقتسم معه هذا المال دون توافر السبب الذي يتطلبه القانون لمحة عقد القسمة.
البيع الثاني للحصة الشائعة قبل القسمة :
لا يخضع البيع الثاني للبطلان المطلق الذي قررته تشريعات إيجار الأماكن الانحصار البطلان في البيع الذي يرد على وحدة سكنية مفرزة دون الحصة الشائعة أما إن قام الشريك ببيع وحدة سكنية مفرزة فإن البيع الثاني الوارد عليها يكون باطلاً بطلاناً مطلقاً بإعتبار أن الإفراز يكون نافذاً فيما بين المتعاقدين ولا بال من ذلك أن هذا البيع يكون وارداً على حصة شائعة بالنسبة لباقي الشركاء ذلك أن تلك التشريعات إعتدت بالبيوع التي ترد على وحدة سكنية مفرزة.
إذا كان بين المتقاسمين ناقص أهلية كقاصر أو محجور عليه لجنون أو عته أو سفه أو غفلة أو كان بينهم غائب وجب الإلتزام بأحكام المادتين 40 و 79 من قانون الولاية على المال فيلزم إستئذان المحكمة في القسمة الرضائية فإن وجدتها في مصلحة ناقص الأهلية عينت الأسس التي تجرى القسمة وفقاً لها ومن ثم يكون لنائب ناقص الأهلية إتمام مشروع القسمة ليعرضه على ذات المحكمة فإن وجدتها عادلة وروعيت فيها الأسس التي استلزمتها أمرت بنفاذها وإلا رفقتها وأوجبت القسمة القضائية أما بالنسبة للولي فإن كان أياً قله إجراء القمة بدون الرجوع إلى المحكمة إذ لم يورد القانون قيوداً عليه فيها أما الجد فإن اعتبرت القسمة من أعمال التصرف وهذا هو الراجح فيلزم استئذان المحكمة وفقاً للمادة 15 من قانون الولاية على المال، أما أن اعتبرت من أعمال الإدارة فلا يلزم الأذن .
أن دعوى القسمة التي يرفعها أحد الشركاء أو بعضهم تكون مقبولة حتى لو وجد بين همومها من هو ناقص الأهلية ممثلاً في شخص وليه أو وصية أو القيم عليه ولكن لا يكون للحكم النهائي الصادر فيها حجية بالنسبة له إلا إذا صدقت عليه محكمة الولاية على المال وبالتالي تكون القمة القضائية برمتها معلقة على شرط واقف هو تصديق المحكمة على الحكم النهائي الصادر فيها فإن رفضت التصديق أعتبر حكم القسمة كأن لم يكن بالنسبة لجميع الشركاء وليس بالنسبة لناقص الأهلية وحده إذ لا باغ لمن هو كامل الأهلية أن يتمسك بحجية الحكم لما في ذلك من إجراء للقمة بغير الطريق الذي رسمه القانون ولا يؤدي إليه ذلك من نفاذ القسمة في حق ناقص الأهلية رغم رفض المحكمة التصديق عليها إذ لو اختص كل كامل أهلية بالجزء المقر الذي صدر به الحكم الأجر ناقص الأهلية على قبول الجزء الباقي وأهدر بذلك نص المادة 840 من القانون المدني.
فإن كان من بين الشركاء ناقص أهلية وأبرم عقد القسمة ومثل ناقص الأهلية بوليه أو وصيه أو قيمة كان العقد برمته معلقاً على تصديق محكمة الولاية على المال عليه فإن صدقت عليه نقذ في حق جميع الشركاء بمن فيهم ناقص الأهلية وجاز رفع دعوى بصحته ونفاذه.
إذا ورد التصرف على حصة شائعة ولكن لم يتم تسجيل التصرف فإن المتصرف إليه لا يكون قد تلقى ملكيتها وبالتالي لا تكون له صفة في إبرام عقد القسمة أو الاختصام في الدعوى التي ترفع بصحته ونفاذه.
عقد القسمة كسائر العقود وبالتالي يخضع للقواعد العامة التي تقرر صحتها ونفاذها وحجيتها وانحلالها فيلزم لمحته توافر الرضاء والمحل والسبب ولا ينقضي به الشيوع إلا إذا أجمع الشركاء على ذلك واقتسموا المال الشائع فيما بينهم وإذا اتفق البعض على القسمة فلا يجوز لأي منهم التحلل منها والتمسك ببطلان العقد بسبب عدم إتفاق باقي الشركاء وإنما يثبت ذلك للأخيرين وحدهم عند الإحتجاج عليهم بالقسمة.
وإذا اتعلم السبب أو كان غير مشروع بطل العقد وكذلك إذا كان محل القسمة مجهلاً.
ويرد التقادم على دعوى البطلان وفقاً للقواعد العامة في صدد بطلان العقود وانحلالها وتقادم دعوى البطلان.
ويخضع الإختصاص سواء تعلق النزاع بصحة ونفاذ عقد القسمة أو بفسخه أو بطلانه للقواعد العامة فتقدر الدعوى بقيمة العقار بأكمله إذ يقتصر الإختصاص الإستثنائي المقرر للمحكمة الجزئية بالمادة 836 على الطلب المتعلق بإجراءات القسمة من فرز وتجنيب أما تعيين حصة كل شريك فيخضع للقواعد العامة .(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء : الحادي عشر : الصفحة : 474)
القسمة الاتفاقية ليست سوى عقد من العقود يبرمه الشركاء المشتاعون بقصد إنهاء حالة الشيوع ومن ثم يخضع في إنعقاده لما تخضع له سائر العقود سواء من حيث التراضي أو المحل أو السبب فلا بد من تراضى الشركاء وتوافر الأهلية وخلو الإرادة من العيوب واستيفاء المحل لشروطه ووجود سبب مشروع.
ويجب أن يكون الإتفاق على القسمة نهائياً فالاتفاق التمهيدي على أسس القسمة يسقط إذا اعترض أحد الشركاء على تنفيذه.
فللشركاء الاتفاق على أن تكون القسمة عينية فيفرزون نصيب كل منهم في المال الشائع وقد تكون القسمة بمعدل أو بغير معدل ولهم الإتفاق على أن تكون القسيمة كلية فتشمل المال الشائع جميعه أو جزئية يقصرونها على بعض هذا المال فيظل باقي المال شائعاً بينهم على أصله.
ولهم الإتفاق على تجنيب جزء مفرز من المال الشائع نصيباً لأحدهم بينما يستمر الباقون في الشيوع ولهم الإتفاق على إجراء القسمة بطريق التصفية فيبيعون المال الشائع ويقسمون ثمنه على الشركاء كل بحسب مقدار حصته ويتفق الشركاء على ذلك عادة إذا كان المال لا يقبل القسمة العينية أو إذا كانت قسمته عيناً تؤدي إلى خسارة لهم.
ولهم الإتفاق على بيع جزء فقط من المال الشائع وقسمة حصيلة ثمنه عليهم بحسب أنصبائهم على أن يظل الجزء الباقي شائعاً بينهم أو يقسمونه عيناً.
ولهم إجراء البيع بطريق الممارسة أما إذا اختلفوا في ذلك فلا مناص من إجراء البيع بالمزاد.
وإذا اتفقوا على بيع المال بالمزاد فلهم أن يقصروا المزايدة على الشركاء ولهم أن يسمحوا لأجنبي عن الشيوع بالدخول في المزاد فإذا رسا المزاد على أحد الشركاء اعتبر رسو المزاد قسمة تصفية أما إذا رسا المزاد على أجنبی أعتبر رسو المزاد بيعاً.
القسمة عقد كسائر العقود ومن ثم فالقسمة لا تتم إلا إذا اتفق عليها كل الشركاء في المال الشائع.
أما إذا اتفق بعض الشركاء على القسمة دون البعض الآخر فلا تكون القسمة نافذة أي لا يترتب عليها إنهاء الشيوع ولكن يتقيد بها الشركاء الذين وافقوا عليها فيظل العقد قائماً بالنسبة لهم فإذا أقرها الشركاء الآخرون بعد ذلك فإنها تتم بهذا الإقرار وينتهي بها الشيوع.
ولا يستثنى مما تقدم إلا أن يتضمن الإتفاق على القسمة بين الشركاء شرطاً بحق الرجوع في الرضاء إذا لم يوافق باقي الشركاء في أجل معين أو يرجع من رضي من الشركاء بالقسمة عن اتفاقهم مع إخطار الشركاء الذين لم يكونوا طرفاً فيه شريطة أن يقع هذا الرجوع قبل صدور إقرار بقية الشركاء.
أما لو استأثر المتفقون بكل المال الشائع وقسموه بينهم - عمداً أو سهواً - فإن القسمة تكون باطلة.
القسمة المعلقة على شرط واقف أو فاسخ :
القسمة عقد كسائر العقود ومن ثم يجوز تعليق القسمة على شرط واقف كأن يتفق الشركاء على تعليق القسمة على ثبوت ملكية أحد أعيان المال الشائع لأحد الشركاء.
كما يجوز تعليق القسمة على شرط فاسخ كأن يتفق الشركاء على إنفساخ القسمة إذا استحق جزء من أعيان المال الشائع أو كأن يعلقوا القسمة على تحول المال الشائع من أرض زراعية إلى أرض بناءً خلال فترة معينة.
كما يجوز في حالة اتفاق بعض الشركاء فقط على القسمة بدون باقي الشركاء تعليقها على شرط واقف هو موافقة الشركاء الذين لم يتفقوا معهم على القسمة.
ولما كان عقد القسيمة من العقود التبادلية ومن التصرفات المالية الدائرة بين النفع والضرر فإنه يلزم لإبرامه قیام وكالة خاصة أو وكالة عامة ينص فيها صراحة على تفويض الوكيل في إبرامه.
لما كانت القسمة الاتفاقية عقد كسائر العقود فإنها تخضع في إثباتها للقواعد العامة في الإثبات فإذا كانت قيمة المال الشائع محل القسمة تزيد على ألف جنيه - وهذا هو الغالب – فلا يجوز إثبات القسمة إلا بالكتابة أو ما يقوم مقام الكتابة.
فإذا لم تزد قيمة المال الشائع محل القسمة على ألف جنيه فإنه يجوز إثبات القسمة بشهادة الشهود والقرائن (م 60 من قانون الإثبات معدلة بالقانون رقم 18 لسنة 1999) .
والمعلوم أن قواعد الإثبات مما لا يتعلق بالنظام العام ويجب التمسك بعدم جواز الإثبات بالبينة في الحالات التي لا يجوز فيها ذلك من الخصم.
القسمة الفعلية قسمة تقوم على التراضي دون اتفاق صریح عليها فهي تقع عن طريق التعبير الضمني عن الإرادة.
وهذه القسمة تسمى بالقسمة الضمنية وقد أطلقت عليها محكمة النقض - كما سنرى - القسمة الفعلية.
والتراضي الضمني الذي يؤدي إلى القسمة الفعلية هو ذلك الذي يستخلص من ظروف الحال ويعتبر هذا الاستخلاص مسألة موضوعية.
ومثال القسمة الضمنية أو الفعلية أن يتصرف أحد الشركاء في جزء مفرز من المال الشائع يعادل حصته فيحذو حذوه كل الشركاء وتتابع تصرفاتهم حتى إذا قام آخرهم بإبرام تصرفه وقعت القسمة.
وهذه القسمة تنطبق عليها القاعدة العامة في وجوب التسجيل للاحتجاج بها على الغير - كما سنرى - على أنه يكفي في هذا نظراً للطبيعة الخاصة للقسمة الفعلية أن تكون التصرفات المتتابعة التي قام بها الشركاء الواحد بعد الآخر قد تم تسجيلها جميعاً.
والمقصود بناقص الأهلية القاصر أو المحجور عليه لجنون أو عته أوغفلة أو سفه أو الغائب.
وقد أوجبت المادة إتباع الإجراءات التي يفرضها القانون في حالة وجود من هو ناقص الأهلية ولم تحدد القانون الذي يجب إتباعه.
والمقصود هو المرسوم بقانون رقم 119 لسنة 1952 بأحكام الولاية على المال فهو الذي ينص على الأحكام المنظمة لرعاية حقوق ناقصي الأهلية وقد تضمن المرسوم بقانون المذكور في هذا الشأن نص المادتين 40، 79.
وقد قصد من الإجراءات الواردة بهاتين المادتين حماية ناقص الأهلية عند إجراء القسمة فقد تكون هذه القسمة ضارة أو مجحفة به وقد اعتبر المشرع القسمة - لخطورتها - من أعمال التصرف وليس من أعمال الإدارة المعتادة التي يستقل بها الوصی.
ونشير إلى أنه ليس معنى العبارة الواردة في نهاية المادة 835 مدني التي توجب مراعاة الإجراءات التي يفرضها القانون أنه يكون من المتعين التجاء الوصي إلى القسمة القضائية إذا رأى قسمة مال القاصر كما تذهب إلى ذلك المذكرة الإيضاحية للتقنين المدني وإنما معناها هو وجوب مراعاة الإجراءات التي يفرضها القانون المنظم لأحكام الولاية على المال فإتباع إجراءات القسمة القضائية لا يكون إلا حيث تأمر بذلك المحكمة التي يستأذنها الوصي في الإتفاق على القسمة.
والمشرع اعتبر القسمة من أعمال التصرف نظراً لخطورتها.
وما يسري على الوصي يسرى على القيم على المحجور عليه لجنون أو عته أو غفلة أو سفه وعلى وكيل الغائب فقد نصت المادة 79 من المرسوم بقانون رقم 119 لسنة 1952 على أن يسري في شأن قسمة مال الغائب والمحجور عليه ما يسرى في شأن قسمة مال القاصر من أحكام.
لا يسرى الالتزام المنصوص عليه في المادتين 835 مدنی، 40 من المرسوم بقانون رقم 119 لسنة 1952 سالفتي الذكر على الولي الشرعي إذا كان هو الأب فلا يلتزم باستئذان المحكمة في قسمة أموال ناقص الأهلية لأن المادة الرابعة من المرسوم بقانون رقم 119 لسنة 1952 أطلقت يد الأب فی التصرف في أموال القاصر عدا بعض القيود التي أوردتها ليس من بينها قسمة مال القاصر فقد نصت على أن : "يقوم الولي على رعاية أموال القاصر وله إدارتها وولاية التصرف فيها مع مراعاة الأحكام المقررة في هذا القانون" أما إذا كان الولى هو الجد فإنه يلتزم باستئذان المحكمة شأن الوصي لأن المادة 15 من المرسوم بقانون المذكور تنص على أنه : "لا يجوز للجد بغير إذن المحكمة التصرف في مال القاصر ولا الصلح عليه ولا التنازل عن التأمينات أو إضعافها ".
إذا رأت المحكمة أن لناقص الأهلية مصلحة في القسمة كان لها أن تأذن للوصي ومن في حكمه بإجرائها.
وإذا أذنت المحكمة بإجراء القسمة عينت للوصي ومن في حكمه ما تراه لازماً لحماية مصالح غير كامل الأهلية من أسس وإجراءات.
وبعد أن تتم القسمة يجب على الوصي ومن في حكمه عرض عقد القسمة على المحكمة للتثبت من عدالة القسمة وأنها تمت طبقاً للأسس والإجراءات التي قررتها فإذا تحقق لها ذلك قررت إعتماد القسمة.
وللمحكمة مع هذا أن ترفض القسمة وأن تكلف الوصي ومن في حكمه بإتخاذ إجراءات القسمة القضائية في تكليف الوصي ومن في حكمه باتخاذ إجراءات القسمة القضائية هو أمر يخضع لتقدير المحكمة.
إذا تمت القسمة بغير مراعاة القواعد السابقة والمنصوص عليها في المادة 40 من المرسوم بقانون رقم 119 لسنة 1952 سواء بعدم حصول الوصي أو القيم أو وكيل الغائب بداءة على إذن المحكمة بالقسمة أو بعدم عرضه نتيجة القسمة عليها التآمر باعتمادها فقد ذهبت محكمة النقض - في أحكام صريحة لها - وأيدها بعض الشراح) إلى أن القسمة تكون قابلة للإبطال لمصلحة ناقص الأهلية.
وإذا أبرم القاصر نفسه عقد القسمة، فإن عقد القسيمة يكون قابلاً للإبطال لمصلحته لأن القسمة من التصرفات المالية الدائرة بين النفع والضرر، والتي يلزمها أهلية التصرف.
ولا يملك القاصر إجازة القسمة التي أجراها الوصي دون إذن المحكمة المختصة لأن هذه الإجازة تنطوي على إسقاطاً لحق لا يملكها ناقص الأهلية البطلان الذي يلحق القسمة التي لا تتبع فيها الإجراءات المنصوص عليها بالمادتين 835 مدنی 40 من المرسوم بقانون رقم 119 لسنة 1952 بطلان نسبى شرع لمصلحة ناقص الأهلية حتى لا يتعاقد الوصي ومن في حكمه على تصرف ليس له في الأصل أن يستقل به.
ومن ثم لا يحتج بهذا البطلان إلا ناقص الأهلية عملاً بالمادة 138 مدنی التي تقضي بأنه : " إذا جعل القانون لأحد المتعاقدين حقاً في إبطال العقد فليس للمتعاقد الآخر أن يتمسك بهذا الحق.
وبالترتيب على ذلك لا يجوز لغير القاصر من الشركاء المشتاعين الذين وافقوا على القسمة التمسك بإبطال عقد القسمة لعدم إتخاذ الإجراءات سالفة الذكر.
ولا يستطيع دائن القاصر أو خلفه الخاص أن يطلب إبطال العقد بمقتضى حق مباشر لهما ولكن يستطيعان ذلك باعتبارهما دائنين له يستعملان حقه في إبطال القسمة عن طريق الدعوى غير المباشرة ولكن إذا توفي القاصر إنتقل حقه في إبطال العقد إلى ورثته .
العقد القابل للإبطال له وجود قانونی وينتج جميع آثاره القانونية ولا يبطل إلا إذا تقرر البطلان بالتراضي أو التقاضي وذلك بعكس العقد الباطل فالعقد الأخير لا ينعقد أصلاً ولا تكون هناك حاجة إلى إيقاع بطلانه فالبطلان حاصل من تلقاء نفسه غير أنه إذا نوزع في البطلان كان لا مناص من رفع الأمر إلى القضاء لتقرير هذا البطلان.
والتراضي يكون بين المتقاسمين بعد أن يزول سبب نقص الأهلية كبلوغ القاصر سن الرشد القانوني وهو 21 سنة ميلادية كاملة أو رفع الحجر عن المجنون أو المعتوه أو السفيه... الخ.
وإذا لم يتم التراضي عن إبطال العقد - وهذه هي الحالة الغالبة في العمل - فيكون إبطال العقد عن طريق رفع دعوى الإبطال من ناقص الأهلية بعد زوال نقص أهليته وصدور حكم بذلك.
والقاعدة أنه إذا طلب الإبطال من القاضى ممن تقرر لمصلحته وتوافر له سببه وجب على القاضي أن يقضى به، وذلك ما لم ينص القانون على خلافه.
فليس للقاضي كأصل عام سلطة تقديرية في إجابة طلب الإبطال ولا يستثنى من هذا الأصل إلا الحالات التي يقضي فيها القانون بخلافه والتي ليس من بينها الحالة محل البحث.
وكما يجوز إبطال العقد عن طريق الدعوى يجوز التمسك به عن طريق الدفع في دعوى مرفوعة ضد القاصر.
فالدعوى بإبطال عقد القسيمة التي ترفع من ناقص الأهلية يسقط الحق فيها بانقضاء ثلاث سنوات من تاريخ استكمال ناقص الأهلية إذا كانت الدعوى مرفوعة من القاصر أو من تاريخ زوال سبب الحجر إذا كانت الدعوى مرفوعة من المحجور عليه.
ولبيان أثر تقرير إبطال عقد القسمة تجب التفرقة بين آثار الإبطال فيما بين المتعاقدين وآثار الإبطال بالنسبة للغير وهو ما نعرض له فيما يلي :
أثار تقرير إبطال عقد القسمة فيما بين المتعاقدين :
إذا تقرر إبطال عقد القسمة رضاءً أو قضاءً اعتبر العقد كأن لم يكن وزال الوجود القانوني للعقد منذ إبرامه، فيعود المتقاسمون إلى حالة الشيوع التي كانوا عليها قبل القسمة.
ومؤدى ذلك أن كل متقاسم يلتزم قبل الآخر بأن يرد له كل ما أخذه منه أو أن يؤدي له ما يعوضه عنه إذا إستحال الرد عليه.
فإذا كانت القسيمة بمعدل استرد المعدل من دفعه من الشركاء المتقاسمين مع فوائده القانونية من تاريخ المطالبة القضائية.
ولما كان حق الشركاء في ثمار المال الشائع يكون بقدر حصة كل منهم فإنه تحسب ثمار المال الشائع كلها من تاريخ القسمة ويعاد تقسيمها على الشركاء كل بقدر نصيبه وفي هذه الحالة يلتزم من تقاضي من الشركاء ثماراً تزيد على حصته بأن يردها إلى الشركاء الآخرين.
ولا صعوبة في تحديد الأساس الذي يقوم عليه الإلتزام بالرد إذا كان الشيء الذي تسلمه المتقاسم بمقتضى عقد القسمة الذي أبطل باقياً بذاته لم يهلك أو يتلف إذ أن ذلك الأساس يتمثل في تسلم غير المستحق أو دفع غير المستحق فنتيجة الأثر الرجعي لإبطال العقد يعتبر كل متعاقد أنه أخذ ما أعطاه إياه المتعاقد الآخر من غير أن يكون له حق فيه ومن ثم يلتزم برده إليه وهذا هو عين ما قضت به المادة 182 مدني .
أما إذا أصبح إعادة الحال إلى ما كانت عليه وقت القسمة مستحيلاً كأن تكون القسمة قد تمت بطريق التصفية وبيع المال الشائع بالمزاد أو الممارسة أو كان المال محل القسمة منقولاً وهلك في يد الشريك الذي اختص به بمقتضى القسمة بخطأ منه حكم القاضي بتعويض معادل فيلزم برد قيمته وقت الهلاك طبقاً لقواعد المسئولية التقصيرية لا على أساس العقد الذي تقرر إبطاله بإعتبار أن العقد الذي تقرر إبطاله واقعة مادية.
إذا أبطل عقد القسمة بسبب نقص الأهلية، إما لأن الوصي أو من في حكمه أبرمه دون استئذان المحكمة المختصة أو لأن القاصر نفسه هو الذي أبرمه، فإنه يجب إعمال نص المادة 2/142 مدني التي تجري على أنه : "ومع ذلك لا يلزم ناقص الأهلية، إذا أبطل العقد لنقص أهليته أن يرد غير ما عاد عليه من منفعة بسبب تنفيذ العقد " وهو تطبيق لمبدأ عام ورد النص عليه في المادة 186 مدني في دعوى غير المستحق التي تقضي بأن "إذا لم تتوافر أهلية التعاقد فيمن تسلم غير المستحق فلا يكون ملتزماً إلا بالقدر الذي أثرى به".
فلا يلزم ناقص الأهلية بالرد إلا على قدر النفع الحقيقي الذي عاد عليه فلا يلزم برد ما أضاعه أو أنفقه في غير مصلحته فناقص الأهلية يعامل برعاية أكبر من الرعاية التي يعامل بها كامل الأهلية نظراً لنقص أهليته ويعتبر هذا رجوع عن خاصية دفع غير المستحق التي تعتبر قيمة الإثراء بمقتضاها هي عين قيمة الافتقار ويعتبر المدفوع له قد أثرى بذات القيمة التي افتقر بها الدافع.
وينبني على ما تقدم ما يأتي :
1- إذا كان المال الشائع محل القسمة منقولاً وتسلم القاصر نصيبه عيناً معينة بالذات فهلكت العين أو تلفت أو ضاعت بغیر خطئه لا يكون ناقص الأهلية ملزماً قبل الشركاء في المال الشائع.
أما إذا كان الهلاك أو التلف أو الضياع قد وقع بخطئه فإنه يلتزم بالتعويض لأن ناقص الأهلية يلتزم بالخطأ.
2- إذا تبرع ناقص الأهلية بالعين التي تسلمها دون حق لا يرجع الشركاء بشيء لأن ناقص الأهلية لم ينتفع بالعين ولو كان سيء النية وقت أن تبرع.
3- يعتبر ناقص الأهلية قد أفاد من الحصة التي تسلمها إذا كان قد أوفي بها ديناً عليه أو اشترى بها شيئاً نافعاً ولو قلت قيمة هذا الشيء بعد ذلك أو انعدمت بسبب طبيعي أو رمم به عقاراً حتى لو هلك العقار بعد ذلك بقوة قاهرة أو بقي المال الذي أخذه في يده إلى وقت الرد.
4- يعتبر نافعاً للقاصر ما ينفقه في سبيل تعليمه أو مأكله وملبسه في الحدود المعقولة التي تناسب دخله.
5- لا يعتبر نافعاً للقاصر ما ينفقه في ملاذه ومجونه أو في المقامرة أو في شراء أشياء ضارة أو غير مفيدة.
عبء إثبات إثراء ناقص الأهلية :
يقع عبء إثبات إثراء ناقص الأهلية ومدى هذا الإثراء أو حصوله على منفعة ومدى هذه المنفعة على باقي الشركاء المشتاعين ويجوز لهم إثبات ذلك بكافة طرق الإثبات القانونية بما فيها البينة والقرائن ولكن لا يجوز الاستدلال على حصول الإثراء أو المنفعة لناقص الأهلية بالمستندات الممضاة منه لأنها هي أيضاً باطلة.
لا يقتصر أثر إبطال عقد القسمة على الشركاء في المال الشائع المتقاسمين بل يمتد إلى الغير وهو من رتب له أحد المتقاسمين حقاً عينياً على الحصة التي آلت إليه بموجب العقد الذي أبطل فإذا كان القصر قد رتب للغير حق ارتفاق على الحصة التي وقعت في نصيبه ثم تقرر إبطال العقد حق للشركاء المشتاعين إسترداد هذه الحصة خالية من حق الارتفاق.
والإجازة عمل قانوني صادر من جانب واحد فلا حاجة لاقتران قبول بها ولا يجوز الرجوع فيها بحجة أن القبول لم يصدر.
