مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء السادس، الصفحة : 138
مذكرة المشروع التمهيدي :
1- تعرض المواد 1214 - 1220 لقسمة المهايأة، ولا نظير لها في التقنين الحالى ولا في التقنيات الأجنبية، و أكثرها ليس إلا تقنيناً لما جرى عليه القضاء المصري في هذا الموضوع الهام .
2- وقسمة المهايأة قسمة انتفاع لا قسمة ملكية وهي إما أن تكون مهايأة مكانية، فيتفق الشركاء على أن يختص كل منهم بمنفعة جزء مفرز يوازي حصته الشائعة، وإما أن تكون مهيأة زمنية، بأن يتفق الشركاء على أن يتناوبوا الانتفاع بجميع المال المشترك كل منهم لمدة تتناسب مع حصته وتخضع قسمة المهايأة لأحكام الإيجار من حيث أهلية المتقاسمين وحقوقهم والتزاماتهم وجواز الاحتجاج على الغير (إلا في إثبات المدة فيجب إثباتها بالكتابة وإلا اعتبرت مدة غير محدودة ) لأن كل شريك يعد مؤجراً للشريك الأخر و مستأجراً منه.
3 - ويلاحظ في المهايأة المكانية أن مدتها لا يجوز أن تزيد على خمس سنين، وإذا لم تحدد لها مدة حسبت لسنة واحدة تمتد سنوات متوالية إذا لم يعلن الشريك شرکاءه قبل انتهاء السنة الجارية بثلاثة أشهر أنه لا يرغب في مد المدة، وتنقلب المهايأة المكانية إلى قسمة نهائية دون أثر رجعي إذا دامت خمس عشرة سنة، ما لم يتفق الشركاء مقدماً على غير ذلك. وهذا تجديد خطير في المشروع، ولكنه تجديد له ما يبرره، فإن المهايأة المكانية التي تدوم خمس عشرة سنة دون أن يرغب أحد في إنهائها هي خير قسمة نهائية يستطيع الشركاء أن يصلوا إليها، وقد وصلوا إليها فعلاً بالتجربة واطمأنوا لنتائجها، فإن كانوا يريدون غيرذلك فما عليهم إلا أن يتفقوا مقدماً على أن قسمة المهايأة لا تنقلب إلى قسمة نهائية.
4 - ولقسمة المهايأة حالتان خاصتان :
(أ) قسمة مباراة مؤقتة تسبق القسمة النهائية، إذ أجاز المشروع أن يتفق الشركاء على هذه القسمة مؤقتاً حتى تتم القسمة النهائية إذا خشي من أن تطول إجراءات هذه، فإذا لم يتفق الشركاء على قسمة المهايأة، جاز للقاضي الجزئي أن يأمر بها إذا طلب ذلك أحد الشركاء وفي هذا وضع حد للمنازعات التي تسبق القسمة النهائية.
(ب) حالة ما إذا رأى القاضي استمرار الشيوع لأن القسمة النهائية ضارة بمصالح الشركاء، وقد سبق ذكر ذلك في المادة 1202 ففي هذه الحالة يبقى الشركاء في الشيوع وللقاضي أن يأمر بناء على طلب أحد الشركاء بقسمة المهايأة بعد الاستعانة بخبير أو بدون استعانة وتبقي قسمة المهايأة هذه إلى أن تتيسر القسمة النهائية.
ويلاحظ أن قسمة المهايأة في هاتين الحالتين الخاصتين، قد تتم، لا بناء على اتفاق ما بين الشركاء جميعاً كما هو الأمر في أكثر الأحوال، بل بناء على طلب أحد الشركاء وبأمر من القاضي، إذا كان هناك من الظروف ما يبرر فرض هذه القسمة على سائر الشركاء.
1 ـ القسمة الفعلية - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - تتحقق فى صورة ما إذا تصرف أحد الملاك المشتاعين فى جزء مفرز من المال الشائع يعادل حصته ثم ينهج نهجه سائر الشركاء ويتصرف كل منهم فى جزء مفرز يعادل حصته فى المال الشائع ، فيستخلص من تصرفاتهم هذه ضمناً أنهم ارتضوا قسمة المال الشائع فيما بينهم على الوجه الذي تصرفوا على مقتضاه ، ويكون نصيب كل منهم هو الجزء المفرز الذي سبق له أن تصرف فيه . ويعتبر المتقاسم طبقاً لما تقضي به المادة 843 من القانون المدني مالكاً وحده للحصة المفرزة التي آلت إليه من وقت أن تملك فى الشيوع وأنه لم يملك غيرها فى بقية الحصص .
(الطعن رقم 11 لسنة 40 جلسة 1975/02/25 س 26 ع 1 ص 478 ق 97)
2 ـ القسمة الفعلية تتحقق فى صورة ما إذا تصرف أحد الملاك المشتاعين فى جزء مفرز من المال الشائع يعادل حصته ، ثم ينهج نهجه سائر الشركاء . و يتصرف كل منهم فى جزء مفرز يعادل حصته فى المال الشائع ، فيستخلص من تصرفاتهم هذه ضمناً أنهم إرتضوا قسمة المال الشائع فيما بينهم على الوجه الذى تصرفوا على مقتضاه ، و يكون نصيب كل منهم هو الجزء المفرز الذى سبق له أن تصرف فيه . و إذ كان الثابت من الحكم المطعون فيه أن التصرفات التى تمت بعد صدور القانون رقم 180 لسنة 1952 لم يقم بها الشركاء جميعا فى الأعيان التى كانت موقوفة ، و إنما صدرت من بعضهم دون البعض الآخر ، فإنه لا يتوافر بها حصول قسمة فعلية بين هؤلاء الشركاء .
(الطعن رقم 293 لسنة 36 جلسة 1971/01/26 س 22 ع 1 ص 132 ق 23)
تنص المادة 846 مدني على ما يأتي :
" 1 - في قسمة المهايأة يتفق الشركاء على أن يختص كل منهم بمنفعة جزء مفرز يوازي حصته في المال الشائع، متنازلاً لشركائه في مقابل ذلك عن الانتفاع بباقي الأجزاء، ولا يصح هذا الاتفاق لمدة تزيد عن خمس سنين فإذا لم تشترط لها مدة، أو انتهت المدة المتفق عليها ولم يحصل اتفاق جديد، كانت مدتها سنة واحدة، تتجدد إذا لم يعلن الشريك إلى شركائه قبل انتهاء السنة الجارية بثلاثة أشهر أنه لا يرغب في التجديد ".
" 2 - وإذا دامت هذه القسمة خمس عشرة سنة، انقلبت قسمة نهائية، ما لم يتفق الشركاء على غير ذلك . وإذا حاز الشريك على الشيوع جزءاً مفرزاً من المال الشائع مدة خمس عشرة سنة، افترض أن حيازته لهذا الجزء تستند إلى قسمة مهايأة".
وتنص المادة 847 مدني على ما يأتي :
"وتكون قسمة المهايأة أيضاً بأن يتفق الشركاء على أن يتناولوا الانتفاع بجميع المال المشترك، كل منهم لمدة تتناسب مع حصته".
وتنص المادة 848 مدني على ما يأتي :
"تخضع قسمة المهايأة، ومن حيث جواز الاحتجاج بها على الغير ومن حيث أهلية المتقاسمين وحقوقهم والتزاماتهم وطرق الإثبات، لأحكام عقد الإيجار ما دامت هذه الأحكام لا تتعارض مع طبيعة هذه القسمة".
وتنص المادة 849 مدني على ما يأتي :
" 1 - للشركاء أن يتفقوا، أثناء إجراءات القسمة النهائية، على أن يقسم المال الشائع مهايأة بينهم، وتظل هذه القسمة نافذة حتى تتم القسمة النهائية " .
" 2 - فإذا تعذر اتفاق الشركاء على قسمة المهايأة، جاز للقاضي الجزئي إذا طلب منه ذلك أحد الشركاء أن يأمر بها، بعد الاستعانة بخبير إذا اقتضى الأمر ذلك.
ويخلص من هذه النصوص أن قسمة المهايأة أما أن تكون مهايأة مكانية، أو مهايأة زمانية وسواء كانت مكانية أو زمانية، فإن أحكام عقد الإيجار كقاعدة عامة تسرى عليها وهناك مهايأة تسبق القسمة النهائية، تختص ببعض الأحكام .
المهايأة المكانية والمهايأة الزمانية : كثيراً ما يتفق الشركاء في الشيوع، تخلصا من مشاكل إدارة المال الشائع وما يحيط بهذه الإدارة من صعوبات، على قسمة المهايأة لمدة معينة فيقسمون المال بينهم قسمة منفعة لا قسمة ملك، ويختص كل منهم بجزء مفرز من المال يعادل حصته في المال الشائع وبذلك يتهيأ لكل منهم أن يجوز ما لا مفرزاً يستقل بإدارته واستغلاله والانتفاع به، فله أن يسكن الدار أو أن يؤجرها، وان يزرع الأرض على ذمته أو أن يؤجرها بالنقد أو بطريق المزارعة، وبوجه عام له أن يستغل ما اختص به مفرزاً من المال الشائع وأن ينتفع به بنفسه أو بواسطة غيره . ولا يحاسبه أحد من الشركاء على إدارته لنصيبه ولا لنصيبه ولا على الغلة والثمار التي حصل عليها، في مقابل أنه هو أيضاً لا يحاسب أحداً من الشركاء على ما يختص به هذا الشريك وهذه هي المهايأة المكانية ولا يجوز الاتفاق على هذه المهايأة لمدة تزيد على خمس سنوات، فإن زادت المدة المتفق عليها على ذلك انفضت إلى خمس ذلك أن المهايأة المكانية، وإن كانت تفرز المال من حيث المنفعة، تبقيه شائعاً من حيث الملكية فيبقى الشيوع قائماً ما دامت المهايأة المكانية، ولا يجبر شريك على البقاء في الشيوع في الملكية بموجب الاتفاق لمدة أطول من خمس سنوات كما سنرى انظر ما يلي فقرة 537 ومن ثم لم يجز الاتفاق على المهايأة المكانية لمدة تزيد عن خمس سنوات حتى لا يجبر الشريك على البقاء في الشيوع عن طريق المهايأة المكانية مدة أطول من ذلك فإذا انقضت المدة المتفق عليها، جاز تجديدها مدة ثانية فثالثة وهكذا، بشرط إلا تزيد كل مدة على خمس سنوات أما إذا لم يحصل اتفاق على المدة، أو انقضت المدة المتفق عليها ولم يحصل الاتفاق على تجديدها مدة أخرى مع استبقاء المهايأة، فإن المدة تكون سنة واحدة في الحالتين، وتتجدد سنة ثانية فثالثة وهكذا إلا إذا أعلن أحد الشركاء الآخرين أنه لا يرغب في تجديد المهايأة، ويجب أن يكون هذا الإعلان قبل انتهاء السنة الجارية بثلاثة أشهر على الأقل ويلاحظ أن قانون الإصلاح الزراعي ( م 35 ) يحتم أن تكون مدة إيجار الأراضي الزراعية لا تقل عن ثلاث سنوات، ولكن المهايأة لا تخضع لهذا الحكم فيجوز أن تكون مدتها أقل من ثلاث سنوات وقد تتجدد لسنة واحدة، وذلك لانعدام حكمة النص إذا طبق على عقد المهايأة.
