loading
المذكرة الإيضاحية

مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء السادس، الصفحة :  292

الوصية

المذكرة الإيضاحية :

نظرة عامة :

لم يعرض التقنين الحالى للوصية إلا في نص واحد (م 55/ 78 ) أحال فيه على قانون الأحوال الشخصية فيما يتعلق بأهلية الموصى وصيغة الوصية، أما المشروع فقد أحال على الشريعة الإسلامية كل الأحكام الموضوعية للوصية.

وقد أصبحت الشريعة الإسلامية بذلك هي التي تنطبق من حيث الموضوع على وصايا المصريين مسلمين كانوا أو غير مسلمين.

وعرض المشروع لمسألتين في الوصية على جانب كبير من الأهمية : الأولى التصرف الصادر في مرض الموت، وقد اعتبر كل عمل قانوني يصدر من شخص في مرض الموت تصرفاً مضافاً إلى ما بعد الموت وتسري عليه أحكام الوصية والمسألة الثانية التصرف الصادر لأحد الورثة من مورث يحتفظ بحيازة العين وبحقه في الانتفاع مدى حياته، وقد جعل هذا التصرف تسرى عليه هو أيضاً أحكام الوصية.

مذكرة المشروع التمهيدي :

تسرى الشريعة الإسلامية وما استمد منها من تقنينات وتشريعات على الوصية من ناحية الموضوع، وذلك الأحكام المتعلقة بالقدر الذي يجوز الإيصاء به، وهل تجوز الوصية لوارث، وهل تتم الوصية بالإيجاب وحده، وهل يجوز الرجوع في الوصية، وكيف ينتقل المال الموصى به إلى الموصى له، وما إلى ذلك من الأحكام الموضوعية، ويستوي في ذلك وصايا المسلمين وغير المسلمين من المصريين أما من حيث الشكل فقد نصت لائحة ترتيب المحاكم الشرعية على أحكام تجب مراعاتها في جميع الوصايا، و قررت اللائحة المذكورة الجزاء الذي يترتب على مخالفة هذه الأحكام.

المشروع في لجنة المراجعة

تليت المادة 1348 من المشروع ورأت اللجنة الموافقة عليها بعد حذف العبارة الأخيرة منها وهي . «وذلك فيما لم يرد بشأنه أحكام خاصة».

وأصبح رقم المادة 986 في المشروع النهائي.

المشروع في مجلس النواب

وافق المجلس على المادة دون تعديل تحت رقم 984

المشروع في مجلس الشيوخ

مناقشات لجنة القانون المدني :

محضر الجلسة التاسعة والثلاثين

بحثت اللجنة المواد الخاصة بالوصية فتليت المادة 984 ورأى سعادة العشماوي باشا استبدال عبارة «والقوانين الصادرة في شأنها» بعبارة «والنصوص التشريعية المستمدة منها» لأنه صدر فعلاً قانون ينظم أحكام الوصية .

وطلب سعادة الرئيس استبقاء عبارة «والنصوص التشريعية المستمدة منها» لأنه يجب أن يكون كل قانون ينظم الأحوال الشخصية مستمداً من الشريعة.

فعارض سعادة العشماوي باشا في استبقاء هذه العبارة قائلاً إن في بقائها قيداً يمنع القاضي من تطبيق نص غير مستمد من الشريعة الإسلامية والدستور لا يجيز مثل هذا القيد ثم قال إنه إذا كان الجاري عليه العمل الآن هو أن الأحوال الشخصية تستمد أحكامها من الشريعة الإسلامية فقد لا يكون هذا هو الحال في المستقبل.

وهنا قال معالي السنهوري باشا إن محل البحث هو هل يستطيع المشرع وهو في صدد إصدار قانون أن يعد بإصداره طبقاً لتشريع معين.

وقد تناقشت اللجنة في هذه النقطة ولكنها لم تصل إلى نتيجة.

وقد اقترح أحمد رمزي بك النص الآتي للمادة 984.

«تسرى على أحكام الوصية القوانين الصادرة في شأنها وعند عدم وجود نص يرجع إلى أحكام الشريعة الإسلامية» .

فقال سعادة الرئيس إن هذا الاقتراح يرد عليه اعتراض هو أن أحكام الشريعة الإسلامية فيها مذاهب كثيرة وإطلاق الرجوع إلى أحكامها يحدث ارتباكاً في العمل وتضارباً في الأحكام .

وقد ذكر سعادة العشماوي باشا تأييداً لاقتراحه أن هناك نصاً في لائحة ترتيب المحاكم الشرعية يحيل القاضي إلى الأحكام الراجحة من مذهب أبي حنيفة.

ولما طالت المناقشة استقر رأى اللجنة على استبقاء هذه المادة تحت البحث.

محضر الجلسة الثانية والخمسين

وافقت اللجنة على المادة بعد استبدال عبارة «والقوانين الصادرة في شأنها» بعبارة «والنصوص التشريعية المستمدة منها».

تقرير اللجنة :

استعاضت اللجنة عن عبارة «والنصوص التشريعية المستمدة منها» بعبارة «والقوانين الصادرة في شأنها». وقد تقدم بيان علة هذا التعديل في المادة 944 (لأن المراد هو التشريعات التي تصدر في شأن الميراث ).

وأصبح رقم المادة 915

مناقشات المجلس :

وافق المجلس على المادة كما عدلتها اللجنة.

الأحكام

1- النص المادة 915 من القانون المدنى على أن " تسرى على الوصية أحكام الشريعة الإسلامية و القوانين الصادرة فى شأنها " وفى المادة الرابعة من القانون رقم 71 لسنة 1946 فى شأن الوصية على أنه " مع مراعاة أحكام المادة الثالثة تصح الوصية المضافة أوالمعلقة بالشرط أوالمقترنة به ، وإن كان الشرط صحيحاً وجبت مراعاته ما دامت المصلحة فيه قائمة ولا يراعى الشرط أن كان غير صحيح أو زالت المصلحة المقصودة منه . والشرط الصحيح هو ما كان فيه مصلحة للموصى أوالموصى له أولغيرهما ولم يكن منهياً عنه ولا منافياً لمقاصد الشريعة " يدل - وعلى ما جرى به الرأى الراجح فى مذهب الإمام أبى حنيفة  أنه تجوز الوصية المعلقة بشرط يتوقف معه ثبوتها على تحققه ، فإذا وجد الشرط كان للموصى له ما أوصى به وإلا فلا شىء ، طالما كان الشرط صحيحاً تتحقق به مصلحة للموصى أوالموصى له أو لغيرهما  ولم يكن منهياً عنه ولا منافياً لمقاصد الشريعة ، لما كان ذلك وكان المراد بالشرط هو الأمر المستقبل غير محقق الوقوع ، فإذا كان الأمر مستقبلاً ولكنه محقق الوقوع كالموت فانه لا يكون شرطاً بل يكون آجلاً ، غير أن الموت قد يكون شرطاً إذا اقترن بملابسات تجعله غير محقق الوقوع فى نطاق هذه الملابسات كاشتراط أن يتم فى وقت أو مناسبة معينة ، وكان المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن لمحكمة الموضوع السلطة المطلقة فى تفسير صيغ المحررات والشروط المختلف عليها بما تراه أو فى بمقصود المتعاقدين مستعينة فى ذلك بجميع ظروف الدعوى وملابساتها ، ولا رقابة لمحكمة النقض عليها فى ذلك متى كان تفسيرها تحتمله عبارة هذه الشروط ولا خروج فيها على المعنى الظاهر لها ، وكان الثابت من الوصية المؤرخة 1964/1/25 أنه نص فيها على " لقد عزمت أنا . . . بإذن الله و مشيئة الرحمن أن أكمل فريضة الله تعالى بحج بيت الله و زيارة الرسول عليه الصلاة و السلام فإذا قضى أمر الله و أنا غائبه عن الوطن أستحلفكم بالله يا أولادى أن تقوموا بتنفيذ وصيتى وهى " فإن الحكم المطعون فيه إذ إلتزم المدلول الظاهر لعبارات هذه الوصية التى جاءت صريحة فى أن الموصية جعلت وصيتها معلقة على شرط موتها بعيدة عن أرض الوطن أثناء تأديتها فريضة الحج عام 1964 لا يكون معيباً بالخطأ فى تطبيق القانون والفساد فى الإستدلال ، ولا عليه إن هو لم يرد على القرائن غير القانونية التى ساقها الطاعن إستدلالاً على دعواه عن طريق الإستنباط إبتغاء الوصول إلى نتيجة أخرى غير تلك التى هرة من عباراتها فإنها تكون صحيحة وفق ما نصت عليه المادة الرابعة سالفة البيان .

(الطعن رقم 2057 لسنة 52 جلسة 1988/02/24 س 39 ع 1 ص 301 ق 62)

2- لما كانت الوصية المؤرخة 6 /2 /1954 قد تضمنت الإيصاء للعرب فى مشارق الأرض ومغاربها بكل التركة دون بيان لوصف منضبط للموصى لهم، إذ أن عبارة الوصية قد شملت العرب فى جميع بقاع العالم، دونما تحديد مكاني أو وصفى معين ولم تكشف عما إذا كان المقصود بالعرب هم من ينحدرون من أصل عربي أياً كانت جنسياتهم أو من يحملون جنسية إحدى الدول العربية أياً كانت جذورهم عربية أوغير عربية ومن ثم فإنه يكون قد شاب الوصية الغموض والتجهيل بما يبطلها وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر بتأييده الحكم الابتدائي الذي انتهى إلى صحة هذه الوصية فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون.

(الطعن رقم 193 لسنة 63 جلسة 1998/10/26 س 49 ع 2 ص 627 ق 151)

3- وإن كانت أحكام الإرث وتعيين نصيب كل وارث فى التركة من النظام العام وكل تحايل على مخالفة هذه الأحكام وما يتفرع عنها من التعامل فى التركات المستقبلة باطل بطلاناً مطلقاً بما يتنافى مع إمكان إجازة التصرف الذى ينشأ عنه هذا التحايل إلا أنه إذا كان التصرف وصية فإن المادة الأولى من قانون الوصية الصادر برقم 71لسنة 1946 وقد اعتبرتها تصرفاً فى التركة مضافاً إلى ما بعد الموت فإنها تعد بذلك تعاملاً من الموصى فى تركته المستقبلة بإرادته المنفردة، وقد أجيزت استثناء بموجب أحكام الشريعة الإسلامية من المبدأ القاضى ببطلان التعامل فى التركة المستقبلة -وهى تصح طبقاً للقانون المشار إليه للوارث وغير الوارث وتنفذ من غير إجازة الورثة إذا كانت فى حدود الثلث وذلك عملاً بالمادة 37من قانون الوصية المشار إليه.

(الطعن رقم 634 لسنة 61 جلسة 1995/07/06 س 46 ع 2 ص 952 ق 187)

4- الوصية بطبيعتها تصرف مضاف لما بعد الموت فلا يكون لها وجود قانونى إلا بعد الوفاة وموت الموصى مصرا عليها، فإذا ما نصبت على حق المستأجر فى الايجار فإنها لا تنتج أثرا حال حياة الموصى ولا يترتب عليها استئثار الموصى له بهذه الحق أو انتزاعه العين المؤجرة من المستأجر الموصى حتى ولو لم يرجع فى الوصية وغنى عن البيان أن وصية المستأجر للغير بالحق فى إيجار المسكن بعد وفاته لا يعمل بها إذا ما تعارضت من نصوص التشريعات الاستثنائية لإيجار الأماكن التى تتضمن القواعد المنظمة لامتداد الايجار وتشترط أن يكون المستفيد من الامتداد قريب للمستأجر المتوفى حتى الدرجة الثالثة وأن يكون مقيما معه فى المسكن المؤجر حتى الوفاة وفق ما تقضى به المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977 اعتباراً بأن هذه الأحكام الخاصة الواردة فى التشريعات الاستثنائية لإيجار الأماكن متعلقة بالنظام العام من شأنها تعطيل ما يتعارض معها من القواعد العامة المتعلقة بعقد الإيجار وعدم جواز الاتفاق على مخالفتها.

(الطعن رقم 202 لسنة 57 جلسة 1992/06/07 س 43 ع 1 ص 796 ق 165)

5- العبرة فى تكييف العقود يكون بحقيقه ما عناه العاقدان منها دون التقيد بتكييف العاقدين لها ، و لئن كانت الهبة كعقد يجوز أن تستر وصية إلا أن إحتفاظ الواهب بحقه فى الإنتفاع بالمال الموهوب مدى حياته لا يتحتم معه وجوب إعتبار العقد وصية ولا يتعارض مع تنجيز التصرف ، ولما كان من المقرر فى المادة 486 من القانون المدنى أن " الهبة عقد يتصرف به الواهب فى مال دون عوض ويجوز للواهب دون أن يتجرد عن نية التبرع أن يفرض على الموهوب له القيام بإلتزام معين " ومن ثم تكون الهبة عقداً لابد فيه من إيجاب وقبول متطابقين ولا تنعقد بإرادة الواهب المنفردة كما فى الوصية وهى تصرف منجز ولا يجوز فيها إرجاء نقل ملكية المال الموهوب إلى ما بعد موته إلا أن ذلك لا يمنع الواهب من أن ينقل ملكية المال فى الحال ويرجئ التسليم إلى ما بعد الموت ، وليس ثمة ما يمنع الواهب ما دام لم يتجرد من نية التبرع أن يفرض على الموهوب له القيام بإلتزام معين سواء كان هذا الإلتزام لمصلحة الواهب له أو لمصلحة الموهوب له أو لمصلحة الغير دون أن يمنع ذلك كله من كون العقد هبة بمقدار الفرق بين العين الموهوبة و العوض .

(الطعن رقم 1459 لسنة 48 جلسة 1983/01/04 س 34 ع 1 ص 118 ق 36)

6- متى كان الثابت من الأوراق أن الطاعن لم يتمسك أمام محكمة الموضوع برجوع الموصية فى الوصية التى سترها عقد النزاع بالوصية الرسمية اللاحقة ، و من ثم لا يقبل منه التحدى بهذا الدفاع لأول مرة أمام محكمة النقض ، ولا يغير من هذا قول الطاعن بأن عناصر الرجوع كانت مطروحة على محكمة الموضوع ، ذلك أن تكييف التصرف و إن كان من مسائل القانون ، إلا أنه يستلزم بداءة تمحيص عناصره وأركانه وإستخلاص نيه المتعاقدين فيه ، مما يتصل بعناصر الدعوى التى يتعين طرحها تحت نظر محكمة الموضوع عند الحكم فى الدعوى حتى يتسنى لها تحقيقها و تقديرها .

(الطعن رقم 804 لسنة 44 جلسة 1981/04/07 س 32 ع 1 ص 1078 ق 201)

7- إذ كان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى اعتبار التصرف الحاصل بالعقد وصية فان هذه الوصية تصح وتنفذ فى ثلث التركة من غير إجازة الورثة وذلك أخذاً بنص المادة 37 من قانون الوصية رقم 71 لسنة 1946 ، وإذ قضى الحكم المطعون فيه بتأييد الحكم المستأنف الذى انتهى إلى تثبيت ملكية مورث المطعون عليهم الأربعة الأولي للنصف شيوعاً فى الأعيان موضوع الدعوى بعد استبعاد الثلث وهو نصيب الوصية ، وذلك دون أن يحيط بجميع أموال التركة من عقار ومنقول لبيان القدر الذى تنفذ فيه الوصية من الأعيان موضوع العقد وما يتبقى من أموال التركة ويكون محلاً للارث فانه يكون قد خالف القانون .

(الطعن رقم 653 لسنة 45 جلسة 1980/12/30 س 31 ع 2 ص 2168 ق 404)

8- إذ أقامت محكمة الاستئناف قضاءها بنفى صورية العقد و بأنه كان بيعاً باتا مقابل الثمن المحدد به والذى قبضه البائع فى وقت إبرام العقد على ما خلصت إليه من أقوال الشهود وما اطمأن إليه وجدانها على أسباب سائغة تكفى لحمله . ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن من نعى باغفال دفاعه الجوهرى المؤسس على رجوع المورث عن وصيته - لا يعدو أن يكون جدلاً فى تقدير المحكمة للأدلة مما لا يجوز إبداؤه أمام محكمة النقض .

(الطعن رقم 7722 لسنة 49 جلسة 1980/12/23 س 31 ع 2 ص 2102 ق 391)

9- مفاد نصوص المادة التاسعة من قانون الشهر العقارى رقم 114 لسنة 1946 والمادتان 18 ، 19 من قانون رسوم التوثيق و الشهر رقم 70 لسنة 1964 يدل على أن المشرع أوجب شهر الوصية بملكية العقار أو بحق الإنتفاع به وفرض رسماً نسبياً قدره 7 % من قيمة العقار الموصى به وقت شهر الوصية . ومن ثم فإذا طلب الموصى لهم أو خلفهم شهر الوصية فإن ذلك يفيد تمسكهم بإنتقال ملكية العقار الموصى به إليهم عن طريق تلك الوصية دون سواها من طرق كسب الملكية الأخرى وبالتالى يخضع شهر الوصية للرسم النسبى المشار إليه سواء تطابق مضمونها مع أحكام الإرث فى قانون الموصى أو إختلف معها ذلك أن إستحقاق الرسم المقرر على شهر الوصية لا يتأثر و لا يتوقف على بحث ما إذا كانت ملكية العقار الموصى به قد إنتقلت إلى الموصى له قبل شهر الوصية أم لا .

(الطعن رقم 149 لسنة 43 جلسة 1978/12/11 س 29 ع 2 ص 1887 ق 364)

10- إذ كان البين من عقد البيع أنه ينص على أن المورث قد باع العقار محل النزاع إلى نفسه بصفته ولياً شرعياً على أولاده القصر ودفع الثمن تبرعاً منه لأولاده المذكورين و رأت المحكمة أن الإدعاء بأن دفع المورث الثمن بصفته ولياً شرعياً يفيد أنه من مال القصر لا يتسق وباقى عبارات العقد من أن المورث قد تبرع بالثمن ووهبه لأولاده القصر الذين إشتروا العقار لهم وإلتزم بعدم الرجوع فى تبرعه بما يدل على أنه تبرع بالثمن فى العقد الأمر الذى يفصح عن أن التصرف هبة سافرة وليس بيعاً إذ لم تستوف بيانات العقد أحد أركان البيع وهو الثمن ثم فلا يصلح لستر الهبة الحاصلة بموجبه و التى تعتبر باطلة لعدم إتخاذها الشكل الرسمى ولا تعتبر وصية لأن العقد غير محرر بخط المورث ولم يصدق على توقيعه عليه ، فإن الحكم المطعون فيه إذ خالف هذا النظر يكون مخطئاً فى تطبيق القانون .

(الطعن رقم 843 لسنة 44 جلسة 1978/03/29 س 29 ع 1 ص 891 ق 177)

11- قبول طلب شهر المحرر يقتضى إثبات أصل ملكية البائع أو المتصرف ولا يقبل فى إثبات ذلك إلا أوراق معينة منصوص عليها فى قانون الشهر العقارى والتوثيق رقم 114 لسنة 1946 ، فقد نصت الفقرة الأولى من المادة 23 على أنه لا يقبل من المحررات فيما يتعلق بإثبات أصل الملكية أو الحق العينى وفقاً للمادة السابقة إلاالمحررات التى سبق شهرها ثم أوردت طائفة أخرى من الأوراق ليس من بينها المحررات المؤشر يصلاحيتها ، وعقود القسمة العرفية اللاحقة لصدور القانون وطبقاً للمادة السادسة من القانون رقم 180 لسنة 1952 الخاص بإلغاء نظام الوقف على غير الخيرات يتعين على من آلت إليه ملكية عقار أو حصة فيه أو حق إنتفاع أن يقوم بشهر حقه طبقاً للإجراءات والقواعد المقررة فى شأن حق الإرث فى القانون رقم 114 لسنة 1946 ، وإذ كان ذلك لم يحدث ولا يكفى مجرد التأشير على مشروع المحرر من مأمورية الشهر العقارى بصلاحيته للشهر ، فإن الحكم المطعون فيه إذ إلتزم هذا النظر وذهب إلى أن حق الطاعن وباقى البائعين فى المطالبة بباقى الثمن لايتأتى إلا بعد قيامهم بتنفيذ إلتزامهم بشهر إنهاء الوقف وعقد القسمة فلا يكون قد خالف القانون أو شابه القصور .

(الطعن رقم 887 لسنة 43 جلسة 1978/02/23 س 29 ع 1 ص 580 ق 113)

12- إذ كان الحكم المطعون فيه قد قضى بصحة التصرفين فى حدود ثلث كل منهما - بإعتبار أنهما صادرين فى مرض موت المورث - دون أن يستظهر عناصر التركة التى خلفها المورث أو يعنى ببحث ما إذا كانت التركة محملة بديون للغير أم لا مع أن هذا البيان لازم لتقدير الثلث الذى تخرج منه الوصية على النحو الذى يتطلبه القانون ، لما كان ذلك فإن الحكم يكون فوق خطئه فى تطبيق القانون ، قد جاء قاصراً عن بيان الأسباب التى إستند إليها فى تقييم القدر الجائز الإيصاء به .

(الطعن رقم 816 لسنة 43 جلسة 1977/12/06 س 28 ع 2 ص 1742 ق 299)

13- إذ كانت المطعون عليها الأولى قد أقامت دعواها بإلغاء عقد البيع الصادر إلى إبنتيها المطعون عليهما الثانية والثالثة لأنه فى حقيقته وصية طبقاً لورقة الضد وأنها رجعت فى وصيتها بالنسبة للمطعون عليها الثانية ، وكان يجوز للموصى الرجوع فى وصيته بالنسبة لبعض الموصى لهم دون البعض الآخر ولما كان الحكم المطعون فيه قد إنتهى إلى إلغاء العقد المذكور بالنسبة للمطعون عليها الثانية دون المطعون عليها الثالثة ، فإنه لا يكون معيباً بالتناقض .

(الطعن رقم 466 لسنة 43 جلسة 1977/01/31 س 28 ع 1 ص 328 ق 67)

14- مؤدى نص المادتين 18 ، 20 من قانون الوصية أن وجود الموصى به المعين فى ملكية الموصى يجب أن يستمر من وقت صدور الوصية إلى وقت قبولها ، لأن الوصية عقد غير لازم ، فما يكون شرطاً لإنشائه ، يكون شرطاً لبقائه ، حتى يتقرر ويلزم بالقبول بعد الوفاة ، فإذا تصرف الموصى حال حياته فى بعض ما أوصى به كان ذلك منه رجوعا عن بعض الوصية ، فلا تنفذ إلا فيما تبقى مما أوصى عليهم الثلاثة الأول بمبلغ ستة آلاف جنيه من ماله المودع بنك الإسكندرية بفرعيه ، وأن ما خلفه بعد وفاته من مال فى هذين الفرعين لا يتجاوز ... ... وكان دلالة ذلك رجوع الموصى عن بعض الوصية ، فإن الحكم المطعون فيه بتأييده قضاء الحكم الإبتدائى بنفاذ الوصية فيما تضمنته من إيصاء الموصى للمطعون عليهم الثلاثة الأول بمبلغ ........ يكون قد خالف القانون ، وأخطأ فى تطبيقه .

(الطعن رقم 520 لسنة 42 جلسة 1976/05/27 س 27 ع 1 ص 1215 ق 231)

15- مفاد نص المادة الخامسة من قانون الوصية رقم 71 لسنة 1946 أنه يشترط فى الموصى أن يكون أهلاً للتبرع بأن يكون بالغاً عاقلاً رشيداً راضياً فلا تصح وصية المجنون والمعتوه إذ لا إرادة لهما وإذا كان العقل شرطاً لصحة الوصية عند إنشائها فهو شرط أيضاً لبقائها ولذلك إذا جن الموصى جنوناً مطبقاً وإتصل الجنون بالموت فإن الوصية تبطل ، لأن للموصى أن يرجع عن وصيته ما دام حياً فإذا أصيب بجنون مطبق وإتصل به الموت لم يثبت أنه مات مصراً عليها أما إذا لم يتصل به الموت لم تبطل الوصية لأنه إذا أفاق قبل موته كانت لديه فرصة الرجوع و لم يرجع ، فكان ذلك دليلاً على الإصرار ، والمراد بالجنون على ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية لقانون الوصية تعليقاً على المادة الرابعة عشرة ما يشمل العته وبالمطبق ما يمكث شهراً . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر و قرر أن العته لا يبطل الوصية وإنما الذى يبطلها هو الجنون المطبق الذى يتصل بالموت ، فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون .

(الطعن رقم 585 لسنة 39 جلسة 1975/04/01 س 26 ع 1 ص 713 ق 140)

16- النص فى الفقرة الثانية من المادة 17 من القانون المدني المصري على أن "يسري على شكل الوصية قانون الموصي وقت الإيصاء أو قانون البلد الذي تمت فيه الوصية... " يدل على أن قاعدة قانون المحل يحكم شكل التصرف ليست قاعدة إلزامية فى التشريع المصري بل هي رخصة للموصى إبتغى بها التيسير عليه وترك له الخيرة فيجوز له أن يتخذ الوصية أما فى الشكل المقرر فى قانون الدولة التي ينتمي إليها بجنسيته وإما فى الشكل المقرر فى قانون البلد الذي تتم فيه الوصية ولما كان إختيار الموصية لأول الطريقين وإلتجاؤها إلى قنصل دولتها لتوثيق الوصية ، من شأنه أن يجعل القانون الواجب التطبيق على شكل المحرر هو قانون ذلك القنصل طالما توافرت فيه الشرائط اللازمة لذلك الإجراء ، أخذاً بقاعدة شكل المحرر يخضع لقانون من أجراه وهي قاعدة تسير جنباً إلى جنب مع قاعدة شكل المحرر يخضع لقانون بلد إبرامه وبمقتضاه يبرر الخروج على مبدأ الإقليمية فى التوثيق مراعاة لحاجة المعاملات الدولية ، ويلزم الموثق فى هذه الحالة بإتباع الشكل الذي يقضي به قانون بلده وكان توثيق الوصية موضوع الدعوى بمعرفة القنصل لا يتعارض مع قانون التوثيق ولا مع معاهدة مونترو وإذ كان الخيار المخول للموصية فى سلوك أحد الطريقين المشار إليهما لا يجعل الإلتجاء إلى الشكل القنصلي منطوياً على مخالفة للنظام العام ، فإن النعي على الحكم يكون ولا محل له .

(الطعن رقم 27 لسنة 37 جلسة 1974/12/04 س 25 ع 1 ص 1329 ق 227)

17- أدخل المشروع المصري الوصية ضمن نطاق مسائل الأحوال الشخصية ولما كانت قاعدة خضوع العقار لقانون الموقع وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة إنما تنصرف إلى الأحكام المتعلقة بحيازته وما يمكن أن يكتسب فيه من الحقوق العينية وطبيعة هذه الحقوق ونطاق كل منها وطرق إكتسابها وإنقضائها وغيرها من الأحكام الخاصة بنظام الأموال فى الدولة ولا شأن لها بمسائل الأحوال الشخصية  فإن وجود عقارات التركة التي خلفتها الموصية فى مصر لاعلاقة له بتوثيق الوصية فى حد ذاتها .

(الطعن رقم 27 لسنة 37 جلسة 1974/12/04 س 25 ع 1 ص 1329 ق 227)

18- إذ كان البين من الحكم المطعون فيه أنه أعرض عن قول كلمة الفصل فيما أثير من نزاع حول تكييف العقد وهو فى صدد القضاء بصحته ونفاذه مأخوذاً بإتساع التركة لنفاذ التصرف سواء بإعتباره بيعاً أو بإعتباره وصية ، وكانت المحكمة لا تستطيع البت فى أمر صحة العقد و نفاذه سواء بإعتباره بيعاً أو بإعتباره وصية إلا بعد تكييفه إذ يتوقف على هذا التكييف معرفة الأحكام القانونية التى تطبق عليه من حيث الصحة ، والنفاذ ، ولا يجوز لها حتى بفرض أن التركة تتسع لنفاذ التصرف فى الحالين أن تقضى بنفاذه قبل أن تبت فى أمر تكييفه وهل هو بيع أو وصيه ، فإن الحكم المطعون فيه يكون قد خالف القانون و قصرت أسبابه عن حمل قضائه بصحة التعاقد و نفاذه بعد ما تناقضت فتماحت .

(الطعن رقم 261 لسنة 39 جلسة 1974/04/29 س 25 ع 1 ص 761 ق 125)

19- النص فى المادة 98 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية و المادة 2/1 من قانون الوصية رقم 71 لسنة 1946 على أنه " لا يسمع عند الإنكار دعوى الوصية أو الرجوع عنها بعد وفاة الموصى فى الحوادث الواقعة منذ سنة 1911 إلا إذا وجدت أوراق رسمية أو مكتوبة جميعها بخط المتوفى وعليها إمضاؤه كذلك تدل على ما ذكر " مؤداه أن الوصية إذا كانت غير منكورة سمعت الدعوى بها . والإنكار الذى عناه الشارع هو الإنكار المطلق سواء فى مجلس القضاء أو قبل قيام الخصومة . فإذا أقر المدعى عليه بالوصية بكتابة عليها إمضاؤه أو أمام قاض فى مجلس قضاء قبل رفع الدعوى انتفى الإنكار و تعين سماعها .

(الطعن رقم 576 لسنة 34 جلسة 1970/01/08 س 21 ع 1 ص 24 ق 5)

20 - لما كان قانون الوصية رقم 71 لسنة 1946 ينص على أن الوصية لا تنفذ من غير إجازة الورثة إلا في حدود ثلث تركة الموصي بعد سداد جميع ديونه ولم يتعرض هذا القانون صراحة للوقت الذى تقوم فيه التركة ويتحدد ثلثها ، إلا أن الراجح في مذهب أبى حنيفة أن يكون تقدير الثلث الذى تخرج منه الوصية بقيمته وقت القسمة والقبض لأنه هو وقت استقرار الملك وتنفيذ الوصية وإعطاء كل ذي حق حقه ولا يكون هناك غبن على أي واحد من الورثة أو الموصي له فيها بعطاء ورتبوا على ذلك أن كل ما يحدث في الفترة ما بين وفاة الموصي والقسمة من نقص في قيمة التركة أو هلاك في بعض أعيانها يكون على الورثة والموصي له ، وكل زيادة تطرأ على التركة في هذه الفترة تكون للجميع ، مما يوجب على المحكمة إذا وصفت العقد بأنه وصية أن تستظهر عناصر التركة وتقدر صافي قيمتها ومقدار الثلث الذي يجوز فيه الإيصاء بغير إجازة ، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى باعتبار العقد مثار النزاع وصية لا تنفذ إلا في حدود الثلث دون أن يستظهر عناصر تركة المورث ويقدر صافي قيمتها للوقوف على ما إذا كان القدر الموصى به – العقار موضوع العقد سالف البيان – يدخل في حدود ثلث التركة كلها من عدمه ، فإنه يكون فضلاً عن قصوره قد أخطأ في تطبيق القانون ، بما يوجب نقضه ، على أن يكون مع النقض الإحالة ، ودون حاجة لبحث باقي أسباب الطعن .

(الطعن رقم 2812 لسنة 84 ق - جلسة 5 / 2 / 2023 )

شرح خبراء القانون

تنص المادة 915 مدني على ما يأتي :

تسري على الوصية أحكام الشريعة الإسلامية والقوانين الصادرة في شأنها.

ويتبين من النص سالف الذكر أنه يقرر مبدأ عاماً جوهرياً، هو أن تسري على الوصية أحكام الشريعة الإسلامية والقوانين الصادرة في شأنها ويستوي في ذلك وصية المسلم ووصية غير المسلم.

قانون الوصية المستمد من الشريعة الإسلامية هو الذي يسري على الوصية :

كانت المحاكم الشرعية تطبق في الوصية أحكام المذهب الحنفي في أرجح أقواله، وكانت هذه الأحكام غير مقننة وقد قننت في قانون الوصية رقم 71 لسنة 1946، كما قننت أحكام الميراث في قانون المواريث رقم 77 لسنة 1943، ولنفس الأسباب  وصار هذا القانون هو الذي يسري على الوصية، ويستوي في ذلك وصايا المسلمين وغير المسلمين من المصريين فوصية غير المسلم من المصريين تسري عليها أحكام الشريعة الإسلامية قبل أن تقنن، ثم قانون الوصية بعد تقنين هذه الأحكام، وقد استقر القضاء على ذلك حتى قبل صدور قانون الوصية  .

أما بالنسبة للأجانب فقد قضت محكمة النقض بأن النص في الفقرة الثانية من المادة 17 من القانون المدني المصري على أن يسري على شكل الوصية قانون الموصي وقت الإيصاء او قانون البلد الذي تمت فيه الوصية يدل على أن قاعدة قانون المحل يحكم شكل التصرف ليست قاعدة الزامة في التشريع المصري بل هي رخصة للموصي ابتغي بها التيسين عليه وترك له الخيرة فيجوز له ان تتخذ الوصية اما في الشكل المقرر في قانون الدولة التي ينتمي إليها بجنسيته، وأما في الشكل المقرر في قانون البلد الذي يتم فيه الوصية ولما كان اختيار الموصية لأول الطريقين والتجاؤها إلى فصل دولتها لتوثيق الوصية من شأنه أن يجعل القانون واجب التطبيق على شكل المحرر هو قانون ذلك القنصل طالما توافرت فة الشرائط اللازمة لذلك الأجراء، أخذ بقاعدة شكل المحرر يخضع لقانون من إجراء وهذه قاعدة جبناً إلى جنب مع قاعدة شكل المحرر يخضع لقانون بلد إبرامه وبمقتضاة يبرر الخروج على مبدأ الإقليمية في التوثيق مراعاة لحاجة المعاملات الدولية، ويلزم الموثوق في هذه الحالة باتباع الشكل الذي يقضي به قانون بلدة وكان توثيق الوصية موضوع الدعوى بمعرفة القنصل لا يتعارض مع قانون التوثيق  لا مع معاهدة مونترو، وإذا كان الخيار المخول للموصية في سلوك أحد الطرفين المشار إليهما لا يجعل الالتجاء إلى الشكل القنصلي منطوياً على مخالفة للنظام العام، فإن النعي علي الحكم يكون ولا محل له. (الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ التاسع المجلد/ الأول الصفحة/ 259)

الوصية، تصرف في التركة مضاف إلى ما بعد موت المتصرف، وقد صدر قانون شرح الوصية رقم 71 لسنة 1946 وقتن أحكام الوصية وفقاً للمعمول به أمام المحاكم الشرعية من أرجح الأقوال في المذهب الحنفي، وتسري أحكام القانون على جميع المصريين مسلمين وغير مسلمين، وتصح وتنفذ في حدود ثلث التركة بعد سداد ديونها سواء كانت لوارث أو لغير وارث أو لصاحب وصية واجبة، أما إن زادت ۔ ولو تعددت الوصايا - عن الثلث فهي صحيحة ولكنها لا تنفذ في حق الوارث إلا إذا أجازها بعد موت المورث وكان أهلاً للتبرع وقصد الإجازة، فإن لم يجز الزيادة أنقصت الوصية إلى الثلث ولا يعتبر ذلك إبطالاً أو فسخاً إنما عدم نفاذ في حق الوارث، ويجمع الوارث بين الوصية وحقه في الإرث خلافاً لصاحب الوصية الواجبة.

فإن كان المتوفي لا وارث له وليس مديناً صحت وصيته في كل أمواله دون حاجة لإجازة لبيت المال فهو ليس وارثاً وتصح الوصية بالمنفعة لمدة معينة فإن لم تحدد كانت لمدى حياة الموصى له، وقد تكون بسهم شائع في التركة كالثلث وحينئذ يكون الموصى له مالكاً على الشيوع بعد موت الموصي ويصبح خلفاً عاماً له، إن كانت بعين معينة من أعيان التركة كان الموصى مالكاً لتلك العين بعد موت الموصي ملكية مفرزة ويصبح خلفاً للموصی.

ويتملك الموصى له الريع فور موت الموصي حتى ولو كانت الوصية لم تشهر إذ أنها ترتب له التزاماً في ذمة الورثة بتسليم العقار الموصى إليه بمجرد وفاة الموصي، ولذلك فإنه يتعين على الموصى له في حالة عدم شهر الوصية أن يؤشر بها في هامش شهر حق الإرث حتى يحتج بها على من يكتسب على العقار حقاً عينياً، كما يتعين عليه الرجوع على من يضع يده على العين الموصى بها بالريع المستحق له فإن كان حق الإرث لم يشهر، كان للموصى له شهره ثم التأشير بوصيته في هامشه، أو إتخاذ إجراءات شهر الوصية، وفقاً لما يلي

ويجوز للموصي الرجوع في وصيته كلياً أو جزئياً صراحة أو ضمناً كما لو تصرف في العين الموصى بها حتى لو أبطل هذا التصرف، وتسقط إذا مات الموصى له قبل الموصي.

وتنعقد الوصية بالكتابة أو بالعبارة أو بالإشارة، والكتابة ليست ركناً في الوصية إنما شرطاً لسماع دعوى الوصية عند إنكار الورثة، فتسمع الدعوى إذا أقر الورثة صدور الوصية من مورثهم أو نكلو عن اليمين التي وجهها لهم الموصى له ولو لم تكن الوصية مكتوبة، فإن لم يقر الورثة فلا تسمع دعوى الوصية عند الإنكار إلا إذا كانت بورقة رسمية أو بورقة عرفية مصدق على توقيع الموصي فيها أو ختمه أو بورقة عرفية مكتوبة جميعها بخط الموصي وموقع عليها منه متى كانت الوصية سافرة ولا يشترط ذلك إذا سترت بتصرف آخر كعقد بيع.

 وتصح للمعدوم ولمن لا يحصون كطلبة الجامعة وتكون للمحتاجين منهم كما تصح للحمل إذا أقر الموصي بوجود الحمل وقت الوصية وولد حياً خلال 365 يوماً من وقت الوصية، فإن لم يقر الموصی تصح الوصية إذا ولد حياً خلال 270 يوماً، ويجب أن يقبل الموصى له أو من يمثله الوصية صراحة أو ضمناً فإن كان الموصی له شخصاً اعتبارياً كان القبول من ممثله، ويكون للموصى الرجوع، في وصيته كلياً أو جزئياً صراحة أو ضمناً كما لو تصرف في العين الموصى بها حتى لو أبطل هذا التصرف إذ أن الوصية ليست عقداً إنما توجد بالإرادة المنفردة، وإذا مات الموصى له قبل الموصي سقطت الوصية، فلا تنتقل للورثة.

وعند مناقشة المادة 915 من القانون المدني كان قانون الوصية رقم 71 لسنة 1946 قد صدر فرأت اللجنة الالتزام به فأحالت إلى القوانين الصادرة في شأن الوصية، بعد أن كان المشروع يحيل إلى النصوص التشريعية المستمدة منها. والمراد هو القوانين الصادرة في شأن الوصية والميراث، فإن لم يوجد نص، تعين الرجوع إلى الراجح من مذهب أبي حنيفة عملاً بلائحة ترتيب المحاكم الشرعية.

 الوصية والهبة :

الوصية، تصرف في التركة أو في جزء منها، مضاف إلى ما بعد موت المتصرف، أما الهبة، فهي عقد يتصرف الواهب بمقتضاه في مال له دون عوض وتكون الهبة دائماً تصرفاً منجزاً حتى لو إحفظ الواهب بحقه في الانتفاع بالعين الموهوبة طول حياته، لأن هذا الشرط لا ينفى تنجيز الهبة.

وكما يجوز ستر الوصية في تصرف إستوفی أركانه القانونية، كعقد بيع، فإنه يجوز ستر الهبة في ذات التصرف، وحينئذ لا يلزم أن تستوفي الهبة المستورة الشكل الرسمي حتى لو وردت على عقار إذا قام الواهب أو ورثته من بعده بتنفيذ الهبة مختاراً، إذ يترتب على هذا التنفيذ الاختیاری تصحيح البطلان الذي شاب الهبة بسبب تخلف الرسمية على ما أفصحت عنه المادة 489 من القانون المدنى.

ولا تقيد المحكمة بالوصف الذي يسبقه المتعاقدون على عقدهم، وإنما يجب عليها، ولو من تلقاء نفسها أن تكيف العقد بما يتفق وحكم القانون متقيده في ذلك بوقائع الدعوى وما تستخلصه من مستنداتها، بحيث إذا تعلقت الدعوى بصحة ونفاذ العقد، ورأت المحكمة أنه يستر وصية، كيفته على هذا الأساس، وقضت باعتباره وصية تنفذ في حدود ثلث التركة على نحو ما أوضحناه تفصيلياً بالمادة 917 فيما يلي وبند «تكييف الوصية» فيما يلي

أما إذا تبين لها أن العقد في حقيقته هبة سترها عقد بیع، أسبغت عليه هذا الوصف، مما مقتضاه، تنجيز هذا التصرف لتحقق التزام الواهب بتسليم الشيء الموهوب فور إبرام الهبة باعتبارها تصرفاً منجزاً يوجب التسليم فور إبرامه، بحيث إن لم يتم التسليم على هذا النحو، جاز إجبار الواهب عليه، فإن توفي الأخير قبل تنفيذ هذا الإلتزام، كان ديناً على التركة ينفذ قبل إنتقالها إلى الورثة، وفي هذه الحالة، لا يعتبر التصرف وصية لعدم تنفيذه قبل موت المتصرف، لأن الهبة تبرعاً منجزاً ولو أخل الواهب بتنفيذ التزامه، بينما الوصية تبرع غير منجز ومضاف إلى ما بعد الموت فلا يلتزم الموصى بالتسليم وإنما يعلق تنفيذ الوصية إلى ما بعد موت الموصى. وإن مات الموهوب له قبل الواهب، إنتقل محل الهبة لورثة الأولى خلافاً للوصية على نحو ما سلف.

فإذا تعلقت الهبة بعقار وتم سترها في عقد بیع استوفى أركانه القانونية، فلم يتطلب القانون الرسمية في هذه الحالة، اكتفاء بالتنفيذ الاختياري للهبة بالتسليم، فإن لم يتم هذا التنفيذ، وتخلفت الرسمية كان العقد باطلاً بطلاناً مطلقاً.

مفاد المادة 308 مرافعات أنه لا يجوز الحجز على الأموال الموهوبة أو الموصى بها لتكون نفقة، فإن لم تكن كذلك، جاز الحجز عليها إن كانت ملكيتها قد انتقلت إلى الموهوب له أو الموصى له، وذلك عندما لا يتضمن السند المنشئ لأي منهما شرطاً بعدم جواز الحجز، أما إذا توافر هذا الشرط، فلا يجوز الحجز على تلك الأموال أو على الإيرادات الناتجة منها إلا بقدر الربع وفاء لدين نفقة مقررة للزوج أو الأقارب.

وينحصر نطاق الشرط على دائني الموهوب له أو الموصى له الذين نشأ دينهم قبل الهبة أو الوصية لعدم تعويلهم على أموالها عند نشأة الدين إذ لم تكن قد شملها الضمان العام المقرر لهم في ذلك الوقت، أما إن كانت ديونهم قد نشأت بعد الهبة أو الوصية، جاز لهم الحجز عليها ولو تحقق علمهم بالشرط.

والعبرة في وقت نشوء الدين، بوقت تحقق سببه، وإذا ثار نزاع حول هذا الدين، فإن الحكم الذي يصدر بإلزام المدين به، يكون مقرراً، فلا يعتد بوقت صدوره، وإنما بوقت نشأة الدين، فإن كانت تلك النشأة سابقة على الهبة أو الوصية، فلا يجوز الحجز على أي منهما لاقتضاء هذا الدين حتى لو كان الحكم الصادر به لاحقاً على الهبة أو الوصية. ويعتد في هذا الصدد بوقت إبرام الهبة أو الوصية وليس بوقت تسلم أعيانها، وإذا رجع الواهب عن هبته والموصي عن وصيته بعد نشأة الدين، فلا ضمان على المدين.

أنواع الوصايا والقانون الواجب التطبيق

الوصية الواجبة :

جاء قانون الوصية رقم 71 لسنة 1946 بأحكام الوصية الواجبة وألزم بها المورث إن لم يوص بها اختياراً وتنفذ جبراً، وتكون لفرع من يموت في حياة أحد أبويه حقيقة أو حكماً كالمفقود (راجع حكمة فى تعليق م 875) أو يموتان معاً كالحرقی والهدمي والغرقى، إذا لم يستحق هذا الفرع من التركة شيئاً مهما نزلت درجة الفرع إذا كان المتوفى في حياة أحد والديه ذكراً بشرط ألا تتوسط أنثى، فإن توسطت أنثى لا تستحق الطبقات التي تليها وإذا كان المتوفي في حياة أحد أبويه أنثى لا يستحق من فرعها إلا الطبقة التي تليها فقط، وتكون الوصية بمقدار نصيب الولد المتوفى في حدود ثلث التركة بعد سداد ديونها، فإن أوصى المورث بأقل من نصيب ولده المتوفي وجب تكملته إلى مقدار النصيب بشرط ألا يجاوز الثلث، فإن أوصى بأكثر من نصيب ولده المتوفى كان الزائد وصية اختيارية، وتقدم الوصية الواجبة على الوصايا الاختيارية وتقسم بين مستحقيها قسمة الميراث، وإذا مات الابن أشترك أصله في ميراثه، فإن مات الأصل بعد ذلك كان لأبناء الإبن وصية واجبة في تركة أصلهم حتى لو كانت هذه التركة قاصرة على ما آل إلى الأصل من تركة ابنه.

وتقتصر الوصية الواجبة على الاحفاد دون أزواج الفرع المتوفی وعلی الوقائع اللاحقة لقانون الوصية المشار إليه، ويشترط لإيجاب الوصية واجبة: (1) ألا يكون الفروع الذين كان أصلهم في حياة أحد أبويه وارثين بأي قدر. (2) ألا يكون الميت أعطاهم بغير عوض کهبة أو وصية اختيارية أو تصرف ساتر لوصية کبيع في مرض الموت أو مما يخضع للمادة 917 مدنی ما يساوي الوصية الواجبة، فإن أعطاهم أقل وجبت وصية لهم بمقدار ما يكمل نصيب أصلهم أو الثلث إن كان نصيبه أكبر منه.

إذا صدر إشهاد شرعي وأغفل أصحاب الوصية الواجبة، كانت له حجيته في هذا الخصوص حتى يصدر حكم شرعي على خلافه وذلك عملاً بنص المادة 361 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية التي نصت على أن حجية الاشهاد الشرعي تدفع بحكم من المحكمة المختصة وهي محكمة الأحوال الشخصية إذ تقوم إجراءات الإشهاد في جوهرها على تحقيقات إدارية يصح أن ينقضها بحث تقوم به السلطة القضائية المختصة، فيقضي بإلغاء الإشهاد الشرعي وثبوت وفاة المورث وانحصار إرثه الشرعي في مستحقيه موضحاً أسماءهم وحصة كل منهم ووجود أصحاب وصية واجبة موضحاً أسماءهم وحصتهم في التركة، وترفع بذلك دعوی أصلية ليست طعناً في الإشهاد فلا يتقيد بميعاد معین.

ويخضع الحكم للشهر، فإن كان الورثة قد شهروا حق الإرث، تعين على صاحب الوصية الواجبة أن يؤشر في هامش شهر حق الإرث بصحيفة الدعوى حتى إذا ما صدر الحكم فيها لصالحه، قام بالتأشير به في ذيل التأشير بالصحيفة وحينئذ تعتبر الوصية الواجبة قد شهرت منذ تاريخ التأشير بالدعوى، فإن كان هذا التأشير قد تم خلال سنة من تاريخ شهر حق الإرث، فإن صاحب الوصية الواجبة يفضل على كل من تلقى حقاً عينياً من الورثة على عقارات التركة حتى لو كان التأشير بالدعوى لاحق لشهر التصرف الصادر من الوارث. أما إن كان التأشير بالدعوى قد تم بعد انقضاء سنة من شهر حق الإرث، فإن الأفضلية تكون للأسبق في الشهر

والعبرة بالتأشير بالدعوى خلال السنة المنوه عنها وليس بالتأشير بالحكم، فيظل صاحب الوصية الواجبة مفضلاً طالما أشر بدعواه في هامش شهر حق الإرث خلال سنة من تاريخ شهره ولو أشر بالحكم بعد انقضائها، لأن التأشير بالحكم يرتد أثره بحكم القانون إلى تاريخ التأشير بالدعوى.

فإن كان حق الإرث لم يشهر، تعين على صاحب الوصية الواجبة شهر صحيفة دعواه بطريق التسجيل حتى إذا ما صدر الحكم فيها لصالحه، قام بالتأشير بمنطوقه في هامش تسجيل الدعوى فيرتد أثره إلى وقت شهر الدعوى. ومتى قام صاحب الوصية الواجبة بشهر دعواه، فلا يلزم باعادة التأشير بها في هامش شهر حق الإرث إذا ما شهر الورثة هذا الحق لأن طرق الشهر يقوم بعضها مقام بعض في الأثر المترتب عليها، فشهر الدعوى بطريق التسجيل يغني عن شهرها بطريق التأشير الهامشي، ولما كانت تصرفات الورثة لا يجوز شهرها إلا مع شهر حق الإرث أو بعد شهره، فإن ما قد يصدر عنهم من تصرفات لن تشهر فبهذه الحالة إلا بعد شهر صحيفة الدعوى وبذلك يفضل صاحب الوصية الواجبة على من تلقی حقاً عينياً من الورثة.

شهر الوصية الواجبة :

أوضحنا فيما تقدم أن الوصية الواجبة تكون لفرع من يموت في حياة أحد أبويه، سواء كان الموت حقيقة بالوفاة أو حكماً بصدور حكم بإعتبار المفقود میتاً، وأنها تكون بمقدار نصيب الولد المتوفى في حدود ثلث التركة بعد سداد ديونها وتقدم على الوصايا الاختيارية وتقسم بين مستحقيها قسمة ميراث فيكون للذكر مثل حظ الأنثيين.