والإجازة تكون صريحة كما تكون ضمنية والإجازة الصريحة هي تلك التي تتضمن التصريح بالنزول عن حق طلب الإبطال إنما لا يشترط في هذه الإجازة أن تشتمل على بيانات معينة بل كل عبارة يفهم منها الإجازة تصح بشرط أن تكون نية المجيز في الإجازة واضحة.
أما الإجازة الضمنية فهي تلك التي يستدل عليها من ظروف الحال بشرط أن يكون هذا الإستدلال قاطعاً في إفادته النزول عن حق التمسك بالإبطال إذ أن النزول عن الحق لا يفترض ولا يتوسع في تفسير ما يؤدي إليه.
ومن أمثلة الإجازة الضمنية قيام ناقص الأهلية بعد زوال نقص أهليته.
بالأفعال الآتية :
1- تنفيذ عقد القسمة أو مطالبة باقي المتقاسمين بتنفيذه من جانبهم.
2- تنفيذ عقد بالقسمة.
3- البناء على الحصة التي آلت إليه بموجب عقد القسمة.
4- التصرف في معدل القسمة.
5- الاستيلاء على ريع الجزء المفرز الذي آل إليه بموجب عقد القسمة والاستمرار مدة طويلة على هذه الحال.
6- الإنضمام لأبيه في طلب قسمة عقار مشترك بينهما لقسمة تمت دون مراعاة الإجراءات القانونية قبل بلوغه سن الرشد.
7- التوقيع على عقود البيع الصادرة من المتقاسمين والمشار فيها إلى أن أصل التمليك يرجع إلى عقد القسيمة الذي أبرمه وهو ناقص الأهلية أو أبرمه الوصي دون استئذان المحكمة المختصة.
ويعتبر استخلاص حصول إجازة عقد القسمة من عدمه مسألة تدخل في رحاب الواقع ولقاضي الموضوع فيها القول الفصل من غير أن يخضع في تقديره لرقابة محكمة النقض طالما أقام قضاءه على أسباب سائغة من شأنها أن تحمله.
أثر إجازة ناقص الأهلية عقد القسمة :
إذا أجاز ناقص الأهلية عقد القسمة بعد زوال سبب نقص الأهلية زال حقه في إبطال العقد واستقر وجود العقد نهائياً غير مهدد بالزوال ويعتبر العقد صحيحاً من وقت صدوره لا من وقت الإجازة لأن للإجازة أثر رجعي.
والإجازة لا تحدث هذا الأثر إلا بالنسبة إلى ذات العيب الذي انصبت عليه والذي استهدف بها تصحيح العقد منه فإذا قام العقد على أكثر من عيب وحصلت الإجازة بالنسبة إلى عيب معين دون غيره مثل نقص الأهلية تصحح العقد منه ولكنه يبقى مشوباً بالعيوب الأخرى وقابلاً للإبطال بسببها.
إثبات إجازة ناقص الأهلية عقد القسمة :
يقع عبء إثبات إجازة ناقص الأهلية لعقد القسمة على مدعي الإجازة وهم باقي الشركاء في المال الشائع.
وإذا كانت الإجازة صريحة فإنها تخضع في إثباتها لحكم القواعد العامة فإذا كانت قيمة نصيب القاصر تجاوز ألف جنيه فلا يجوز إثبات الإجازة بشهادة الشهود وإنما يجب إثباتها بالكتابة أو ما يقوم مقامها.
أما إذا كانت الإجازة ضمنية فإنه يجوز إثباتها بكافة طرق الإثبات بما فيها شهادة الشهود والقرائن لأن الإثبات هنا ينصب على واقعة مادية دالة على الاجازة إذا استحال تنفيذ القسمة التي صدقت عليها المحكمة جاز طلب الحكم بإلغائها بدعوى أصلية وفي الواقع أن القسيمة المذكورة إما تعتبر عقداً يبرم تحت إشراف.
المحكمة ورقابتها والعقود تفسخ إذا استحال تنفيذها سواء كانت الاستحالة طارئة أم كانت سابقة للعقد من باب أولى وإما أن يعتبر تصديق المحكمة على القسمة كلها حائزاً قوة الشيء المقضي به ومن المقرر أن استحالة تنفيذ الأحكام مما يضيع قوة الشيء المقضي به ويجوز إعادة النظر في النزاع من جديد.
دعوى صحة ونفاذ عقد القسمة :
يجوز لكل ذي مصلحة من الشركاء في المال الشائع الذين أبرموا القسمة الاتفاقية أن يرفع دعوى بصحة ونفاذ عقد القسمة وباختصاصه بنصيبه المبين بالعقد، كما له أن يضيف طلب تسليم الحصة التي اختص بها إليه.
ويكون على المحكمة التي تنظر الدعوى الوقوف على توافر أركان القسمة من رضاء ومحل وسبب.
وترفع الدعوى أمام المحكمة المختصة قيمياً طبقاً للقواعد العامة فترفع إلى المحكمة الجزئية إذا كانت قيمة الدعوى لا تجاوز أربعين ألف جنيه وإلى المحكمة الابتدائية إذا جاوزت هذه القيمة والعبرة في تقدير قيمة الدعوى بقيمة المال محل القسمة (م 37/7 مرافعات)، أي قيمة المال الشائع جميعه وليس نصيب المدعي فقط فإذا كان المال عقاراً مبنياً قدرت قيمته بإعتبار خمسمائة مثل من قيمة الضريبة الأصلية المربوطة عليه فإن كان من الأراضي يكون التقدير بإعتبار أربعمائة مثل من قيمة الضريبة الأصلية فإذا كان العقار غير مربوط عليه ضريبة قدرت المحكمة قيمته (م 37/1 مرافعات معدلة بالقانون رقم 18 لسنة 1999) وعلى ذلك لا يعتد بالقيمة الثابتة بعقد القسمة.
دعوى صحة ونفاذ عقد القسيمة من الدعوى غير القابلة للتجزئة.
القسمة الاتفاقية عقد كسائر العقود ومن ثم يجوز الطعن على عقد القسمة بكافة أوجه الطعن التي توجه إلى أي عقد من العقود.
فيجوز للشركاء الطعن على القسمة بما يأتي :
1- بالبطلان المطلق كما إذا تمت القسمة بين الشركاء على أموال مورثهم الشائعة حال حياته باعتبار أن القسمة تعد تعاملاً في تركة مستقبله.
2- بالابطال إذا وقع المتعاقد في غلط جوهري، إن كان المتعاقد الآخر قد وقع مثله في هذا الغلط أو كان على علم به أو كان من السهل عليه أن يتبينه (م 120مدنی) أو لغلط في القانون إذا توافرت فيه شروط الغلط في الواقع.
3- بالابطال للتدليس إذا كانت الحيل التي لجأ إليها أحد المتعاقدين أو نائب عنه من الجسامة بحيث لولاها لما أبرم الطرف الثاني العقد (م 125 مدنی).
4- بالإبطال للإكراه إذا تعاقد شخص تحت سلطان رهبة بعثها المتعاقد الآخر في نفسه دون حق وكانت قائمة على أساس (م 127 مدني).
والمشرع وإن أجاز إبطال العقد للغبن بالتفصيل الذي نصت عليه المادة 129 مدني التي تجري على أن : "إذا كانت التزامات أحد المتعاقدين لا تتعادل البتة مع ما حصل عليه هذا المتعاقد من فائدة بموجب العقد أو مع التزامات المتعاقد الآخر وتبين أن المتعاقد المغبون لم يبرم العقد إلا لأن المتعاقد الآخر قد استغل فيه طيشاً بيناً أو هوى جامحاً جاز للقاضي بناء على طلب المتعاقد المغبون أن يبطل العقد أو ينقص التزامات هذا المتعاقد.
ويجوز أن ترفع الدعوى بذلك خلال سنة من تاريخ العقد وإلا كانت غير مقبولة.
ويجوز في عقود المعاوضة أن يتوقى الطرف الآخر دعوى الإبطال إذا عرض ما يراه القاضي كافياً لرفع الغبن.
إلا أننا سنرى أن المشرع نظم نقض القسيمة للغين على خلاف ما جاء بهذه المادة وما جاء بالمادة 425 مدنی بخصوص الغبن في البيع وذلك لما للغبن في القسمة من أهمية خاصة.(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء : الحادي عشر، الصفحة : 573)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السادس والعشرون ، الصفحة / 290
قِسْمَةُ الْمُشَاعِ:
8 - يَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ قِسْمَةُ الْمِلْكِ الْمُشَاعِ بِطَلَبِ الشُّرَكَاءِ، أَوْ بِطَلَبِ بَعْضِهِمْ؛ لأِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الشُّرَكَاءِ مُنْتَفِعٌ قَبْلَ الْقِسْمَةِ بِنَصِيبِ غَيْرِهِ، فَإِذَا طَلَبَ مِنَ الْحَاكِمِ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنَ الاِنْتِفَاعِ بِنَصِيبِهِ، وَيَمْنَعَ الْغَيْرَ مِنَ الاِنْتِفَاعِ بِهِ، يَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ إِجَابَةُ طَلَبِهِ، إِلاَّ إِذَا بَطَلَتِ الْمَنْفَعَةُ الْمَقْصُودَةُ فِي الْمَقْسُومِ بِالْقِسْمَةِ.
فَإِنْ كَانَتِ الْمَنْفَعَةُ الْمَقْصُودَةُ مِنْهُ تَفُوتُ بِالْقِسْمَةِ، فَلاَ يُجَابُ طَلَبُهُمُ الْقِسْمَةَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَلاَ يُمَكَّنُونَ مِنْ ذَلِكَ وَلَوْ تَرَاضَيَا عَلَيْهِ إِذَا كَانَتِ الْمَنْفَعَةُ تَبْطُلُ كُلِّيَّةً؛ لأِنَّهُ سَفَهٌ، وَإِتْلاَفُ مَالٍ بِلاَ ضَرُورَةٍ.
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنِ اقْتَسَمُوا بِالتَّرَاضِي لاَ يَمْنَعُ الْقَاضِي مِنْ ذَلِكَ؛ لأِنَّ الْقَاضِيَ لاَ يَمْنَعُ مَنْ أَقْدَمَ عَلَى إِتْلاَفِ مَالِهِ بِالْحُكْمِ .
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (قِسْمَةٌ).
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثالث والثلاثون ، الصفحة / 205
قِسْمَةٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْقِسْمَةُ لُغَةً: النَّصِيبُ، جَعْلُ الشَّيْءِ أَوِ الأْشْيَاءِ أَجْزَاءً أَوْ أَبْعَاضًا مُتَمَايِزَةً.
قَالَ الْفَيُّومِيُّ: قَسَمْتُهُ قَسْمًا، مِنْ بَابِ ضَرَبَ: فَرَزْتُهُ أَجْزَاءً فَانْقَسَمَ، وَالْمَوْضِعُ مَقْسِمٌ مِثْلُ مَسْجِدٍ، وَالْفَاعِلُ قَاسِمٌ، وَقَسَّامٌ مُبَالَغَةٌ، وَالاِسْمُ الْقِسْمُ (بِالْكَسْرِ) ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى الْحِصَّةِ وَالنَّصِيبِ، فَيُقَالُ: هَذَا قَسْمِي، وَالْجَمْعُ أَقْسَامٌ، مِثْلُ حِمْلٍ وَأَحْمَالٍ، وَاقْتَسَمُوا الْمَالَ بَيْنَهُمْ، وَالاِسْمُ الْقِسْمَةُ، وَأُطْلِقَتْ عَلَى النَّصِيبِ أَيْضًا .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: جَمْعُ نَصِيبٍ شَائِعٍ فِي مُعَيَّنٍ: أَيْ فِي نَصِيبٍ مُعَيَّنٍ وَإِنَّمَا كَانَتْ جَمْعًا لِلنَّصِيبِ بَعْدَ تَفَرُّقٍ، لأِنَّهُ كَانَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ مُوَزَّعًا عَلَى جَمِيعِ أَجْزَاءِ الْمُشْتَرَكِ، مَا مِنْ جُزْءٍ - مَهْمَا قَلَّ - إِلاَّ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الشُّرَكَاءِ فِيهِ بِنِسْبَةِ مَا لَهُ فِي الْمَجْمُوعِ الْكُلِّيِّ، ثُمَّ صَارَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ مُنْحَصِرًا فِي جُزْءٍ مُعَيَّنٍ لاَ تَتَخَلَّلُهُ حُقُوقُ أَحَدٍ مِنْ بَقِيَّةِ الشُّرَكَاءِ، وَلَوْ كَانَتِ الْجُزْئِيَّةُ بِاعْتِبَارِ الزَّمَانِ، كَمَا فِي الْمُهَايَأَةِ الزَّمَانِيَّةِ.
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْبَيْعُ:
2 - الْبَيْعُ لُغَةً: مُقَابَلَةُ شَيْءٍ بِشَيْءٍ، أَوْ دَفْعُ عِوَضٍ وَأَخْذُ مَا عُوِّضَ عَنْهُ .
وَاصْطِلاَحًا: مُقَابَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْقِسْمَةِ وَالْبَيْعِ: أَنَّ الْقِسْمَةَ أَعَمُّ، فَقَدْ تَكُونُ بَيْعًا وَقَدْ تَكُونُ غَيْرَ ذَلِكَ
ب - الإْفْرَازُ:
3 - الإْفْرَازُ لُغَةً: التَّنْحِيَةُ أَيْ عَزْلُ شَيْءٍ عَنْ شَيْءٍ وَتَمْيِيزُهُ .
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
وَالصِّلَةُ: أَنَّ الْقِسْمَةَ قَدْ تَكُونُ بِالإْفْرَازِ ، وَقَدْ يُقْصَدُ بِهَا بَيَانُ الْحِصَصِ دُونَ إِفْرَازٍ، كَمَا فِي الْمُهَايَأَةِ فَهِيَ أَعَمُّ مِنَ الإْفْرَازِ .
ج - الشَّرِكَةُ:
4 - الشَّرِكَةُ لُغَةً: اسْمُ مَصْدَرِ شَرِكَ، وَهِيَ خَلْطُ النَّصِيبَيْنِ وَاخْتِلاَطُهُمَا، وَالْعَقْدُ الَّذِي يَتِمُّ بِسَبَبِهِ خَلْطُ الْمَالَيْنِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا .
وَمِنْ مَعَانِيهَا فِي الاِصْطِلاَحِ: أَنْ يَخْتَصَّ اثْنَانِ فَصَاعِدًا بِشَيْءٍ وَاحِدٍ أَوْ مَا هُوَ فِي حُكْمِهِ .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْقِسْمَةِ وَالشَّرِكَةِ التَّضَادُّ.
مَشْرُوعِيَّةُ الْقِسْمَةِ:
5 - الْقِسْمَةُ مَشْرُوعَةٌ، وَدَلِيلُ مَشْرُوعِيَّتِهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالإْجْمَاعُ.
أَمَّا الْكِتَابُ: فَفِي كَثِيرٍ مِنَ الآْيِ: مِنْ مِثْلِ: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) وَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأْقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأْقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا) وَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) وَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: (وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفًا) .
وَأَمَّا السُّنَّةُ: فَقَوْلُهُ صلوات الله وسلامه عليه وَفِعْلُهُ وَتَقْرِيرُهُ:
فَمِنْ قَوْلِهِ: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: «إِذَا قُسِّمَتِ الأْرْضُ وَحُدَّتْ، فَلاَ شُفْعَةَ فِيهَا» ، وَفِي مَعْنَاهُ حَدِيثُ جَابِرٍ رضي الله عنه: «قَضَى النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ، وَصُرِفَتِ الطُّرُقُ، فَلاَ شُفْعَةَ» .
وَمِنْ فِعْلِهِ: «أَنَّهُ صلي الله عليه وسلم كَانَ يَقْسِمُ الْغَنَائِمَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ» ، وَفِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ رضي الله عنه: «قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم خَيْبَرَ نِصْفَيْنِ: نِصْفًا لِنَوَائِبِهِ وَحَاجَاتِهِ، وَنِصْفًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، قَسَمَهَا بَيْنَهُمْ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا» .
وَأَمَّا تَقْرِيرُهُ: فَلاَ شَكَّ أَنَّ قِسْمَةَ الْمَوَارِيثِ وَغَيْرِهَا كَانَتْ تَقَعُ عَلَى عَهْدِهِ صلوات الله وسلامه عليه ، فَيُسَدِّدُ وَلاَ يُنْكِرُ.
وَأَمَّا الإْجْمَاعُ: فَقَدْ كَانَ النَّاسُ - وَمَا زَالُوا - مُنْذُ عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ حَتَّى يَوْمِنَا هَذَا يَتَعَامَلُونَ بِالْقِسْمَةِ فِي الْمَوَارِيثِ وَفِي غَيْرِ الْمَوَارِيثِ، دُونَ نَكِيرٍ مِنْ أَحَدٍ. قَالَ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ: فَكَانَتْ شَرْعِيَّتُهَا مُتَوَارَثَةً .
وَيَقُولُ الْفُقَهَاءُ: إِنَّ الْقِسْمَةَ تُوَفِّرُ عَلَى كُلِّ شَرِيكٍ مَصْلَحَتَهُ كَامِلَةً، وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى: إِنَّهَا لِتَكْمِيلِ نَفْعِ الشَّرِيكِ
تَكْيِيفُ الْقِسْمَةِ:
6 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْقِسْمَةِ هَلْ هِيَ بَيْعٌ أَمْ مَحْضُ تَمْيِيزِ حُقُوقٍ؟ يَذْهَبُ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ مَذَاهِبَ أَرْبَعَةً:
الْمَذْهَبُ الأْوَّلُ:
أَنَّهَا بَيْعٌ بِإِطْلاَقٍ، وَعَلَيْهِ مَالِكٌ وَبَعْضُ أَصْحَابِهِ، لَكِنَّهُ خِلاَفُ الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ، وَصَحَّحَهُ جَمْعٌ مِنْ قُدَامَى أَصْحَابِهِمْ، وَالرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ .
وَقَالُوا: إِنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنَ الْمَالِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ، فَإِذَا أَخَذَ أَحَدُهُمَا نِصْفَ الْجَمِيعِ فَقَدْ بَاعَ مَا تَرَكَ مِنْ حَقِّهِ بِمَا أَخَذَ مِنْ حَقِّ صَاحِبِهِ أَوْ كَمَا قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: لأِنَّهُ يُبَدِّلُ نَصِيبَهُ مِنْ أَحَدِ السَّهْمَيْنِ بِنَصِيبِ صَاحِبِهِ مِنَ السَّهْمِ الآْخَرِ، وَهَذَا حَقِيقَةُ الْبَيْعِ .
الْمَذْهَبُ الثَّانِي:
أَنَّهَا مَحْضُ تَمْيِيزِ حُقُوقٍ بِإِطْلاَقٍ، وَعَلَيْهِ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ مَعَهُمُ الْمَجْدُ بْنُ تَيْمِيَّةَ مِنَ الْحَنَابِلَةِ، وَكَذَلِكَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ إِذَا لَمْ تَقَعِ الْقِسْمَةُ جُزَافًا .
وَقَالُوا: إِنَّ لَوَازِمَ الْقِسْمَةِ تُخَالِفُ لَوَازِمَ الْبَيْعِ، وَاخْتِلاَفُ اللَّوَازِمِ يَدُلُّ عَلَى اخْتِلاَفِ الْمَلْزُومَاتِ.
الْمَذْهَبُ الثَّالِثُ:
أَنَّهَا تَمْيِيزُ حُقُوقٍ فِي بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ، فَعِنْدَ جُمْهُورِ الْمَالِكِيَّةِ، وَهِيَ رِوَايَةُ الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ تَمْيِيزُ حُقُوقٍ فِيمَا تَمَاثَلَ - أَيْ كَانَ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ، مَعَ تَسَاوِي الرَّغَبَاتِ وَالْقِيمَةِ: كَالدُّورِ وَالْفَدَادِينِ الْمُتَقَارِبَةِ فِي الْمَسَافَةِ عُرْفًا الْمُتَسَاوِيَةِ فِي الْقِيمَةِ عِنْدَ أَهْلِ الْخِبْرَةِ وَفِي الرَّغْبَةِ لَدَى الشُّرَكَاءِ - أَوْ تَقَارَبَ (وَقَدْ يُقَالُ: تَجَانَسَ) - كَكُلِّ مَا يُلْبَسُ مِنَ الثِّيَابِ؛ لأِنَّ الْغَرَضَ الأْهَمَّ هُوَ اللُّبْسُ فَالْقُطْنُ وَالصُّوفُ وَالْحَرِيرُ وَغَيْرُهَا، مِنْ مَخِيطٍ وَغَيْرِ مَخِيطٍ، تَدْخُلُ فِي عِدَادِ الْمُتَقَارِبِ - إِذَا وَقَعَتْ قِسْمَتُهُ بِطَرِيقِ الْقُرْعَةِ، أَمَّا فِيمَا عَدَا ذَلِكَ فَبَيْعٌ.
وَعِنْدَ جُمْهُورِ الشَّافِعِيَّةِ: تَمْيِيزُ حُقُوقٍ فِي قِسْمَةِ الْمُتَشَابِهَاتِ - وَذَلِكَ حَيْثُ تَتَسَاوَى الأْنْصِبَاءُ صُورَةً وَقِيمَةً، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمِثْلِيُّ كَالْحُبُوبِ وَالنُّقُودِ وَغَيْرِهِ كَالدَّارِ الْمُتَّفِقَةِ الأْبْنِيَةِ: فِي كُلٍّ مِنْ جَانِبَيْهَا مِثْلُ مَا فِي الآْخَرِ مَعَ انْقِسَامِ الْعَرْصَةِ (السَّاحَةِ) الْفَاصِلَةِ بَيْنَ الْمَبْنِيَّيْنِ، وَالأْرْضُ الزِّرَاعِيَّةُ وَغَيْرُ الزِّرَاعِيَّةِ الَّتِي تَتَشَابَهُ أَجْزَاؤُهَا كَذَلِكَ - بَيْعٌ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ .
وَعِنْدَ جُمْهُورِ الْحَنَابِلَةِ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ: تَمْيِيزُ حُقُوقٍ فِيمَا عَدَا قِسْمَةَ الرَّدِّ، أَمَّا فِي قِسْمَةِ الرَّدِّ فَبَيْعٌ.
وَقِسْمَةُ الرَّدِّ - كَمَا سَيَجِيءُ - هِيَ الَّتِي يُسْتَعَانُ فِي تَعْدِيلِ أَنْصِبَائِهَا بِمَالٍ أَجْنَبِيٍّ: كَأَرْضٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي أَحَدِ جَانِبَيْهَا مَا لاَ يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ - كَمَعْدِنٍ أَوْ بِنَاءٍ أَوْ بِئْرِ مَاءٍ - وَرُبَّمَا كَانَتْ قِيمَتُهُ وَحْدَهُ تَعْدِلُ قِيمَةَ الأْرْضِ كُلَّهَا أَوْ تَزِيدُ .
فَمِنْ وُجْهَةِ نَظَرِ الْحَنَابِلَةِ وَمُوَافِقِيهِمْ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّ الرَّادَّ إِنَّمَا بَذَلَ مُقَابِلَ مَا حَصَلَ لَهُ مِنْ حَقِّ شَرِيكِهِ عِوَضًا عَنْهُ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْبَيْعِ أَمَّا فِي غَيْرِ قِسْمَةِ الرَّدِّ فَيَتَمَسَّكُ بِتَغَايُرِ اللَّوَازِمِ، كَمَا تَمَسَّكَ أَرْبَابُ الْمَذْهَبِ الثَّانِي .
وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ - الَّذِينَ هُمْ مِنْ أَرْبَابِ الْمَذْهَبِ الثَّالِثِ - لاَ يُنَازِعُونَ فِي أَنَّ قِسْمَةَ الرَّدِّ بَيْعٌ، وَلَكِنَّهُمْ يَقُولُونَ كَذَلِكَ أَيْضًا: كُلُّ قِسْمَةٍ أُخْرَى يُحْتَاجُ فِيهَا إِلَى تَعْدِيلِ الأْنْصِبَاءِ بِوَاسِطَةِ التَّقْوِيمِ، لِيَصِيرَ مَا يَأْخُذُهُ بِهَا كُلُّ شَرِيكٍ حَقًّا خَالِصًا لَهُ، إِذِ التَّقْوِيمُ تَخْمِينٌ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ: كَمَا فِي دَارٍ بَعْضُهَا لَبِنٌ، وَبَعْضُهَا حَجَرٌ، وَأَرْضٌ بَعْضُهَا جَيِّدٌ وَبَعْضُهَا رَدِيءٌ، وَبُسْتَانٍ بَعْضُهُ نَخْلٌ وَبَعْضُهُ كَرْمٌ (وَتُسَمَّى قِسْمَةَ تَعْدِيلٍ) - وَرُبَّمَا قِيلَ: لَوْ كَانَتْ قِسْمَةُ التَّعْدِيلِ بَيْعًا لَمَا قَبِلَتِ الإْجْبَارَ كَقِسْمَةِ الرَّدِّ.
وَقَدْ قِيلَ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ بِعَدَمِ قَبُولِهَا الإْجْبَارَ فِعْلاً وَلَكِنَّهُ خِلاَفُ مَا اعْتَمَدُوهُ، وَلَمْ يَلْتَفِتُوا - فِي مُعْتَمَدِهِمْ - لِكَوْنِهَا بَيْعًا إِلْحَاقًا لِتَسَاوِي الأْجْزَاءِ قِيمَةً بِتَسَاوِيهَا حَقِيقَةً، وَلِدُعَاءِ الْحَاجَةِ، فَإِنَّ الرَّغَبَاتِ تَتَعَلَّقُ بِتَخْلِيصِ الْحَقِّ مِنَ الْمُزَاحَمَةِ وَسُوءِ الْمُشَارَكَةِ، وَكَمَا يَبِيعُ الْحَاكِمُ مَالَ الْمَدْيُونِ جَبْرًا، وَلَمْ تُحَكَّمْ هَذِهِ الْحَاجَةُ فِي قِسْمَةِ الرَّدِّ؛ لأِنَّ الإْجْبَارَ فِيهَا يَكُونُ إِجْبَارًا عَلَى دَفْعِ مَالٍ غَيْرِ مُسْتَحَقٍّ .
وَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلاَمِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الْمُتَسَاوِيَ فِي الْمَقْصُودِ الأْهَمِّ يُعْتَبَرُ كَالْمُتَسَاوِي مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، لإِمْكَانِ التَّجَاوُزِ عَنِ الْفَرْقِ حِينَئِذٍ، سِيَّمَا وَهُوَ يَعْدِلُ بِالْقِيمَةِ: فَالَّذِي يَأْخُذُ نَصِيبَهُ مِنْ هَذَا أَوْ مِنْ ذَاكَ يَكُونُ آخِذًا لِعَيْنِ حَقِّهِ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى تَمْيِيزِ الْحُقُوقِ .
الْمَذْهَبُ الرَّابِعُ:
الْقِسْمَةُ لاَ تَخْلُو مِنَ الْمَعْنَيَيْنِ، إِلاَّ أَنَّهُ فِي قِسْمَةِ الْمِثْلِيِّ يُغَلَّبُ مَعْنَى تَمْيِيزِ الْحُقُوقِ (الإْفْرَازُ) وَفِي قِسْمَةِ الْقِيَمِيِّ يُغَلَّبُ مَعْنَى الْبَيْعِ، وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ لاَ يَخْتَلِفُونَ عَلَيْهِ .
وَقَالُوا: إِنَّهُ مَا مِنْ جُزْءٍ - مَهْمَا قَلَّ - مِنَ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ إِلاَّ وَنِصْفُهُ لِهَذَا وَنِصْفُهُ لِذَاكَ، فَإِذَا اسْتَقَلَّ أَحَدُهُمَا بِنِصْفِ الْمَجْمُوعِ فَشَطْرُ مَا اسْتَقَلَّ بِهِ كَانَ لَهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَإِنَّمَا اجْتَمَعَ وَتَمَيَّزَ بَعْدَ شُيُوعٍ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى تَمْيِيزِ الْحُقُوقِ، وَشَطْرُهُ الآْخَرُ كَانَ لِشَرِيكِهِ أَخَذَهُ مِنْهُ عِوَضًا عَمَّا تَرَكَهُ لَهُ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْبَيْعِ، وَإِنَّمَا غُلِّبَ فِي قِسْمَةِ الْمِثْلِيِّ مَعْنَى تَمْيِيزِ الْحُقُوقِ؛ لأِنَّ الْمَأْخُوذَ فِيهَا عَلَى سَبِيلِ الْمُعَاوَضَةِ هُوَ عَيْنُ الْمَتْرُوكِ حُكْمًا، إِذْ هُوَ مِثْلُهُ يَقِينًا فَضَعُفَ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ، وَلاَ كَذَلِكَ قِسْمَةُ الْقِيَمِيِّ، فَلَمْ يَضْعُفْ فِيهَا مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ، إِذِ الْمَأْخُوذُ لَيْسَ عَيْنَ الْمَتْرُوكِ وَلَوْ حُكْمًا، وَمِنْ ثَمَّ يَكُونُ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ فِي قِسْمَةِ الْقِيَمِيِّ أَقْوَى مِنْهُ فِي قِسْمَةِ الْمِثْلِيِّ .
الآْثَارُ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى الْخِلاَفِ فِي تَكْيِيفِ الْقِسْمَةِ:
7 - تَتَلَخَّصُ هَذِهِ الآْثَارُ فِي أَنَّهُ: إِنْ كَانَتِ الْقِسْمَةُ بَيْعًا، فَإِنَّهَا تُعْطَى أَحْكَامَهُ - مَعَ مُلاَحَظَةِ مَا مَرَّ مِنَ الْمُسْتَثْنَيَاتِ فِي أَشْبَاهٍ لَهَا - وَإِنْ كَانَتْ مَحْضَ تَمْيِيزِ حُقُوقٍ فَإِنَّهَا لاَ تُعْطَى أَحْكَامَ الْعُقُودِ أَصْلاً . فَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ:
أ - (الْخِيَارَاتُ): تَدْخُلُ الْخِيَارَاتُ الْقِسْمَةَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا بَيْعٌ، وَلاَ تَدْخُلُهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا تَمْيِيزُ حُقُوقٍ، هَكَذَا نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ ، وَهُوَ مُسْتَفَادٌ مِنْ كَلاَمِ الْمَالِكِيَّةِ إِلاَّ أَنَّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ مَنْ نَفَى فِيهَا خِيَارَ الشَّرْطِ عَلَى أَيَّةِ حَالٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَثْبَتَ خِيَارَ الْمَجْلِسِ وَخِيَارَ الشَّرْطِ عَلَى أَيَّةِ حَالٍ، وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ الْخِيَارَ لَمْ يُشْرَعْ خَاصًّا بِالْبَيْعِ، بَلْ لِلتَّرَوِّي وَتَبَيُّنِ أَيِّ الأْمْرَيْنِ أَرْشَدُ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الْقِسْمَةِ .
وَنَظَرًا إِلَى أَنَّ مَعْنَى الْبَيْعِ قَائِمٌ فِي كُلِّ قِسْمَةٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لَمْ يُرَدِّدُوا هَذَا التَّرْدِيدَ، بَلْ أَطْلَقُوا دُخُولَ الْخِيَارَاتِ فِي جَمِيعِ أَقْسَامِهَا، وَلَكِنْ عَلَى تَفَاوُتٍ يَرْجِعُ إِلَى مَعْنًى آخَرَ.
فَقِسْمَةُ الأْجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ - وَهِيَ قِسْمَةُ تَرَاضٍ لاَ إِجْبَارَ فِيهَا - تَدْخُلُهَا الْخِيَارَاتُ الثَّلاَثَةُ: خِيَارُ الشَّرْطِ، وَخِيَارُ الْعَيْبِ، وَخِيَارُ الرُّؤْيَةِ.
وَقِسْمَةُ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنَ الْمِثْلِيَّاتِ - وَهِيَ تَقْبَلُ الإْجْبَارَ - لاَ يَدْخُلُهَا سِوَى خِيَارِ الْعَيْبِ.
وَقِسْمَةُ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنَ الْقِيَمِيَّاتِ، كَالْبَقَرِ أَوِ الْغَنَمِ أَوِ الثِّيَابِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ - وَهِيَ تَقْبَلُ الإْجْبَارَ أَيْضًا - يَدْخُلُهَا خِيَارُ الْعَيْبِ بِلاَ خِلاَفٍ، كَمَا يَدْخُلُهَا خِيَارُ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ عَلَى الصَّحِيحِ الْمُفْتَى بِهِ .
ب - الشُّفْعَةُ: إِنْ كَانَتِ الْقِسْمَةُ تَمْيِيزَ حُقُوقٍ لَمْ تَثْبُتْ فِيهَا الشُّفْعَةُ قَوْلاً وَاحِدًا، وَإِنْ كَانَتْ بَيْعًا: فَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِثُبُوتِهَا، وَصَوَّرُوهَا بِمَا إِذَا تَقَاسَمَ شَرِيكَانِ مِنْ ثَلاَثَةِ شُرَكَاءَ، وَتَرَكَا نَصِيبَ الثَّالِثِ مَعَ أَحَدِهِمَا بِإِذْنِ هَذَا الثَّالِثِ، فَإِنَّ الشُّفْعَةَ تَثْبُتُ لِهَذَا الثَّالِثِ وَقَدْ أَنْكَرَهُ الْحَنَفِيَّةُ لأِنَّ الشُّفْعَةَ تَثْبُتُ عَلَى خِلاَفِ الْقِيَاسِ فِي الْمُبَادَلَةِ الْمَحْضَةِ، وَالْقِسْمَةُ لَيْسَتْ مُبَادَلَةً مَحْضَةً .
أَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَقَدِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ أَثْبَتَهَا عَلَى الأْصْلِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ نَفَاهَا لِمَانِعٍ خَاصٍّ بِالْقِسْمَةِ، إِذْ تَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الشُّفْعَةُ عَلَى الآْخَرِ، إِذْ لَوْ ثَبَتَتْ لِهَذَا عَلَى ذَاكَ لَثَبَتَتْ لِذَاكَ عَلَى هَذَا فَيَتَنَافَيَانِ، وَوَصَفَهُ الْمِرْدَاوِيُّ بِأَنَّهُ الصَّوَابُ .
ج - التَّقَايُلُ: إِنْ كَانَتِ الْقِسْمَةُ بَيْعًا قَبِلَتِ التَّقَايُلَ، وَإِنْ كَانَتْ مُجَرَّدَ تَمْيِيزِ حُقُوقٍ لَمْ تَقْبَلْهُ، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيَّةُ. وَيُؤْخَذُ أَيْضًا مِنْ كَلاَمِ الْمَالِكِيَّةِ وَجَرَى ابْنُ عَابِدِينَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى أَنَّ قِسْمَةَ الْمِثْلِيَّاتِ لاَ تَقْبَلُ التَّقَايُلَ، لِغَلَبَةِ مَعْنَى الإْفْرَازِ ، وَقِسْمَةُ الْقِيَمِيَّاتِ تَقْبَلُهُ، فَإِنْ خَلَطَ الْمُقْتَسِمُونَ مَا اقْتَسَمُوهُ مِنَ الْمِثْلِيِّ كَانَتْ شَرِكَةً جَدِيدَةً، مَعَ أَنَّ الْعَلاَئِيَّ وَصَاحِبَ تَنْوِيرِ الأْبْصَارِ عَلَى تَعْمِيمِ الْقَبُولِ .
أَقْسَامُ الْقِسْمَةِ:
8 - تَنْقَسِمُ الْقِسْمَةُ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ إِلَى التَّقْوِيمِ وَعَدَمِهِ إِلَى ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ:
قِسْمَةُ إِفْرَازٍ -
وَقِسْمَةُ تَعْدِيلٍ -
وَقِسْمَةُ رَدٍّ.
أَوَّلاً: قِسْمَةُ الإْفْرَازِ :
9 - وَهِيَ تُوجَدُ عِنْدَمَا لاَ تَكُونُ ثَمَّ حَاجَةٌ إِلَى تَقْوِيمِ الْمَقْسُومِ - أَعْنِي مَا يُرَادُ قَسْمُهُ - لِعَدَمِ تَفَاوُتِ الأْغْرَاضِ، أَوْ لأِنَّهُ تَفَاوُتٌ مِنَ التَّفَاهَةِ بِحَيْثُ لاَ يُعْتَدُّ بِهِ، فَتَكُونُ الْقِسْمَةُ قِسْمَةَ إِفْرَازٍ ؛ لأِنَّهَا لاَ تَتَطَلَّبُ أَكْثَرَ مِنْ إِفْرَازِ كُلِّ نَصِيبٍ عَلَى حِدَةٍ بِمِعْيَارِهِ الشَّرْعِيِّ: كَيْلاً أَوْ وَزْنًا أَوْ ذَرْعًا أَوْ عَدًّا، وَتُسَمَّى أَيْضًا قِسْمَةَ الْمُتَشَابِهَاتِ: لأِنَّهَا لاَ تَكُونُ إِلاَّ فِيمَا تَشَابَهَتْ أَنْصِبَاؤُهُ حَتَّى لاَ تَفَاوُتَ يُذْكَرُ، أَوِ الْقِسْمَةُ بِالأْجْزَاءِ: لأِنَّ نِسْبَةَ الْجُزْءِ الَّذِي يَأْخُذُهُ كُلُّ شَرِيكٍ هِيَ بِعَيْنِهِ نِسْبَةُ حَقِّهِ إِلَى الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ، وَذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْمِثْلِيَّاتِ الْمُتَّحِدَةِ النَّوْعِ - كَدَنَانِيرِ بَلَدٍ بِعَيْنِهِ، وَكَالْقَمْحِ الْهِنْدِيِّ، وَالأْرُزِّ الْيَابَانِيِّ، وَكَالأْدْهَانِ الْمُتَمَاثِلَةِ مِنْ شَيْرَجٍ أَوْ زَيْتٍ أَوْ عُطُورٍ أَوْ مَا إِلَيْهَا - وَفِيمَا شَاكَلَهَا مِنَ الْقِيَمِيَّاتِ الْمُتَّحِدَةِ النَّوْعِ كَذَلِكَ: كَالْمَنْسُوجَاتِ الصُّوفِيَّةِ أَوِ الْحَرِيرِيَّةِ أَوِ الْقُطْنِيَّةِ، وَكَالْكُتُبِ، وَالأْقْلاَمِ، وَالسَّاعَاتِ، وَالأْحْذِيَةِ، وَكَالدَّارِ الْوَاحِدَةِ الَّتِي فِي كُلٍّ مِنْ جَانِبَيْهَا مِثْلُ مَا فِي الآْخَرِ مِنَ الأْبْنِيَةِ تَصْمِيمًا، وَأَدَوَاتِ بِنَاءٍ، وَإِحْكَامِ صَنْعَةٍ، وَعَدَدِ حُجَرٍ مَعَ إِمْكَانِ قِسْمَةِ السَّاحَةِ الْفَاصِلَةِ بَيْنَ الْجَانِبَيْنِ. وَبِالْجُمْلَةِ عِنْدَمَا تَتَسَاوَى الأْنْصِبَاءُ صُورَةً وَقِيمَةً .
ثَانِيًا: قِسْمَةُ التَّعْدِيلِ:
10 - وَتَكُونُ عِنْدَمَا لاَ تَتَعَادَلُ الأْنْصِبَاءُ بِذَاتِهَا، وَإِنَّمَا تَتَعَادَلُ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ، يُوَضِّحُهُ: أَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ الْمَالُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ اثْنَيْنِ مُنَاصَفَةً. وَلَكِنَّ قِيمَةَ ثُلُثِهِ - لِمَا اخْتُصَّ بِهِ مِنْ مَزَايَا - تُسَاوِي قِيمَةَ ثُلُثَيْهِ؛ فَيُجْعَلُ فِي الْقِسْمَةِ الثُّلُثُ الْمَذْكُورُ سَهْمًا بِحَقِّ النِّصْفِ، وَالثُّلُثَانِ سَهْمًا آخَرَ بِحَقِّ النِّصْفِ الآْخَرِ، كَمَا أَنَّ السَّاعَةَ قَدْ تُجْعَلُ سَهْمًا بِحَقِّ النِّصْفِ، وَالْكِتَابُ وَالْقَلَمُ سَهْمًا آخَرَ بِحَقِّ النِّصْفِ الآْخَرِ، إِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا تُسَاوِي قِيمَتَيْهِمَا.
ثَالِثًا: قِسْمَةُ الرَّدِّ:
11 - وَتَكُونُ إِذَا لَمْ تَعْدِلِ الأْنْصِبَاءُ، بَلْ تُرِكَتْ مُتَفَاوِتَةَ الْقِيمَةِ اخْتِيَارًا أَوِ اضْطِرَارًا، وَبِحَيْثُ يَكُونُ عَلَى الَّذِي يَأْخُذُ النَّصِيبَ الزَّائِدَ أَنْ يَرُدَّ عَلَى شَرِيكِهِ قِيمَةَ حَقِّهِ فِي تِلْكَ الزِّيَادَةِ.
وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِمَكَانِ الْحَاجَةِ فِيهَا إِلَى رَدِّ مَالٍ أَجْنَبِيٍّ عَنْ مَالِ الشَّرِكَةِ إِلَى بَعْضِ الشُّرَكَاءِ - وَهِيَ قِسْمَةُ تَعْدِيلٍ أَيْضًا - وَلَكِنْ يُشَارُ إِلَيْهَا بِفَصْلِهَا الْمُمَيَّزِ، وَإِذَا أُطْلِقَتْ قِسْمَةُ التَّعْدِيلِ فَإِنَّمَا تَنْصَرِفُ إِلَى مَا لاَ رَدَّ فِيهَا، وَهَاكَ مِثَالَيْنِ لِقِسْمَةِ الرَّدِّ: أَحَدُهُمَا يُمَثِّلُهَا فِي حَالَةِ الاِخْتِيَارِ، وَالآْخَرُ فِي حَالَةِ الاِضْطِرَارِ:
الْمِثَالُ الأْوَّلُ: أَرْضٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ مُنَاصَفَةً. وَفِي أَحَدِ جَانِبَيْهَا بِئْرٌ لِرَيِّهَا لاَ تُمْكِنُ قِسْمَتُهَا، فَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ تُقْسَمَ الأْرْضُ نِصْفَيْنِ عَلَى سَوَاءٍ، وَيَكُونَ عَلَى الَّذِي يَأْخُذُ النِّصْفَ الَّذِي فِيهِ الْبِئْرُ نِصْفُ قِيمَتِهَا لِلَّذِي يَأْخُذُ النِّصْفَ الآْخَرَ، وَهَذِهِ قِسْمَةُ رَدٍّ.
وَيُمْكِنُ أَنْ تُقَوَّمَ الأْرْضُ وَالْبِئْرُ مَعًا بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ مَثَلاً، لِلْبِئْرِ مِنْهَا ثُلُثُهَا: فَيَأْخُذُ أَحَدُهُمَا الْبِئْرَ وَرُبْعَ الأْرْضِ، وَيَأْخُذُ الآْخَرُ الثَّلاَثَةَ الأَْرْبَاعِ الْبَاقِيَةِ، وَهَذِهِ قِسْمَةُ تَعْدِيلٍ لاَ رَدَّ فِيهَا .
فَإِذَا قُسِمَتْ عَلَى النَّحْوِ الأْوَّلِ فَهِيَ قِسْمَةُ رَدٍّ يُؤْثِرَانِهَا اخْتِيَارًا دُونَ أَنْ تُلْجِئَ إِلَيْهَا ضَرُورَةٌ.
وَمِثْلُ الْبِئْرِ غَيْرُهَا كَشَجَرَةٍ أَوْ بِنَاءٍ لاَ يُقْسَمُ أَوْ مَنْجَمٍ (مَعْدِنٍ) كَذَلِكَ.
الْمِثَالُ الثَّانِي: لَوْ فَرَضْنَا فِي الْمِثَالِ السَّابِقِ أَنَّ قِيمَةَ الْبِئْرِ تُسَاوِي أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الأْرْضِ كُلِّهَا، فَحِينَئِذٍ لاَ يَكُونُ بُدٌّ مِنْ أَنْ يَرُدَّ آخُذُهَا عَلَى الآْخَرِ قِيمَةَ مَا بَقِيَ لَهُ فِي تِلْكَ الْبِئْرِ بَعْدَ التَّعْدِيلِ بِالْقِيمَةِ، فَإِذَا كَانَتْ قِيمَةُ الأْرْضِ أَلْفًا، وَقِيمَةُ الْبِئْرِ أَلْفًا وَمِائَتَيْنِ، فَإِنَّ نَصِيبَ كُلٍّ مِنْهُمَا يَكُونُ مَا قِيمَتُهُ أَلْفٌ وَمِائَةٌ، فَإِذَا أَخَذَ أَحَدُهُمَا الأْرْضَ كُلَّهَا وَتَرَكَ الْبِئْرَ، رَدَّ عَلَيْهِ الآْخَرُ مِائَةً، وَإِذَا أَخَذَ بَعْضَ الأْرْضِ فَقَطْ رَدَّ عَلَيْهِ الآْخَرُ أَيْضًا قِيمَةَ مَا تَرَكَ لَهُ مِنْهَا .
وَهَذَا التَّقْسِيمُ لِلشَّافِعِيَّةِ، وَيُلَخِّصُونَهُ بِأَنَّ الْمَقْسُومَ إِنْ تَسَاوَتِ الأْنْصِبَاءُ مِنْهُ صُورَةً وَقِيمَةً فَالإْفْرَازُ، وَإِلاَّ فَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى رَدِّ شَيْءٍ آخَرَ فَالتَّعْدِيلُ، وَإِلاَّ فَالرَّدُّ وَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِمِثْلِهِ، وَإِنْ لَمْ يُبْرِزُوهُ إِبْرَازَ الشَّافِعِيَّةِ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ مُفْلِحٍ فِي الْفُرُوعِ: وَتُعْدَلُ السِّهَامُ بِالأْجْزَاءِ إِنْ تَسَاوَتْ، وَبِالْقِيمَةِ إِنِ اخْتَلَفَتْ، وَبِالرَّدِّ إِنِ اقْتَضَتْهُ .
وَلاَ بُدَّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ مِنَ التَّقْوِيمِ، وَيَقُومُ مَقَامَهُ التَّحَرِّي، أَيِ الْخَرْصُ فِي قِسْمَةِ الزَّرْعِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلاَحِهِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ، وَكَذَا فِيمَا يَقْبَلُ التَّفَاضُلَ مِنْ غَيْرِ الْمَزْرُوعَاتِ وَذَلِكَ فِي كُلِّ شَيْءٍ تُرَادُ قِسْمَتُهُ بِالْقُرْعَةِ عَقَارًا أَوْ مَنْقُولاً، بِاسْتِثْنَاءِ شَيْئَيْنِ اثْنَيْنِ عَلَى خِلاَفٍ عِنْدَهُمْ فِي اسْتِثْنَائِهِمَا:
أ - الْمِثْلِيَّاتُ - وَهِيَ الْمَكِيلاَتُ وَالْمَوْزُونَاتُ وَالْمَعْدُودَاتُ «الْمُتَّفِقَةُ الصِّفَةِ» فَإِنَّهَا تُقْسَمُ كَيْلاً أَوْ وَزْنًا أَوْ عَدًّا، وَالاِسْتِثْنَاءُ إِنَّمَا هُوَ عَلَى الْقَوْلِ بِقَبُولِهَا الْقُرْعَةَ، فَإِنَّ ابْنَ عَرَفَةَ فِي فَتَاوِيهِ، تَبَعًا لِلْبَاجِيِّ، لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْقِيَمِيَّاتِ وَعِبَارَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ مَالِكٌ: تُقْسَمُ الأْشْيَاءُ كُلُّهَا عَلَى الْقِيمَةِ، ثُمَّ يُضْرَبُ بِالسِّهَامِ .
ب - الْعَقَارُ الْمُتَّفِقُ الْمَبَانِي: بِأَنْ يَكُونَ فِي كُلٍّ مِنْ جَانِبَيْهِ مِثْلُ مَا فِي الآْخَرِ عَيْنًا وَمَنْفَعَةً، فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَ بَهْرَامَ أَنْ يُقْسَمَ بِالْمِسَاحَةِ، وَجَرَى الْخَرَشِيُّ عَلَى عَدَمِ اعْتِمَادِهِ وَاعْتَمَدُوهُ فِي حَوَاشِي التُّحْفَةِ .
فَأَنْتَ تَرَى قِسْمَةَ الإْفْرَازِ وَاضِحَةً لاَئِحَةً عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَمُوَافِقِيهِمْ فِي قِسْمَةِ الْمِثْلِيَّاتِ الْمُتَّفِقَةِ الصِّفَةِ وَفِي قِسْمَةِ الْعَقَارِ الْمُتَّفِقِ الْمَبَانِي: الأْوَّلُ عَلَى مُعْتَمَدِهِمْ، وَالثَّانِي عَلَى قَوْلِ بَهْرَامَ وَمُعْتَمِدِيهِ، وَقِسْمَةُ التَّعْدِيلِ فِيمَا عَدَاهُمَا.
هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِقِسْمَةِ الْقُرْعَةِ، أَمَّا قِسْمَةُ التَّرَاضِي فَقَدْ تَكُونُ بِتَقْوِيمٍ وَتَعْدِيلٍ وَقَدْ تَكُونُ بِدُونِهِمَا .
أَمَّا قِسْمَةُ الرَّدِّ، فَالْمَالِكِيَّةُ يُثْبِتُونَهَا عَلَى التَّرَاضِي مِنْ غَيْرِ قُرْعَةٍ؛ لاِنْطِوَاءِ الْقُرْعَةِ فِيهَا عَلَى الْغَرَرِ الْكَثِيرِ، إِذْ قَدْ يُرِيدُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ أَخْذَ الأْحَظِّ وَتَحَمُّلَ الْفَرْقِ أَوْ عَكْسَهُ، وَلَكِنَّ الْقُرْعَةَ تُخْرِجُ لَهُ مَا لاَ يَشْتَهِي، وَقَدْ أَثْبَتَهَا خَلِيلٌ فِي قِسْمَةِ الْقُرْعَةِ أَيْضًا لَكِنْ فِي الشَّيْءِ الْقَلِيلِ، إِلاَّ أَنَّهُمْ لَمْ يَعْتَمِدُوهُ، وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ النَّفْرَاوِيُّ: وَلاَ يُؤَدِّي أَحَدُ الشُّرَكَاءِ ثَمَنًا لِشَرِيكِهِ لِزِيَادَةٍ فِي سَهْمِهِ، مِثَالُ ذَلِكَ: أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرَكُ فِيهِ ثَوْبَيْنِ، وَكَانَ أَحَدُهُمَا يُسَاوِي دِينَارَيْنِ، وَالآْخَرُ يُسَاوِي دِينَارًا، وَاقْتَرَعَا عَلَى أَنَّ مَنْ صَارَ لَهُ الَّذِي يُسَاوِي الدِّينَارَيْنِ يَدْفَعُ نِصْفَ دِينَارٍ لِيَحْصُلَ التَّعَادُلُ، فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ، لِمَا يَلْزَمُ مِنْ دُخُولِ قِسْمَةِ الْقُرْعَةِ فِي صِنْفَيْنِ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ فِي قِسْمَةِ الْقُرْعَةِ، قَالَ خَلِيلٌ - بِالْعَطْفِ عَلَى مَا لاَ يَجُوزُ - «أَوْ فِيهِ تَرَاجُعٌ، إِلاَّ أَنْ يَقِلَّ» وَالْمُعْتَمَدُ عَدَمُ الْجَوَازِ، وَلَوْ قَلَّ مَا بِهِ التَّرَاجُعُ، وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ: «وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ الَّذِي دَخَلاَ عَلَيْهِ تَرَاجُعٌ لَمْ يَجُزِ الْقَسْمُ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ إِلاَّ بِتَرَاضٍ مِنْهُمَا فَيَجُوزُ؛ لأِنَّ قِسْمَةَ الْمُرَاضَاةِ يَجُوزُ دُخُولُهَا فِي الْجِنْسَيْنِ» وَحِينَئِذٍ فَمَا يَقَعُ بَيْنَ الْعَوَامِّ مِنْ (الْفِصَالِ) - وَهُوَ قِسْمَةُ الْمَوَاشِي - مِنْ جَعْلِ نَحْوِ الْبَقَرَةِ قِسْمًا، وَبِنْتِهَا مَعَ بَعْضِ دَرَاهِمَ قِسْمًا آخَرَ، وَيَدْخُلاَنِ عَلَى الْقُرْعَةِ، فَاسِدٌ - وَإِنِ اسْتَحْسَنَهُ اللَّخْمِيُّ بِالشَّيْءِ الْقَلِيلِ، وَمَشَى عَلَيْهِ الْعَلاَّمَةُ خَلِيلٌ، فَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ - كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ الْمَنْعُ مُطْلَقًا.