والذي يقع في العمل أن المهايأة المكانية تدوم مدة طويلة، فتتجدد من مدة إلى أخرى، وكثيراً ما تدوم خمس عشرة سنة أو أكثر ومهايأة مكانية تدوم خمس عشرة سنة دون أن يرغب أحد في إنهائها، لأكبر دليل على أن هذه المهايأة هي خير قسمة للمال الشائع، ارتاح إليها الشركاء واطمأنوا إلى التعامل على أساسها لذلك استحدث التقنين المدني الجديد حكماً في هذا الصدد فنصت الفقرة الثانية من المادة 846 مدني كما رأينا على ما يأتي : " وإذا دامت هذه القسمة خمس عشرة سنة، انقلبت قسمة نهائية، ما لم يتفق الشركاء على غير ذلك وإذا حاز الشريك على الشيوع جزءاً مفرزاً من المال الشائع مدة خمس عشرة سنة، افترض أن حيازته لهذا الجزء تستند إلى قسمة مهايأة " فوضع النص بذلك قاعدتين هامتين :
( القاعدة الأولي ) أنه إذا حاز الشريك على الشيوع جزءاً مفرزاً من المال الشائع مدة خمس عشرة سنة، افترض قرضاً قابلاً لإثبات العكس وذلك تطبيقا للمادة 404 مدني التي تقضي بأن القرينة القانونية تكون قابلة لإثبات العكس ما لم يوجد نص يقضي بغير ذلك ( انظر في هذا المعنى إسماعيل غانم فقرة 92 ص عبد المنعم فرج الصدة فقرة 171 ص 258 - منصور مصطفى منصور فقرة 79 ص 198 - وانظر عكس ذلك وان هذه القرينة القانونية لا تقبل إثبات العكس محمد علي عرفة فقرة 339ص 456 ) أن حيازته لهذا الجزء قامت على أساس قسمة مهايأة سبق إبرامها بين الشركاء . وهذه القاعدة ذات طابع عملي واضع، فكثيراً ما يصعب الاهتداء بعد أن يضع الشريك يده على جزء مفرز، إلى ما يثبت سق حصول قسمة مهايأة . فذلك النص هذه الصعوبة العملية، وفرض وجود هذه القسمة، فأعفي الشريك بذلك من هذا الإثبات الشاق وواضح أن هذه القرينة القانونية لا تتناول إلا الأجزاء المفرزة التي حازها الشركاء، أما بقية المال الشائع فيبقى على الشيوع
(والقاعدة الثانية ) أنه متى حاز الشريك جزءاً مفرزاً يعادل حصته في المال الشائع مدة خمس عشرة، وكان هناك، أو افترض أن هناك، قسمة مهايأة سابقة قامت الحيازة على أساسها، فإن قسمة المهايأة تنقلب بمجرد تمام خمس عشرة سنة إلى قسمة نهائية، ما لم يتفق الشركاء مقدماً على غير ذلك وتقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في تبرير هذا الحكم ما يأتي : " وتنقلب المهايأة المكانية إلى قسمة نهائية دون أثر رجعي إذا دامت خمس عشرة سنة، ما لم يتفق الشركاء مقدماً على غير ذلك وهذا تجديد خطير في المشروع، ولكنه تجديد له ما يبرره فإن المهايأة المكانية، التي تدوم خمس عشرة سنة دون أن يرغب أحد في إنهائها، هي خير قسمة نهائية يستطيع الشركاء أن يصلوا إليها . وقد وصلوا إليها فعلاً بالتجربة واطمأنوا إلى نتائجها، فإن كانوا يريدون غير ذلك فما عليهم إلا أن يتفقوا مقدماً على أن قسمة المهايأة لا تنقلب إلى قسمة نهائية " مجموعة الأعمال التحضيرية 6 ص 139 فإذا تمت خمس عشرة سنة والمهايأة المكانية لا تزال قائمة لم يرغب أحد في إنهائها،ولم يتفق مقدماً على أنها تبقى دائماً مهايأة مكانية دون أن تنقلب إلى قسمة نهائية، فإنه بنمام هذه المدة تصبح المهايأة المكانية قسمة نهائية بحكم القانون.
وقد تكون المهايأة مهايأة زمانية (( بأن يتفق الشركاء على أن يتناوبوا الانتفاع بجميع المال المشترك كل منهم لمدة تتناسب مع حصته )) فلو كانت هناك أرض زراعية أو دار أو سيارة شائعة بين شريكين لأحدهما الثلثان وللآخر الثلث، فإنه يجوز أن يتفقا على أن يختص الأول بالأرض الزراعية أو بالدار كلها يستغلها وحده لمدة سنتين ثم يختص بها الآخر لمدة سنة وهكذا، أو أن يختص الأول بالسيارة لمدة شهرين والآخر لمدة شهر وأحد وهكذا ولم ينظم القانون مدة المهايأة الزمانية كما نظم مدة المهايأة المكانية، فتسرى القواعد العامة ومن ثم يجوز أن يتفق الشركاء على عدد من دورات التناوب في الانتفاع بالمال الشائع كما يشاءان، بشرط ألا يؤدي هذا الاتفاق إلى إجبارهم على البقاء في الشيوع مدة تزيد على خمس سنين وتنتهي المهايأة الزمانية بانتهاء مدتها، ويعين الاتفاق هذه المدة وكيف تنقضي.
ولا تنقلب المهايأة الزمانية إلى قسمة نهائية مهما طالت مدتها، ولم يورد القانون هذا الحكم الاستثنائي بالنسبة إليها، لأنه لا يمكن تطبيقه هنا كما أمكن تطبيقه على المهايأة المكانية فالمهايأة المكانية تقسم المال الشائع أجزاء مفرزة، فيهي كالقسمة النهائية إلا أنها قسمة منفعة لا قسمة ملك أما المهايأة الزمانية فتبقى المال الشائع على حالته دون إفراز وإنما تقسم زمن الانتفاع به، فهي لا تهيئ للقسمة النهائية، ومن ثم لا يمكن أن تنقلب إليها.
المهايأة التي تسبق القسمة النهائية : وهناك صورة خاصة من المهايأة تتميز بأنها إجراء يسبق القسمة النهائية فقد تبدأ إجراءات القسمة النهائية للمال الشائع وتطول أو يتوقع أن تطول هذه الإجراءات فيعمد الشركاء إلى الاتفاق فيما بينهم على القسمة المال قسمة مهايأة وفي الغالب تكون المهايأة مكانية، على أن تبقى هذه المهايأة نافذة البيان تتم القسمة النهائية بل يصح، حتى تعذر اتفاق الشركاء على المهايأة، أن يطلبها أحدهم من القاضي الجزئي الذي تجري أمامه إجراءات القسمة النهائية، فيأمر القاضي بها بالرغم من معارضة الشركاء الآخرين وقد يستعين القاضي بخبير في إجراء هذه المهايأة، ويغلب أن يكون هو نفس الخبير الذي يستعين به في إجراء القسمة النهائية.
ونرى من ذلك أن المهايأة المكانية التي تسبق القسمة النهائية تختلف عن المهايأة المكانية العادية في أمرين جوهريين : ( 1 ) أن الأولي لا يشترط فيها اتفاق الشركاء جميعاً فهي ليست حتماً قسمة اتفاقية، بل قد تكون قسمة قضائية إذا طلبها شريك أو أكثر دون الباقي، وعندئذ يتعين على القاضي الجزئي إجراؤها أما المهايأة العادية، فقد رأينا أنها تكون دائماً قسمة اتفاقية، لا بد فيها من اتفاق جميع الشركاء . ( 2 ) أنه ليس للمهايأة التي تسبق القسمة النهائية مدة معينة، فهي تدوم أو أكثر أما المهايأة المكانية العادية، فقد قدمنا أن مدتها لا يجوز أن تزيد على خمس سنوات قد تجدد، وأنه إذا لم تعين لها مدة كانت المدة سنة واحدة قابلة للتجديد على النحو الذي سبق أن بيناه.(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ الثامن، الصفحة/ 1073)
يجوز أن يتفق الشركاء أثناء إجراءات القسمة النهائية على أجراء قسمة مهايأة بينهم مكانية أو زمنية فتظل المهايأة نافذة إلى أن تتم إجراءات القسمة النهائية ما لم يحدد لها أجل أقصر، فإن تعذر إجماع الشركاء على المهايأة. فلأي منهم أن يطلب ذلك من المحكمة الجزئية التي تنظر دعوى القسمة ولها الاستعانة بخبير في ذلك وإذا ما قضت بها استمرت حتى يصدر حكم بالقسمة النهائية.
فإن كانت المهايأة مكانية، ثم تمت القسمة، اختص كل شريك بالقدر الذي اختص به، فإن لم يكن هو الذي يضع اليد عليه، تخلى عنه لمن اختص به وانتقلت حيازته إلى القدر الذي اختص هو به، وله الحق في حبس القدر الذي يحوزه حتى يسلم له القدر الذي اختص به.
أما إن كانت المهايأة زمنية، وكان كل شريك قد استوفى نوبته، نفذت القسمة بإعطاء كل منهم ما اختص به، أما أن وجد بعض شركاء لم يستوفوا نوباتهم، وجب تعليق حكم القسمة على استيفاء كل منهم نوبته، وبعد ذلك ينفذ الحكم، وفي هذه الحالة يجوز لمن استوفوا نوباتهم تعويض الآخرين عما فاتهم من الانتفاع بالمال، ومتى إتفق جميع الشركاء على ذلك، أمكن تنفيذ حكم القسمة.(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الحادي عشر الصفحة/ 607)
أجاز النص أن يتفق الشركاء على قسمة مهايأة مؤقتاً - غالباً ما تكون مكانية - أثناء السير في إجراءات القسمة النهائية حتى تتم هذه القسمة، وذلك لكي يضع حداً للمنازعات التي تسبق القسمة النهائية.