وتثبت الوصية الواجبة في الاشهاد الشرعي بناء على طلب أي من الورثة أو صاحب الوصية الواجبة أو من يمثله قانوناً كالأب باعتباره ولياً شرعياً إذا كانت الأم هي فرع المتوفی أو الوصي على صاحب الوصية الواجبة إذا كان الأب هو فرع المتوفى، ويصدر الإشهاد الشرعي من المحكمة الجزئية للأحوال الشخصية بعد إعلان باقي الورثة وصاحب الوصية الواجبة ما لم يكونوا حاضرين، وسماع شاهدى الطالب، ويتضمن الاشهاد ثبوت وفاة المورث وانحصار إرثه الشرعي في مستحقيه موضحاً أسماءهم ووجود أصحاب وصية واجبة موضحاً أيضاً أسماءهم، ثم بيان حصة كل وارث الشرعية وما يستحقه أصحاب الوصية الواجبة، وتسلم صورة رسمية من الاشهاد للطالب ويجوز استخراج صورة أخرى بعد ذلك بمجرد تقديم طلب دون اللجوء لإجراءات الصورة التنفيذية الثانية باعتبار الأشهاد ابات الواقعة وليس حكماً.

وتشهر الوصية الواجبة مع شهر حق الإرث، فيحصل صاحب الوصية الواجبة على صورة من الإشهاد الشرعي، ثم يتقدم بطلب لمأمورية الشهر التي تقع عقارات التركة في دائرة اختصاصها مرفقاً به المحرر المراد شهره متضمناً قائمة جرد بشهر حق الإرث على التفصيل الذي أوضحناه بصدد شهر حق الإرث فيما تقدم، وتحديد الحصص الشرعية للورثة على نحو ما تضمنه الأشهاد، فيكون الباقي من التركة هو نصيب صاحب الوصية الواجبة، ويوقع الطالب على المحرر، وتستوفي باقي المستندات المطلوبة للشهر كصورة الإشهاد الشرعي، وبعد إخطار الطالب بالقبول للشهر، يحرر المشروع على الورق الأزرق المدفوع بنقل ذات بيانات المحرر الذي قبلت المأمورية شهره وما قد يضيفه إخطار القبول، ويتقدم به مع حافظة المستندات التي ردت إليه مع إخطار القبول، فتضع الأمورية عليه خاتم «صالح للشهر»، وترسله للطالب ليقوم بسداد رسوم التصديق على توقيعه ورسوم الشهر، وبعد ذلك يسجل المحرر بدفتر الشهر، فيتم تسجيل الوصية الوادية وحق الإرث، وتعطي صورة وترسل أخرى لمأمورية الضرائب العقارية لتعديل دفاتر المكلفة ونقل التكليف إلى صاحب الوصية الواجبة بمقدار حصته فيها.

فإن كانت عقارات التركة تقع بدائرة أكثر من مكتب شهر، تعين شهر الوصية الواجبة على نحو ما تقدم في كل مكتب منها إذ لا يترتب على التسجيل أثره إلا بالنسبة للعقارات التي تقع في دائرة المكتب الذي تم التسجيل به

امتداد بحث أصل الملكية إلى الوصية الواجبة :

إذا كان طریق کسب ملكية العقار هو الميراث، وجب أن يتضمن الطلب والمحرر المراد شهره عند إعداده بعد التأشير على مشروعه بالصلاحية للشهر، اسم المورث وطریق کسبه لملكية العقار محل التصرف وأن يرفق المستند المثبت للوفاة کشهادة وفاة أو حكم قضائي نھائی وسند ملكيته كتصرف قانوني معتد به على نحو ما تقدم أو كشوف رسمية من دفاتر المكلفة إذا استند لوضع اليد تثبت ورود العقار في تكليف المورث من سنة 1933 وحتى عمل المعاينة في الطبيعة ويعتبر وضع يد الورثة امتداداً لوضع يد مورثهم.

ويجب لإثبات الوفاة والوراثة أياً كانت سنة الوفاة تقديم إعلام شرعي بذلك أو أي مستند رسمی يقوم مقامه، فإذا خلت هذه المستندات من بيان نصيب مستحقي الوصية فيفترض أن الولد الذي توفي في حياة أبيه حي ويقدر نصيبه في التركة باعتباره وارثاً ثم يستبعد هذا النصيب من التركة إذا كان في حدود الثلث فإذا زاد عن ذلك استبعد الثلث فقط وكان لباقي الورثة حق التصرف في الثلثين فقط ولا يؤشر على الطلب بالقبول للشهر إلا على هذا الأساس.

وإن كان المورث قبل وفاته قد تصرف في عقار مملوك له، ورفع المتصرف إليه دعوى بصحة ونفاذ العقد، تعین علیه اختصام جميع الورثة وكذلك أصحاب الوصية الواجبة، فإن صدر الحكم دون اختصام الأخيرين فإنه لا يجوز للمأمورية التأشير على الطلب الخاص بالقبول للشهر إلا بعد أن يقدم من صدر الحكم لصالحه إقراراً من هؤلاء مصدق عليه بقبولهم الحكم ونقل الملكية من المورث لمن صدر الحكم لصالحه، وإلا كان على الاخير استصدار حكم جدید ضدهم وحدهم بصحة ونفاذ العقد، وحينئذ تؤشر المأمورية على الطلب بالقبول للشهر.

تنص المادة الثالثة من قانون الوصية رقم 71 لسنة 1946 على أنه يشترط في صحة الوصية ألا تكون بمعصية وألا يكون الباعث عليها منافياً لمقاصد الشارع.

واستمد الشرع هذا النص من تفسير الفقهاء لقوله تعالى ( من بعد وصية يوصي بها أو دين غير مضار وصية من الله والله عليم حليم) سورة النساء -12 )

وجاء بتفسير الجلالين أن الآية الكريمة حال من ضمير يوصي أي غير مدخل الضرر على الورثة بأن يوصي بأكثر من الثلث، وجاء بأحكام القرآن للجصاص أن الضرار ينصرف إلى الوصية بأكثر من الثلث سواء كانت لوارث أو لغير وارث وحينئذ يكون الضرار ما جاوز الثلث باطلاً وليس موقوفاً على إجازة الورثة.

وذهب فريق آخر من الفقهاء إلى توافر الضرار إذا تجاوزت الوصية لغير وارث الثلث ما لم يجر الورثة هذا التجاوز لتعلقه بحقهم لا بحق الله، أما إن كانت في حدود الثلث وكان الباعث الدافع إليها هو الأضرار بالورثة كانت غير مشروعة فرد ويثبت ذلك بالإقرار أو البيئة أو القرائن ویری الحنابلة أبطال هذه الوصية، فإن كانت لوارث ایثاراً وتمييزاً له وأضراراً بباقي الورثة فهي باطلة ولو كانت في حدود الثلث، وجاء في جامع العلوم أن الأضرار في الوصية يكون تارة بأن يخص بعض الورثة بزيادة على فرضه الذي فرضه الله يتضرر بقية الورثة بتخصيصه ولهذا قال النبی صلی الله عليه وسلم (إن الله قد أعطي كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث) فإذا انتفى الضرر جازت الوصية لوارث. 

غير أن فريقاً من الزيدية والشيعة الجعفرية يسوون في الوصية سواء كان الموصى له وارثاً أو غير وارث، فتصح إن كانت في حدود الثلث بغير إجازة من الورثة وبهذا أخذ المشرع في المادة 37 من قانون الوصية.

وقد أخذ المشرع في المادة الثالثة سالفة الذكر بالقاعدة الشرعية التي لا خلاف بشأنها من أن المقاصد والاعتقادات معتبرة في التصرفات كما هي معتبرة في العبادات، فالقصد والنية والاعتقاد يجعل الشيء حلالاً أو حراماً وصحيحاً أو باطلاً. وعلى هدى ذلك، تكون الوصية ولو جاءت في حدود الثلث باطلة إذا قصد الموصى بها أضرار ورثته أو كان الباعث الدافع إليها غير مشروع ويجوز للورثة أثبات ذلك بجميع الطرق المقررة قانوناً، وينصرف الضرار في هذه الحالة إلى هذا الباعث أو إلى قصد الإضرار باعتباره الباعث الدافع إلى الإيصاء، أما إن أنتفی القصد وفقاً لهذا المفهوم، فإن الوصية تكون صحيحة ونافذة في حدود ثلث التركة دون حاجة لإجازة من الورثة، فمن يوصي لوارث أو لغير وارث وأنتفی لديه هذا القصد وذلك الباعث نفذت وصيته في حق الورثة في حدود الثلث.

ترد الوصية على الملكية أو أي من عناصرها، فقد ترد على حق الرقبة أو حق الانتفاع، وتخضع حينئذ للقواعد التي تضمنها قانون الوصية رقم 71 لسنة 1946 والقانون المدني إن لم يرد في شأن مسألة معينة حكم في قانون الوصية، فالوصية بحق الانتفاع تكون لازمة للورثة بموت الموصى مصراً عليها، وتستمر الوصية طوال حياة الموصى له وتنقضي بموته، فلا ينتقل حق الإنتفاع لورثته إلا إذا كان الموصي قد رتب أصحاب هذا الحق على نحو ما أوضحناه بالمادة 985 فيما بعد.

ولا يحول عدم انتفاع الموصى بالعين دون نفاذ الوصية في حق جميع الورثة، إذ يمتنع عليهم التعرض للموصى له في انتفاعه بالعين، ويلتزمون بتسليمها له إن لم يكن قد تسلمها، ويعتبر دائناً للتركة بهذا الحق مما يوجب عليه أن يؤشر بهذا الحق في هامش تسجيل حق الإرث خلال سنة من تاريخ شهره حتى يمكنه الاحتجاج على الغير بحقه، فإن لم يؤشر به خلال هذه السنة أو أشر به بعد إنقضائها، نفذت تصرفات الورثة في حقه إذا كانت قد أشهرت مع شهر حق الإرث أو بعده طالما لم يؤشر صاحب حق الانتفاع بحقه على نحو ما تقدم، وإذا أشهر تصرف الورثة بعد إنقضاء السنة، كما أشهر حق الانتفاع بطريق التأشير الهامشي بعد تلك السنة أيضاً، كانت المفاضلة بأسبقية التسجيل، فإن تم التأشير قبل تسجيل تصرف الورثة، كانت الأفضلية لصاحب حق الانتفاع، فيحتج بحقه على من تصرف له الورثة، والعكس صحيح.

لا تقتصر الوصية على الحقوق المادية الملموسة، كالعقارات والمنقولات، وإنما تمتد إلى الحقوق المعنوية غير الملموسة مادياً، كحق المؤلف بالنسبة لنشر مصنفه العلمي أو الأدبي أو الموسيقى، وقد ورد نص خاص في شأن الوصية بالحقوق المعنوية تضمنته الفقرة الثانية من المادة 28 من القانون رقم 354 لسنة 1954 بشأن حماية حق المؤلف، أجاز للمؤلف أن يوصى بحق الإستغلال المالي لمصنفه دون التقيد بالقدر الجائز الإيصاء به المنصوص عليه في قانون الوصية رقم 71 لسنة 1946، مما مفاده أن الوصية الواردة على الاستغلال المالي للمصنف تنفذ في حق ورثة المؤلف فور وفاته حتى لو كان المصنف هو كل تركة الموصي، إذ يعتبر قانون حماية المؤلف، قانوناً خاصاً بالنسبة لقانون الوصية الذي يعتبر قانوناً عاماً بالنسبة لأحكام الوصية.

الوصية بالمرتب من غلة عين :

يجوز للمالك أن يوصي لوارث أو غير وارث بمرتب من غلة عين من أعيان التركة، وحينئذ تنفذ الوصية في حق الورثة فور موت الموصي طالما كانت في حدود الثلث الذي يجوز الإيصاء به، ويقدر الثلث، بتقدير العين خالية من المرتب المحملة به، ثم تقديرها وقد تعلق بها حق الموصى له بالمرتب الموصى به، والفرق بين القيمتين هو قيمة الوصية، فإن كانت تلك القيمة لا تجاوز ثلث قيمة التركة وقت تنفيذ الوصية وقبض المرتب، نفذت في حق الورثة وإلا خفض المرتب إلى الثلث.

الوصية تصرف مضاف إلى ما بعد الموت وتنعقد بارادة الموصى المنفردة دون اشتراط شكل خاص، وما شرعته المادة الثانية من قانون الوصية رقم 71 لسنة 1946 بالنسبة للوصايا الواقعة بعد سنة 1911 من وجوب أن يحرر بالوصية ورقة رسمية أو تحرر بها ورقة عرفية مصدق فيها على إمضاء الموصى أو ختمه أو تحرر بها ورقة عرفية مكتوبة كلها بخط الموصي وموقع عليها بإمضائه، مطلوب لجواز سماع الدعوى بالوصية عند الإنكار وليس ركناً في الوصية ولا صلة له بانعقادها والمقرر أن الوصية بالمنافع جائزة في الشريعة الإسلامية وتعتبر صحيحة وفقاً لأحكام القانون المدني وقانون الوصية، وتصح لوارث ولغير وارث فيما لا يتعارض مع قانون آخر.

ولما كان يترتب على تنفيذ الوصية انتقال منفعة العين المؤجرة إلى الموصى له بعد وفاة المستأجر الأصلي، وهو ما ينطوي على إمتداد الإيجار إلى الموصى له، ومن ثم يجب لصحة الوصية بالإيجار، أن يكون الموصى له من الأشخاص الذين يمتد الإيجار إليهم بعد وفاة الموصى، وأن يكون حقه في الامتداد مستمداً من الموصى وليس من القانون، ويتحقق ذلك عندما يكون الموصى له وارثاً وأن يوجد نص في القانون بامتداد الإيجار إليه بوفاة المستأجر الأصلي، كما في العين المؤجرة لتاجر أو صانع أو مهني أو حرفي، وحينئذ تجوز الوصية بالإيجار لأحد الورثة وتقدر قيمة الوصية بوقت تنفيذ الوصية بتسليم العين المؤجرة، فإن كانت في يد الموصى له، كان التقدير بوقت وفاة الموصى، وتنفذ الوصية إذا كانت في حدود ثلث التركة دون إجازة من باقي الورثة باعتبار العين من عناصر التركة.

أما إن كان الحق في الامتداد مستمداً من القانون، بأن كان الموصى له أحد المقيمين مع المستأجر الأصلي، فإنه يترتب على موت الأخير إمتداد الإيجار لكل المقيمين مع المستأجر الأصلي، وهو ما يحول دون الوصية بالإيجار لأحدهم لتعارض ذلك مع حق الآخرين، ومن باب أولى لا تجوز الوصية لغيرهم ولو كان وارثاًَ.

فإن كانت العين المؤجرة لا يمتد إيجارها للورثة، فلا ترد عليها الوصية لتعارض ذلك مع أحكام التنازل عن الإيجار التي توجب صدور إذن صريح من المؤجر والإ جاز للأخير طلب الإخلاء.

للمورث قبل وفاته أن يقسم تركته على ورثته بموجب وصية وذلك على ما أوضحناه فيما تقدم، بند الوصية بقسمة أعيان التركة وما بعده، بصدد المواد 908 – 913.

كانت الشريعة الإسلامية، هي القانون الواجب التطبيق على المواريث عموماً ومنها الوصية، وتسري أحكامها على جميع المصريين، مسلمين كانوا أو غير مسلمين باعتبارها الشريعة القائمة.

وكانت المحكمة تطبق أرجح الآراء في مذهب الإمام أبي حنيفة عملاً بما تضمنته لائحة ترتيب المحاكم الشرعية. ثم أصدر المشرع قانون المواريث وقانون الوصية، فأصبحت نصوصهما هي الواجبة التطبيق، ومؤدى نصوص القانون الأخير، أن أحكامه تسري إذا كانت وفاة الموصى قد وقعت بعد العمل به دون اعتداد بوقت تحرير الوصية، فإن الوصية قد حررت قبل العمل به ولكن الوفاة وقعت بعد العمل بالقانون، فإنها لا تخضع لأرجح الآراء في المذهب الحنفي، وإنما لقانون الوصية رقم 71 لسنة 1946.

ولما كانت الشريعة الاسلامية لا تعرف الوصية التي يسترها عقد آخر، كعقد بيع أو عقد قرض، فإن الوصية التي كانت تحرر على هذا النحو، تكون باطلة وغير نافذة إذا وقعت وفاة الموصى قبل العمل بقانون الوصية، أما إذا وقعت الوفاة بعد العمل به، فإن الوصية تخضع لأحكامه، وبالتالي فإن الوصية تكون قد سترت في العقد الساتر لها، فتنفذ في حدود ثلث التركة، فان حرر العقد الساتر بعد العمل بهذا القانون خضع لأحكامه ونفذت الوصية في حدود ثلث التركة.

الوصية تصرف قانونی يتم بالإرادة المنفردة للموصى، ويكفي لذلك صدور الإيجاب منه وتتجه إرادته إلى إنشاء الوصية وتحمل تركته بالتزام للموصى له، والوصية تصرف رضائی لم يتطلب القانون له شكل خاص، وبالتالي تصح الوصية بأي كتابة، فلا يلزم أن تحرر في ورقة رسمية أو في ورقة عرفية مصدق على توقيع الموصى عليها، أو أن تكون محررة في ورقة عرفية مكتوبة جميعها بخط الموصي وموقع عليها بامضائه، لأن هذا الشكل لم يتطلبه قانون الوصية بالنسبة للوصايا الواقفة بعد سنة 1911 إلا إذا أنكر الورثة الوصية وحينئذ لا يحاجون بها إلا إذا كانت صياغتها وفقاً لأي من هذه الأشكال، بحيث إذا انتفى هذا الشكل، وأنكر الورثة الوصية، فلا تسمع دعوى الوصية.

أما إذا إنتفي هذا الشكل، ولم ينكر الورثة الوصية، فإنها تكون نافذة في حقهم، ويجوز بالتالي تنفيذها جبراً باستصدار حكم بصحة ونفاذ الوصية على التفصيل الذي سوف نوضحه فيما بعد، وطالما أن القانون لم يتطلب شكلاً معيناً للوصية في حالة عدم إنكار الورثة لها، وبالتالي يجوز أن تكون شفاهة بأي لفظ يدل عليها على أن يتم ذلك في حضور الورثة جميعاً بحيث إذا أنكروها بعد وفاة الموصي، جاز للموصى له أن يوجه إليهم اليمين الحاسمة بأن مورثهم لم يقرر تلك الوصية في مواجهتهم. فإن تقررت الوصية الشفوية في حضور بعض الورثة، فإن البعض الذي لم يحضر يكون له إنكارها، وحينئذ تنفذ في حق من حضرها فقط دون من أنكرها، إذ يعتبر من كان حاضراً، أنه مقر لها فتنفذ في حقه طالما نكل عن أداء اليمين.

طلب الحكم بصحة ونفاذ التصرف القانوني، يرد على الوصية وروده علی سائر التصرفات القانونية، ويشترط للحكم بذلك أن يكون التصرف لازماً ولم يشبه عيب ينحدر به إلى البطلان المطلق، ولما كانت الوصية تصرف غير لازم مما يجوز معه للموصى الرجوع فيها صراحة أو ضمناً، فإن لم يتحقق هذا الرجوع، فإنه يجوز للموصى الرجوع فيها صراحة سواء في حياة الموصى له أو بعد موته، فإن صدر الحكم بذلك في حياة الموصى له، فلا يحول دون الموصى والرجوع في وصيته حتى لو أصبح الحكم نهائياً وتم تسجيله آن تعلقت الوصية بعقار، إذ لا تنتقل ملكيته إلى الموصى له إلا بعد موت الموصي مصراً على وصيته.

فإذا رفعت الدعوى بعد موت الموصي، وجب أن يختصم فيها جميع الورثة حسبما تضمنه الإعلام الشرعي، وينعقد الاختصاص بنظرها للمحكمة الإبتدائية دائرة الأحوال الشخصية التي يتعين عليها قبل أن تفضي بنفاذ الوصية أن تندب خبيراً لبيان ما إذا كانت العين الموصى بها تدخل في حدود ثلث التركة من عدمه.

وللورثة تقديم أوجه دفاعهم وأدلتهم عليها، كما لو تمسكوا برجوع الموصي قبل وفاته عن الوصية، فإن تقدموا بعقد بیع، جاز للموصى له الطعن فيه بالتزوير.

الدعوى التي يرفعها ورثة الموصى برجوع مورثهم عن وصيته تنطوي على نزاع يتعلق بالوصية مما تعتبر معه النيابة العامة خصماً حقيقياً، يوجب القانون، عليها أن تمثل أمام المحكمة وتبدي رأيها كتابة أو شفاهة وإلا كان الحكم باطلاً.

الوصية تصرف قانونى من جانب الموصي يتم بإرادته المنفردة، ويتوافر بذلك الإيجاب اللازم في التصرفات القانونية، وحتى يعتبر التصرف لازماً، كقاعدة عامة، يتعين أن يصدر قبول له من المتعاقد الآخر، وقد يكون هذا القبول صريحاً أو ضمنياً، ومتى تلاقى القبول بالإيجاب انعقد التصرف يسرى ذلك على الوصية، فإنها لا تكون لازمة إلا إذا قبلها الموصى له، وظل على قبوله حتى موته، إلا يجوز له الرجوع فيها، رغم قبول الموصى له.

فإن لم يقبل الموصى له الوصية وردها، اعتبرت كأن لم تكن بالقدر الذي تضمنه الرد.

کانت الوصية قبل العمل بالقانون رقم 71 لسنة 1946 الخاص بالوصية، تخضع لأرجح الآراء في المذهب الحنفي، وبالتالي كانت قاصرة على غير الورثة، فإن كانت لوارث، فإنها لا تنفذ في حق باقي الورثة إلا إذا أجازوها، وإن أجازها البعض دون البعض الآخر، نفذت في حق من أجازها فقط.

وعند صدور قانون الوصية سالف الذكر، أجاز المشرع الوصية لوارث أو لغير وارث، سواء كانت مكشوفة أو مستورة، وفي الحالة الأخيرة يجوز الادعاء بصوريتها، سواء كانت لوارث أو لغير وارث، وتنفذ الوصية لوارث دون حاجة لإجازة باقي الورثة.

والمقرر أنه إذا تعارضت نصوص القانون مع الشريعة الاسلامية، وكان هذا القانون سابقاً على الدستور، وجب تطبيق القانون، فان كان لاحقاً على الدستور، فليس للمحاكم إهدار القانون إلا إذا قضت المحكمة الدستورية بعدم دستورية النص الذي يتعارض مع الدستور

يجب عند تكييف المحرر، استخلاص القصد الذي اتجهت نية المتعاقدين إلى تحقيقه، ثم التعرف على النص القانوني الذي يتفق وهذا القصد، لاخضاع المحرر له، فإذا تضمن المحرر تصرفاً مضافاً إلى ما بعد موت المتصرف، بدون مقابل، فإنه يتضمن تبرعاً مضافاً إلى ما بعد الموت وليس منجراً، وهو ما يتفق مع قانون الوصية رقم 71 لسنة 1946 الذي اعتبر الوصية تبرعاً مضافاً إلى ما بعد الموت، مما يتعين معه تكييف هذا المحرر بأنه وصية، سواء كانت سافرة أو مستترة في عقد آخر، کعقد بيع أو قرض، وإذا طعن في عقد البيع بأنه يستر وصية، تعين على المحكمة تكييفه للوقوف على طبيعته، فإن تبين لها أن الثمن المسمی به تم الوفاء به من مال المشتري، انتفى قصد التبرع، وهو ما يكفي لعدم اعتباره وصية، كذلك الحال إذا ثبت تنجيز التصرف وعدم إرجاء التنفيذ إلى ما بعد وفاة المتصرف، ولا ينال من ذلك أن تكون الحيازة والانتفاع للمتصرف والمتصرف إليه معاً، إذ العبرة بتحرى قصد الطرفين وانصراف نيتهما إلى تنجيز التصرف أو إضافة التنفيذ إلى ما بعد الموت، وللمحكمة إستخلاص هذا القصد من الظروف الملابسة للتعامل، فقد يبيع الأب عقاره لإبنه بيعاً صحيحأً منجزاً ويظل منتفعاً به مع ابنه حتى وفاته، فهذا الانتفاع الذي إستمر حتى الوفاة لا تحقق معه قرينة المادة 917 من القانون المدني، لتوافر قصد الأب في تنجيز تصرفه وما دلت عليه الظروف الملابسة كسفر الوالد للحج بعد التصرف بينما كانت ظروفه المالية لا تسمح بذلك، أو تجهیز الأب إبنته بعد التصرف، أو غير ذلك من الظروف التي تدل على قبض الأب للثمن دون اعتداد بمقداره أو تناسبه مع المبيع، إذ يخرج هذا المقدار عن قرينة المادة 917 سالفة الذكر، ولأن البيوع بين ذوي الأرحام تراعى فيها تلك العلاقة.

الأصل في التصرفات القانونية، ولو تمت بالارادة المنفردة، أن تكون لازمة مما  يحول دون التصرف والرجوع فيها إلا وفقاً لشروط حددها القانون، إذ تصدر هذه التصرفات منجزة يتخلى فيها المتصرف عن محل التصرف كما في الهبة أما الوصية، فإنها تصرف لا يتخلى فيها المتصرف عن الموصى به إلا بعد موته، وبالتالي لا يتعلق به حق للموصى له إلا بموت الموصي، ولذلك أجاز القانون للأخير الرجوع في وصيته صراحة أو ضمناً ببيع الموصى به أو بأي عمل يدل على إتجاه إرادة الموصى إلى هذا الرجوع، كسحب الوصية المودعة بالشهر العقارى أو هدم العين الموصى بمنفعتها، أو بإعادة الإيصاء بذات العين.

فالوصية تصرف يتم بالإرادة المنفردة، ويجب أن يقبلها الموصی له أو من يمثله على نحو ما تقدم وليس للقبول شكل خاص فقد يكون صريحاً وقد يكون ضمنياً كما إذا علم بها الموصى له ولم يردها.

وسواء قبل الموصى له الوصية أو علم بها ولم يردها، فأن للموصي دائماً الحق في الرجوع فيها كلياً أو جزئياً بالنسبة لكل الموصى لهم في حالة تعددهم أو بالنسبة للبعض فقط، ويكون الرجوع صريحاً إذا أفصح الموصى أنه رجع في وصيته وقد يكون ذلك شفاهة أو بخطاب أو إنذار رسمی يوجهه إلى الموصى له ويقع على من يتمسك بالرجوع وغالباً ما يكون الوارث للموصی عبء الإثبات وقد يكون الرجوع ضمناً كما لو تصرف الموصي في العين الموصى بها في حالة الرجوع الجزئي، ويتحقق الرجوع بمجرد التصرف باعتباره دالاً على نية المتصرف فلا تعود الوصية إذا أبطل هذا التصرف أو قضى بفسخه أو انفساخه إنما يكون للموصى إبرام وصية جديدة إذا شاء ولا يلزم بالإبقاء على الوصية السابقة على التصرف والتي أصبحت منعدمة بحكم القانون.

والرجوع يرد على التصرف الذي يعتبره القانون وصية أي تصرفاً مضافاً إلى ما بعد الموت، فإن كانت الوصية سافرة ورد عليها الرجوع بدون تخفظ، أما أن كانت مستورة بعقد آخر كما لو سترت في عقد بیع، فإن الرجوع فيها يرد بتحفظ مؤداه أنه حتى يجوز للموصى الرجوع أن يثبت أولاً أن البيع في حقيقته وصية بأن يدفع بالصورية النسبية بطريق التستر، ويخضع في هذا الإثبات للقواعد العامة باعتباره متعاقداً، فإن كان التصرف الصور مكتوباً أو جاوزت قيمته نصاب البيئة، فلا يجوز له إثبات التصرف الحقيقي، وهو الوصية، إلا بالكتابة أو ما يقوم مقامها مالم تكن الصورية تدليسية قصد بها الاحتيال على القانون للإضرار به، وحينئذ يجوز له إثبات التصرف الحقيقي بكافة طرق الإثبات بما في ذلك شهادة الشهود والقرائن أما أن لم يكن هناك تحايلاً على القانون وانتفى المانع الأدبي من الحصول على ورقة ضد، فأنه لا يجوز له إثبات التصرف الحقيقي إلا بالكتابة أو ما يقوم مقامها، فإن لم يتمكن من هذا الإثبات كان العقد الظاهر وهو هنا عقد البيع هو النافذ في حقه فلا يجوز له حينئذ الرجوع فيه باعتباره في حقيقته وصية إذ أنه عجز عن إثبات ذلك.

أما إن تمكن من إثبات أن عقد البيع بستر وصية وفقاً للقواعد السابقة في الإثبات، نكون بصدد وصية فتسري على التصرف جميع أحكام الوصية ومنها الرجوع فيها.

فإن كان الموصى قد شهر الوصية، ثم تصرف في العين الموصى بها تصرفاً ناقلاً للملكية فإنه يكون قد رجع في وصيته رجوعاً ضمنياً، فإذا تقدم المشتري بطلب لمأمورية الشهر التي يقع العقار في دائرة اختصاصها لشهر عقد البيع، فإنه يبين من البحث أن ذات العين تصرف فيها البائع من قبل بموجب وصية مسجلة وهو لا يحول دون الاستمرار في إجراءات شهر البيع باعتبار رجوعاً في الوصية. وبعد التصديق على توقيع البائع على مشروع عقد البيع يتم تسجيل هذا العقد بدفتر الشهر ثم يؤشر بذلك في هامش تسجيل الوصية كإجراء تنظيمي ويقوم هذا التأشير مقام محو تسجيل الوصية، وليس للموصى له في هذه الحالة الاحتجاج بسبق تسجيل الوصية ليفضل المشتري، لأن تسجيل الوصية في حياة الموصى لا يترتب عليه نقل ملكية العقار الموصى به إلى الموصى له، إذ لا تنتقل هذه الملكية إلا بموت الموصي مصراً على وصيته، أما قبل موته فتظل الملكية للموصى ويكون له الرجوع في وصيته وحينئذ تصبح كأن لم تكن.

فإن كان الرجوع في الوصية صراحة بعد شهرها، وجب التأشير بهذا الرجوع في هامش تسجيل الوصية، ويتم ذلك بتقديم طلب من الموصى إلى مكتب الشهر العقاري الذي أجرى تسجيل الوصية متضمناً البيانات المقررة بصدد «بيانات طلب التأشير الهامشي» ويرفق به حافظة منطوية على إقرار صادر من الموصى متضمناً رجوعه في وصيته مع ايضاح بياناتها ورقم وتاريخ تسجيلها ويجب أن يكون هذا الإقرار موثقاً إذا كانت الوصية موثقة، فإن كانت مصدقاً على توقيع الموصي عليها، أكتفي بأن يكون الإقرار مصدقاً على توقيع الموصي عليه، فيقوم المكتب بالتأشير بالإقرار في هامش تسجيل الوصية، ويعتبر هذا التأشير محواً لتسجيل الوصية، فإذا توفي الموصى بعد ذلك انتقلت ملكية العقار الذي كان موصياً به مع باقي أعيان التركة إلى الورثة، فإذا توفي الموصي دون اتخاذ هذه الإجراءات وقام الموصى له بالتصرف في العقار، سرت أحكام بيع ملك الغير التي أوضحناها فيما تقدم إذ يعتبر الرجوع في الوصية نقضاً لها.

أما أن كان الرجوع صراحة قبل شهر الوصية، فقد يكون الموصي قد وصل بإجراءات الشهر إلى مرحلة المشروعات بتوثيقة الوصية أو تصدیقه على توقيعه فيها ثم توقف عند هذا الحد، وحينئذ تكون الوصية جاهزة للتسجيل فور موت الموصي فيقدم الموصى له بطلب لمكتب الشهر لإجراء التسجيل مرفقاً به حافظة منطوية على إقرار بقبول الوصية وشهادة بوفاة الموصى فيتم التسجيل رغم رجوع الموصي في وصيته، وقد تكون الوصية لم تتخذ في شأنها أي من إجراءات الشهر وتكون موثقة أو مصدق على توقيع الموصى عليها، فيبدأ الموصى له في اتخاذ إجراءات الشهر حتى يتم له التسجيل في غفلة عن الورثة إذا لا يطلب تدخلهم فی الإجراءات في هذه الحالات، ولا يترتب على هذا التسجيل نقل الملكية لنقض الوصية فإن تصرف الموصي له للغير وتمكن هذا من تسجيل التصرف، فلا يكتب الملكية وتسري أحكام بيع ملك الغير.

فإن كانت الوصية محررة بخط الموصي وموقع عليها منه، فإن شهرها يبدأ برفع دعوى بصحبتها ونفاذها ضد الورثة بعد موت الموصي، ومتى أعلن هؤلاء بصحيفتها دفعوها برجوع الموصي فيها وتقدموا بإقراره متضمناً ذلك ولا يشترط أن يكون مصدقاً على توقيعه فيه، وحينئذ ترفض الدعوى مما يحول دون شهر الوصية فإذا كانت الدعوى سجلت اعتبر الرفض محواً له فإن شاب الإعلان بطلان حال دون علم الورثة بالدعوى ثم صدر الحكم بصحة ونفاذ الوصية وشاب إعلان الحكم أيضاً ذات البطلان، وتمكن الموصى له من شهر الحكم بالتأشير بمنطوقه في هامش تسجيل صحيفة الدعوى في حالة تسجيلها، فإن هذا البطلان يحول دون سريان مواعيد الطعن في حق الورثة، ويكون لهم الطعن فيه في أي وقت دون التقيد بالمواعيد المقررة، فتقضي المحكمة بطلان الحكم وتقف عند هذا الحد، فإن كان الموصى له قد تصرف في العقار للغير حسن النية بعد التأشير بالحكم، سرت الأحكام المقررة في بيع ملك الغير التي أوضحناها فيما تقدم.

محو التأشير بالوصية التي رجع المورث فيها :

قد يتعذر على الموصى له تسجيل الوصية التي رجع المورث فيها أولا يجد ثمة جدوى من هذا التسجيل أن كان قد أعلن بالرجوع، ونكاية في الورثة يتقدم بوصيته لمكتب الشهر للتأشير بها في هامش شهر حق الإرث، حتى يظهر عقارات التركة بأنها محملة بوصية، وحينئذ يكون للورثة اللجوء لقاضي الأمور المستعجلة لاستصدار حكم مستعجل بمحو هذا التأشير استناداً إلى الإقرار الصادر من الموصى بالرجوع في الوصية، فيقضي بذلك.

نفاذ الوصية في حدود ثلث التركة :

أجازت الشريعة الإسلامية للشخص أن يتصرف بالوصية في ثلث تركته دون إجازة ورثته بعد موته لهذا التصرف، سواء ثم ذلك حال صحته أو في مرض موته، وقد أخذ المشرع بهذا الحكم في قانون الوصية رقم 71 لسنة 1946، ويقدر الثلث بوقت القسمة أو القبض وليس بوقت إبرام الوصية أو موت الموصي.

إذا تجاوزت الوصية ثلث التركة، مقدرة بوقت القسمة والقبض وليس بوقت إبرام الوصية أو موت الموصي، فأنها تكون صحيحة ولكنها لا تنفذ في حق الورثة، ويكون لهؤلاء طلب عدم نفاذها في حقهم فيما جاوز الثلث، والسبيل إلى ذلك أما التراضى وأما التقاضی. فإن لم يقبل الموصى له قصر الوصية على ثلث التركة كان للورثة رفع دعوى بهذا الطلب، فإن كان المورث قد شهر الوصية قبل موته، تعين على الورقة التأشير بدعواهم في هامش تسجيل الوصية حتى إذا ما صدر الحكم لصالحهم قاموا بالتأشير بمنطوقه في ذيل التأشير بصحيفة الدعوى وحينئذ يرتد أثر التأشير بالحكم إلى وقت التأشير بالصحيفة، ويكون هذا الوقت هو التاريخ الذي على أساسه تكون المفاضلة بين التصرف الصادر من الموصى له والتصرف الصادر من الورثة، لأن المورث طالما أشهر الوصية فإن انتقال الملكية يتوقف على موته باعتبار الوصية تصرفاً مضافاً إلى ما بعد موت الموصي، فينفذ التصرف بإبرامه وتنتقل الملكية بموجبه بموت الموصي طالما قد شهر التصرف ويعتبر الموصى له قد تلقى الملكية من مالك وخرج العقار الموصى به من تركة الموصى فلا ينتقل إلى الورثة، ويظل على ملكية الموصى له حتى يستصدر الورثة حكماً بعدم نفاذ الوصية فيما جاوز الثلث وحينئذ ترتد للورثة ملكية القدر الزائد ما لم يكن الغير قد اكتسب ملكيته بتصرف مشهر صادر من الموصى له.

أما إن كانت الوصية لمن تشهر بمعرفة الموصى، وإنما شهرت بمعرفة الموصی له بدون تدخل من الورثة، بأن كانت الوصية موثقة أو مصدقاً على التوقيع فيها، فإن ملكية العقار تنتقل إلى الموصى إليه من تاريخ هذا الشهر متى تم بعد موت الموصي، وحينئذ يتعين على الورثة التأشير بدعواهم ثم بالحكم ويكون هذا التاريخ هو مناط المفاضلة بذات التفصيل المتقدم.

فإن كانت الوصية لم تشهر، فإن العقار الموصى به يبقى من أعيان التركة إذ أن ملكية العقار الموصى به لا تنتقل إلى الموصى له إلا بتسجيل الوصية وموت الموصى، فإذا رفع الموصى له دعوى بصحة ونفاذ الوصية كان للورثة أن يتمسكوا بعدم نفاذ الوصية فيما جاوز ثلث التركة وتحقيقاً لهذا الدفاع تندب المحكمة خبيراً لبيان قيمة العقار بالنسبة لباقي التركة ويكون التقدير بوقت القسمة والقبض وليس بوقت إبرام الوصية أو موت الموصي، فإذا تبين أن تلك القيمة تجاوز الثلث، قضت بصحة ونفاذ الوصية في حدود ثلث التركة، وتشهر الوصية في هذه الحالة على نحو ما تقدم. أما إذا كان الموصى له لم يرفع مثل هذه الدعوى، كان للورثة رفع دعوى ضده بعلم نفاذ الوصية فيما جاوز ثلث التركة، ولهم شهر صحيفتها بطريق التسجيل ثم التأشير في هامشه بمنطوق الحكم الصادر فيها لصالحهم فيرتد أثر هذا التأشير إلى تاريخ تسجيل الصحيفة ويكون هذا التاريخ هو مناط المفاضلة بين التصرفات المشهرة الصادرة من الورثة وتلك الصادرة من الموصى له فيما يتعلق بالقدر الزائد عن الثلث.

النص في المادة الرابعة من قانون المواريث رقم 77 لسنة 1943 على أنه يؤدى من التركة بحسب الآتي:

أولاً - ما يكفي لتجهيز الميت ومن تلزمه نفقته من الموت إلى الدفن.

ثانياً - ديون الميت.

ثالثاً - ما أوصى به في الحد الذي تنفذ فيه الوصية.

ويوزع ما بقي بعد ذلك على الورثة،.... يدل على أن التركة تنفصل عن المورث بوفاته ولا تؤول بصفة نهائية إلى الورثة إلا بعد أداء مصاريف تجهيزه وتجهيز من تلزمه نفقته وما عليه من ديون للعباد وما ينفذ من وصاياه .

فإذا تعددت الوصايا، ولم تكن تجاوز ثلث التركة، وجب تنفيذها قبل انتقال التركة إلى الورثة. باعتبار هذه الوصايا ديناً وأن لا تركة إلا بعد سداد الدين، فتظل التركة منشغلة بمجرد وفاة الموصي بحق عيني تبعي للموصى له يخوله تتبعها لاستيفاء وصيته منها على نحو ما تقدم بالنسبة لدائني التركة. ويسرى هذا الحكم سواء كانت الوصية الوارث أو لغير وارث.

فإذا تعددت الوصايا بما يجاوز ثلث التركة، فإنها لا تنفذ في القدر الذي تجاوزت به الثلث إلا باجازة جميع الورثة، فإن أجاز بعض الورثة فقط، جرت أحكام الوصية التي يجيزها الورثة بالنسبة لهذا البعض، رنجرى أحكام الوصية التي لم يجيزها الورثة بالنسبة للبعض الآخر.

ومتى تعدد الوصايا وجاوزت قيمتها ثلث التركة ولم يجيزها الورثة، فإنها تنفذ بالمحاصة بنسبة قيمة كل منها إلى قيمة ثلث التركة، فإن كانت قيمة هذا الثلث مائة، وقيمة الوصية الأولى خمسين منسوباً لقيمة هذا الثلث، وكانت قيمة كل من الوصیتین الثانية والثالثة خمسة وعشرين فإن صاحب الوصية الأولى يستحق  نصف الثالث ويقسم النصف الآخر بالسوية بين صاحبي الوصيتين الثانية والثالثة.

وأوجب قانون الوصية رقم 71 لسنة 1946 أن تكون الوصية، ولو تعددت في حدود ثلث تركة الموصي، وحينئذ تنفذ في حق الورثة من غير إجازتهم، وتقدر قيمة الوصية بوقت قسمة أعيان التركة وتسليمها لأصحاب الحق فيها من ورثة الموصى لهم، باعتبار أن هذا الوقت هو الذي تستقر فيه ملكية هؤلاء.

واذا وردت الوصية على عين مفرزة، کمنزل أو أرض، وكانت في حدود ثلث التركة، نفذت في حق الورثة كحصة مفرزة، بحيث إذا قام الموصى له بتسجيل وصيته، إنتقلت اليه ملكية تلك العين مفرزة، أما إذا كانت قيمة تلك العين تجاوز الثلث، ولم يجزها الورثة، زال الإفراز عن تلك الحصة، ودخلت في الشيوع مع باقی أعيان التركة، حتى لو كانت قابلة للتجزئة كارض فضاء أو زراعية، ويسرى ذلك في حالة تعدد الوصايا، فإن وردت وصية على حصة عقارية مفرزة، ووصية أخرى على حصة مماثلة، وكانت الوصيتان في حدود ثلث التركة، نفذت الوصيتان بغير إجازة الورثة، أما إذا جاوزت الحصتان ثلث التركة، ولم يجز الورثة، زال عن الحصتين الإفراز، حتى لو كان كل منهما على انفراد لم يجاوز الثلث ودخلت الحصان معا في الشيوع مع باقي أعيان التركة، حتى لو تم تسجيل الوصیتین، ولا تستقر ملكية الحصة التي لم تجاوز الثلث للموصى له إلا إذا خصته القسمة بها. وإلا سرت أحكام الحلول المترتبة على قسمة المال الشائع.

أما إن وردت الوصية على حصة شائعة، بعدم إفرازها، خضعت التركة لقواعد الشيوع سواء بالنسبة للورثة أو الموصى لهم، وتكون الوصية حينئذ بسهم شائع كما تكون كذلك إذا كانت بهم مفرز طالما جاوز ثلث التركة.

تصح الوصية وتنفذ في حق الورثة دون اجازة منهم إذا كانت في حدود ثلث التركة، فقد أباح المشرع للشخص أن يوصي بثلث تركته دون بيان سبب لذلك، وأن هذا القدر لا تتعلق به حقوق الورثة فلا يرجع إليهم في شأنه، وأما ما جاوز ذلك فهو من حق الورثة شرعاً ويعتبر لهم فلا يمس إلا بقبول منهم، فإن أوصى المورث بعقار، ثم تبين أن قيمته تجاوز ثلث التركة، والعبرة في تقدير التركة بوقت القسمة والقبض وليس بوقت إبرام الوصية أو وفاة الموصى، فإنها تكون صحيحة ولكنها لا تنفذ في حق الورثة فيما جاوز الثلث إلا إذا أقرها هؤلاء، فإن كانت الوصية مكتوبة بخط الموصى وموقعاً عليها منه، ولم يكن حق الإرث فد شهر، فتشهر الوصية وحق الإرث في محرر واحد يتضمن إقراراً من الموصى له بقبول الوصية واقراراً من الورثة - أو، ممن أجازها منهم - باجازتهم لها، كما يتضمن قائمة جرد لأعيان التركة جميعها تتعلق بشهر حق الإرث، في جدول يرمز له بحرف «أ» ثم يفرد جدول آخر لبيانات العقار الموصى به يرمز له بحرف «ب» ويوقع على المحرر من جميع الورثة والموصى له، وترفق به حافظة منطوية على إشهاد الوراثة وشهادة وفاة المورث وسند الوصية، وبعد الأخطار بالقبول للشهر، بعد مشروع المحرر على الورق الأزرق المدموغ ويقدم للمأمورية مرفقاً به حافظة المستندات، وبعد ختمه بخاتم (صالح للشهر) تسدد رسوم التصديق على التوقيعات والشهر، ويسجل بدفتر الشهر وتسلم صورة للموصی له وللوارث الذي يطلب أخرى وترسل صورة لمأمورية الضرائب العقارية لنقل تكليف العقار الموصی به إلى اسم الموصى له، ونقل تكلیف باقي عقارات التركة إلى اسم الورثة. 

فإن كانت الوصية موثقة أو مصدق على التوقيعات عليها، أتبعت نفس الإجراءات المتقدمة، ويتم الشهر أيضاً بطريق التسجيل.

أما أن كان الموصى قد شهر الوصية قبل موته، أتبعت أيضاً ذات الإجراءات  ويشهر المحرر أيضاً بطريق التسجيل على أن يؤشر بالإجازة في هامش تسجيل الوصية كإجراء تنظیمی دون حاجة للتأشير بشهر الوصية في هامش شهر حق الإرث وإن تم ذلك فهو بمثابة إجراء تنظيمي، فيعتد بتاريخ موت الموصي عند تحديد موعد انتقال ملكية العقار للموصى له وفي المفاضلة بينه وبين من تلقی حقاً عينياً على العقار الموصى به.

وإذا كانت الوصية مستورة في عقد بيع، وكانت تجاوز ثلث التركة، فإن الإجارة لا ترد على عقد البيع وإنما ترد على الوصية باعتبارها هي التصرف الذي اتجهت إليه الإرادة الحقيقية للمتعاقدين، ويتعين لذلك أن يكون الورثة قد تمسكوا بصورية عقد البيع وبأنه يخفي وصية وأثبتوا عناصر قرينة المادة 917 من القانون المدني، فتقضي المحكمة باعتبار التصرف وصية.

وقت تقدير قيمة الوصية :

تقدر القيمة بوقت القسمة والقبض على التفصيل الذي أوضحناه بند «وقت تقدير قيمة التصرف» بالمادة 917.

وفاة الموصى له قبل الموصي :

يجب لنفاذ الوصية وهي تصرف مضاف إلى ما بعد الموت، أن يكون الموصى له على قيد الحياة عند وفاة الموصى، أما أن توفي الموصى له قبل الموصي سقطت الوصية واعتبرت كأن لم تكن فلا يكون لورثة الموصى له حق فيها.

 وفاة الموصي مصراً على وصيته :

الوصية تصرف غير لازم حتى لو قبلها الموصى له، فلا يكتسب الأخير حقاً بها إلا إذا مات الموصى مصراً عليها، وبالتالي يكون له الرجوع فيها في أي وقت، صراحة أو ضمناً، فإذا تصرف في العين الموصى بها بأي تصرف، غير الوصية کبيع أو هبة أو مقايضة، دل ذلك على رجوعه في وصيته وعدوله عنها، بستری أن يتم التصرف لنفس الموصى له أو لغيره، فأن كان للموصى له، جاز أن تكون التصرف حقيقياً منجزاً، أو يكون ساتراً لوصية حسبما تدل عليه الظروف والملابسات التي أحاطت به.

الوصية من التصرفات الخاضعة للشهر بطريق التسجيل وفقاً لنص المادة التاسعة  من قانون الشهر العقارى باعتبارها تصرفاً ناقلاً للملكية، فإن لم تسجل فلا يترتب عليها سوى التزامات شخصية إذا مات الموصى مصراً عليها، وحينئذ يلتزم الورثة بتسليم العين الموصى بها للموصى له وعدم التعرض له.

ولما كانت الوصية تصرفاً مضافاً إلى ما بعد موت الموصي، فإن الملكية لا تقل إلى الموصى له إلا بعد وفاة الموصي مصراً على وصيته، و للموصى حال حياته شهر الوصية، فيتقدم لمأمورية الشهر التي يقع العقار الموصى به في دائرة اختصاصها، بطلب لشهر وصيته مرفقاً به حافظة مستندات منطوية على المحرر المتضمن الوصية مستوفياً الشكل المقرر قانوناً، فيجب أن يكون موثقاً أو مصدقاً على توقيع الموصي فيه أو مكتوباً جميعها بخط الموصي وموقع عليه منه وفي الحالة الأخيرة يذيل بإقرار من الموصي يدل على ذلك، وبعد أن يخطر الموصى بالقبول للشهر، يتقدم بمشروع الوصية محرراً على الورق الأزرق المدموغ ويحصل کامل رسوم الشهر والتوثيق ورسوم الحفظ ثم يصدق على توقيع الموصى أو يوثق وبعد ذلك تسجيل الوصية بقيدها بدفتر الشهر، ولما كانت الملكية لا تنتقل إلى الموصى له إلا بعد وفاة الموصي مصراً على وصيته، فإن إجراءات الشهر نقف عند التسجيل فلا يتم تصویر سند الوصية الشهر وبالتالي لا تختم بخاتم (ناقل للتكليف) وتظل الملكية للموصى حال حياته. وعند موته مصرة على وصيته بعدم الرجوع فيها صراحة أو ضمناً، انتقلت الملكية بحكم القانون إلى الموصى له من وقت وفاة الموصي ودون حاجة لأي إجراء آخر إذ استوفى الشهر كافة شروطه وعلق ترتيب أثره الناقل للملكية على أجل هو وفاة الموصي، وللموصی له بعد ذلك، أن يتقدم إلى مکتب الشهر بطلب مرفقاً به إقرار بقبوله الوصية وشهادة بوفاة الموصى للتأشير بها في هامش تسجيل الوصية حتى يتمكن من نقل التكاليف من اسم الموصى إلى اسمه، ويقوم المكتب بتسليمه صورة من الوصية، ويرسل أخرى لمأمورية الضرائب العقارية بالحي مختومة بخاتم ناقل للتكليف، لتعديل دفاتر المكلفة، وهذا التأشير إجراء تنظيمي لا شأن له بنقل الملكية فتلك قد نقلت بحكم القانون من يوم الوفاة وليس من وقت التأشير الهامشي.

 المفاضلة بين الموصى له وبين من تلقى الملكية من وارث :

يعتبر الموصى له دائناً للموصي، وحتى يحج الموصى له بوصيته على من تلقي حقاً من ورثة الموصى، يجب عليه أن يقوم بتسجيل وصيته والتأشير بها في هامش.

تسجيل حق الإرث خلال سنة من تاريخ هذا التسجيل ويترتب على ذلك نفاذ الوصية في حق من تلقى الملكية من وارث ولو كان الأخير قد سجل تصرفه قبل تسجيل الوصية، أما إذا قام الموصى له بالتسجيل بعد تلك السنة فإن المفاضلة بينه وبين من تلقي المكية من وارث تكون بأسبقية التسجيل، فإن لم يكن حتى الإرث قد أشهر، فتقل الملكية للموصى له متى سجل الوصية في أي وقت ولا يفضله من تلقى الملكية من وارث ولو كان تسجيل تصرف الأخير أسبق، بشرط أن يكون الموصى له قد أشر بالوصية.