وَأَمَّا بِالْمُرَاضَاةِ بِأَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: أَنْتَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَخْذِ الصَّغِيرَةِ وَتَأْخُذُ كَذَا، أَوِ الْكَبِيرَةِ وَتَدْفَعُ كَذَا - مِنْ غَيْرِ قُرْعَةٍ - فَيَجُوزُ وَمِثْلُهُ فِي التُّحْفَةِ وَحَوَاشِيهَا وَمَثَّلُوا بِدَارَيْنِ إِحْدَاهُمَا بِمِائَةٍ وَالأْخْرَى بِسِتِّينَ أَوْ تِسْعِينَ: لاَ يَجُوزُ بِالْقُرْعَةِ أَنْ يَسْتَقِلَّ كُلٌّ بِدَارٍ، عَلَى أَنْ يَرُدَّ مَنْ أَخَذَ أَفْضَلَ الدَّارَيْنِ عِشْرِينَ فِي الْحَالَةِ الأْولَى، أَوْ خَمْسَةً فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ، وَرَخَّصَ فِي هَذِهِ الأْخِيرَةِ اللَّخْمِيُّ، أَيْ وَفِي كُلِّ حَالاَتِ الْقِلَّةِ، وَقَدَّرُوهَا بِنِصْفِ الْعُشْرِ أَوْ نَحْوِهِ وَظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ جَوَازُ قِسْمَةِ الرَّدِّ بِإِطْلاَقٍ، وَإِنْ كَانَ كَلاَمُهَا فِي الْعَقَارِ.
تَقْسِيمُ الْقِسْمَةِ بِاعْتِبَارِ إِرَادَةِ الْمُتَقَاسِمِينَ:
12 - الْقِسْمَةُ بِهَذَا الاِعْتِبَارِ قِسْمَانِ: قِسْمَةُ تَرَاضٍ، وَقِسْمَةُ إِجْبَارٍ، وَلاَ يُخَالِفُ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى الإْجْمَاعِ. ذَلِكَ أَنَّ الشُّرَكَاءَ قَدْ يَرْغَبُونَ جَمِيعًا فِي قِسْمَةِ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ، أَوْ يَرْغَبُ بَعْضُهُمْ وَيُوَافِقُ الْبَاقُونَ عَلَى أَصْلِ الْقِسْمَةِ وَعَلَى كَيْفِيَّةِ تَنْفِيذِهَا، فَلاَ تَكُونُ بِهِمْ حَاجَةٌ إِلَى اللُّجُوءِ إِلَى الْقَضَاءِ، وَتُسَمَّى الْقِسْمَةُ حِينَئِذٍ قِسْمَةَ تَرَاضٍ.
وَقَدْ يَرْغَبُ وَاحِدٌ أَوْ أَكْثَرُ، وَيَأْبَى غَيْرُهُ، فَإِذَا لَجَأَ الرَّاغِبُ إِلَى الْقَضَاءِ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَتَوَلَّى قِسْمَةَ الْمَالِ وَفْقَ الأْصُولِ الْمُقَرَّرَةِ شَرْعًا، وَتَكُونُ الْقِسْمَةُ حِينَئِذٍ قِسْمَةَ إِجْبَارٍ.
فَقِسْمَةُ التَّرَاضِي: هِيَ الَّتِي تَكُونُ بِاتِّفَاقِ الشُّرَكَاءِ.
وَقِسْمَةُ الإْجْبَارِ : هِيَ الَّتِي تَكُونُ بِوَاسِطَةِ الْقَضَاءِ، لِعَدَمِ اتِّفَاقِ الشُّرَكَاءِ .
ثُمَّ لَيْسَ حَتْمًا فِي قِسْمَةِ الإْجْبَارِ أَنْ يَتَوَلاَّهَا الْقَاضِي بِنَفْسِهِ، أَوْ بِمَنْ يَنْدُبُهُ لِذَلِكَ، بَلْ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ الْمُمْتَنِعَ مِنَ الْقِسْمَةِ حَتَّى يُجِيبَ إِلَيْهَا، وَيُحَدِّدَ لَهُ الْقَاضِي مُدَّةً مَعْقُولَةً لإِتْمَامِهَا بِصُورَةٍ عَادِلَةٍ.
وَفِي كَلاَمِ الْحَنَفِيَّةِ إِشَارَةٌ صَرِيحَةٌ إِلَى نَحْوٍ مِنْ هَذَا، إِذْ يَقُولُونَ: لَيْسَتِ الْقِسْمَةُ بِقَضَاءٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ، حَتَّى لاَ يُفْتَرَضَ عَلَى الْقَاضِي مُبَاشَرَتُهَا، وَإِنَّمَا الَّذِي يُفْتَرَضُ عَلَيْهِ جَبْرُ الآْبِي عَلَى الْقِسْمَةِ .
13 - وَقَدْ عَلِمْنَا فِيمَا سَلَفَ أَنَّ قِسْمَةَ النَّوْعِ الْوَاحِدِ تَقْبَلُ الإْجْبَارَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مِثْلِيًّا كَانَ كَالْحُبُوبِ أَوِ الأْدْهَانِ أَوِ الْجَوْزِ أَوِ الْبَيْضِ، (وَيَكْفِي تَقَارُبُ الْمِثْلِيِّ الْعَدَدِيِّ) أَمْ قِيَمِيًّا كَالإْبِلِ أَوِ الْبَقَرِ أَوِ الْغَنَمِ، وَكَذَا عِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ الدُّورُ أَوِ الْحَوَانِيتُ فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ، وَالأْرَاضِي الزِّرَاعِيَّةُ أَوِ الْبَسَاتِينُ كَذَلِكَ، أَمَّا قِسْمَةُ الأْنْوَاعِ الْمُخْتَلِفَةِ - كَخَلِيطٍ مِنَ الأْمْثِلَةِ الآْنِفِ ذِكْرُهَا - قِسْمَةُ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ، حَتَّى يَسْتَقِلَّ الشَّرِيكُ بِنَوْعٍ أَوْ أَكْثَرَ (وَهِيَ مِنْ قِسْمَةِ الْجَمْعِ) فَهَذِهِ لاَ تَقْبَلُ الإْجْبَارَ ، لِمَكَانِ فُحْشِ تَفَاوُتِهَا وَتَفَاوُتِ الرَّغَبَاتِ فِيهَا: فَيَتَعَذَّرُ تَعْدِيلُهَا، وَيَنْطَوِي الإْجْبَارُ عَلَيْهَا عَلَى الْجَوْرِ وَالضَّرَرِ، فَإِذَا تَرَاضَى الشُّرَكَاءُ عَلَيْهَا فَلاَ مَانِعَ مِنْهَا حِينَئِذٍ؛ لأِنَّ مَا عَسَاهُ يَكُونُ قَدْ فَاتَ بِهَا مِنْ حَقِّ أَحَدِهِمْ فَإِنَّمَا فَاتَ بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ، وَالَّذِي يَمْلِكُ الْحَقَّ يَمْلِكُ إِسْقَاطَهُ، مَا دَامَ حَقًّا خَالِصًا لَهُ نَعَمْ، إِنْ لَمْ يُمْكِنِ الْوُصُولُ إِلَى الْحَقِّ إِلاَّ جَبْرًا عَلَى هَذِهِ الْمُبَادَلَةِ، فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَيْهَا كَقَضَاءِ الدَّيْنِ .
لَكِنْ شَرِيطَةُ الإْجْبَارِ بَعْدَ طَلَبِ الْقِسْمَةِ: انْتِفَاءُ الضَّرَرِ، وَالْمُرَادُ بِالضَّرَرِ هُنَا: هُوَ فَوَاتُ الْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ مِنَ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ. وَهُنَاكَ ثَلاَثَةُ آرَاءٍ فِي تَحْدِيدِ مَدَاهُ:
الرَّأْيُ الأْوَّلُ: أَنَّهُ الضَّرَرُ الْعَامُّ فَحَسْبُ، أَيِ الَّذِي لاَ يَخُصُّ شَرِيكًا دُونَ آخَرَ: بِأَنْ بَطَلَتْ بِالنِّسْبَةِ لِكُلِّ شَرِيكٍ الْمَنْفَعَةُ الْمَقْصُودَةُ مِنَ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ، كَمَا لَوْ كَانَ حَجْمُ الْبَيْتِ أَوِ الْحَمَّامِ أَوِ الطَّاحُونِ صَغِيرًا، لاَ يَنْقَسِمُ بِعَدَدِ الشُّرَكَاءِ بُيُوتًا وَحَمَّامَاتٍ وَطَوَاحِينَ، وَكَمَا فِي قِسْمَةِ الْجَوْهَرَةِ، وَالثَّوْبِ الْوَاحِدِ، وَالْحِذَاءِ، وَالْجِدَارِ وَالْبَقَرَةِ، وَالشَّاةِ، فَهَذَا الضَّرَرُ هُوَ الَّذِي يَمْنَعُ مِنَ الإْجْبَارِ عَلَى الْقِسْمَةِ؛ لأِنَّهَا لِتَكْمِيلِ الْمَنْفَعَةِ، وَلَيْسَ هُنَا إِلاَّ تَفْوِيتُهَا، فَيَكُونُ مِنْ قَلْبِ الْمَوْضُوعِ، وَهَكَذَا كُلُّ مَا تَحْتَاجُ قِسْمَتُهُ إِلَى كَسْرٍ أَوْ قَطْعٍ، وَلِذَا قَالُوا: لَوْ كَانَ مَعَ مَا لاَ يُقْسَمُ - لِمَا فِي قِسْمَتِهِ مِنَ الضَّرَرِ الْعَامِّ لِلْمُقْتَسِمَيْنِ، مِنْ عَيْنٍ أَوْ بِئْرٍ أَوْ نَهْرٍ أَوْ قَنَاةٍ - أَرْضٍ، قُسِمَتِ الأْرْضُ وَتُرِكَتِ الْبِئْرُ وَالْقَنَاةُ وَمَا إِلَيْهِمَا عَلَى الشَّرِكَةِ، أَمَّا عَلَى التَّرَاضِي فَلاَ مَانِعَ مِنَ الْقِسْمَةِ؛ لأِنَّ هُمَا يَمْلِكَانِ الإْضْرَارَ بِأَنْفُسِهِمْ، وَالْقَاضِي لاَ يَمْنَعُ بِالْقَضَاءِ مَنْ يَقْدَمُ عَلَى إِتْلاَفِ مَالِهِ .
أَمَّا الضَّرَرُ الْخَاصُّ بِبَعْضِ الشُّرَكَاءِ دُونَ بَعْضٍ - كَمَا لَوْ كَانَ نَصِيبُ وَاحِدٍ فَحَسْبُ فِي الْبَيْتِ أَوِ الْحَمَّامِ أَوِ الطَّاحُونِ هُوَ الَّذِي يَتَّسِعُ لِمِثْلِ ذَلِكَ - فَإِنَّهُ لاَ يَمْنَعُ الإْجْبَارَ عَلَى الْقِسْمَةِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُسْتَضِرُّ هُوَ طَالِبُ الْقِسْمَةِ أَمْ غَيْرُهُ، ذَلِكَ أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْمُسْتَضِرُّ هُوَ طَالِبُ الْقِسْمَةِ، فَقَدْ رَضِيَ بِضَرَرِ نَفْسِهِ، وَبِذَا صَارَتِ الْقِسْمَةُ كَالْخَالِيَةِ مِنْ شَوْبِ الضَّرَرِ، وَإِنْ كَانَ الآْخَرُ، فَإِنَّ الضَّرَرَ اللاَّحِقَ بِالْمُسْتَضِرِّ مِنَ الْقِسْمَةِ لَيْسَ - إِذَا أَمْعَنَّا النَّظَرَ - بِضَرَرٍ حَقِيقِيٍّ، بِمَعْنَى أَنَّهُ يَفُوتُ بِهِ حَقٌّ لَهُ، وَإِنَّمَا كُلُّ مَا هُنَالِكَ أَنَّهُ بِسَبَبِ قِلَّةِ نَصِيبِهِ يُرِيدُ لِنَفْسِهِ اسْتِمْرَارَ الاِنْتِفَاعِ بِنَصِيبِ شَرِيكِهِ، وَهَذَا يَأْبَى عَلَيْهِ، وَيُطَالِبُ بِاسْتِخْلاَصِ حَقِّهِ، وَتَكْمِيلِ مَنَافِعِ مِلْكِهِ، وَلِهَذَا شُرِعَتِ الْقِسْمَةُ، وَوَظِيفَةُ الْقَاضِي الْقِيَامُ بِوَاجِبِ الإْنْصَافِ، وَإِعْطَاءُ كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ هُنَا، وَهَذَا هُوَ الَّذِي قَرَّرَهُ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ.
الرَّأْيُ الثَّانِي: أَنَّهُ الضَّرَرُ الَّذِي لاَ يَخُصُّ الطَّالِبَ، فَيَشْمَلُ الضَّرَرَ الْخَاصَّ بِالْمُمْتَنِعِ وَالضَّرَرَ الْعَامَّ؛ لأِنَّ ضَرَرَ طَالِبِ الْقِسْمَةِ يَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ بِطَلَبِهِ، إِذْ مَعْنَاهُ رِضَاهُ بِضَرَرِ نَفْسِهِ، أَمَّا ضَرَرُ الآْخَرِ (وَهُوَ الْمُمْتَنِعُ) فَلَيْسَ ثَمَّ مَا يُسْقِطُ اعْتِبَارَهُ، وَالطَّالِبُ لاَ يُسَلَّطُ عَلَى الإْضْرَارِ بِغَيْرِهِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْجَصَّاصُ.
الرَّأْيُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ الضَّرَرُ الَّذِي لاَ يَخُصُّ الْمُمْتَنِعَ فَيَشْمَلُ الضَّرَرَ الْخَاصَّ بِطَالِبِ الْقِسْمَةِ، وَالضَّرَرَ الْعَامَّ أَيْ عَكْسَ الثَّانِي؛ لأِنَّ ضَرَرَ الْمُمْتَنِعِ لَيْسَ ضَرَرًا حَقِيقِيًّا - كَمَا أَوْضَحْنَاهُ - فَلاَ يُعْتَدُّ بِهِ، وَإِنَّمَا يُنْظَرُ فِي ضَرَرِ الطَّالِبِ: فَإِذَا انْتَفَى فَلَيْسَ ثَمَّ مَانِعٌ مَا مِنَ الإْجْبَارِ عَلَى الْقِسْمَةِ، وَإِذَا لَمْ يَنْتَفِ، كَانَ مُتَعَنِّتًا بِطَلَبِ الْقِسْمَةِ، وَالْمُتَعَنِّتُ لاَ يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ، وَقِسْمَةُ الإْجْبَارِ لاَ تَكُونُ بِدُونِ طَلَبٍ مُعْتَدٍّ بِهِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي قَرَّرَهُ الْخَصَّافُ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْقُدُورِيُّ، وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ: إِنَّهُ الأْصَحُّ .
14 - أَمَّا قِسْمَةُ التَّرَاضِي: فَلاَ يُشْتَرَطُ فِيهَا انْتِفَاءُ الضَّرَرِ، بَلِ الرِّضَا بِهِ مِمَّنْ يَقَعُ عَلَيْهِ، وَاحِدًا كَانَ أَوْ أَكْثَرَ حَتَّى لَوْ كَانَتِ الْقِسْمَةُ ضَارَّةً بِجَمِيعِ الشُّرَكَاءِ لَكِنَّهُمْ رَضَوْا بِهَا فَهَذَا شَأْنُهُمْ وَحْدَهُمْ؛ لأِنَّ الْحَقَّ لَهُمْ لاَ يَعْدُوهُمْ، وَهُمْ أَدْرَى بِحَاجَاتِهِمْ، فَلاَ يَكُونُ ثَمَّ مَانِعٌ مِنْهَا وَقَدْ رَضُوا بِضَرَرِ أَنْفُسِهِمْ .
15 - وَلاَ يُخَالِفُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى الإْجْمَاعِ فِي أَنَّ الْقِسْمَةَ تَتَنَوَّعُ إِلَى: قِسْمَةِ تَرَاضٍ وَقِسْمَةِ إِجْبَارٍ، وَلَكِنَّهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِي تَفْصِيلِ ذَلِكَ.
فَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ لَمْ تَتَّفِقْ كَلِمَتُهُمْ عَلَى قَبُولِ الْقِسْمَةِ لِلإْجْبَارِ إِلاَّ فِي قِسْمَةِ الإْفْرَازِ (قِسْمَةِ الْمُتَشَابِهَاتِ) - بِالْمَعْنَى الَّذِي سَبَقَ (ف9)؛ لأِنَّ الطَّالِبَ يُرِيدُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِمَالِهِ عَلَى الْكَمَالِ، وَأَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْ سُوءِ الْمُشَارَكَةِ، دُونَ إِضْرَارٍ بِأَحَدٍ .
كَمَا لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى امْتِنَاعِ الإْجْبَارِ إِلاَّ فِي قِسْمَةِ الرَّدِّ؛ لأِنَّهُ فِيهَا تَمْلِيكُ مَا لاَ شَرِكَةَ فِيهِ، وَالشَّأْنُ فِيهِ أَلاَّ يَقْبَلَ الإْجْبَارُ أَمَّا فِي قِسْمَةِ التَّعْدِيلِ بِمَعْنَاهَا السَّابِقِ (ف 10) فَمِنْهُمْ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ نَفْسِهِ، مَنْ يَمْنَعُ قَبُولَهَا لِلإْجْبَارِ مَنْعًا مُطْلَقًا لاَ اسْتِثْنَاءَ فِيهِ؛ لأِنَّ الْغَرَضَ أَنَّ الأْنْصِبَاءَ غَيْرُ مُتَسَاوِيَةٍ بِنَفْسِهَا. بَلْ بِقِيمَتِهَا، وَالأْغْرَاضُ وَالْمَنَافِعُ تَتَفَاوَتُ رَغْمَ اسْتِوَاءِ الْقِيمَةِ، فَلَيْسَتْ حَدِيقَةُ الْبُرْتُقَالِ كَحَدِيقَةِ الْعِنَبِ، فِي نَفْسِهَا وَلاَ فِي عَائِدَتِهَا وَجَدْوَاهَا، وَلاَ فِي مُلاَقَاةِ رَغَبَاتِ النَّاسِ وَحَاجَاتِهِمْ - وَلَوْ أَنَّ كُلًّا مِنْ هَذِهِ وَتِلْكَ يُسَاوِي أَلْفَ دِينَارٍ مَثَلاً، وَلاَ الْمِسَاحَةُ الصَّغِيرَةُ الْجَيِّدَةُ التُّرْبَةِ أَوِ الْمُطِلَّةُ عَلَى النَّهْرِ كَالْمِسَاحَةِ الْفَسِيحَةِ الرَّدِيئَةِ أَوِ الْخَلْفِيَّةِ - وَإِنْ تَسَاوَتْ قِيمَتَاهَا .
وَمِنْهُمْ مَنْ يَسِيغُهُ؛ لأِنَّ لِطَالِبِ الْقِسْمَةِ غَرَضًا صَحِيحًا، وَلَنْ يَفُوتَ الآْخَرَ شَيْءٌ مِنْ حَقِّهِ بِاعْتِبَارِ الْمَالِيَّةِ، وَهَذَا هُوَ قَوْلُهُمْ تَنْزِيلاً لِلتَّسَاوِي فِي الْقِيمَةِ مَنْزِلَةَ التَّسَاوِي فِي الأْجْزَاءِ وَمَا عَسَاهُ يَفُوتُ عَيْنًا يُعْتَاضُ عَنْهُ بِالتَّخَلُّصِ مِنْ مَسَاوِئِ الشَّرِكَةِ، بَلْ رُبَّمَا كَانَ الْمُمْتَنِعُ مِنَ الْقِسْمَةِ سَيِّئَ النِّيَّةِ، يُرِيدُ الْجَوْرَ وَالاِغْتِصَابَ بِالإْبْقَاءِ عَلَى شَرِكَةٍ غَيْرِ مُتَوَازِنَةٍ، كَمَا لَوْ كَانَ لاَ يَمْلِكُ فِيهَا إِلاَّ بِنِسْبَةِ الْعُشْرِ، وَتَقَدَّمَ فِي كَلاَمِ الْحَنَفِيَّةِ إِيضَاحُهُ (ف 13) وَهَذَا قَوْلٌ آخَرُ لِلشَّافِعِيِّ، وَعَلَيْهِ مُعَوَّلُ أَصْحَابِهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ لاَ يَخْتَلِفُونَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَبْدَوُا احْتِمَالاً بِمِثْلِ الْقَوْلِ الأْوَّلِ لِلشَّافِعِيِّ فِي خُصُوصِ الْمَنْقُولاَتِ إِلاَّ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ عَادُوا بَعْدَمَا أَطْلَقُوهُ، فَذَكَرُوا فُرُوعًا يُسْتَفَادُ مِنْهَا تَقْيِيدُهُ، وَفَعَلَ الْحَنَابِلَةُ مِثْلَ ذَلِكَ أَيْضًا، وَزَادُوا التَّصْرِيحَ بِبَعْضِ الشَّرَائِطِ.
وَهَاكَ مَا اجْتَمَعَ لَنَا مِنْ قُيُودِهِمْ:
16 - أَوَّلاً: اتِّحَادُ الْجِنْسِ: وَيُرِيدُونَ بِالْجِنْسِ هُنَا النَّوْعَ، فَالْعَقَارُ الْوَاحِدُ الَّذِي لاَ يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا، كَالأْرْضِ الْوَاحِدَةِ الَّتِي تَتَفَاوَتُ أَجْزَاؤُهَا جَوْدَةً وَرَدَاءَةً، أَوْ يَخْتَلِفُ نَوْعُ غِرَاسِهَا - كَأَنْ كَانَ فِي أَحَدِ جَانِبَيْهَا حَدِيقَةُ عِنَبٍ وَفِي الآْخَرِ حَدِيقَةُ نَخْلٍ، وَالدَّارُ الْوَاحِدَةُ الَّتِي يَكُونُ فِي أَحَدِ جَانِبَيْهَا بِنَاءٌ مِنْ حَجَرٍ وَفِي الآْخَرِ بِنَاءٌ مِنَ اللَّبِنِ، أَوْ لأِحَدِهِمَا وَاجِهَةٌ مَرْغُوبٌ فِيهَا، وَلِلآْخَرِ وَاجِهَةٌ مَرْغُوبٌ عَنْهَا - هَذَا الْعَقَارُ يَقْبَلُ الإْجْبَارَ عَلَى قِسْمَتِهِ، فَإِذَا طَلَبَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ الْقِسْمَةَ أَجْبَرَ الْقَاضِي الْمُمْتَنِعَ إِلاَّ أَنَّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ كَالْمَاوَرْدِيِّ وَالرُّويَانِيِّ، وَمِنَ الْحَنَابِلَةِ كَأَبِي الْخَطَّابِ، مَنْ يَذْكُرُونَ هُنَا تَفَقُّهًا - وَبِهِ جَزَمَ بَعْضُهُمْ - أَنَّهُ إِذَا أَمْكَنَتْ قِسْمَةُ الْجَيِّدِ وَحْدَهُ وَالرَّدِيءِ وَحْدَهُ، فَإِنَّ الإْجْبَارَ إِنَّمَا يَكُونُ عَلَى قِسْمَةِ كُلٍّ عَلَى حِدَةٍ، قِيَاسًا عَلَى الأْرَاضِي الْمُتَعَدِّدَةِ الَّتِي يُمْكِنُ قِسْمَةُ كُلٍّ مِنْهَا عَلَى حِدَةٍ، وَلاَ سَبِيلَ إِلَى جَمْعِ الْكُلِّ حِينَئِذٍ وَقِسْمَتِهِ قِسْمَةً وَاحِدَةً بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ .
وَمَعْنَى ذَلِكَ - بِجَانِبِ أَنَّ الأْرَاضِيَ تُعْتَبَرُ نَوْعًا وَاحِدًا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَأَنَّ تَعَدُّدَهَا بِمَثَابَةِ اخْتِلاَفِ الصِّفَةِ كَالْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ - أَنَّهُ مَتَى أَمْكَنَتْ قِسْمَةُ الإْفْرَازِ ، لاَ يَلْجَأُ الْقَاضِي إِلَى قِسْمَةِ التَّعْدِيلِ، وَمَتَى أَمْكَنَتْ قِسْمَةُ كُلِّ عَيْنٍ عَلَى حِدَةٍ، وَلَوْ تَعْدِيلاً، لاَ يَلْجَأُ الْقَاضِي إِلَى قِسْمَةِ الأْعْيَانِ مُجْتَمِعَةً، وَهَذَا بَيِّنٌ لاَئِحٌ؛ لأِنَّ الْوُصُولَ إِلَى عَيْنِ الْحَقِّ مَا أَمْكَنَ هُوَ عَيْنُ الإْنْصَافِ، أَمَّا بِالتَّرَاضِي فَلِلشُّرَكَاءِ أَنْ يَفْعَلُوا مَا شَاءُوا، إِفْرَازًا أَوْ تَعْدِيلاً أَوْ رَدًّا .