وهذه القسمة المؤقتة تظل نافذة حتى تتم القسمة النهائية وبصرف النظر عن المدة التي تستغرقها إجراءات هذه القسمة، فهي لا تخضع في تحديد المدة للأحكام الواردة بالمادة 846 مدنی.
وبناء على ذلك إذا استمرت إجراءات القسمة أكثر من سنة، فلا يجوز إنهاء المهايأة المؤقتة بإعلان أحد الشركاء إلى شركائه قبل انتهاء السنة الجارية بثلاثة أشهر، أنه لا يرغب في التجديد وفقاً لما تقضى به المادة 846 مدنی.
قسمة المهايأة المؤقتة بأمر القاضى :
إذا تعذر اتفاق جميع الشركاء على قسمة المهايأة حتى تتم القسمة النهائية جاز لأي من الشركاء أن يطلب من القاضي الأمر بها، ويأمر القاضي بها، إذا كان هناك من الظروف ما يبرر فرض المهايأة المؤقتة على سائر الشركاء وللقاضي أن يستعين بخبير، وغالباً ما يكون هذا الخبير هو الذي ندبه لإجراء القسمة النهائية).(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الحادي عشر الصفحة/ 798)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الخامس، الصفحة / 286
إِفْرَازٌ
التَّعْرِيفُ:
- الإْفْرَازُ فِي اللُّغَةِ: التَّنْحِيَةُ، وَهِيَ عَزْلُ شَيْءٍ عَنْ شَيْءٍ وَتَمْيِيزُهُ وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَالُ الْفُقَهَاءِ عَنْ ذَلِكَ.
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْعَزْلُ:
الْعَزْلُ يَخْتَلِفُ عَنِ الإْفْرَازِ. فِي أَنَّ الإْفْرَازَ يَكُونُ لِجُزْءٍ مِنَ الأْصْلِ، أَوْ كَالْجُزْءِ مِنْهُ فِي شِدَّةِ اخْتِلاَطِهِ بِهِ، أَمَّا الْعَزْلُ فَهُوَ التَّنْحِيَةُ، وَالشَّيْءُ الْمُنَحَّى قَدْ يَكُونُ جُزْءًا مِنَ الْمُنَحَّى عَنْهُ، وَقَدْ لاَ يَكُونُ، بَلْ قَدْ يَكُونُ خَارِجًا عَنْهُ. كَالْعَزْلِ عَنِ الزَّوْجَةِ.
ب - الْقِسْمَةُ:
- الْقِسْمَةُ قَدْ تَكُونُ بِالإْفْرَازِ وَقَدْ يُقْصَدُ بِهَا بَيَانُ الْحِصَصِ دُونَ إِفْرَازٍ، كَمَا فِي الْمُهَايَأَةِ.
الْحُكْمُ الإِجْمَالِيُّ:
- الإْفْرَازُ يَرِدُ عَلَى الأْعْيَانِ دُونَ الْمَنَافِعِ وَلِذَلِكَ لَمَّا بَيَّنَ الْفُقَهَاءُ أَنْوَاعَ الْقِسْمَةِ، قَالُوا: الْقِسْمَةُ إِمَّا أَنْ تَكُونَ قِسْمَةَ أَعْيَانٍ، أَوْ قِسْمَةَ مَنَافِعَ، وَسَمَّوْا قِسْمَةَ الْمَنَافِعِ الْمُهَايَأَةَ.
أَمَّا قِسْمَةُ الأْعْيَانِ: فَقَالُوا إِمَّا أَنْ تَكُونَ قِسْمَةَ إِفْرَازٍ، أَوْ قِسْمَةَ تَعْدِيلٍ، وَهُمْ يَعْنُونَ بِقِسْمَةِ الإْفْرَازِ: الْقِسْمَةَ الَّتِي لاَ يُحْتَاجُ فِيهَا إِلَى رَدٍّ وَلاَ تَقْوِيمٍ.
وَالْفُقَهَاءُ قَدِ اخْتَلَفُوا فِي حَقِيقَةِ الْقِسْمَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ بَيْعٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ إِفْرَازٌ، وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ إِفْرَازُ بَعْضِ الأْنْصِبَاءِ عَنْ بَعْضٍ وَمُبَادَلَةُ بَعْضٍ بِبَعْضٍ. كَمَا بَيَّنَ الْفُقَهَاءُ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْقِسْمَةِ. وَإِذَا كَانَتِ الْقِسْمَةُ فِي حَقِيقَتِهَا لاَ تَخْلُو مِنَ الإْفْرَازِ، فَإِنَّ هَذَا الإِفْرَازَ يُسْقِطُ حَقَّ الشُّفْعَةِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ الشُّفْعَةَ لاَ تُسْتَحَقُّ بِالْجِوَارِ، كَمَا بَيَّنَ الْفُقَهَاءُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الشُّفْعَةِ.
- الإْفْرَازُ وَاجِبٌ فِي الْعُقُودِ الَّتِي يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ لِلُزُومِهَا أَوْ تَمَامِهَا، وَهِيَ: الْوَقْفُ، وَالْهِبَةُ، وَالرَّهْنُ، وَالْقَرْضُ، إِذَا وَرَدَتْ عَلَى مُشَاعٍ، عَلَى خِلاَفٍ وَتَفْصِيلٍ فِي ذَلِكَ تَجِدُهُ فِي أَبْوَابِهَا مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ.
- يَجِبُ رَدُّ الْعَيْنِ الْمُسْتَحَقَّةِ الْمَخْلُوطَةِ بِغَيْرِهَا إِنْ أَمْكَنَ إِفْرَازُهَا، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ وَجَبَ رَدُّ بَدَلِهَا، كَمَا إِذَا غَصَبَ شَيْئًا فَخَلَطَهُ بِمَا يُمْكِنُ تَمْيِيزُهُ عَنْهُ، وَجَبَ إِفْرَازُهُ وَرَدُّهُ إِلَى مَنْ غَصَبَهُ مِنْهُ كَمَا فَصَّلَ ذَلِكَ الْفُقَهَاءُ فِي كِتَابِ الاِسْتِحْقَاقِ وَالْغَصْبِ.
- وَالإْفْرَازُ يَقُومُ مَقَامَ الْقَبْضِ فِي التَّبَرُّعَاتِ الَّتِي يَكُونُ الْقَصْدُ مِنْهَا تَحْقِيقَ مَثُوبَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَاَلَّتِي يَكُونُ التَّمْلِيكُ فِيهَا لِلَّهِ تَعَالَى كَالزَّكَاةِ. فَإِنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ فَعَزَلَهَا فَهَلَكَتْ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ مِنْهُ لاَ يَلْزَمُهُ إِخْرَاجُهَا مِنْ جَدِيدٍ عَلَى خِلاَفٍ وَتَفْصِيلٍ مَوْطِنُهُ بَابُ الزَّكَاةِ.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثامن والعشرون ، الصفحة / 244
الضَّمَانُ فِي عَقْدِ الْقِسْمَةِ:
42 - تَشْتَمِلُ الْقِسْمَةُ عَلَى الإْفْرَازِ وَالْمُبَادَلَةِ.
وَالإْفْرَازُ: أَخْذُ الشَّرِيكِ عَيْنَ حَقِّهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْمِثْلِيَّاتِ.
وَالْمُبَادَلَةُ: أَخْذُهُ عِوَضَ حَقِّهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي غَيْرِ الْمِثْلِيَّاتِ .
وَلِوُجُودِ وَصْفِ الْمُبَادَلَةِ فِيهَا، كَانَتْ عَقْدَ ضَمَانٍ.
وَيَدُ كُلِّ شَرِيكٍ عَلَى الْمُشْتَرَكِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، يَدُ أَمَانَةٍ، وَبَعْدَهَا يَدُ ضَمَانٍ.
وَإِذَا قَبَضَ كُلُّ شَرِيكٍ نَصِيبَهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ، مَلَكَهُ مِلْكًا مُسْتَقِلًّا، يُخَوِّلُهُ حَقَّ التَّصَرُّفِ الْمُطْلَقِ فِيهِ، وَإِذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ هَلَكَ مِنْ ضَمَانِهِ هُوَ فَقَطْ .
(انْظُرْ: قِسْمَة).
الضَّمَانُ فِي عَقْدِ الصُّلْحِ عَنِ الْمَالِ بِمَالٍ:
43 - يُعْتَبَرُ هَذَا النَّوْعُ مِنَ الصُّلْحِ بِمَثَابَةِ الْبَيْعِ، لأِنَّهُ مُبَادَلَةٌ كَالْبَيْعِ وَلِهَذَا قَالَ الْكَاسَانِيُّ: الأْصْلُ أَنَّ كُلَّ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ، يَجُوزُ الصُّلْحُ عَلَيْهِ وَمَا لاَ فَلاَ .
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: الصُّلْحُ عَلَى غَيْرِ الْمُدَّعَى (بِهِ) بَيْعٌ فَتُشْتَرَطُ فِيهِ شُرُوطَ الْبَيْعِ وَالْبَيْعُ أَبْرَزُ عُقُودِ الضَّمَانِ، فَكَذَلِكَ الصُّلْحُ عَنِ الْمَالِ بِمَالٍ.
فَإِذَا قَبَضَ الْمُصَالَحَ عَلَيْهِ، وَهُوَ بَدَلُ الصُّلْحِ، وَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُصَالِحِ، هَلَكَ مِنْ ضَمَانِهِ، كَمَا لَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ بَعْدَ قَبْضِهِ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ، فِي يَدِ الْمُشْتَرِي.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثالث والثلاثون ، الصفحة / 249
قِسْمَةُ الْمَنَافِعِ:
55 - وَتُسَمَّى قِسْمَةَ الْمُهَايَأَةِ، بِتَحْقِيقِ الْهَمْزَةِ وَتَسْهِيلِهَا، وَهِيَ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ: مُفَاعَلَةٌ مِنَ الْهَيْئَةِ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: تَهَايَأَ الْقَوْمُ تَهَايُؤًا مِنَ الْهَيْئَةِ، جَعَلُوا لِكُلِّ وَاحِدٍ هَيْئَةً مَعْلُومَةً وَالْمُرَادُ النَّوْبَةُ. وَهِيَ شَرْعًا: قِسْمَةُ الْمَنَافِعِ: لأِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ فِيهَا، إِمَّا أَنْ يَرْضَى بِهَيْئَةٍ وَاحِدَةٍ وَيَخْتَارَهَا، وَإِمَّا أَنَّ الشَّرِيكَ الثَّانِيَ يَنْتَفِعُ بِالْعَيْنِ عَلَى الْهَيْئَةِ الَّتِي وَقَعَ بِهَا انْتِفَاعُ شَرِيكِهِ الأْوَّلِ.