قد لا يرغب الموصى في اتمام عملية شهر الوصية، ويكتفي باتخاذ الإجراءات التي تتطلبها مرحلتي الطلبات والمشروعات حسبما أوضحناه بالبند السابق، فيصل بالإجراءات إلى توثيق الوصية أو التصديق على توقيعه عليها، ويقف بالإجراءات عند هذا الحد مرجئاً الشهر إلى ما بعد موته ليتمه الموصى له، فتستحق رسوم التوثيق أو التصديق، وعند شهر الوصية تحصل رسوم الشهر.

شهر الوصية بمعرفة الموصى له :

إذا كان الموصي قد أتم مرحلتي الطلبات والمشروعات كما في البند السابق، فعند وفاته يقوم الموصى له بإتمام مراحل الشهر، فيتقدم لمكتب الشهر بطلب لشهر الوصية مرفقاً به إقرار بقبوله لها وشهادة وفاة الموصى له، وتحصل رسوم الشهر وحينئذ يقوم المكتب بتسجيل الوصية بقيدها بدفتر الشهر وعمل صور منها تسلم إحداها للموصى له وترسل أخرى لمأمورية الضرائب العقارية لنقل التكليف من اسم الموصي إلى اسم الموصى له، وتنتقل الملكية في هذه الحالة من وقت تسجيل الوصية وليس من وقت موت الموصى عملاً بالمادة التاسعة من قانون الشهر العقاري.

وإذا كان الموصي قد اكتفى بتسليم المحرر المتضمن الوصية للموصى إليه مستوفياً الشكل المقرر قانوناً، بأن كان موثقاً أو مصدقاً على توقيعه عليه، فعند وفاة الموصي يتعين على الموصى له اتخاذ إجراءات الشهر، فيتقدم بطلب للمأمورية التي يقع العقار في دائرة اختصاصها مرفقاً به حافظة منطوية على المحرر وشهادة وفاة الموصي، وبعد أخطاره بالقبول للشهر، يتقدم بالمحرر المتضمن الوصية كمشروع الوصية، سبق توثيقه أو التصديق على توقيع الموصى عليه حال حياته مرفقاً به المستندات المشار إليها فيما تقدم، فتسدد رسوم الشهر ويقوم المكتب بشهرها بالقيد بدفتر التسجيل، وتسليم صورة للموصى له وإرسال أخرى لمأمورية الضرائب العقارية لنقل التكليف من اسم الموصي إلى اسم الموصى إليه، وتنتقل الملكية من تاريخ التسجيل عملاً بالمادة التاسعة من قانون الشهر العقاري.

فإن كانت الوصية غير موثقة وغير مصدق على توقيع الموصى عليها، بل كانت بورقة عرفية مكتوبة جميعها بخط الموصي وموقع عليها منه، ففي هذه الحالة يلتزم الورثة بنقل ملكية العقار الموصى به إلى الموصى له، فأن وافقوا على تنفيذ هذا الالتزام طواعية، تقدموا والموصى له بطلب لمأمورية الشهر التي يقع العقار في دائرة اختصاصها لشهر حق الإرث والوصية، مرفقاً به حافظة منطوية على محرر متضمن إقرار الورثة للوصية وإقرار الموصى له بقبولها وقائمة جرد للتركة يرمز له بجدول حرف (أ) وجدول آخر يرمز له بحرف (ب) يخصص لبيان العقار الموصى به مع ايضاح للوصية وقبول الورثة لها وكذلك إعلام الوراثة، ويوقع الطلب من جميع الورثة ومن الموصى له. كما تنطوي الحافظة على سند الوصية وإعلام وراثة لإثبات صدور الإقرار من جميع الورثة ومن الموصى له كما تنطوى الحافظة على سند الوصية وإعلام وراثة لإثبات صدور الإقرار من جميع الورثة وشهادة وفاة الموصى وبعد الاخطار بالقبول للشهر، يحرر المشروع على الورق الأزرق المدموع متضمناً ذات البيانات المتقدمة وما جاء باخطار القبول برفق به ذات المستندات التي كانت مقدمة مع الطلب، وبعد ختم المشروع بخاتم صالح للشهر تسدد رسوم التصديق والشهر، ويصدق على التوقيعات فيه ثم يشهر بتسجيله بدفتر الشهر وبذلك يشهر حق الإرث والوصية وتنتقل الملكية للموصى إليه منذ تاريخ هذا التسجيل، وترسل صورة لمأمورية الضرائب العقارية مختومة بخاتم «ناقل للتكيف» لتعديل دفاتر المكلفة.

أما إذا إمتنع الورثة عن اتخاذ تلك الإجراءات، تعين على الموصى له اللجوء إلى دعوى صحة ونفاذ الوصية.

الوصية تصرف مضاف إلى ما بعد وفاة الموصي، يستوى أن تكون الوصية سافرة أو مستورة بعقد، كعقد بيع أو قرض، فأن كانت الوصية سافرة بمبلغ معین،.، فإنه يستحق فور وفاة الموصي، ويصبح المبلغ ديناً على التركة يلتزم الورثة بالوفاء به للموصى له، مما يوجب على الأخير التأشير بالوصية في هامش تسجيل حق الإرث حتى يستطيع التنفيذ بالمبلغ الموصى به على أعيان التركة في أي يد تكون متى تم التأشير خلال سنة من تاريخ تسجيل حق الإرث. فإذا لم يتم التأشير أو تم بعد انقضاء السنة، فلا يجوز للموصى له التنفيذ على أعيان التركة تحت يد من تصرف له الورثة، وينحصر حقه في التنفيذ على التركة التي ما زالت تحت يد الورثة. وإذ كان المبلغ الموصى به معلوم المقدار وقت استحقاقه، فإذا تأخر الورثة في الوفاء به، كانوا ملزمين بأن يدفعوا للموصى له على سبيل التعويض عن التأخير فوائد قانونية قدرها أربعة في المائة، وتسرى هذه الفوائد من تاريخ المطالبة القضائية بها على التفصيل الذي أوضحناه بالمادة 226 فيما تقدم، إذ لا يوجد نص في قانون الوصية يحدد ميعاداً آخر لسريانها، وبالتالي تسري القواعد العامة .. وتسرى الفوائد على هذا النحو متى كانت الوصية قد سترت في عقد قرض تضمن فوائد إتفاقية تخالف النسبة سالفة البيان، إذ طالما ظهرت حقيقة التصرف وأنه وصية وجب الإلتزام بأحكامها وطرح عقد القرض برمته لصوريته بما تضمنه من فوائد اتفاقية.

فإن كان محل الوصية عقاراً معيناً، فإن ملكيته لا تنتقل إلى الموصى له إلا بتحقق شرطين، أولهما وفاة الموصى مصراً على وصيته، وثانيهما تسجيل الوصية، فإذا تحقق الشرطان، وكان الموصى له يضع اليد على العقار الموصى به، فإنه يكون قد تملكه إذا كانت قيمته لا تجاوز ثلث التركة، فإن نازعه الورثة في هذه الملكية جاز له رفع دعوى بتثبيت ملكيته لهذا العقار ومنع تعرضهم له، أما إن لم يكن يضع يده عليه، جاز له رفع دعوى باستحقاقه له مع التسليم وطرد الورثة منه والتعويض المستند للغصب لانتفاء السبب الذي يخول لهم الانتفاع به.

ويجب على الموصى له أن يؤشر بوصيته في هامش تسجيل حق الإرث لحفظ حقه. 

إذا تضمنت الوصية عقاراً مفرزاً، أو حصة شائعة في التركة، كالثلث وكانت التركة عبارة عن عقارات، أو عقارات ومنقولات، فتكون الدعوى بصحة ونفاذ الوصية واردة على حق من الحقوق العينية العقارية، وهو حق الملكية إذ تعتبر تلك الدعوى من دعاوى الملكية مآلاً، إذ يترتب على تسجيل الحكم النهائي الصادر فيها أو التأشير به في هامش تسجيل صحيفتها، انتقال ملكية العقار إلى الموصى له إذا كان الموصي قد توفى، ولذلك تخضع هذه الدعوى للفقرة الثالثة من المادة 65 من قانون المرافعات التي يجري نصها بأنه لا تقبل دعوى صحة التعاقد على حق من الحقوق العينية العقارية إلا إذا أشهرت صحيفتها، وذلك على التفصيل الذي أوضحناه بالمادة 428 فيما تقدم. وراجع بند طلب الحكم بصحة ونفاذ الوصية.

ولا يكفي لانتقال ملكية العقار الموصى به إلى الموصى له تسجيل صحيفة دعوى صحة ونفاذ الوصية، وإنما يلزم التأشير بالحكم الذي يصدر فيها بصحتها ونفاذها، في هامش تسجيل صحيفة الدعوى، وأن يكون الموصي قد توفي لأن الوصية تصرف مضاف إلى ما بعد موت الموصي، وأنها تصرف غير لازم يجوز معه الرجوع فيها في أي وقت، فإذا رفعت الدعوى في حياة الموصى واختصم فيها وحده، وتم تسجيل صحيفتها، كانت مقبولة، لما هو مقرر من أنه يجوز للموصي أو للموصى له اتخاذ إجراءات شهر الوصية رضائياً، على التفصيل المتقدم، وبالتالي يجوز رفع تلك الدعوى، ومتى صدر الحكم وتأشر به في هامش تسجيل الصحيفة، كان ذلك بمثابة صحة الوصية وصدورها من الموصى وهو ما يحاج به ورثته بعد وفاته إذا كانت في حدود ثلث التركة مقدرة وقت إنتقال الملكية، وتكون الوصية ولزومها وانتقال الملكية بموجبها موقوفاً على وفاة الموصي مصراً عليها، وبالتالي لا يحول صدور الحكم بصحتها ونفاذها من الموصى والرجوع فيها، ولا يرجى التأشير بالحكم إلى ما بعد موت الموصي إذ لا تنتقل الملكية بهذا التأشير وإنما يتحقق الشرط الذي تصبح معه الوصية لازمة، وهو وفاة الموصي مصراً عليها، على ما أوضحناه ببند الرجوع في الوصية المشهرة فيما تقدم.

وإذا توفي الموصى، وقام الورثة بتنفيذ الوصية رضاء، واتخذوا الإجراءات اللازمة لنقل ملكية الحق العيني العقاري الموصى به، خلصت الملكية للموصى له.

أما أن امتنع الورثة عن تنفيذ التزامهم، أمكن تنفيذه عيناً برفع دعوى أمام محكمة الأحوال الشخصية بصحة ونفاذ الوصية، على نحو ما أوضحناه ببند طلب الحكم بصحة ونفاذ الوصية، فيما تقدم. وتعين على الموصى له أشهار دعواه بطريق التسجيل، فأذا ما صدر الحكم وقام الموصى له بالتأشير بمنطوقه في ذيل التأشير بالدعوى أو في هامش تسجيلها. انتقلت ملكية العقار الموصى به إلى الموصى له منذ التأشير بالحكم وليس منذ تسجيل صحيفة الدعوى.

وإذا قام الموصى له بتسجيل صحيفة الدعوى في حالة عدم شهر حق الإرث، ثم شهر هذا الحق، فلا يلتزم الموصى له بالتأشير بالدعوى في هامشة، إذ يترتب أثر الشهر فور إتمامه بأي طريق من طرق الشهر، وتكون المفاضلة بين الموصى له والغير الذي تلقی حقاً عينياً على العقار الموصى به من الورثة على أساس الأسبقية المطلقة في الشهر إذا أشهر الموصى له دعواه قبل اشهار حق الإرث أو بعد انقضاء سنة من تاريخ اشهاره، أما أن تم شهر الدعوى بصحة ونفاذ الوصية خلال سنة من شهر حق الإرث ويكون ذلك بطريق التسجيل، فإن الموصى له يفضل على من تلقى الحق من الوارث حتى لو كان شهر التصرف الصادر للأخير أسبق على شهر دعوى الموصى له، وذلك عملاً بنص المادة 14 من قانون الشهر العقاري.

وتخضع دعوى صحة التعاقد لإجراءات الشهر الموضحة فيما تقدم وكذلك التأشير بالحكم الصادر فيها.

الوصية، تصرف قانونی مضاف إلى ما بعد موت الموصي، وبالتالي فأنها تخضع للقواعد التي تخضع لها التصرفات القانونية من حيث الصحة والبطلان، مما يتعين معه صدور الوصية عن إرادة حرة غير مشوبة بعيب من العيوب التي تشوبها كغلط أو تدليس أو إكراه، ويفيد التمسك بذلك بعد موت الموصي عندما يظهر العيب للورثة، طالما ظل العيب عالقاً بارادة المورث قبل موته ولم يتمكن من الرجوع في وصيته لتأثر إرادته بالعيب.

فقد يعتقد الموصى أن الموصی له يستحق وصية واجبة، فأوصى له بثلث تركته وظل مصراً على وصيته حتى وفائه، وتبين للورثة بعد ذلك عدم استحقاق الموصى له لوصية واجبة، فيرفعون دعوى ببطلان الوصية لوقوع مورثهم في غلط جوهري دفعه إلى الإيصاء.

وتقع وصية الصبي غير المميز باطلة وكذلك وصية الصبي المميز باعتبارها ضارة به ضرراً محضاً، وأيضاً وصية المجنون والمعتوه، أما وصية المحجور عليه لسفه أو غفلة، فتكون باطلة ما لم تكن المحكمة قد أدنته بإبرامها.

كما تبطل الوصية بالإكراه طالما ظلت آثاره مستمرة حتى وفاة الموصي مما حال دونه والرجوع في وصيته، وذلك بدوام الرهبة وعدم زوالها حتى وفائه، أما إذا زالت قبل وفاته على نحو يتمكن معه من الرجوع في الوصية، إلا أنه لم يرجع ومات مصراً عليها، صحت الوصية وامتنع على الورثة التمسك ببطلانها بعد موت مورثهم.

والأصل أن طلب بطلان الوصية، كالطلب بعدم نفاذها، وهو ما يقبل التجزئة فينحصر البطلان في الوارث الذي طلب البطلان ما لم يكن منصباً عن باقی الورثة أو كان البطلان مطلقاً فيمتد أثره للوصية برمتها.

تنعقد الوصية بالكتابة أو بالعبارة أو بالإشارة، والكتابة ليست ركناً في الوصية أنما شرطاً لسماع دعوى الوصية عند إنكار الورثة ومن ثم تسمع الدعوى أن أقر الورثة بالوصية أو نكلوا عن اليمين التي وجهها لهم الموصى له ولو لم تكن : الوصية مكتوبة، فأن لم يقر الورثة فلا تسمع دعوى الوصية عند الإنكار أو الرجوع فيها بعد عام 1911 إلا إذا كانت بورقة رسمية أو بورقة عرفية مصدق فيها على توقيع الموصى أو ختمه أو بورقة عرفية مكتوبة جميعها بخط الموصي وموقع عليها منه متى كانت الوصية سافرة ولا يشترط ذلك إذا سترت الوصية يتصرف آخر کبيع حتى لو خلصت المحكمة إلى تكييف التصرف بأنه وصية، إذ طالما سترت الوصية، فان الدعوى تكون مقبولة، وذلك عملا بالمادة الثانية من قانون الوصية رقم 71 لسنة 1946.

وسماع دعوى الوصية، هو قبول المحكمة لها، وبالتالى فأن المحكمة تقضي بعدم سماع الدعوى ولو من تلقاء نفسها، ويرجع الدفع بذلك إلى شروط شكلية تتمثل في الدليل الواجب توافره حتى تسمع المحكمة الدعوى، فأن لم يتوافر قضت بعدم سماعها استناداً لعدم توافر مسوغ سماعها، وهو قضاء لا يحوز قوة الأمر المقضى، مما يجوز معه للموصى له رفع الدعوى من جديد أمام نفس المحكمة إذا توافر لديه دلیل سماعها.

الوصية، من مسائل الأحوال الشخصية لدخولها في عموم مسائل الإرث، وينتظم أحكامها القانون رقم 71 لسنة 1946، وكان الاختصاص بمنازعاتها ينعقد للمحاكم الشرعية، وبعد إلغائها بالقانون رقم 462 لسنة 1955 أصبح الاختصاص منعقداً للمحاكم الابتدائية بموجب القانون الأخير، وقد أوجب القانون رقم 628 لسنة 1955 ببعض الإجراءات في قضايا الأحوال الشخصية والوقف تدخل النيابة العامة في تلك الدعاوى وإلا كان الحكم باطلاً، لتعلق هذا التدخل بالنظام العام ويسري هذا البطلان على درجتي التقاضي وتصدى له المحكمة الاستئنافية ولو من تلقاء نفسها، فتصح البطلان بتمثيل للنيابة العامة في الاستئناف وهو ما يكفي لتدارك هذا البطلان. 

كما أوجبت الفقرة الثالثة من المادة 88 من قانون المرافعات، تدخل النيابة العامة كلما كانت القضية تتعلق بالأحوال الشخصية وإلا كانت الإجراءات باطلة هي وما قد يترتب عليها من أحكام.

ويسرى هذا البطلان سواء كانت الدعوى مرفوعة في الأصل كدعوی من دعاوى الأحوال الشخصية، أو كدعوى مدنية أثيرت فيها مسألة من مسائل الأحوال الشخصية تقيد المحكمة المدنية بها وتلتزم بالفصل فيها كمسألة أولية لازمة للفصل في الدعوى المدنية، لتصفية المنازعات المتعلقة بها استناداً إلى نصوص أي من قوانين الأحوال الشخصية ومنها قانون الوصية، فإن لم تثر منازعة في تلك المسألة، فلا موجب لتدخل النيابة حتى لو التزمتها المحكمة في قضائها مثال ذلك، أن ترفع دعوى بصحة ونفاذ عقد بیع، فيطعن فيه الورثة بالصورية النسبية بطريق التستر استناد إلى أنه يستر وصية مضافة إلى ما بعد موت المورث عملاً بالمادة 917 من القانون المدني، وحينئذ تتعدى المحكمة لهذا الطعن وتكيف العقد على هدى تلك المادة دون الرجوع في هذا الصدد لقانون الوصية فإذا خلصت إلى اعتبار العند وصية، وكانت عناصر تقديرها بالنسبة للتركة متوافرة، قضت بصحة ونفاذ العقد باعتباره وصية، وإلا نديت خبيراً لتحديد هذه العناصر، ثم تقضي بما تقدم، فإن كانت متجاوز ثلث التركة، قضت بصحة ونفاذ العقد باعتباره وصية تنفذ في حدود ثلث التركة دون إجازة الورثة، وهي إذ تقضي بذلك، لا تكون قد فصلت في منازعة حول نفاذ الوصية في تلك الحدود، وبالتالي لا موجب لتدخل النيابة .

فإذا طعن الورثة في المثال المتقدم بالصورية وبأن المورث رجع في وصيته، التزمت المحكمة بالتصدي لهذه المنازعة المتعلقة بالرجوع وفقاً لنصوص قانون الوصية، وهو ما يتطلب منها بحث صحة ونفاذ الوصية والرجوع فيها، وحينئذ يجب تدخل النيابة العامة وإلا كان الحكم باطلاً.

أما الدعاوى التي تختص بها المحاكم الجزئية، فأن تدخل النيابية فيها، يكون جوازياً لها.

إذا عين المورث إثنين أو أكثر لتنفيذ وصيته، ناب أحدهما عن الآخر في تمثيل التركة إذ لا يحتاج هذا التنفيذ إلى تبادل الرأي والمشورة بين منفذي الوصية التزاماً بما حدده الموصي في حدود قانون الوصية، وبالتالي يكون أي منهم ممثلاً للتركة فيما يتعلق بتنفيذ الوصية، مما يجوز معه لأي منهم رفع الطعن بالنقض في الحكم الصادر في دعوى الوصية.

إذا امتنع الورثة عن التنفيذ الاختياري للوصية، ورفع الموصى له دعوى بصحة ونفاذ الوصية وإلزام الورثة بتسليم المال الموصى به، فإن الخصومة تكون موجهة للشركة التي يمثلها الورثة، فإذا ما قضى للموصى له بطلبات، فإن المحكمة تلزم الورثة بالمصاريف من تركة مورثهم بإعتبارهم قد خسروا الدعوى، كما يسرى ذلك بالنسبة لكل دعوى تتعلق بالوصية إذا قضى فيها ضد الورثة.(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الثاني عشر الصفحة/ 161)

أن المادة 915 مدنی تنص على أن تسري على الوصية أحكام الشريعة الإسلامية والقوانين الصادرة في شأنها. فتسري الشريعة الإسلامية وما استمد منها تقنينات وتشريعات على الوصية من ناحية الموضوع، وذلك كالأحكام المتعلقة بالقدر الذي يجوز الإيصاء به، وهل تجوز الوصية لوارث، وهل تتم الوصية بالإيجاب وحده، وهل يجوز الرجوع في الوصية، وكيف ينتقل المال الموصى به إلى الموصى له، وما إلى ذلك من الأحكام الموضوعية، ويستوي في ذلك وصايا المسلمين وغير المسلمين من المصريين، ودون تمييز بينهم بسبب الملة أو المذهب.

وأصبح لا عبرة باتفاق ورثة غير المسلم على أن يكون التوريث وفقاً لشريعة المتوفى، ولا عبرة باتفاقهم أيضاً على أن يكون الفصل في نزاع متعلق بميراث أو وصية لجهة قضائية أخرى، وذلك لأن الأحكام الواردة بالمادتين 875، 915 من القانون المدني متعلقة بالنظام العام، كما أن توزيع الاختصاص بسبب ولاية القضاء من الأمور المتعلقة بالنظام العام أيضاً، ومن ثم يقع الاتفاق المخالف لها باطلاً.

يسرى القانون رقم 71 لسنة 1946 على الوصايا التي صدرت من موصى توفي بعد العمل بأحكامه، ولو كان تاريخ صدور الوصية سابقاً على العمل بأحكامه. فالعبرة في تطبيق هذا القانون بتاريخ وفاة الموصي، لا بتاريخ إنشاء الوصية.

تنص الفقرة الأولى من المادة (17) من التقنين المدني على أن: "يسرى على الميراث والوصية وسائر التصرفات المضافة إلى ما بعد الموت، قانون المورث أو الموصى أو من صدر منه التصرف وقت موته".

وعلى ذلك فإن الأحكام الموضوعية لوصية الأجنبي يسري عليها قانون جنسية هذا الأجنبي، فهو الذي يحدد حق الإيصاء والقدر الجائز الإيصاء به والجزاء المترتب على مجاوزة هذا القدر، وأهلية الموصى. فقد اعتد المشرع بظرف إسناد يترتب عليه عدم تعدد القوانين الواجبة التطبيق على التركة بتعدد أقاليم الدول التي توجد فيها أعيان التركة، وهو ظرف الجنسية.

تعتبر الوصية من مسائل الأحوال الشخصية.

تعرف الوصية المادة الأولى من القانون رقم 71 لسنة 1946 بإصدار قانون الوصية بأنها:

تصرف في التركة مضاف إلى ما بعد الموت، ومعنى الإضافة إلى ما بعد الموت أن أثر التصرف الذي تم في حال الحياة لا يكون إلا بعد الموت.

إذا كانت الوصية بحصة من مجموع التركة، فيكون الموصى له خلفاً عاماً للموصى ويكون مركزه کمركز الوارث. أما إذا كانت الوصية بعين معينة أو بحصة شائعة في عين معينة أو بحصة شائعة في نوع من أموال التركة، كان الموصى له خلفاً خاصاً للموصى.

والموصى له يتقدم على الورثة في استيفاء حقه من أموال التركة، بعد الوفاء بالديون، فلا يأخذ الورثة إلا ما بقي من هذه الأموال بعد الوفاء بنفقات تجهيز المتوفى وسداد الديون وإعطاء الموصى له ما يستحقه بموجب الوصية.

الوصية تصرف في التركة مضاف إلى ما بعد الموت، وبالتالي تكون استثناء من الحكم القاضي ببطلان التعامل في التركة المستقبلة، إذ هي تعامل من الوصي فی تركته المستقبلة بإرادته المنفردة. وقد أجيزت استثناء بموجب أحكام الشريعة الإسلامية.

تنص المادة الثانية من قانون الوصية في فقرتها الأولى على أن: "تنعقد الوصية بالعبارة أو بالكتابة، فإذا كان الموصي عاجزاً عنهما انعقدت الوصية بإشارته المفهمة".

فوصية الناطق لا تنعقد إلا بالعبارة أو الكتابة، ولا تتعقد بإشارته. وهو مذهب الحنفية. والأخرس ومعتقل اللسان والمريض الذي لا يستطيع النطق إذا كان يعرف الكتابة لا تنعقد وصية إلا بها.

تصح الوصية بالثلث للوارث وغيره وتنفذ من غير إجازة الورثة، وتصح بما زاد على الثلث ولا تنفذ في الزيادة إلا إذا أجازها الورثة بعد وفاة الموصي وكانوا من أهل التبرع عالمين بما يجيزونه.

وتنفذ وصية من لا دين عليه ولا وارث له بكل ماله أو بعضه من غير توقف على إجازة الخزانة العامة".

تنص المادة 2 من قانون الوصية في فقرتيها الثانية والثالثة على أن:

ولا تسمع عند الإنكار دعوي الوصية أو الرجوع القولي عنها بعد وفاة الموصى في الحوادث السابقة على سنة ألف وتسعمائة وإحدى عشرة الأفرنجية إلا إذا وجدت أوراق خالية من شبهة التصنع تدل على صحة الدعوى.

وأما الحوادث الواقعة من سنة ألف وتسعمائة وإحدى عشرة الأفرنجية فلا تسمع فيها دعوى ما ذكر بعد وفاة الموصى إلا إذا وجدت أوراق رسمية أو مكتوبة جميعها بخط المتوفى وعليها إمضاؤه كذلك تدل على ما ذكر أو كانت ورقة الوصية أو الرجوع عنها مصدقاً على توقيع الموصي عليها".

بعد أن نصت المادة التاسعة من قانون الشهر العقاري في فقرتها الأولى على وجوب شهر الوصية بطريق التسجيل، أردفت في فقرتها الثانية أنه: ويترتب على عدم التسجيل أن الحقوق المشار إليها لا تنشأ ولا تقل ولا تتغير ولا تزول لا بين ذوى الشأن ولا بالنسبة إلى غيرهم" كما نصت في فقرتها الثالثة على أنه:

ولا يكون للتصرفات غير المسجلة من الأثر سوى الالتزامات الشخصية بين ذوى الشأن.

إذا كان الموصى به حقاً منقولاً، أي حقاً عينياً محله شئ منقول، فإن ملكية هذا الشئ تنتقل إلى الموصى له بمجرد وفاة الموصى ما لم تحدد الوصية موعداً لاحقاً لانتقال الحق.

كيفية شهر الوصية :

(أ) الوصية التي يشهرها الموصى له بعد وفاة الموصى :

تفرق في كيفية شهر الوصية التي يشهرها الموصى له بعد وفاة الموصي بین صورتين لكل منهما حكمها.

الأولى: أن تكون الوصية موثقة في ورقة رسمية أو في ورقة عرفية مصدق فيها على إمضاء الموصى.

ففي هذه الصورة يقدم الموصى له الورقة الرسمية أو الورقة العرفية محررة على الورق الأزرق. ويرفق بالوصية المستند المثبت لوفاة الموصى وانحصار إرثه في ورثته، وكذلك إقراراً بقبوله هو للوصية. وبعد استيفاء مراحل الشهر التمهيدية من - طلبات ومشروعات، يقوم مكتب الشهر بتسجيل الوصية وتصويرها وإخطار الجهات المختصة، ويرسل صورة من الوصية للمحافظة الكائن في دائرتها العقار الموصى به لنقل التكليف الخاص بهذا العقار من اسم الموصى لاسم الموصى له. 

الصورة الثانية:

إذا كانت الوصية محررة في ورقة عرفية بيضاء مكتوبة كلها بخط الموصي وعليها إمضاؤه. فقد يستطيع الموصى له الاتفاق مع ورثة الموصى على تحرير ورقة يوقعون عليها جميعاً بقبول الموصى له للوصية وبإقرارها من ورثة الموصي. وفي هذه الحالة تحرر قائمة جرد لشهر حق الإرث على الورق الأزرق، وتتضمن القائمة بياناً خاصاً بالوصية وبياناً آخر خاصاً بحق الإرث. ويقدم الموصى له لمكتب الشهر العقاري الكائن في دائرته العقار الموصى به الوصية مرفقا بها قائمة الجرد والورقة الموقع عليها منه بقبول الوصية ومن الورثة باقرارها. وبعد استيفاء مراحل الشهر التمهيدية من طلبات ومشروعات، ثم التوقيع على قائمة الجرد من الموصى له والورثة بمكتب الشهر المختص يتم تسجيل الوصية مع تسجيل حق الإرث مرة واحدة.

ثم يصور سند الوصية وسند الإرث وقائمة الجرد، وتخطر الجهات المختصة، وكذلك تخطر المحافظة المختصة لنقل التكليف من اسم المورث لاسم الموصی له بالقدر الموصى به، ولاسم الورثة بالقدر الباقي بعد الوصية.

وإذا لم يستطع الموصى له الاتفاق مع الورثة، فعليه استصدار حكم من المحكمة المختصة في مواجهة الورثة بصحة الوصية ونفاذها. ويسجل عريضة الدعوى، كما يؤشر بمضمونها على هامش تسجيل حق الإرث، وعليه عند صدور الحكم بصحة الوصية ونفاذها، أن يؤشر به على هامش تسجيل الوصية وتنتقل ملكية العقار الموصى به إلى الموصى له بهذا التسجيل، ولكن من يوم وفاة الموصي لا من يوم التسجيل.

(ب) الوصية التي يشهرها الموصي حال حياته :

يقدم الموصى المحرر المدون به الوصية بعد توثيقه أو التصديق على التوقيع فيه لمكتب الشهر العقارى المختص وعليه من التأشيرات ما يفيد استيفاءه مراحل الشهر التمهيدية من طلبات ومشروعات، فيقوم المكتب بتسجيله والامتناع عن التأشير عليه بخاتم ناقل للتكليف إذ أن الملكية تتراخى إلى ما بعد وفاة الموصى، فإذا ما حل وقت نفاذ الوصية يتقدم صاحب الشأن بالمستندات المثبتة لوفاة الموصى وقبول الموصى له الوصية ويطلب من المكتب التأشير بهذه المستندات على هامش تسجيل الوصية بما يفيد وفاة الموصى وقبول الموصى له فيقوم المكتب بإجراء التأشير اللازم وإخطار الجهة المختصة وكذا المحافظة المختصة لنقل التكليف لاسم الموصى له.

 (ج) الوصية الواجبة:

إذا وجد أصحاب وصية واجبة، يبدأ بتحديد نصيبهم في قائمة الجرد الخاصة بشهر حق الإرث، وما يتبقى يكون تركة لباقي الورثة يوزع بينهم حسب الفريضة الشرعية.

ويقدم الإعلام الشرعي ومعه قائمة الجرد إلى مكتب الشهر العقارى المختص، وبعد استيفاء مراحل الشهر التمهيدية من طلبات ومشروعات. يقوم المكتب بتسجيل شهادة الإرث وقائمة الجرد وتصويرها، وإرسال الصور للجهات المختصة، ومنها المحافظة المختصة لتقوم بنقل التكليف لاسم أصحاب الوصية الواجبة وورثة المتوفى.

وإذا كان الإعلام الشرعي خلوا من ذكر أصحاب الوصية الواجبة وجب عليهم استصدار حكم شرعي باستحقاقهم. وهذا الحكم يخضع للشهر بطريق التسجيل والتأشير بمنطوقه على هامش تسجيل حق الإرث الذي يجب أن يبادر إلى إجرائه أصحاب الحق في الوصية الواجبة محافظة على حقوقهم، والتأشير على هامشه بصحيفة الدعوى المقامة بإثبات أحقيتهم لنصيبهم في التركة.

شهر الوصية في قانون نظام السجل العيني:

تنظم شهر الوصية في القانون رقم 142لسنة 1964 بنظام السجل العيني المادة 26 من هذا القانون- وهي تقابل المادة 9 من قانون تنظيم الشهر العقارى - إذ تنص على أن:

"جميع التصرفات التي من شأنها إنشاء حق من الحقوق العينية العقارية الأصلية أو نقله أو تغييره أو زواله وكذلك الأحكام النهائية المثبتة لشئ من ذلك يجب قيدها في السجل العيني. ويدخل في هذه التصرفات الوقف والوصية.

ويترتب على عدم القيد أن الحقوق المشار إليها لا تنشأ ولا تنتقل ولا تتغير ولا تزول لا بين ذوى الشأن ولا وبالنسبة إلى غيرهم.(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الثاني عشر، الصفحة/ 136)

 

الفقه الإسلامي

 الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الأول ، الصفحة /  98

أحْكام الآْل في الْوقْف والْوصيّة

 

3 - قال الْحنفيّة: لوْ قال الْواقف: أرْضي هذه صدقةٌ موْقوفةٌ للّه عز وجل أبدًا على أهْل بيْتي، فإذا انْقرضوا فهي وقْفٌ على الْمساكين - تكون الْغلّة للْفقراء والأْغْنياء منْ أهْل بيْته، ويدْخل فيه أبوه وأبو أبيه وإنْ علا، وولده وولد ولده وإنْ فل،  الذّكور والإْناث، والصّغار والْكبار، والأْحْرار والْعبيد فيه سواءٌ، والذّمّيّ فيه كالْمسْلم. ولا يدْخل فيه الْواقف، ولا الأْب الّذي أدْرك الإْسْلام، ولا الإْناث منْ نسْله إنْ كان آباؤهمْ منْ قوْمٍ آخرين. وإنْ كان آباؤهمْ ممّنْ يناسبه إلى جدّه الّذي أدْرك الإْسْلام فهمْ منْ أهْل بيْته.

والآْل والأْهْل بمعْنًى واحدٍ عنْدهمْ في الْوصيّة أيْضًا، فلوْ أوْصى لآله أوْ أهْله، يدْخل فيهمْ منْ جمعهمْ أقْصى أبٍ له في الإْسْلام. ويدْخل في الْوصيّة لأهْل بيْته أبوه وجدّه ممّنْ لا يرث.

ولوْ أوْصى لأهْل فلانٍ فالْوصيّة لزوْجة فلانٍ في قوْل أبي حنيفة وعنْد الصّاحبيْن يدْخل فيه جميع منْ تلْزمه نفقتهمْ من الأْحْرار، فيدْخل فيه زوْجته والْيتيم في حجْره، والْولد إذا كان يعوله. فإنْ كان كبيرًا قد اعْتزل، أوْ بنْتًا قدْ تزوّجتْ، فليْس منْ أهْله. ولا يدْخل فيه وارث الْموصي ولا الْموصى لأهْله.

وجْه قوْل الصّاحبيْن أنّ الأْهْل عبارةٌ عمّنْ ينْفق عليْه. قال اللّه تعالى خبرًا عنْ سيّدنا نوحٍ  عليه السلام (إنّ ابْني منْ أهْلي) وقال تعالى في قصّة لوطٍ  عليه السلام (فنجّيْناه وأهْله)  

ووجْه قوْل أبي حنيفة أنّ الأْهْل عنْد الإْطْلاق يراد به الزّوْجة في متعارف النّاس، يقال: فلانٌ متأهّلٌ، وفلانٌ لمْ يتأهّلْ، وفلانٌ ليْس له أهْلٌ، ويراد به الزّوْجة، فتحْمل الْوصيّة على ذلك .

وقال الْمالكيّة: إنّ الْواقف لوْ وقف على آله أوْ أهْله شمل عصبته منْ أبٍ وابْنٍ وجدٍّ وإخْوةٍ وأعْمامٍ وبنيهم الذّكور، وشمل كلّ امْرأةٍ لوْ فرض أنّها رجلٌ كان عاصبًا، سواءٌ أكانتْ قبْل التّقْدير عصبةً بغيْرها أمْ مع غيْرها، كأخْتٍ مع أخٍ أوْ مع بنْتٍ، أمْ كانتْ غيْر عاصبةٍ أصْلاً، كأمٍّ وجدّةٍ.

وإذا قال: أوْصيْت لأهْلي بكذا، اخْتصّ بالْوصيّة أقاربه لأمّه؛ لأنّهمْ غيْر ورثةٍ للْموصي، ولا يدْخل أقاربه لأبيه حيْث كانوا يرثونه. وهذا إذا لمْ يكنْ له أقارب لأبيه لا يرثونه. فإنْ وجدوا اخْتصّوا بالْوصيّة، ولا يدْخل معهمْ أقاربه لأمّه. وهذا قوْل ابْن الْقاسم في الْوصيّة والْوقْف. وقال غيْره بدخول أقارب الأْمّ مع أقارب الأْب فيهما .

وقال الشّافعيّة: إنْ أوْصى الْموصي لآل غيْره  صلي الله عليه وسلم صحّت الْوصيّة، وحمل على الْقرابة لا على أهْل الدّين في أوْجه الْوجْهيْن، ولا يفوّض إلى اجْتهاد الْحاكم. وأهْل الْبيْت كالآْل. وتدْخل الزّوْجة في أهْل الْبيْت أيْضًا. وإنْ أوْصى لأهْله منْ غيْر ذكْر الْبيْت دخل كلّ منْ تلْزمه مئونته.

وقال الْحنابلة: لوْ أوْصى لآله أوْ أهْله خرج الْوارثون منْهمْ، إذْ لا وصيّة لوارثٍ، ودخل منْ آله منْ لا يرث.

 

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الثالث ، الصفحة /  234

اسْتِحْقَاقُ الْمُوصَى بِهِ:

32 - تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ بِاسْتِحْقَاقِ الْمُوصَى بِهِ، فَإِنِ اسْتُحِقَّ بَعْضُهُ بَقِيَتِ الْوَصِيَّةُ فِي الْبَاقِي، لأِنَّهَا تَبْطُلُ بِخُرُوجِ الْمُوصَى بِهِ عَنْ مِلْكِ الْمُوصِي، وَبِالاِسْتِحْقَاقِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَوْصَى بِمَالٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ لَهُ، وَالْوَصِيَّةُ بِمَا لاَ يَمْلِكُ بَاطِلَةٌ.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الخامس  ، الصفحة /   45

الإْشْهَادُ عَلَى كِتَابَةِ الْوَصِيَّةِ:

37 - يَتَّفِقُ الْفُقَهَاءُ عَلَى نَفَاذِ الْوَصِيَّةِ إِنْ كَتَبَ الْمُوصِي وَصِيَّتَهُ وَأَشْهَدَ عَلَيْهَا، ثُمَّ قَرَأَهَا عَلَى الْشُّهُودِ.

وَيَخْتَلِفُونَ إِنْ كَتَبَهَا وَلَمْ يَعْلَمِ الشُّهُودُ بِمَا فِيهَا، سَوَاءٌ أَكَتَبَهَا وَلَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهَا أَمْ كَتَبَهَا فِي غَيْبَةِ الشُّهُودِ، ثُمَّ أَشْهَدَهُمْ عَلَيْهَا.

فَإِنْ كَتَبَهَا مُبْهَمَةً ثُمَّ دَعَا الشُّهُودَ، وَقَالَ: هَذِهِ وَصِيَّتِي فَاشْهَدُوا عَلَى مَا فِي هَذَا الْكِتَابِ، فَلِلْفُقَهَاءِ فِي نَفَاذِ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ وَعَدَمِهِ رَأْيَانِ:

أَحَدُهُمَا: عَدَمُ النَّفَاذِ، وَبِهِ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ، وَجُمْهُورُ الأْصْحَابِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ. وَبِهَذَا قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَأَبُو قِلاَبَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ. إِلاَّ أَنَّ بَعْضَ كُتُبِ الْحَنَابِلَةِ أَطْلَقَتْ هَذَا الْقَوْلَ، وَبَعْضُهَا قَيَّدَهُ بِمَا إِذَا لَمْ يُعْرَفْ خَطُّ الْكَاتِبِ، وَقَالُوا فِي تَعْلِيلِ عَدَمِ النَّفَاذِ: إِنَّ الْحُكْمَ لاَ يَجُوزُ بِرُؤْيَةِ خَطِّ الشَّاهِدِ بِالشَّهَادَةِ بِالإْجْمَاعِ فَكَذَا هُنَا.

الثَّانِي: أَنَّ هَذَا الإْشْهَادَ يَصِحُّ وَيَنْفُذُ بِهِ الْوَصِيَّةُ وَإِنْ لَمْ يَقْرَأْهَا عَلَى الشُّهُودِ، وَهُوَ قَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ، وَقَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرِ الْمَرْوَزِيِّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ مِنْهُمْ سَالِمٌ وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ يَعْلَى قَاضِي الْبَصْرَةِ .

فَإِنْ كَتَبَهَا بِحَضْرَتِهِمْ، وَأَشْهَدَهُمْ عَلَيْهَا، دُونَ عِلْمٍ بِمَا فِيهَا فَإِنَّهَا تَنْفُذُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إِذَا أَوْدَعَهُ عِنْدَهُ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ إِنْ عُرِفَ خَطُّهُ. وَالْعَمَلُ حِينَئِذٍ بِالْخَطِّ لاَ بِالإْشْهَادِ. وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ يَعْلَى وَمَكْحُولٌ وَاللَّيْثُ وَالأْوْزَاعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَإِسْحَاقُ، وَاحْتَجَّ أَبُو عُبَيْدٍ بِكَتْبِ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  إِلَى عُمَّالِهِ وَأُمَرَائِهِ فِي أَمْرِ وِلاَيَتِهِ وَأَحْكَامِ سُنَنِهِ، ثُمَّ مَا عَمِلَ بِهِ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ الْمَهْدِيُّونَ بَعْدَهُ مِنْ كَتْبِهِمْ إِلَى وُلاَتِهِمُ الأْحْكَامُ الَّتِي تَتَضَمَّنُ أَحْكَامًا فِي الدِّمَاءِ وَالْفُرُوجِ وَالأْمْوَالِ، يَبْعَثُونَ بِهَا مَخْتُومَةً لاَ يَعْلَمُ حَامِلُهَا مَا فِيهَا، وَأَمْضَوْهَا عَلَى وُجُوهِهَا. وَذَكَرَ اسْتِخْلاَفَ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِكِتَابٍ كَتَبَهُ وَخَتَمَ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَلاَ نَعْلَمُ أَحَدًا أَنْكَرَ ذَلِكَ مَعَ شُهْرَتِهِ فِي عُلَمَاءِ الْعَصْرِ فَكَانَ إِجْمَاعًا.

وَلاَ تَنْفُذُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ صَاحِبُ الْمُغْنِي: وَوَجْهُهُ أَنَّهُ كِتَابٌ لاَ يَعْلَمُ الشَّاهِدُ مَا فِيهِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُشْهِدَ عَلَيْهِ، كَكِتَابِ الْقَاضِي إِلَى الْقَاضِي.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  السابع   ، الصفحة / 205

إِيصَاءٌ

التَّعْرِيفُ:

1 - الإْيصَاءُ  فِي اللُّغَةِ: مَصْدَرُ أَوْصَى، يُقَالُ: أَوْصَى فُلاَنٌ بِكَذَا يُوصِي إِيصَاءً، وَالاِسْمُ الْوِصَايَةُ (بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا) وَهُوَ: أَنْ يَعْهَدَ إِلَى غَيْرِهِ فِي الْقِيَامِ بِأَمْرٍ مِنَ الأْمُورِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْقِيَامُ بِذَلِكَ الأْمْرِ فِي حَالِ حَيَاةِ الطَّالِبِ أَمْ كَانَ بَعْدَ وَفَاتِهِ.

وَفِي الْمُغْرِبِ: أَوْصَى زَيْدٌ لِعُمَرَ بِكَذَا إِيصَاءً، وَقَدْ وَصَّى بِهِ تَوْصِيَةً، وَالْوَصِيَّةُ وَالْوَصَاةُ اسْمَانِ فِي مَعْنَى الْمَصْدَرِ، وَمِنْهُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا) وَالْوِصَايَةُ بِالْكَسْرِ مَصْدَرُ الْوَصِيِّ. وَقِيلَ الإْيصَاءُ : طَلَبُ الشَّيْءِ مِنْ غَيْرِهِ لِيَفْعَلَهُ عَلَى غَيْبٍ مِنْهُ حَالَ حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ وَفَاتِهِ

أَمَّا فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ، فَالإْيصَاءُ  بِمَعْنَى الْوَصِيَّةِ، وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ هُوَ أَخَصُّ مِنْ ذَلِكَ، فَهُوَ إِقَامَةُ الإْنْسَانِ  غَيْرَهُ مَقَامَهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ فِي تَصَرُّفٍ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ، أَوْ فِي تَدْبِيرِ شُئُونِ أَوْلاَدِهِ الصِّغَارِ وَرِعَايَتِهِمْ، وَذَلِكَ الشَّخْصُ الْمُقَامُ يُسَمَّى الْوَصِيُّ.

أَمَّا إِقَامَةُ غَيْرِهِ مَقَامَهُ فِي الْقِيَامِ بِأَمْرٍ فِي حَالِ حَيَاتِهِ، فَلاَ يُقَالُ لَهُ فِي الاِصْطِلاَحِ إِيصَاءٌ عِنْدَهُمْ، وَإِنَّمَا يُقَالُ لَهُ وَكَالَةٌ.

الأْلْفَاظُ  ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - الْوَصِيَّةُ:

2 - يَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ: أَنَّ الْوَصِيَّةَ أَعَمُّ مِنَ الإْيصَاءِ، فَهِيَ عِنْدَهُمْ، تَصْدُقُ عَلَى التَّمْلِيكِ الْمُضَافِ إِلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ بِطَرِيقِ التَّبَرُّعِ، وَتَصْدُقُ عَلَى الإْيصَاءِ، وَهُوَ طَلَبُ شَيْءٍ مِنْ غَيْرِهِ لِيَفْعَلَهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ، كَقَضَاءِ دُيُونِهِ وَتَزْوِيجِ بَنَاتِهِ.

وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ: أَنَّ الْوَصِيَّةَ وَالإْيصَاءَ  بِمَعْنًى وَاحِدٍ. فَقَدْ عَرَّفَهَا الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّهَا: عَقْدٌ يُوجِبُ حَقًّا فِي ثُلُثِ مَالِ الْعَاقِدِ يَلْزَمُ بِمَوْتِهِ، أَوْ يُوجِبُ نِيَابَةً عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَعَرَّفَهَا بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ: بِأَنَّهَا الأْمْرُ بِالتَّصَرُّفِ بَعْدَ الْمَوْتِ، أَوِ التَّبَرُّعِ بِالْمَالِ بَعْدَهُ.

فَكُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ التَّعْرِيفَيْنِ يُفِيدُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ قَدْ تَكُونُ بِالتَّبَرُّعِ بِالْمَالِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَقَدْ تَكُونُ بِإِقَامَةِ الْمُوصِي غَيْرَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ فِي أَمْرٍ مِنَ الأْمُورِ بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَهِيَ شَامِلَةٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى السَّوَاءِ، فَكِلاَهُمَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْوَصِيَّةِ.

ب - الْوِلاَيَةُ:

3 - الْوِلاَيَةُ هِيَ: الْقُدْرَةُ عَلَى إِنْشَاءِ الْعُقُودِ وَالتَّصَرُّفَاتِ النَّافِذَةِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى إِجَازَةِ أَحَدٍ. فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْعُقُودُ وَالتَّصَرُّفَاتُ مُتَعَلِّقَةً بِمَنْ قَامَ بِهَا سُمِّيَتِ الْوِلاَيَةُ وِلاَيَةً قَاصِرَةً، وَإِنْ كَانَتْ مُتَعَلِّقَةً بِغَيْرِهِ سُمِّيَتِ الْوِلاَيَةُ وِلاَيَةً مُتَعَدِّيَةً، وَهَذِهِ الْوِلاَيَةُ الْمُتَعَدِّيَةُ أَعَمُّ مِنَ الْوِصَايَةِ؛ لأِنَّ  كُلًّا مِنْهُمَا يُمَلِّكُ صَاحِبَهُ التَّصَرُّفَ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ عَنْ غَيْرِهِ، إِلاَّ أَنَّ الْوِلاَيَةَ قَدْ يَكُونُ مَصْدَرُهَا الشَّرْعَ، كَوِلاَيَةِ الأْبِ عَلَى ابْنِهِ، وَقَدْ يَكُونُ مَصْدَرُهَا الْعَقْدَ كَمَا فِي الْوَكَالَةِ وَالإْيصَاءِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ بِتَوْلِيَةِ صَاحِبِ الشَّأْنِ فِي التَّصَرُّفِ، فَهُوَ الَّذِي يَعْهَدُ إِلَى غَيْرِهِ بِالنِّيَابَةِ عَنْهُ فِي بَعْضِ الأْمُورِ بَعْدَ وَفَاتِهِ.

ج - الْوَكَالَةُ:

4 - الْوَكَالَةُ: إِقَامَةُ الشَّخْصِ غَيْرَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ فِي تَصَرُّفِ مَمْلُوكٍ قَابِلٍ لِلنِّيَابَةِ؛ لِيَفْعَلَهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ.

فَهِيَ تُشْبِهُ الإْيصَاءَ  مِنْ حَيْثُ إِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فِيهِ تَفْوِيضٌ لِلْغَيْرِ فِي الْقِيَامِ بِبَعْضِ الأْمُورِ نِيَابَةً عَمَّنْ فَوَّضَهُ، إِلاَّ أَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا مِنْ نَاحِيَةِ أَنَّ التَّفْوِيضَ لِلْغَيْرِ فِي الإْيصَاءِ يَكُونُ بَعْدَ الْمَوْتِ، أَمَّا فِي الْوَكَالَةِ فَإِنَّ التَّفْوِيضَ يَكُونُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ.

هَذَا وَسَوْفَ يَقْتَصِرُ الْكَلاَمُ فِي هَذَا الْبَحْثِ عَلَى الإْيصَاءِ بِمَعْنَى إِقَامَةِ الْوَصِيِّ، أَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِسَائِرِ أَحْكَامِ الْوَصِيَّةِ فَيُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (وَصِيَّةٌ).