أَمَّا إِذَا تَعَدَّدَ نَوْعُ الْعَقَارِ، كَأَنْ كَانَتِ الشَّرِكَةُ فِي عِدَّةِ دُورٍ أَوْ حَوَانِيتَ، فَهَذِهِ أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ حُكْمًا، وَإِنْ كَانَتْ جِنْسًا وَاحِدًا حَقِيقَةً لاِخْتِلاَفِ الأْغْرَاضِ بِاخْتِلاَفِ الأَْبْنِيَةِ وَمَوَاقِعِ الْبِنَاءِ وَلاَ يُجْمَعُ فِي قِسْمَةِ الإْجْبَارِ بَيْنَ جِنْسَيْنِ. فَتُقْسَمُ - إِنْ لَمْ يَتَرَاضَوْا عَلَى الْجَمْعِ - كُلُّ دَارٍ وَكُلُّ حَانُوتٍ عَلَى حِدَةٍ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ مُتَجَاوِرَةً أَمْ مُتَبَاعِدَةً، لِتَفَاوُتِ مَقَاصِدِهَا نَعَمْ. اعْتَمَدَ الشَّافِعِيَّةُ - خِلاَفًا لِبَعْضٍ مِنْهُمْ، خِلاَفًا لِلْحَنَابِلَةِ الذَّاهِبِينَ إِلَى أَنَّ كُلَّ مَا لاَ تَجْمَعُهُ الشُّفْعَةُ لاَ تَجْمَعُهُ الْقِسْمَةُ، إِذْ كِلْتَاهُمَا لإِزَالَةِ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ أَنَّ الْجِنْسَيْنِ إِذَا أَمْكَنَ تَنْزِيلُهُمَا مَنْزِلَةَ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ، لِكَوْنِهِمَا أَشْبَهَ بِالْحُجَرِ فِي الدَّارِ الْوَاحِدَةِ، يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا فِي قِسْمَةِ الإْجْبَارِ ، وَقَدْ ضَرَبُوا لِذَلِكَ مَثَلَيْنِ .
الأْوَّلُ: ضَيْعَةٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ تَتَأَلَّفُ مِنْ بِضْعَةِ أَفْدِنَةٍ وَدَارَيْنِ، فَإِذَا طَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ، وَاقْتَضَتْ أَنْ يَسْتَقِلَّ كُلٌّ مِنْهُمَا بِدَارٍ مِنَ الدَّارَيْنِ، فَإِنَّهُ يُجَابُ إِلَى ذَلِكَ.
الثَّانِي: الدَّكَاكِينُ الصِّغَارُ الْمُتَلاَصِقَةُ (وَتُسَمَّى الْعَضَائِدَ) فَلاَ تَتَفَاوَتُ فِيهَا الأْغْرَاضُ وَالَّتِي لاَ يَقْبَلُ كُلٌّ مِنْهَا الْقِسْمَةَ عَلَى حِدَةٍ، يَجُوزُ أَنْ تَجْمَعَ بَيْنَهَا فِي قِسْمَةِ أَعْيَانِهَا قِسْمَةُ إِجْبَارٍ، عَلَى أَلاَّ تَبْقَى لِلشَّرِكَةِ عَلَقَةٌ، كَمَا سَيَجِيءُ.
17 - ثَانِيًا: اتِّحَادُ الصِّنْفِ: فِي قِسْمَةِ الْمَنْقُولاَتِ، فَلَيْسَ يَكْفِي فِيهَا اتِّحَادُ الْجِنْسِ حَتَّى يَتَّحِدَ صِنْفُهَا أَيْضًا، لأِنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي يُقَلِّلُ مِنْ شَأْنِ تَفَاوُتِ الأْغْرَاضِ فِيهَا. فَلاَ إِجْبَارَ عَلَى قِسْمَةِ التَّعْدِيلِ عِنْدَمَا يَخْتَلِفُ جِنْسُ الْمَنْقُولاَتِ: كَأَبْسِطَةٍ وَسَتَائِرَ وَوَسَائِدَ وَحَشَايَا وَمَقَاعِدَ وَمَنَاضِدَ وَثَلاَّجَاتٍ وَقَمَاطِرَ، أَوْ يَخْتَلِفُ نَوْعُهَا: كَثِيَابٍ بَعْضُهَا حَرِيرٌ. وَبَعْضُهَا قُطْنٌ، وَبَعْضُهَا صُوفٌ، وَأَبْسِطَةٍ عَجَمِيَّةٍ وَأُخْرَى عَادِيَّةٍ، وَقَمَاطِرَ خَشَبِيَّةٍ وَأُخْرَى مِنَ الصَّاجِ، أَوْ يَخْتَلِفُ صِنْفُهَا: كَحَرِيرٍ هِنْدِيٍّ وَحَرِيرٍ يَابَانِيٍّ، وَخَشَبٍ زَانٍ وَخَشَبٍ أَبْيَضَ.
وَلاَ بُدَّ أَنْ يُفْرَضَ مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ وَالصِّنْفِ اخْتِلاَفُ الصُّورَةِ وَالْمَظْهَرِ، أَوِ اخْتِلاَفُ الْقِيمَةِ وَإِلاَّ كَانَ الْمَوْضِعُ لِقِسْمَةِ الْمُتَشَابِهِ (قِسْمَةَ الإْفْرَازِ )، كَمَا عُلِمَ مِمَّا سَبَقَ (ف9)، لاَ لِقِسْمَةِ التَّعْدِيلِ، وَقَدْ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَالأْبْسِطَةُ مَثَلاً تَخْتَلِفُ أَحْجَامُهَا وَعَدَدُ فَتَلاَتِهَا - وَهُوَ اخْتِلاَفٌ فِي الصُّورَةِ - وَيَتْبَعُهُ اخْتِلاَفُ الْقِيمَةِ، فَإِذَا كَانَتْ هُنَالِكَ ثَلاَثَةُ أَبْسِطَةٍ مِنْ صِنْفٍ وَاحِدٍ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ مُنَاصَفَةً، وَقِيمَةُ أَحَدِهَا مِائَةُ دِينَارٍ، وَقِيمَةُ الآْخَرَيْنِ مَعًا مِائَةٌ، وَطَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ عَلَى هَذَا النَّحْوِ، أَيْ قِسْمَةِ تَعْدِيلٍ، فَإِنَّهُ يُجَابُ وَيُجْبَرُ الآْخَرُ إِذَا امْتَنَعَ، لِقِلَّةِ تَفَاوُتِ الأْغْرَاضِ حِينَئِذٍ، بِخِلاَفِ مَا إِذَا اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُ الأْبْسِطَةِ أَوْ أَصْنَافُهَا، فَإِنَّهُ لاَ سَبِيلَ إِلَى قِسْمَتِهَا قِسْمَةَ تَعْدِيلٍ إِلاَّ بِالتَّرَاضِي؛ لِشِدَّةِ تَعَلُّقِ الأْغْرَاضِ بِكُلِّ نَوْعٍ وَصِنْفٍ، وَهَكَذَا يُقَالُ فِي غَيْرِ الأْبْسِطَةِ، لاَ سِيَّمَا إِذَا كَانَتْ آحَادُهُ لاَ تَقْبَلُ الْقِسْمَةَ أَصْلاً كَالْحَيَوَانَاتِ، كَمَا إِذَا فَرَضْنَا مَكَانَ الأْبْسِطَةِ ثَلاَثَ بَقَرَاتٍ .
وَالْحَنَابِلَةُ لاَ يَشْتَرِطُونَ سِوَى اتِّحَادِ النَّوْعِ وَتَسَاوِي الْقِيمَةِ وَإِنِ اخْتَلَفَ الصِّنْفُ، كَالضَّأْنِ وَالْمَعْزِ .
18 - ثَالِثًا: أَلاَّ تُبْقِيَ الْقِسْمَةُ شَيْئًا مُشْتَرَكًا: أَيْ مِنَ الْمَالِ الْمُرَادِ قَسْمُهُ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَعْنُونَهُ «بِانْقِطَاعِ الْعَلَقَةِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ»، وَهَاكَ بِضْعَةُ أَمْثِلَةٍ:
أ - سَيَّارَتَانِ بَيْنَ اثْنَيْنِ مُنَاصَفَةً، قِيمَةُ إِحْدَاهُمَا أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ، وَقِيمَةُ الأْخْرَى خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ فَحَسْبُ، لاَ يُمْكِنُ الإْجْبَارُ عَلَى قِسْمَتِهِمَا إِذَا مَنَعْنَا الإْجْبَارَ عَلَى قِسْمَةِ السَّيَّارَةِ الأْعْلَى قِيمَةً، لِبَقَاءِ الشَّرِكَةِ فِيهَا حِينَئِذٍ، وَلِذَا يَقُولُونَ: لَوْ كَانَ بَيْنَ اثْنَيْنِ بَقَرَتَانِ، قِيمَةُ إِحْدَاهُمَا نِصْفُ قِيمَةِ الأْخْرَى، فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ عَلَى أَنْ يَبْقَى لِمَنْ خَرَجَ لَهُ أَقَلُّهُمَا قِيمَةً رُبْعُ الأْخْرَى، فَلاَ إِجْبَارَ عَلَى الْمَذْهَبِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهَكَذَا كُلُّ أَدْنَى وَأَعْلَى وَمِثْلُهُ لِلْحَنَابِلَةِ .
ب - الأْرْضُ الْمُشْتَرَكَةُ يَكُونُ فِيهَا بِنَاءٌ أَوْ شَجَرٌ، فَيَطْلُبُ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ قِسْمَةَ الْبِنَاءِ أَوِ الشَّجَرِ وَحْدَهُ، وَتَبْقَى الأْرْضُ مُشْتَرَكَةً، أَوْ يَطْلُبُ قِسْمَةَ الأْرْضِ وَحْدَهَا، وَيَبْقَى الْبِنَاءُ أَوِ الشَّجَرُ مُشْتَرَكًا، لاَ يُجَابُ إِلَى طَلَبِهِ، أَيْ أَنَّهُ لاَ إِجْبَارَ عَلَى هَذِهِ الْقِسْمَةِ؛ لأِنَّهَا لاَ تُزِيلُ الشَّرِكَةَ تَمَامًا، فَإِذَا تَرَاضَيَا عَلَى ذَلِكَ فَلاَ بَأْسَ.
ج - يَقُولُونَ: يُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ عَلَى قِسْمَةِ عُلُوٍّ وَسُفْلٍ مِنْ دَارٍ أَمْكَنَ قِسْمَتُهَا؛ لأِنَّ الْبِنَاءَ تَابِعٌ لِلأْرْضِ، كَالشَّجَرِ فِيهَا لاَ عَلَى قِسْمَةِ أَحَدِهِمَا فَقَطْ؛ لأِنَّ الْقِسْمَةَ تُرَادُ لِلتَّمْيِيزِ، وَلاَ عَلَى جَعْلِهِ لِوَاحِدٍ وَالآْخَرُ لآِخَرَ وَقَدْ يُعَلَّلُ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَمَّا زَالَتِ الشَّرِكَةُ تَمَامًا بِقِسْمَةِ الطَّابَقَيْنِ جَمِيعًا صَحَّ الإْجْبَارُ عَلَى الْقِسْمَةِ، وَلَمَّا بَقِيَتْ فِي بَعْضِ الدَّارِ بِقِسْمَةِ أَعْلاَهَا دُونَ أَسْفَلِهَا، أَوِ الْعَكْسُ، لَمْ يُمْكِنِ الإْجْبَارُ عَلَى هَذَا، لَكِنَّهُ يَجُوزُ مِنْ طَرِيقِ التَّرَاضِي .
وَلَمْ يَرَ الْحَنَفِيَّةُ وَلاَ الْمَالِكِيَّةُ مَانِعًا بِأَيَّةِ حَالٍ مِنْ أَنْ يَكُونَ السُّفْلُ لِوَاحِدٍ، وَالْعُلُوُّ لآِخَرَ ، وَرُبَّمَا صَوَّرَ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ جَمْعٌ بَيْنَ جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ اسْمًا وَمَنْفَعَةً، فَلاَ يَقْبَلُ الإْجْبَارَ .
نَعَمْ يُغْتَفَرُ بَقَاءُ الشَّرِكَةِ فِي التَّوَابِعِ وَالْمُلْحَقَاتِ، صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ، إِذْ يَنُصُّونَ عَلَى أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ بَقَاءِ طَرِيقٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ الْمُتَقَاسِمِينَ - لأِنَّهُ لاَ يُمْكِنُ اسْتِقْلاَلُ كُلٍّ بِطَرِيقٍ - فَإِنَّ هَذَا لاَ يَمْنَعُ الإْجْبَارَ عَلَى الْقِسْمَةِ .
19 - رَابِعًا: أَنْ لاَ تَنْقُصَ قِيمَةُ الْمَقْسُومِ بِقِسْمَتِهِ: وَهَذِهِ الشَّرِيطَةُ مَفْهُومَةٌ مِنَ الْمُهَذَّبِ لِلشِّيرَازِيِّ، وَصَرَّحَ بِهَا الْجِيلِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَنَقَلُوهَا عَنْهُ فِي قِسْمَةِ الْعَقَارِ الْمُتَعَدِّدِ الْجِنْسِ قِسْمَةَ تَعْدِيلٍ تَنْزِيلاً لَهُ مَنْزِلَةَ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ، كَالْحُجَرِ فِي الدَّارِ الْوَاحِدَةِ، وَهُوَ نَاظِرٌ إِلَى أَنَّ نَقْصَ الْقِيمَةِ ضَرَرٌ وَإِضَاعَةُ مَالٍ، فَلاَ يَدْخُلُ فِيهِ الْقَضَاءُ، لَكِنْ سَيَأْتِي لَهُمْ تَفْسِيرُ الضَّرَرِ بِغَيْرِ ذَلِكَ.
20 - خَامِسًا: تَعَذُّرُ قِسْمَةِ كُلِّ نَوْعٍ عَلَى حِدَةٍ: وَقَدْ فُهِمَ هَذَا مِمَّا سَبَقَ (ف 16)، لَكِنَّهُ خَاصٌّ بِالْعَقَارَاتِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ؛ لأِنَّ الْمَنْقُولاَتِ لاَ يُجْبَرُ عَلَى قِسْمَتِهَا قِسْمَةَ جَمْعٍ إِلاَّ إِذَا اتَّحَدَ صِنْفُهَا، نَعَمْ. هُوَ عَلَى عُمُومِهِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ .
21 - وَالْمَالِكِيَّةُ يَجْعَلُونَ قِسْمَةَ الإْجْبَارِ فِيمَا تَمَاثَلَ أَوْ تَقَارَبَ دُونَ رَدٍّ، وَقِسْمَةَ التَّرَاضِي فِيمَا عَدَاهُ، كَمَا أَسْلَفْنَا، وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ يُوَافِقُونَ الشَّافِعِيَّةَ وَالْحَنَابِلَةَ فِي أَنَّ قِسْمَةَ الإْجْبَارِ مَشْرُوطَةٌ بِاتِّحَادِ النَّوْعِ أَيْضًا، وَبِعَدَمِ الرَّدِّ - إِلاَّ أَنْ يَقِلَّ فِي قَوْلٍ لَهُمْ - وَلَكِنَّهُمْ يُخَالِفُونَ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ:
أ - الْمَوْضِعُ الأْوَّلُ: أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَا اتَّحَدَ نَوْعُهُ يَقْبَلُ الإْجْبَارَ عَلَى قِسْمَتِهِ، بَلْ لاَ بُدَّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ مِنَ التَّسَاوِي فِي الْقِيمَةِ وَفِي رَغَبَاتِ الشُّرَكَاءِ، وَلاَ بُدَّ أَيْضًا مِنْ قُرْبِ الْمَسَافَةِ بَيْنَ الْعَقَارِ وَالْعَقَارِ، فَقِطْعَةُ الأْرْضِ الَّتِي تَبْعُدُ عَنِ الأْخْرَى أَكْثَرَ مِنْ مِيلَيْنِ أَوْ تَكُونُ أَجْوَدَ مِنْهَا تُرْبَةً، أَوْ أَدْنَى إِلَى رَغْبَةِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ دُونَ الآْخَرِ - لِقُرْبِهَا مِنْ مَسْكَنِهِ مَثَلاً، أَوْ لأِنَّهَا تُسْقَى بِدُونِ آلاَتٍ - لاَ يُجْبَرُ عَلَى قِسْمَتِهِمَا مَعًا كَقِطْعَةٍ وَاحِدَةٍ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ، بَلْ تُقْسَمُ كُلُّ قِطْعَةٍ عَلَى حِدَةٍ.
وَلاَ بُدَّ لِلإْجْبَارِ عَلَى الضَّمِّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ مِنِ اتِّحَادِ نَوْعِ الأْشْجَارِ فِي حَدَائِقِ الْفَاكِهَةِ، وَعَدَمِ إِمْكَانِ قِسْمَةِ كُلِّ حَدِيقَةٍ عَلَى حِدَةٍ، بَلْ إِنَّ الْحَدِيقَةَ الْوَاحِدَةَ تَكُونُ أَشْجَارًا جَانِبٌ مِنْهَا النَّخْلُ، وَجَانِبٌ آخَرُ التُّفَّاحُ أَوِ الرُّمَّانُ، أَوِ الْخَوْخُ، لاَ تَقْبَلُ الإْجْبَارَ عَلَى قِسْمَتِهَا قِسْمَةَ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ، بَلْ يُقْسَمُ كُلُّ نَوْعٍ مِنْ أَشْجَارِهَا عَلَى حِدَةٍ حَيْثُ أَمْكَنَ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَإِنَّهُ إِذَنْ لِلضَّرُورَةِ يَصِحُّ الإْجْبَارُ عَلَى ضَمِّ النَّوْعِ إِلَى غَيْرِهِ، وَقِسْمَةُ الْجَمِيعِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ مَعَ التَّعْدِيلِ بِالْقِيمَةِ، وَإِنْ كَانَ هَذَا قَدْ يُؤَدِّي إِلَى أَنْ يَحْصُلَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ عَلَى أَصْنَافٍ مِنَ الأْشْجَارِ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ.
ب - الْمَوْضِعُ الثَّانِي: أَنْ لَيْسَ كُلُّ مَا اخْتَلَفَ نَوْعُهُ لاَ يَقْبَلُ الإْجْبَارَ عَلَى قِسْمَتِهِ، فَقَدْ رَأَيْنَاهُمْ يَقْسِمُونَ أَنْوَاعَ الثِّيَابِ الْمُخْتَلِفَةِ: مِنْ قُطْنٍ وَصُوفٍ وَحَرِيرٍ.. إِلَخْ قِسْمَةَ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ تَعْدِيلاً وَجَبْرًا. وَيُصَرِّحُ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ الأْرْضَ نَوْعٌ وَأَشْجَارَهَا نَوْعٌ آخَرُ، إِلاَّ أَنَّهُ إِذَا تَبَاعَدَتِ الأْشْجَارُ تُقْسَمُ الأْرْضُ وَأَشْجَارُهَا مَعًا، لاَ الأْرْضُ وَحْدَهَا وَالأْشْجَارُ وَحْدَهَا، وَإِلاَّ فَقَدْ يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَصِيرَ بَعْضُ شَجَرِ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ فِي أَرْضٍ آخَرَ، وَهَذَا يُخَالِفُ قِسْمَةَ الْبَسَاتِينِ؛ لأِنَّ الْمَقْصُودَ هُنَاكَ الشَّجَرُ، وَالأْرْضُ تَبَعٌ، وَالْمَقْصُودُ هُنَا الأْرْضُ ، وَالأْشْجَارُ تَبَعٌ .
ج - الْمَوْضِعُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ لاَ يُجْمَعُ عِنْدَهُمْ فِي قِسْمَةِ الإْجْبَارِ بَيْنَ نَصِيبَيْنِ، قَالُوا: لأِنَّ قِسْمَةَ الإْجْبَارِ لاَ تَكُونُ إِلاَّ بِطَرِيقِ الْقُرْعَةِ، وَفِي الْقُرْعَةِ غَرَرٌ يُرْتَكَبُ، ضَرُورَةَ الْحَاجَةِ إِلَى الْقِسْمَةِ، وَلاَ ضَرُورَةَ لِجَمْعِ نَصِيبَيْنِ (مَعَ أَنَّ الْجَمْعَ فِي الْحَقِيقَةِ تَقْلِيلٌ لِلْغَرَرِ)، وَمَعَ ذَلِكَ حَتَّمُوا إِجْمَاعَ كُلِّ أَصْحَابِ فَرْضٍ فِي نَصِيبٍ وَاحِدٍ عِنْدَ قِسْمَةِ التَّرِكَةِ، أَيْ بَيْنَ ذَوِي فُرُوضٍ مُتَعَدِّدَةٍ أَوْ ذَوِي فَرْضٍ وَاحِدٍ أَوْ عَصَبَةٍ، وَسَوَّغُوا اجْتِمَاعَ الْعَصَبَةِ - بِرِضَاهُمْ - فِي نَصِيبٍ وَاحِدٍ عِنْدَ مُقَاسَمَتِهِمْ ذَوِي الْفُرُوضِ، وَأَلْزَمُوا الْوَرَثَةَ مُطْلَقًا بِهَذَا الاِجْتِمَاعِ - إِذَا طَلَبَهُ أَحَدُهُمْ - فِي مُقَاسَمَةِ شَرِيكٍ لِمُوَرِّثِهِمْ حَتَّى يَسْتَقِلُّوا بِنَصِيبِ مُوَرِّثِهِمْ، ثُمَّ لِلْجَمِيعِ بَعْدَ ذَلِكَ إِنْ شَاءُوا - وَقَبِلَ نَصِيبُهُمُ الْقِسْمَةَ - أَنْ يَقْتَسِمُوهُ بَيْنَهُمْ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ بَقَاءُ الشَّرِكَةِ فِي التَّوَابِعِ - وَسَبَقَ نَحْوُهُ لِلشَّافِعِيَّةِ (ف 18) - فَإِنَّ مَرَافِقَ الدَّارِ الْمَقْسُومَةِ إِذَا سُكِتَ عَنْهَا فِي الْقِسْمَةِ تَبْقَى عَلَى الاِشْتِرَاكِ كَمَا كَانَتْ .
د - الْمَوْضِعُ الرَّابِعُ: أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ تَعَذُّرُ قِسْمَةِ كُلِّ صِنْفٍ عَلَى حِدَةٍ فِيمَا عَدَا الْبَسَاتِينَ، فَإِنَّهُ لاَ يُجْبَرُ عَلَى الْجَمْعِ فِي قِسْمَتِهَا بَيْنَ صِنْفَيْنِ، كَتُفَّاحٍ وَرُمَّانٍ إِلاَّ إِذَا تَعَذَّرَتْ قِسْمَةُ كُلٍّ عَلَى حِدَةٍ، وَسَوَاءٌ بَعْدَ ذَلِكَ الْعَقَارُ وَالْمَنْقُولُ، فَالدُّورُ وَالأَْرَاضِي تُجْمَعُ فِي الْقِسْمَةِ جَبْرًا إِذَا طَلَبَهَا أَحَدُ الشُّرَكَاءِ - وَإِنْ أَمْكَنَتْ قِسْمَةُ كُلِّ دَارٍ وَكُلُّ حَقْلٍ عَلَى حِدَةٍ - وَكَذَلِكَ الثِّيَابُ، إِلاَّ أَنَّ نَصَّ الْمُدَوَّنَةِ يُخَالِفُهُ فِي الثِّيَابِ، وَنَصُّ عِبَارَتِهَا: «هَذِهِ ثِيَابٌ كُلُّهَا تُجْمَعُ فِي الْقِسْمَةِ إِذَا كَانَتْ لاَ تَحْتَمِلُ أَنْ يُقْسَمَ كُلُّ صِنْفٍ مِنْهَا عَلَى حِدَةٍ» «وَفِي الدَّارِ الْمَعْرُوفَةِ بِالسُّكْنَى لِلْمَيِّتِ أَوِ الْوَرَثَةِ» بِنَاءً عَلَى أَحَدِ تَفْسِيرَيِ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ الَّذِي قَدَّمَهُ خَلِيلٌ مِنْ أَنَّ الدَّاعِيَ إِلَى جَمْعِهَا مَعَ غَيْرِهَا مِنْ سَائِرِ الدُّورِ فِي قِسْمَةٍ وَاحِدَةٍ لاَ يُجَابُ مَتَى دَعَا آخَرُ إِلَى إِفْرَادِهَا بِالْقِسْمَةِ وَأَمْكَنَ ذَلِكَ .
22 - وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَكَذَا أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ يُوَافِقُونَ الْحَنَفِيَّةَ عَلَى أَنَّ مِنْ شَرِيطَةِ الإْجْبَارِ انْتِفَاءُ الضَّرَرِ بِنَفْسِ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ الْحَنَفِيَّةُ، أَيْ فَوَاتُ الْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ، وَإِنْ بَقِيَ الْمَالُ مُنْتَفَعًا بِهِ عَلَى نَحْوِ مَا، لِعِظَمِ التَّفَاوُتِ بَيْنَ أَجْنَاسِ الْمَنَافِعِ وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِمَذْهَبِ أَحْمَدَ بِنَاءً عَلَى تَقْرِيرِ الْخِرَقِيِّ، وَلَكِنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّهُ جَرَى عَلَى رِوَايَةٍ، وَالْمُعْتَمَدُ خِلاَفُهَا، وَهُوَ أَنَّ الضَّرَرَ الْمَانِعَ مِنَ الإْجْبَارِ هُوَ نَقْصُ الْقِيمَةِ .
وَفِي كَلاَمِ الْمَالِكِيَّةِ مَا قَدْ يُفِيدُ أَنَّهُمْ أَحْيَانًا يَنْظُرُونَ إِلَى الْقِيمَةِ. بِحَيْثُ لَوْ نَقَصَتْ بِقِسْمَةِ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ قِيمَتُهُ فَإِنَّهُمْ لاَ يُجْبَرُونَ عَلَيْهَا، فَقَدْ نَصُّوا عَلَى ذَلِكَ فِي الْمَالِ الْمُشْتَرَى لِلتِّجَارَةِ .