مَشْرُوعِيَّتُهَا:
56 - الْقِيَاسُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يَقْتَضِي امْتِنَاعَ قِسْمَةِ الْمَنَافِعِ لأِنَّهَا مُبَادَلَةُ مَنْفَعَةٍ بِجِنْسِهَا نَسِيئَةً، إِذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ يَنْتَفِعُ بِمِلْكِ شَرِيكِهِ عِوَضًا عَنِ انْتِفَاعِ شَرِيكِهِ بِمِلْكِهِ لَكِنْ تُرِكَ الْقِيَاسُ إِلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِهَا اسْتِحْسَانًا، لِمَا قَامَ مِنْ دَلاَئِلِ مَشْرُوعِيَّتِهَا إِذْ هَذِهِ الْمَشْرُوعِيَّةُ ثَابِتَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالإْجْمَاعِ وَالْمَعْقُولِ:
أَمَّا الْكِتَابُ: فَقَوْلُهُ عَزَّ اسْمُهُ - حِكَايَةً عَنْ نَبِيِّهِ صَالِحٍ يُخَاطِبُ قَوْمَهُ: (هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) إِذْ هُوَ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْمُهَايَأَةِ الزَّمَانِيَّةِ بِنَصِّهِ - بِنَاءً عَلَى أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا، مَا لَمْ يَرِدْ فِي شَرْعِنَا مَا يَنْسَخُهُ وَمَا لَمْ يُقَصَّ عَلَيْنَا مِنْ غَيْرِ إِنْكَارٍ - وَعَلَى جَوَازِ الْمُهَايَأَةِ الْمَكَانِيَّةِ بِدَلاَلَتِهِ؛ لأِنَّ هَذِهِ أَشْبَهُ مِنَ الْمُهَايَأَةِ الزَّمَانِيَّةِ بِقِسْمَةِ الأْعْيَانِ ، إِذْ كِلاَ الشَّرِيكَيْنِ يَسْتَوْفِي حَقَّهُ فِي نَفْسِ الْوَقْتِ، دُونَ تَرَاخٍ عَنْ صَاحِبِهِ .
وَأَمَّا السُّنَّةُ: فَقَدْ جَاءَ أَنَّهُمْ «كَانُوا يَوْمَ بَدْرٍ بَيْنَ ثَلاَثَةِ نَفَرٍ بَعِيرٌ يَتَهَايَئُونَ فِي رُكُوبِهِ» وَهَذِهِ مُهَايَأَةٌ زَمَانِيَّةٌ، وَالْمَكَانِيَّةُ أَوْلَى مِنْهَا بِالْجَوَازِ، كَمَا عَلِمْنَاهُ.
وَرُوِيَ «أَنَّ الرَّجُلَ الَّذِي رَغِبَ فِي خِطْبَةِ الْمَرْأَةِ الَّتِي وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ صلوات الله عليه حِينَ رَأَى إِعْرَاضَ النَّبِيِّ، عَرَضَ إِزَارَهُ مَهْرًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ سِوَاهُ، فَقَالَ صلوات الله عليه : مَا تَصْنَعُ بِإِزَارِكَ؟ إِنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ شَيْءٌ» - يُشِيرُ إِلَى أَنَّ الشَّأْنَ فِي قِسْمَةِ مَا لاَ يَنْقَسِمُ - وَلاَ يَحْتَمِلُ الاِجْتِمَاعَ عَلَى مَنْفَعَتِهِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ - أَنْ يُقْسَمَ عَلَى التَّهَايُؤِ .
وَأَمَّا الإْجْمَاعُ: فَلاَ يُعْرَفُ فِي صِحَّةِ قِسْمَةِ الْمَنَافِعِ عَلَى الْجُمْلَةِ نِزَاعٌ لأِحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ.
وَأَمَّا الْمَعْقُولُ: فَلأِنَّ مَا لاَ يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ. قَدْ يَتَعَذَّرُ الاِجْتِمَاعُ عَلَى الاِنْتِفَاعِ بِهِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، فَلَوْ لَمْ تُشْرَعْ قِسْمَةُ الْمَنَافِعِ لَضَاعَتْ مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ، وَتَعَطَّلَتْ أَعْيَانٌ إِنَّمَا خَلَقَهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِيُنْتَفَعَ بِهَا، وَلاَ يَسْتَقِيمُ هَذَا فِي عَقْلٍ أَوْ شَرْعٍ حَكِيمٍ .
مَحَلُّ قِسْمَةِ الْمَنَافِعِ:
57 - تَكُونُ قِسْمَةُ الْمَنَافِعِ إِذَا صَادَفَتْ مَحَلَّهَا، وَتَرَاضَى عَلَيْهَا الشُّرَكَاءُ، أَوْ طَلَبَهَا أَحَدُهُمْ وَالْقِسْمَةُ الْعَيْنِيَّةُ غَيْرُ مُمْكِنَةٍ، أَوْ مُمْكِنَةٌ وَلَكِنْ لَمْ يَطْلُبْهَا شَرِيكٌ آخَرُ، وَالْمَنْفَعَةُ غَيْرُ مُتَفَاوِتَةٍ تَفَاوُتًا يُعْتَدُّ بِهِ. أَوْ تَعَذَّرَ الاِجْتِمَاعُ عَلَى الاِنْتِفَاعِ .
وَالْمَنَافِعُ، كَمَا هُوَ فَرْضُ الْكَلاَمِ، أَيْ مَنَافِعُ الأْعْيَانِ الَّتِي يُمْكِنُ الاِنْتِفَاعُ بِهَا مَعَ بَقَاءِ أَعْيَانِهَا، فَلاَ يَصِحُّ التَّهَايُؤُ عَلَى الْكِتَابَةِ مِنْ مِحْبَرَةٍ مَثَلاً وَلاَ عَلَى الْغَلاَّتِ الْمُتَمَثِّلَةِ أَعْيَانًا بِطَبِيعَتِهَا كَالثِّمَارِ وَاللَّبَنِ؛ لأِنَّ التَّهَايُؤَ الَّذِي هُوَ شَكْلُ قِسْمَةِ الْمَنَافِعِ، إِنَّمَا جَازَ ضَرُورَةً أَنَّ الْمَنَافِعَ أَعْرَاضٌ سَيَّالَةٌ لاَ تُمْكِنُ قِسْمَتُهَا بَعْدَ وُجُودِهَا لِتَقَضِّيهَا وَعَدَمِ بَقَائِهَا زَمَانَيْنِ، فَقُسِمَتْ قَبْلَ وُجُودِهَا بِالتَّهَايُؤِ فِي مَحَلِّهَا، أَمَّا الأْعْيَانُ الَّتِي هِيَ غَلاَّتٌ فَتَبْقَى وَتُمْكِنُ قِسْمَتُهَا بِذَوَاتِهَا، فَلاَ حَاجَةَ إِلَى التَّهَايُؤِ فِي قِسْمَتِهَا عَلَى مَا فِيهِ مِنَ الْغَرَرِ، فَالأْرَاضِي الزِّرَاعِيَّةُ الْمُشْتَرَكَةُ بَيْنَ اثْنَيْنِ تُمْكِنُ قِسْمَتُهَا بِالْمُهَايَأَةِ: كَأَنْ يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ نِصْفَهَا، أَوْ يَأْخُذَهَا أَحَدُهُمَا كُلَّهَا فَتْرَةً مُعَيَّنَةَ مِنَ الزَّمَنِ ثُمَّ الآْخَرُ كَذَلِكَ؛ لأِنَّ هَذِهِ قِسْمَةُ مَنَافِعِ الأْرْضِ بِزِرَاعَتِهَا، أَمَّا النَّخْلُ وَشَجَرُ الْفَاكِهَةِ يَكُونُ بَيْنَهُمَا فَيَتَقَاسَمَانِ عَلَى نَحْوِ مَا قُلْنَا فِي الأْرْضِ، لِيَسْتَقِلَّ كُلٌّ بِمَا يَتَحَصَّلُ مِنَ الثَّمَرَةِ فِي حِصَّتِهِ أَوْ فِي نَوْبَتِهِ فَلاَ سَبِيلَ إِلَى ذَلِكَ بِاتِّفَاقِ الإْمَامِ وَصَاحِبَيْهِ؛ لأِنَّ الثِّمَارَ أَعْيَانٌ تُمْكِنُ قِسْمَتُهَا بَعْدَ وُجُودِهَا، وَكَذَلِكَ الْبَقَرُ وَالْغَنَمُ وَمَا إِلَيْهِمَا، لاَ تَجُوزُ قِسْمَةُ أَلْبَانِهَا بِطَرِيقِ الْمُهَايَأَةِ عَلَى نَحْوِ مَا سَلَفَ لِلْمَعْنَى ذَاتِهِ، وَمَثَّلَ الْحَنَفِيَّةُ لِذَلِكَ بِرَجُلَيْنِ تَوَاضَعَا فِي بَقَرَةٍ بَيْنَهُمَا عَلَى أَنْ تَكُونَ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، يَحْلُبُ لَبَنَهَا، كَانَ بَاطِلاً، وَلاَ يَحِلُّ فَضْلُ اللَّبَنِ لأِحَدِهِمَا ، وَإِنْ جَعَلَهُ صَاحِبُهُ فِي حِلٍّ؛ لأِنَّهُ هِبَةُ الْمُشَاعِ فِيمَا يُقْسَمُ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُ الْفَضْلِ اسْتَهْلَكَ الْفَضْلَ، فَإِذَا جَعَلَهُ صَاحِبُهُ فِي حِلٍّ، كَانَ ذَلِكَ إِبْرَاءً مِنَ الضَّمَانِ فَيَجُوزُ، أَمَّا حَالَ قِيَامِ الْفَضْلِ فَيَكُونُ هِبَةً أَوْ إِبْرَاءً مِنَ الْعَيْنِ، وَإِنَّهُ بَاطِلٌ .