مَا يَتَحَقَّقُ بِهِ عَقْدُ الإْيصَاءِ:

5 - يَتَحَقَّقُ عَقْدُ الإْيصَاءِ بِإِيجَابٍ مِنَ الْمُوصِي، وَقَبُولٍ مِنَ الْمُوصَى إِلَيْهِ، وَلاَ يُشْتَرَطُ فِي الإْيجَابِ أَنْ يَكُونَ بِأَلْفَاظٍ مَخْصُوصَةٍ، بَلْ يَصِحُّ بِكُلِّ لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى تَفْوِيضِ الأْمْرِ إِلَى الْمُوصَى إِلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، مِثْلُ: جَعَلْتُ فُلاَنًا وَصِيًّا، أَوْ عَهِدْتُ إِلَيْهِ بِمَالِ أَوْلاَدِي بَعْدَ وَفَاتِي، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.

وَكَذَلِكَ الْقَبُولُ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ بِكُلِّ مَا يَدُلُّ عَلَى الْمُوَافَقَةِ وَالرِّضَى بِمَا صَدَرَ مِنَ الْمُوصِي، سَوَاءٌ أَكَانَ بِالْقَوْلِ كَقَبِلْتُ أَوْ رَضِيتُ، أَوْ أَجَزْتُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، أَمْ بِالْفِعْلِ الدَّالِّ عَلَى الرِّضَى، كَبَيْعِ شَيْءٍ مِنَ التَّرِكَةِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، أَوْ شِرَائِهِ شَيْئًا يَصْلُحُ لِلْوَرَثَةِ، أَوْ قَضَائِهِ لِدَيْنٍ أَوِ اقْتِضَائِهِ لَهُ.

وَلاَ يُشْتَرَطُ فِي الْقَبُولِ أَنْ يَكُونَ فِي مَجْلِسِ الإْيجَابِ، بَلْ يَمْتَدُّ زَمَنُهُ إِلَى مَا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي؛ لأِنَّ  أَثَرَ عَقْدِ الإْيصَاءِ لاَ يَظْهَرُ إِلاَّ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، فَكَانَ الْقَبُولُ مُمْتَدًّا إِلَى مَا بَعْدَهُ.

وَصَحَّ قَبُولُ الإْيصَاءِ فِي حَالِ حَيَاةِ الْمُوصِي عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْمَالِكِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ فِي مُقَابِلِ الأْصَحِّ  عِنْدَهُمْ؛ لأِنَّ  تَصَرُّفَ الْمُوصَى إِلَيْهِ يَقَعُ لِمَنْفَعَةِ الْمُوصِي. فَلَوْ وَقَفَ الْقَبُولُ وَالرَّدُّ عَلَى مَوْتِهِ لَمْ يُؤْمَنْ أَنْ يَمُوتَ الْمُوصِي، وَلَمْ يُسْنِدْ وَصِيَّتَهُ إِلَى أَحَدٍ، فَيَكُونُ فِي ذَلِكَ إِضْرَارٌ بِهِ، وَهَذَا بِخِلاَفِ قَبُولِ الْوَصِيَّةِ بِجُزْءٍ مِنَ الْمَالِ فَإِنَّ قَبُولَ الْمُوصَى لَهُ لاَ يَكُونُ مُعْتَبَرًا إِلاَّ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي؛ لأِنَّ  الاِسْتِحْقَاقَ فِيهَا إِنَّمَا هُوَ لِحَقِّ الْمُوصَى لَهُ، فَلَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَا يَدْعُو إِلَى تَقْدِيمِ الْقَبُولِ عَلَى الْمَوْتِ. وَفِي الْقَوْلِ الأْصَحِّ  عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: لاَ يَصِحُّ الْقَبُولُ فِي الإْيصَاءِ إِلاَّ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي؛ لأِنَّ  الإْيصَاءَ  مُضَافٌ إِلَى الْمَوْتِ، فَقَبْلَ الْمَوْتِ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُهُ، فَلاَ يَصِحُّ الْقَبُولُ أَوِ الرَّدُّ قَبْلَهُ، كَمَا فِي الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ.

حُكْمُ الإْيصَاءِ مِنْ حَيْثُ هُوَ:

6 - الأْصْلُ فِي الإْيصَاءِ إِلَى الْغَيْرِ أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ، وَذَلِكَ لأِنَّ  صِحَّةَ التَّصَرُّفِ تَتَوَقَّفُ عَلَى الْوِلاَيَةِ عَلَيْهِ مِمَّنْ صَدَرَ عَنْهُ، وَالْمُوصِي تَنْتَهِي وِلاَيَتُهُ بِالْمَوْتِ، إِلاَّ أَنَّ الشَّرْعَ أَجَازَهُ اسْتِثْنَاءً مِنْ هَذَا الأْصْلِ ، وَذَلِكَ لِمَا رُوِيَ أَنَّ الصَّحَابَةَ رضي الله تعالي عنهم  كَانَ يُوصِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، مِنْ غَيْرِ إِنْكَارٍ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ، فَاعْتُبِرَ هَذَا إِجْمَاعًا مِنْهُمْ عَلَى الْجَوَازِ. رَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ: أَوْصَى إِلَى الزُّبَيْرِ سَبْعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، مِنْهُمْ عُثْمَانُ، وَالْمِقْدَادُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَمُطِيعُ بْنُ الأْسْوَدِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ أَنَّهُ لَمَّا عَبَرَ الْفُرَاتَ أَوْصَى إِلَى عُمَرَ. وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَدْ أَوْصَى فَكَتَبَ: إِنْ حَدَثَ بِي حَادِثُ الْمَوْتِ مِنْ مَرَضِي هَذَا، فَمَرْجِعُ وَصِيَّتِي إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ، ثُمَّ إِلَى الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ وَابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ.

وَلأِنَّ  الإْيصَاءَ  وَكَالَةٌ وَأَمَانَةٌ فَأَشْبَهَ الْوَدِيعَةَ وَالْوَكَالَةَ فِي الْحَيَاةِ، وَكِلاَهُمَا جَائِزٌ، فَكَذَلِكَ الإْيصَاءُ .

حُكْمُ الإْيصَاءِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُوصِي:

7 - الإْيصَاءُ  بِالنِّسْبَةِ لِلْمُوصِي يَكُونُ وَاجِبًا عَلَيْهِ إِذَا كَانَ بِرَدِّ الْمَظَالِمِ، وَقَضَاءِ الدُّيُونِ الْمَجْهُولَةِ، أَوِ الَّتِي يَعْجِزُ عَنْهَا فِي الْحَالِ؛ لأِنَّ  أَدَاءَهَا وَاجِبٌ، وَالإْيصَاءُ  هُوَ الْوَسِيلَةُ لأِدَائِهِ، فَيَكُونُ وَاجِبًا مِثْلَهُ. وَكَذَلِكَ الإْيصَاءُ  عَلَى الأْوْلاَدِ الصِّغَارِ وَمَنْ فِي حُكْمِهِمْ إِذَا خِيفَ عَلَيْهِمُ الضَّيَاعُ؛ لأِنَّ  فِي هَذَا الإْيصَاءِ صِيَانَةً لَهُمْ مِنَ الضَّيَاعِ، وَصِيَانَةُ الصِّغَارِ مِنَ الضَّيَاعِ وَاجِبَةٌ بِلاَ خِلاَفٍ؛ لِحَدِيثِ: «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَعُولُ».

أَمَّا الإْيصَاءُ  بِقَضَاءِ الدَّيْنِ الْمَعْلُومِ، وَرَدِّ الْمَظَالِمِ الْمَعْلُومَةِ، وَتَنْفِيذِ الْوَصَايَا إِنْ كَانَتْ، وَالنَّظَرِ فِي أَمْرِ الأْوْلاَدِ الصِّغَارِ وَمَنْ فِي حُكْمِهِمُ الَّذِينَ لاَ يُخْشَى عَلَيْهِمُ الضَّيَاعُ، فَهُوَ سُنَّةٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، تَأَسِّيًا بِالسَّلَفِ الصَّالِحِ فِي ذَلِكَ، حَيْثُ كَانَ يُوصِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، كَمَا تَقَدَّمَ.

هَذَا هُوَ حُكْمُ الإْيصَاءِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُوصِي.

أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْوَصِيِّ، فَإِنَّهُ إِذَا أَوْصَى إِلَيْهِ أَحَدٌ جَازَ لَهُ قَبُولُ الْوَصِيَّةِ، إِذَا كَانَتْ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى الْقِيَامِ بِمَا أُوصِيَ إِلَيْهِ فِيهِ، وَوَثِقَ مِنْ نَفْسِهِ أَدَاءَهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَطْلُوبِ؛ لأِنَّ  الصَّحَابَةَ رضي الله تعالي عنهم  كَانَ بَعْضُهُمْ يُوصِي إِلَى بَعْضٍ، فَيَقْبَلُونَ الْوَصِيَّةَ، فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ وَصِيًّا لِرَجُلٍ، وَكَانَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ وَصِيًّا لِسَبْعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ.

وَقِيَاسُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ أَنَّ تَرْكَ الدُّخُولِ فِي الْوَصِيَّةِ أَوْلَى؛ لِمَا فِيهِ مِنَ الْخَطَرِ، وَهُوَ لاَ يَعْدِلُ بِالسَّلاَمَةِ شَيْئًا، وَلِذَلِكَ كَانَ يَرَى تَرْكَ الاِلْتِقَاطِ، وَتَرْكُ الإْحْرَامِ مِنْ قَبْلِ الْمِيقَاتِ أَفْضَلُ؛ تَحَرِّيًا لِلسَّلاَمَةِ وَاجْتِنَابًا لِلْخَطَرِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ «أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ لأِبِي ذَرٍّ: إِنِّي أَرَاكَ ضَعِيفًا، وَإِنِّي أُحِبُّ لَك مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي، فَلاَ تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ، وَلاَ تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيمٍ».

وَفِي رَدِّ الْمُحْتَارِ: أَنَّهُ لاَ يَنْبَغِي لِلْوَصِيِّ أَنْ يَقْبَلَ الْوِصَايَةَ؛ لأِنَّ هَا عَلَى خَطَرٍ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: الدُّخُولُ فِيهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ غَلَطٌ، وَالثَّانِيَةُ خِيَانَةٌ، وَالثَّالِثَةُ سَرِقَةٌ. وَعَنِ الْحَسَنِ: لاَ يَقْدِرُ الْوَصِيُّ أَنْ يَعْدِلَ وَلَوْ كَانَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ. وَقَالَ أَبُو مُطِيعٍ: مَا رَأَيْتُ فِي مُدَّةِ قَضَائِي عِشْرِينَ سَنَةً مَنْ يَعْدِلُ فِي مَالِ ابْنِ أَخِيهِ.

لُزُومُ عَقْدِ الإْيصَاءِ وَعَدَمُ لُزُومِهِ:

8 - الإْيصَاءُ  لَيْسَ تَصَرُّفًا لاَزِمًا فِي حَقِّ الْمُوصِي بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، فَلَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ مَتَى شَاءَ، أَمَّا فِي حَقِّ الْوَصِيِّ، فَإِنَّ عَقْدَ الإْيصَاءِ لاَ يَكُونُ لاَزِمًا فِي حَيَاةِ الْمُوصِي بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، فَلَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ مَتَى شَاءَ، فَإِذَا رَجَعَ كَانَ رُجُوعُهُ عَزْلاً لِنَفْسِهِ عَنِ الإْيصَاءِ.

إِلاَّ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ قَيَّدُوا صِحَّةَ هَذَا الرُّجُوعِ بِعِلْمِ الْمُوصِي؛ لِيَتَمَكَّنَ مِنَ الإْيصَاءِ إِلَى غَيْرِهِ إِذَا شَاءَ، فَإِنْ رَجَعَ عَنِ الْوَصِيَّةِ بِغَيْرِ عِلْمِ الْمُوصِي فَلاَ يَصِحُّ رُجُوعُهُ حَتَّى لاَ يَصِيرَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ.

وَقَيَّدَ الشَّافِعِيَّةُ جَوَازَ رُجُوعِ الْوَصِيِّ عَنِ الْوِصَايَةِ إِذَا كَانَ الإْيصَاءُ  وَاجِبًا عَلَى الْمُوصِي بِأَلاَّ يَتَعَيَّنَ الْوَصِيُّ، أَوْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ تَلَفُ الْمَالِ الْمُوصَى بِرِعَايَتِهِ، بِاسْتِيلاَءِ ظَالِمٍ عَلَيْهِ مِنْ قَاصِدٍ وَغَيْرِهِ، فَإِنْ تَعَيَّنَ الْوَصِيُّ، أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ تَلَفُ الْمَالِ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَنِ الْوَصِيَّةِ.

أَمَّا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، فَلَيْسَ لِلْوَصِيِّ عَزْلُ نَفْسِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، ذَكَرَهَا ابْنُ مُوسَى فِي الإْرْشَادِ؛ لأِنَّ  الْوَصِيَّ لَمَّا قَبِلَ الْوَصِيَّةَ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي فَقَدْ جَعَلَهُ يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ فِيمَا أَوْصَى بِهِ إِلَيْهِ، فَإِذَا رَجَعَ عَنِ الْوَصِيَّةِ بَعْدَ مَوْتِهِ كَانَ تَغْرِيرًا بِهِ، وَهُوَ لاَ يَجُوزُ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: لِلْوَصِيِّ عَزْلُ نَفْسِهِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي؛ لأِنَّ  الْوِصَايَةَ كَالْوَكَالَةِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَصَرُّفٌ بِالإْذْنِ ، وَالْوَكِيلُ لَهُ عَزْلُ نَفْسِهِ مَتَى شَاءَ، فَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ. وَقَدِ اسْتَثْنَى الشَّافِعِيَّةُ مِنْ ذَلِكَ مَا إِذَا وَجَبَ الإْيصَاءُ  وَتَعَيَّنَ الْقَبُولُ عَلَى الْوَصِيِّ، فَلاَ يَجُوزُ لَهُ الرُّجُوعُ عَنِ الْوَصِيَّةِ.

مَنْ يَكُونُ لَهُ تَوْلِيَةُ الْوَصِيِّ:

تَوْلِيَةُ الْوَصِيِّ تَخْتَلِفُ تَبَعًا لاِخْتِلاَفِ مَا يَتَعَلَّقُ الإْيصَاءُ  بِهِ، فَإِنْ كَانَ الإْيصَاءُ  بِتَصَرُّفٍ مُعَيَّنٍ، كَقَضَاءِ الدُّيُونِ وَاقْتِضَائِهَا، وَرَدِّ الْوَدَائِعِ وَاسْتِرْدَادِهَا، وَتَنْفِيذِ الْوَصَايَا وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَالَّذِي يَكُونُ لَهُ تَوْلِيَةُ الْوَصِيِّ هُوَ صَاحِبُ الشَّأْنِ فِي ذَلِكَ التَّصَرُّفِ؛ لأِنَّ  مَنْ لَهُ وِلاَيَةٌ عَلَى تَصَرُّفٍ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ، كَانَ لَهُ أَنْ يُنِيبَ عَنْهُ غَيْرَهُ فِيهِ لِلْقِيَامِ بِهِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ، وَبَعْدَ وَفَاتِهِ بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ، أَمَّا إِنْ كَانَ الإْيصَاءُ  بِرِعَايَةِ الأْوْلاَدِ الصِّغَارِ وَمَنْ فِي حُكْمِهِمْ، كَالْمَجَانِينِ وَالْمَعْتُوهِينَ، وَالنَّظَرِ فِي أَمْوَالِهِمْ بِحِفْظِهَا وَالتَّصَرُّفِ فِيهَا بِمَا يَنْفَعُهُمْ، فَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ تَوْلِيَةَ الْوَصِيِّ تَكُونُ لِلأْبِ؛ لأِنَّ  لِلأْبِ - عِنْدَهُمْ جَمِيعًا - الْوِلاَيَةُ عَلَى أَوْلاَدِهِ الصِّغَارِ وَمَنْ فِي حُكْمِهِمْ فِي حَالِ حَيَاتِهِ، فَيَكُونُ لَهُ الْحَقُّ فِي إِقَامَةِ خَلِيفَةٍ عَنْهُ فِي الْوِلاَيَةِ عَلَيْهِمْ بَعْدَ وَفَاتِهِ.

وَمِثْلُ الأْبِ فِي هَذَا الْحُكْمِ الْجَدُّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فَلَهُ حَقُّ تَوْلِيَةِ الْوَصِيِّ؛ لأِنَّ  الْجَدَّ لَهُ عِنْدَهُمُ الْوِلاَيَةُ عَلَى أَوْلاَدِ أَوْلاَدِهِ وَإِنْ نَزَلُوا، فَيَكُونُ لَهُ حَقُّ الإْيصَاءِ عَلَيْهِمْ لِمَنْ شَاءَ بَعْدَ مَوْتِهِ كَالأْبِ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ لَيْسَ لِلْجَدِّ حَقُّ تَوْلِيَةِ وَصِيٍّ عَنْهُ عَلَى أَوْلاَدِ أَوْلاَدِهِ؛ لأِنَّ  الْجَدَّ لاَ وِلاَيَةَ لَهُ عِنْدَهُمْ عَلَى أَمْوَالِ هَؤُلاَءِ الأْوْلاَدِ؛ لأِنَّهُ لاَ يُدْلِي إِلَيْهِمْ بِنَفْسِهِ، وَإِنَّمَا يُدْلِي إِلَيْهِمْ بِالأْبِ، فَكَانَ كَالأْخِ وَالْعَمِّ، وَلاَ وِلاَيَةَ لأِحَدِ هِمَا عَلَى مَالِ أَوْلاَدِ أَخِيهِ، فَكَذَلِكَ الْجَدُّ لاَ وِلاَيَةَ لَهُ عَلَى مَالِ أَوْلاَدِ أَوْلاَدِهِ.

وَلِوَصِيِّ الأْبِ حَقُّ الإْيصَاءِ بَعْدَهُ لِمَنْ شَاءَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ؛ لأِنَّ  الأْبَ أَقَامَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ، فَكَانَ لَهُ الإْيصَاءُ  كَالأْبِ، وَيُوَافِقُ الْحَنَفِيَّةَ فِي ذَلِكَ الْمَالِكِيَّةُ، إِلاَّ أَنَّهُمْ قَيَّدُوا حَقَّ الْوَصِيِّ فِي الإْيصَاءِ لِغَيْرِهِ بِمَا إِذَا لَمْ يَمْنَعْهُ الأْبُ مِنَ الإْيصَاءِ إِلَى غَيْرِهِ، فَإِنْ مَنَعَهُ مِنَ الإْيصَاءِ إِلَى غَيْرِهِ، كَأَنْ قَالَ لَهُ: أَوْصَيْتُكَ عَلَى أَوْلاَدِي، وَلَيْسَ لَكَ أَنْ تُوصِيَ عَلَيْهِمْ، فَلاَ يَجُوزُ لَهُ الإْيصَاءُ .

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الأْظْهَرِ: لَيْسَ لِلْوَصِيِّ حَقُّ الإْيصَاءِ إِلَى غَيْرِهِ، إِلاَّ إِذَا جَعَلَ لَهُ الإْيصَاءَ  إِلَى غَيْرِهِ؛ لأِنَّ  الْوَصِيَّ يَتَصَرَّفُ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ عَنِ الْمُوصِي، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ التَّفْوِيضُ إِلَى غَيْرِهِ، إِلاَّ إِذَا أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ، كَالْوَكِيلِ، فَإِنَّهُ لاَ يَجُوزُ لَهُ تَوْكِيلُ غَيْرِهِ فِيمَا وُكِّلَ فِيهِ، إِلاَّ إِذَا أَذِنَ لَهُ الْمُوَكِّلُ، فَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ.

وَلِلْقَاضِي إِذَا لَمْ يُوصِ الأْبُ وَالْجَدُّ أَوْ وَصِيُّهُمَا لأِحَدٍ أَنْ يُعَيِّنَ وَصِيًّا مِنْ قِبَلِهِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ؛ لأِنَّهُ وَلِيُّ مَنْ لاَ وَلِيَّ لَهُ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لاَ وَلِيَّ لَهُ». وَالْقَاضِي لاَ يَلِي أُمُورَ الْقَاصِرِينَ بِنَفْسِهِ، وَلَكِنَّهُ يَكِلُ أُمُورَهُمْ إِلَى مَنْ يُعَيِّنُهُمْ مِنَ الأْوْصِيَاءِ.

أَمَّا الأْمُّ فَلَيْسَ لَهَا تَوْلِيَةُ الْوَصِيِّ عَلَى أَوْلاَدِهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ لأِنَّهُ لاَ وِلاَيَةَ لَهَا عَلَى أَوْلاَدِهَا فِي حَالِ حَيَاتِهَا، فَلاَ يَكُونُ لَهَا حَقُّ إِقَامَةِ خَلِيفَةٍ عَنْهَا فِي حَالِ وَفَاتِهَا.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: لِلأْمِّ الْحَقُّ فِي الإْيصَاءِ عَلَى أَوْلاَدِهَا، إِذَا تَوَافَرَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ الثَّلاَثَةُ:

(1أَنْ يَكُونَ مَالُ الأْوْلاَدِ مَوْرُوثًا عَنِ الأْمِّ ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَوْرُوثٍ عَنْهَا، فَلَيْسَ لَهَا الإْيصَاءُ  فِيهِ.

(2أَنْ يَكُونَ الْمَالُ الْمَوْرُوثُ عَنْهَا قَلِيلاً، فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَلاَ يَكُونُ لَهَا الإْيصَاءُ  عَلَيْهِ، وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي اعْتِبَارِ الْمَالِ قَلِيلاً أَوْ كَثِيرًا هُوَ الْعُرْفُ، فَمَا اعْتُبِرَ فِي عُرْفِ النَّاسِ كَثِيرًا كَانَ كَثِيرًا، وَمَا اعْتُبِرَ فِي عُرْفِهِمْ قَلِيلاً كَانَ قَلِيلاً.

(3أَلاَّ يَكُونَ لِلأْوْلاَدِ أَبٌ، أَوْ وَصِيٌّ مِنَ الأْبِ أَوِ الْقَاضِي، فَإِنْ وُجِدَ وَاحِدٌ مِنْ هَؤُلاَءِ فَلَيْسَ لِلأْمِّ حَقُّ الإْيصَاءِ عَلَيْهِمْ.

 الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  العاشر   ، الصفحة / 65

تَبَرُّعٌ

التَّعْرِيفُ:

1 - التَّبَرُّعُ لُغَةً: مَأْخُوذٌ مِنْ بَرَعَ الرَّجُلُ وَبَرُعَ بِالضَّمِّ أَيْضًا بَرَاعَةً، أَيْ: فَاقَ أَصْحَابَهُ فِي الْعِلْمِ وَغَيْرِهِ فَهُوَ بَارِعٌ، وَفَعَلْتُ كَذَا مُتَبَرِّعًا أَيْ: مُتَطَوِّعًا، وَتَبَرَّعَ بِالأْمْرِ: فَعَلَهُ غَيْرَ طَالِبٍ عِوَضًا.   

وَأَمَّا فِي الاِصْطِلاَحِ، فَلَمْ يَضَعِ الْفُقَهَاءُ تَعْرِيفًا لِلتَّبَرُّعِ، وَإِنَّمَا عَرَّفُوا أَنْوَاعَهُ كَالْوَصِيَّةِ وَالْوَقْفِ وَالْهِبَةِ وَغَيْرِهَا، وَكُلُّ تَعْرِيفٍ لِنَوْعٍ مِنْ هَذِهِ الأْنْوَاعِ يُحَدِّدُ مَاهِيَّتَهُ فَقَطْ، وَمَعَ هَذَا فَإِنَّ مَعْنَى التَّبَرُّعِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ تَعْرِيفِهِمْ لِهَذِهِ الأْنْوَاعِ، لاَ يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِ التَّبَرُّعِ بَذْلَ الْمُكَلَّفِ مَالاً أَوْ مَنْفَعَةً لِغَيْرِهِ فِي الْحَالِ أَوِ الْمَآلِ بِلاَ عِوَضٍ بِقَصْدِ الْبِرِّ وَالْمَعْرُوفِ غَالِبًا.

الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

التَّطَوُّعُ:

2 - التَّطَوُّعُ: اسْمٌ لِمَا شُرِعَ زِيَادَةً عَلَى الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ وَهُوَ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ التَّبَرُّعِ، فَالتَّبَرُّعُ قَدْ يَكُونُ وَاجِبًا، وَقَدْ لاَ يَكُونُ وَاجِبًا، وَيَكُونُ التَّطَوُّعُ أَيْضًا فِي الْعِبَادَاتِ، وَهِيَ النَّوَافِلُ كُلُّهَا الزَّائِدَةُ عَنِ الْفُرُوضِ وَالْوَاجِبَاتِ.

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ لِلتَّبَرُّعِ:

3 - حَثَّ الإْسْلاَمُ عَلَى فِعْلِ الْخَيْرِ وَتَقْدِيمِ الْمَعْرُوفِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالإْجْمَاعِ، وَالتَّبَرُّعِ بِأَنْوَاعِهِ الْمُخْتَلِفَةِ مِنَ الْخَيْرِ، فَيَكُونُ مَشْرُوعًا بِهَذِهِ الأْدِلَّةِ.

أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى : (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإْثْمِ وَالْعُدْوَانِ)   فَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِالتَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ، وَهُوَ كُلُّ مَعْرُوفٍ يُقَدَّمُ لِلْغَيْرِ سَوَاءٌ أَكَانَ بِتَقْدِيمِ الْمَالِ أَمِ الْمَنْفَعَةِ.

وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأْقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ).

وَأَمَّا السُّنَّةُ، فَإِنَّ الأْحَادِيثَ الدَّالَّةَ عَلَى أَعْمَالِ الْخَيْرِ كَثِيرَةٌ، مِنْهَا: مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «أَصَابَ عُمَرُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ، فَأَتَى النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم  يَسْتَأْمِرُهُ فِيهَا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَصَبْتُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ، لَمْ أُصِبْ مَالاً قَطُّ هُوَ أَنْفَسُ عِنْدِي مِنْهُ، فَمَا تَأْمُرُنِي بِهِ؟ قَالَ: إِنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا. قَالَ: فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ: أَنَّهُ لاَ يُبَاعُ أَصْلُهَا، وَلاَ يُبْتَاعُ، وَلاَ يُورَثُ، وَلاَ يُوهَبُ. قَالَ: فَتَصَدَّقَ عُمَرُ فِي الْفُقَرَاءِ، وَفِي الْقُرْبَى، وَفِي الرِّقَابِ، وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَابْنِ السَّبِيلِ، وَالضَّيْفِ، لاَ جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ، أَوْ يُطْعِمَ صَدِيقًا، غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ   .

قَالَ: فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ مُحَمَّدًا. فَلَمَّا بَلَغْتُ هَذَا الْمَكَانَ: غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ، قَالَ مُحَمَّدٌ: غَيْرَ مُتَأَثِّلٍ مَالاً .

قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: وَأَنْبَأَنِي مَنْ قَرَأَ هَذَا الْكِتَابَ، أَنَّ فِيهِ: غَيْرَ مُتَأَثِّلٍ مَالاً.

وَمِنْهَا قَوْلُهُ  صلي الله عليه وسلم «تَهَادَوْا تَحَابُّوا»   وَقَوْلُهُ صلي الله عليه وسلم إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ عِنْدَ وَفَاتِكُمْ زِيَادَةً فِي حَيَاتِكُمْ؛ لِيَجْعَلَهَا لَكُمْ زِيَادَةً فِي أَعْمَالِكُمْ.

وَأَمَّا الإْجْمَاعُ فَقَدِ اتَّفَقَتِ الأْمَّةُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ التَّبَرُّعِ، وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ أَحَدٌ.   

4 - وَالتَّبَرُّعَاتُ أَنْوَاعٌ مُتَعَدِّدَةٌ مِنْهَا: تَبَرُّعٌ بِالْعَيْنِ، وَمِنْهَا تَبَرُّعٌ بِالْمَنْفَعَةِ، وَتَكُونُ التَّبَرُّعَاتُ، حَالَّةً أَوْ مُؤَجَّلَةً، أَوْ مُضَافَةً إِلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالتَّبَرُّعُ بِأَنْوَاعِهِ يَدُورُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ بِأَقْسَامِهِ.

5 - وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ التَّبَرُّعَ لَيْسَ لَهُ حُكْمٌ تَكْلِيفِيٌّ وَاحِدٌ، وَإِنَّمَا تَعْتَرِيهِ الأْحْكَامُ الْخَمْسَةُ: فَقَدْ يَكُونُ وَاجِبًا، وَقَدْ يَكُونُ مَنْدُوبًا، وَقَدْ يَكُونُ حَرَامًا، وَقَدْ يَكُونُ مَكْرُوهًا؛ تَبَعًا، لِحَالَةِ التَّبَرُّعِ وَالْمُتَبَرَّعِ لَهُ وَالْمُتَبَرَّعِ بِهِ.

فَإِنْ كَانَ التَّبَرُّعُ وَصِيَّةً، فَتَكُونُ وَاجِبَةً لِتَدَارُكِ قُرْبَةٍ فَاتَتْهُ كَزَكَاةٍ أَوْ حَجٍّ، وَتَكُونُ مَنْدُوبَةً إِذَا كَانَ وَرَثَتُهُ أَغْنِيَاءَ وَهِيَ فِي حُدُودِ الثُّلُثِ، وَتَكُونُ حَرَامًا إِذَا أَوْصَى لِمَعْصِيَةٍ أَوْ بِمُحَرَّمٍ، وَتَكُونُ مَكْرُوهَةً إِذَا أَوْصَى لِفَقِيرٍ أَجْنَبِيٍّ وَلَهُ فَقِيرٌ قَرِيبٌ، وَتَكُونُ مُبَاحَةً إِذَا أَوْصَى بِأَقَلَّ مِنَ الثُّلُثِ لِغَنِيٍّ أَجْنَبِيٍّ وَوَرَثَتُهُ أَغْنِيَاءُ.

وَالْحُكْمُ كَذَلِكَ فِي بَاقِي التَّبَرُّعَاتِ كَالْوَقْفِ وَالْهِبَةِ  .

أَرْكَانُ التَّبَرُّعِ:

6 - التَّبَرُّعُ أَسَاسُهُ الْعَقْدُ، وَلاَ بُدَّ مِنْ تَوَافُرِ أَرْكَانِ الْعَقْدِ، وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي عَدَدِ هَذِهِ الأْرْكَانِ.

فَالْجُمْهُورُ يَرَوْنَ أَنَّ لِلتَّبَرُّعِ أَرْبَعَةَ أَرْكَانٍ: مُتَبَرِّعٌ، وَمُتَبَرَّعٌ لَهُ، وَمُتَبَرَّعٌ بِهِ، وَصِيغَةٌ. فَالْمُتَبَرِّعُ هُوَ الْمُوصِي أَوِ الْوَاهِبُ أَوِ الْوَاقِفُ أَوِ الْمُعِيرُ. وَالْمُتَبَرَّعُ لَهُ قَدْ يَكُونُ الْمُوصَى لَهُ أَوِ الْمَوْهُوبَ لَهُ أَوِ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ أَوِ الْمُسْتَعِيرَ. وَالْمُتَبَرَّعُ بِهِ قَدْ يَكُونُ مُوصًى بِهِ أَوْ مَوْهُوبًا أَوْ مَوْقُوفًا أَوْ مُعَارًا إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ. وَالصِّيغَةُ هِيَ الَّتِي تُنْشِئُ التَّبَرُّعَ وَتُبَيِّنُ إِرَادَةَ الْمُتَبَرِّعِ.

أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَلِلتَّبَرُّعِ عِنْدَهُمْ رُكْنٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ الصِّيغَةُ، وَالْخِلاَفُ عِنْدَهُمْ فِيمَا تَتَحَقَّقُ بِهِ هَذِهِ الصِّيغَةُ، وَهَذَا يَخْتَلِفُ تَبَعًا لِنَوْعِ التَّبَرُّعِ  .

 شُرُوطُ التَّبَرُّعِ:

7 - لِكُلِّ نَوْعٍ مِنَ التَّبَرُّعَاتِ شُرُوطٌ إِذَا تَحَقَّقَتْ كَانَ التَّبَرُّعُ صَحِيحًا. وَإِذَا لَمْ تَتَحَقَّقْ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا، وَهَذِهِ الشُّرُوطُ كَثِيرَةٌ وَمُتَنَوِّعَةٌ، فَبَعْضُهَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُتَبَرِّعِ، وَبَعْضُهَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُتَبَرَّعِ لَهُ، وَبَعْضُهَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُتَبَرَّعِ بِهِ، وَبَعْضُهَا يَتَعَلَّقُ بِالصِّيغَةِ، وَتَفْصِيلُ شُرُوطِ كُلِّ نَوْعٍ مِنَ التَّبَرُّعَاتِ فِي مُصْطَلَحِهِ  .

آثَارُ التَّبَرُّعِ:

8 - التَّبَرُّعُ إِذَا تَمَّ بِشُرُوطِهِ الشَّرْعِيَّةِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَثَرٌ شَرْعِيٌّ، وَهُوَ انْتِقَالُ الْمُتَبَرَّعِ بِهِ إِلَى الْمُتَبَرَّعِ لَهُ، وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلاَفِ الْمُتَبَرَّعِ بِهِ.

فَفِي الْوَصِيَّةِ مَثَلاً يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ مِنَ الْمُوصِي بَعْدَ وَفَاتِهِ إِلَى الْمُوصَى لَهُ بِقَبُولِهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُوصَى بِهِ أَعْيَانًا أَمْ مَنَافِعَ، وَفِي الْهِبَةِ يَنْتَقِلُ مِلْكُ الْمَوْهُوبِ مِنَ الْوَاهِبِ إِلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ إِذَا قَبَضَهُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَيَتَوَقَّفُ انْتِقَالُهُ عَلَى الْقَبْضِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ. وَفِي الْعَارِيَّةِ يَنْتَقِلُ حَقُّ الاِنْتِفَاعِ إِلَى الْمُسْتَعِيرِ انْتِقَالاً مُؤَقَّتًا، وَأَمَّا الْوَقْفُ  فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي انْتِقَالِ الْمِلْكِ وَعَدَمِهِ، فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ:   أَنَّ الْوَقْفَ يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِ الْوَاقِفِ وَيَبْقَى عَلَى مِلْكِ اللَّهِ تَعَالَى، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَبْقَى عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهِ   وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رُوِيَ «عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه  لَمَّا وَقَفَ أَسْهُمًا لَهُ بِخَيْبَرَ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام « حَبِّسْ أَصْلَهَا»   فَاسْتَنْبَطُوا مِنْ ذَلِكَ النَّصِّ بَقَاءَ الْمَوْقُوفِ عَلَى مِلْكِ وَاقِفِهِ، وَبِالْجُمْلَةِ فَإِنَّ التَّبَرُّعَ يُنْتِجُ أَثَرًا شَرْعِيًّا، وَهُوَ انْتِقَالُ الْمِلْكِ فِي الْعَيْنِ أَوِ الْمَنْفَعَةِ مِنَ الْمُتَبَرِّعِ إِلَى الْمُتَبَرَّعِ لَهُ إِذَا تَمَّ الْعَقْدُ بِشُرُوطِهِ. وَفِي الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلاَتٌ وَاخْتِلاَفٌ يُرْجَعُ إِلَيْهَا فِي (عَارِيَّةٌ. هِبَةٌ. وَقْفٌ. وَصِيَّةٌ. ).

مَا يَنْتَهِي بِهِ التَّبَرُّعُ:

9 - انْتِهَاءُ التَّبَرُّعِ قَدْ يَكُونُ بِبُطْلاَنِهِ، وَقَدْ يَكُونُ بِغَيْرِ فِعْلٍ مِنْ أَحَدٍ، وَقَدْ يَكُونُ بِفِعْلِ التَّبَرُّعِ أَوْ غَيْرِهِ. وَالأْصْلُ فِي التَّبَرُّعِ عَدَمُ انْتِهَائِهِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْبِرِّ وَالْمَعْرُوفِ، بِاسْتِثْنَاءِ الإْعَارَةِ لأِنَّهَا مُؤَقَّتَةٌ. وَبِاسْتِعْرَاضِ أَقْوَالِ الْفُقَهَاءِ فِي انْتِهَاءِ التَّبَرُّعِ  يَتَبَيَّنُ أَنَّ الاِنْتِهَاءَ يَتَّسِعُ فِي بَعْضِ أَنْوَاعِ التَّبَرُّعِ، وَيَضِيقُ فِي بَعْضِهَا الآْخَرِ، وَمِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى فَقَدْ يَكُونُ إِنْهَاءُ بَعْضِ التَّبَرُّعَاتِ غَيْرَ مُمْكِنٍ كَالْوَقْفِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَقَدْ يَكُونُ أَمْرًا حَتْمِيًّا كَالإْعَارَةِ. 

التَّبْعِيضُ فِي الْوَصِيَّةِ:

39 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى جَوَازِ التَّبْعِيضِ فِي الْوَصِيَّةِ، إِذَا كَانَتِ الْوَصِيَّةُ بِجُزْءٍ شَائِعٍ. كَمَنْ أَوْصَى بِجُزْءٍ أَوْ سَهْمٍ مِنْ مَالِهِ، فَالْبَيَانُ إِلَى الْوَرَثَةِ يُقَالُ لَهُمْ: أَعْطُوهُ شَيْئًا؛ لأِنَّهُ مَجْهُولٌ يَتَنَاوَلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ، وَالْوَصِيَّةُ لاَ تَمْتَنِعُ  بِالْجَهَالَةِ وَمِثْلُهُ الْحَظُّ، وَالشِّقْصُ، وَالنَّصِيبُ، وَالْبَعْضُ (لأِنَّ الْوَصِيَّةَ حَقِيقَتُهَا تَصَرُّفُ الْمَالِكِ فِي جُزْءٍ مِنْ حُقُوقِهِ).   

كَذَلِكَ إِنْ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ بِجُزْءٍ مُعَيَّنٍ: كَمَنْ أَوْصَى بِقُطْنِهِ لِرَجُلٍ، وَبِحَبِّهِ لآِخَرَ، أَوْ أَوْصَى بِلَحْمِ شَاةٍ مُعَيَّنَةٍ لِرَجُلٍ وَبِجِلْدِهَا لآِخَرَ، أَوْ أَوْصَى بِحِنْطَةٍ فِي سُنْبُلِهَا لِرَجُلٍ، وَبِالتِّبْنِ لآِخَرَ.

جَازَتِ الْوَصِيَّةُ لَهُمَا، وَعَلَى الْمُوصَى لَهُمَا أَنْ يَدُوسَا الْحَبَّ، أَوْ يَسْلُخَا الشَّاةَ، أَوْ يَحْلِجَا الْقُطْنَ. وَلَوْ بَانَتِ الشَّاةُ حَيَّةً فَأُجْرَةُ الذَّبْحِ عَلَى صَاحِبِ اللَّحْمِ خَاصَّةً؛ لأَِنَّ التَّذْكِيَةَ لأِجْلِ اللَّحْمِ لاَ الْجِلْدِ  .

وَفِي الْمُغْنِي: إِذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِخَاتَمٍ وَلآِخَرَ بِفَصِّهِ صَحَّ، وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا الاِنْتِفَاعُ بِهِ إِلاَّ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ، وَأَيُّهُمَا طَلَبَ قَلْعَ الْفَصِّ مِنَ الْخَاتَمِ أُجِيبَ إِلَيْهِ، وَأُجْبِرَ الآْخَرُ عَلَيْهِ  .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الحادي عشر ، الصفحة /  222

الْوَصِيَّةُ:

32 - يَأْتِي فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّالِثَةِ تَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ.

وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ تَنْفِيذَ مَا يُوصِي بِهِ الْمَيِّتُ يَجِيءُ بَعْدَ الدَّيْنِ وَقَبْلَ أَخْذِ الْوَرَثَةِ أَنْصِبَاءَهُمْ مِنَ التَّرِكَةِ؛ لقوله تعالي : (  مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ)  وَلاَ يَكُونُ تَنْفِيذُ مَا يُوصَى بِهِ مِنْ أَصْلِ الْمَالِ؛ لأِنَّ  مَا تَقَدَّمَ مِنَ التَّكْفِينِ وَقَضَاءِ الدَّيْنِ قَدْ صَارَ مَصْرُوفًا فِي ضَرُورَاتِهِ الَّتِي لاَ بُدَّ مِنْهَا، وَالْبَاقِي هُوَ مَالُهُ الَّذِي كَانَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي ثُلُثِهِ. وَأَيْضًا رُبَّمَا اسْتَغْرَقَ ثُلُثُ الأْصْلِ جَمِيعَ الْبَاقِي، فَيُؤَدِّي إِلَى حِرْمَانِ الْوَرَثَةِ بِسَبَبِ الْوَصِيَّةِ، وَهَذَا سَوَاءٌ أَكَانَتِ الْوَصِيَّةُ مُطْلَقَةً أَمْ مُعَيَّنَةً.

وَتَقْدِيمُ الْوَصِيَّةِ عَلَى الدَّيْنِ فِي الآْيَةِ الْكَرِيمَةِ لاَ يُفِيدُ التَّقْدِيمَ فِعْلاً كَمَا تَبَيَّنَ مِنْ قَبْلُ (ف 23) وَإِنَّمَا يُفِيدُ الْعِنَايَةَ بِأَمْرِ وَصِيَّةِ الْمَيِّتِ، وَإِنْ كَانَتْ تَبَرُّعًا مِنْهُ، كَيْ لاَ تَشِحَّ نُفُوسُ الْوَرَثَةِ بِإِخْرَاجِهَا مِنَ التَّرِكَةِ قَبْلَ تَوْزِيعِهَا بَيْنَهُمْ.

وَمِنْ هُنَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا عَلَى الدَّيْنِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهَا مِثْلُهُ فِي وُجُوبِ الأْدَاءِ أَوِ الْمُسَارَعَةِ إِلَيْهِ، وَلِذَلِكَ جِيءَ بَيْنَهُمَا بِأَوِ الَّتِي هِيَ هُنَا لِلتَّسْوِيَةِ .

 وَتَقْدِيمُ الْوَصِيَّةِ عَلَى حُقُوقِ الْوَرَثَةِ لَيْسَ عَلَى إِطْلاَقِهِ؛ لأِنَّ  تَنْفِيذَ الْوَصِيَّةِ مُقَيَّدٌ بِحُدُودِ الثُّلُثِ، فَإِنْ كَانَ الْمُوصَى بِهِ شَيْئًا مُعَيَّنًا أَخَذَهُ، وَإِنْ كَانَ بِثُلُثٍ أَوْ رُبُعٍ مَثَلاً كَانَ الْمُوصَى لَهُ شَرِيكًا لِلْوَرَثَةِ فِي التَّرِكَةِ بِنِسْبَةِ نَصِيبِهِ الْمُوصَى لَهُ بِهِ، لاَ مُقَدَّمًا عَلَيْهِمْ. فَإِذَا نَقَصَ الْمَالُ لَحِقَهُ النَّقْصُ، وَهَذَا بِخِلاَفِ التَّجْهِيزِ وَالدَّيْنِ، فَإِنَّهُمَا مُتَقَدِّمَانِ حَقًّا عَلَى الْوَصِيَّةِ وَحُقُوقِ الْوَرَثَةِ.

وَلَمَّا كَانَتِ الْوَصِيَّةُ بِنِسْبَةٍ شَائِعَةٍ عَلَى سَبِيلِ الْمُشَارَكَةِ مَعَ حُقُوقِ الْوَرَثَةِ - فَلَوْ هَلَكَ شَيْءٌ مِنَ التَّرِكَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَإِنَّهُ يَهْلِكُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ وَالْوَرَثَةِ جَمِيعًا، وَلاَ يُعْطَى الْمُوصَى لَهُ كُلَّ الثُّلُثِ مِنَ الْبَاقِي، بَلِ الْهَالِكُ يَهْلِكُ عَلَى الْحَقَّيْنِ، وَالْبَاقِي يَبْقَى عَلَى الْحَقَّيْنِ، بِخِلاَفِ الدَّيْنِ - فَإِنَّهُ إِذَا هَلَكَ بَعْضُ التَّرِكَةِ يُسْتَوْفَى كُلُّ الدَّيْنِ مِنَ الْبَاقِي.

ثُمَّ إِنَّ طَرِيقَةَ حِسَابِ الْوَصِيَّةِ: أَنْ يَحْسِبَ قَدْرَ الْوَصِيَّةِ مِنْ جُمْلَةِ التَّرِكَةِ لِتَظْهَرَ سِهَامُ الْوَرَثَةِ، كَمَا تُحْسَبُ سِهَامُ أَصْحَابِ الْفَرَائِضِ أَوَّلاً لِيَظْهَرَ الْفَاضِلُ لِلْعَصَبَةِ .

 الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الثاني  والعشرون  ، الصفحة / 135

الرُّجُوعُ فِي الْعُقُودِ غَيْرِ اللاَّزِمَةِ:

14 - الْعُقُودُ الْجَائِزَةُ (غَيْرُ اللاَّزِمَةِ) كَالْعَارِيَّةِ، وَالْوَصِيَّةِ، وَالشَّرِكَةِ، وَالْمُضَارَبَةِ، وَالْوَكَالَةِ، وَالْوَدِيعَةِ، عُقُودٌ غَيْرُ لاَزِمَةٍ، وَعَدَمُ لُزُومِهَا يُبِيحُ الرُّجُوعَ فِيهَا إِذَا تَوَافَرَتِ الشُّرُوطُ الْمُعْتَبَرَةُ الَّتِي حَدَّدَهَا الْفُقَهَاءُ كَشَرْطِ نُضُوضِ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْمُضَارَبَةِ، وَشَرْطِ عِلْمِ الطَّرَفِ الآْخَرِ بِالْفَسْخِ، وَشَرْطِ عَدَمِ الضَّرَرِ فِي الرُّجُوعِ، فَمَنِ اسْتَعَارَ أَرْضًا لِلزِّرَاعَةِ، وَأَرَادَ الْمُعِيرُ الرُّجُوعَ، فَإِنَّ الرُّجُوعَ الْفِعْلِيَّ يَتَوَقَّفُ حَتَّى يَحْصُدَ الزَّرْعَ، وَمَنْ أَعَارَ مَكَانًا لِدَفْنٍ، وَحَصَلَ الدَّفْنُ فِعْلاً فَلاَ يَرْجِعُ الْمُعِيرُ فِي مَوْضِعِهِ حَتَّى يَنْدَرِسَ أَثَرُ الْمَدْفُونِ، كَمَا أَنَّ الْعَارِيَّةَ الْمُقَيَّدَةَ بِأَجَلٍ أَوْ عَمَلٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ لاَ رُجُوعَ فِيهَا حَتَّى يَنْقَضِيَ الأْجَلُ  أَوِ الْعَمَلُ.

 الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الخامس والعشرون ، الصفحة / 118

الْوَصِيَّةُ بِالسُّكْنَى:

20 - الْوَصِيَّةُ بِالسُّكْنَى نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْوَصِيَّةِ، وَهِيَ إِمَّا أَنْ تَكُونَ مُطْلَقَةً عَنِ الْوَقْتِ أَوْ مُقَيَّدَةً بِوَقْتٍ، وَفِي كُلٍّ إِمَّا أَنْ تَكُونَ لِمُعَيَّنٍ كَزَيْدٍ، أَوْ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ كَفُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ. فَإِذَا كَانَتِ الْوَصِيَّةُ بِالسُّكْنَى مُطْلَقَةً وَهِيَ لِمُعَيَّنٍ، فَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ لِلْمُوصَى لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِسُكْنَى الدَّارِ مَا عَاشَ، فَإِذَا مَاتَ انْتَقَلَتِ السُّكْنَى إِلَى مِلْكِ صَاحِبِ الْعَيْنِ - وَهُمْ وَرَثَةُ الْمُوصِي - لِبُطْلاَنِهَا بِمَوْتِ الْمُوصَى لَهُ.

وَيُشْتَرَطُ لاِنْتِفَاعِ الْمُوصَى لَهُ بِالسُّكْنَى أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ الْمُوصَى بِسُكْنَاهَا تَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِ الْمُوصِي، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سِوَى هَذِهِ الدَّارِ الْمُوصَى بِسُكْنَاهَا، فَإِنَّ الْمُوصَى لَهُ يَسْكُنُ ثُلُثَهَا وَوَرَثَةُ الْمُوصِي يَسْكُنُونَ ثُلُثَيْهَا، مَا دَامَ الْمُوصَى لَهُ حَيًّا، فَإِنْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ تُرَدُّ إِلَيْهِمِ الْمَنْفَعَةُ كَامِلَةً. وَإِنْ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ بِالسُّكْنَى مُطْلَقَةً وَلِغَيْرِ مُعَيَّنٍ فَفِي جَوَازِهَا خِلاَفٌ فِي الْمَذْهَبِ الْحَنَفِيِّ، فَأَبُو حَنِيفَةَ يَرَى عَدَمَ جَوَازِ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ، وَيَرَى صَاحِبَاهُ جَوَازَهَا.

أَمَّا إِذَا كَانَتِ الْوَصِيَّةُ بِالسُّكْنَى مُؤَقَّتَةً بِمُدَّةٍ مُحَدَّدَةٍ كَسَنَةٍ مَثَلاً، فَيُنْظَرُ: هَلْ لِلْمُوصِي مَالٌ آخَرُ غَيْرُ هَذِهِ الدَّارِ الَّتِي أَوْصَى بِسُكْنَاهَا سَنَةً مُعَيَّنَةً؟ فَإِنْ أَجَازَ الْوَرَثَةُ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ سُلِّمَتِ الدَّارُ إِلَى الْمُوصَى لَهُ لِيَسْكُنَهَا السَّنَةَ الْمَذْكُورَةَ، وَإِنْ لَمْ يُجِزْهَا الْوَرَثَةُ قُسِمَتْ سُكْنَى الدَّارِ بَيْنَ الْمُوصَى لَهُ وَالْوَرَثَةِ أَثْلاَثًا، ثُلُثُهَا لِلْمُوصَى لَهُ، وَثُلُثَاهَا لِوَرَثَةِ الْمُوصَى. وَإِنْ أَوْصَى بِسُكْنَاهَا سَنَةً غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ فَإِنَّ الدَّارَ تُسَلَّمُ لِلْمُوصَى لَهُ لِيَسْكُنَهَا إِذَا أَجَازَ ذَلِكَ الْوَرَثَةُ، فَإِنْ لَمْ يُجِيزُوهَا قُسِمَتِ الدَّارُ أَثْلاَثًا يَسْكُنُ الْمُوصَى لَهُ ثُلُثَهَا لِمُدَّةِ ثَلاَثِ سَنَوَاتٍ.