23 - وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ يَخْتَلِفُونَ فِي تَحْدِيدِ مَدَى الضَّرَرِ الْمَشْرُوطِ انْتِفَاؤُهُ لِلإْجْبَارِ عَلَى الْقِسْمَةِ، عَلَى آرَاءٍ:
الأْوَّلُ: مُطْلَقُ ضَرَرٍ: وَعَلَيْهِ الْمَالِكِيَّةُ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَجَمَاهِيرُ الْحَنَابِلَةِ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى «لِنَهْيِهِ صلوات الله عليه عَنِ الضَّرَرِ وَالضِّرَارِ » عَنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ سَوَاءٌ كَانَ فِي فَضِّ الشَّرِكَةِ - كَمَا هُنَا - أَمِ الْبَقِيَّةِ عَلَيْهَا - كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْحَنَابِلَةُ فِيمَا لَوْ أَوْصَى إِنْسَانٌ بِخَاتَمِهِ لِشَخْصٍ، وَبِفَصِّهِ لآِخَرَ - إِذْ قَالُوا: إِنَّ أَيَّهُمَا طَلَبَ قَلْعَ الْفَصِّ يُجَابُ فَفِي مَسْأَلَةِ الشَّرِيكَيْنِ: لأِحَدِهِمَا فِي الدَّارِ عُشْرُهَا وَلَيْسَ يَصْلُحُ لِلسُّكْنَى (وَلَوْ بِإِضَافَةٍ خَارِجِيَّةٍ يَسْتَطِيعُهَا) وَلِلآْخَرِ بَاقِيهَا لاَ يُمْكِنُ الإْجْبَارُ عَلَى الْقِسْمَةِ، لِمَا فِيهَا مِنَ الضَّرَرِ بِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ، فَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى الْقِسْمَةِ فَلاَ بَأْسَ؛ لأِنَّ الْمُسْتَضِرَّ قَدْ رَضِيَ بِضَرَرِ نَفْسِهِ .
وَيَنُصُّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّ مِنْ هَذَا الضَّرَرِ الْمَانِعِ مِنْ قِسْمَةِ الإْجْبَارِ أَنْ يَبْقَى النَّصِيبُ صَالِحًا لِلسُّكْنَى - فِي مِثَالِنَا هَذَا - وَلَكِنْ لِسُكْنَى غَيْرِ صَاحِبِهِ، فَيَضْطَرُّ أَنْ يُؤَجِّرَهُ لِغَيْرِهِ مَثَلاً، وَإِنْ نَقَصَ الثَّمَنُ بِلاَ خِلاَفٍ عِنْدَهُمْ، أَوْ نَقَصَتِ الْمَنْفَعَةُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ لَيْسَ مِنْ هَذَا الضَّرَرِ، وَقَدْ رَأَيْنَا مِنَ الشَّافِعِيَّةِ مَنْ يَشْتَرِطُ عَدَمَ نَقْصِ الثَّمَنِ (ف 19)، كَمَا أَنَّ عِنْدَهُمْ مِثْلُ خِلاَفِ الْمَالِكِيَّةِ فِي نُقْصَانِ الْمَنْفَعَةِ، كَالسَّيْفِ يُكْسَرُ لِيُقْسَمَ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُ الاِنْتِفَاعُ بِهِ لِنَفْسِ الْغَرَضِ لَكِنْ بِصُورَةٍ أَقَلَّ جَدْوَى، إِلاَّ أَنَّهُمْ رَجَّحُوا أَنَّهُ ضَرَرٌ مَانِعٌ مِنَ الإْجْبَارِ ثُمَّ يَنْفَرِدُ الشَّافِعِيَّةُ بِالنَّصِّ الصَّرِيحِ عَلَى أَنَّ الضَّرَرَ إِذَا كَانَ يُمْكِنُ رَفْعُهُ فِي يُسْرٍ عَنِ الْمُسْتَضِرِّ بِتَكْمِيلِ النَّصِيبِ مِنْ غَيْرِ مَالِ الشَّرِكَةِ، فَإِنَّهُ لاَ يُعْتَدُّ بِهِ لأِنَّهُ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ بِتَيَسُّرِ رَفْعِهِ وَإِزَالَتِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ بِجِوَارِ الدَّارِ الْمَقْسُومَةِ أَرْضٌ مَوَاتٌ يَسْتَطِيعُ إِحْيَاءَهَا، أَوْ مَمْلُوكَةٌ لَهُ فِعْلاً، أَوْ يَسْتَطِيعُ تَمَلُّكَهَا، أَمَّا الَّتِي لاَ يُجَاوِرُهَا إِلاَّ مَا لاَ سَبِيلَ إِلَى الْحُصُولِ عَلَيْهِ - كَوَقْفٍ أَوْ شَارِعٍ أَوْ مِلْكٍ لِمَنْ لاَ يَنْزِلُ عَنْهُ - فَلاَ إِجْبَارَ عَلَى قِسْمَتِهَا وَلِلْمَالِكِيَّةِ مَا يُفِيدُ ذَلِكَ أَيْضًا .
الثَّانِي: الضَّرَرُ الْعَامُّ: كَمَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهَذَا عِنْدَ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ، فَلَيْسَ يَمْنَعُ مِنَ الإْجْبَارِ عَلَى الْقِسْمَةِ ضَرَرُ بَعْضِ الشُّرَكَاءِ دُونَ بَعْضٍ - سَوَاءٌ أَكَانَ طَالِبُ الْقِسْمَةِ هُوَ الْمُسْتَضِرُّ أَمْ غَيْرُهُ - إِيثَارًا لِلتَّخَلُّصِ مِنْ مَضَارِّ الشَّرِكَةِ .
الثَّالِثُ: الضَّرَرُ الْوَاصِلُ إِلَى الطَّالِبِ: وَهَذَا هُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الشَّافِعِيَّةُ، كَمَا اعْتَمَدَهُ الْقُدُورِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، فَفِي مِثَالِ الدَّارِ، لأِحَدِ الشَّرِيكَيْنِ عُشْرُهَا، وَلاَ يَصْلُحُ لِلسُّكْنَى مُنْفَرِدًا إِنْ كَانَ الطَّالِبُ لِلْقِسْمَةِ هُوَ الآْخَرُ الَّذِي لاَ تَبْطُلُ بِالْقِسْمَةِ مَنْفَعَةُ نَصِيبِهِ الْمَقْصُودِ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ (وَلَوْ بِضَمِّ شَيْءٍ مِنْ خَارِجٍ يَمْلِكُهُ أَوْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَمْلِكَهُ عَلَى نَحْوِ مَا) فَحِينَئِذٍ يُجْبَرُ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ الطَّالِبُ هُوَ الْمُسْتَضِرُّ فَمُتَعَنِّتٌ مُضَيِّعٌ لِمَالِهِ لاَ يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ وَلاَ يُجَابُ إِلَى سَفَهِهِ وَقَدْ عَرَفْنَا مَا فِيهِ عِنْدَ تَقْرِيرِ كَلاَمِ الْحَنَفِيَّةِ (ف 13).
الرَّابِعُ: الضَّرَرُ الْوَاصِلُ إِلَى الْمُمْتَنِعِ: عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ لِلْحَنَفِيَّةِ فِي تَوْجِيهِهِ (ف 13)، وَمَالَ إِلَيْهِ ابْنُ قُدَامَةَ قِيَاسًا عَلَى مَا لاَ ضَرَرَ فِيهِ، لِرِضَا الطَّالِبِ بِضَرَرِهِ فَيَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ .
تَقْسِيمُ الْقِسْمَةِ بِاعْتِبَارِ وَحْدَةِ الْمَحَلِّ وَتَعَدُّدِهِ:
24 - وَهِيَ بِهَذَا الاِعْتِبَارِ قِسْمَانِ: عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ قِسْمَةُ جَمْعٍ وَقِسْمَةُ تَفْرِيقٍ، وَيَتَبَيَّنُ ذَلِكَ بِمَا يَلِي:
أ - قِسْمَةُ الْجَمْعِ: هِيَ قِسْمَةُ الْمُتَعَدِّدِ قِسْمَةَ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ، فَإِنْ كَانَ مُتَسَاوِيَ الأَْفْرَادِ وَأَجْزَائِهَا لَمْ يَحْتَجْ إِلاَّ إِلَى إِفْرَازِ كُلِّ نَصِيبٍ عَلَى حِدَةٍ، دُونَ حَاجَةٍ إِلَى تَقْوِيمٍ، مِثَالُ ذَلِكَ: كَمِّيَّةٌ مِنَ الأْحْجَارِ الْمُتَسَاوِيَةِ الْقَوَالِبِ وَالصَّنْعَةِ بَيْنَ ثَلاَثَةٍ بِالتَّسَاوِي، لاَ تَحْتَاجُ قِسْمَتُهَا إِلاَّ إِلَى عَدِّ ثُلُثٍ مِنْهَا لِهَذَا، ثُمَّ ثُلُثٌ لِذَاكَ، ثُمَّ يَكُونُ الْبَاقِي لِلثَّالِثِ، نَظِيرُ مَا لَوْ كَانَ الْمُشْتَرَكُ ثَوْبًا وَاحِدًا مِنَ الْقُمَاشِ (بِالْمَعْنَى الْمُتَدَاوَلِ الآْنَ، أَيْ ذَرْعًا مُعَيَّنًا مِنْ نَسِيجٍ مُعَيَّنٍ) بَيْنَهُمْ عَلَى التَّسَاوِي، فَإِنَّ قِسْمَتَهُ لاَ تَتَطَلَّبُ إِلاَّ أَنْ يُقَاسَ ثُلُثُ الثَّوْبِ لِهَذَا، ثُمَّ ثُلُثٌ لِذَاكَ، ثُمَّ يَكُونُ لِلثَّالِثِ الْبَاقِي .
وَإِنْ كَانَ بَيْنَ بَعْضِ أَفْرَادِ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ وَبَعْضٍ تَفَاوُتٌ بِحَيْثُ لاَ يُمْكِنُ تَعْدِيلُ الأْنْصِبَاءِ فِيهِ إِلاَّ بِالتَّقْوِيمِ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ فِي أَنْوَاعِ الْعَقَارِ وَالْحَيَوَانِ، وَكَمَا هِيَ طَبِيعَةُ الأْشْيَاءِ فِي الأْجْنَاسِ الْمُتَعَدِّدَةِ كَدَارٍ وَمَنْقُولاَتِهَا، وَضَيْعَةٍ وَمُحْتَوَيَاتِهَا، فَإِنَّهُ أَيْضًا يُعْتَبَرُ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ مُتَفَاوِتِ الأْجْزَاءِ لاَ تَتَعَدَّلُ الأْنْصِبَاءُ فِيهِ إِلاَّ بِتَقْوِيمِهِ، كَقِطْعَةِ أَرْضٍ زِرَاعِيَّةٍ تَخْتَلِفُ أَجْزَاؤُهَا فِي دَرَجَةِ الْخِصْبِ فَيُقَوَّمُ عِنْدَ التَّشَاحِّ وَيُصِيبُ كُلَّ شَرِيكٍ مِنْ أَفْرَادِ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ مَا يُسَاوِي نَصِيبَهُ مِنَ الْقِيمَةِ كُلِّهَا، فَالَّذِي نَصِيبُهُ الثُّلُثُ مِنْ مَالٍ قِيمَتُهُ أَلْفٌ وَمِائَتَانِ يَأْخُذُ مِنْهُ مَا يُسَاوِي أَرْبَعَمِائَةٍ. (ر: ف \ 12 وَمَا بَعْدَهَا).
ب - قِسْمَةُ التَّفْرِيقِ: وَتُسَمَّى قِسْمَةَ الْفَرْدِ أَيْضًا، وَهِيَ قِسْمَةُ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ نَفْسِهِ - كَمَا مَثَّلْنَاهُ آنِفًا فِي التَّنْظِيرِ لِقِسْمَةِ الْجَمْعِ - أَوِ الأْشْيَاءِ الْمُتَعَدِّدَةِ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَةٍ .
وَالْفُقَهَاءُ فِي سَائِرِ مَذَاهِبِ الْفِقْهِ لاَ يُبْرِزُونَ هَذَا التَّقْسِيمَ (إِلَى قِسْمَةِ جَمْعٍ وَقِسْمَةِ تَفْرِيقٍ) إِبْرَازَ الْحَنَفِيَّةِ، وَلَكِنَّهُ يَجِيءُ فِي ثَنَايَا كَلاَمِهِمْ.
مُقَوِّمَاتُ الْقِسْمَةِ:
25 - إِذَا كَانَتِ الْقِسْمَةُ هِيَ تَمْيِيزُ الأْنْصِبَاءِ لِمُسْتَحِقِّيهَا فَإِنَّهَا لِكَيْ تَتَحَقَّقَ لاَ بُدَّ لَهَا مِنَ الْمُقَوِّمَاتِ التَّالِيَةِ:
أ - الْفَاعِلُ الَّذِي يَتَوَلَّى الْقِسْمَةَ، وَهُوَ الْقَاسِمُ.
ب - الْمُسْتَحِقُّونَ، أَوِ الْمَقْسُومُ لَهُ.
ج - الْمَالُ الْمُشْتَرَكُ الَّذِي تُمَيَّزُ حِصَصُهُ، وَهُوَ الْمَقْسُومُ.
وَبَيَانُهَا فِيمَا يَلِي:
أ - الْقَاسِمُ:
26 - لاَ يُمْكِنُ أَنْ تَتَحَقَّقَ قِسْمَةٌ بِدُونِ قَاسِمٍ، إِلاَّ أَنَّ هَذَا الْقَاسِمَ قَدْ يَكُونُ هُوَ الشُّرَكَاءَ أَنْفُسَهُمْ، إِنْ كَانُوا كُمَّلاً، أَوْ أَوْلِيَاءَهُمْ إِنْ كَانُوا قَاصِرِينَ، وَقَدْ يَكُونُ أَجْنَبِيًّا يُوَلُّونَهُ الْقِسْمَةَ بَيْنَهُمْ، دُونَ لُجُوءٍ إِلَى الْقَضَاءِ، وَقَدْ يَكُونُ الْقَاضِي إِذَا طَلَبَ مِنْهُ الْقِسْمَةَ وَاحِدٌ مِنَ الشُّرَكَاءِ أَوْ أَكْثَرُ فَيَتَوَلاَّهَا بِنَفْسِهِ، أَوْ يَنْصِبُ مَنْ يَتَوَلاَّهَا نِيَابَةً عَنْهُ.
شَرَائِطُ الْقَاسِمِ:
27 - اتَّفَقَ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى اشْتِرَاطِ الْعَقْلِ وَالْمِلْكِ أَوِ الْوِلاَيَةِ فِي الْقَاسِمِ، وَاخْتَلَفُوا فِي اشْتِرَاطِ الإْسْلاَمِ وَالْعَدَالَةِ وَالْحُرِّيَّةِ فَأَوْجَبَهَا الْقُدُورِيُّ وَالْمِرْغِينَانِيُّ وَاسْتَحَبَّهَا الْكَاسَانِيُّ، وَلاَ خِلاَفَ عِنْدَهُمْ فِي هَذَا بَيْنَ قَاسِمِ الْحَاكِمِ وَقَاسِمِ الشُّرَكَاءِ، أَمَّا سَائِرُ فُقَهَاءِ الْمَذَاهِبِ فَيُفَرِّقُونَ بَيْنَ قَاسِمِ الْحَاكِمِ وَقَاسِمِ الشُّرَكَاءِ، فَقَاسِمُ الْحَاكِمِ لاَ بُدَّ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الشَّرَائِطِ:
الشَّرِيطَةُ الأْولَى: الْعَدَالَةُ:
28 - تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ، لِيُؤْمَنَ الْجَوْرُ فِي إِيصَالِ الْحُقُوقِ إِلَى أَرْبَابِهَا، فَإِنَّ قِسْمَتَهُ لاَزِمَةٌ لِلْمُقْتَسِمِينَ، لاَ خِيَارَ لَهُمْ فِي قَبُولِهَا وَرَفْضِهَا، وَمِنْ ثَمَّ فَإِنَّ وِلاَيَةَ الْقِسْمَةِ مِنْ قَبِيلِ الْوِلاَيَاتِ الْوَاجِبَةِ الطَّاعَةِ، وَغَيْرُ الْعَدْلِ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا، قِيَاسًا عَلَى الْحَاكِمِ نَفْسِهِ
وَهَذِهِ الشَّرِيطَةُ اتَّفَقَ عَلَيْهَا الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ .
الشَّرِيطَةُ الثَّانِيَةُ: الْحُرِّيَّةُ:
29 - تُشْتَرَطُ الْحُرِّيَّةُ؛ لأِنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوِلاَيَاتِ، وَبِهَذِهِ الشَّرِيطَةِ يَأْخُذُ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ، دُونَ الْحَنَابِلَةِ .
الشَّرِيطَةُ الثَّالِثَةُ: الذُّكُورَةُ:
30 - انْفَرَدَ الشَّافِعِيَّةُ بِاعْتِبَارِ هَذِهِ الشَّرِيطَةِ؛ لأِنَّ الْمَرْأَةَ عِنْدَهُمْ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْوِلاَيَاتِ، وَهَذِهِ خِلاَفِيَّةٌ مَشْهُورَةٌ فَقَالُوا: يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ قَاسِمُ الْحَاكِمِ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَاتِ كُلِّهَا: فَلاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا، ذَكَرًا، حُرًّا، مُسْلِمًا، عَدْلاً، ضَابِطًا (لاَ مُغَفَّلاً) سَمِيعًا بَصِيرًا، نَاطِقًا؛ لأِنَّ كُلَّ الْمُتَّصِفِينَ بِأَضْدَادِ هَذِهِ الصِّفَاتِ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْوِلاَيَاتِ، وَمِنْ ثَمَّ أَيْضًا مَنَعُوا أَنْ يَكُونَ الأْصْلُ - مِنْ أَبٍ أَوْ جَدٍّ مَهْمَا عَلاَ - قَاسِمَ حَاكِمٍ لِفَرْعِهِ مَهْمَا نَزَلَ، كَالْوَلَدِ وَوَلَدِ الْوَلَدِ، وَكَذَلِكَ عَكْسُهُ، أَيْ أَنَّهُمْ مَنَعُوا أَنْ يَكُونَ الْفَرْعُ قَاسِمَ حَاكِمٍ لأِصْلِهِ .
الشَّرِيطَةُ الرَّابِعَةُ: عِلْمُهُ بِالْقِسْمَةِ:
31 - الْمُرَادُ بِالْعِلْمِ: أَنْ تَتَوَفَّرَ لَهُ الآْلَةُ اللاَّزِمَةُ لِلْقِيَامِ بِعَمَلِ الْقَاسِمِ كَمَعْرِفَةِ الْحِسَابِ، وَالْمِسَاحَةِ إِنْ نُصِبَ قَاسِمًا عَامًّا؛ لأِنَّهُ لاَ بُدَّ مُحْتَاجٌ ذَلِكَ أَوْ قَاسِمًا لِمَا لَمْ تُمْكِنْ قِسْمَتُهُ دُونَ هَذِهِ الْمَعْرِفَةِ، نَصَّ عَلَى هَذِهِ الشَّرِيطَةِ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَقَدْ نَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّ مَعْرِفَةَ التَّقْوِيمِ مِمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْعِلْمُ بِالْقِسْمَةِ حَيْثُمَا احْتِيجَ إِلَيْهِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الْبُلْقِينِيُّ مِنْ خِلاَفٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَإِنِ اعْتَمَدَ أَكْثَرُهُمْ أَنَّهَا لَيْسَتْ كَذَلِكَ؛ لأِنَّهُ يَسْتَطِيعُ الاِسْتِعَانَةَ بِأَهْلِ الْخِبْرَةِ فِي التَّقْوِيمِ إِنِ احْتَاجَهُ، وَعِنْدَ ذَاكَ يَعْتَمِدُ مِنْهُمْ شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ، غَايَةُ مَا هُنَاكَ أَنَّهُ يُفَضَّلُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِالتَّقْوِيمِ أَيْضًا، أَمَّا قَاسِمٌ لاَ يَعْرِفُ حِسَابًا وَلاَ مِسَاحَةً، فَكَقَاضٍ لاَ يَعْرِفُ الْفِقْهَ، أَوْ كَاتِبٍ لاَ يَعْرِفُ الْخَطَّ .
الشَّرِيطَةُ الْخَامِسَةُ: تَعَدُّدُ الْقَاسِمِ حِينَ تَكُونُ ثَمَّ حَاجَةٌ إِلَى التَّقْوِيمِ:
32 - جَزَمَ الشَّافِعِيَّةُ بِتَعَدُّدِ الْقَاسِمِ إِذَا كَانَ هُوَ الْمُقَوِّمَ، وَاعْتَمَدَهُ الْحَنَابِلَةُ، وَخَالَفَ بَعْضُهُمْ، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: لاَ يَكْفِي الْمُقَوِّمُ الْوَاحِدُ بَلْ لاَ بُدَّ مِنِ اثْنَيْنِ حَيْثُ كَانَ يَتَرَتَّبُ عَلَى التَّقْوِيمِ حَدٌّ أَوْ غُرْمٌ كَتَقْوِيمِ الْمَسْرُوقِ وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ، وَالْمَغْصُوبِ وَالْمُتْلَفِ إِذَا وُصِفَ لَهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْقَاسِمِ وَالْمُقَوِّمِ: أَنَّ الْقَاسِمَ نَائِبٌ عَنِ الْحَاكِمِ فَاكْتُفِيَ فِيهِ بِالْوَاحِدِ، وَالْمُقَوِّمُ كَالشَّاهِدِ عَلَى الْقِيمَةِ فَتُرَجَّحُ فِيهِ جَانِبُ الشَّهَادَةِ، وَإِذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى التَّقْوِيمِ حَدٌّ أَوْ غُرْمٌ كَفَى وَاحِدٌ .
وَإِذَا جُعِلَ الْقَاسِمُ حَاكِمًا فِي التَّقْوِيمِ، كَمَا جُعِلَ حَاكِمًا فِي الْقِسْمَةِ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ لَهُ - فِيمَا قَرَّرَهُ الشَّافِعِيَّةُ - أَنْ يَحْكُمَ بِعِلْمِهِ مِنْ حَيْثُ الْقِيمَةُ، فَيَكُونُ قَدْ قَسَمَ وَقَوَّمَ وَهُوَ وَاحِدٌ .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ إِلَى أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْقِسْمَةِ تَقْوِيمٌ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ قَاسِمَانِ اثْنَانِ مِنْ جِهَةِ الْحَاكِمِ، بِنَاءً عَلَى الْمَرْجُوحِ أَنَّهُ شَاهِدٌ لاَ حَاكِمٌ.
وَلَيْسَ الْخَرْصُ (تَقْدِيرُ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ عَلَى الشَّجَرِ) إِذَا احْتِيجَ إِلَيْهِ، مِنْ قَبِيلِ التَّقْوِيمِ؛ لأِنَّ التَّقْوِيمَ إِخْبَارٌ يَحْتَمِلُ الْكَذِبَ، وَالْخَرْصُ إِنْشَاءُ حُكْمٍ عَنِ اجْتِهَادٍ كَمَا يَفْعَلُ الْقَاضِي، فَيَكْفِي مَعَ الْحَاجَةِ إِلَى الْخَرْصِ قَاسِمٌ وَاحِدٌ، كَمَا اكْتَفَوْا بِخَارِصٍ وَاحِدٍ فِي الزَّكَاةِ، وَإِنْ قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: إِنَّ الْقِيَاسَ قَاسِمَانِ اعْتِبَارًا بِالتَّقْوِيمِ؛ لأِنَّ الْخَارِصَ يَجْتَهِدُ وَيُعْمَلُ بِاجْتِهَادِهِ، فَكَانَ كَالْحَاكِمِ وَالْمُقَوِّمِ يُخْبِرُ بِقِيمَةِ الشَّيْءِ فَهُوَ كَالشَّاهِدِ .
33 - وَقَاسِمُ الشُّرَكَاءِ الَّذِي هُوَ فِي حَقِيقَةِ الأْمْرِ مُجَرَّدُ وَكِيلٍ عَنْهُمْ، قَدْ يُعْفِيهِ وَضْعُهُ هَذَا مِنْ أَكْثَرِ شَرَائِطِ قَاسِمِ الْحَاكِمِ، فَإِنَّ الشَّافِعِيَّةَ يَنُصُّونَ عَلَى أَنَّهُ - إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الشُّرَكَاءِ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ - لاَ يُشْتَرَطُ فِيهِ سِوَى التَّكْلِيفِ، حَتَّى لَيَجُوزَ أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً، أَوْ فَاسِقًا، أَوْ ذِمِّيًّا، وَلاَ يَشْتَرِطُ أَحَدٌ تَعَدُّدَهُ فَإِذَا كَانَ فِي الشُّرَكَاءِ مَحْجُورٌ اشْتُرِطَتْ فِي قَاسِمِهِمْ أَيْضًا شَرَائِطُ قَاسِمِ الْحَاكِمِ، نَظَرًا وَحِيطَةً.
وَيَكْتَفِي الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِالضَّمَانِ الَّذِي فِي أَيْدِي الشُّرَكَاءِ بِالنِّسْبَةِ لِقَاسِمِهِمْ هَذَا، أَيْ أَنَّ لَهُمُ الْحَقَّ فِي رَفْضِ قِسْمَتِهِ إِذَا لَمْ تَرُقْهُمْ، فَلاَ يَشْتَرِطُونَ لِصِحَّتِهَا وَلُزُومِهَا إِلاَّ تَرَاضِيهِمْ، وَلَوْ كَانَ هَذَا الْقَاسِمُ لاَ يَعْرِفُ الْقِسْمَةَ وَظَاهِرٌ أَنَّ وَلِيَّ الْمَحْجُورِ وَوَكِيلَ الْغَائِبِ يَنُوبَانِ مَنَابَهُمَا.
وَيَنُصُّ الشَّافِعِيَّةُ هُنَا عَلَى دَقِيقَةٍ، وَهِيَ أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ قَاسِمٌ شَرِيكًا وَوَكِيلاً لِسَائِرِ الشُّرَكَاءِ أَوْ لِبَعْضٍ مِنْهُمْ، كَأَنْ يَقُولُوا كُلُّهُمْ لَهُ: أَنْتَ وَكِيلٌ عَنَّا فَاقْسِمْ كَمَا تَرَى، وَافْرِزْ لِنَفْسِكَ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا نَصِيبَهُ، أَوْ يَكُونُوا أَرْبَعَةً، فَيُوَكِّلُ اثْنَانِ مِنْهُمُ الاِثْنَيْنِ الآْخَرَيْنِ فِي الْقِسْمَةِ، بِحَيْثُ يَكُونُ أَحَدُهُمَا وَكِيلاً عَنْ وَاحِدٍ وَالآْخَرُ عَنِ الآْخَرِ، وَالسِّرُّ فِي هَذَا أَنَّ عَلَى الْوَكِيلِ أَنْ يَحْتَاطَ لِمُوَكِّلِهِ، وَهَذَا مَا لاَ يَسْتَطِيعُهُ الْوَكِيلُ هُنَا، لأِنَّهُ يَتَنَاقَضُ مَعَ احْتِيَاطِهِ لِنَفْسِهِ الَّذِي هُوَ أَمْرٌ غَرِيزِيٌّ مَرْكُوزٌ فِي الْفِطَرِ.