وَيَذْكُرُونَ أَنَّ الْمَخْرَجَ لِلْمُهَايَأَةِ فِي الثَّمَرِ أَوِ اللَّبَنِ أَنْ يَشْتَرِيَ هَذَا حِصَّةَ شَرِيكِهِ مِنَ الأْصْلِ (أَيِ الشَّجَرِ أَوِ الْحَيَوَانِ) ثُمَّ يَبِيعَهُ إِيَّاهُ كُلَّهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ نَوْبَتِهِ لِيَبْدَأَ ذَاكَ نَوْبَتَهُ، حَتَّى إِذَا انْقَضَتْ بَاعَ صَاحِبُهُ الأْصْلَ بِدَوْرِهِ، وَهَكَذَا دَوَالِيكَ، أَوْ يَسْتَقْرِضَ حِصَّةَ صَاحِبِهِ مِنَ اللَّبَنِ أَوِ الثَّمَرِ، بِأَنْ يَزِنَ كُلَّ يَوْمٍ مَا يَخُصُّهُ، حَتَّى إِذَا انْقَضَتْ نَوْبَتُهُ اسْتَوْفَى صَاحِبُهُ بِالْوَزْنِ مَا كَانَ أَقْرَضَ، إِذْ قَرْضُ الْمُشَاعِ جَائِزٌ، أَصْلاً وَتَأْجِيلاً .
هَكَذَا قَرَّرَ الْحَنَفِيَّةُ، وَهُوَ مَوْضِعُ وِفَاقٍ مِنْ غَيْرِهِمْ إِلاَّ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ وَالْحَنَابِلَةَ يَذْكُرُونَ أَنَّ الْمَخْرَجَ فِي التَّهَايُؤِ عَلَى الثَّمَرِ وَاللَّبَنِ هُوَ الإْبَاحَةُ، أَيْ أَنْ يُبِيحَ كُلٌّ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ لِصَاحِبِهِ مُدَّةَ نَوْبَتِهِ، وَيُغْتَفَرُ الْجَهْلُ لِمَكَانِ الشَّرِكَةِ وَتَسَامُحِ النَّاسِ .
وَالْمَالِكِيَّةُ قَالُوا فِي اللَّبَنِ: يَجُوزُ التَّهَايُؤُ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ عَلَى الْفَضْلِ الْبَيِّنِ؛ لأِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ بَابِ الْمُعَاوَضَاتِ إِلَى بَابِ الْمَعْرُوفِ الْبَحْتِ، وَذَلِكَ كَمَا لَوْ جَعَلاَ لَبَنَ الْبَقَرَةِ لأِحَدِهِمَا يَوْمًا وَلِلآْخَرِ يَوْمَيْنِ .
التَّرَاضِي وَالإْجْبَارُ فِي قِسْمَةِ الْمَنَافِعِ:
58 - قِسْمَةُ الْمَنَافِعِ أَيْضًا تَتَنَوَّعُ إِلَى قِسْمَةِ تَرَاضٍ وَقِسْمَةِ إِجْبَارٍ، وَيُسْتَخْلَصُ مِنْ كَلاَمِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ قِسْمَةَ الْمَنَافِعِ فِي تَنَوُّعِهَا هَذَا مُعْتَبَرَةٌ بِقِسْمَةِ الأْعْيَانِ :
أ - فَحَيْثُ اتَّحَدَ الْجِنْسُ وَاتَّفَقَتِ الْمَنَافِعُ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الْقِسْمَةُ قِسْمَةَ إِجْبَارٍ لِغَلَبَةِ مَعْنَى الإْفْرَازِ حِينَئِذٍ، وَذَلِكَ كَمَا فِي قِسْمَةِ دَارٍ لِلسُّكْنَى، أَوْ أَرْضٍ لِلزِّرَاعَةِ، بِاتِّفَاقِ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ، أَوْ دَارَيْنِ أَوْ أَرْضَيْنِ عَلَى رَأْيِ الصَّاحِبَيْنِ إِذَا رَأَى الْقَاضِي وَجْهَ الْعَدَالَةِ فِي ذَلِكَ.
وَإِذَنْ فَإِذَا طَلَبَ الْمُهَايَأَةَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ أُجْبِرَ الآْخَرُ عَلَيْهَا إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْمَحَلُّ قَابِلاً لِلْقِسْمَةِ الْعَيْنِيَّةِ وَطَلَبَهَا هَذَا الآْخَرُ فَإِنَّهَا تُقَدَّمُ؛ لأِنَّ فِيهَا - مَعَ وُصُولِ كُلٍّ إِلَى حَقِّهِ فِي نَفْسِ الْوَقْتِ - فَائِدَةً مَقْصُودَةً: هِيَ إِفْرَازُ الْمِلْكِ وَتَمْيِيزُهُ عَنْ مِلْكِ الْغَيْرِ، بَلْ لَوْ وَقَعَتِ الْقِسْمَةُ مُهَايَأَةً بِالْفِعْلِ، وَكَانَ قَدْ سَكَتَ هَذَا الشَّرِيكُ فَصَحَّتْ، ثُمَّ بَدَا لَهُ فَعَادَ فَطَلَبَ الْقِسْمَةَ الْعَيْنِيَّةَ، فَإِنَّهُ يُجَابُ وَتَبْطُلُ قِسْمَةُ الْمُهَايَأَةِ، لِمَا ذُكِرَ .
وَهَذَا يَنْتَظِمُ الْعَيْنَ الْمُشْتَرَكَةَ الَّتِي لاَ تَقْبَلُ الْقِسْمَةَ، فَيُجْبَرُ عَلَى التَّهَايُؤِ فِيهَا إِذَا طَلَبَهُ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ وَكَذَلِكَ الْعَيْنُ الْمُسْتَأْجَرَةُ الَّتِي لاَ يُمْكِنُ الاِجْتِمَاعُ عَلَى الاِنْتِفَاعِ بِهَا، كَدَارٍ لاَ تَسَعُ إِلاَّ سُكْنَى أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ .
ب - وَحَيْثُ كَانَ الأْمْرُ عَلَى الْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ بِأَنِ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ كَدَارٍ وَأَرْضٍ، أَوْ تَفَاوَتَتِ الْمَنْفَعَةُ، كَدَارٍ تُقْسَمُ مُهَايَأَةً لِيَكُونَ بَعْضُهَا حِصَّةً لِلسُّكْنَى وَالْبَعْضُ الآْخَرُ حِصَّةٌ لِلاِسْتِغْلاَلِ، فَلاَ إِجْبَارَ وَلاَ سَبِيلَ إِلَى قِسْمَةِ الْمُهَايَأَةِ إِلاَّ بِالتَّرَاضِي .
59 - ثُمَّ لاَ فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْقِسْمَةُ بِالْمُهَايَأَةِ الْمَكَانِيَّةِ أَوِ الْمُهَايَأَةِ الزَّمَانِيَّةِ، إِذْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مَزِيَّتُهُ، فَالأْولَى أَعْدَلُ، لِوُصُولِ كُلِّ وَاحِدٍ إِلَى حَقِّهِ فِي نَفْسِ الْوَقْتِ، وَالثَّانِيَةُ أَكْمَلُ، لأِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَنْتَفِعُ بِالْعَيْنِ كُلِّهَا، وَلِذَا لَوِ اخْتَلَفَا فِي التَّهَايُؤِ عَلَى الدَّارِ: هَذَا يَطْلُبُ أَنْ يَسْكُنَ أَحَدُهُمَا فِي مُقَدِّمِهَا، وَالآْخَرُ فِي مُؤَخِّرِهَا، وَذَاكَ يَطْلُبُ أَنْ يَسْكُنَ أَحَدُهُمَا جَمِيعَ الدَّارِ شَهْرًا، ثُمَّ الآْخَرُ شَهْرًا آخَرَ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ لاَ يُجِيبُ أَحَدَهُمَا، إِذْ لاَ رُجْحَانَ لأِحَدٍ ، وَإِنَّمَا يَأْمُرُهُمَا بِأَنْ يَتَّفِقَا، ثُمَّ إِذَا اتَّفَقَا عَلَى الْمُهَايَأَةِ الزَّمَانِيَّةِ أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا لِتَعْيِينِ مَنْ لَهُ الْبُدَاءَةُ، وَإِنِ اتَّفَقَا عَلَى الْمُهَايَأَةِ الْمَكَانِيَّةِ، وَلَكِنْ تَنَازَعَا مَكَانًا بِعَيْنِهِ أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا لِيَتَعَيَّنَ بِالْقُرْعَةِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مَكَانُهُ .
وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى قَصْرِ الإْجْبَارِ عَلَى الْمُهَايَأَةِ الْمَكَانِيَّةِ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ حَيْثُ لاَ تَنْطَوِي الْقِسْمَةُ عَلَى ضَرَرٍ، وَلَكِنِ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الْحَنَابِلَةُ خِلاَفُهُ: وَهُوَ نَفْيُ الإْجْبَارِ فِي قِسْمَةِ الْمَنَافِعِ كُلِّهَا، قَبِلَتِ الْعَيْنُ الْقِسْمَةَ الْعَيْنِيَّةَ أَمْ لَمْ تَقْبَلْهَا، اتَّفَقَتِ الْمَنْفَعَةُ أَمِ اخْتَلَفَتْ، وَهُوَ الَّذِي قَالَ بِهِ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ لأِنَّ فِي هَذِهِ الْقِسْمَةِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ عَلَى الْعُمُومِ، إِذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ يَنْتَفِعُ بِنَصِيبِ صَاحِبِهِ أَوْ حِصَّتِهِ عِنْدَهُ لِقَاءِ انْتِفَاعِ صَاحِبِهِ بِنَصِيبِهِ أَوْ حِصَّتِهِ؛ وَلأِنَّ الْمَنْفَعَةَ مَعْدُومَةٌ عِنْدَ الْقِسْمَةِ، وَلاَ يَدْرِي أَحَدٌ مِنَ الْمُتَقَاسِمِينَ مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْهَا وَمَا لاَ يَحْصُلُ، ثُمَّ لأِنَّ فِي الْمُهَايَأَةِ الزَّمَانِيَّةِ خَاصَّةً غَبْنًا لِمَنْ تَتَأَخَّرُ نَوْبَتُهُ.