فَإِذَا انْتَهَتِ الْمُدَّةُ الْمَذْكُورَةُ رَدَّ الثَّلاَثَ إِلَى الْوَرَثَةِ، وَتَكُونُ بِذَلِكَ الدَّارُ جَمِيعُهَا لِلْوَرَثَةِ.

أَمَّا إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهَا، فَإِنْ كَانَ الثُّلُثُ يَسَعُ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ سُلِّمَتِ الدَّارُ إِلَى الْمُوصَى لَهُ لِيَسْكُنَهَا السَّنَةَ الْمُحَدَّدَةَ، وَإِنْ كَانَ الثُّلُثُ لاَ يَسَعُ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ فَإِنْ أَجَازَهَا الْوَرَثَةُ سُلِّمَتِ الدَّارُ لِلْمُوصَى لَهُ لِيَسْكُنَهَا السَّنَةَ الْمُحَدَّدَةَ وَإِنْ لَمْ يُجِيزُوهَا فَإِنَّهُ يَسْكُنُ بِمِقْدَارِ الثُّلُثِ حَسَبَ التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ.

وَإِنْ عَيَّنَ الْمُوصِي السَّنَةَ الَّتِي أَوْصَى بِسُكْنَاهَا فَمَضَتْ تِلْكَ السَّنَةُ قَبْلَ وَفَاةِ الْمُوصِي، فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ تَبْطُلُ بِفَوَاتِهَا؛  لأِنَّ الْوَصِيَّةَ لاَ تُنْتِجُ أَثَرَهَا إِلاَّ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي. وَإِذَا مَاتَ فِي أَثْنَاءِ تِلْكَ السَّنَةِ الْمُعَيَّنَةِ فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ تَبْطُلُ فِيمَا مَضَى قَبْلَ وَفَاتِهِ. أَمَّا مَا يَبْقَى مِنَ السَّنَةِ بَعْدَ وَفَاةِ الْمُوصِي فَيَكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ الْحَقُّ فِي سُكْنَى هَذِهِ الْعَيْنِ .

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالسُّكْنَى لِدَارٍ مُعَيَّنَةٍ إِنْ كَانَتْ مُطْلَقَةً فَإِنَّ الْمُوصَى لَهُ يَسْتَحِقُّ الثُّلُثَ، وَأَمَّا إِذَا كَانَتِ الْوَصِيَّةُ مُؤَقَّتَةً فَيُنْظَرُ إِنْ كَانَ يَحْمِلُ الثُّلُثُ قِيمَتَهَا فَيَتَعَيَّنُ تَسْلِيمُ الْمُوصَى بِهِ إِلَى الْمُوصَى لَهُ لِيَسْكُنَهُ. وَإِنْ لَمْ يَحْمِلِ الثُّلُثُ قِيمَةَ الْعَيْنِ الْمُوصَى بِسُكْنَاهَا خُيِّرَ الْوَارِثُ بَيْنَ أَنْ يُجِيزَ الْوَصِيَّةَ أَوْ يَخْلَعَ ثُلُثَ جَمِيعِ التَّرِكَةِ مِنَ الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ عِوَضًا أَوْ عَيْنًا أَوْ غَيْرَهُمَا، وَيُعْطِيَهُ لِلْمُوصَى لَهُ، وَبِهَذَا يَكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ جَمِيعِ مَا تَرَكَهُ الْمُوصِي .

وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ  أَنَّهُ إِذَا كَانَتِ الْوَصِيَّةُ لِلسُّكْنَى مُطْلَقَةً عَنِ التَّأْقِيتِ بِزَمَنٍ مُعَيَّنٍ، فَإِنَّ الْمُوصَى لَهُ يَمْلِكُ سَكَنَ الدَّارِ، وَلَهُ حَقُّ تَأْجِيرِهَا وَإِعَارَتِهَا لِغَيْرِهِ وَالإْيصَاءِ بِمَنْفَعَتِهَا وَتُورَثُ عَنْهُ مَنْفَعَتُهَا بَعْدَ مَوْتِهِ. وَإِذَا كَانَتْ مُؤَقَّتَةً بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ، كَسَنَةٍ أَوْ كَحَيَاةِ الْمُوصَى لَهُ، فَإِنَّ الْمُوصَى لَهُ يَنْتَفِعُ بِالسُّكْنَى بِنَفْسِهِ الْمُدَّةَ الْمُعَيَّنَةَ أَوْ مُدَّةَ حَيَاتِهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَ أَوْ أَنْ يُعِيرَ، وَلاَ تُورَثُ عَنْهُ إِذَا مَاتَ،  لأِنَّ الْوَصِيَّةَ بِالسُّكْنَى هُنَا مِنْ قَبِيلِ الإْبَاحَةِ وَلَيْسَتْ تَمْلِيكًا.

وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلْمُوصَى لَهُ تَأْجِيرُ الْمُوصَى بِهِ إِذَا كَانَتِ الْوَصِيَّةُ مُقَيَّدَةً بِالاِسْتِعْمَالِ كَالسُّكْنَى؛ هُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ أَيْضًا؛ وَعِلَّةُ ذَلِكَ أَنَّ الْمِلْكَ هُنَا بِالْمَجَّانِ وَالتَّمْلِيكُ بِالإْجَارَةِ تَمْلِيكٌ بِعِوَضٍ، وَهَذَا أَقْوَى مِنَ التَّمْلِيكِ مَجَّانًا، وَمَنْ مَلَكَ الأْضْعَفَ لاَ يَمْلِكُ الأْقْوَى .

وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَيَقُولُونَ: إِنَّ الْمُوصَى لَهُ بِسُكْنَى الدَّارِ تُسَلَّمُ لَهُ الدَّارُ لِيَسْكُنَهَا، وَذَلِكَ إِذَا كَانَتِ الْوَصِيَّةُ يَسَعُهَا الثُّلُثُ، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الْوَصِيَّةُ مُطْلَقَةً أَمْ كَانَتْ مُؤَقَّتَةً بِمُدَّةٍ مُحَدَّدَةٍ، أَمَّا إِذَا كَانَتِ الْوَصِيَّةُ لاَ يَسَعُهَا الثُّلُثُ فَإِنَّ الَّذِي يَجُوزُ مِنْهَا هُوَ مَا يَخْرُجُ مِنَ الثُّلُثِ فَقَطْ.

وَأَجَازَ الْحَنَابِلَةُ لِلْمُوصَى لَهُ بِسُكْنَى الدَّارِ أَنْ يُؤَجِّرَ مَا لَهُ حَقُّ السُّكْنَى فِيهِ .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الثامن والعشرون ، الصفحة / 252

ضَمَانُ الْوَصِيِّ فِي عَقْدِ الْوِصَايَةِ (أَوِ الإْيصَاءِ ):

58 - الإْيصَاءُ: تَفْوِيضُ الشَّخْصِ التَّصَرُّفَ فِي مَالِهِ، وَمَصَالِحِ أَطْفَالِهِ، إِلَى غَيْرِهِ، بَعْدَ مَوْتِهِ .

وَيُعْتَبَرُ الْوَصِيُّ نَائِبًا عَنِ الْمُوصِي، وَتَصَرُّفَاتُهُ نَافِذَةٌ، وَيَدُهُ عَلَى مَالِ الْمُتَوَفَّى يَدُ أَمَانَةٍ، فَلاَ يَضْمَنُ مَا تَلِفَ مِنَ الْمَالِ بِدُونِ تَعَدٍّ أَوْ تَقْصِيرٍ، وَيَضْمَنُ فِي الأَْحْوَالِ التَّالِيَةِ:

أ - إِذَا بَاعَ أَوِ اشْتَرَى بِغَبْنٍ فَاحِشٍ ، وَهُوَ: الَّذِي لاَ يَدْخُلُ تَحْتَ تَقْوِيمِ الْمُتَقَوِّمِينَ، لأِنَّ  وِلاَيَتَهُ لِلنَّظَرِ، وَلاَ نَظَرَ فِي الْغَبْنِ الْفَاحِشِ .

ب - كَمَا يَضْمَنُ الْوَصِيُّ إِذَا دَفَعَ الْمَالَ إِلَى الْيَتِيمِ بَعْدَ الإِْدْرَاكِ، قَبْلَ ظُهُورِ رُشْدِهِ، لأِنَّهُ دَفَعَهُ إِلَى مَنْ لَيْسَ لَهُ دَفْعُهُ إِلَيْهِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الصَّاحِبَيْنِ.

وَقَالَ الإْمَامُ: بِعَدَمِ الضَّمَانِ، إِذَا دَفَعَهُ إِلَيْهِ بَعْدَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً، لأِنَّ  لَهُ وِلاَيَةَ الدَّفْعِ إِلَيْهِ حِينَئِذٍ .

ج - لَيْسَ لِلْوَلِيِّ الاِتِّجَارُ فِي مَالِ الْيَتِيمِ لِنَفْسِهِ، فَإِنْ فَعَلَ:

فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ يَضْمَنُ رَأْسَ الْمَالِ، وَيَتَصَدَّقُ بِالرِّبْحِ.

وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُسَلِّمُ لَهُ الرِّبْحَ، وَلاَ يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الحادي والثلاثون ، الصفحة / 267

غَلَّةُ الْمُوصَى بِهِ:

4 - الْوَصِيَّةُ تُنَفَّذُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي؛ لأِنَّ  الْوَصِيَّةَ: تَمْلِيكٌ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَيَنْتَقِلُ مِلْكُ الْمُوصَى بِهِ إِلَى الْمُوصَى لَهُ إِذَا تَمَّ قَبُولُ الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي مُبَاشَرَةً.

فَإِنْ تَأَخَّرَ قَبُولُ الْمُوصَى لَهُ لِلْوَصِيَّةِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا يَحْدُثُ مِنْ غَلَّةِ الْمُوصَى بِهِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي إِلَى وَقْتِ الْقَبُولِ، هَلْ تَكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ أَمْ تَكُونُ لِلْوَرَثَةِ؟

فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ الأْظْهَرُ  عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَأَحَدُ الأْقْوَالِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ تَكُونُ الْغَلَّةُ الْحَادِثَةُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَقَبْلَ الْقَبُولِ لِلْمُوصَى لَهُ؛ لأِنَّ  الْمُوصَى لَهُ يَمْلِكُ الْمُوصَى بِهِ بِالْمَوْتِ، وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ بِالْقَبُولِ.

وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ أَحَدُ الأْقْوَالِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْغَلَّةَ الْحَادِثَةَ تَكُونُ لِلْوَرَثَةِ؛ لأِنَّ  الْمِلْكَ فِي الْوَصِيَّةِ لاَ يَثْبُتُ لِلْمُوصَى لَهُ إِلاَّ بِقَبُولِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَتَكُونُ الْغَلَّةُ لِلْوَرَثَةِ؛ لأِنَّ هَا نَمَاءُ مِلْكِهِمْ.

وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ يَكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ الْغَلَّةِ فَقَطْ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ الأْمْرَانِ مَعًا (وَقْتُ الْمَوْتِ وَوَقْتُ الْقَبُولِ) .

.الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثامن والثلاوثون  ، الصفحة / 179

الْوَصِيَّةُ بِالطَّبْلِ

23 - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الشَّخْصَ لَوْ أَوْصَى بِطَبْلٍ، وَلَهُ طَبْلُ لَهْوٍ لاَ يَصْلُحُ لِمُبَاحٍ، وَطَبْلٌ يَحِلُّ الاِنْتِفَاعُ بِهِ، كَطَبْلِ حَرْبٍ يُقْصَدُ بِهِ التَّهْوِيلُ، أَوْ طَبْلُ حَجِيجٍ يُقْصَدُ بِهِ الإْعْلاَمُ بِالنُّزُولِ وَالرَّحِيلِ، أَوْ غَيْرُهُمَا، - غَيْرَ الْكُوبَةِ الْمُحَرَّمَةِ - حُمِلَتِ الْوَصِيَّةُ عَلَى مَا يَحِلُّ الاِنْتِفَاعُ بِهِ لِتَصِحَّ، لأِنَّ  الظَّاهِرَ قَصْدُهُ لِلثَّوَابِ، وَهُوَ فِيمَا تَصِحُّ بِهِ الْوَصِيَّةُ، فَإِنْ  صَلَحَ لِمُبَاحٍ تَخَيَّرَ الْوَارِثُ، فَإِنْ  لَمْ يَكُنْ لَهُ إِلاَّ  طُبُولٌ لاَ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهَا لَغَتْ، وَلَوْ أَوْصَى بِطَبْلِ اللَّهْوِ لَغَتِ الْوَصِيَّةُ لأِنَّهُ مَعْصِيَةٌ - إِلاَّ  إِنْ  صَلَحَ لِحَرْبٍ أَوْ حَجِيجٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ أُخْرَى مُبَاحَةٍ، لإِمْكَانِ تَصْحِيحِ الْوَصِيَّةِ فِيمَا يَتَنَاوَلُهُ لَفْظُهَا، وَسَوَاءٌ صَلَحَ عَلَى هَيْئَتِهِ أَمْ بَعْدَ تَغَيُّرٍ يَبْقَى مَعَهُ اسْمُ الطَّبْلِ، فَإِنْ  لَمْ يَصْلُحْ إِلاَّ  بِزَوَالِ اسْمِ الطَّبْلِ لَغَتِ الْوَصِيَّةُ .

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: وَإِنْ  وَصَّى بِدُفٍّ صَحَّتِ الْوَصِيَّةُ بِهِ، لأِنَّ  النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «أَعْلِنُوا النِّكَاحَ وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالدُّفِّ» ، وَلاَ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِمِزْمَارٍ وَلاَ طُنْبُورٍ وَلاَ عُودٍ مِنْ عِيدَانِ اللَّهْوِ لأِنَّ هَا مُحَرَّمَةٌ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ فِيهِ الأْوْتَارُ أَوْ لَمْ تَكُنْ، لأِنَّهُ مُهَيَّأٌ لِفِعْلِ الْمَعْصِيَةِ دُونَ غَيْرِهَا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَتْ فِيهِ أَوْتَارٌ .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / التاسع والثلاوثون  ، الصفحة / 279

حَقُّ الْمُوصَى لَهُ فِي قَبُولِ الْوَصِيَّةِ:

49 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ قَبُولَ الْوَصِيَّةِ مِنَ الْمُوصَى لَهُ الْمُعَيَّنِ شَرْطٌ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ لَهُ، وَأَنَّ لَهُ الْحَقَّ فِي قَبُولِهِ أَوْ رَدِّهَا بِحَسَبِ مَشِيئَتِهِ.

وَلَكِنْ إِذَا مَاتَ الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ الْمُوصِي وَقَبْلَ صُدُورِ الْقَبُولِ أَوِ الرَّدِّ مِنْهُ، فَهَلْ يَنْتَقِلُ ذَلِكَ الْحَقُّ لِوَرَثَتِهِ أَمْ يَسْقُطُ بِمَوْتِهِ؟ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْوَالٍ:

الأْوَّلُ: لِلشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ أَنَّ حَقَّ الْقَبُولِ أَوِ الرَّدِّ فِي الْوَصِيَّةِ يَنْتَقِلُ لِوَرَثَةِ الْمُوصَى لَهُ إِذَا مَاتَ بَعْدَ الْمُوصِي مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ أَوْ رَدٍّ، لأِنَّهُ  حَقٌّ مَوْرُوثٌ، فَلاَ يَسْقُطُ بِمَوْتِهِ، بَلْ يَثْبُتُ لِلْوَرَثَةِ، فَإِنْ شَاءُوا قَبِلُوا وَإِنْ شَاءُوا رَدُّوا.

وَاسْتَثْنَى الْمَالِكِيَّةُ مِنْ ذَلِكَ مَا إِذَا كَانَتِ الْوَصِيَّةُ لَهُ بِعَيْنِهِ وَشَخْصِهِ، فَحِينَئِذٍ تَسْقُطُ بِمَوْتِهِ، وَلاَ يَنْتَقِلُ ذَلِكَ الْحَقُّ إِلَى وَرَثَتِهِ .

الثَّانِي: لِلْحَنَفِيَّةِ وَبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ أَنَّ الْمُوصَى لَهُ إِذَا مَاتَ قَبْلَ الْقَبُولِ أَوِ الرَّدِّ بَعْدَ وَفَاةِ الْمُوصِي، فَإِنَّ الْمُوصَى بِهِ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ دُونَ حَاجَةٍ إِلَى قَبُولِ الْوَرَثَةِ، لأِنَّ  الْقَبُولَ عِنْدَهُمْ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ عَدَمِ الرَّدِّ، فَمَتَى وَقَعَ الْيَأْسُ عَنْ رَدِّ الْمُوصَى لَهُ اعْتُبِرَ قَابِلاً حُكْمًا .

الثَّالِثُ: لِلأْبْهَرِيِّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ أَخَذَ بِهَا ابْنُ حَامِدٍ وَوَصَفَهَا الْقَاضِي بِأَنَّهَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ، وَهِيَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ قَبُولِهِ، لأِنَّ هَا عَقْدٌ يَفْتَقِرُ إِلَى الْقَبُولِ، فَإِذَا مَاتَ مَنْ لَهُ حَقُّ الْقَبُولِ قَبْلَهُ بَطَلَ الْعَقْدُ، كَالْهِبَةِ، وَلأِنَّهُ  خِيَارٌ لاَ يُعْتَاضُ عَنْهُ، فَيَبْطُلُ بِالْمَوْتِ، كَخِيَارِ الْمَجْلِسِ وَالشَّرْطِ وَخِيَارِ الأْخْذِ  بِالشُّفْعَةِ .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثاني والأربعون  ، الصفحة / 288

الْهَزْلُ فِي الْوَصِيَّةِ:

38 - نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ يُبْطِلُهَا الْهَزْلُ، قَالَ الْكَاسَانِيُّ: مِنَ الشُّرُوطِ الَّتِي تَرْجِعُ إِلَى الْمُوصِي: رِضَا الْمُوصِي؛ لأِنَّهَا  إِيجَابُ مِلْكٍ، أَوْ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمِلْكِ، فَلاَ بُدَّ فِيهِ مِنَ الرِّضَا، كَإِيجَابِ الْمَلِكِ بِسَائِرِ الأْشْيَاءِ، فَلاَ تَصِحُّ وَصِيَّةُ الْهَازِلِ وَالْمُكْرَهِ وَالْخَاطِئِ؛ لأِنَّ  هَذِهِ الْعَوَارِضَ تَفَوِّتُ الرِّضَا .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثالث والأربعون  ، الصفحة / 221

وَصِيَّةٌ

التَّعْرِيفُ:

1 - الْوَصِيَّةُ فِي اللُّغَةِ: مَأْخُوذَةٌ مِنْ وَصَيْتُ الشَّيْءَ بِالشَّيْءِ أُصِيهِ - مِنْ بَابِ وَعَدَ - وَصَلْتُهُ وَأَوْصَيْتُ إِلَيْهِ بِمَالٍ جَعَلْتُهُ لَهُ.

وَالْوَصِيَّةُ تُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى الْمُوصَى بِهِ .

وَالْوَصِيَّةُ بِالْمَالِ فِي الاِصْطِلاَحِ: تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إِلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ بِطَرِيقِ التَّبَرُّعِ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي الأْعْيَانِ  أَوْ فِي الْمَنَافِعِ .

وَقَالَ الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: الإْيصَاءُ  يَعُمُّ الْوَصِيَّةَ وَالْوِصَايَةَ لُغَةً، وَالتَّفْرِقَةُ بَيْنَهُمَا مِنَ اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ، وَهِيَ تَخْصِيصُ الْوَصِيَّةِ بِالتَّبَرُّعِ الْمُضَافِ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْوِصَايَةِ بِالْعَهْدِ إِلَى مَنْ يَقُومُ عَلَى مَنْ بَعْدَهُ .

الأْلْفَاظُ  ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ- الإْيصَاءُ :

2 - الإْيصَاءُ  مَصْدَرُ أَوْصَى، يُقَالُ: أَوْصَى إِلَيْهِ: جَعَلَهُ وَصِيَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي أَمْرِهِ وَمَالِهِ وَعِيَالِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَأَوْصَى فُلاَنًا بِالشَّيْءِ، أَمَرَهُ بِهِ وَفَرَضَهُ عَلَيْهِ .

وَفِي الاِصْطِلاَحِ إِقَامَةُ غَيْرِهِ مَقَامَ نَفْسِهِ فِي التَّصَرُّفِ بَعْدَ الْمَوْتِ.

وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ وَالإْيصَاءِ  أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَمْرٌ بِالتَّصَرُّفِ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ غَيْرَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ وَالإْيصَاءُ  الْعَهْدُ إِلَى مَنْ يَقُومُ عَلَى مَنْ بَعْدَهُ .

ب- الْهِبَةُ:

3 - الْهِبَةُ لُغَةً: إِعْطَاءُ شَيْءٍ غَيْرَهُ بِلاَ عِوَضٍ. يُقَالُ: وَهَبَ لَهُ الشَّيْءَ يَهَبُهُ وَهْبًا وَوَهَبًا، وَهِبَةً: أَعْطَاهُ إِيَّاهُ بِلاَ عِوَضٍ .

وَالْهِبَةُ شَرْعًا: تَمْلِيكُ عَيْنٍ بِلاَ عِوَضٍ فِي حَالِ الْحَيَاةِ تَطَوُّعًا .

وَالصِّلَةُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلًّا مِنَ الْوَصِيَّةِ وَالْهِبَةِ تَمْلِيكٌ لَكِنَّ الْوَصِيَّةَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْهِبَةَ حَالَ الْحَيَاةِ.

ج- الصَّدَقَةُ:

4 - الصَّدَقَةُ فِي اللُّغَةِ: بِفَتْحِ الصَّادِ وَالدَّالِ - مَا أَعْطَيْتَهُ فِي ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي الاِصْطِلاَحِ: تَمْلِيكُ شَيْءٍ بِغَيْرِ عِوَضٍ فِي الْحَيَاةِ لِمُحْتَاجٍ لأِجْلِ  ثَوَابِ الآْخِرَةِ .

وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَمْلِيكٌ إِلاَّ أَنَّ الصَّدَقَةَ تَمْلِيكٌ فِي الْحَيَاةِ وَالْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ مُضَافٌ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ.

مَشْرُوعِيَّةُ الْوَصِيَّةِ:

5 - الْوَصِيَّةُ مَشْرُوعَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالإْجْمَاعِ  وَالْمَعْقُولِ .

أَمَّا الْكِتَابُ: فَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي تَوْزِيعِ الْمِيرَاثِ وَالتَّرِكَةِ: ) مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ ) وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ )  فَهَذَانَ النَّصَّانِ جَعَلاَ الْمِيرَاثَ حَقًّا مُؤَخَّرًا عَنْ تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ وَأَدَاءِ الدَّيْنِ، لَكِنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ، لِقَوْلِ عَلِيٍّ رضي الله عنه: « إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ الآْيَةَ ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ ) وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  قَضَى بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ» .

وَحِكْمَةُ تَقْدِيمِهَا فِي الآْيَةِ: أَنَّهَا لَمَّا أَشْبَهَتِ الْمِيرَاثَ فِي كَوْنِهَا بِلاَ عِوَضٍ، فَكَانَ فِي إِخْرَاجِهَا مَشَقَّةٌ عَلَى الْوَارِثِ، فَقُدِّمَتْ حَثًّا عَلَى إِخْرَاجِهَا.

وَأَمَّا السُّنَّةُ: فَحَدِيثُ «سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله تعالي عنه  قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا ذُو مَالٍ، وَلاَ يَرِثُنِي إِلاَّ ابْنَةٌ لِي وَاحِدَةٌ، أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ: لاَ، قُلْتُ: أَفَأَتَصَدَّقُ بِشَطْرِهِ؟ قَالَ: لاَ، الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّكَ إِنْ تَذَرْ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ» .

وَحَدِيثُ مُعَاذٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم «إِنَّ اللَّهَ قَدْ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ عِنْدَ وَفَاتِكُمْ، زِيَادَةً فِي حَسَنَاتِكُمْ» .

وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهماأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  قَالَ: «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلاَّ وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ» .

وَأَمَّا الإْجْمَاعُ: فَقَدَ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ الْوَصِيَّةِ.

وَأَمَّا الْمَعْقُولُ: فَهُوَ حَاجَةُ النَّاسِ إِلَى الْوَصِيَّةِ زِيَادَةً فِي الْقُرُبَاتِ وَالْحَسَنَاتِ وَتَدَارُكًا لِمَا فَرَّطَ بِهِ الإْنْسَانُ  فِي حَيَاتِهِ مِنْ أَعْمَالِ الْخَيْرِ. قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: الْقِيَاسُ يَأْبَى جَوَازَ الْوَصِيَّةِ، لأِنَّهُ تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إِلَى حَالِ زَوَالِ مَالِكِيَّتِهِ، وَلَوْ أُضِيفَ إِلَى حَالِ قِيَامِهَا بِأَنْ قِيلَ: مَلَّكْتُكَ غَدًا، كَانَ بَاطِلاً، فَهَذَا أَوْلَى، إِلاَّ أَنَّا اسْتَحْسَنَّاهُ لِحَاجَةِ النَّاسِ إِلَيْهَا.

فَإِنَّ الإْنْسَانَ  مَغْرُورٌ بِأَمَلِهِ، مُقَصِّرٌ فِي عَمَلِهِ، فَإِذَا عَرَضَ لَهُ الْمَرَضُ، وَخَافَ الْبَيَانَ، يَحْتَاجُ إِلَى تَلاَفِي بَعْضِ مَا فُرِّطَ مِنْهُ، مِنَ التَّفْرِيطِ بِمَالِهِ، عَلَى وَجْهٍ لَوْ مَضَى فِيهِ يَتَحَقَّقُ مَقْصِدُهُ الْمُآلِي، وَلَوْ أَنْهَضَهُ الْبُرْءُ يَصْرِفُهُ إِلَى مَطْلَبِهِ الْحَالِيِّ، وَفِي شَرْعِ الْوَصِيَّةِ ذَلِكَ، فَشُرِعَتْ .

حِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّةِ الْوَصِيَّةِ:

6 - حِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّةِ الْوَصِيَّةِ: تَحْصِيلُ ذِكْرِ الْخَيْرِ فِي الدُّنْيَا، وَنَوَالُ الثَّوَابِ وَالدَّرَجَاتِ الْعَالِيَةِ فِي الآْخِرَةِ  لِذَا شَرَعَهَا الشَّارِعُ تَمْكِينًا مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَمُكَافَأَةِ مَنْ أَسْدَى لِلْمَرْءِ مَعْرُوفًا، وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَالأْقَارِبِ  غَيْرِ الْوَارِثِينَ، وَسَدِّ خَلَّةِ الْمُحْتَاجِينَ، وَتَخْفِيفِ الْكَرْبِ عَنِ الضُّعَفَاءِ وَالْبُؤَسَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَذَلِكَ بِشَرْطِ الْتِزَامِ الْمَعْرُوفِ أَوِ الْعَدْلِ، وَتَجَنُّبِ الإْضْرَارِ  فِي الْوَصِيَّةِ، لقوله تعالي مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ) .

وَلِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما«الإْضْرَارُ فِي الْوَصِيَّةِ مِنَ الْكَبَائِرِ» . وَالْعَدْلُ الْمَطْلُوبُ: قَصْرُهَا عَلَى مِقْدَارِ ثُلُثِ التَّرِكَةِ الْمُحَدَّدِ شَرْعًا. أَمَّا عَدَمُ نَفَاذِ الْوَصِيَّةِ لِوَارِثٍ إِلاَّ بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ الآْخَرِينَ، فَهُوَ لِمَنْعِ التَّبَاغُضِ وَالتَّحَاسُدِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ.

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:

7 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ.

أ- فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) إِلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِجُزْءٍ مِنَ الْمَالِ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ عَلَى أَحَدٍ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ، وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ أَكْثَرَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ وَصِيَّةٌ، وَلَمْ يُنْقَلْ لِذَلِكَ نَكِيرٌ، وَلَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً لَمْ يُخِلُّوا بِذَلِكَ وَلَنُقِلَ عَنْهُمْ نَقْلاً ظَاهِرًا، وَلأِنَّ  الْوَصِيَّةَ عَطِيَّةٌ لاَ تَجِبُ فِي الْحَيَاةِ فَلاَ تَجِبُ بَعْدَ الْمَوْتِ كَعَطِيَّةِ الأْجَانِبِ.

ثُمَّ قَالَ هَؤُلاَءِ الْفُقَهَاءُ: تُسْتَحَبُّ الْوَصِيَّةُ بِجُزْءٍ مِنَ الْمَالِ لِمَنْ تَرَكَ خَيْرًا لأِنَّ  اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: ) كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأْقْرَبِينَ  )  فَنُسِخَ الْوُجُوبُ وَبَقِيَ الاِسْتِحْبَابُ فِي حَقِّ مَنْ لاَ يَرْثُ لِحَدِيثِ: «لاَ وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ»  وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم : «يَا ابْنَ آدَمَ اثْنَتَانِ لَمْ تَكُنْ لَكَ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا: جَعَلْتُ لَكَ نَصِيبًا مِنْ مَالِكَ حِينَ أَخَذْتُ بِكَظَمِكَ لأِطَهِّرَكَ بِهِ وَأُزَكِّيَكَ وَصَلاَةُ عِبَادِي عَلَيْكَ بَعْدَ انْقِضَاءِ أَجَلِكَ».

وَعَنْ مُعَاذٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم : «إِنَّ اللَّهَ قَدْ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ عِنْدَ وَفَاتِكُمْ».

وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْمُعْتَمَدِ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ بِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لاَ يَسْتَوْعِبَ الْمُوصِي الثُّلُثَ بِالْوَصِيَّةِ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم «الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ» .

وَأَضَافَ الْحَنَابِلَةُ: إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَالأْفْضَلُ لِلْغَنِيِّ الْوَصِيَّةُ بِالْخُمُسِ.

وَرُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه وَهُوَ- كَمَا قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ - ظَاهِرُ قَوْلِ السَّلَفِ وَعُلَمَاءِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، وَأُثِرَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: «الْخُمُسُ فِي الْوَصِيَّةِ أَحَبُّ إِلَيَّ، لأِنَّ  اللَّهَ رَضِيَهُ مِنَ الْغَنِيمَةِ سَهْمًا». وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٌ يَسْتَحِبُّونَ الرُّبُعَ فِي الْوَصِيَّةِ.

قَالَ إِسْحَاقُ: السُّنَّةُ الرُّبُعُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ رَجُلاً يَعْرِفُ فِي مَالِهِ حُرْمَةَ شُبُهَاتٍ أَوْ غَيْرَهَا فَلَهُ اسْتِيعَابُ الثُّلُثِ.

وَقَالَ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: إِنْ كَانَ الْمُوصِي غَنِيًّا اسْتُحِبَّ الْوَصِيَّةُ بِالثُّلُثِ .

وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ إِذَا كَانَ الْوَرَثَةُ أَغْنِيَاءَ وَالْمَالُ كَثِيرًا، أَمَّا إِذَا كَانَ الْمَالُ قَلِيلاً وَالْوَرَثَةُ مُحْتَاجُونَ فَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ الْفَقِيرَ الَّذِي لَهُ وَرَثَةٌ مُحْتَاجُونَ لاَ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُوصِيَ.

وَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه لِرَجُلٍ أَرَادَ أَنْ يُوصِيَ: إِنَّكَ لَنْ تَدَعَ طَائِلاً إِنَّمَا تَرَكْتَ شَيْئًا يَسِيرًا فَدَعْهُ لِوَرَثَتِكَ.

وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: مَا مِنْ مَالٍ أَعْظَمَ أَجْرًا مِنْ مَالٍ يَتْرُكُهُ الرَّجُلُ لِوَلَدِهِ يُغْنِيهِمْ عَنِ النَّاسِ. وَقَالَ الْكَاسَانِيُّ: إِنْ كَانَ مَالُهُ قَلِيلاً وَلَهُ وَرَثَةٌ فُقَرَاءُ فَالأْفْضَلُ أَنْ لاَ يُوصِيَ لِقَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم  فِي حَدِيثِ سَعْدٍ رضي الله عنه: «إِنَّكَ إِنْ تَرَكْتَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَتْرُكَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ»  وَلأِنَّ  الْوَصِيَّةَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ تَكُونُ صِلَةً بِالأْجَانِبِ وَالتَّرْكَ يَكُونُ صِلَةً بِالأْقَارِبِ فَكَانَ أَوْلَى، وَإِنْ كَانَ مَالُهُ كَثِيرًا فَإِنْ كَانَتْ وَرَثَتُهُ فُقَرَاءَ فَالأْفْضَلُ أَنْ يُوصِيَ بِمَا دُونَ الثُّلُثِ وَيَتْرُكَ الْمَالَ لِوَرَثَتِهِ لأِنَّ  غُنْيَةَ الْوَرَثَةِ تَحْصُلُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ إِذَا كَانَ الْمَالُ كَثِيرًا وَلاَ تَحْصُلُ عِنْدَ قِلَّتِهِ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: تُكْرَهُ الْوَصِيَّةُ فِي مَالٍ قَلِيلٍ .

وَقَالَ النَّوَوِيُّ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ: إِنْ كَانَتِ الْوَرَثَةُ أَغْنِيَاءَ اسْتُحِبَّ أَنْ يُوصِيَ بِالثُّلُثِ تَبَرُّعًا، وَإِنْ كَانُوا فُقَرَاءَ اسْتُحِبَّ أَنْ يُنْقِصَ مِنْ الثُّلُثِ .

وَذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ وَاجِبَةٌ.

رُوِيَ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: جَعَلَ اللَّهُ الْوَصِيَّةَ حَقًّا عَمَّا قَلَّ أَوْ كَثُرَ. وَقِيلَ لأِبِي  مِجْلَزٍ: عَلَى كُلِّ مَيِّتٍ وَصِيَّةٌ؟ قَالَ: إِنْ تَرَكَ خَيْرًا.

ب- وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ: الْوَصِيَّةُ وَاجِبَةٌ لِلأْقْرَبِ ينَ الَّذِينَ لاَ يَرِثُونَ.

وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ مَسْرُوقٍ وَطَاوُسٍ وَإِيَاسٍ وَقَتَادَةَ وَابْنِ جَرِيرٍ:

وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأْقْرَبِينَ  بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ )  وَبِخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصَى فِيهِ يَبِيتُ ثَلاَثَ لَيَالٍ إِلاَّ وَوَصِيَّتُهُ عِنْدَهُ مَكْتُوبَةٌ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَا مَرَّتْ عَلَيَّ لَيْلَةٌ مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  قَالَ ذَلِكَ إِلاَّ وَعِنْدِي وَصِيَّتِي».  

وَرُوِيَ عَنْ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ أَنَّهُمَا كَانَ يُشَدِّدَانِ فِي الْوَصِيَّةِ.

وَكَانَ مِمَّنْ قَالَ بِوُجُوبِ الْوَصِيَّةِ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى، وَطَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ وَطَاوُسٌ وَالشَّعْبِيُّ وَأَبُو سُلَيْمَانَ. وَقَالُوا: نُسِخَتِ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأْقْرَبِينَ  الْوَارِثِينَ وَبَقِيَتْ فِيمَنْ لاَ يَرِثُ مِنَ الأْقْرَبِينَ  .

أَرْكَانُ الْوَصِيَّةِ وَكَيْفِيَّةُ انْعِقَادِهَا:

8 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) إِلَى أَنَّ لِلْوَصِيَّةِ أَرْكَانًا أَرْبَعَةً: صِيغَةٌ، وَمُوصٍ، وَمُوصًى لَهُ، وَمُوصًى بِهِ .

وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي رُكْنِ الْوَصِيَّةِ:

فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ: الرُّكْنُ هُوَ الإْيجَابُ  وَالْقَبُولُ، الإْيجَابُ  مِنَ الْمُوصِي وَالْقَبُولُ مِنَ الْمُوصَى لَهُ، فَمَا لَمْ يُوجَدَا جَمِيعًا لاَ يَتِمُّ الرُّكْنُ، وَقَالُوا: إِنْ شِئْتَ قُلْتَ رُكْنُ الْوَصِيَّةِ الإْيجَابُ  مِنَ الْمُوصِي وَعَدَمُ الرَّدِّ مِنَ الْمُوصَى لَهُ وَهُوَ أَنْ يَقَعَ الْيَأْسُ عَنْ رَدِّهِ.

وَقَالَ زُفَرُ: رُكْنُ الْوَصِيَّةِ هُوَ الإْيجَابُ  مِنَ الْمُوصِي فَقَطْ، وَاسْتَدَلَّ بِأَنَّ مِلْكَ الْمُوصَى لَهُ بِمَنْزِلَةِ مِلْكِ الْوَارِثِ لأِنَّ  كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْمِلْكَيْنِ يَنْتَقِلُ بِالْمَوْتِ ثُمَّ مِلْكُ الْوَارِثِ لاَ يَفْتَقِرُ إِلَى قَبُولِهِ، فَكَذَا مِلْكُ الْمُوصَى لَهُ.

وَاسْتَدَلَّ أَبُو حَنِيفَةَ وَالصَّاحِبَانِ عَلَى أَنَّ الرُّكْنَ هُوَ الإْيجَابُ  وَالْقَبُولُ مَعًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ) وَأَنْ لَيْسَ لِلإْنْسَانِ  إِلاَّ مَا سَعَى )  فَظَاهِرُهُ أَنْ لاَ يَكُونَ لِلإْنْسَانِ  شَيْءٌ بِدُونِ سَعْيِهِ، فَلَوْ ثَبَتَ الْمِلْكُ لِلْمُوصَى لَهُ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ لَثَبَتَ مِنْ غَيْرِ سَعْيِهِ وَهَذَا مَنْفِيٌّ إِلاَّ مَا خُصَّ بِدَلِيلٍ، وَلأِنَّ  الْقَوْلَ بِثُبُوتِ الْمِلْكِ لِلْمُوصَى لَهُ مِنْ غَيْرِ قَبُولِهِ يُؤَدِّي إِلَى الإْضْرَارِ  بِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَلْحَقُهُ ضَرَرُ الْمِنَّةِ، وَلِهَذَا تَوَقَّفَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ عَلَى قَبُولِهِ دَفْعًا لِضَرَرِ الْمِنَّةِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْوَصِيَّ بِهِ قَدْ يَكُونُ شَيْئًا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمُوصَى لَهُ فَلَوْ لَزِمَهُ الْمِلْكُ مِنْ غَيْرِ قَبُولِهِ لَلَحِقَهُ الضَّرَرُ مِنْ غَيْرِ الْتِزَامِهِ وَإِلْزَامِ مَنْ لَيْسَ لَهُ وِلاَيَةُ الإِْلْزَامِ إِذْ لَيْسَ لِلْمُوصِي وِلاَيَةُ إِلْزَامِ الضَّرَرِ فَلاَ يَلْزَمُهُ .

الرُّكْنُ الأْوَّلُ: الصِّيغَةُ:

9 - الصِّيغَةُ تَتَكَوَّنُ مِنَ الإْيجَابِ  وَالْقَبُولِ، وَيَتِمُّ الإْيجَابُ  بِكُلِّ لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى التَّمْلِيكِ بَعْدَ الْمَوْتِ كَقَوْلِ الْمُوصِي: وَصَّيْتُ لَكَ بِكَذَا، أَوْ وَصَّيْتُ لِزَيْدٍ بِكَذَا، أَوْ أَعْطُوهُ مِنْ مَالِي بَعْدَ مَوْتِي كَذَا، أَوِ ادْفَعُوهُ إِلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِي، أَوْ جَعَلْتُهُ لَهُ بَعْدَ مَوْتِي، أَوْ هُوَ لَهُ بَعْدَ مَوْتِي، أَوْ هُوَ لَهُ مِنْ مَالِي بَعْدَ مَوْتِي، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يُؤَدِّي مَعْنَى الْوَصِيَّةِ .

وَتَنْعَقِدُ الْوَصِيَّةُ بِالْكِتَابَةِ كَاللَّفْظِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، لِقَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ ثَلاَثَ لَيَالٍ إِلاَّ وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ» . وَلَمْ يَذْكُرْ أَمْرًا زَائِدًا عَلَى الْكِتَابَةِ، فَدَلَّ عَلَى الاِكْتِفَاءِ بِهَا، وَلأِنَّهُ صلي الله عليه وسلم  كَتَبَ إِلَى عُمَّالِهِ وَغَيْرِهِمْ مُلْزِمًا لِلْعَمَلِ بِتِلْكَ الْكِتَابَةِ وَكَذَا الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ مِنْ بَعْدِهِ، وَلأِنَّ  الْكِتَابَةَ تُنْبِئُ عَنِ الْمَقْصُودِ فَهِيَ كَاللَّفْظِ.

إِلاَّ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ اعْتَبَرُوا الْكِتَابَةَ كِنَايَةً فَلاَ تَنْعَقِدُ بِهَا إِلاَّ مَعَ النِّيَّةِ، وَلاَ بُدَّ مِنَ الاِعْتِرَافِ بِهَا نُطْقًا مِنَ الْوَصِيِّ أَوْ مِنْ وَارِثِهِ

وَاشْتَرَطَ الْحَنَابِلَةُ لِصِحَّةِ الْوَصِيَّةِ بِالْكِتَابَةِ وَالْعَمَلِ بِهَا أَنْ تَكُونَ الْوَصِيَّةُ الْمَكْتُوبَةُ بِخَطِّ الْمُوصِي الثَّابِتِ بِإِقْرَارِ وَرَثَتِهِ أَوْ بِبَيِّنَةٍ تُعَرِّفُ خَطَّهُ .

وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي انْعِقَادِ الْوَصِيَّةِ بِالإْشَارَةِ مِنَ الْقَادِرِ عَلَى النُّطْقِ.

فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى عَدَمِ انْعِقَادِ الْوَصِيَّةِ بِالإْشَارَةِ مِنَ الْقَادِرِ عَلَى النُّطْقِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى انْعِقَادِ الْوَصِيَّةِ بِالإْشَارَةِ  مِنَ الْقَادِرِ عَلَى الْكَلاَمِ .

كَمَا اخْتَلَفُوا فِي انْعِقَادِ الْوَصِيَّةِ بِالإْشَارَةِ  مِنْ مُعْتَقَلِ اللِّسَانِ:

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إِنْ كَانَ الْمُوصِي مُعْتَقَلاً لِسَانُهُ بِإِشَارَةٍ وَلَوْ فُهِمَ، إِلاَّ إِنْ أَيِسَ مِنْ نُطْقِهِ بِأَنْ دَامَتِ الْعُقْلَةُ إِلَى وَقْتِ الْمَوْتِ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ مَنِ اعْتُقِلَ لِسَانُهُ لَوَصِيَّتُهُ تَصِحُّ بِالإْشَارَةِ  .

وَلِلتَّفْصِيلِ يُنْظَرُ (إِشَارَة ف11، صِيغَة ف12).

أَمَّا الْقَبُولُ فَلِلْفُقَهَاءِ فِي تَحْدِيدِ الْمُرَادِ بِهِ ثَلاَثَةُ أَقْوَالٍ:

الْقَوْلُ الأْوَّلُ لِلْحَنَفِيَّةِ: وَهُوَ أَنَّ الْقَبُولَ الْمَطْلُوبَ: هُوَ عَدَمُ الرَّدِّ، فَيَكْفِي إِمَّا الْقَبُولُ الصَّرِيحُ، مِثْلَ: قَبِلْتُ الْوَصِيَّةَ أَوْ رَضِيتُ بِهَا، أَوِ الْقَبُولُ دَلاَلَةً، بِأَنْ يَتَصَرَّفَ الْمُوصَى لَهُ فِي الْمُوصَى بِهِ تَصَرُّفَ الْمُلاَّكِ، كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالإْجَارَةِ .

وَيَمْلِكُ الْمُوصَى لَهُ الْمُوصَى بِهِ بِالْقَبُولِ إِلاَّ فِي مَسْأَلَةٍ، وَهِيَ أَنْ يَمُوتَ الْمُوصِي، ثُمَّ يَمُوتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ الْقَبُولِ، فَيَدْخُلَ الْمُوصَى بِهِ فِي مِلْكِ وَرَثَتِهِ، لأِنَّ  الْوَصِيَّةَ قَدْ تَمَّتْ مِنْ جَانِبِ الْمُوصِي بِمَوْتِهِ تَمَامًا لاَ يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ مِنْ جِهَتِهِ، وَإِنَّمَا تُوقَفُ لِحَقِّ الْمُوصَى لَهُ، فَإِذَا مَاتَ دَخَلَ الْمُوصَى بِهِ فِي مِلْكِهِ، كَمَا لَوْ مَاتَ الْمُشْتَرِي فِي أَثْنَاءِ الْخِيَارِ الْمَمْنُوحِ لَهُ قَبْلَ إِجَازَةِ الْبَيْعِ .

الْقَوْلُ الثَّانِي لِلْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي قَوْلٍ: وَهُوَ أَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنَ الْقَبُولِ بِالْقَوْلِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى الرِّضَا عِنْدَ الْوَصِيَّةِ لِمُعَيَّنٍ، وَلاَ يُكْتَفَى بِعَدَمِ الرَّدِّ، لأِنَّهُ غَيْرُ الْقَبُولِ الْمَطْلُوبِ، فَإِنْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي، بَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ، لأِنَّ هَا عَطِيَّةٌ صَادَفَتِ الْمُعْطَى مَيِّتًا، فَلَمْ تَصِحَّ. كَمَا لَوْ وَهَبْتَ مَيِّتًا .

الْقَوْلُ الثَّالِثُ: لِلشَّافِعِيَّةِ فِي الْمُعْتَمَدِ وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَبُولِ الْقَبُولُ اللَّفْظِيُّ فَلاَ يُكْتَفَى بِالْفِعْلِ وَهُوَ الأْخْذُ  .

وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَبْطُلُ إِذَا رَدَّ الْمُوصَى لَهُ الْوَصِيَّةَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، لأِنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ فِي حَالٍ يَمْلِكُ قَبُولَهُ وَأَخْذَهُ، كَتَنَازُلِ الشَّفِيعِ عَنِ الشُّفْعَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ .

الْفَوْرِيَّةُ فِي الْقَبُولِ وَالرَّدِّ بَعْدَ الْمَوْتِ:

10 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنْ لاَ عِبْرَةَ بِقَبُولِ الْمُوصَى لَهُ الْوَصِيَّةَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي، كَمَا لاَ عِبْرَةَ بِرَدِّهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ، لأِنَّ  قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي لَمْ يَثْبُتْ لِلْمُوصَى لَهُ حَقٌّ. وَلأِنَّ  أَوَانَ ثُبُوتِ حُكْمِ الْوَصِيَّةِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي لِتَعَلُّقِهَا بِهِ فَلاَ يُعْتَبَرُ الْقَبُولُ قَبْلَ الْمَوْتِ .

وَقَالَ زُفَرُ: إِذَا رَدَّ الْمُوصَى لَهُ الْوَصِيَّةَ فِي وَجْهِ الْمُوصِي لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقْبَلَ بَعْدَ ذَلِكَ لأِنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ قَبْلَ وُجُوبِهِ كَالشَّفِيعِ قَبْلَ الْبَيْعِ .

كَمَا اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْقَبُولِ أَوِ الرَّدِّ فَوْرًا بَعْدَ الْمَوْتِ بَلْ هُمَا عَلَى التَّرَاخِي، فَيَجُوزُ كُلٌّ مِنْهُمَا بَعْدَ الْوَفَاةِ، وَلَوْ إِلَى مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ، لأِنَّ  الْفَوْرَ عُرْفًا إِنَّمَا يُشْتَرَطُ فِي الْعُقُودِ الْمُنْجَزَةِ الَّتِي يَرْتَبِطُ الْقَبُولُ فِيهَا بِالإْيجَابِ  كَالْبَيْعِ، وَلَيْسَتِ الْوَصِيَّةُ مِنْهَا.

وَأَضَافَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَقْبَلِ الْمُوصَى لَهُ الْوَصِيَّةَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَلاَ رَدَّ الْوَصِيَّةَ فَلِلْوَارِثِ مُطَالَبَةُ الْمُوصَى لَهُ بِالْقَبُولِ أَوِ الرَّدِّ فَإِنِ امْتَنَعَ حُكِمَ عَلَيْهِ بِالرَّدِّ وَبَطَلَ حَقُّهُ مِنَ الْوَصِيَّةِ لأِنَّ هَا إِنَّمَا تَنْتَقِلُ إِلَى مِلْكِهِ بَعْدَ الْقَبُولِ وَلَمْ يُوجَدْ .

الرُّجُوعُ عَنِ الْقَبُولِ:

11 - لِلْفُقَهَاءِ فِي صِحَّةِ الرُّجُوعِ عَنِ الْقَبُولِ ثَلاَثَةُ آرَاءٍ:

الرَّأْيُ الأْوَّلُ: صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ بِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ لَوْ قَبِلَ الْوَصِيَّةَ بَعْدَ الْمَوْتِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا بَعْدَ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ رَدُّ الْقَبُولِ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ لأِنَّ  الْوَصِيَّةَ لَزِمَتْ وَصَحَّتْ.

وَلَوْ رَدَّ الْمُوصَى لَهُ الْوَصِيَّةَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَمْ يَقْبَلْهَا فَهُوَ رَدٌّ وَلاَ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَقْبَلَ بَعْدَ هَذَا لأِنَّ  الإْيجَابَ  بَطَلَ بِالرَّدِّ كَإِيجَابِ الْبَيْعِ .

الرَّأْيُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ كُلٍّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ يَصِحُّ الرَّدُّ بَعْدَ الْقَبُولِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ.

وَقَدْ صَحَّحَ النَّوَوِيُّ هَذَا الْقَوْلَ وَقَالَ الأْذْرَعِيُّ: إِنَّهُ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي الأْمِّ  وَجَرَى عَلَيْهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَاخْتَارَهُ مِنَ الْحَنَابِلَةِ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ لأِنَّ  مِلْكَ الْمُوصَى لَهُ لِلْمُوصَى بِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَتِمَّ .

الرَّأْيُ الثَّالِثُ: يَصِحُّ رَدُّ الْمُوصَى لَهُ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ بَعْدَ قَبُولِهِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ .

تَجَزُّؤُ الْقَبُولِ:

12 - نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَبِلَ الْمُوصَى لَهُ بَعْضَ الْمُوصَى بِهِ فِيهِ احْتِمَالاَنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَصِحُّ وَرَجَّحَهُ بَعْضُ الْيَمَانِيِّينَ. وَقَالُوا: الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ وَبَيْنَ الْبَيْعِ فِيمَا إِذَا قَبِلَ بَعْضَهُ حَيْثُ لَمْ يَصِحَّ أَنَّ الْبَيْعَ فِيهِ الْمُعَاوَضَةُ فَلَمْ يُغْتَفَرْ فِيهِ مَا اغْتُفِرَ فِي الْوَصِيَّةِ.

وَقَالَ زَكَرِيَّا الأْنْصَارِيُّ: أَرْجَحُ الاِحْتِمَالَيْنِ: الْبُطْلاَنُ .

مَنْ يَمْلِكُ الْقَبُولَ وَالرَّدَّ:

13 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْمُوصَى لَهُ الْمُعَيَّنَ يَمْلِكُ بِنَفْسِهِ الْقَبُولَ أَوِ الرَّدَّ إِذَا كَانَ كَامِلَ الأْهْلِيَّةِ  رَشِيدًا، لأِنَّهُ صَاحِبُ الْوِلاَيَةِ عَلَى نَفْسِهِ.

وَاتَّفَقُوا أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْمُوصَى لَهُ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ أَوِ الْجَمَاعَةَ غَيْرُ الْمَحْصُورِينَ كَالْفُقَهَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَوُجُوهِ الْقُرْبِ كَالْمَسَاجِدِ لاَ يَحْتَاجُ إِلَى قَبُولٍ وَلاَ رَدٍّ، وَإِنَّمَا تَلْزَمُ الْوَصِيَّةُ بِمُجَرَّدِ إِيجَابِ الْمُوصِي، لأِنَّ  اعْتِبَارَ الْقَبُولِ مِنْهُمْ مُتَعَذِّرٌ، فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ كَالْوَقْفِ عَلَيْهِمْ.

أَمَّا إِنْ كَانَ الْمُوصَى لَهُ وَاحِدًا كَزَيْدٍ، أَوْ جَمْعًا مَحْصُورًا كَأَوْلاَدِ عَمْرٍو، فَلاَ بُدَّ مِنَ الْقَبُولِ أَوْ عَدَمِ الرَّدِّ بَعْدَ الْمَوْتِ، لأِنَّ  الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكُ مَالٍ فَاعْتُبِرَ قَبُولُهُ كَالْهِبَةِ .

وَأَمَّا الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ فَيَقُومُ وَلِيُّهُ مَقَامَهُ فِي الْقَبُولِ أَوِ الرَّدِّ فَيَفْعَلُ مَا فِيهِ الْحَظُّ لِلْمَحْجُورِ عَلَيْهِ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ، وَإِنْ فَعَلَ الْوَلِيُّ غَيْرَ مَا فِيهِ الْحَظُّ لَمْ يَصِحَّ، فَإِذَا كَانَ الْحَظُّ فِي قَبُولِ الْوَصِيَّةِ لَمْ يَصِحَّ الرَّدُّ وَكَانَ لَهُ قَبُولُهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَقَالَ الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: إِنِ امْتَنَعَ وَلِيُّ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ مِنْ قَبُولِ الْوَصِيَّةِ وَكَانَ الْحَظُّ لَهُ فِيهِ فَالْمُتَّجِهُ أَنَّ الْحَاكِمَ يَقْبَلُ وَلاَ يَحْكُمُ بِالرَّدِّ .

(ر: إِيصَاء ف14، صِغَر ف 41).

مَوْتُ الْمُوصَى لَهُ الْمُعَيَّنِ:

14 - لِمَوْتِ الْمُوصَى لَهُ الْمُعَيَّنِ أَحْوَالٌ:

إِمَّا أَنْ يَمُوتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي أَوْ مَعَ مَوْتِهِ، فَتَبْطُلَ الْوَصِيَّةُ فِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ.

وَإِذَا مَاتَ الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي بِلاَ قَبُولٍ وَلاَ رَدٍّ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْوَالٍ:

فَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ غَيْرَ زُفَرَ: أَنَّ مَوْتَ الْمُوصَى لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ قَبُولٌ وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ اسْتِحْسَانًا.

وَفِي الْقِيَاسِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَأَبِي حَامِدٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ قَالَ عَنْهُ الْقَاضِي هُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ: يَكُونُ الْمُوصَى بِهِ لِوَرَثَةِ الْمُوصِي وَلاَ يَمْلِكُهُ الْمُوصَى لَهُ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ، لأِنَّ  تَمَامَهَا مَوْقُوفٌ عَلَى الْقَبُولِ وَقَدْ فَاتَ الْقَبُولُ .

وَيَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) أَنَّ وَرَثَةَ الْمُوصَى لَهُ يَقُومُونَ مَقَامَهُ فِي رَدِّ الْوَصِيَّةِ وَقَبُولِهَا، لأِنَّهُ حَقٌّ ثَبَتَ لِلْمُوَرَّثِ فَيُنْقَلُ إِلَى وَرَثَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ، «مَنْ تَرَكَ مَالاً فَلِوَرَثَتِهِ»  وَكَخِيَارِ الْعَيْبِ. وَلأِنَّ  الْوَصِيَّةَ هُنَا عَقْدٌ لاَزِمٌ مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ فَلَمْ تَبْطُلْ بِمَوْتِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ .

تَعْلِيقُ الْوَصِيَّةِ عَلَى شَرْطٍ وَإِضَافَتُهَا لِلْمُسْتَقْبَلِ:

15 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي جَوَازِ تَعْلِيقِ الْوَصِيَّةِ عَلَى شَرْطٍ وَإِضَافَتِهَا لِلْمُسْتَقْبَلِ.

فَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ تَعْلِيقَ الْوَصِيَّةِ بِالشَّرْطِ جَائِزٌ لأِنَّ هَا فِي الْحَقِيقَةِ إِثْبَاتُ الْخِلاَفَةِ عِنْدَ الْمَوْتِ  فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ أَوِ الْمَكَاتَبُ إِذَا أُعْتِقْتُ فَثُلُثُ مَالِي وَصِيَّةٌ يَصِحُّ .

وَإِنْ قَالَ الدَّائِنُ لِمَدْيُونِهِ إِذَا مِتُّ فَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ دَيْنِيَ الَّذِي عَلَيْكَ صَحَّتْ وَصِيَّتُهُ وَلَوْ قَالَ: إِنْ مِتُّ لاَ يَبْرَأُ لِلْمُخَاطَرَةِ .

وَقَالُوا: الإْيصَاءُ  وَالْوَصِيَّةُ لاَ يَكُونَانِ إِلاَّ مُضَافَيْنِ .

وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّهُ إِنْ قَالَ الْمُوصِي فِي صِيغَةِ وَصِيَّتِهِ إِنْ مِتُّ مِنْ مَرَضِي هَذَا، أَوْ إِنْ مِتُّ مِنْ سَفَرِي هَذَا فَلِفُلاَنٍ كَذَا وَلَمْ يَمُتْ مِنْ مَرَضِهِ أَوْ سَفَرِهِ فَتَبْطُلَ، لأِنَّهُ عَلَّقَ الْوَصِيَّةَ عَلَى الْمَوْتِ فِيهِمَا وَلَمْ يَحْصُلْ.

وَمَحَلُّ بُطْلاَنِ الْوَصِيَّةِ إِنْ لَمْ يَكْتُبْهَا فِي كِتَابٍ وَأَخْرَجَهُ وَلَمْ يَسْتَرِدَّهُ، فَإِنْ كَتَبَهَا وَأَخْرَجَهُ وَلَمْ يَسْتَرِدَّهُ وَلَمْ يَمُتْ فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ لاَ تَبْطُلُ .

وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ يَجُوزُ تَعْلِيقُ الْوَصِيَّةِ عَلَى شَرْطٍ فِي الْحَيَاةِ، لأِنَّ هَا تَجُوزُ فِي الْمَجْهُولِ فَجَازَ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ كَالطَّلاَقِ وَالْعَتَاقِ وَيَجُوزُ تَعْلِيقُهَا عَلَى شَرْطٍ بَعْدَ الْمَوْتِ، لأِنَّ  مَا بَعْدَ الْمَوْتِ فِي الْوَصِيَّةِ كَحَالِ الْحَيَاةِ. فَإِذَا جَازَ تَعْلِيقُهَا عَلَى شَرْطٍ فِي الْحَيَاةِ جَازَ بَعْدَ الْمَوْتِ .

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنْ عَلَّقَ الْوَصِيَّةَ عَلَى صِفَةٍ بَعْدَ مَوْتِهِ يَرْتَقِبُ وُقُوعَهَا كَقَوْلِهِ: أَوْصَيْتُ لَهُ بِكَذَا إِذَا مَرَّ شَهْرٌ بَعْدَ مَوْتِي صَحَّ، أَوْ قَالَ: وَصَّيْتُ لِفُلاَنَةَ بِكَذَا إِذَا وَضَعَتْ بَعْدَ مَوْتِي صَحَّ التَّعْلِيقُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ»  وَثَبَتَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ تَعْلِيقُهَا، لأِنَّ  الْوَصِيَّةَ لاَ تَتَأَثَّرُ بِالْفَوْرِ فَأَوْلَى أَنْ لاَ تَتَأَثَّرَ بِالتَّعْلِيقِ لِوُضُوحِ الأْمْرِ  وَقِلَّةِ الْغَرَرِ.

فَإِنْ كَانَتِ الصِّفَةُ لاَ يُرْتَقَبُ وُقُوعُهَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَقَدْ قَالَ الْبُهُوتِيُّ: فِي التَّعْلِيقِ عَلَيْهَا نَظَرٌ، وَالأوْلَى  عَدَمُ جَوَازِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إِضْرَارِ الْوَرَثَةِ بِطُولِ الاِنْتِظَارِ لاَ إِلَى أَمَدٍ يُعْلَمُ .

صِفَةُ الْوَصِيَّةِ مِنْ حَيْثُ اللُّزُومِ وَعَدَمِهِ وَالرُّجُوعِ عَنْهَا:

16 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ عَقْدٌ غَيْرُ لاَزِمٍ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُوصِي فِي حَالِ حَيَاتِهِ الرُّجُوعُ عَنْهَا كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا، سَوَاءٌ وَقَعَتْ مِنْهُ الْوَصِيَّةُ فِي حَالِ صِحَّتِهِ أَوْ مَرَضِهِ، لِقَوْلِ عُمَرَ رضي الله عنهيُغَيِّرُ الرَّجُلُ مَا شَاءَ فِي وَصِيَّتِهِ  وَلأِنَّ هَا عَطِيَّةٌ أَوْ تَبَرُّعٌ لَمْ يَتِمَّ، يُنْجَزُ بِالْمَوْتِ، فَجَازَ الرُّجُوعُ عَنْهَا قَبْلَ تَنْجِيزِهَا كَالْهِبَةِ، وَلأِنَّ  الْقَبُولَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْمَوْتِ، وَالإْيجَابُ  يَصِحُّ إِبْطَالُهُ قَبْلَ الْقَبُولِ، كَمَا فِي الْبَيْعِ.

وَاتَّفَقُوا أَيْضًا عَلَى أَنَّ الرُّجُوعَ عَنِ الْوَصِيَّةِ يَكُونُ إِمَّا بِالْقَوْلِ أَوْ بِالدَّلاَلَةِ.

وَالرُّجُوعُ بِالْقَوْلِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ الْمُوصِي: نَقَضْتُ الْوَصِيَّةَ أَوْ أَبْطَلْتُهَا أَوْ رَجَعْتُ فِيهَا، أَوْ فَسَخْتُهَا أَوْ أَزَلْتُهَا، أَوْ هُوَ حَرَامٌ عَلَى الْمُوصَى لَهُ، أَوْ هَذَا لِوَارِثِي وَنَحْوَ ذَلِكَ.

وَاسْتَثْنَى الْمَالِكِيَّةُ مِنْ هَذَا الْحُكْمِ مَا إِذَا قَالَ الْمُوصِي فِي وَصِيَّتِهِ أَنْ لاَ رُجُوعَ لَهُ فِيهَا فَإِنَّهَا لاَ تَبْطُلُ بِالرُّجُوعِ حَتَّى يَنُصَّ عَلَيْهَا.

وَالرُّجُوعُ بِالدَّلاَلَةِ يَكُونُ بِالْفِعْلِ كَأَنْ يَقُومَ الْمُوصِي بِتَصَرُّفٍ فِي الْمُوصَى بِهِ يَدُلُّ عَلَى رُجُوعِهِ كَالْبَيْعِ، وَالإْصْدَاقِ، وَالْهِبَةِ وَالرَّهْنِ مَعَ قَبْضٍ أَمْ لاَ، وَاسْتِهْلاَكِ الشَّيْءِ كَذَبْحِ الشَّاةِ الْمُوصَى بِهَا، وَخَلْطِ الْمُوصَى بِهِ بِغَيْرِهِ خَلْطًا يَعْسُرُ تَمْيِيزُهُ، وَطَحْنِ حِنْطَةٍ وَعَجْنِ دَقِيقٍ وَغَزْلِ قُطْنٍ وَنَسْجِ غَزْلٍ، وَقَطْعِ ثَوْبٍ قَمِيصًا، وَصَوْغِ مَعْدِنٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، وَبِنَاءٍ وَغِرَاسٍ فِي سَاحَةٍ .

فَيَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: الْحَنَفِيَّةُ فِي قَوْلٍ بِهِ يُفْتَى- وَعَلَيْهِ الْمُتُونُ - وَالشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ جُحُودَ الْوَصِيَّةِ لَيْسَ بِرُجُوعٍ لأِنَّ  الرُّجُوعَ عَنِ الشَّيْءِ يَقْتَضِي سَبْقَ وُجُودِهِ وَجُحُودَ الشَّيْءِ يَقْتَضِي سَبْقَ عَدَمِهِ إِذِ الْجُحُودُ نَفْيٌ لأِصْلِ الْعَقْدِ فَلَوْ كَانَ الْجُحُودُ رُجُوعًا انْتَفَى وُجُودُ الْوَصِيَّةِ وَعَدَمُهَا فِيمَا سَبَقَ وَهُوَ مُحَالٌ .

وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ فِي قَوْلٍ قَالَ عَنْهُ فِي الْعُيُونِ إِنَّ عَلَيْهِ الْفَتْوَى وَفِي السِّرَاجِيَّةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَالشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ قَدَّمَهُ زَكَرِيَّا الأْنْصَارِيُّ عَلَى غَيْرِهِ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي وَجْهٍ صَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ أَنَّ جُحُودَ الْوَصِيَّةِ رُجُوعٌ.

وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: يُقَاسُ جُحُودُ الْوَصِيَّةِ عَلَى جَحْدِ الْوَكَالَةِ فَيُفَرَّقُ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الرُّجُوعُ لِغَرَضٍ وَبَيْنَ مَا لَمْ يَكُنْ لِغَرَضٍ، فَإِنْ كَانَ الْجُحُودُ لِغَرَضٍ لاَ يَكُونُ رُجُوعًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِغَرَضٍ فَيَكُونُ رُجُوعًا وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ .

الرُّكْنُ الثَّانِي: الْمُوصِي:

17 - الْمُوصِي مَنْ صَدَرَتْ مِنْهُ الْوَصِيَّةُ.

وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُوصِي مَا يَأْتِي:

أَوَّلاً: أَنْ يَكُونَ أَهْلاً لِلتَّبَرُّعِ: وَيَكُونُ أَهْلاً لِلتَّبَرُّعِ عِنْدَ تَوَافُرِ مَا يَلِي:

أ- الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ:

18 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى اشْتِرَاطِ الْعَقْلِ، فَلاَ تَصِحُّ وَصِيَّةُ الْمَجْنُونِ وَالْمَعْتُوهِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ؛ لأِنَّ  عِبَارَتَهُمْ مُلْغَاةٌ لاَ يَتَعَلَّقُ بِهَا حُكْمٌ.

وَأَمَّا الْبُلُوغُ فَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْمَذْهَبِ وَالْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ إِلَى اشْتِرَاطِ الْبُلُوغِ، فَلاَ تَصِحُّ وَصِيَّةُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ وَغَيْرِ الْمُمَيِّزِ، وَلَوْ كَانَ مُمَيِّزًا مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ؛ لأِنَّ  الْوَصِيَّةَ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ الضَّارَّةِ ضَرَرًا مَحْضًا، إِذْ هِيَ تَبَرُّعٌ، كَمَا أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَعْمَالِ التِّجَارَةِ.

وَأَجَازَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ وَصِيَّةَ الْمُمَيِّزِ، لأِنَّ  عُمَرَ رضي الله عنه أَجَازَ وَصِيَّةَ صَبِيٍّ مِنْ غَسَّانَ لَهُ عَشْرُ سِنِينَ أَوْصَى لأِخْوَالِهِ وَلأِنَّهُ لاَ ضَرَرَ عَلَى الصَّبِيِّ فِي جَوَازِ وَصِيَّتِهِ، لأِنَّ  الْمَالَ سَيَبْقَى عَلَى مِلْكِهِ مُدَّةَ حَيَّاتِهِ، وَلَهُ الرُّجُوعُ عَنْ وَصِيَّتِهِ، كَكُلِّ مُوصٍ.

وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْمُمَيِّزَ الَّذِي تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ هُوَ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ فَأَقَلَّ مِمَّا يُقَارِبُهَا إِذَا أَصَابَ وَجْهَ الْوَصِيَّةِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ اخْتِلاَطٌ .

وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ مِنْ مُمَيِّزٍ عَاقِلٍ لِلْوَصِيَّةِ.

وَقَالَ الْمَرْدَاوِيُّ: إِذَا جَاوَزَ الصَّبِيُّ الْعَشْرَ صَحَّتْ وَصِيَّتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ وَلاَ تَصِحُّ مِمَّنْ لَهُ دُونَ السَّبْعِ، وَفِيمَا بَيْنَ السَّبْعِ وَالْعَشْرِ رِوَايَتَانِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا تَصِحُّ .

وَأَمَّا وَصِيَّةُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي صِحَّتِهَا عَلَى قَوْلَيْنِ: فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْمَذْهَبِ وَالْحَنَابِلَةُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ إِلَى أَنَّهُ تَجُوزُ وَصِيَّةُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ.

وَقَيَّدَ الْحَنَفِيَّةُ نَفَاذَ الْوَصِيَّةِ إِذَا كَانَتْ بِالْقُرْبِ وَأَبْوَابِ الْخَيْرِ، مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ وَاعْتَبَرُوا جَوَازَ الْوَصِيَّةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مِنْ بَابِ الاِسْتِحْسَانِ قَالُوا: وَجْهُ الاِسْتِحْسَانِ أَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ لِمَعْنَى النَّظَرِ لَهُ كَيْلاَ يُتْلِفَ مَالَهُ وَيَبْقَى كَلًّا عَلَى غَيْرِهِ وَذَلِكَ فِي حَيَاتِهِ لاَ فِيمَا يَنْفُذُ مِنَ الثُّلُثِ بَعْدَ وَفَاتِهِ حَالَ اسْتِغْنَائِهِ وَذَلِكَ إِذَا وَافَقَتْ وَصِيَّتُهُ وَصَايَا أَهْلِ الْخَيْرِ وَالصَّلاَحِ كَالْوَصِيَّةِ بِالْحَجِّ أَوْ لِلْمَسَاكِينِ أَوْ لِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ.

الْقَوْلُ الثَّانِي: لاَ تَصِحُّ وَصِيَّةُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ كَتَبَرُّعَاتِهِ وَهُوَ الْقِيَاسُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَالْقَوْلُ الْمُقَابِلُ الْمَذْهَبِ عِنْدِ الشَّافِعِيَّةِ .

أَمَّا السَّكْرَانُ: فَقَدْ ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ السَّكْرَانَ مِنْ مُبَاحٍ لاَ تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ، وَاخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ وَصِيَّةِ السَّكْرَانِ إِذَا كَانَ مُتَعَدِّيًا بِسُكْرِهِ إِلَى ثَلاَثَةِ أَقْوَالٍ:

الأْوَّلُ: يَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وُوَجْهٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ صِحَّةَ وَصِيَّةِ السَّكْرَانِ الْمُتَعَدِّي بِسُكْرِهِ لأِنَّ  سُكْرَهُ بِمُحَرَّمٍ لاَ يُبْطِلُ تَكْلِيفَهُ فَتَلْزَمُهُ الأْحْكَامُ .

الثَّانِي: يَرَى الْحَنَابِلَةُ فِي وَجْهٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنَ الْمَذَاهِبِ أَنَّهُ لاَ تَصِحُّ وَصِيَّةُ السَّكْرَانِ الْمُتَعَدِّي بِسُكْرِهِ لأِنَّهُ حِينَئِذٍ غَيْرُ عَاقِلٍ أَشْبَهَ الْمَجْنُونَ.

الثَّالِثُ: يَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ وَصِيَّةَ السَّكْرَانِ الْمُمَيِّزِ صَحِيحَةٌ أَمَّا غَيْرُ الْمُمَيِّزِ حَالَ الإْيصَاءِ فَلاَ تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ .

ب- الْحُرِّيَّةُ:

19 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى اشْتِرَاطِ الْحُرِّيَّةِ، فَلاَ تَصِحُّ وَصِيَّةُ الْعَبْدِ، لأِنَّهُ تَبَرُّعٌ، وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ، وَلأِنَّهُ لاَ يَمْلِكُ شَيْئًا حَتَّى يُمَلِّكَهُ لِغَيْرِهِ .

ج- الرِّضَا وَالاِخْتِيَارُ:

20 - أَنْ يَكُونَ الْمُوصِي رَاضِيًا مُخْتَارًا لأِنَّ  الْوَصِيَّةَ إِيجَابُ مِلْكٍ، فَلاَ بُدَّ فِيهِ مِنَ الرِّضَا، كَإِيجَابِ الْمِلْكِ بِسَائِرِ الأْشْيَاءِ وَالتَّصَرُّفَاتِ مِنْ بَيْعٍ وَهِبَةٍ وَنَحْوِهِمَا، فَلاَ تَصِحُّ وَصِيَّةُ الْمُكْرَهِ وَالْهَازِلِ وَالْمُخْطِئِ؛ لأِنَّ  هَذِهِ الْعَوَارِضَ تُفَوِّتُ الرِّضَا .

وَصَايَا غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ:

21 - لاَ يُشْتَرَطُ إِسْلاَمُ الْمُوصِي لِصِحَّةِ الْوَصِيَّةِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ فِي الْجُمْلَةِ، فَتَصِحُّ وَصِيَّةُ غَيْرِ الْمُسْلِمِ بِمَا تَصِحُّ بِهِ وَصِيَّةُ الْمُسْلِمِ.

وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى صِحَّةِ وَصِيَّةِ الْكَافِرِ وَلَوْ كَانَ مُرْتَدًّا أَوْ حَرْبِيًّا وَلَوْ كَانَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَقَيَّدَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأْصَحِّ  عِنْدَهُمْ صِحَّةَ وَصِيَّةِ الْمُرْتَدِّ بِأَنْ لاَ يَمُوتَ أَوْ يُقْتَلَ كَافِرًا لأِنَّ  مِلْكَهُ مَوْقُوفٌ.

وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ وَصِيَّةَ الْمُرْتَدِّ فِي حَالِ رِدَّتِهِ بَاطِلَةٌ .

وَيَتَوَقَّفُ مِنْ وَصَايَا الْمُرْتَدِّ مَا يَصِحُّ مِنَ الْمُسْلِمِ وَيَبْطُلُ مَا لاَ يَصِحُّ مِنَ الْمُسْلِمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ تَصَرُّفَاتُ الْمُرْتَدِّ نَافِذَةٌ لِلْحَالِ فَيَصِحُّ مِنْهُ مَا يَصِحُّ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ انْتَقَلَ إِلَيْهِمْ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ لِقَوْمٍ مُعَيَّنِينَ حَتَّى لَوْ أَوْصَى بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ عِنْدَهُمْ، مَعْصِيَةٌ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ ذَلِكَ لِقَوْمٍ غَيْرِ مُعَيَّنِينَ لاَ يَصِحُّ عِنْدَهُمَا.

وَأَمَّا الْمُرْتَدَّةُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ مِنْ وَصَايَاهَا مَا يَصِحُّ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِي انْتَقَلَتْ إِلَيْهِمْ .

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: وَأَمَّا إِسْلاَمُ الْمُوصِي فَلَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ وَصِيَّتِهِ فَتَصِحُّ وَصِيَّةُ الذِّمِّيِّ بِالْمَالِ لِلْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ فِي الْجُمْلَةِ لأِنَّ  الْكُفْرَ لاَ يُنَافِي أَهْلِيَّةَ التَّمْلِيكِ أَلاَ تَرَى أَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُ الْكَافِرِ وَهِبَتُهُ فَكَذَا وَصِيَّتُهُ وَكَذَا الْحَرْبِيُّ الْمُسْتَأْمَنُ إِذَا أَوْصَى لِلْمُسْلِمِ أَوِ الذِّمِّيِّ يَصِحُّ فِي الْجُمْلَةِ لِمَا ذَكَرْنَا غَيْرَ أَنَّهُ إِنْ كَانَ دَخَلَ وَارِثُهُ مَعَهُ فِي دَارِ الإْسْلاَمِ  وَأَوْصَى بِأَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ وُقِفَ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ عَلَى إِجَازَةِ وَارِثِهِ لأِنَّهُ بِالدُّخُولِ مُسْتَأْمَنًا الْتَزَمَ أَحْكَامَ الإْسْلاَمِ  أَوْ أَلْزَمَهُ مِنْ غَيْرِ الْتِزَامِهِ لإِمْكَانِ  إِجْرَاءِ الأْحْكَامِ  عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي دَارِ الإْسْلاَمِ  وَمِنْ أَحْكَامِ الإْسْلاَمِ  أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ مِمَّنْ لَهُ وَارِثٌ تَقِفُ عَلَى إِجَازَةِ وَارِثِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ أَصْلاً تَصِحُّ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ كَمَا فِي الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ لَهُ وَارِثٌ لَكِنَّهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ لأِنَّ  امْتِنَاعَ الزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ وَحَقُّهُمْ غَيْرُ مَعْصُومٍ لأِنَّهُ لاَ عِصْمَةَ لأَِنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ فَلأِنْ  لاَ يَكُونَ لِحَقِّهِمُ الَّذِي فِي مَالِ مُورِّثِهِمْ عِصْمَةٌ أَوْلَى.

وَذَكَرَ فِي الأْصْلِ: لَوْ أَوْصَى الْحَرْبِيُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِوَصِيَّةٍ ثُمَّ أَسْلَمَ أَهْلُ الدَّارِ أَوْ صَارُوا ذِمَّةً ثُمَّ اخْتَصَمَا إِلَيْنَا فِي تِلْكَ الْوَصِيَّةِ فَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً بِعَيْنِهَا أَجَزْتُهَا، وَإِنْ كَانَتْ قَدِ اسْتُهْلِكَتْ مِنْ قَبْلِ الإْسْلاَمِ  أَبْطَلْتُهَا لأِنَّ  الْحَرْبِيَّ مِنْ أَهْلِ التَّمْلِيكِ، أَلاَ يَرَى أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ سَائِرِ التَّمْلِيكَاتِ كَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ فَكَانَتْ وَصِيَّتُهُ جَائِزَةً فِي نَفْسِهَا إِلاَّ أَنَّهُ لَيْسَ لَنَا وِلاَيَةُ إِجْرَاءِ أَحْكَامِ الإْسْلاَمِ  وَتَنْفِيذِهَا فِي دَارِهِمْ فَإِذَا أَسْلَمُوا أَوْ صَارُوا ذِمَّةً قَدَرْنَا عَلَى التَّنْفِيذِ فَنُنَفِّذُهَا مَا دَامَ الْمُوصَى بِهِ قَائِمًا، فَأَمَّا إِذَا صَارَ مُسْتَهْلَكًا أَبْطَلْنَا الْوَصِيَّةَ وَأَلْحَقْنَاهَا بِالْعَدَمِ لأِنَّ  أَهْلَ الْحَرْبِ إِذَا أَسْلَمُوا أَوْ صَارُوا ذِمَّةً لاَ يُؤْخَذُونَ بِمَا اسْتَهْلَكَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا اغْتَصَبَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ بَلْ يَبْطُلُ ذَلِكَ، كَذَا هَذَا .

الرُّكْنُ الثَّالِثُ: الْمُوصَى لَهُ

22 - الْمُوصَى لَهُ مَنْ تَبَرَّعَ لَهُ الْمُوصِي بِجُزْءٍ مِنْ مَالِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُوصَى لَهُ مَا يَأْتِي:

أَوَّلاً: أَنْ يَكُونَ الْمُوصَى لَهُ مَوْجُودًا:

23 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْمُوصَى لَهُ مَوْجُودًا (حِينَ الْوَصِيَّةِ) عَلَى قَوْلَيْنِ:

الْقَوْلُ الأْوَّلُ: يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُوصَى لَهُ مَوْجُودًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا لاَ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي الأْصَحِّ ، وَالْحَنَابِلَةِ فِي الْمَذْهَبِ وَعَلَى هَذَا إِذَا قَالَ:

أَوْصَيْتُ بِثُلُثِ مَالِي لِمَا فِي بَطْنِ فُلاَنَةَ فَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا حَالَ الْوَصِيَّةِ صَحَّتِ الْوَصِيَّةُ وَإِلاَّ فَلاَ.

وَجَاءَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: مَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِزَيْدٍ وَبَكْرٍ، وَبَكْرٌ مَيِّتٌ وَهُوَ يَعْلَمُ أَوْ لاَ يَعْلَمُ، أَوْ لِزَيْدٍ وَبَكْرٍ إِنْ كَانَ حَيًّا وَهُوَ مَيِّتٌ، أَوْ لَهُ وَلِمَنْ كَانَ فِي هَذَا الْبَيْتِ وَلَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ، أَوْ لَهُ وَلِعَقِبِهِ، أَوْ لَهُ وَلِوَلَدِ بَكْرٍ فَمَاتَ وَلَدُهُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي، أَوْ لَهُ وَلِفُقَرَاءِ وَلَدِهِ، أَوْ لِمَنِ افْتَقَرَ مِنْ وَلَدِهِ وَفَاتَ شَرْطُهُ عِنْدَ مَوْتِهِ فَلِزَيْدٍ كُلُّهُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ، لأِنَّ  الْمَعْدُومَ أَوِ الْمَيِّتَ لاَ يَصْلُحُ مُسْتَحِقًّا فَلَمْ تَثْبُتِ الْمُزَاحَمَةُ لِزَيْدٍ، وَصَارَ كَمَا لَوْ أَوْصَى لَزِيدٍ وَجِدَارٍ، وَكَذَا الْعَقِبُ لأِنَّ  الْعَقِبَ مَنْ يَعْقُبُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَيَكُونُ مَعْدُومًا فِي الْحَالِ .

الْقَوْلُ الثَّانِي: ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي مُقَابِلِ الأْصَحِّ  وَالْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ كَوْنُ الْمُوصَى لَهُ مَوْجُودًا حَالَ الْوَصِيَّةِ وَعَلَى ذَلِكَ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِمَنْ سَيَكُونُ مِنْ حَمْلٍ مَوْجُودٍ أَوْ سَيُوجَدُ فَيَسْتَحِقُّهُ إِنِ اسْتَهَلَّ صَارِخًا.

وَجَزَمَ ابْنُ رَزِينٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ بِصِحَّةِ الْوَصِيَّةِ لِلْمَعْدُومِ .

ثَانِيًا: أَنْ يَكُونَ الْمُوصَى لَهُ أَهْلاً لِلتَّمَلُّكِ:

24 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُوصَى لَهُ الْمُعَيَّنُ حَالَ الْوَصِيَّةِ أَهْلاً لِلتَّمَلُّكِ.

وَقَدْ فَرَّعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ مَسَائِلَ مِنْهَا:

أ- الْوَصِيَّةُ لِلْمَيِّتِ

25 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا أَوْصَى لِمَيِّتٍ وَلاَ يَعْلَمُ الْمُوصِي حِينَ الْوَصِيَّةِ أَنَّهُ مَيِّتٌ فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ لأِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّمَلُّكِ.

أَمَّا إِذَا لَمْ يَعْلَمِ الْمُوصِي حَالَ الْوَصِيَّةِ أَنَّ الْمُوصَى لَهُ مَيِّتٌ فَقَدْ أَجَازَ الْمَالِكِيَّةُ الْوَصِيَّةَ وَيُصْرَفُ الشَّيْءُ الْمُوصَى بِهِ عِنْدَهُمْ لِلْمَيِّتِ فِي وَفَاءِ دَيْنِهِ إِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَإِلاَّ فَلِوَارِثِهِ.

فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلاَ وَارِثَ لَهُ بَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ وَلاَ يَأْخُذُهَا بَيْتُ الْمَالِ .

ب- الْوَصِيَّةُ لِلْحَمْلِ:

26 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ لِلْحَمْلِ إِنْ كَانَ مَوْجُودًا حَالَ الْوَصِيَّةِ لأِنَّ  الْحَمْلَ يَرِثُ وَالْوَصِيَّةُ كَالْمِيرَاثِ وَيُعْلَمُ كَوْنُ الْحَمْلِ مَوْجُودًا بِأَنْ يُولَدَ حَيًّا لأِقَلَّ  مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ الْوَصِيَّةِ إِنْ كَانَتِ الأْمُّ  ذَاتَ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ، لأِنَّ  أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، فَإِذَا وَضَعَتْهُ حَيًّا لأِقَلَّ  مِنْهَا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا حِينَهَا. أَوْ تَضَعُهُ لأِقَلَّ  مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِنْ لَمْ تَكُنِ الأْمُّ  ذَاتَ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ وَلِسَنَتَيْنِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.

وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ الْمُوصِي بِأَنَّهَا حَامِلٌ فَتَثْبُتُ الْوَصِيَّةُ لَهُ إِنْ وَضَعَتْهُ مَا بَيْنَ سَنَتَيْنِ مِنْ يَوْمِ أَوْصَى، لأِنَّ  وُجُودَهُ فِي الْبَطْنِ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ ثَبَتَ بِإِقْرَارِ الْمُوصِي فَإِنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِيهِ لأِنَّهُ مُوجِبٌ لَهُ مَا هُوَ خَالِصُ حَقِّهِ بِنَاءً عَلَى هَذَا الإْقْرَارِ  وَهُوَ الثُّلُثُ فَيَلْحَقُ بِمَا لَوْ صَارَ مَعْلُومًا يَقِينًا بِأَنْ وَضَعَتْهُ لأِقَلَّ  مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَإِنِ انْفَصَلَ الْحَمْلُ مَيِّتًا بَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ لاِنْتِفَاءِ أَهْلِيَّةِ الْمِلْكِ .

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَصِحُّ لِلْمُوصَى لَهُ، سَوَاءٌ أَكَانَ مَوْجُودًا حِينَ الْوَصِيَّةِ، أَمْ مُنْتَظَرَ الْوُجُودِ كَالْحَمْلِ، وَتَصِحُّ لِمَنْ سَيَكُونُ مِنْ حَمْلٍ مَوْجُودٍ أَوْ سَيُوجَدُ إِنِ اسْتَهَلَّ صَارِخًا وَنَحْوَهُ، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى تَحَقُّقِ حَيَاتِهِ، لَكِنْ فِي قَوْلٍ: لاَ يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ غَلَّةِ الْمُوصَى بِهِ؛ لأِنَّهُ لاَ يَمْلِكُ إِلاَّ بَعْدَ وَضْعِهِ حَيًّا، فَتَكُونُ الْغَلَّةُ لِوَارِثِ الْمُوصِي.

وَفِي الْقَوْلِ الآْخَرِ: تُوقَفُ وَتُدْفَعُ لِلْمُوصَى لَهُ إِذَا اسْتَهَلَّ كَالْمُوصَى بِهِ، وَيُوَزَّعُ الشَّيْءُ الْمُوصَى بِهِ لِمَنْ سَيَكُونُ إِنْ وَلَدَتْ لأِكْثَرَ  مِنْ وَاحِدٍ، بِحَسَبِ الْعَدَدِ، أَيْ إِنَّ الذَّكَرَ كَالأْنْثَى عِنْدَ الإْطْلاَقِ، فَإِنْ نَصَّ الْمُوصِي عَلَى تَفْضِيلٍ عُمِلَ بِهِ .

ثَالِثًا: أَنْ يَكُونَ الْمُوصَى لَهُ مَعْلُومًا غَيْرَ مَجْهُولٍ:

27 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْمُوصَى لَهُ مَعْلُومًا غَيْرَ مَجْهُولٍ أَيْ مُعَيَّنًا بِشَخْصِهِ كَزَيْدٍ أَوْ بِنَوْعِهِ كَالْمَسَاكِينِ.

وَفَرَّعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ مَسَائِلَ مِنْهَا:

أ- الْوَصِيَّةُ لِمُبْهَمٍ:

28 - لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لأِحَدِ  هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ لِجَهَالَةِ الْمُوصَى لَهُ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إِنِ اصْطَلَحَا فَالْوَصِيَّةُ لَهُمَا.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ: الْخِيَارُ إِلَى الْوَرَثَةِ يُعْطُونَ أَيَّهُمَا شَاءُوا .

ب- الْوَصِيَّةُ لِجَمَاعَةٍ:

29 - لَوْ أَوْصَى رَجُلٌ لِجَمَاعَةٍ لاَ يُمْكِنُ حَصْرُهُمْ وَاسْتِيعَابُهُمْ كَالْقَبِيلَةِ الْعَظِيمَةِ وَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ صَحَّتِ الْوَصِيَّةُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي لُزُومِ التَّعْمِيمِ مِنْ عَدَمِهِ:

فَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: لاَ يَلْزَمُ التَّعْمِيمُ وَلاَ التَّسْوِيَةُ، وَيُعْطَوْنَ بِالاِجْتِهَادِ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: فِي الأْظْهَرِ  يُجْزِئُ دَفْعُ الْوَصِيَّةِ إِلَى ثَلاَثَةٍ مِنْهُمْ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يُجْزِئُ الدَّفْعُ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي مُقَابِلِ الأْظْهَرِ  إِلَى أَنَّ مَنْ أَوْصَى لِقَبِيلَةٍ لاَ تُحْصَى كَتَمِيمٍ وَعَقِيلٍ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ إِذْ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُوصَى لَهُ مَعْلُومًا أَمَّا إِذَا كَانُوا يُحْصَوْنَ صَحَّتِ التَّوْصِيَةُ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ.

وَقَالُوا: لَوْ أَوْصَى بِإِخْرَاجِ ثُلُثِهِ إِلَى مُجَاوِرِي مَكَّةَ إِنْ لاَ يُحْصَوْنَ يُصْرَفُ إِلَى مُحْتَاجِهِمْ وَإِنْ يُحْصَوْنَ يُقَسَّمُ عَلَى رُءُوسِهِمْ .

قَالَ الْكَاسَانِيُّ: اخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ الإْحْصَاءِ.

فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إِنْ كَانُوا لاَ يُحْصَوْنَ إِلاَّ بِكِتَابٍ أَوْ حِسَابٍ فَهُمْ لاَ يُحْصَوْنَ.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ فَهُمْ لاَ يُحْصَوْنَ.

وَقِيلَ: إِنْ كَانُوا بِحَيْثُ لاَ يُحْصِيهِمْ مُحْصٍ حَتَّى يُولَدَ مِنْهُمْ مَوْلُودٌ وَيَمُوتَ مِنْهُمْ مَيِّتٌ فَهُمْ لاَ يُحْصَوْنَ.

وَقِيلَ: يُفَوَّضُ إِلَى رَأْيِ الْقَاضِي .

ج- الْوَصِيَّةُ لِدَابَّةٍ:

30 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِذَاتِ الدَّابَّةِ بَاطِلَةٌ لأِنَّ هَا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ، سَوَاءٌ قَصَدَ تَمْلِيكَهَا أَوْ أَطْلَقَ.

أَمَّا إِذَا أَوْصَى بِمَالٍ لِعَلَفِ دَابَّةِ فُلاَنٍ جَازَ وَتَكُونُ وَصِيَّةً لِصَاحِبِ الدَّابَّةِ وَيَصْرِفُهَا فِي عَلَفِهَا.

وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى لِدَابَّةٍ وَقَالَ: يُصْرَفُ فِي عَلَفِهَا فَالْمَنْقُولُ صِحَّتُهَا وَيُشْتَرَطُ قَبُولُ مَالِكِ الدَّابَّةِ.

وَإِذَا أَوْصَى بِمَالٍ لِفَرَسِ فُلاَنٍ فَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَصِحُّ وَلَوْ لَمْ يَقْبَلْهَا صَاحِبُ الْفَرَسِ وَيُصْرَفُ فِي عَلَفِهِ رِعَايَةً لِقَصْدِ الْمُوصِي، فَإِنْ مَاتَ الْفَرَسُ قَبْلَ إِنْفَاقِ الْكُلِّ عَلَيْهِ فَالْبَاقِي لِوَرَثَةِ الْمُوصِي لاَ لِمَالِكِ الْفَرَسِ لأِنَّ هَا إِنَّمَا تَكُونُ لَهُ عَلَى صِفَةٍ وَهِيَ الصَّرْفُ فِي مَصْلَحَةِ دَابَّتِهِ رِعَايَةً لِقَصْدِ الْمُوصِي.

وَهَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ، إِلاَّ أَنَّهُمْ يَشْتَرِطُونَ لِصِحَّةِ الْوَصِيَّةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ قَبُولَ صَاحِبِ الدَّابَّةِ لِلْوَصِيَّةِ، وَأَنْ يَكُونَ صَاحِبُ الدَّابَّةِ مِمَّنْ تَصِحُّ لَهُ وَصِيَّةُ الْمُوصِي.

وَقَالُوا: تُرَدُّ الْوَصِيَّةُ بِرَدِّ الْمُوصَى لَهُ وَبِمَوْتِهِ قَبْلَ الْمُوصِي .

وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِفَرَسٍ حَبِيسٍ مَا لَمْ يُرِدِ الْمُوصِي تَمْلِيكَهُ، أَمَّا إِذَا أَرَادَ تَمْلِيكَهُ فَلاَ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ حِينَئِذٍ لاِسْتِحَالَةِ تَمْلِيكِهِ.

وَأَضَافَ الْحَنَابِلَةُ: يُنْفَقُ الْمُوصَى بِهِ لِلْفَرَسِ الْحَبِيسِ لأِنَّهُ مَصْلَحَةٌ، فَإِنْ مَاتَ الْفَرَسُ الْحَبِيسُ رُدَّ الْمُوصَى بِهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ أُنْفِقَ مِنْهُ شَيْءٌ، أَوْ رُدَّ بَاقِيهِ عَلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي لأِنَّهُ لاَ مَصْرِفَ لَهُ.

وَإِنْ شَرَدَ الْفَرَسُ الْمُوصَى لَهُ أَوْ سُرِقَ أَوْ غُصِبَ انْتُظِرَ عَوْدُهُ، وَعِنْدَ عَدَمِ الْعَوْدِ رُدَّ الْمُوصَى بِهِ إِلَى الْوَرَثَةِ إِذْ لاَ مَصْرِفَ لَهُ .

د- الْوَصِيَّةُ لِلْعَبْدِ:

31 - وَصِيَّةُ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِعِتْقِهِ أَوْ بِمَالٍ لَهُ، وَالْوَصِيَّةُ بِالْمَالِ لَهُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِمُشَاعٍ أَوْ بِمُعَيَّنٍ كَمَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ قَدْ تَكُونُ لِعَبْدِهِ الْمَمْلُوكِ وَقَدْ تَكُونُ لِعَبْدِ غَيْرِهِ.

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (رِقّ ف 106).

هـ - الْوَصِيَّةُ لِجِهَةٍ عَامَّةٍ:

32 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ مِنْ مُسْلِمٍ لِجِهَةٍ عَامَّةٍ كَعِمَارَةِ مَسْجِدٍ إِنْشَاءً وَتَرْمِيمًا لأِنَّ هَا قُرْبَةٌ.

وَفِي مَعْنَى الْمَسْجِدِ الْمَدْرَسَةُ وَالرِّبَاطُ الْمُسْبَلُ وَالْخَانِقَاهُ وَالْقَنْطَرَةُ وَالسِّقَايَةُ .

وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ عَلَى أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ الْقُرْبَةُ، فَيَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِجِهَةٍ عَامَّةٍ مُبَاحَةٍ كَالْوَصِيَّةِ لِلأْغْنِيَاءِ  مَثَلاً .

كَمَا ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ) إِلَى أَنَّ وَصِيَّةَ الْمُسْلِمِ لِبِنَاءِ كَنِيسَةٍ أَوْ بِيعَةٍ لاَ تَجُوزُ لأِنَّ هَا مَعْصِيَةٌ.

وَفَصَّلَ الْحَنَفِيَّةُ فِي وَصِيَّةِ الذِّمِّيِّ بِثُلُثِ مَالِهِ لِلْكَنِيسَةِ أَوْ لِلْبِيعَةِ وَقَالُوا:

لَوْ أَوْصَى الذِّمِّيُّ بِثُلُثِ مَالِهِ لِلْبِيعَةِ أَوْ لِلْكَنِيسَةِ أَنْ يُنْفَقَ عَلَيْهَا فِي إِصْلاَحِهَا أَوْ أَوْصَى لِبَيْتِ النَّارِ أَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُذْبَحَ لِعِيدِهِمْ أَوْ لِلْبِيعَةِ أَوْ لِبَيْتِ النَّارِ ذَبِيحَةٌ جَازَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله  وَعِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ لاَ يَجُوزُ.

وَجُمْلَةُ الْكَلاَمِ فِي وَصَايَا أَهْلِ الذِّمَّةِ أَنَّهَا لاَ تَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُوصَى بِهِ أَمْرًا هُوَ قُرْبَةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ أَوْ يَكُونَ أَمْرًا هُوَ قُرْبَةٌ عِنْدَنَا لاَ عِنْدَهُمْ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَمْرًا هُوَ قُرْبَةٌ عِنْدَهُمْ لاَ عِنْدَنَا.

فَإِنْ كَانَ الْمُوصَى بِهِ شَيْئًا هُوَ قُرْبَةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ بِأَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ أَنْ يُتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ عَلَى فُقَرَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَوْ بِعِتْقِ الرِّقَابِ أَوْ بِعِمَارَةِ الْمَسْجِدِ الأْقْصَى وَنَحْوِ ذَلِكَ جَازَ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا، لأِنَّ  هَذَا مِمَّا يَتَقَرَّبُ بِهِ الْمُسْلِمُونَ وَأَهْلُ الذِّمَّةِ.

وَإِنْ كَانَ شَيْئًا هُوَ قُرْبَةٌ عِنْدَنَا وَلَيْسَ بِقُرْبَةٍ عِنْدَهُمْ بِأَنْ أَوْصَى بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ أَوْ أَوْصَى أَنْ يَبْنِيَ مَسْجِدًا لِلْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يُبَيِّنْ لاَ يَجُوزُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لأِنَّ هُمْ لاَ يَتَقَرَّبُونَ بِهِ فِيمَا بَيْنَهُمْ فَكَانَ مُسْتَهْزِئًا فِي وَصِيَّتِهِ وَالْوَصِيَّةُ يُبْطِلُهَا الْهَزْلُ.

وَإِنْ كَانَ شَيْئًا هُوَ قُرْبَةٌ عِنْدَهُمْ لاَ عِنْدَنَا بِأَنْ أَوْصَى بِأَرْضٍ لَهُ تُبْنَى بِيعَةً أَوْ كَنِيسَةً أَوْ بَيْتَ نَارٍ أَوْ بِعِمَارَةِ الْبِيعَةِ أَوِ الْكَنِيسَةِ أَوْ بَيْتِ النَّارِ أَوْ بِالذَّبْحِ لِعِيدِهِمْ أَوْ لِلْبِيعَةِ أَوْ لِبَيْتِ النَّارِ ذَبِيحَةً فَهُوَ عَلَى الاِخْتِلاَفِ الَّذِي ذَكَرْنَا أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله  يَجُوزُ، وَعِنْدَهُمَا لاَ يَجُوزُ.

وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِهَذِهِ الأْشْيَاءِ وَصِيَّةٌ بِمَا هُوَ مَعْصِيَةٌ وَالْوَصِيَّةُ بِالْمَعَاصِي لاَ تَصِحُّ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله  أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي وَصِيَّتِهِمْ مَا هُوَ قُرْبَةٌ عِنْدَهُمْ لاَ مَا هُوَ قُرْبَةٌ حَقِيقَةً لأِنَّ هُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ الْحَقِيقِيَّةِ وَلِهَذَا لَوْ أَوْصَى بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ عِنْدَنَا وَلَيْسَ بِقُرْبَةٍ عِنْدَهُمْ لَمْ تَجُزْ وَصِيَّتُهُ كَالْحَجِّ وَبِنَاءِ الْمَسْجِدِ لِلْمُسْلِمِينَ، فَدَلَّ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ مَا هُوَ قُرْبَةٌ عِنْدَهُمْ وَقَدْ وُجِدَ، وَلَكِنَّا أُمِرْنَا أَنْ لاَ نَتَعَرَّضَ لَهُمْ فِيمَا يَدِينُونَ كَمَا لاَ نَتَعَرَّضَ لَهُمْ فِي عِبَادَةِ الصَّلِيبِ وَبَيْعِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فِيمَا بَيْنَهُمْ .

و- الْوَصِيَّةُ لِلَّهِ تَعَالَى

32 م- يَرَى الشَّافِعِيَّةُ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِلَّهِ تَعَالَى، فَالْوَصِيَّةُ جَائِزَةٌ وَتُصْرَفُ فِي وُجُوهِ الْبِرِّ، وَبِقَوْلِ مُحَمَّدٍ يُفْتَى عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَيُصْرَفُ إِلَى الْفُقَرَاءِ عِنْدَهُمْ.

ز- الْوَصِيَّةُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ:

33 - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَأَبُو يُوسُفَ إِلَى أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى. يُصْرَفُ فِي الْغَزْوِ؛ لأِنَّهُ الْمَفْهُومُ شَرْعًا وَالْفَتْوَى عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ.

وَذَهَبَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَالْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ إِلَى أَنَّهَا تُصْرَفُ فِي الْحَجِّ أَيْضًا قَالَ مُحَمَّدٌ: لَوْ أَعْطَى حَاجًّا مُنْقَطِعًا جَازَ وَأَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَجْعَلَهُ فِي الْغَزْوِ.

ح- الْوَصِيَّةُ لأِعْمَالِ  الْبِرِّ وَوُجُوهِ الْخَيْرِ.

33 م- لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لأِعْمَالِ  الْبِرِّ قَالَ الْحَنَابِلَةُ -وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ-: يُصْرَفُ فِي الْقُرَبِ كُلِّهَا وَيُبْدَأُ بِالْغَزْوِ.

وَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ فِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ أَنَّ كُلَّ مَا لَيْسَ فِيهِ تَمْلِيكٌ فَهُوَ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ، حَتَّى يَجُوزَ صَرْفُهُ إِلَى عِمَارَةِ الْمَسْجِدِ وَسِرَاجِهِ، دُونَ تَزْيِينِهِ، وَلاَ يَجُوزُ الصَّرْفُ إِلَى بِنَاءِ السُّجُونِ.

وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ صَرْفُهُ إِلَى أَقَارِبِ الْمُوصِي، فَإِنْ لَمْ يُوجَدُوا فَإِلَى أَهْلِ الزَّكَاةِ، وَقَالَ فِي التَّهْذِيبِ: يَجُوزُ صَرْفُهُ إِلَى مَا فِيهِ صَلاَحُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ، وَإِصْلاَحِ الْقَنَاطِرِ وَسَدِّ الثُّغُورِ، وَدَفْنِ الْمَوْتَى وَغَيْرِهَا.

وَلَوْ أَوْصَى بِالثُّلُثِ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: يَصِحُّ وَيُصْرَفُ إِلَى الْقَنْطَرَةِ، أَوْ بِنَاءِ مَسْجِدٍ أَوْ طَلَبَةِ الْعِلْمِ.

وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ إِذَا أَوْصَى إِلَى جِهَةِ الْخَيْرِ، تُصْرَفُ عَلَى مَصَارِفِ الزَّكَاةِ وَلاَ يُبْنَى بِهَا مَسْجِدٌ وَلاَ رِبَاطٌ، وَإِنْ أَوْصَى إِلَى جِهَةِ الثَّوَابِ صُرِفَ إِلَى أَقَارِبِهِ.

وَلَوْ قَالَ: ضَعْ ثُلُثِي حَيْثُ أَرَاكَ اللَّهُ قَالَ الْحَنَابِلَةُ يَصِحُّ وَيُصْرَفُ فِي أَيِّ جِهَةٍ مِنْ جِهَاتِ الْقُرَبِ، وَالأْفْضَلُ  صَرْفُهُ إِلَى فُقَرَاءِ أَقَارِبِهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ قَالَ: ضَعْ ثُلُثِي حَيْثُ رَأَيْتَ أَوْ فِيمَا أَرَاكَ اللَّهُ فَالأْوْلَى  صَرْفُهُ إِلَى أَقَارِبِ الْمُوصِي الَّذِينَ لاَ يَرِثُونَهُ ثُمَّ إِلَى مَحَارِمِهِ مِنَ الرِّضَاعِ ثُمَّ إِلَى جِيرَانِهِ وَلَيْسَ لَهُ وَضْعُهُ فِي نَفْسِهِ .

رَابِعًا: أَنْ لاَ يَكُونَ الْمُوصَى لَهُ قَاتِلاً لِلْمُوصِي.

34 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْمُوصَى لَهُ غَيْرَ قَاتِلٍ لِلْمُوصِي:

فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي مُقَابِلِ الأْظْهَرِ  وَالثَّوْرِيُّ إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْمُوصَى لَهُ أَنْ لاَ يَكُونَ قَاتِلاً لِلْمُوصِي، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم «لَيْسَ لِقَاتِلٍ وَصِيَّةٌ» .

وَلأِنَّ  الْقَتْلَ يَمْنَعُ الْمِيرَاثَ الَّذِي هُوَ آكَدُ مِنَ الْوَصِيَّةِ فَالْوَصِيَّةُ أَوْلَى بِالْمَنْعِ، وَمُعَامَلَةً لَهُ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ، لِقَاعِدَةِ مَنِ اسْتَعْجَلَ شَيْئًا قَبْلَ أَوَانِهِ عُوقِبَ بِحِرْمَانِهِ.

وَالْقَتْلُ الْمَانِعُ مِنَ الْوَصِيَّةِ هُوَ الْقَتْلُ الْمَضْمُونُ بِقِصَاصٍ أَوْ دِيَةٍ أَوْ كَفَّارَةٍ وَلَوْ كَانَ خَطَأً، وَسَوَاءٌ كَانَ الْقَتْلُ مُبَاشَرَةً أَوْ تَسَبُّبًا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.

أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَيَشْتَرِطُونَ فِي الْقَتْلِ الْمَانِعِ مِنَ الْوَصِيَّةِ أَنْ يَكُونَ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَاشَرَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالْمُبَاشَرَةِ فَلاَ يَمْنَعُ الْوَصِيَّةَ وَالإْرْثَ  وَأَنْ يَكُونَ لِلْمُوصِي وَارِثٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُوصِي وَارِثٌ صَحَّتِ الْوَصِيَّةُ.

كَمَا يَشْتَرِطُونَ فِي الْقَاتِلِ أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُكَلَّفًا فَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لَهُ كَمَا لَوْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا.

وَلاَ يُفَرِّقُ الْحَنَفِيَّةُ بَيْنَ مَا إِذَا كَانَتِ الْوَصِيَّةُ قَبْلَ الْجُرْحِ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنَّ الْقَاتِلَ لاَ يَسْتَحِقُّ الْوَصِيَّةَ وَلَوْ أَوْصَى لَهُ الْمُوصِي بَعْدَ الْجُرْحِ.

قَالَ الْكَاسَانِيُّ: لَوِ اشْتَرَكَ عَشَرَةٌ فِي قَتْلِ رَجُلٍ فَأَوْصَى لِبَعْضِهِمْ بَعْدَ الْجِنَايَةِ لَمْ تَصِحَّ؛ لأَنَّ  كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَاتِلٌ عَلَى الْكَمَالِ حِينَ وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَكَانَتْ وَصِيَّةً لِقَاتِلِهِ فَلَمْ تَصِحَّ .

وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ إِنْ جَرَحَهُ ثُمَّ أَوْصَى لَهُ فَمَاتَ مِنَ الْجُرْحِ لَمْ تَبْطُلْ وَصِيَّتُهُ، لأِنَّ هَا صَدَرَتْ مِنْ أَهْلِهَا فِي مَحَلِّهَا وَلَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهَا مَا يُبْطِلُهَا، بِخِلاَفِ مَا إِذَا تَقَدَّمَتْ فَإِنَّ الْقَتْلَ طَرَأَ عَلَيْهَا فَأَبْطَلَهَا .

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْقَوْلِ الأْظْهَرِ  وَالْحَنَابِلَةُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ - اخْتَارَهَا ابْنُ حَامِدٍ - إِلَى أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْوَصِيَّةِ أَنْ يَكُونَ الْمُوصَى لَهُ غَيْرَ قَاتِلٍ لِلْمُوصِي سَوَاءٌ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً لأِنَّ  الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ بِعَقْدٍ فَأَشْبَهَتِ الْهِبَةَ وَخَالَفَتِ الإْرْثَ .

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: صَحَّ الإْيصَاءُ  مِنْ مَقْتُولٍ إِلَى قَاتِلِهِ سَوَاءٌ قَتَلَهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً إِذَا عَلِمَ الْمُوصِي بِسَبَبِ الْقَتْلِ، بِأَنْ عَلِمَ بِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي ضَرَبَهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً.

وَإِنْ لَمْ يَعْلَمِ الْمُوصِي بِالسَّبَبِ بِحَيْثُ لَمْ يَعْلَمْ ضَارِبَهُ فَأَوْصَى لَهُ بِشَيْءٍ فَتَأْوِيلاَنِ: أَحَدُهُمَا: صِحَّةُ الْوَصِيَّةِ لأِنَّ  الْوَصِيَّةَ بَعْدَ الضَّرْبِ فَلاَ يُتَّهَمُ الْمُوصَى لَهُ بِالاِسْتِعْجَالِ.

وَالآْخَرُ: عَدَمُ صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ لأِنَّ  الْمُوصِيَ لَوْ عَلِمَ أَنَّ هَذَا الْقَاتِلُ لَهُ لَمْ يُوصِ لَهُ؛ لأَنَّ  الشَّأْنَ أَنَّ الإْنْسَانَ  لاَ يُحْسِنُ لِمَنْ أَسَاءَ إِلَيْهِ.

قَالَ الدُّسُوقِيُّ: الظَّاهِرُ مِنَ التَّأْوِيلَيْنِ الثَّانِي وَهُوَ عَدَمُ الصِّحَّةِ.

وَلاَ يَدْخُلُ فِي التَّأْوِيلَيْنِ: أَعْطُوا مَنْ قَتَلَنِي لِصِحَّةِ الْوَصِيَّةِ اتِّفَاقًا.

وَقَالُوا: تَكُونُ الْوَصِيَّةُ فِي الْخَطَأِ فِي الْمَالِ وَالدِّيَةِ وَفِي الْعَمْدِ تَكُونُ فِي الْمَالِ فَقَطْ إِلاَّ أَنْ يَنْفُذَ مَقْتَلُهُ وَيَقْبَلَ وَارِثُهُ الدِّيَةَ وَيَعْلَمَ الْمَقْتُولَ فِيهَا فَتَكُونُ فِي الدِّيَةِ أَيْضًا .

خَامِسًا: أَنْ لاَ يَكُونَ الْمُوصَى لَهُ وَارِثًا عِنْدَ مَوْتِ الْمُوصِي:

35 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَلاَّ يَكُونَ الْمُوصَى لَهُ وَارِثًا لِلْمُوصِي عِنْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، إِذَا كَانَ هُنَاكَ وَارِثٌ آخَرُ لِقَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم : «إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَلاَ وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» .

وَقَوْلِه صلي الله عليه وسلم  أَيْضًا: «لاَ تَجُوزُ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ الْوَرَثَةُ»  وَلأِنَّ  فِي إِيثَارِ بَعْضِ الْوَرَثَةِ مِنْ غَيْرِ رِضَا الآْخَرِينَ ضَرَرًا يُؤَدِّي إِلَى الشِّقَاقِ وَالنِّزَاعِ، وَقَطْعِ الرَّحِمِ وَإِثَارَةِ الْبَغْضَاءِ وَالْحَسَدِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ.

وَمَعْنَى الأْحَادِيثِ  أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ لاَ تَنْفُذُ مَهْمَا كَانَ مِقْدَارُ الْمُوصَى بِهِ، إِلاَّ بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ.

36 - فَإِنْ أَجَازَ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ  وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الأْظْهَرِ  وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ) إِلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ صَحِيحَةٌ لِحَدِيثِ: «لاَ وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ إِلاَّ أَنْ يُجِيزَ الْوَرَثَةُ» .

وَلأِنَّهُ تَصَرُّفٌ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ فَصَحَّ كَمَا لَوْ أَوْصَى لأِجْنَبِيٍّ.

وَإِنْ أَجَازَهَا بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ، جَازَتْ فِي حِصَّةِ الْمُجِيزِ، وَبَطَلَتْ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يُجِزْ؛ لِوِلاَيَةِ الْمُجِيزِ عَلَى نَفْسِهِ دُونَ غَيْرِهِ .

وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَهُوَ مُقَابِلُ الأْظْهَرِ  عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَقَوْلٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ لِحَدِيثِ: «لاَ وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ»  فَإِنْ أَجَازَ الْوَرَثَةُ مَا أَوْصَى بِهِ لِلْوَارِثِ، فَعَطِيَّةٌ مُبْتَدَأَةٌ مِنْهُمْ، لاَ تَنْفِيذٌ لِوَصِيَّةِ الْمُوصِي فَلاَ بُدَّ مِنْ قَبُولِ الْمُوصَى لَهُ ثَانِيًا بَعْدَ الإْجَازَةِ، وَأَمَّا الْقَبُولُ الأْوَّلُ فَهُوَ كَالْعَدَمِ .

وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الإْجَازَةِ شَرْطَانِ:

الأْوَّلُ: أَنْ يَكُونَ الْمُجِيزُ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ: بِأَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلاً، غَيْرَ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ أَوْ عَتَهٍ أَوْ مَرَضِ مَوْتٍ فَلاَ تَصِحُّ الإْجَازَةُ مِنْ صَغِيرٍ أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ سَفِيهٍ وَلاَ مِنْ وَلِيِّهِمْ، وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ أَنْ يَكُونَ الْمُجِيزُ عَالِمًا بِالْمُوصَى بِهِ، فَلاَ تَصِحُّ عِنْدَهُمْ إِجَازَةُ وَارِثٍ لَمْ يَعْلَمْ بِمَا أَوْصَى بِهِ الْمُوصِي .

الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ الإْجَازَةُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ: فَلاَ عِبْرَةَ بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ حَالَ حَيَاةِ الْمُوصِي، فَلَوْ أَجَازُوهَا حَالَ حَيَاتِهِ، ثُمَّ رَدُّوهَا بَعْدَ وَفَاتِهِ، صَحَّ الرَّدُّ وَبَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِذَا أَوْصَى شَخْصٌ لِوَارِثٍ، أَوْ بِزَائِدٍ عَنِ الثُّلُثِ فِي صِحَّتِهِ أَوْ مَرَضِهِ، فَلِبَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ أَوِ الْوَارِثِ الإْجَازَةُ وَالرَّدُّ. فَإِنْ أَجَازَ حَالَ مَرَضِ الْمُوصِي لَزِمَتْهُ الإْجَازَةُ، فَلاَ رَدَّ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَتَلْزَمُهُ الإْجَازَةُ بِشُرُوطٍ خَمْسَةٍ: أَوَّلُهَا: كَوْنُ الإْجَازَةِ بِمَرَضِ الْمُوصِي الْمَخُوفِ سَوَاءٌ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ فِيهِ أَوْ فِي الصِّحَّةِ.

ثَانِيهَا: أَنْ لاَ يَصِحَّ الْمُوصِي بَعْدَ ذَلِكَ.

ثَالِثُهَا: أَنْ لاَ يَكُونَ مَعْذُورًا بِكَوْنِهِ فِي نَفَقَةِ الْمُوصَى أَوْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَهُ أَوْ خَائِفٌ مِنْ سَطْوَتِهِ.

رَابِعُهَا: أَنْ لاَ يَكُونَ الْمُجِيزُ مِمَّنْ يَجْهَلُ أَنَّ لَهُ الرَّدَّ وَالإْجَازَةَ.

خَامِسُهَا: أَنْ يَكُونَ الْمُجِيزُ رَشِيدًا، قَالَ الصَّاوِيُّ: لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْوَارِثَ أَنْ يُجِيزَ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّهُ إِذَا أَجَازَ وَصِيَّةَ مُوَرِّثِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ فِيمَا لَهُ فِيهِ الرَّدُّ بَعْدَهُ لَزِمَتْهُ تِلْكَ الإْجَازَةُ بِتِلْكَ الشُّرُوطِ سَوَاءٌ تَبَرَّعَ بِالإْجَازَةِ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ طَلَبَهَا مِنْهُ الْمُوصِي كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ شُيُوخِ عَبْدِ الْحَقِّ وَلَيْسَ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ الرَّدُّ مُتَمَسِّكًا بِأَنَّهُ مِنْ إِسْقَاطِ الشَّيْءِ قَبْلَ وُجُوبِهِ؛ لأِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ وُجِدَ سَبَبُ الْوُجُوبِ وَهُوَ الْمَرَضُ .

وَالْعِبْرَةُ بِكَوْنِهِ وَارِثًا بِالاِتِّفَاقِ هُوَ وَقْتُ مَوْتِ الْمُوصِي، لاَ وَقْتُ إِنْشَاءِ الْوَصِيَّةِ، لأِنَّ  الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إِلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَحُكْمُهُ يَثْبُتُ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَلَوْ كَانَ غَيْرَ وَارِثٍ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ، كَأَخٍ مَعَ وُجُودِ ابْنٍ، ثُمَّ صَارَ وَارِثًا بِأَمْرٍ حَادِثٍ عِنْدَ الْمَوْتِ كَأَنْ مَاتَ الاِبْنُ، صَارَتِ الْوَصِيَّةُ مَوْقُوفَةً، وَلَوْ كَانَ وَارِثًا عِنْدَ إِنْشَاءِ الْوَصِيَّةِ، ثُمَّ أَصْبَحَ عِنْدَ الْمَوْتِ غَيْرَ وَارِثٍ، بِسَبَبِ حَجْبِهِ مَثَلاً، كَأَنْ أَوْصَى لأِخٍ  وَلاَ وَلَدَ لَهُ، ثُمَّ وُلِدَ لَهُ، نَفَذَتِ الْوَصِيَّةُ؛ لأِنَّ  الْعِبْرَةَ فِي الإْرْثِ  وَعَدِمِهِ هُوَ وَقْتُ وَفَاةِ الْمُوصِي، وَلأِنَّ  هَذَا الْوَقْتَ هُوَ أَوَانُ ثُبُوتِ حُكْمِ الْوَصِيَّةِ الَّذِي هُوَ ثُبُوتُ مِلْكِ الْمُوصَى بِهِ .

الْوَصِيَّةُ لِبَعْضِ الأْشْخَاصِ  وَالأْشْيَاءِ:

تَرِدُ فِي بَعْضِ الْوَصَايَا عِبَارَاتٌ تَتَعَلَّقُ بِالْمُوصَى لَهُ وَقَدْ يَخْتَلِفُ الْمَقْصُودُ بِهَا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ، وَبَيَانُ الْمُرَادِ بِهَا عِنْدَهُمْ فِيمَا يَلِي:

أ- الْوَصِيَّةُ لِلْجِيرَانِ:

37 - مَنْ أَوْصَى لِجِيرَانِهِ، فَهُمُ الْمُلاَصِقُونَ لَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، لأِنَّ  الْجِوَارَ هُوَ الْقُرْبُ، وَحَقِيقَةُ ذَلِكَ فِي الْمُلاَصِقِ، وَمَا بَعْدَهُ بَعِيدٌ. وَقَالَ الصَّاحِبَانِ اسْتِحْسَانًا. هُمُ الْمُلاَصِقُونَ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ يَسْكُنُ مَحَلَّةَ الْمُوصِي، وَيَجْمَعُهُمْ مَسْجِدُ الْمَحَلَّةِ لأِنَّ  هَؤُلاَءِ كُلَّهُمْ يُسَمَّوْنَ جِيرَانًا عُرْفًا وَقَدْ تَأَيَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم : «لاَ صَلاَةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إِلاَّ فِي الْمَسْجِدِ»  وَفُسِّرَ بِكُلِّ مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ وَلأِنَّ  الْمَقْصِدَ بِرُّ الْجِيرَانِ وَاسْتِحْبَابُهُ يَنْتَظِمُ الْمُلاَصِقَ وَغَيْرَهُ إِلاَّ أَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ الاِخْتِلاَطِ وَذَلِكَ عِنْدَ اتِّحَادِ الْمَسْجِدِ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: تَشْمَلُ الْوَصِيَّةُ جِيرَانَهُ الْمُلاَصِقِينَ لَهُ مِنَ الْجِهَاتِ السِّتِّ (الأَْرْبَعِ، وَالْعُلُوِّ وَالسُّفْلِ) وَالْجِيرَانَ الْمُقَابِلِينَ لَهُ إِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا زُقَاقٌ أَوْ شَارِعٌ صَغِيرٌ لاَ سُوقٌ أَوْ نَهَرٌ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْمَذْهَبِ وَالْحَنَابِلَةُ: هُمْ أَرْبَعُونَ دَارًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ مِنْ جَوَانِبِ الدَّارِ الأْرْبَعَةِ ، لِحَدِيثِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم : «السَّاكِنُ مِنْ أَرْبَعِينَ دَارًا جَارٌ. قَالَ يُونُسُ: فَقُلْتُ لاِبْنِ شِهَابٍ: وَكَيْفَ أَرْبَعُونَ دَارًا؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ عَنْ يَمِينِهِ، وَعَنْ يَسَارِهِ وَخَلْفَهُ وَبَيْنَ يَدَيْهِ» .

وَجِيرَانُ الْمَسْجِدِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى الرَّاجِحِ كَجِيرَانِ الدَّارِ.

وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: مَنْ يَسْمَعُ النِّدَاءَ  لِحَدِيثِ «لاَ صَلاَةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إِلاَّ فِي الْمَسْجِدِ».

ب- الْوَصِيَّةُ لِلأْقَارِبِ:

38 - مَنْ أَوْصَى لأِقْرِبَائِهِ، فَالْوَصِيَّةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِلأْقْرَبِ  فَالأْقْرَبِ  مِنْ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ، سَوَاءٌ الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ، وَلاَ يَدْخُلُ فِيهِمُ الْوَالِدَانِ وَالْوَلَدُ؛ لأِنَّ هُمْ لاَ يُسَمَّوْنَ أَقَارِبَ وَيَكُونُ ذَلِكَ لاِثْنَيْنِ فَصَاعِدًا، لأِنَّ  الْوَصِيَّةَ أَخَفُّ مِنَ الْمِيرَاثِ،  وَفِي الْمِيرَاثِ يُعْتَبَرُ الأْقْرَبُ  فَالأْقْرَبُ ، وَالْمَقْصِدُ مِنْ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ تَلاَفِي مَا فُرِّطَ فِي إِقَامَةِ وَاجِبِ الصِّلَةِ وَهُوَ يَخْتَصُّ بِذِي رَحِمٍ مَحْرِمٍ.

وَقَالَ الصَّاحِبَانِ: أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: الْوَصِيَّةُ لِكُلِّ مَنْ يُنْسَبُ إِلَى أَقْصَى أَبٍ لَهُ فِي الإْسْلاَمِ  وَهُوَ أَوَّلُ أَبٍ أَسْلَمَ أَوْ أَوَّلُ أَبٍ أَدْرَكَ الإْسْلاَمَ  وَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ، لأِنَّ  الْقَرِيبَ مُنْشَقٌّ مِنَ الْقَرَابَةِ، فَيَكُونُ اسْمًا لِمَنْ قَامَتْ بِهِ.

وَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى لِذَوِي قَرَابَتِهِ أَوْ قِرَابَاتِهِ أَوْ لأِنْسِبَائِهِ أَوْ لأِرْحَامِهِ أَوْ لِذَوِي أَرْحَامِهِ فَلَهَا نَفْسُ الْحُكْمِ .

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِأَقَارِبِ أَبِيهِ غَيْرِ الْوَرَثَةِ، إِنْ كَانَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ فِي الْوَصِيَّةِ أَقَارِبُ أُمِّهِ .

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ كُلُّ قُرَابَةٍ لَهُ، وَإِنْ بَعُدَتْ، عَمَلاً بِعُمُومِ اللَّفْظِ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا، غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا، إِلاَّ الأْصْلَ (الأْبَ وَالأْمَّ فَقَطْ) وَالْفَرْعَ (أَوْلاَدَ الصُّلْبِ فَقَطْ) فَلاَ يَدْخُلاَنِ فِي الأْصَحِّ  عِنْدَهُمْ وَلاَ يُسَمَّوْنَ أَقَارِبَ عُرْفًا .

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ لِلْقَرَابَةِ الذَّكَرُ وَالأْنْثَى مِنْ أَوْلاَدِهِ وَأَوْلاَدِ أَبِيهِ وَأَوْلاَدِ جَدِّهِ وَأَوْلاَدِ جَدِّ أَبِيهِ، أَرْبَعَةُ آبَاءٍ فَقَطْ، لأِنَّ  النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم  لَمْ يُجَاوِزْ بَنِي هَاشِمٍ بِهِمْ ذَوِي الْقُرْبَى فَلَمْ يُعْطِ مِنْهُ لِمَنْ هُوَ أَبْعَدُ كَبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَبَنِي نَوْفَلٍ شَيْئًا  وَيَسْتَوِي فِي الْوَصِيَّةِ لِلْقَرَابَةِ الذَّكَرُ وَالأْنْثَى  وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ وَالْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ، لِعُمُومِ الْقَرَابَةِ لَهُمْ وَلاَ يَدْخُلُ فِي الْقَرَابَةِ كَافِرُهُمْ أَوْ مَنْ يُخَالِفُ دِينُهُ دِينَهُمْ وَلاَ تَدْخُلُ فِي الْقَرَابَةِ أُمُّهُ وَلاَ قَرَابَتُهُ مِنْ قِبَلِهَا، لأِنَّهُ صلي الله عليه وسلم  لَمْ يُعْطِ مِنْ سَهْمِ ذَوِي الْقُرْبَى قَرَابَتَهُ مِنْ جِهَةِ أُمِّهِ شَيْئًا إِلاَّ أَنْ يَكُونَ فِي لَفْظِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى إِرَادَةِ ذَلِكَ، وَنَصُّوا عَلَى أَنَّ أَهْلَ بَيْتِهِ وَقَوْمَهُ وَنُسَبَاءَهُ وَأَهْلَهُ، وَآلَهُ كَقَرَابَتِهِ، وَذَوِي رَحِمِهِ: قَرَابَتُهُ مِنْ جِهَةِ أَبَوَيْهِ وَلَوْ جَاوَزُوا أَرْبَعَةَ آبَاءٍ، فَيُصْرَفُ إِلَى كُلِّ مَنْ يَرِثُ بِفَرْضٍ أَوْ عُصْبَةٍ أَوْ بِالرَّحِمِ .

ج- الْوَصِيَّةُ لأِقْرَبِ  الأْقَارِبِ:

39 - وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنْ أَوْصَى لأِقْرَبِ  أَقَارِبِهِ يَدْخُلُ فِيهِ الأْصْلُ  وَالْفَرْعُ، وَالأْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ تَقْدِيمُ ابْنٍ وَإِنْ سَفَلَ عَلَى أَبٍ لأِنَّهُ أَقْوَى إِرْثًا وَتَعْصِيبًا، وَتَقْدِيمُ أَخٍ سَوَاءٌ كَانَ لأِبَوَيْنِ أَوْ لأِبٍ أَوْ لأِمٍّ عَلَى جَدٍّ لأِبٍ وَأُمٍّ لِقُوَّةِ جِهَةِ الْبُنُوَّةِ عَلَى جِهَةِ الأْبُوَّةِ وَلاَ يُرَجَّحُ بِذُكُورَةٍ وَوِرَاثَةٍ بَلْ يَسْتَوِي الأْبُ  وَالأْمُّ  وَالاِبْنُ وَالْبِنْتُ وَالأْخُ وَالأْخْتُ كَمَا يَسْتَوِي الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ .

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنْ وَصَّى لأِقْرَبِ  قَرَابَتِهِ فَالأْبُ  وَالاِبْنُ سَوَاءٌ، وَأَخٌ لأِبَوَيْنِ أَوْ لأِبٍ  وَجَدٌّ سَوَاءٌ، وَالأْخُ مِنَ الأْبِ  وَالأْخُ مِنَ الأْمِّ سَوَاءٌ، وَأَخٌ مِنْ أَبَوَيْنِ أَوْلَى مِنْ أَخٍ لأِبٍ  وَأَخٍ لأِمٍّ  - وَكُلُّ مَنْ قُدِّمَ عَلَى غَيْرِهِ قُدِّمَ وَلَدُهُ فَيُقَدَّمُ ابْنُ أَخِ الأْبَوَيْنِ عَلَى ابْنِ أَخٍ لأِبٍ  إِلاَّ الْجَدَّ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى بَنِي أُخْوَتِهِ وَإِلاَّ أَخَاهُ لأِبِيهِ  فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ لأِبَوَيْهِ: وَيُقَدَّمُ الاِبْنُ عَلَى الْجَدِّ، وَالأْبُ  عَلَى ابْنِ الاِبْنِ .

د- الْوَصِيَّةُ لِلأْصْهَارِ وَالأْخْتَانِ  وَالآْلِ:

40 - نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ مَنْ أَوْصَى لأِصْهَارِهِ، فَالْوَصِيَّةُ عِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ لِكُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنَ امْرَأَتِهِ (الْعَصَبَاتُ وَالأْرْحَامُ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم  لَمَّا تَزَوَّجَ جُوَيْرِيَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ رضي الله عنها أَعْتَقَ كُلَّ مَنْ مَلَكَ مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا إِكْرَامًا لَهَا»، وَكَانُوا يُسَمَّوْنَ أَصْهَارَ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم  .

وَكَذَا يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ زَوْجَةِ أَبِيهِ، وَزَوْجَةِ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ، لأِنَّ  الْكُلَّ أَصْهَارٌ بِشَرْطِ مَوْتِهِ وَهِيَ مَنْكُوحَتُهُ، أَوْ مُعْتَدَّتُهُ مِنْ طَلاَقٍ رَجْعِيٍّ، وَلَوْ مِنْ طَلاَقٍ بَائِنٍ لاَ يَسْتَحِقُّهَا.

وَمَنْ أَوْصَى لأِخْتَانِهِ فَالْوَصِيَّةُ لِزَوْجِ كُلِّ ذَاتِ رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ، كَزَوْجِ الْبِنْتِ وَالأْخْتِ وَالْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ لأِنَّ  الْكُلَّ يُسَمَّى خَتَنًا وَكَذَا مَحَارِمُ الأْزْوَاجِ، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: قِيلَ هَذَا فِي عُرْفِهِمْ، وَفِي عُرْفِنَا الصِّهْرُ أَبُو الْمَرْأَةِ وَأُمُّهَا وَالْخَتَنُ زَوْجُ الْمَحْرَمِ فَقَطْ .

وَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا أَوْصَى بِكَذَا لآِلِهِ فَهِيَ لآِلِ بَنِيهِ وَقَبِيلَتِهِ الَّتِي يُنْسَبُ إِلَيْهِ مِنْ قِبَلِ آبَائِهِ إِلَى أَقْصَى أَبٍ لَهُ فِي الإْسْلاَمِ ، الأْقْرَبُ وَالأْبْعَدُ وَالذَّكَرُ وَالأْنْثَى  وَالْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ فِيهِ سَوَاءٌ، وَيَدْخُلُ فِيهِ أَبُوهُ وَجَدُّهُ وَابْنُهُ وَزَوْجَتُهُ إِذَا كَانَتْ مِنْ قَوْمِ أَبِيهِ إِذَا كَانُوا لاَ يَرِثُونَهُ.

وَنَصُّوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى لِجِنْسِهِ أَوْ أَهْلِ بَيْتِهِ أَوْ أَهْلِ نَسَبِهِ فَحُكْمُهُ كَحُكْمِ مَا لَوْ أَوْصَى لآِلِهِ .

(ر: آل ف3).

هـ - الْوَصِيَّةُ لِلْعُلَمَاءِ:

41 - لَوْ أَوْصَى لِلْعُلَمَاءِ أَوْ لأِهْلِ  الْعِلْمِ فَيَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّهَا لأِصْحَابِ عُلُومِ الشَّرْعِ وَهُمْ أَهْلُ الْفِقْهِ وَأَهْلُ الْحَدِيثِ.

وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَهْلَ التَّفْسِيرِ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنَّ الْوَصِيَّةَ بِذَلِكَ تَشْمَلُ مَنِ اتَّصَفَ بِالْعِلْمِ .

الْوَصِيَّةُ لِغَيْرِ الْمُسْلِمِ

42 - لاَ يُشْتَرَطُ إِسْلاَمُ الْمُوصَى لَهُ لِصِحَّةِ الْوَصِيَّةِ لَهُ فِي الْجُمْلَةِ فَتَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِغَيْرِ الْمُسْلِمِ فِي الْجُمْلَةِ، وَغَيْرُ الْمُسْلِمِ يَشْمَلُ الذِّمِّيَّ، وَالْمُسْتَأْمَنَ، وَالْحَرْبِيَّ، وَالْمُرْتَدَّ، وَنُفَصِّلُ أَحْكَامَ كُلٍّ فِيمَا يَلِي:

أ- الْوَصِيَّةُ لِلذِّمِّيِّ:

43 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِلذِّمِّيِّ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُوصِي مُسْلِمًا أَمْ كَافِرًا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ) إِلاَّ أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا)  قَالَ مُحَمَّدُ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ وَعَطَاءٌ وَقَتَادَةُ: إِنَّ ذَلِكَ هُوَ وَصِيَّةُ الْمُسْلِمِ لِلْيَهُودِيِّ.

وَرُوِيَ أَنَّ صَفِيَّةَ رضي الله عنها أَوْصَتْ لاِبْنِ أَخِيهَا بِأَلْفِ دِينَارٍ وَكَانَ يَهُودِيًّا .

وَاشْتَرَطَ الْحَنَابِلَةُ لِصِحَّةِ الْوَصِيَّةِ لِلذِّمِّيِّ أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا، أَمَّا غَيْرُ الْمُعَيَّنِ كَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَنَحْوِهِمْ فَلاَ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لَهُمْ .

وَلَمْ يَشْتَرِطِ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ لِصِحَّةِ الْوَصِيَّةِ هَذَا الشَّرْطَ، فَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِعَامَّةِ النَّصَارَى أَوْ لِعَامَّةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَوْ نَحْوِهِمْ .

وَقَيَّدَ ابْنُ رُشْدٍ جَوَازَ الْوَصِيَّةِ بِكَوْنِهَا ذَاتَ سَبَبٍ مِنْ جِوَارٍ أَوْ قَرَابَةٍ أَوْ يَدٍ سَبَقَتْ لَهُمْ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ ذَاتَ سَبَبٍ فَالْوَصِيَّةُ لِلذِّمِّيِّ مَحْظُورَةٌ .

ب - الْوَصِيَّةُ لِلْحَرْبِيِّ:

44 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ لِلْحَرْبِيِّ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْوَالٍ:

فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأْصَحِّ  وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ إِلَى أَنَّهُ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِلْحَرْبِيِّ الْمُعَيَّنِ، وَلَوْ كَانَ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ بِقِيَاسِ الْوَصِيَّةِ عَلَى الْهِبَةِ، وَبِمَا وَرَدَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم  أَعْطَى عُمَرَ حُلَّةً مِنْ حَرِيرٍ فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَسَوْتَنِيهَا وَقَدْ قُلْتَ فِي حُلَّةِ عُطَارِدٍ مَا قُلْتَ؟ فَقَالَ: إِنِّي لَمْ أَكْسُكَهَا لِتَلْبَسَهَا، فَكَسَاهَا عُمَرُ أَخًا لَهُ مُشْرِكًا بِمَكَّةَ»  «وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: أَتَتْنِي أُمِّي رَاغِبَةً - تَعْنِي الإْسْلاَمَ  - فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم  فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم  آصِلُهَا؟ قَالَ: نَعَمْ»  وَهَذَانِ فِيهِمَا صِلَةُ أَهْلِ الْحَرْبِ وَبِرُّهُمْ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ وَالإْمَامُ  مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ إِلَى جَوَازِ الْوَصِيَّةِ لِلْحَرْبِيِّ مُطْلَقًا.

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَذْهَبِ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي مُقَابِلِ الأْصَحِّ  وَالْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ: لاَ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِلْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ) لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ. (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) فَيَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَنْ قَاتَلَنَا لاَ يَحِلُّ بِرُّهُ .

ج- الْوَصِيَّةُ لِلْمُسْتَأْمَنِ:

45 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ (الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالْمَالِكِيَّةُ) إِلَى جَوَازِ الْوَصِيَّةِ لِلْمُسْتَأْمَنِ.

وَقَيَّدَ الْحَنَابِلَةُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ جَوَازَ الْوَصِيَّةِ لِلْكَافِرِ بِمَا إِذَا كَانَ مُعَيَّنًا .

د- الْوَصِيَّةُ لِلْمُرْتَدِّ:

46 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ لِلْمُرْتَدِّ فَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي مُقَابِلِ الأْصَحِّ  وَالْحَنَابِلَةُ فِي وَجْهٍ أَنَّهُ لاَ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِلْمُرْتَدِّ.

وَعَلَّلَ الشَّافِعِيَّةُ عَدَمَ صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ لِلْمُرْتَدِّ لِلأْمْرِ  بِقَتْلِهِ فَلاَ مَعْنَى لِلْوَصِيَّةِ لَهُ.

وَعَلَّلَ الْحَنَابِلَةُ هَذَا الْحُكْمَ بِأَنَّ مِلْكَ الْمُرْتَدِّ زَائِلٌ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأْصَحِّ  وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ إِلَى أَنَّهُ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِلْمُرْتَدِّ الْمُعَيَّنِ، أَمَّا غَيْرُ الْمُعَيَّنِ فَلاَ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لَهُ.

وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيَّةُ مِنْ جَوَازِ الْوَصِيَّةِ لِلْمُرْتَدِّ مَا إِذَا لَحِقَ الْمُرْتَدُّ بِدَارِ الْحَرْبِ وَامْتَنَعَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَيْثُ قَالُوا: لاَ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لَهُ قَطْعًا .

الرُّكْنُ الرَّابِعُ: الْمُوصَى بِهِ:

الْمُوصَى بِهِ وَهُوَ مَا أَوْصَى بِهِ الْمُوصِي مِنْ مَالٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ وَيُشْتَرَطُ لِلْمُوصَى بِهِ شُرُوطٌ هِيَ:

أَوَّلاً: أَنْ يَكُونَ الْمُوصَى بِهِ مَالاً.

47 - يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُوصَى بِهِ مَالاً لأِنَّ  الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ، وَلاَ يُمَلَّكُ غَيْرُ الْمَالِ. وَالْمَالُ الْمُوصَى بِهِ: يَشْمَلُ الأْمْوَالَ  النَّقْدِيَّةَ وَالْعَيْنِيَّةَ وَالدُّيُونَ الَّتِي فِي ذِمَّةِ الْغَيْرِ وَالْحُقُوقَ الْمُقَدَّرَةَ بِمَالٍ وَهِيَ حُقُوقُ الاِرْتِفَاقِ مِنْ مَالٍ وَشُرْبٍ وَمَسِيلٍ، وَالْمَنَافِعَ كَسُكْنَى الدَّارِ وَزِرَاعَةِ الأْرْضِ  وَغَلَّةِ الْبُسْتَانِ الَّتِي سَتَحْدُثُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ وَإِجَارَتُهُ .

لأِنَّ  الْمُوصِيَ لَمَّا مَلَكَ تَمْلِيكَهَا حَالَ حَيَاتِهِ بِعَقْدِ الإْجَارَةِ  وَالإْعَارَةِ فَلأَنْ  يَمْلِكَ بِعَقْدِ الْوَصِيَّةِ أَوْلَى لأِنَّهُ أَوْسَعُ الْعُقُودِ، أَلاَ تَرَى أَنَّهَا تَحْتَمِلُ مَا لاَ يَحْتَمِلُهُ سَائِرُ الْعُقُودِ مِنْ عَدَمِ الْمَحَلِّ وَالْخَطَرِ وَالْجَهَالَةِ، ثُمَّ لَمَّا جَازَ تَمْلِيكُهَا بِبَعْضِ الْعُقُودِ فَلأَنْ  يَجُوزَ بِهَذَا الْعَقْدِ أَوْلَى .

وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَابْنُ شُبْرُمَةَ: لاَ تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِالْمَنَافِعِ لأِنَّ  الْوَصِيَّةَ بِالْمَنَافِعِ وَصِيَّةٌ بِمَالِ الْوَارِثِ، لأِنَّ  نَفَاذَ الْوَصِيَّةِ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَعِنْدَ الْمَوْتِ تَحْصُلُ الْمَنَافِعُ عَلَى مِلْكِ الْوَرَثَةِ لأِنَّ  الرَّقَبَةَ مِلْكُهُمْ، وَمِلْكُ الْمَنَافِعِ تَابِعٌ لِمِلْكِ الرَّقَبَةِ فَكَانَتِ الْمَنَافِعُ مِلْكَهُمْ لأِنَّ  الرَّقَبَةَ مِلْكُهُمْ فَكَانَتِ الْوَصِيَّةُ بِالْمَنَافِعِ وَصِيَّةً مِنْ مَالِ الْوَارِثِ فَلاَ تَصِحُّ، وَلأِنَّ  الْوَصِيَّةَ بِالْمَنَافِعِ فِي مَعْنَى الإْعَارَةِ إِذِ الإْعَارَةُ  تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَالْوَصِيَّةُ بِالْمَنْفَعَةِ كَذَلِكَ وَالْعَارِيَةُ تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمُعِيرِ، فَالْمَوْتُ لَمَّا أَثَّرَ فِي بُطْلاَنِ الْعَقْدِ عَلَى الْمَنْفَعَةِ بَعْدَ صِحَّتِهِ فَلأَنْ  يَمْنَعَ مِنَ الصِّحَّةِ أَوْلَى لأِنَّ  الْمَنْعَ أَسْهَلُ مِنَ الرَّفْعِ .

وَإِذَا لَمْ يَكُنِ الْمُوصَى بِهِ مَالاً كَالدَّمِ وَالْمَيْتَةِ وَجِلْدِهَا قَبْلَ الدِّبَاغِ بَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ؛ لأِنَّهُ لَيْسَ مَحَلًّا لِلْمِلْكِ.

وَأَجَازَ الشَّافِعِيَّةُ الْوَصِيَّةَ بِجِلْدِ مَيْتَةٍ قَابِلٍ لِلدِّبَاغِ، وَمَيْتَةٍ تَصْلُحُ طُعْمًا لِلْجَوَارِحِ .

(ر: ف58).

ثَانِيًا: أَنْ يَكُونَ الْمُوصَى بِهِ مُتَقَوِّمًا فِي عُرْفِ الشَّرْعِ:

48 - لاَ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ مِنْ مُسْلِمٍ وَلاَ لِمُسْلِمٍ بِمَالٍ غَيْرِ مُتَقَوِّمٍ، أَيْ لاَ يَجُوزُ شَرْعًا الاِنْتِفَاعُ بِهِ، كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ وَالسِّبَاعِ الَّتِي لاَ تَصْلُحُ لِلصَّيْدِ، لِعَدَمِ نَفْعِهَا وَتَقَوُّمِهَا، وَلأِنَّ هَا لاَ تُمْلَكُ أَصْلاً بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسْلِمِ.

وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهَا مِنْ نَصْرَانِيٍّ لِمِثْلِهِ لِتَقَوُّمِهَا فِي اعْتِقَادِهِ. وَلاَ تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِمَا لاَ يَقْبَلُ النَّقْلَ كَالْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ وَحَقِّ الشُّفْعَةِ.

وَتَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِالْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ وَالسِّبَاعِ الَّتِي تَصْلُحُ لِلصَّيْدِ، لِتَقَوُّمِهَا وَلأِنَّ هَا مَضْمُونَةٌ بِالإْتْلاَفِ ، وَيَجُوزُ بَيْعُهَا وَهِبَتُهَا وَبِهَذَا عَلَّلَهُ الْحَنَفِيَّةُ.

وَلأِنَّ  فِيهَا نَفْعًا مُبَاحًا، وَتُقَرُّ الْيَدُ عَلَيْهَا، وَالْوَصِيَّةُ تَبَرُّعٌ، فَصَحَّتْ فِي غَيْرِ الْمَالِ كَالْمَالِ.

وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِزَيْتٍ مُتَنَجِّسٍ لِغَيْرِ مَسْجِدٍ، لأِنَّ  فِيهِ نَفْعًا مُبَاحًا، وَهُوَ الاِسْتِصْبَاحُ بِهِ، وَلاَ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهِ لِمَسْجِدٍ، لأِنَّهُ لاَ يَجُوزُ الاِسْتِصْبَاحُ بِهِ فِيهِ.

وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ بِنَحْوِ زِبْلٍ يُنْتَفَعُ بِهِ كَسَمَادٍ.

وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِإِنَاءِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ؛ لأِنَّهُ مَالٌ يُبَاحُ الاِنْتِفَاعُ بِهِ فِي غَيْرِ حَالِ الاِسْتِعْمَالِ، بِجَعْلِهِ حُلِيًّا لِلنِّسَاءِ أَوْ بَيْعِهِ وَنَحْوِهِمَا .

ثَالِثًا: أَنْ يَكُونَ الْمُوصَى بِهِ قَابِلاً لِلتَّمْلِيكِ:

49 - اشْتَرَطَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْقَوْلِ الْمُقَابِلِ بِالأْصَحِّ  أَنْ يَكُونَ الْمُوصَى بِهِ قَابِلاً لِلتَّمْلِيكِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصَى بِعَقْدٍ مِنَ الْعُقُودِ مَالاً أَوْ نَفْعًا مَوْجُودًا لِلْحَالِ أَوْ مَعْدُومًا، فَالْوَصِيَّةُ بِمَا تُثْمِرُ نَخِيلُهُ الْعَامَ أَوْ أَبَدًا تَجُوزُ وَإِنْ كَانَ الْمُوصَى بِهِ مَعْدُومًا؛ لأِنَّهُ يَقْبَلُ التَّمْلِيكَ حَالَ حَيَاةِ الْمُوصِي بِعَقْدِ الْمُسَاقَاةِ، أَمَّا الْوَصِيَّةُ بِمَا تَلِدُهُ أَغْنَامُهُ فَإِنَّهَا لاَ تَجُوزُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ اسْتِحْسَانًا لأِنَّهُ لاَ يَقْبَلُ التَّمْلِيكَ فِي حَالِ حَيَاةِ الْمُوصِي بِعَقْدٍ مِنَ الْعُقُودِ.

وَلاَ يُشْتَرَطُ وُجُودُ الْمُوصَى بِهِ فِي الْحَالِ، وَيَجُوزُ عِنْدَهُمُ الْوَصِيَّةُ بِخِدْمَةِ أَجِيرِهِ وَسُكْنَى دَارِهِ .

وَقَالَ الْجُمْهُورُ: تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِالْمَعْدُومِ مُطْلَقًا، كَالْوَصِيَّةِ بِثَمَرَةٍ أَوْ حَمْلٍ سَيَحْدُثَانِ لأِنَّ  الْوَصِيَّةَ احْتُمِلَ فِيهَا وُجُوهٌ مِنَ الْغَرَرِ رِفْقًا بِالنَّاسِ وَتَوْسِعَةً فَتَصِحُّ بِالْمَعْدُومِ كَمَا تَصِحُّ بِالْمَجْهُولِ، وَلأِنَّ  الْمَعْدُومَ يَصِحُّ تَمَلُّكُهُ بِعَقْدِ السَّلَمِ وَالْمُسَاقَاةِ وَالإْجَارَةِ  فَكَذَا بِالْوَصِيَّةِ .

وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِالْمَجْهُولِ كَشَاةٍ مِنْ غَنَمِهِ وَثَوْبٍ مِنْ أَثْوَابِهِ؛ لأِنَّ  الْمُوصَى لَهُ شَبِيهٌ بِالْوَارِثِ مِنْ جِهَةِ انْتِقَالِ شَيْءٍ مِنَ التَّرِكَةِ إِلَيْهِ مَجَّانًا، وَالْجَهَالَةُ لاَ تَمْنَعُ الإْرْثَ  فَلاَ تَمْنَعُ الْوَصِيَّةَ كَمَا اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ الْوَصِيَّةِ بِمَا لاَ يُقْدَرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ كَطَيْرِهِ الطَّائِرِ أَوْ بَعِيرِهِ الشَّارِدِ لأِنَّ  الْمُوصَى لَهُ يَخْلُفُ الْمَيِّتَ فِي ثُلُثِهِ، كَمَا يَخْلُفُهُ الْوَارِثُ فِي ثُلُثِهِ، فَلَمَّا جَازَ أَنْ يَخْلُفَ الْوَارِثُ الْمَيِّتَ فِي هَذِهِ الأْشْيَاءِ، جَازَ أَنْ يَخْلُفَهُ الْمُوصَى لَهُ.

وَلأِنَّ  الْوَصِيَّةَ إِذَا صَحَّتْ بِالْمَعْدُومِ فَمَا لاَ يُقْدَرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ أَوْلَى.

وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِالْمُشَاعِ وَالْمَقْسُومِ مُطْلَقًا؛ لأِنَّ  الإْيصَاءَ  تَمْلِيكُ جُزْءٍ مِنْ مَالِهِ، فَجَازَ فِي الْمُشَاعِ وَالْمَقْسُومِ كَالْبَيْعِ .

وَالَّذِي أَجَازَهُ الْحَنَفِيَّةُ مِنَ الْوَصِيَّةِ بِمَا يَقْبَلُ التَّمْلِيكَ، يُشْتَرَطُ وُجُودُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَكِنَّ وَقْتَ وُجُودِهِ يَخْتَلِفُ عِنْدَهُمْ بِحَسَبِ نَوْعِ الْمَالِ:

فَإِنْ كَانَ الْمَالُ مُعَيَّنًا بِالذَّاتِ، كَدَارٍ مُعَيَّنَةٍ وَمَزْرَعَةٍ مُعَيَّنَةٍ، فَيُشْتَرَطُ وُجُودُهُ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ.

وَإِنْ كَانَ شَائِعًا فِي كُلِّ الْمَالِ، كَالْوَصِيَّةِ بِثُلُثِ مَالِهِ أَوْ رُبُعِهِ، فَالشَّرْطُ وُجُودُهُ عِنْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، لأِنَّهُ وَقْتُ تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ.

وَإِنْ كَانَ شَائِعًا فِي بَعْضِ الْمَالِ، كَالْوَصِيَّةِ بِثُلُثِ غَنَمِهِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ غَنَمٌ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ، اشْتُرِطَ وُجُودُهُ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ، كَالنَّوْعِ الأْوَّلِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَنَمٌ أَصْلاً وَقْتَ الْوَصِيَّةِ، فَهُوَ كَالشَّائِعِ فِي كُلِّ الْمَالِ، يُعْتَبَرُ فِيهِ الْمَوْجُودُ عِنْدَ الْمَوْتِ؛ لأِنَّهُ لَيْسَ شَيْئًا مُعَيَّنًا حَتَّى تَتَقَيَّدَ بِهِ الْوَصِيَّةُ .