نَعَمْ إِذَا وَقَعَ التَّوْكِيلُ بِحَيْثُ لاَ يُؤَدِّي إِلَى هَذَا التَّنَاقُضِ، فَلاَ بَأْسَ، وَذَلِكَ كَمَا إِذَا آثَرَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ أَنْ يَبْقَى هُوَ وَآخَرُ شَرِيكَيْنِ بِنَصِيبِهِمَا بَعْدَ انْفِصَالِ الآْخَرَيْنِ، فَيُوَكِّلُهُ فِي الْقِسْمَةِ عَلَى أَنْ يَكُونَ نَصِيبَاهُمَا جُزْءًا وَاحِدًا، فَإِنَّ الْوَكِيلَ حِينَئِذٍ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَحْتَاطَ لِنَفْسِهِ وَلِمُوَكِّلِهِ، بِلاَ أَدْنَى تَعَارُضٍ .
أُجْرَةُ الْقَاسِمِ:
مَنْ تَكُونُ عَلَيْهِ أُجْرَةُ الْقَاسِمِ؟
34 - الْقَاسِمُ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَبَرِّعًا فَلاَ بُدَّ لَهُ مِنْ أُجْرَةٍ، وَلَوْ كَانَ هُوَ الْقَاضِي نَفْسُهُ كَمَا سَيَجِيءُ.
وَأُجْرَتُهُ إِنْ كَانَ قَاسِمَ الشُّرَكَاءِ عَلَى الشُّرَكَاءِ؛ لأِنَّ نَفْعَ الْقِسْمَةِ يَخُصُّهُمْ، وَإِنْ كَانَ قَاسِمَ الْقَاضِي، فَالأْفْضَلُ أَنْ تَكُونَ أُجْرَتُهُ فِي خِزَانَةِ الدَّوْلَةِ (بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ) لأِنَّ هَذَا أَرْفَقُ بِالنَّاسِ، بَلْ مَطْلُوبٌ مِنَ الْقَاضِي - عَلَى سَبِيلِ النَّدْبِ وَالاِسْتِحْبَابِ - أَنْ يَتَّخِذَ قَاسِمًا عَامًّا، بِصِفَةٍ دَائِمَةٍ، لَهُ رِزْقٌ جَارٍ كَسَائِرِ عُمَّالِ الدَّوْلَةِ، يَكُونُ مُعَدًّا لِلْقِيَامِ بِالْقِسْمَةِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ عِنْدَ طَلَبِهَا دُونَ تَقَاضِي أَجْرٍ مِنْهُمْ؛ لأِنَّ هَذِهِ مَنْفَعَةٌ عَامَّةٌ، مِنْ جِنْسِ عَمَلِ الْقَاضِي - إِذْ هِيَ أَيْضًا لِقَطْعِ الْمُنَازَعَاتِ - فَيَكُونُ مُقَابِلُهَا فِي الْمَالِ الْعَامِّ كَرِزْقِ الْقَاضِي نَفْسِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجْعَلْ أُجْرَتَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ - لأِمْرٍ مَا - فَإِنَّ أُجْرَتَهُ تَكُونُ عَلَى الْمُتَقَاسِمِينَ لأِنَّ النَّفْعَ وَاصِلٌ إِلَيْهِمْ، لَكِنْ يُقَدِّرُهَا الْقَاضِي بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ لِئَلاَّ يَتَحَكَّمَ الْقَاسِمُ وَيَشْتَطَّ، وَمَعَ ذَلِكَ لاَ يَلْزَمُهُمْ بِالْقَاسِمِ الَّذِي يَنْصِبُهُ، بَلْ يَدَعُ لَهُمُ الْخِيَارَ، فَإِنْ شَاءُوا قَسَمَ لَهُمْ، وَإِنْ شَاءُوا اسْتَأْجَرُوا غَيْرَهُ، وَلاَ سَبِيلَ إِلَى إِجْبَارِهِمْ عَلَى تَوْكِيلِ قَاسِمٍ بِعَيْنِهِ، كَمَا أَنَّهُ لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ لاَ يَدَعُ الْقَسَّامِينَ، يَعْمَلُونَ فِي شَرِكَةٍ مَعًا؛ لِئَلاَّ يَتَوَاطَئُوا، وَيَزِيدُوا فِي الأْجْرَةِ .
وَاتِّخَاذُ الْقَاسِمِ الدَّائِمِ يَظَلُّ مَنْدُوبًا إِلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُقَرَّرْ لَهُ أُجْرَةٌ فِي بَيْتِ الْمَالِ؛ لأِنَّ الْقَاضِيَ أَعْرَفُ بِمَنْ يَصْلُحُ لِهَذَا الْغَرَضِ؛ وَلأِنَّ قَاسِمَ الْقَاضِي أَعَمُّ نَفْعًا، إِذْ تَنْفُذُ قِسْمَتُهُ عَلَى الْمَحْجُورِ وَالْغَائِبِ، بِخِلاَفِ قِسْمَةِ غَيْرِهِ .
ثُمَّ الْقِسْمَةُ تُشْبِهُ الْقَضَاءَ؛ لأِنَّهَا تَدْخُلُ فِي وِلاَيَةِ الْقَاضِي، وَيُلْزَمُ بِهَا الآْبِي، وَلَكِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْهُ عَلَى التَّحْقِيقِ، وَلِذَا لاَ تَجِبُ عَلَى الْقَاضِي مُبَاشَرَتُهَا بِنَفْسِهِ، فَمِنْ أَجْلِ كَوْنِهَا لَيْسَتْ قَضَاءً، إِذَا تَوَلاَّهَا الْقَاضِي يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أُجْرَتَهَا مِنَ الْمُتَقَاسِمِينَ، وَلَكِنْ لِمَكَانِ شَبَهِهَا بِالْقَضَاءِ يَكُونُ الأْوْلَى لَهُ أَنْ لاَ يَأْخُذَ .
هَكَذَا قَرَّرَ الْحَنَفِيَّةُ، وَلاَ يُخَالِفُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ فِي أَنَّ أُجْرَةَ قَاسِمِ الشُّرَكَاءِ عَلَى الشُّرَكَاءِ، وَلاَ فِي أَنَّ نَصْبَ الْحَاكِمِ قَاسِمًا لِيَقْسِمَ بَيْنَ النَّاسِ مِنَ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ، بَلْ ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي وُجُوبُهُ وَكُلُّهُمْ يَنْقُلُونَ أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه كَانَ لَهُ قَاسِمٌ عَامٌّ مِنْ عُمَّالِهِ الدَّائِمِينَ، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ اسْمَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى، وَأَنَّهُ كَانَ يَرْزُقُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ .
لَكِنَّ الشَّافِعِيَّةَ يَنُصُّونَ عَلَى أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَجْرِ عَلَيْهِ رِزْقُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِعَدَمِ كِفَايَةِ بَيْتِ الْمَالِ فَإِنَّ هَذَا قَدْ يُفْسِدُ الْمَقْصُودَ مِنْ نَصْبِهِ؛ لأِنَّهُ إِذَنْ مَظِنَّةُ أَنْ يُغَالِيَ فِي الأْجْرَةِ، وَيَقْبَلَ الرِّشْوَةَ، وَيَجُورَ فِي الْقِسْمَةِ، فَحِينَئِذٍ لاَ يُعَيِّنُ قَاسِمًا، وَيَدَعُ النَّاسَ يَسْتَأْجِرُونَ أَوْ يَسْتَعِينُونَ بِمَنْ شَاءُوا، بَلْ مِنْهُمْ مَنْ مَنَعَ حِينَئِذٍ هَذَا التَّعْيِينَ، وَقَضَى بِحُرْمَتِهِ .
وَيُوجَدُ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ مَنْ يَكْرَهُ أَخْذَ الأْجْرَةِ عَلَى الْقِسْمَةِ أَيًّا كَانَتْ، وَهَذَا مِمَّا يُرْوَى عَنْ أَحْمَدَ، وَعَلَيْهِ ابْنُ حَبِيبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَجَرَى عَلَيْهِ الدَّرْدِيرُ؛ لأِنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَكَارِمِ الأْخْلاَقِ وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُدَوَّنَةِ. إِذْ تَقُولُ: كَانَ خَارِجَةُ وَرَبِيعَةُ يَقْسِمَانِ بِلاَ أَجْرٍ؛ لأِنَّ مَا كَانَ مِنْ بَابِ الْعِلْمِ لاَ يُؤْخَذُ عَلَيْهِ أَجْرٌ، وَيَقُولُ ابْنُ عُيَيْنَةَ: لاَ تَأْخُذْ عَلَى الْخَيْرِ أَجْرًا .
لَكِنَّ الْمَالِكِيَّةَ وَالْحَنَابِلَةَ - وِفَاقًا لِغَيْرِهِمْ - لَمْ يَعْتَدُّوا بِهَذَا الْخِلاَفِ وَاعْتَمَدُوا الْجَوَازَ بِإِطْلاَقٍ، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الأْجْرَةُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَمْ عَلَى الشُّرَكَاءِ - إِلاَّ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ يُقَيِّدُونَهُمْ بِالرُّشَدَاءِ، وَيَكْرَهُونَ أَخْذَ الأْجْرَةِ مِنْ غَيْرِهِمْ، لَكِنْ لاَ تُبَاحُ الأْجْرَةُ لِلْقَاسِمِ إِلاَّ نَظِيرُ تَوَلِّي الْقِسْمَةِ - أَمَّا أَنْ يَأْخُذَ الأْجْرَةَ مِنَ الْمُتَقَاسِمِينَ بِحُكْمِ مَنْصِبِهِ، دُونَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الَّذِي قَسَمَ بَيْنَهُمْ، فَهَذَا هُوَ السُّحْتُ الَّذِي لاَ شَكَّ فِيهِ، وَلَوْ كَانَ بِفَرْضٍ مِنَ الْقَاضِي أَوِ الإْمَامِ .
كَيْفِيَّةُ تَوْزِيعِ الأْجْرَةِ:
35 - إِذَا كَانَتِ الأْجْرَةُ عَلَى الْمُتَقَاسِمِينَ لِسَبَبٍ مَا كَإِضَاعَةٍ مِنْ أُولِي الأْمْرِ، أَوْ عَوَزٍ فِي بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ رَغْبَةٍ مِنَ الْمُتَقَاسِمِينَ عَنْ قَاسِمِ الدَّوْلَةِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي كَيْفِيَّةِ تَوْزِيعِهِ عَلَى الشُّرَكَاءِ عَلَى النَّحْوِ التَّالِي:
الأْوَّلُ: أَنَّهَا تُقْسَمُ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ: وَعَلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ - دُونَ صَاحِبَيْهِ - وَجَمَاهِيرُ الْمَالِكِيَّةِ، وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ، وَهَؤُلاَءِ يَحْتَجُّونَ بِأَنَّ الأْجْرَةَ فِي مُقَابَلَةِ الْعَمَلِ، وَعَمَلُ الْقَاسِمِ بِالنِّسْبَةِ لِجَمِيعِ الْمُتَقَاسِمِينَ سَوَاءٌ، إِذْ هُوَ تَمْيِيزُ الأْنْصِبَاءِ، وَمَا ذَاكَ إِلاَّ شَيْءٌ وَاحِدٌ لاَ يَقْبَلُ التَّفَاوُتَ، فَتَمْيِيزُ الْقَلِيلِ مِنَ الْكَثِيرِ هُوَ بِعَيْنِهِ تَمْيِيزُ الْكَثِيرِ مِنَ الْقَلِيلِ، وَإِذَا لَمْ يَتَفَاوَتِ الْعَمَلُ لَمْ تَتَفَاوَتِ الأْجْرَةُ، أَمَّا الْوَسَائِلُ الْمُوصِلَةُ إِلَى هَذَا التَّمْيِيزِ، كَالْمِسَاحَةِ وَمَا تَتَطَلَّبُهُ مِنْ جَهْدٍ، وَالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ، فَهَذَا شَيْءٌ آخَرُ غَيْرُ الْقِسْمَةِ، وَلَيْسَتْ أُجْرَةُ الْقِسْمَةِ مِنْ أَجْلِهِ، وَلِذَا لَوِ اسْتَعَانَ فِيهِ بِالْمُتَقَاسَمِينَ أَنْفُسِهِمْ لاَسْتَحَقَّ أُجْرَتَهُ عَلَى الْقِسْمَةِ كَامِلَةً وَضَبْطُ الأُجْرَةِ بِمِقْدَارِ الأْنْصِبَاءِ غَيْرُ مُمْكِنٍ، إِذْ لَيْسَ النَّصِيبُ الْكَبِيرُ دَائِمًا أَصْعَبَ حِسَابًا وَلاَ النَّصِيبُ الْيَسِيرُ دَائِمًا أَيْسَرَ، فَلاَ يُمْكِنُ ضَبْطُهَا إِلاَّ بِأَصْلِ التَّمْيِيزِ .
وَالثَّانِي: أَنَّهَا تُقْسَمُ بِمِقْدَارِ الأْنْصِبَاءِ: وَعَلَيْهِ الصَّاحِبَانِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَأَصْبَغُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَعَلَيْهِ عَمَلُ الْمَغَارِبَةِ أَخِيرًا وَأَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ مُعْتَمَدُهُمْ وَعَلَيْهِ مُعَوَّلُهُمْ، وَهَؤُلاَءِ يَتَعَلَّقُونَ بِأَنَّ أُجْرَةَ الْقِسْمَةِ مِنْ مُؤَنِ الْمِلْكِ، فَتُقَدَّرُ بِقَدْرِهِ، كَالنَّفَقَةِ عَلَى الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ مِنْ نَحْوِ إِطْعَامِ بَهَائِمَ وَحَفْرِ بِئْرٍ أَوْ قَنَاةٍ، وَحَرْثِ أَرْضٍ أَوْ رَيِّهَا، وَكَيْلِ حَبٍّ مُشْتَرًى أَوْ وَزْنِهِ .
36 - أ - حِينَ يُقَالُ تَكُونُ الأْجْرَةُ بِمِقْدَارِ الأْنْصِبَاءِ يُمْكِنُ التَّسَاؤُلُ: أَهِيَ الأْنْصِبَاءُ الأْصْلِ يَّةُ فِي الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ أَمِ الأْنْصِبَاءُ الْمَأْخُوذَةُ نَتِيجَةً لِلْقِسْمَةِ؟ مَثَلاً: حِينَ يَكُونُ لأِحَدِ الشَّرِيكَيْنِ نِصْفُ الأْرْضِ الْمُشْتَرَكَةِ، لَكِنَّهُ يَأْخُذُ بِالْقِسْمَةِ ثُلُثَهَا فَحَسْبُ؛ لأِنَّهُ أَجْوَدُ، هَلْ يَكُونُ عَلَيْهِ نِصْفُ أُجْرَةِ الْقِسْمَةِ أَمْ ثُلُثُهَا؟
قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: الأْجْرَةُ تُوَزَّعُ عَلَى الْحِصَصِ الْمَأْخُوذَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ لأِنَّهَا مِنْ مُؤَنِ الْمِلْكِ كَنَفَقَةِ الْحَيَوَانِ الْمُشْتَرَكِ .
ب - إِذَا اتَّفَقَ الْمُتَقَاسِمُونَ عَلَى تَحَمُّلِ الأْجْرَةِ بِنِسْبَةِ مُخَالَفَةٍ لِقَدْرِ أَنْصِبَائِهِمْ، وَشَرَطُوا ذَلِكَ عَلَى الْقَاسِمِ فَهَلْ هُوَ شَرْطٌ مُعْتَبَرٌ أَمْ لاَغٍ؟.
قَطَعَ الشَّافِعِيَّةُ بِاعْتِبَارِهِ؛ لأِنَّهُ أَجِيرُهُمْ فَلاَ يَسْتَحِقُّ فِي إِجَارَةٍ صَحِيحَةٍ إِلاَّ مَا وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ، وَوَافَقَهُمْ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ، لَكِنَّهُمْ لأِمْرٍ مَا اعْتَمَدُوا بُطْلاَنَ الشَّرْطِ كَمَا قَرَّرَهُ الشَّافِعِيَّةُ فِي تَوْزِيعِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ حِينَ تَكُونُ الإْجَارَةُ فَاسِدَةً .
- ج - إِذَا أَتَمَّ الْقَاسِمُ الْقِسْمَةَ، دُونَ أَنْ تُذْكَرَ أُجْرَةٌ، فَلاَ أُجْرَةَ لَهُ، قِيَاسًا عَلَى الْقَصَّارِ يُدْفَعُ إِلَيْهِ الثَّوْبُ لِيَقْصِرَهُ، وَلاَ تُسَمَّى أُجْرَةٌ، اللَّهُمَّ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ قَدْ قَامَ بِالْقِسْمَةِ بِتَوْجِيهٍ مِنَ الإْمَامِ أَوِ الْقَاضِي فَحِينَئِذٍ تَكُونُ لَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ.
هَكَذَا قَرَّرَهُ أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ وَهُمْ مُنَازَعُونَ فِي ذَلِكَ تَأْصِيلاً وَتَفْرِيعًا حَتَّى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَنْفُسِهِمْ، وَحَسْبُكَ بِخِلاَفِ مِثْلِ الْمُزَنِيِّ وَابْنِ سُرَيْجٍ، ثُمَّ هَذَا الْبُجَيْرِمِيُّ مِنْ أَوَاخِرِ مُتَأَخِّرِيهِمْ يُقَرِّرُ أَنَّ الْقَاسِمَ يَسْتَحِقُّ الأْجْرَةَ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ لَهُ الطَّالِبُ شَيْئًا، وَيَقُولُ: إِنَّهُ مُسْتَثْنًى مِمَّنْ عَمِلَ عَمَلاً بِغَيْرِ أُجْرَةٍ .
د - كَيْفِيَّةُ اسْتِئْجَارِ الْمُتَقَاسِمِينَ مَنْ يَقْسِمُ بَيْنَهُمْ، هِيَ أَنْ يَسْتَأْجِرُوهُ كُلُّهُمْ - وَلَوْ بِوَاسِطَةِ وَكِيلٍ عَنْهُمْ، بِعَقْدٍ وَاحِدٍ - وَمِنْهُ مَا لَوِ اسْتَأْجَرَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَرَضِيَ سَائِرُهُمْ، أَوْ أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ كُلُّ وَاحِدٍ بِعَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ لِتَعْيِينِ نَصِيبِهِ لِقَاءَ أَجْرٍ مَعْلُومٍ، هَكَذَا قَرَّرَهُ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، إِلاَّ أَنَّ مُتَأَخِّرِي الشَّافِعِيَّةِ لَمْ يَرْتَضُوا إِطْلاَقَ الشَّافِعِيِّ تَصْحِيحَ الصُّورَةِ الأْخِيرَةِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ إِنَّمَا يَعْقِدُ لِنَفْسِهِ فَلاَ حَاجَةَ إِلَى رِضَاءِ غَيْرِهِ، وَقَيَّدُوهُ بِرِضَاءِ الْبَاقِينَ؛ لأِنَّ كُلَّ عَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ يَقْتَضِي التَّصَرُّفَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ.
وَقَدْ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ بِمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ فَإِذَا لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ، وَإِنَّمَا اسْتَأْجَرَهُ بَعْضُهُمْ، فَالإْجَارَةُ قَاصِرَةٌ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ، وَالأْجْرَةُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ .
هـ - أُجْرَةُ الْخَبِيرِ الْمُقَوِّمِ، حِينَ يَحْتَاجُ إِلَى التَّقْوِيمِ، وَأُجْرَةُ كَاتِبِ الْوَثِيقَةِ، عَلَى مَا أَسْلَفْنَاهُ مِنَ الْخِلاَفِ فِي أُجْرَةِ الْقَاسِمِ: فَمِنْ قَائِلٍ عَلَى عَدَدِ الرُّءُوسِ وَمِنْ قَائِلٍ عَلَى قَدْرِ الأْنْصِبَاءِ .
37 - وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَنْ يَتَحَمَّلُ أُجْرَةَ الْقَاسِمِ إِذَا طَلَبَهَا بَعْضُ الشُّرَكَاءِ فَعِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ تَكُونُ عَلَى مَنْ طَلَبَهَا وَمَنْ لَمْ يَطْلُبْهَا؛ لأِنَّ مَنْفَعَةَ الاِسْتِقْلاَلِ بِالْمِلْكِ حَاصِلَةٌ بِكُلِّ قِسْمَةٍ وَعَمَلُ الأَْجِيرِ فِيهَا وَاقِعٌ لِكُلِّ مُتَقَاسِمٍ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهَا تَكُونُ عَلَى الطَّالِبِ لأِنَّ الآْبِيَ مُسْتَضِرٌّ بِالْقِسْمَةِ .
ب - الْمَقْسُومُ لَهُ:
38 - قَالَ الْكَاسَانِيُّ: يُشْتَرَطُ فِي الْمَقْسُومِ لَهُ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ:
الأْوَّلُ: أَنْ لاَ يَلْحَقَهُ ضَرَرٌ فِي أَحَدِ نَوْعَيِ الْقِسْمَةِ وَهِيَ قِسْمَةُ التَّفْرِيقِ جَبْرًا.
الثَّانِي: الرِّضَا فِي أَحَدِ نَوْعَيِ الْقِسْمَةِ وَهُوَ رِضَا الشُّرَكَاءِ فِيمَا يَقْسِمُونَهُ بِأَنْفُسِهِمْ إِذَا كَانُوا مِنْ أَهْلِ الرِّضَا، أَوْ رِضَا مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُمْ إِذَا لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الرِّضَا.
الثَّالِثُ: حُضُورُ الشُّرَكَاءِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُمْ فِي نَوْعَيِ الْقِسْمَةِ، الْجَبْرِ وَالرِّضَا.
الرَّابِعُ: الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمِلْكِ فِي قِسْمَةِ الْقَضَاءِ .
ج - الْمَقْسُومُ:
39 - سَبَقَ بَيَانُ بَعْضِ الشُّرُوطِ الْخَاصَّةِ بِالْمَقْسُومِ وَهِيَ:
- اتِّحَادُ الْجِنْسِ.
- اتِّحَادُ الصِّنْفِ فِي قِسْمَةِ الْمَنْقُولاَتِ.
- زَوَالُ الْعُلْقَةِ بِالْقِسْمَةِ.
- أَنْ لاَ تُنْقِصُ الْقِسْمَةُ قِيمَةَ الْمَقْسُومِ.
- تَعَذُّرُ إِفْرَادِ كُلِّ صِنْفٍ بِالْقِسْمَةِ.
وَكُلُّهَا فِي قِسْمَةِ الإْجْبَارِ ، وَإِنْ شِئْتَ فَقُلْ: الْقِسْمَةُ الْقَضَائِيَّةُ الإْجْبَارِيَّةُ.
40 - وَهُنَاكَ شُرُوطٌ أُخْرَى بَيَانُهَا فِيمَا يَأْتِي:
الأْوَّلُ: أَنْ يَكُونَ الْمَالُ الْمُشْتَرَكُ عَيْنًا أَوْ مَنْفَعَةً:
فَلاَ تَصِحُّ قِسْمَةُ الدَّيْنِ، اتَّحَدَ أَوْ تَعَدَّدَ، تَرَاضِيًا وَلاَ إِجْبَارًا، وَهَذِهِ الشَّرِيطَةُ ذَكَرَهَا الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَخَالَفَهُمْ فِي اعْتِبَارِهَا الْحَنَابِلَةُ فَجَوَّزُوا قِسْمَةَ الدَّيْنِ بِإِطْلاَقٍ، وَكَذَلِكَ الْمَالِكِيَّةُ، إِلاَّ أَنَّهُمْ إِنَّمَا يُجَوِّزُونَ قِسْمَةَ الدَّيْنِ الْوَاحِدِ تَرَاضِيًا لاَ إِجْبَارًا؛ لأِنَّهُ لاَ تُتَصَوَّرُ فِيهِ الْقُرْعَةُ .
الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمَالُ الْمُشْتَرَكُ قَابِلاً لِلْقِسْمَةِ:
وَهَذِهِ الشَّرِيطَةُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا بَيْنَ الَّذِينَ يَشْتَرِطُونَ انْتِفَاءَ الضَّرَرِ فِي قِسْمَةِ الإْجْبَارِ ، وَقَدْ عَرَفْنَاهُمْ فِيمَا سَلَفَ فَإِنَّ انْتِفَاءَ الضَّرَرِ فِي الْقِسْمَةِ هُوَ مَعْنَى قَابِلِيَّةِ مَحَلِّهَا لَهَا، إِلاَّ أَنَّهُ يَنْبَغِي التَّنَبُّهُ هُنَا إِلَى أَنَّ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ مَنْ يَقْصُرُ هَذِهِ الشَّرِيطَةَ عَلَى قِسْمَةِ الإْجْبَارِ ، وَلاَ يَرَى بَأْسًا مِنْ حَيْثُ الصِّحَّةُ بِتَرَاضِي الشُّرَكَاءِ عَلَى أَيَّةِ قِسْمَةٍ ضَارَّةٍ، وَهَؤُلاَءِ هُمُ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى كَلاَمٍ لِبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ - وَمِنْهُمْ مَنْ يُعَمِّمُهَا فِي قِسْمَتَيِ الإْجْبَارِ وَالتَّرَاضِي، إِذَا بَلَغَ الضَّرَرُ حَدَّ الْفَسَادِ، أَعْنِي بُطْلاَنَ الْمَنْفَعَةِ بُطْلاَنًا تَامًّا أَوْ مَا هُوَ بِسَبِيلٍ مِنْ ذَلِكَ، كَمَا فِي قِسْمَةِ خَاتَمٍ خَسِيسٍ، وَهَؤُلاَءِ هُمُ الْمَالِكِيَّةُ، فَالْخِيَارُ عِنْدَهُمْ فِي حَالَةِ الْفَسَادِ بَيْنَ أَمْرَيْنِ لاَ ثَالِثَ لَهُمَا: إِمَّا الإْبْقَاءُ عَلَى الشَّرِكَةِ أَوِ الْبَيْعِ، وَفِي حَالَةِ الضَّرَرِ الأْقَلِّ بَيْنَ هَذَيْنِ وَثَالِثٍ هُوَ قِسْمَةُ التَّرَاضِي .
الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْمَقْسُومُ مَمْلُوكًا لِلشُّرَكَاءِ عِنْدَ الْقِسْمَةِ:
هَذِهِ شَرِيطَةٌ عَامَّةٌ فِي كُلِّ قِسْمَةٍ لاَ تَخُصُّ نَوْعًا دُونَ نَوْعٍ، وَقِسْمَةُ وَلِيِّ الْمَحْجُورِ لَيْسَتْ لَهُ بَلْ لِلْمَحْجُورِ نَفْسِهِ وَهُوَ الْمَالِكُ، فَالْفُضُولِيُّ الَّذِي لاَ مِلْكَ لَهُ وَلاَ وِلاَيَةَ لاَ نَفَاذَ لِقِسْمَتِهِ حَتَّى يُجِيزَهَا الْمَالِكُ الصَّحِيحُ التَّصَرُّفِ أَوْ مَنْ يَنُوبُ عَنْهُ نِيَابَةً شَرْعِيَّةً صَحِيحَةً فَالْقِسْمَةُ تَقْبَلُ الإْجَازَةَ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ قَسَمَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ فِي غَيْبَةِ الْبَاقِينَ وَأَخَذَ قِسْطَهُ فَلَمَّا عَلِمُوا قَرَّرُوهُ صَحَّتْ لَكِنْ مِنْ حِينِ التَّقْرِيرِ .
وَيَقُولُ الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّ الَّذِي لاَ يَحْضُرُ الْقِسْمَةَ مِنَ الشُّرَكَاءِ ثُمَّ لاَ يُغَيِّرُهَا (لاَ يُنْكِرُهَا) عَنْ قُرْبٍ بَعْدَ عِلْمِهِ بِهَا تَلْزَمُهُ، وَيَكُونُ هَذَا الرَّيْثُ إِقْرَارًا لَهَا .
قِسْمَةُ الأْعْيَانِ :
41 - الأْعْيَانُ جَمْعُ عَيْنٍ، وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا مَا قَابَلَ الدَّيْنَ وَالْمَنْفَعَةَ، أَمَّا الدَّيْنُ فَقَدْ عَلِمْنَا الْخِلاَفَ فِي قِسْمَتِهِ (ر: ف 40)، وَأَمَّا الْمَنْفَعَةُ فَسَيَأْتِي بَحْثُ قِسْمَتِهَا، إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَالأْعْيَانُ تَنْقَسِمُ إِلَى عَقَارٍ وَمَنْقُولٍ: فَالْعَقَارُ: هُوَ الأْرْضُ ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ زِرَاعِيَّةً أَمْ غَيْرَ زِرَاعِيَّةٍ، وَالْمَنْقُولُ: مَا عَدَاهَا كَالثِّيَابِ وَالأْوَانِي وَالْحَيَوَانِ وَالْمَزْرُوعَاتِ، وَقَدْ نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْبِنَاءَ وَالشَّجَرَ يَتْبَعَانِ الأْرْضَ فِي الْقِسْمَةِ، وَالأْرْضُ لاَ تَتْبَعُهُمَا فَمَنْ وَقَعَ فِي نَصِيبِهِ مِنْ قِسْمَةِ الأْرْضِ شَيْءٌ مِنْهُمَا فَهُوَ لَهُ، بِخِلاَفِ الْعَكْسِ وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ .
وَهَذَا خِلاَفُ مَا عَلَيْهِ الْمَالِكِيَّةُ مِنِ اعْتِبَارِ كُلٍّ مِنَ الأْرْضِ وَالْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ عَقَارًا، قَالَ الْخَرَشِيُّ: الْعَقَارُ هُوَ الأْرْضُ وَمَا اتَّصَلَ بِهَا مِنْ بِنَاءٍ أَوْ شَجَرٍ .
ثُمَّ كُلٌّ مِنَ الْعَقَارِ وَالْمَنْقُولِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا لاَ تَفَاوُتَ بَيْنَ أَجْزَائِهِ وَهُوَ الْمُتَشَابِهُ، أَوْ يَكُونُ بَيْنَهَا تَفَاوُتٌ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ بَيَانٍ (ر: ف9).
تَنَوُّعُ قِسْمَةِ الْعَقَارِ:
42 - قِسْمَةُ الْعَقَارِ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ إِفْرَازًا أَوْ تَعْدِيلاً أَوْ رَدًّا، كَمَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ جَمْعًا أَوْ تَفْرِيقًا، وَجَبْرًا أَوْ تَرَاضِيًا، ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ، وَقَدْ يَكُونُ فِي مَحَالٍّ مُتَعَدِّدَةٍ:
فَفِي الْمَحَلِّ الْوَاحِدِ: قِطْعَةُ الأْرْضِ الْمُتَشَابِهَةِ الأْجْزَاءِ بِلاَ أَدْنَى تَفَاوُتٍ كَالَّتِي تَخْلُو مِنَ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ وَهِيَ دَرَجَةٌ سَوَاءٌ مِنْ جَوْدَةِ التُّرْبَةِ أَوْ رَدَاءَتِهَا لاَ تَحْتَاجُ قِسْمَتُهَا إِلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَرْعِهَا وَمَعْرِفَةِ مِسَاحَتِهَا، حَتَّى عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ مُتَأَخِّرُوهُمْ وَإِنْ كَانَ الأْكْثَرُونَ عَلَى أَنَّ التَّعْدِيلَ فِي غَيْرِ الْمِثْلِيَّاتِ لاَ يُمْكِنُ إِلاَّ بِالْقِيمَةِ، ثُمَّ تَمْيِيزُهَا أَنْصِبَاءً مُتَسَاوِيَةً، إِذَا تَسَاوَتْ حُقُوقُ الْمُتَقَاسِمِينَ، أَوْ سِهَامًا مُتَسَاوِيَةً بِقَدْرِ النَّصِيبِ الأْقَلِّ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الْقِسْمَةِ بِالأْجْزَاءِ أَوْ قِسْمَةِ الإْفْرَازِ .
وَهَكَذَا يُمْكِنُ أَنْ تُقْسَمَ إِفْرَازًا أَيْضًا إِذَا كَانَ فِي كُلِّ جَانِبٍ مِنْ جَوَانِبِهَا مِنَ الْبِنَاءِ أَوِ الشَّجَرِ مِثْلُ مَا فِي الآْخَرِ بِحَيْثُ يُعْرَفُ تَسَاوِي الأْنْصِبَاءِ مِنْ غَيْرِ تَقْوِيمٍ.
فَإِذَا تَفَاوَتَ الْبِنَاءُ أَوِ الشَّجَرُ، أَوْ تَفَاوَتَتْ جَوْدَةُ الأْرْضِ وَرَدَاءَتُهَا فَلاَ يُمْكِنُ تَعْدِيلُ الأْنْصِبَاءِ وَتَسْوِيَةُ السِّهَامِ إِلاَّ بِوَاسِطَةِ التَّقْوِيمِ، وَإِذَنْ تَكُونُ الْقِسْمَةُ قِسْمَةَ تَعْدِيلٍ، بَلْ قَدْ يَحُوجُ الأْمْرُ إِلَى الاِسْتِعَانَةِ بِعِوَضٍ مِنْ خَارِجِ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ (مُعَدِّلٍ)، يَدْفَعُهُ وَاحِدٌ مِنَ الْمُتَقَاسِمِينَ أَوْ أَكْثَرُ لِيَتَعَادَلَ نَصِيبُهُ مَعَ سَائِرِ الأْنْصِبَاءِ ، وَقَدْ يَتَّفِقُ الْمُتَقَاسِمُونَ عَلَى ذَلِكَ دُونَ مُلْجِئٍ، وَإِذَنْ تَكُونُ الْقِسْمَةُ قِسْمَةَ رَدٍّ.
وَهِيَ عَلَى كُلِّ حَالٍّ قِسْمَةُ تَفْرِيقٍ لأِنَّ الْفَرْضَ اتِّحَادُ الْمَحَلِّ، وَقَدْ سَلَفَ بَيَانُ طَرِيقَةِ مَنْ يَمْنَعُ الإْجْبَارَ عَلَى قِسْمَةِ الرَّدِّ إِلاَّ ضَرُورَةً أَوْ بِلاَ اسْتِثْنَاءٍ، وَيَقْبَلُهُ فِي قِسْمَةِ الإْفْرَازِ وَفِي قِسْمَةِ التَّعْدِيلِ بِشَرَائِطَ خَاصَّةٍ، وَطَرِيقَةُ مَنْ يَقْبَلُ الإْجْبَارَ بِكُلِّ حَالٍ، أَوْ يَمْنَعُهُ بِكُلِّ حَالٍ.
إِلاَّ أَنَّهُ حَيْثُ يَكُونُ فِي الأْرْضِ بِنَاءٌ، فَإِنَّ الْحَنَفِيَّةَ يَقُولُونَ: لاَ بُدَّ لِكَيْ يَعْدِلَ الْمَقْسُومُ عَلَى سِهَامِ الْقِسْمَةِ مِنْ شَيْئَيْنِ:
التَّوَصُّلُ إِلَى مَعْرِفَةِ الْمِسَاحَةِ.
وَتَقْوِيمُ الْبِنَاءِ .
وَلَكِنَّ مُتَأَخِّرِيهِمْ يُفَسِّرُونَ ذَلِكَ بِأَنَّ مَعْنَاهُ: أَنْ يُقَاسَ وَيُقَوَّمَ كُلٌّ مِنَ الأْرْضِ وَالْبِنَاءِ؛ لأِنَّ تَعْدِيلَ سِهَامِ الْمَقْسُومِ يَحْتَاجُ إِلَى مَعْرِفَةِ مَالِيَّتِهِ، وَلَوْ أَخِيرًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الأْرْضِ، وَمَعْرِفَةُ هَذِهِ الْمَالِيَّةِ تَتَوَقَّفُ عَلَى مَعْرِفَةِ مِسَاحَةِ وَقِيمَةِ كُلٍّ مِنَ الأْرْضِ وَالْبِنَاءِ .
وَفِي الْمَحَالِّ الْمُتَعَدِّدَةِ كَالدُّورِ وَالأْرَاضِي وَالْبَسَاتِينِ: يُمْكِنُ أَنْ تُجْمَعَ هَذِهِ كُلُّهَا فِي قِسْمَةٍ وَاحِدَةٍ، اتَّحَدَ نَوْعُهَا أَمِ اخْتَلَفَ - عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي بَيَانِ اتِّحَادِ النَّوْعِ وَاخْتِلاَفِهِ - وَتُعَدَّلُ الأْنْصِبَاءُ بِالْقِيمَةِ، فَتَكُونُ الْقِسْمَةُ قِسْمَةَ جَمْعٍ، إِلاَّ أَنَّ هَذَا لاَ يَكُونُ إِلاَّ فِي قِسْمَةِ التَّرَاضِي عِنْدَمَا يَخْتَلِفُ النَّوْعُ أَوِ الْجِنْسُ، كَتَرِكَةٍ بَعْضُهَا دُورٌ وَبَعْضُهَا أَرَاضٍ زِرَاعِيَّةٌ مُعْتَادَةٌ وَبَعْضُهَا حَدَائِقُ، أَوْ كُلُّهَا حَدَائِقُ، لَكِنَّ بَعْضَ الْحَدَائِقِ كُرُومٌ وَبَعْضُهَا رُمَّانٌ أَوْ بُرْتُقَالٌ أَوْ تُفَّاحٌ أَوْ مَا شَاكَلَ ذَلِكَ.
أَمَّا عِنْدَ اتِّحَادِ النَّوْعِ، فَإِنَّ الْقِسْمَةَ - وَهِيَ قِسْمَةُ جَمْعٍ لِتَعَدُّدِ الْمَحَلِّ - تَقْبَلُ الإْجْبَارَ ، عَلَى خِلاَفَاتٍ فِي التَّفَاصِيلِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ، كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ يَعْكِسُ الْقَضِيَّةَ فَيُجْبِرُ عَلَى قِسْمَةِ الأْجْنَاسِ وَالأْنْوَاعِ الْمُخْتَلِفَةِ قِسْمَةَ جَمْعٍ إِذَا طَلَبَهَا أَحَدُ الشُّرَكَاءِ، وَلاَ يُجِيزُ التَّفْرِيقَ إِلاَّ بِاتِّفَاقِهِمْ.
كَيْفِيَّةُ قِسْمَةِ الْعَقَارِ:
43 - يُمْكِنُ أَنْ تَقَعَ الْقِسْمَةُ بِقُرْعَةٍ، وَأَنْ تَقَعَ بِدُونِهَا، سَوَاءٌ أَكَانَتْ قِسْمَةَ تَرَاضٍ أَمْ إِجْبَارٍ؛ لأِنَّ تَعْيِينَ الْقَاسِمِ الْمُجْبِرِ لِكُلِّ نَصِيبٍ عَلَى حِدَةٍ كَافٍ كَمَا سَيَجِيءُ إِلاَّ أَنَّ اسْتِعْمَالَ الْقُرْعَةِ سُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ اتِّقَاءً لِلتُّهْمَةِ، إِلاَّ أَنْ يُصِرَّ الْمُتَقَاسِمُونَ عَلَيْهَا، فَقَدْ نَصَّ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى وُجُوبِهَا حِينَئِذٍ نَعَمْ. لاَ إِجْبَارَ فِي غَيْرِ الْمِثْلِيِّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إِلاَّ بِقُرْعَةٍ وَفِي كَلاَمِ بَعْضِ الْحَنَابِلَةِ مَا يُشِيرُ إِلَيْهِ كَقَوْلِ صَاحِبِ الشَّرْحِ الْكَبِيرِ فِي قِسْمَةِ عَرْضِ الْجِدَارِ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ لاَ يُجْبَرَ؛ لأِنَّهُ لاَ تَدْخُلُهُ الْقُرْعَةُ، خَوْفًا مِنْ أَنْ يَحْصُلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يَلِي مِلْكَ الآْخَرِ بَلْ هُوَ صَرِيحُ مَذْهَبِهِمْ، كَمَا نَصُّوا عَلَيْهِ .
كَمَا أَنَّ تَرَاضِيَ الْمُتَقَاسِمِينَ عَلَى تَوْزِيعِ الأْنْصِبَاءِ بَيْنَهُمْ بِكَيْفِيَّةٍ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَتِمَّ بِدُونِ أَنْ يَسْتَعِينُوا بِقُرْعَةٍ، بَلْ دُونَ تَعْدِيلٍ أَوْ تَقْوِيمٍ أَصْلاً مَا دَامَ الْمَحَلُّ لَيْسَ رِبَوِيًّا، بَلْ وَإِنْ كَانَ رِبَوِيًّا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقِسْمَةَ مَحْضُ تَمْيِيزِ حُقُوقٍ بَلْ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَبِنَاءً عَلَى أَنَّهَا بَيْعٌ إِذَا دَخَلاَ عَلَى التَّفَاضُلِ الْبَيِّنِ كَفَدَّانِ فَاكِهَةٍ فِي نَظِيرِ فَدَّانَيْنِ، لِخُرُوجِهَا حِينَئِذٍ مِنْ بَابِ الْبَيْعِ الْمَبْنِيِّ عَلَى الْمَهَارَةِ التِّجَارِيَّةِ وَمُحَاوِلَةِ الْغَلَبِ مِنْ كِلاَ الْجَانِبَيْنِ إِلَى بَابِ الْمَنِيحَةِ وَالتَّطَوُّلِ .
لَكِنَّ الْمَالِكِيَّةَ يَشْتَرِطُونَ لِجَوَازِ الْقُرْعَةِ شَرَائِطَ مُعَيَّنَةً:
الأْوَّلُ: أَنْ تَكُونَ فِيمَا تَمَاثَلَ أَوْ تَجَانَسَ، لِيَقِلَّ الْغُرُورُ.
الثَّانِي: أَنْ لاَ تَكُونَ فِي مِثْلِيٍّ مُتَّحِدِ الصِّفَةِ أَيْ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ أَوْ مَعْدُودٍ .
الثَّالِثُ: أَنْ لاَ يُجْمَعَ فِيهَا بَيْنَ نَصِيبَيْنِ، إِذْ لاَ ضَرُورَةَ .
وَيُوَافِقُهُمُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِي الشَّرِيطَةِ الثَّانِيَةِ.
الْقِسْمَةُ بِالْقُرْعَةِ:
44 - الْقُرْعَةُ مَشْرُوعَةٌ فِي الْقِسْمَةِ بِلاَ خِلاَفٍ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي مَشْرُوعِيَّتِهَا فِي غَيْرِ الْقِسْمَةِ، وَالْحَنَفِيَّةُ مَعَ الْمُنَازِعِينَ فِي مَشْرُوعِيَّتِهَا إِلاَّ فِي الْقِسْمَةِ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهَا، وَهُمْ يَقُولُونَ فِي ذَلِكَ: إِنَّهَا قِمَارٌ لِتَعْلِيقِ الاِسْتِحْقَاقِ عَلَى خُرُوجِهَا، لَكِنَّ هَذَا الْمَعْنَى مُنْتَفٍ فِي الْقِسْمَةِ؛ لأِنَّ الْقَاسِمَ الْمُجْبِرَ لَوْ عَيَّنَ لِكُلِّ وَاحِدٍ نَصِيبَهُ دُونَ قُرْعَةٍ لَكَفَى، إِذْ هُوَ فِي مَعْنَى الْقَضَاءِ، لَكِنْ رُبَّمَا يُتَّهَمُ بِالْمُحَابَاةِ، فَيَلْجَأُ إِلَى الْقُرْعَةِ لِئَلاَّ تَبْقَى رِيبَةٌ، وَلِذَا جَرَى الْعَمَلُ بِهَا مُنْذُ عَهْدِ النَّبِيِّ صلوات الله عليه حَتَّى يَوْمِ النَّاسِ هَذَا، فَهِيَ سُنَّةٌ عَمَلِيَّةٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا .
وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (قُرْعَة).
قِسْمَةُ الْمَنْقُولِ الْمُتَشَابِهِ:
وَأَصْلُهُ الْمِثْلِيُّ الْمُتَّحِدُ الصِّفَةِ، ثُمَّ أُلْحِقَ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنَ الْقِيَمِيِّ الَّذِي لاَ تَخْتَلِفُ الأْنْصِبَاءُ فِيهِ صُورَةً وَقِيمَةً كَبَعْضِ الثِّيَابِ وَالْحَيَوَانِ:
45 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ فِي الْجُمْلَةِ فِي الْمِثْلِيِّ الْمُتَّحِدِ الصِّفَةِ - عَلَى خِلاَفٍ بَيْنَهُمْ فِي مَعْنَى الْمِثْلِيِّ - عَلَى أَنَّ قِسْمَتَهُ لاَ تَحْتَاجُ إِلَى تَقْوِيمٍ، وَإِنَّمَا هِيَ مُجَرَّدُ إِفْرَازٍ بِطَرِيقِ الْكَيْلِ أَوِ الْوَزْنِ إِلَخْ، فَلاَ تَعْدِيلَ وَلاَ رَدَّ، إِلاَّ أَنَّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ - فِيمَا يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُلُ كَالَّذِي لاَ يُدَّخَرُ مِثْلُ الْفَاكِهَةِ - طَرِيقَةٌ أُخْرَى بِجَوَازِ قِسْمَتِهِ بِطَرِيقِ التَّحَرِّي وَالْخَرْصِ، إِمَّا مُطْلَقًا، وَإِمَّا إِذَا كَانَ مِنْ قَبِيلِ الْمَوْزُونِ لاَ غَيْرُ، بَلْ جَوَّزَ ابْنُ الْقَاسِمِ قِسْمَةَ التَّحَرِّي فِيمَا يَمْتَنِعُ تَفَاضُلُهُ بِشَرْطَيْنِ: - أَنْ يَكُونَ قَلِيلاً. - مَوْزُونًا كَاللَّحْمِ وَالْخُبْزِ .
ثُمَّ قَدْ تَكُونُ الْقِسْمَةُ تَرَاضِيًا، وَقَدْ تَكُونُ إِجْبَارًا، إِذْ لاَ يُمْنَعُ الإْجْبَارُ هُنَا حَيْثُ لاَ ضَرَرَ إِلاَّ مُطْلِقُو مَنْعِهِ كَأَبِي ثَوْرٍ فِي بَعْضِ مَا يُرْوَى عَنْهُ، وَقَدْ تَكُونُ جَمْعًا، كَمَا فِي قِسْمَةِ كَمِّيَّةٍ مِنَ الْحُبُوبِ كَالْقَمْحِ أَوِ الشَّعِيرِ، وَقَدْ تَكُونُ تَفْرِيقًا كَالسَّبِيكَةِ مِنْ ذَهَبٍ تُقْسَمُ وَزْنًا.
أَمَّا مَا أُلْحِقَ بِالْمِثْلِيِّ فَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ هُمُ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ قِسْمَتَهُ كَقِسْمَةِ الْمِثْلِيِّ فِي كُلِّ مَا تَقَدَّمَ.
أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ وَجَمَاهِيرُ قُدَمَاءِ الْمَالِكِيَّةِ فَعَلَى التَّقْوِيمِ فِي كُلِّ مُتَقَوَّمٍ وَعَلَى هَذَا فَقِسْمَتُهُ قِسْمَةَ تَعْدِيلٍ، وَالْمَفْرُوضُ أَنْ لاَ حَاجَةَ فِيهِ إِلَى رَدٍّ.
ثُمَّ قَدْ تَكُونُ قِسْمَةَ إِجْبَارٍ حَيْثُ لاَ ضَرَرَ وَقَدْ تَكُونُ تَرَاضِيًا، وَعِنْدَ التَّرَاضِي يَجُوزُ التَّفَاضُلُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ بَيَانٍ (ر: ف 43)، وَقَدْ تَكُونُ جَمْعًا، كَمَا فِي قِسْمَةِ عَدَدٍ مِنَ الأَْغْنَامِ أَوِ الأَْبْقَارِ الْمُتَشَابِهَةِ، وَقَدْ تَكُونُ تَفْرِيقًا، كَمَا فِي قِسْمَةِ بِنَاءٍ مُتَّصِلٍ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ مَعَ تَشَابُهِ أَجْزَائِهِ إِذَا جَرَيْنَا عَلَى أَنَّهُ مَنْقُولٌ، كَمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ.
وَفِي كَيْفِيَّةِ قِسْمَةِ الْمَنْقُولِ الْمُتَشَابِهِ بِقُرْعَةٍ أَوْ بِدُونِهَا التَّفْصِيلُ السَّابِقُ فِي كَيْفِيَّةِ قِسْمَةِ الْعَقَارِ.
قِسْمَةُ الْمَنْقُولِ غَيْرِ الْمُتَشَابِهِ:
46 - تَتَنَوَّعُ قِسْمَةُ الْمَنْقُولِ غَيْرِ الْمُتَشَابِهِ (كَالثِّيَابِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَالأَْوَانِي الْمُخْتَلِفَةِ، وَالْحَيَوَانِ كَذَلِكَ) إِلَى أَنْوَاعٍ.
فَهُوَ لاَ يُقْسَمُ قِسْمَةَ جَمْعٍ إِلاَّ تَعْدِيلاً بِطَرِيقِ التَّقْوِيمِ، إِلاَّ عَلَى رَأْيِ مَنْ يَكْتَفِي فِي تَحَقُّقِ الْمِثْلِيَّةِ بِالتَّمَاثُلِ فِي مُعْظَمِ الصِّفَاتِ (ر: ف 43)، فَإِنَّهُ يُطَبِّقُ عِنْدَ هَذَا التَّمَاثُلِ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْمَنْقُولِ الْمُتَشَابِهِ خَاصًّا بِالْمِثْلِيِّ (ر: ف 33) وَالأْصْلُ فِيهِ أَنْ تَكُونَ قِسْمَتُهُ قِسْمَةَ تَرَاضٍ إِلاَّ أَنَّهُ قَدْ يَقْبَلُ الإْجْبَارَ فِي حَالاَتٍ خَاصَّةٍ تَخْتَلِفُ مِنْ مَذْهَبٍ إِلَى آخَرَ كَحَالَةِ اتِّحَادِ النَّوْعِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَتُقَارِبُهُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَاتِّحَادُ الصِّنْفِ وَصِنْفُ الصِّنْفِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، فِي تَفْصِيلاَتٍ عَدِيدَةٍ تَقَدَّمَ ذِكْرُ بَعْضِهَا.
وَتَكُونُ قِسْمَتُهُ قِسْمَةَ تَفْرِيقٍ إِذَا قُسِمَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَةٍ، وَقِسْمَةَ جَمْعٍ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ، وَلاَ مَانِعَ مِنْ قِسْمَةِ الرَّدِّ إِذَا تَرَاضَى عَلَيْهَا الْمُتَقَاسِمُونَ: كَأَنْ يَأْخُذَ هَذَا الثِّيَابَ، وَذَاكَ الأْوَانِيَ، وَيَدْفَعَ أَوْ يَأْخُذَ الْفَرْقَ مِنْ حَيْثُ الْقِيمَةُ، بِشَرِيطَةِ أَنْ يَكُونَ مَا يَدْفَعُ فَرْقًا (الْمُعَدِّلَ) مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ، أَوْ بِدُونِ تَقَيُّدٍ بِهَذِهِ الشَّرِيطَةِ، عَلَى الْخِلاَفِ الَّذِي سَلَفَ، لَكِنَّ قِسْمَةَ الإْفْرَازِ لاَ تُتَصَوَّرُ هُنَا إِلاَّ عِنْدَ الْمُتَوَسِّعِينَ فِي تَفْسِيرِ الْمِثْلِيَّةِ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجلة الأحكام العدلية
مادة (1121) قسمة الرضى
قسمة الرضى هي القسمة التي تجري بين المتقاسمين في الملك المشترك بالتراضي أو برضى الكل عند القاضي.
مادة (1128) قسمة التراضي
يشترط في قسمة التراضي رضى كل واحد من المتقاسمين بناء عليه إذا غاب أحدهم فلا تصح قسمة الرضى وإذا كان في جملتهم صغير فوليه أو وصيه قائم مقامه وإن لم يكن للصغير ولي ولا وصي كان موقوفا على أمر الحاكم فينصب وصي من طرف الحاكم وتصير القسمة بمعرفته.