لَكِنْ يُقَرِّرُ الْبُلْقِينِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْمَانِعَ الْحَقِيقِيَّ مِنْ دُخُولِ الإْجْبَارِ فِي قِسْمَةِ الْمُهَايَأَةِ هُوَ بَقَاءُ الْعُلْقَةِ بِالشَّرِكَةِ فِي الْعَيْنِ ذَاتِهَا، وَلِذَا فَإِنَّ الْمَنَافِعَ الْمَمْلُوكَةَ بِغَيْرِ حَقٍّ مِلْكُ الذَّاتِ، كَمَا فِي الإْجَارَةِ وَالْوَصِيَّةِ، تَقْبَلُ الإْجْبَارَ عَلَى قِسْمَتِهَا وَفِي نِهَايَةِ الْمُحْتَاجِ مَا يُفِيدُ أَنَّهُ أَحَدُ وَجْهَيْنِ فِي الْمَذْهَبِ، وَالْوَجْهُ الآْخَرُ هُوَ إِطْلاَقُ الْقَوْلِ بِعَدَمِ الإْجْبَارِ ، إِلاَّ فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ كَمَا سَيَجِيءُ .
وَفِي تَنْقِيحِ الْحَامِدِيَّةِ كَلاَمٌ مُسْتَدْرَكٌ عَنْ عَدَمِ الإْجْبَارِ عَلَى تَهَايُؤِ الْمُسْتَأْجِرِينَ .
وَذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّ الشُّرَكَاءَ قَدْ يَأْبَوْنَ مِنْ قِسْمَةِ الْمُهَايَأَةِ فِيمَا لاَ يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ الْعَيْنِيَّةَ، فَحِينَئِذٍ يُؤَجِّرُهُ الْقَاضِي عَلَيْهِمْ أَوْ يُجْبِرُهُمْ عَلَى إِيجَارِهِ، مُدَّةً قَرِيبَةً كَسَنَةٍ، فَإِنْ تَعَذَّرَ الإْيجَارُ لِكَسَادٍ لاَ يُرْجَى انْقِشَاعُ غُمَّتِهِ مِنْ قَرِيبٍ، فَإِنَّهُ يَبِيعُ عَلَيْهِمْ، لَكِنْ رُبَّمَا تَعَذَّرَ الْبَيْعُ أَيْضًا، وَهُنَا يَقُولُ الزَّرْكَشِيُّ: يُجْبِرُهُمْ عَلَى الْمُهَايَأَةِ إِذَا طَلَبَهَا أَحَدُهُمْ، وَلاَ يُعْرِضُ عَنْهُمْ إِلَى الصُّلْحِ كَمَا فِي الْعَارِيَّةِ؛ لأِنَّهُ ضَرَرٌ عَامٌّ وَكَثِيرٌ وَلاِبْنِ الْبَنَّاءِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ نَحْوُهُ، إِلاَّ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرِ الْبَيْعَ وَمَعْلُومٌ مَوْقِفُ الْمَالِكِيَّةِ الْمُتَمَيِّزُ وَمَعَهُمْ مُوَافِقُوهُمْ فِي الإْجْبَارِ عَلَى الْبَيْعِ، لَكِنْ بِطَلَبِ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ (ر: ف 47).
وَقَدْ مَضَى أَبُو حَنِيفَةَ فِي غَيْرِ الْعَقَارِ عَلَى وَتِيرَةٍ وَاحِدَةٍ. إِذْ مَنَعَ الْمُهَايَأَةَ عَلَى غَلَّةِ الْكِرَاءِ وَحَكَمَ بِبُطْلاَنِهَا؛ لأِنَّهَا عَيْنٌ وَتُمْكِنُ قِسْمَتُهَا، فَيَبْقَى الْمَالُ الْمُشْتَرَكُ دُونَ مُهَايَأَةٍ، ثُمَّ مَا يَتَحَصَّلُ مِنْ غَلَّتِهِ يَقْتَسِمُهُ الشُّرَكَاءُ بَيْنَهُمْ، فَعِنْدَهُ لاَ يَصِحُّ التَّهَايُؤُ عَلَى اسْتِغْلاَلِ الدَّابَّةِ أَوِ الدَّابَّتَيْنِ .
وَلَكِنَّهُ اسْتَثْنَى غَلَّةَ الْعَقَارِ، فَأَلْحَقَهَا بِالْمَنَافِعِ، وَجَوَّزَ التَّهَايُؤَ عَلَى قِسْمَتِهَا، فَلاَ مَانِعَ مِنْهُ فِي الدَّارِ الْوَاحِدَةِ أَوِ الدَّارَيْنِ، وَالأْرْضِ الْوَاحِدَةِ أَوِ الأْرْضَ يْنِ، سَوَاءٌ أَكَانَ التَّهَايُؤُ زَمَانِيًّا أَمْ مَكَانِيًّا، فَاحْتَاجَ إِلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْعَقَارِ وَالْحَيَوَانِ مَثَلاً فَوَجَدَهُ فِي كَثْرَةِ الْغَرَرِ فِي الْحَيَوَانِ، لأِنَّ تَعَرُّضَهُ لِلتَّغَيُّرَاتِ أَكْثَرُ، فَفِي الْمُهَايَأَةِ عَلَيْهِ تَكُونُ الْمُعَادَلَةُ، الَّتِي هِيَ مِنْ شَرَائِطِ الْقِسْمَةِ، فِي مَظِنَّةِ الْفَوَاتِ، وَلاَ كَذَلِكَ فِي الْعَقَارِ: فَإِنَّ الظَّاهِرَ فِيهِ بَقَاءُ التَّعَادُلِ الْقَائِمِ عِنْدَ الْقِسْمَةِ.
ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَ الْمُهَايَأَةِ الْمَكَانِيَّةِ وَالْمُهَايَأَةِ الزَّمَانِيَّةِ - عَلَى الاِسْتِغْلاَلِ - فَفِي الْمَكَانِيَّةِ إِذَا زَادَتِ الْغَلَّةُ فِي نَوْبَةِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ عَنْهَا فِي نَوْبَةِ الآْخَرِ لاَ يَشْتَرِكَانِ فِي الزِّيَادَةِ، بَلْ تَخُصُّ مَنْ وَقَعَتْ فِي نَوْبَتِهِ، لِقُوَّةِ مَعْنَى التَّمْيِيزِ وَالإْفْرَازِ فِي هَذَا النَّوْعِ مِنَ الْقِسْمَةِ، بِسَبَبِ اتِّحَادِ زَمَانِ اسْتِيفَاءِ كُلٍّ حَقَّهُ، وَفِي الزَّمَانِيَّةِ يَشْتَرِكَانِ فِي الزِّيَادَةِ، لِضَعْفِ هَذَا الْمَعْنَى فِيهَا، بِسَبَبِ تَعَاقُبِ اسْتِيفَاءِ كُلٍّ حَقَّهُ فَيُقَدَّرُ مَعْنَى الْقَرْضِ لِيَحْصُلَ التَّعَادُلُ: كَأَنَّ هَذَا أَقْرَضَ نَصِيبَهُ مِنْ غَلَّةِ هَذَا الشَّهْرِ عَلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ مِنْ نَصِيبِ الآْخَرِ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي، وَيُقَدَّرَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا وَكِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ فِي تَأْجِيرِ نَصِيبِهِ فَإِذَا اسْتَوْفَى الْمُقْرِضُ قَدْرَ قَرْضِهِ كَانَ الْبَاقِي مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا .
وَمَنْعُ الْمُهَايَأَةِ عَلَى الْغَلَّةِ - بِمَعْنَى الْكِرَاءِ - هُوَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ الَّذِي لاَ يَخْتَلِفُونَ عَلَيْهِ، فِيمَا قَلَّ وَكَثُرَ؛ لأِنَّهَا تَتَفَاوَتُ وَيَدْخُلُهَا مِنَ الْغَرَرِ مَا يَدْخُلُ كُلَّ مَا لاَ انْضِبَاطَ لَهُ، حَتَّى لَقَدْ رَدُّوا قَوْلَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ: يَسْهُلُ ذَلِكَ فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ. وَلَمْ يَعْتَبِرُوهُ مُعَبِّرًا عَنِ الْمَذْهَبِ. نَعَمْ إِذَا انْضَبَطَتِ الْغَلَّةُ، كَمَا فِي حَالاَتِ التَّسْعِيرِ الْجَبْرِيِّ بِوَاسِطَةِ السُّلُطَاتِ الْحَاكِمَةِ فَذَاكَ .
كَيْفِيَّةُ قِسْمَةِ الْمَنَافِعِ
60 - قِسْمَةُ الْمَنَافِعِ تَتَنَوَّعُ إِلَى نَوْعَيْنِ: وَإِنْ شِئْتَ فَقُلْ تَكُونُ بِإِحْدَى صُورَتَيْنِ:
أ - مُهَايَأَةٌ زَمَانِيَّةٌ: وَهِيَ التَّنَاوُبُ عَلَى الاِنْتِفَاعِ بِالْعَيْنِ الْمُشْتَرَكَةِ كَامِلَةً مُدَّةً مَعْلُومَةً مِنَ الزَّمَنِ تَتَنَاسَبُ فِي جَانِبِ كُلٍّ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ أَوِ الشُّرَكَاءِ مَعَ نَصِيبِهِ فِي الْعَيْنِ الْمُشْتَرَكَةِ، إِلاَّ أَنْ يَنْزِلَ عَنْ شَيْءٍ بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ، كَأَنْ يَتَهَايَأَ الشَّرِيكَانِ عَلَى أَنْ يَزْرَعَا الأْرْضَ أَوْ يَسْكُنَا الدَّارَ: هَذَا سَنَةً وَهَذَا سَنَةً، وَلاَ مَفَرَّ مِنْ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ فِي الْمُهَايَأَةِ عَلَى الْبَيْتِ الصَّغِيرِ، وَكُلُّ مَا لاَ تَنْقَسِمُ عَيْنُهُ فَيَتَهَايَأُ الشَّرِيكَانِ عَلَى أَنْ تَكُونَ لأِحَدِهِمَا سُكْنَى الدَّارِ أُسْبُوعًا أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ ثُمَّ لِلآْخَرِ كَذَلِكَ. وَهَكَذَا.
لَكِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ خِلاَفًا لِصَاحِبَيْهِ يَمْنَعُ الإْجْبَارَ عَلَى التَّهَايُؤِ فِي رُكُوبِ الدَّابَّةِ، يَرْكَبُهَا هَذَا يَوْمًا مَثَلاً وَهَذَا يَوْمًا، لِفُحْشِ التَّفَاوُتِ النَّازِلِ مَنْزِلَةَ اخْتِلاَفِ الْجِنْسِ بَيْنَ رُكُوبٍ وَرُكُوبٍ: فَرُبَّ رَاكِبٍ حَاذِقٍ وَرُبَّ آخَرَ أَخْرَقَ، وَالدَّابَّةُ حَيَوَانٌ أَعْجَمُ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَرْفُضَ حِينَ يُسَاءُ اسْتِعْمَالُهُ .
ب - مُهَايَأَةٌ مَكَانِيَّةٌ: وَهِيَ أَنْ يَسْتَقِلَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ أَوِ الشُّرَكَاءِ بِالاِنْتِفَاعِ بِبَعْضٍ مُعَيَّنٍ مِنَ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ، مَعَ بَقَاءِ الشَّرِكَةِ فِي عَيْنِ الْمَالِ بِحَالِهَا، وَلاَ يُشْتَرَطُ بَيَانُ مُدَّةٍ لأِنَّهَا لَيْسَتْ مُبَادَلَةً مَحْضَةً، بَلْ مَعْنَى الإْفْرَازِ فِيهَا أَغْلَبُ . فَالدَّارُ الْوَاحِدَةُ الْقَابِلَةُ لِلْقِسْمَةِ، وَالأْرْضُ الْوَاحِدَةُ، يُمْكِنُ بِلاَ خِلاَفٍ أَنْ يَتَهَايَأَ الشَّرِيكَانِ فِيهَا عَلَى أَنْ يَسْكُنَ أَوْ يَزْرَعَ أَحَدُهُمَا مُقَدِّمَهَا، وَالآْخَرُ مُؤَخِّرَهَا، وَإِذَا كَانَ فِي الدَّارِ عُلُوٌّ وَسُفْلٌ، أَمْكَنَ أَنْ يَتَهَايَآ عَلَى أَنْ يَسْكُنَ أَحَدُهُمَا الْعُلُوَّ وَالآْخَرُ السُّفْلَ، إِجْبَارًا؛ لأِنَّ هَذَا كُلَّهُ لاَ يَخْتَلِفُ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ فِي الإْجْبَارِ عَلَى قِسْمَتِهِ قِسْمَةَ أَعْيَانٍ، وَقِسْمَةُ الْمَنَافِعِ مُعْتَبَرَةٌ بِقِسْمَةِ الأْعْيَانِ .
وَالدَّارَانِ يُمْكِنُ كَذَلِكَ أَنْ يَتَهَايَأَ الشَّرِيكَانِ عَلَى أَنْ يَسْكُنَ هَذَا هَذِهِ وَهَذَا هَذِهِ، وَكَذَلِكَ الأْرْضَ انِ زِرَاعَةً وَالْفَرَسَانِ رُكُوبًا، وَهَذَا أَيْضًا بِلاَ خِلاَفٍ، وَقَدْ كَانَ يُتَوَهَّمُ فِي الإْجْبَارِ عَلَيْهِ خِلاَفُ أَبِي حَنِيفَةَ اعْتِبَارًا بِقِسْمَةِ الأْعْيَانِ ، وَلَكِنَّهُ - فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ - نَظَرَ هُنَا إِلَى أَنَّ التَّفَاوُتَ فِي قِسْمَةِ الْمَنَافِعِ وَحْدَهَا لاَ يَتَفَاحَشُ تَفَاحُشَهُ فِي قِسْمَةِ الأْعْيَانِ ، فَلَمْ يُفَرَّقْ هُنَا بَيْنَ دَارٍ وَدَارَيْنِ وَأَرْضٍ وَأَرْضَيْنِ.
عَلَى أَنَّهُ فِي غَيْرِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَضَى عَلَى أَصْلِهِ فِي قِسْمَةِ الأْعْيَانِ فَمَنْعُ الإْجْبَارِ عَلَى قِسْمَةِ الْمَنَافِعِ فِي الدَّارَيْنِ وَالأْرْضَ يْنِ قِسْمَةَ جَمْعٍ، بَلْ رُوِيَ عَنْهُ امْتِنَاعُ الْمُهَايَأَةِ فِيهِمَا بِإِطْلاَقٍ، جَبْرًا وَتَرَاضِيًا، أَمَّا جَبْرًا فَلِمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا تَرَاضِيًا فَلأِنَّهَا بَيْعُ الْمَنْفَعَةِ بِجِنْسِهَا نَسِيئَةً .
أَمَّا التَّهَايُؤُ عَلَى دَابَّتَيْنِ لِلرُّكُوبِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ: كَفَرَسَيْنِ عَرَبِيَّتَيْنِ، يَأْخُذُ هَذَا وَاحِدَةً وَالآْخَرُ الأْخْرَى، فَأَبُو حَنِيفَةَ - خِلاَفًا لِصَاحِبَيْهِ النَّاظِرَيْنِ إِلَى قِسْمَةِ الأْعْيَانِ - عَلَى أَصْلِهِ مِنْ أَنَّ الرُّكُوبَ فِي حُكْمِ جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، وَلِذَا لاَ يَمْلِكُ مَنِ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا أَنْ يُؤَجِّرَهَا لِلرُّكُوبِ، وَلَوْ فَعَلَ لَضَمِنَ، فَلاَ يُمْكِنُ الإْجْبَارُ عَلَى هَذَا التَّهَايُؤِ، أَمَّا بِالتَّرَاضِي فَلاَ بَأْسَ .
هَذَا تَقْرِيرُ مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ، وَيُوَافِقُهُمُ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى كَيْفِيَّةِ قِسْمَةِ الْمَنَافِعِ، وَتَنَوُّعِهَا إِلَى مُهَايَأَةٍ زَمَانِيَّةٍ وَمُهَايَأَةٍ مَكَانِيَّةٍ، وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ فِيهَا بَيَانُ مُدَّةٍ .
أَمَّا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ قِسْمَةِ الْمَنَافِعِ تَعْيِينُ الزَّمَانِ، سَوَاءٌ اتَّحَدَ الْمَقْسُومُ أَوْ تَعَدَّدَ، وَقِيلَ: إِنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الزَّمَانِ فِي الْمُتَعَدِّدِ، فَإِنْ عُيِّنَ الزَّمَانُ فَهِيَ لاَزِمَةٌ، وَإِنْ لَمْ يُعَيَّنِ الزَّمَانُ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَنْحَلَّ مَتَى شَاءَ، وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ: إِنَّ تَعْيِينَ الزَّمَانِ شَرْطُ اللُّزُومِ وَلَيْسَ شَرْطَ الصِّحَّةِ، قَالَ الدُّسُوقِيُّ: إِنْ عُيِّنَ الزَّمَنُ فِي الْقِسْمَةِ صَحَّتْ وَلَزِمَتْ فِي الْمَقْسُومِ الْمُتَّحِدِ وَالْمُتَعَدِّدِ، وَإِنْ لَمْ يُعَيَّنْ فَسَدَتْ فِي الْمُتَّحِدِ اتِّفَاقًا وَفِي الْمُتَعَدِّدِ خِلاَفٌ، فَابْنُ الْحَاجِبِ يَقُولُ بِصِحَّتِهَا، وَابْنُ عَرَفَةَ بِفَسَادِهَا .
الآْثَارُ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى قِسْمَةِ الْمَنَافِعِ:
61 - إِذَا تَمَّتْ قِسْمَةُ الْمَنَافِعِ عَلَى الصِّحَّةِ، تَرَتَّبَتْ عَلَيْهَا آثَارُهَا، وَمِنْ هَذِهِ الآْثَارِ:
أَوَّلاً: عَدَمُ لُزُومِهَا: بِمَعْنَى أَنَّ لِكُلِّ شَرِيكٍ أَنْ يَنْقُضَ الْمُهَايَأَةَ مَتَى شَاءَ، لَكِنَّ هَذَا مَشْرُوطٌ بِشَرَائِطَ ثَلاَثٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ:
الشَّرِيطَةُ الأْولَى: أَنْ تَكُونَ الْقِسْمَةُ عَنْ تَرَاضٍ، فَلاَ يَمْلِكُ شَرِيكٌ الاِنْفِرَادَ بِنَقْضِ قِسْمَةِ الإْجْبَارِ ، وَإِلاَّ لَغَا مَعْنَى الإْجْبَارِ فِيهَا، فَإِذَا اتَّفَقَ الشَّرِيكَانِ عَلَى النَّقْضِ، فَهُوَ حَقُّهُمَا يَرَيَانِ فِيهِ مَا شَاءَا، مَا دَامَ الْفَرْضُ انْحِصَارَ الشَّرِكَةِ فِيهِمَا.
الشَّرِيطَةُ الثَّانِيَةُ: عَدَمُ تَعَلُّقِ حَقِّ أَجْنَبِيٍّ: فَلَوْ أَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ كَانَ قَدْ أَجَّرَ الدَّارَ أَوِ الأْرْضَ مَثَلاً فِي نَوْبَتِهِ، وَلَمْ تَنْتَهِ مُدَّةُ الإْجَارَةِ بَعْدُ، فَإِنَّهُ لاَ يَمْلِكُ هُوَ وَلاَ شَرِيكُهُ نَقْضَ الْمُهَايَأَةِ، رِعَايَةً لِحَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ .
الشَّرِيطَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَكُونَ لِلرَّاجِعِ عُذْرٌ:
كَأَنْ يُرِيدَ بَيْعَ نَصِيبِهِ، أَوِ الْقِسْمَةَ الْعَيْنِيَّةَ، أَمَّا أَنْ يُرِيدَ الْعَوْدَةَ إِلَى الشَّرِكَةِ فِي الْمَنَافِعِ كَمَا كَانَتْ قَبْلَ الْمُهَايَأَةِ، فَلَيْسَ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ، لَكِنَّ هَذَا خِلاَفُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَجَرَوْا عَلَيْهِ فِي الْمَجَلَّةِ . أَمَّا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ فَيُعْطِيهِ حَقَّ الرُّجُوعِ وَنَقْضَ الْقِسْمَةِ سَوَاءٌ أَكَانَ لَهُ عُذْرٌ أَمْ لاَ.
وَقَدْ أَطْلَقَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ الْقَوْلَ بِأَنَّ قِسْمَةَ الْمَنَافِعِ غَيْرُ لاَزِمَةٍ، وَقَدْ ذَهَبَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ إِلَى أَنَّهَا لاَ تَكُونُ غَيْرَ لاَزِمَةٍ إِلاَّ بَعْدَ انْقِضَاءِ الدُّورِ (يَعْنِي فِي الْمُهَايَأَةِ الزَّمَانِيَّةِ) أَمَّا فِي أَثْنَائِهِ فَلاَ، وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَيْهِ، وَاكْتَفَوْا بِأَنَّ مَنِ اسْتَوْفَى مِنَ الْمَنَافِعِ شَيْئًا لَمْ يَسْتَوْفِ شَرِيكُهُ مِثْلَهُ، تَكُونُ عَلَيْهِ أُجْرَةُ مِثْلِ حِصَّةِ شَرِيكِهِ، كَمَا لَوْ تَلِفَتِ الْعَيْنُ، وَهَذَا هُوَ مُقْتَضَى كَلاَمِ عِيَاضٍ فِي الْمُهَايَأَةِ الْمَكَانِيَّةِ، أَمَّا الْمُهَايَأَةُ الزَّمَانِيَّةُ فَلاَزِمَةٌ بِاتِّفَاقِ الْمَالِكِيَّةِ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهَا عِنْدَهُمْ لاَ تَكُونُ إِلاَّ زَمَانِيَّةً، فَحُكْمُهَا اللُّزُومُ مَا لَمْ تَنْقَضِ الْمُدَّةُ كَالإْجَارَةِ .
ثَانِيًا: أَنَّهَا لاَ تَنْتَهِي بِمَوْتِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَوْ كِلَيْهِمَا: لأِنَّهَا لَوِ انْتَهَتْ لاَحْتَاجَ الْقَاضِي إِلَى تَجْدِيدِهَا؛ لأِنَّهَا تَكُونُ أَكْثَرَ مَا تَكُونُ، فِيمَا لاَ يَنْقَسِمُ، وَلاَ بُدَّ إِذَنْ أَنَّ الْوَرَثَةَ سَيَطْلُبُونَ إِعَادَتَهَا، وَلَوْ فَرَضْنَاهَا فِيمَا يَنْقَسِمُ، فَقَدْ يَطْلُبُونَ إِعَادَتَهَا، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ غَيْرُ الْحَنَفِيَّةِ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
ثَالِثًا: أَنَّهَا تَنْتَهِي بِتَلَفِ الْعَيْنِ: كَمَا لَوْ مَاتَتِ الدَّابَّةُ، أَوِ الدَّابَّتَانِ أَوْ إِحْدَاهُمَا، أَوِ انْهَدَمَتِ الدَّارُ، أَوِ الدَّارَانِ أَوْ إِحْدَاهُمَا، لِفَوَاتِ مَحَلِّ الْقِسْمَةِ، وَهَذَا مَا لاَ يَحْتَمِلُ الْخَلَفُ .
رَابِعًا: أَنَّهُ لاَ ضَمَانَ إِذَا انْتَهَتْ بِغَيْرِ فَسْخٍ، قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا تَهَايَآ فِي دَابَّتَيْنِ اسْتِخْدَامًا، فَمَاتَتْ إِحْدَاهُمَا، انْتَقَضَتِ الْمُهَايَأَةُ. وَلَوْ نَدَّتْ إِحْدَاهُمَا الشَّهْرَ كُلَّهُ، وَاسْتَخْدَمَ الآْخَرُ الشَّهْرَ كُلَّهُ، فَلاَ ضَمَانَ وَلاَ أُجْرَةَ، وَكَانَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ نِصْفُ أُجْرَةِ الْمِثْلِ، وَلَوْ عَطِبَ أَحَدُ الْخَادِمَيْنِ فِي خِدْمَةِ مَنْ شُرِطَ لَهُ هَذَا الْخَادِمُ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَكَذَا الْمَنْزِلُ لَوِ انْهَدَمَ، وَهَذَا الَّذِي أَشَارُوا إِلَى اسْتِدْرَاكِهِ بِقَوْلِهِمْ: وَكَانَ يَجِبُ أَنْ يَضْمَنَ نِصْفَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ .
خَامِسًا: اخْتِصَاصُ كُلِّ شَرِيكٍ بِالتَّصَرُّفِ فِيمَا وَقَعَ لَهُ بِالْمُهَايَأَةِ فِي حُدُودِ طَبِيعَةِ الْعَقْدِ، أَيْ قِسْمَةِ الْمَنَافِعِ، وَيُصَرِّحُ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ لَيْسَ لأِحَدٍ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يُحْدِثَ بِنَاءً أَوْ يَنْقُضُهُ أَوْ يَفْتَحَ بَابًا .
وَيَدْخُلُ فِي هَذَا الأْثَرِ حَقُّ الاِسْتِغْلاَلِ، وَلَكِنَّهَا مَسْأَلَةٌ مُهِمَّةٌ فَنُفْرِدُهَا بِالْبَحْثِ:
حَقُّ الاِسْتِغْلاَلِ:
لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ حَقُّ اسْتِغْلاَلِ مَا أَصَابَ بِالْمُهَايَأَةِ، أَيْ تَأْجِيرُهُ لِلْغَيْرِ، وَأُطْلِقَ فِي الْهِدَايَةِ ثُبُوتُ هَذَا الْحَقِّ بِالْمُهَايَأَةِ، سَوَاءٌ شُرِطَ فِي الْعَقْدِ أَمْ لَمْ يُشْرَطْ، رَدًّا عَلَى مَنْ زَعَمَ تَوَقُّفَهُ عَلَى شَرْطِهِ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الْمَنَافِعَ تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِهِ، فَلاَ فَرْقَ بَيْنَ انْتِفَاعِهِ بِهَا بِنَفْسِهِ مُبَاشَرَةً وَانْتِفَاعِهِ بِهَا بِطَرِيقِ التَّأْجِيرِ.
وَنَقَضُوهُ بِالْعَارِيَّةِ، عَلَى أَصْلِ الْحَنَفِيَّةِ: مِنْ أَنَّ الْمَنَافِعَ فِيهَا تَحْدُثُ أَيْضًا عَلَى مِلْكِ الْمُسْتَعِيرِ، فَإِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ لاَ يَمْلِكُ الإْجَارَةَ - فَإِنْ كَانَ حَذَرًا مِنْ رُجُوعِ الْمُسْتَعِيرِ، فَلِمَ لاَ يَكُونُ هُنَا كَذَلِكَ - حَذَرًا مِنْ رُجُوعِ الشَّرِيكِ .
وَلَكِنَّهُ نَقْضٌ غَيْرُ وَارِدٍ بِنَاءً عَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيَّةِ وَمُوَافِقِيهِمْ مِنْ أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ لاَ يَمْلِكُ الْمَنْفَعَةَ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُ حَقَّ الاِنْتِفَاعِ، وَلِذَا يُعَرِّفُونَهَا بِأَنَّهَا: إِبَاحَةُ الاِنْتِفَاعِ بِمَا يَحِلُّ الاِنْتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ، وَقَدْ فَرَّقَ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ بَيْنَ حَالَتَيْنِ:
أ - حَالَةُ الْمُهَايَأَةِ الْمَكَانِيَّةِ: وَهَذِهِ يُسَلَّمُ فِيهَا بِحَقِّ الاِسْتِغْلاَلِ بِإِطْلاَقٍ. وَبِنَفْسِ الْعِلَّةِ الآْنِفَةِ، وَيُعَقِّبُ هُنَا قَائِلاً: وَبِهِ يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْمُهَايَآتِ فِي هَذَا النَّوْعِ لَيْسَتْ بِإِعَارَةٍ؛ لأِنَّ الْعَارِيَّةَ لاَ تُؤَجَّرُ .
ب - حَالَةُ الْمُهَايَأَةِ الزَّمَانِيَّةِ: وَهَذِهِ نَقَلَ فِيهَا رِوَايَتَيْنِ:
إِحْدَاهُمَا: لِلْقُدُورِيِّ: وَهِيَ تَمْنَعُ الاِسْتِغْلاَلَ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنَ الْمُهَايَآتِ عَارِيَّةً، وَالْعَارِيَّةُ لاَ تُؤَجَّرُ، وَالأْخْرَى لِلأْصْلِ، وَهِيَ مُصَرِّحَةٌ بِجَوَازِ الاِسْتِغْلاَلِ وَقِسْمَةِ الزَّائِدِ مِنْهُ، وَقَدْ حَاوَلَ صَرْفَهَا عَنْ ظَاهِرِهَا، نَقْلاً عَنْ بَعْضِ مَنْ تَقَدَّمَهُ .
لَكِنَّ شُرَّاحَ الْهِدَايَةِ رَفَضُوا الْبِنَاءَ عَلَى أَنَّهَا عَارِيَّةً، لِمَكَانِ الْمُعَاوَضَةِ فِيهَا .
سَادِسًا: أَنَّهُ لاَ ضَمَانَ لِلنَّقْصِ بِالاِسْتِعْمَالِ فَفِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: لَوْ عَطِبَ أَحَدُ الْخَادِمَيْنِ فِي خِدْمَةِ مَنْ شُرِطَ لَهُ هَذَا الْخَادِمُ، فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ الْمَنْزِلُ لَوْ هُدِمَ مِنْ سُكْنَى مَنْ شُرِطَ لَهُ، فَلاَ ضَمَانَ، وَكَذَلِكَ لَوِ احْتَرَقَ الْمَنْزِلُ مِنْ نَارٍ أَوْقَدَهَا فِيهِ (أَيْ بِلاَ تَعَدٍّ) فَلاَ ضَمَانَ .
وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ إِذْ قَالُوا: إِنَّ يَدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَهَايِئَيْنِ يَدُ أَمَانَةٍ، وَهُوَ مُقْتَضَى نَصِّ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى أَنَّهَا كَالإْجَارَةِ وَلَكِنَّ الْحَنَابِلَةَ يَقُولُونَ بِالضَّمَانِ كَالْعَارِيَّةِ أَيْ إِنَّ الشَّرِيكَ يَضْمَنُ التَّلَفَ فِي نَوْبَتِهِ بِغَيْرِ الاِسْتِعْمَالِ الْمُعْتَادِ - وَإِنْ لَمْ يُفَرِّطْ - كَمَا لَوْ كَانَ بِسَرِقَةٍ أَوْ حَرِيقٍ .
______________________________________
مجلة الأحكام العدلية
مادة (1182) طلب القسمة
إذا طلب القسمة أحد أصحاب المال المشترك القابل للقسمة والآخر المهايأة فتقبل دعوى القسمة ولو لم يطلب القسمة أحدهما وطلب المهايأة واحد وامتنع الآخر يجبر على المهايأة.