رَابِعًا: أَنْ يَكُونَ الْمُوصَى بِهِ مَمْلُوكًا لِلْمُوصِي:

50 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ - قَطَعَ بِهِ الْغَزَالِيُّ - وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْوَصِيَّةِ أَنْ يَكُونَ الْمُوصَى بِهِ الْمُعَيَّنُ مِلْكًا لِلْمُوصِي حِين الْوَصِيَّةِ، فَلاَ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِمَالِ الْغَيْرِ وَلَوْ مَلَكَهُ الْمُوصِي بَعْدَ الْوَصِيَّةِ لِفَسَادِ الصِّيغَةِ بِإِضَافَةِ الْحَالِ إِلَى غَيْرِهِ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْوَجْهِ الآْخَرِ -وَقَالَ عَنْهُ النَّوَوِيُّ: هُوَ أَفْقَهُ وَأَجْرَى عَلَى قَوَاعِدِ الْبَابِ - وَالْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْوَصِيَّةِ أَنْ يَكُونَ الْمُوصَى بِهِ مِلْكًا لِلْمُوصِي حِينَ الْوَصِيَّةِ لأِنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ فُضُولِيًّا، وَوَصِيَّةُ الْفُضُولِيِّ مُنْعَقِدَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى إِجَازَةِ الْمَالِكِ؛ فَإِنْ أَجَازَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ سَلَّمَهَا وَإِنْ شَاءَ لَمْ يُسَلِّمْ كَالْهِبَةِ .

وَصَرَّحَ الْفُقَهَاءُ بِأَنَّهُ لاَ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِلْكَافِرِ بِمَا لاَ يَصِحُّ تَمَلُّكُهُ لَهُ كَالْمُصْحَفِ وَالْعَبْدِ الْمُسْلِمِ وَالسَّيْفِ وَالرُّمْحِ وَسَائِرِ السِّلاَحِ .

خَامِسًا: أَلاَّ يَكُونَ الْمُوصَى بِهِ مَعْصِيَةً أَوْ مُحَرَّمًا شَرْعًا:

51 - الْقَصْدُ مِنَ الْوَصِيَّةِ تَدَارُكُ مَا فَاتَ فِي حَالِ الْحَيَاةِ مِنَ الإِْحْسَانِ، فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُوصَى بِهِ مَعْصِيَةً .

مَا يُشْتَرَطُ لِنَفَاذِ الْوَصِيَّةِ فِي الْمُوصَى بِهِ:

52 - يُشْتَرَطُ لِنَفَاذِ الْوَصِيَّةِ فِي الْمُوصَى بِهِ شَرْطَانِ:

أَوَّلاً: أَلاَّ يَكُونَ مُسْتَغْرَقًا بِالدَّيْنِ: لأِنَّ  الدُّيُونَ مُقَدَّمَةٌ فِي وُجُوبِ الْوَفَاءِ بِهَا عَلَى الْوَصِيَّةِ، بَعْدَ تَجْهِيزِ الْمَيِّتِ وَتَكْفِينِهِ. إِلاَّ أَنَّهُ إِذَا أَبْرَأَهُ الْغُرَمَاءُ مِنَ الدَّيْنِ فَيَنْفُذُ، بِهَذَا قَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ .

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: مُسْتَغْرَقُ الذِّمَّةِ لاَ تَنْعَقِدُ وَصِيَّتُهُ، لأِنَّ  مِنْ شُرُوطِ الْوَصِيَّةِ أَنْ يَكُونَ الْمُوصِي مَالِكًا .

ثَانِيًا: أَلاَّ يَكُونَ الْمُوصَى بِهِ زَائِدًا عَلَى ثُلُثِ التَّرِكَةِ إِذَا كَانَ لِلْمُوصِي وَارِثٌ، لِقَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم  فِي حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: «الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ» .

وَتَكُونُ الزِّيَادَةُ عَنِ الثُّلُثِ مَوْقُوفَةً عَلَى إِجَازَةِ الْوَرَثَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ (الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ وَالْمَالِكِيَّةِ فِي قَوْلٍ)، فَإِنْ أَجَازَ الْوَرَثَةُ الزَّائِدَ عَنِ الثُّلُثِ لأِجْنَبِيٍّ، نَفَذَتِ الْوَصِيَّةُ، وَإِنْ رَدُّوا الزِّيَادَةَ بَطَلَتْ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ كَذَلِكَ إِلَى بُطْلاَنِ الْوَصِيَّةِ بِالزَّائِدِ عَنِ الثُّلُثِ .

وَإِنْ أَجَازَ بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ، نَفَذَتِ الْوَصِيَّةُ فِي حِصَّةِ الْمُجِيزِ فَقَطْ، وَبَطَلَتْ فِي حِصَّةِ غَيْرِهِ، أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُوصِي وَارِثٌ، فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ بِأَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ، تَكُونُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ صَحِيحَةً نَافِذَةً، وَلَوْ كَانَ الْمُوصَى بِهِ جَمِيعَ الْمَالِ؛ لأِنَّ  الْمَانِعَ مِنْ نَفَاذِ الْوَصِيَّةِ فِي الزَّائِدِ عَنِ الثُّلُثِ إِنَّمَا هُوَ تَعَلُّقُ حَقِّ الْوَرَثَةِ بِتِلْكَ الزِّيَادَةِ، فَلاَ تَنْفُذُ إِلاَّ بِرِضَاهُمْ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ وَرَثَةٌ، لَمْ يَبْقَ حَقٌّ لأِحَدٍ  .

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا أَوْصَى بِمَا زَادَ عَنِ الثُّلُثِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ بَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ فِيمَا زَادَ عَنِ الثُّلُثِ؛ لأِنَّ  مَالَهُ مِيرَاثٌ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلاَ مُجِيزَ لَهُ مِنْهُمْ فَبَطَلَتْ، وَإِنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ مَوْقُوفَةً عَلَى إِجَازَتِهِ وَرَدِّهِ، فَإِنْ رَدَّهَا رَجَعَتِ الْوَصِيَّةُ إِلَى الثُّلُثِ، وَإِنْ أَجَازَهَا صَحَّتْ، وَتَكُونُ الْوَصِيَّةُ بِالزَّائِدِ عَنِ الثُّلُثِ بَاطِلَةً عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ .

وَيُعْتَبَرُ الزَّائِدُ عَنِ الثُّلُثِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي الْمَذْهَبِ وَالْحَنَابِلَةِ عِنْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، لأِنَّ  الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يَوْمَ التَّنْفِيذِ لاَ يَوْمَ الْمَوْتِ، وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يُعْتَبَرُ الثُّلُثُ يَوْمَ الْوَصِيَّةِ كَمَا لَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِثُلُثِ مَالِهِ يُعْتَبَرُ يَوْمَ النَّذْرِ .

تَكْيِيفُ إِجَازَةِ الْوَرَثَةِ:

53 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَكْيِيفِ إِجَازَةِ الْوَرَثَةِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا تَنْفِيذًا لِوَصِيَّةِ الْمُوصِي، أَوْ هِبَةً مُبْتَدَأَةً مِنْ قِبَلِ الْمُجِيزِينَ عَلَى قَوْلَيْنِ.

فَقَدْ نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الصَّحِيحِ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي قَوْلٍ إِلَى أَنَّ كُلَّ مَا جَازَ بِإِجَازَةِ الْوَارِثِ يَتَمَلَّكُهُ الْمُجَازُ لَهُ مِنْ قِبَلِ الْمُوصِي، لأِنَّ  السَّبَبَ صَدَرَ مِنَ الْمُوصِي وَالإْجَازَةُ رَفْعُ الْمَانِعِ، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْقَبْضِ  فَصَارَ كَالْمُرْتَهِنِ إِذَا أَجَازَ بَيْعَ الرَّهْنِ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ، وَالشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ وَالْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ كَذَلِكَ أَنَّهَا عَطِيَّةٌ مُبْتَدَأَةٌ مِنْ قِبَلِ الْوَارِثِ، فَيُعْتَبَرُ فِيهَا شُرُوطُ الْهِبَةِ .

أَحْكَامٌ تَتَعَلَّقُ بِالْمُوصَى بِهِ:

هُنَاكَ أَحْكَامٌ تَتَعَلَّقُ بِالْمُوصَى بِهِ:

أ- الْوَصِيَّةُ بِسَهْمٍ مِنَ الْمَالِ:

54 - مَنْ أَوْصَى بِسَهْمٍ مِنْ مَالِهِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ عَلَى أَقْوَالٍ:

الْقَوْلُ الأْوَّلُ: يَكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ السُّدُسُ إِنْ كَانَتِ الْفَرِيضَةُ أَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَسْهُمٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ.

الْقَوْلُ الثَّانِي: لِلْمُوصَى لَهُ كَأَقَلِّ سِهَامِ الْوَرَثَةِ مَا لَمْ يَزِدْ عَلَى الثُّلُثِ، فَإِنْ زَادَ أُعْطِيَ الثُّلُثَ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيِّ.

الْقَوْلُ الثَّالِثُ: لِلْمُوصَى لَهُ سَهْمٌ مِمَّا تَصِحُّ مِنْهُ الْمَسْأَلَةُ مَا لَمْ يَزِدْ عَلَى السُّدُسِ، وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَاتِ الثَّلاَثِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.

الْقَوْلُ الرَّابِعُ: لِلْمُوصَى لَهُ مِثْلُ نَصِيبِ أَقَلِّ الْوَرَثَةِ مَا لَمْ يَزِدْ عَلَى السُّدُسِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ اخْتَارَهَا الْخَلاَّلُ وَصَاحِبُهُ .

الْقَوْلُ الْخَامِسُ: وَهُوَ قَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ وَلَهُمْ تَفْصِيلٌ:

قَالَ الدَّرْدِيرُ: إِنْ أَوْصَى لِشَخْصٍ بِجُزْءٍ مِنْ مَالِهِ، كَقَوْلِهِ: أَوْصَيْتُ لِزَيْدٍ بِجُزْءٍ مِنْ مَالِي أَوْ قَالَ: أَوْصَيْتُ لَهُ بِسَهْمٍ مِنْ مَالِي فَبِسَهْمٍ يُحَاسَبُ بِهِ وَيَأْخُذُهُ مِنْ فَرِيضَتِهِ إِنْ لَمْ تَكُنِ الْمَسْأَلَةُ عَائِلَةً، كَقَوْلِ امْرَأَةٍ: أَوْصَيْتُ لِفُلاَنٍ بِجُزْءٍ مِنْ مَالِي، وَمَاتَتْ عَنْ زَوْجٍ وَأُمٍّ، فَيَأْخُذُ وَاحِدًا مِنْ سِتَّةٍ ثُمَّ يُقَسَّمُ الْبَاقِي عَلَى الْوَرَثَةِ. أَوْ كَانَتِ الْمَسْأَلَةُ عَائِلَةً فَيَأْخُذُ سَهْمًا مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ حَيْثُ عَالَتِ الأْرْبَعَةُ  وَالْعِشْرُونَ؛ لأِنَّ  الْعَوْلَ مِنْ جُمْلَةِ التَّأْصِيلِ. فَالْوَصِيَّةُ تُقَدَّمُ عَلَى الإْرْثِ  ثُمَّ يُقَسَّمُ عَلَى الْوَرَثَةِ الْبَاقِي، فَالضَّرَرُ يَدْخُلُ عَنِ الْجَمِيعِ. فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ فَرِيضَةٌ - بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وِرَاثٌ - فَهَلْ لَهُ سَهْمٌ مِنْ سِتَّةٍ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، أَوْ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ ؟

الْقَوْلُ السَّادِسُ: لِلشَّافِعِيَّةِ وَهُمْ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْوَصِيَّةِ بِالسَّهْمِ وَبَيْنَ الْوَصِيَّةِ بِجُزْءِ مَا شَابَهَهُ مِنْ أَلْفَاظٍ .

ب - الْوَصِيَّةُ بِجُزْءٍ أَوْ حَظٍّ مِنَ الْمَالِ:

55 - إِذَا أَوْصَى الْمُوصِي رَجُلاً بِجُزْءٍ مِنْ مَالِهِ أَوْ بِنَصِيبٍ مِنْ مَالِهِ أَوْ بِطَائِفَةٍ مِنْ مَالِهِ أَوْ بِبَعْضٍ أَوْ بِشِقْصٍ مِنْ مَالِهِ، فَإِنْ بَيَّنَ فِي حَيَاتِهِ شَيْئًا وَإِلاَّ أَعْطَاهُ الْوَرَثَةُ بَعْدَ مَوْتِهِ مَا شَاءُوا، لأِنَّ  هَذِهِ الأْلْفَاظَ  تَحْتَمِلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ فَيَصِحُّ الْبَيَانُ فِيهِ مَا دَامَ حَيًّا، وَمِنْ وَرَثَتِهِ إِذَا مَاتَ لأِنَّ هُمْ قَائِمُونَ مَقَامَهُ.

وَهَذَا قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ  وَأَمَّا قَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ فَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ عِنْدَ الْكَلاَمِ عَنِ الْوَصِيَّةِ بِسَهْمٍ مِنَ الْمَالِ .

ج - الْوَصِيَّةُ بِشَاةٍ أَوْ بِدَابَّةٍ أَوْ بِكَلْبٍ وَنَحْوِهِ:

56 - قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنْ أَوْصَى لَهُ بِشَاةٍ وَأَطْلَقَ جَازَ أَنْ يُدْفَعَ لِلْمُوصَى لَهُ الصَّغِيرَةُ الْجِسْمِ وَكَبِيرَتُهَا وَالضَّأْنُ وَالْمَعْزُ، لأِنَّ  اسْمَ الشَّاةِ يَقَعُ عَلَيْهَا وَكَذَا الذَّكَرُ فِي الأْصَحِّ  يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الشَّاةِ إِنْ لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى الْمُرَادِ، لأِنَّ  الشَّاةَ اسْمُ جِنْسٍ كَإِنْسَانٍ وَلَيْسَتِ التَّاءُ فِيهِ لِلتَّأْنِيثِ بَلْ لِلْوَحْدَةِ كَحَمَامٍ وَحَمَامَةٍ وَلِهَذَا يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، أَمَّا إِذَا قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى الْمُرَادِ كَأَنْ يَقُولَ: أَوْصَيْتُ لَهُ بِشَاةٍ تَنْزُو عَلَى غَنَمِهِ أَوْ تَيْسًا أَوْ كَبْشًا فَتَعَيَّنَ الذَّكَرُ، أَوْ قَالَ: أَوْصَيْتُ لَهُ شَاةً يَحْلِبُهَا أَوْ يَنْتَفِعُ بَدَرِّهَا وَنَسْلِهَا أَوْ نَعْجَةً تَعَيَّنَ الأْنْثَى، أَوْ قَالَ: أَوْصَيْتُ لَهُ بِشَاةٍ يَنْتَفِعُ بِصُوفِهَا تَعَيَّنَ الضَّأْنُ أَوْ بِشَعَرِهَا تَعَيَّنَ الْمَعْزُ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ فِي الأْرْجَحِ: تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِمَجْهُولٍ وَيُعْطَى مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الاِسْمُ لأِنَّهُ مُقْتَضَى اللَّفْظِ، فَإِنِ اخْتَلَفَ الاِسْمُ بِالْحَقِيقَةِ الْوَضْعِيَّةِ وَالْعُرْفِ كَالشَّاةِ الَّتِي هِيَ فِي الْحَقِيقَةِ لِلذَّكَرِ وَالأْنْثَى  مِنَ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ وَالتَّاءُ فِيهَا لِلْوَحْدَةِ وَفِي الْعُرْفِ هِيَ لِلأْنْثَى  الْكَبِيرَةِ مِنَ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ غُلِّبَ الْعُرْفُ كَالأْيْمَانِ، لأِنَّ  الظَّاهِرَ إِرَادَتُهُ، وَلأِنَّهُ لَوْ خُوطِبَ قَوْمٌ بِشَيْءٍ لَهُمْ فِيهِ عُرْفٌ وَحَمَلُوهُ عَلَى عُرْفِهِمْ لَمْ يُعَدُّوا مُخَالِفِينَ.

وَإِنْ أَوْصَى بِدَابَّةٍ أُعْطِيَ الْمُوصَى لَهُ فَرَسًا أَوْ بَغْلاً أَوْ حِمَارًا، عَمَلاً بِالْعُرْفِ وَالْعَادَةِ. وَإِنْ أَوْصَى بِكَلْبٍ وَنَحْوِهِ وَلاَ كَلْبَ لَهُ، فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ، كَمَا ذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ؛ لأِنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُ كَلْبٌ، وَلاَ يُمْكِنُ أَنْ يُشْتَرَى، فَبَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ عِنْدَهُمْ.

وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِمَا فِيهِ نَفْعٌ مُبَاحٌ، مِنْ كَلْبِ صَيْدٍ وَحَرْثٍ وَمَاشِيَةٍ، وَلاَ تَجُوزُ بِمَا لاَ يَحِلُّ الاِنْتِفَاعُ بِهِ كَالْكَلْبِ الْعَقُورِ وَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ . (انْظُرْ مُصْطَلَحَ كَلْب ف 6)

د - الْوَصِيَّةُ بِطَبْلٍ:

57 - إِنْ وَصَّى لِشَخْصٍ بِطَبْلٍ مِنْ طُبُولِهِ، وَلَيْسَ لَهُ إِلاَّ طُبُولُ الْحَرْبِ، أُعْطِيَ وَاحِدًا مِنْهَا.

أَمَّا طُبُولُ اللَّهْوِ فَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِطَبْلٍ مِنْهَا إِنْ صَلَحَ لِمَنْفَعَةٍ مُبَاحَةٍ؛ لأِنَّهُ يُمْكِنُ الاِنْتِفَاعُ بِهِ فِي مُبَاحٍ، فَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ لَهَا كَانَتِ الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةً؛ لأِنَّ هَا وَصِيَّةٌ بِمُحَرَّمٍ .

الْوَصِيَّةُ بِالْحُقُوقِ:

65 - تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِحُقُوقِ الاِرْتِفَاقِ الَّتِي تَنْتَقِلُ بِالإْرْثِ، كَحَقِّ الشُّرْبِ وَالْمَسِيلِ وَالْمَجْرَى، وَالتَّعَلِّي، وَحَقِّ الْخُلُوِّ وَنَحْوِهَا .

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (ارْتِفَاق ف 7 وَمَا بَعْدَهَا).

ز- الْوَصِيَّةُ بِمَا يَتَضَمَّنُ قِسْمَةَ التَّرِكَةِ:

66 - إِذَا أَوْصَى شَخْصٌ بِوَصِيَّةٍ تَتَضَمَّنُ قِسْمَةَ التَّرِكَةِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ، فَلِلْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ:

فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِكُلِّ وَارِثٍ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ شَائِعًا مِنْ نِصْفٍ أَوْ غَيْرِهِ كَأَنْ أَوْصَى لِكُلٍّ مِنْ بَنِيهِ الثَّلاَثَةِ بِثُلُثِ مَالِهِ فَتَكُونُ الْوَصِيَّةُ لَغْوًا، لأِنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ بِغَيْرِ الْوَصِيَّةِ.

وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ لِكُلِّ وَارِثٍ بِعَيْنٍ هِيَ قَدْرُ حِصَّتِهِ كَأَنْ أَوْصَى لأِحَدِ  ابْنَيْهِ بِدَارٍ قِيمَتُهَا أَلْفٌ وَلِلآْخَرِ بِبُسْتَانٍ قِيمَتُهُ أَلْفٌ وَهُمَا كُلُّ مَا يَمْلِكُهُ فَصَحِيحَةٌ وَلَكِنْ تَفْتَقِرُ إِلَى الإْجَازَةِ فِي الأْصَحِّ  عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لاِخْتِلاَفِ الأْغْرَاضِ  بِالأْعْيَانِ  وَمَنَافِعِهَا، وَهَذَا هُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الْحَنَابِلَةِ.

وَمُقَابِلُ الأْصَحِّ  عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لاَ يَفْتَقِرُ إِلَى إِجَازَةِ الْوَرَثَةِ، لأِنَّ  حُقُوقَهُمْ فِي قِيمَةِ التَّرِكَةِ لاَ فِي عَيْنِهَا .

ثُبُوتُ مِلْكِيَّةِ الْمُوصَى بِهِ وَوَقْتُ الثُّبُوتِ:

67 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ عَلَى أَقْوَالٍ بَيَانُهَا فِيمَا يَلِي:

ذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي قَوْلٍ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ كَذَلِكَ إِلَى أَنَّ الْمُوصَى لَهُ الْمُعَيَّنَ لاَ يَمْلِكُ الْمُوصَى بِهِ إِلاَّ بِالْقَبُولِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، فَإِذَا قَبِلَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي ثَبَتَ الْمِلْكُ لَهُ مِنْ حِينِ الْقَبُولِ.

وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ النَّمَاءَ الْمُنْفَصِلَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصَى وَقَبْلَ الْقَبُولِ كَالثَّمَرَةِ وَالنِّتَاجِ وَالْكَسْبِ يَكُونُ لِلْوَرَثَةِ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي الرَّاجِحِ وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَوَجْهٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ الْمُوصَى لَهُ إِذَا قَبِلَ الْوَصِيَّةَ يَمْلِكُ الْمُوصَى بِهِ مِنْ وَقْتِ مَوْتِ الْمُوصِي.

وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ النَّمَاءَ الْمُنْفَصِلَ الْحَاصِلَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي يَكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأْظْهَرِ  إِلَى أَنَّ ثُبُوتَ الْمِلْكِ فِي الْمُوصَى بِهِ يَكُونُ مَوْقُوفًا عَلَى قَبُولِ الْمُوصَى لَهُ الْوَصِيَّةَ أَوْ رَدِّهَا.

فَإِنْ قَبِلَ الْمُوصَى لَهُ بَانَ أَنَّهُ مَلَكَ الْوَصِيَّةَ بِالْمَوْتِ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَانَ أَنَّهَا لِلْوَارِثِ.

وَلَوْ رَدَّ الْمُوصَى لَهُ الْوَصِيَّةَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي فَعَلَى الْقَوْلِ الأْظْهَرِ  لَهُ الثَّمَرَةُ وَعَلَيْهِ النَّفَقَةُ، وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ الآْخَرَيْنِ لاَ ثَمَرَةَ لَهُ وَلاَ نَفَقَةَ عَلَيْهِ .

مَا يُعْتَبَرُ مِنَ الثُّلُثِ:

68 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ التَّبَرُّعَاتِ الَّتِي أَوْصَى بِهَا الشَّخْصُ قَبْلَ مَوْتِهِ، وَمِنْهَا الْوَصَايَا، تَنْفُذُ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ الْبَاقِي بَعْدَ أَدَاءِ نَفَقَاتِ التَّكْفِينِ وَالتَّجْهِيزِ، وَوَفَاءِ دُيُونِ الْعِبَادِ كَالدِّيَةِ وَالْقَرْضِ، لاَ مِنْ ثُلُثِ أَصْلِ الْمَالِ.

أَمَّا دُيُونُ اللَّهِ تَعَالَى كَنَفَقَةِ حَجَّةِ الْفَرِيضَةِ وَزَكَاةٍ وَنَذْرٍ وَكَفَّارَةٍ، فَتُخْرَجُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ فَقَطْ، وَتُؤَدَّى عِنْدَ الْجُمْهُورِ مِنْ رَأْسِ مَالِ التَّرِكَةِ، لاَ مِنَ الثُّلُثِ فَقَطْ .

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (إِرْث ف 7 وَمَا بَعْدَهَا)

مُبْطِلاَتُ الْوَصِيَّةِ:

تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ بِمَا يَأْتِي:

أ - زَوَالُ أَهْلِيَّةِ الْمُوصِي بِالْجُنُونِ الْمُطْبِقِ وَنَحْوِهِ:

69 - تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ بِالْجُنُونِ الْمُطْبِقِ وَنَحْوِهِ كَالْعَتَهِ الطَّارِئِ عَلَى الْمُوصِي، سَوَاءٌ اتَّصَلَ بِالْمَوْتِ أَوْ لَمْ يَتَّصِلْ بِأَنْ أَفَاقَ قَبْلَ الْمَوْتِ، لأِنَّ  الْوَصِيَّةَ عَقْدٌ غَيْرُ لاَزِمٍ كَالْوَكَالَةِ، فَيَكُونُ لِبَقَائِهِ حُكْمُ الإْنْشَاءِ  كَالْوَكَالَةِ فَتُعْتَبَرُ أَهْلِيَّةُ الْعَقْدِ إِلَى وَقْتِ الْمَوْتِ، كَمَا تُعْتَبَرُ أَهْلِيَّةُ الآْمِرِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ، وَلَمَّا كَانَ الْمَجْنُونُ غَيْرَ أَهْلٍ لإِنْشَاءِ  الْوَصِيَّةِ فِي الاِبْتِدَاءِ؛ لأِنَّ  قَوْلَهُ غَيْرُ مُلْزِمٍ، كَانَ طُرُوءُ الْجُنُونِ الْمُطْبِقِ مُبْطِلاً لَهُ.

وَالْجُنُونُ الْمُطْبِقُ: مَا دَامَ شَهْرًا فَأَكْثَرَ، وَهُوَ رَأْيُ أَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ: هُوَ مَا امْتَدَّ سَنَةً.

فَإِنْ لَمْ يُطْبِقِ الْجُنُونُ لاَ تَبْطُلِ الْوَصِيَّةُ؛ لأِنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يُشْبِهُ الإْغْمَاءَ ، وَلَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ لاَ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ، لأِنَّ  الإْغْمَاءَ  لاَ يُزِيلُ الْعَقْلَ.

وَيُؤْخَذُ مِنْ عِبَارَاتِ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَنَّ طُرُوءَ الْجُنُونِ الطَّارِئِ غَيْرِ الْمُمْتَدِّ عَلَى الْمُوصِي لاَ يُبْطِلُ الْوَصِيَّةَ.

قَالَ ابْنُ جُزَيٍّ: لاَ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ مِنَ الْمَجْنُونِ إِلاَّ حَالَ إِفَاقَتِهِ.

وَقَالَ الْبُهُوتِيُّ: تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ فِي إِفَاقَةِ مَنْ يُخْنَقُ فِي بَعْضِ الأْحْيَانِ، لأِنَّهُ فِي إِفَاقَتِهِ عَاقِلٌ .

وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ بَعْدَ أَنْ أَوْضَحَ أَنَّ الْمُبَرْسَمَ لاَ تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ، لَكِنْ إِنْ كَانَ يُفِيقُ أَحْيَانًا فَأَوْصَى حَالَ إِفَاقَتِهِ فَإِنَّهَا تَصِحُّ لأِنَّهُ حِينَئِذٍ فِي حُكْمِ الْعُقَلاَءِ فِي شَهَادَتِهِ وَوُجُوبِ الْعِبَادَةِ عَلَيْهِ .

وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ طُرُوءَ الْجُنُونِ عَلَى الْمُوصِي لاَ يُبْطِلُ الْوَصِيَّةَ، لأِنَّ هَا إِذَا لَمْ تَبْطُلْ بِالْمَوْتِ فَأَوْلَى أَنْ لاَ تَبْطُلَ بِمَا دُونَهُ .

ب - رِدَّةُ الْمُوصِي:

70 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَبْطُلُ بِرِدَّةِ الْمُوصِي.

وَأَضَافَ الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ الْمُوصِيَ إِذَا رَجَعَ لِلإْسْلاَمِ بَعْدَ رِدَّتِهِ إِنْ كَانَتْ وَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةً جَازَتْ وَإِلاَّ فَلاَ .

ج - رِدَّةُ الْمُوصَى لَهُ:

71 - يَرَى الشَّافِعِيَّةُ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لاَ تَبْطُلُ بِرِدَّةِ الْمُوصَى لَهُ. وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَذْهَبِ إِلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَبْطُلُ بِرِدَّةِ الْمُوصَى لَهُ .

د - الرُّجُوعُ عَنِ الْوَصِيَّةِ:

72 - تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ بِالرُّجُوعِ عَنْهَا، لأِنَّ هَا عَقْدٌ غَيْرُ لاَزِمٍ، فَيَجُوزُ لِلْمُوصِي الرُّجُوعُ فِيهَا مَتَى شَاءَ؛ لأِنَّ  الَّذِي وُجِدَ مِنْهُ الإْيجَابُ  فَقَطْ، وَلأِنَّ هَا عَقْدٌ لاَ يَثْبُتُ حُكْمُهُ إِلاَّ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، فَلاَ يَتَرَتَّبُ عَلَى الإْيجَابِ  أَيُّ حَقٍّ لِلْمُوصَى لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ، فَيَكُونُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الإْمْضَاءِ وَالرُّجُوعِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: «يُغَيِّرُ الرَّجُلُ مَا شَاءَ مِنْ وَصِيَّتِهِ». وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَالزُّهْرِيُّ وَقَتَادَةُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.

وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَابْنُ سِيرِينَ وَابْنُ شُبْرُمَةَ وَالنَّخَعِيُّ: يُغَيِّرُ مِنْهَا مَا شَاءَ إِلاَّ الْعِتْقَ لأِنَّهُ إِعْتَاقٌ بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَمْ يَمْلِكْ تَغْيِيرَهُ كَالتَّدْبِيرِ .

 وَالرُّجُوعُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ صَرِيحًا أَوْ دَلاَلَةً.

فَالرُّجُوعُ الصَّرِيحُ: مَا كَانَ بِلَفْظٍ هُوَ نَصٌّ فِي الرُّجُوعِ، مِثْلُ قَوْلِ الْمُوصِي: رَجَعْتُ عَنْ وَصِيَّتِي لِفُلاَنٍ، أَوْ تَرَكْتُهَا، أَوْ أَبْطَلْتُهَا، أَوْ نَقَضْتُهَا، أَوْ مَا أَوْصَيْتُ بِهِ لِفُلاَنٍ هُوَ لِوَرَثَتِي وَنَحْوُهُ. وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛ لأِنَّهُ صَرِيحٌ فِي عُدُولِ الْمُوصِي عَنْ وَصِيَّتِهِ، وَهُوَ يَمْلِكُ الْعُدُولَ مَتَى شَاءَ .

وَالرُّجُوعُ دَلاَلَةً: كُلُّ تَصَرُّفٍ أَوْ فِعْلٍ فِي الْمُوصَى بِهِ يُفِيدُ رُجُوعَهُ عَنِ الْوَصِيَّةِ، وَهُوَ يَشْمَلُ مَا يَأْتِي:

أَوَّلاً: كُلُّ تَصَرُّفٍ قَوْلِيٍّ يُخْرِجُ الْعَيْنَ عَنْ مِلْكِ الْمُوصِي يُعَدُّ رُجُوعًا، كَأَنْ يَبِيعَ الشَّيْءَ الْمُوصَى بِهِ أَوْ يَهَبَهُ أَوْ يَتَصَدَّقَ بِهِ، أَوْ يَجْعَلَهُ مَهْرًا أَوْ وَقْفًا، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ثَانِيًا: كُلُّ فِعْلٍ فِي الْعَيْنِ الْمُوصَى بِهَا يَدُلُّ عَلَى الرُّجُوعِ عَنِ الْوَصِيَّةِ، كَذَبْحِ الشَّاةِ الْمُوصَى بِهَا، وَغَزْلِ الْقُطْنِ الْمُوصَى بِهِ، وَنَسْجِ الْغَزْلِ .

أَمَّا لَوْ تَصَرَّفَ الْمُوصِي فِي الْمُوصَى بِهِ تَصَرُّفًا يُزِيلُ اسْمَهُ فَيُعَدُّ رُجُوعًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.

كَمَا لَوْ قَالَ: أَوْصَيْتُ لِزَيْدٍ بِهَذِهِ الْغِرَارَةِ الْحِنْطَةِ فَطَحَنَهَا فَصَارَ اسْمُهَا دَقِيقًا، أَوْ وَصَّى لإِنْسَانٍ  بِشَيْءٍ مِنْ غَزْلٍ فَنَسَجَ الْغَزَلَ فَصَارَ يُسَمَّى ثَوْبًا، أَوْ بَنَى الْحَجَرَ أَوِ الآْجُرَّ الْمُوصَى بِهِ فَصَارَ حَائِطًا أَوْ دَارًا، أَوْ غَرَسَ نَوًى مُوصًى بِهِ فَصَارَ شَجَرًا، أَوْ نَجَرَ الْخَشَبَةَ الْمُوصَى بِهَا فَصَارَتْ بَابًا، أَوْ أَعَادَ دَارًا انْهَدَمَتْ، أَوْ جَعَلَهَا حَمَّامًا، أَوْ كَانَ سَفِينَةً فَتَكَسَّرَتْ وَصَارَ اسْمُهَا خَشَبًا فَرُجُوعٌ فِي الْجَمِيعِ .

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ فِي مَعْرِضِ الْكَلاَمِ عَنِ الرُّجُوعِ دَلاَلَةً: كُلُّ فِعْلٍ لَوْ فَعَلَهُ الإْنْسَانُ  فِي مِلْكِ الْغَيْرِ يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الْمَالِكِ، فَإِذَا فَعَلَهُ الْمُوصِي كَانَ رُجُوعًا، وَكَذَا كُلُّ فِعْلٍ يُوجِبُ زِيَادَةً فِي الْمُوصَى بِهِ لاَ يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ إِلاَّ بِهَا فَهُوَ رُجُوعٌ إِذَا فَعَلَهُ، وَكَذَا كُلُّ تَصَرُّفٍ أَوْجَبَ زَوَالَ مِلْكِ الْمُوصِي فَهُوَ رُجُوعٌ .

هـ - رَدُّ الْوَصِيَّةِ:

73 - تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ إِذَا رَدَّهَا الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ وَفَاةِ الْمُوصِي، كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ الْكَلاَمِ عَنْ صِيغَةِ الْوَصِيَّةِ (ر: ف9 - 11).

و - مَوْتُ الْمُوصَى لَهُ الْمُعَيَّنِ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي:

74 - تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ بِمَوْتِ الْمُوصَى لَهُ الْمُعَيَّنِ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ سَوَاءٌ عَلِمَ الْمُوصِي بِمَوْتِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، لأِنَّ  الْوَصِيَّةَ لاَ تَلْزَمُ إِلاَّ بِوَفَاةِ الْمُوصِي وَقَبُولِ الْمُوصَى لَهُ.

وَكَذَلِكَ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ إِذَا مَاتَ الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي قَبْلَ الْقَبُولِ. وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: لاَ تَبْطُلُ؛ لأِنَّ  الْقَبُولَ مَعْنَاهُ عِنْدَهُمْ عَدَمُ الرَّدِّ.

(ر: ف9)

ز - قَتْلُ الْمُوصَى لَهُ الْمُوصِيَ:

75 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي بُطْلاَنِ الْوَصِيَّةِ بِقَتْلِ الْمُوصَى لَهُ الْمُوصِيَ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى بُطْلاَنِهَا، وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى عَدَمِ الْبُطْلاَنِ وَذَلِكَ عَلَى تَفْصِيلٍ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي شُرُوطِ الْمُوصَى لَهُ.

(ر: ف 37)

ح - هَلاَكُ الْمُوصَى بِهِ الْمُعَيَّنِ أَوِ اسْتِحْقَاقُهُ:

76 - تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ إِذَا كَانَ الْمُوصَى بِهِ مُعَيَّنًا بِالذَّاتِ، وَهَلَكَ قَبْلَ قَبُولِ الْمُوصَى لَهُ؛ لِفَوَاتِ مَحَلِّ حُكْمِ الْوَصِيَّةِ، وَيَسْتَحِيلُ ثُبُوتُ حُكْمِ التَّصَرُّفِ أَوْ بَقَاؤُهُ بِدُونِ وُجُودِ مَحَلِّهِ أَوْ بَقَائِهِ، كَمَا لَوْ أَوْصَى بِهَذِهِ الشَّاةِ، فَهَلَكَتْ، تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ؛ لأَنَّ  الْوَصِيَّةَ تَعَلَّقَتْ بِعَيْنٍ قَائِمَةٍ وَقْتَ الإْيصَاءِ ، وَقَدْ فَاتَتْ بَعْدَئِذٍ، فَفَاتَ مَحَلُّ الْوَصِيَّةِ.

وَكَذَلِكَ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ إِذَا كَانَ بِجُزْءٍ شَائِعٍ فِي شَيْءٍ بِذَاتِهِ أَوْ مِنْ نَوْعٍ مُعَيَّنٍ مِنْ أَمْوَالِهِ، كَأَنْ يُوصِيَ بِنِصْفِ هَذِهِ الدَّارِ، أَوْ يُوصِيَ بِفَرَسٍ مِنْ أَفْرَاسِهِ الْعَشَرَةِ الْمَعْلُومَةِ، فَهَلَكَتْ، أَوْ بِنِصْفِ دُورِهِ فَهُدِمَتْ، فَلاَ شَيْءَ لِلْمُوصَى لَهُ، لِفَوَاتِ مَحَلِّ الْوَصِيَّةِ.

وَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ أَيْضًا بِاسْتِحْقَاقِ الْعَيْنِ الْمُوصَى بِهَا، سَوَاءٌ أَكَانَ الاِسْتِحْقَاقُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي أَمْ بَعْدَهُ؛ لأِنَّ  بِالاِسْتِحْقَاقِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ كَانَتْ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ، فَتَبْطُلُ .

(ر: اسْتِحْقَاق ف 32)

ط - الْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ:

77 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي بُطْلاَنِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ عَلَى تَفْصِيلٍ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَحْكَامٍ تَتَعَلَّقُ بِالْمُوصَى لَهُ.

(ر: ف 35 – 36)

الْمُحَاصَّةُ فِي الْوَصِيَّةِ:

78 - الأْصْلُ  فِي الْوَصِيَّةِ أَنَّهَا لاَ تَجُوزُ بِأَزْيَدَ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ إِنْ كَانَ هُنَاكَ وَارِثٌ، فَإِنْ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ بِأَزْيَدَ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ فَإِنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الثُّلُثِ تَتَوَقَّفُ عَلَى إِجَازَةِ الْوَرَثَةِ، فَإِنْ أَجَازُوا جَازَتِ الْوَصِيَّةُ، وَإِنْ لَمْ يُجِيزُوا بَطَلَتْ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ .

وَعَلَى ذَلِكَ فَمَنْ أَوْصَى بِوَصَايَا تَزِيدُ عَلَى ثُلُثِ مَالِهِ وَلَمْ يُجِزِ الْوَرَثَةُ تِلْكَ الزِّيَادَةَ وَكَانَ الثُّلُثُ يَضِيقُ بِالْوَصَايَا فَإِنَّ الْمُوصَى لَهُمْ يَتَحَاصُّونَ فِي مِقْدَارِ ثُلُثِ التَّرِكَةِ بِنِسْبَةِ مَا لِكُلٍّ مِنْهُمْ فَيَدْخُلُ النَّقْصُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ بِقَدْرِ وَصِيَّتِهِ، فَمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلآِخَرَ بِالسُّدُسِ وَلَمْ تُجِزِ الْوَرَثَةُ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا أَثْلاَثًا فَيَقْتَسِمَانِهِ عَلَى قَدْرِ حَقَّيْهِمَا كَمَا فِي أَصْحَابِ الدُّيُونِ الَّذِينَ يَتَحَاصُّونَ مَالَ الْمُفْلِسِ، وَهَذَا أَصْلٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ .

إِلاَّ أَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمْ تَفْصِيلاً بَيَانُهُ كَمَا يَلِي:

79 - قَالَ الْحَنَفِيَّةُ إِذَا اجْتَمَعَ الْوَصَايَا فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ كُلُّهَا لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلْعِبَادِ أَوْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا وَأَنَّ اعْتِبَارَ التَّقْدِيمِ مُخْتَصٌّ بِحُقُوقِهِ تَعَالَى لِكَوْنِ صَاحِبِ الْحَقِّ وَاحِدًا، وَأَمَّا إِذَا تَعَدَّدَ فَلاَ يُعْتَبَرُ.

فَمَا لِلْعِبَادِ خَاصَّةً لاَ يُعْتَبَرُ فِيهَا التَّقْدِيمُ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ لإِنْسَانٍ  ثُمَّ بِهِ لآِخَرَ إِلاَّ أَنْ يَنُصَّ عَلَى التَّقْدِيمِ، أَوْ يَكُونَ الْبَعْضُ عِتْقًا أَوْ مُحَابَاةً.

وَمَا لِلَّهِ تَعَالَى فَإِنْ كَانَ كُلُّهُ فَرَائِضَ كَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ أَوْ وَاجِبَاتٍ كَالْكَفَّارَاتِ وَالنُّذُورِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ أَوْ تَطَوُّعَاتٍ كَالْحَجِّ التَّطَوُّعِ وَالصَّدَقَةِ لِلْفُقَرَاءِ يَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ بِهِ الْمَيِّتُ.

وَإِنِ اخْتَلَطَتْ يَبْدَأْ بِالْفَرَائِضِ قَدَّمَهَا الْمُوصِي أَوْ أَخَّرَهَا، ثُمَّ بِالْوَاجِبَاتِ وَمَا جُمِعَ فِيهِ بَيْنَ حَقِّهِ تَعَالَى وَحَقِّ الْعِبَادِ، فَإِنَّهُ يَقْسِمُ الثُّلُثَ عَلَى جَمِيعِهَا وَيَجْعَلُ كُلَّ جِهَةٍ مِنْ جِهَاتِ الْقُرَبِ مُفْرَدَةً بِالضَّرْبِ وَلاَ يَجْعَلُ كُلَّهَا جِهَةً وَاحِدَةً، لأِنَّهُ وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ بِجَمِيعِهَا وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى فَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا فِي نَفْسِهَا مَقْصُودَةٌ فَتَنْفَرِدُ كَوَصَايَا الآْدَمِيِّينَ ثُمَّ تُجْمَعُ فَيُقَدَّمُ فِيهَا الأْهَمُّ  فَالأْهَمُّ . فَلَوْ قَالَ: ثُلُثُ مَالِي فِي الْحَجِّ وَالزَّكَاةِ وَلِزَيْدٍ وَالْكَفَّارَاتِ قُسِّمَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ وَلاَ يُقَدَّمُ الْفَرْضُ عَلَى حَقِّ الآْدَمِيِّ لِحَاجَتِهِ، وَإِنْ كَانَ الآْدَمِيُّ غَيْرَ مُعَيَّنٍ بِأَنْ أَوْصَى بِالصَّدَقَةِ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَلاَ يُقَسَّمُ بَلْ يُقَدَّمُ الأْقْوَى  فَالأْقْوَى  لأِنَّ  الْكُلَّ يَبْقَى حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى إِذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مُسْتَحِقٌّ مُعَيَّنٌ.

هَذَا إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْوَصِيَّةِ عِتْقٌ مُنْفَذٌ فِي الْمَرَضِ، أَوْ مُعَلَّقٌ بِالْمَوْتِ كَالتَّدْبِيرِ وَلاَ مُحَابَاةٌ مُنْجَزَةٌ فِي الْمَرَضِ، فَإِنْ كَانَ بُدِئَ بِهِمَا ثُمَّ يُصْرَفُ الْبَاقِي إِلَى سَائِرِ الْوَصَايَا، وَإِنْ تَسَاوَتْ قُوَّةً قُدِّمَ مَا قَدَّمَ إِذَا ضَاقَ الثُّلُثُ عَنْهَا .

وَقَالُوا: إِنْ كَانَتِ الْوَصَايَا أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ التَّرِكَةِ وَلَمْ يُجِزِ الْوَرَثَةُ فَإِنَّ الْمُوصَى لَهُمْ يَتَحَاصُّونَ فِي ثُلُثِ التَّرِكَةِ فَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ بِنِسْبَةِ وَصِيَّتِهِ، وَهَذَا بِاتِّفَاقِ فُقَهَاءِ الْمَذْهَبِ إِذَا كَانَتِ الْوَصِيَّةُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُوصَى لَهُمْ لاَ تَزِيدُ عَلَى ثُلُثِ التَّرِكَةِ، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: إِذَا لَمْ تَزِدْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْوَصَايَا عَلَى الثُّلُثِ كَثُلُثٍ لِوَاحِدٍ وَسُدُسٍ لآِخَرَ وَرُبُعٍ لآِخَرَ وَلَمْ تُجِزِ الْوَرَثَةُ فَإِنَّهُ يُضْرَبُ فِي الثُّلُثِ وَلاَ يُقَسَّمُ الثُّلُثُ سَوِيَّةً بَيْنَهُمُ اتِّفَاقًا مَا لَمْ يَسْتَوِيَا فِي سَبَبِ الاِسْتِحْقَاقِ كَمَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِزَيْدٍ وَلآِخَرَ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلَمْ تُجِزِ الْوَرَثَةُ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ اتِّفَاقًا .

قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا: لأِنَّهُ يَضِيقُ الثُّلُثُ عَنْ حَقِّهِمَا إِذْ لاَ يُزَادُ عَلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ الإْجَازَةِ وَقَدْ تَسَاوَيَا فِي سَبَبِ الاِسْتِحْقَاقِ فَيَسْتَوِيَانِ فِي الاِسْتِحْقَاقِ، وَالْمَحَلُّ يَقْبَلُ الشَّرِكَةَ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا .

وَإِنْ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ لأِحَدِ  الْمُوصَى لَهُمْ أَزْيَدَ مِنَ الثُّلُثِ كَمَنْ أَوْصَى لِشَخْصٍ بِجَمِيعِ مَالِهِ وَلِلآْخَرِ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلَمْ تُجِزِ الْوَرَثَةُ فَفِي ذَلِكَ خِلاَفٌ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: الْمُوصَى لَهُ بِأَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ لاَ يَضْرِبُ فِي الثُّلُثِ بِأَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ مِنْ غَيْرِ إِجَازَةِ الْوَرَثَةِ إِلاَّ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ الْمُسْتَثْنَاةِ، فَفِي هَذَا الْمِثَالِ - وَهُوَ الْوَصِيَّةُ بِجَمِيعِ الْمَالِ لِرَجُلٍ وَبِثُلُثِهِ لِرَجُلٍ آخَرَ مَعَ عَدَمِ إِجَازَةِ الْوَرَثَةِ - يَكُونُ ثُلُثُ التَّرِكَةِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، لأِنَّ  الْمُوصِيَ قَصَدَ شَيْئَيْنِ: الاِسْتِحْقَاقَ عَلَى الْوَرَثَةِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَتَفْضِيلَ بَعْضِ أَهْلِ الْوَصَايَا عَلَى بَعْضٍ، وَالثَّانِي - وَهُوَ التَّفْضِيلُ - ثَبَتَ فِي ضِمْنِ الأْوَّلِ، وَلَمَّا بَطَلَ الأْوَّلُ وَهُوَ الزَّائِدُ عَلَى الثُّلُثِ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ وَعَدَمِ إِجَازَتِهِمْ بَطَلَ مَا فِي ضِمْنِهِ وَهُوَ التَّفْضِيلُ، فَصَارَ كَأَنَّهُ أَوْصَى لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِالثُّلُثِ فَيُنَصَّفُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا.

وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَتَحَاصُّ الْمُوصَى لَهُمْ فِي الثُّلُثِ بِنِسْبَةِ مَا لِكُلٍّ مِنْهُمْ فَيَكُونُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ، لِلْمُوصَى لَهُ بِالْكُلِّ ثَلاَثَةُ أَسْهُمٍ وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ سَهْمٌ، لأِنَّ  الْبَاطِلَ هُوَ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَهُوَ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ اللَّذَيْنِ قَصَدَهُمَا الْمُوصِي وَهُوَ اسْتِحْقَاقُ الزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ، وَهَذَا قَدْ بَطَلَ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ، وَأَمَّا الشَّيْءُ الآْخَرُ وَهُوَ قَصْدُ الْمُوصِي تَفْضِيلَ أَحَدِهِمَا عَلَى الآْخَرِ فَلاَ مَانِعَ مِنْهُ فَقَدْ جُعِلَ الْمُوصَى لِصَاحِبِ الْكُلِّ - وَهُوَ مَنْ أَوْصَى لَهُ بِجَمِيعِ مَالِهِ - ثَلاَثَةَ أَمْثَالِ مَا جَعَلَهُ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ فَيَأْخُذُ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ بِحِصَّةِ ذَلِكَ الزَّائِدِ بِأَنْ يُقَسَّمَ أَرْبَاعًا، ثَلاَثَةٌ مِنْهَا لِصَاحِبِ الْكُلِّ وَوَاحِدٌ لِلآْخَرِ.

قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الإْمَامِ  كَمَا فِي تَصْحِيحِ الْعَلاَّمَةِ قَاسِمٍ وَالدُّرِّ الْمُنْتَقَى عَنِ الْمُضْمَرَاتِ وَغَيْرِهِ .

80 - وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ مِنَ الْوَصَايَا مَا يُقَدَّمُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ إِذَا ضَاقَ الثُّلُثُ عَنْهَا كَفَكِّ الأْسِيرِ، ثُمَّ الْمُدَبَّرِ فِي الصِّحَّةِ، ثُمَّ زَكَاةِ مَالٍ أَوْصَى بِهَا، ثُمَّ زَكَاةِ فِطْرٍ، ثُمَّ كَفَّارَةِ ظِهَارٍ وَقَتْلٍ، ثُمَّ كَفَّارَةِ يَمِينٍ ثُمَّ النَّذْرِ الَّذِي لَزِمَهُ. ثُمَّ ذَكَرُوا بَعْدَ ذَلِكَ مَا يُعْتَبَرُ فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ، وَمِنْ ذَلِكَ مَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ ثُمَّ أَوْصَى بِالْحَجِّ عَنْهُ، فَإِنْ كَانَ الْحَجُّ عَنْ حَجَّةِ الإْسْلاَمِ  فَإِنَّهُمَا يَتَحَاصَّانِ فِي الثُّلُثِ وَلاَ يُقَدَّمُ أَحَدُهُمَا عَلَى الآْخَرِ .

جَاءَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إِنْ أَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ حَجَّةَ الإْسْلاَمِ  وَأَوْصَى أَنْ يُعْتَقَ عَنْهُ رَقَبَةٌ قَالَ: قَالَ لِي مَالِكٌ: الرَّقَبَةُ مُبْدَأَةٌ عَلَى الْحَجِّ لأِنَّ  الْحَجَّ لَيْسَ عِنْدَنَا أَمْرًا مَعْمُولاً بِهِ، وَقَدْ قَالَ أَيْضًا: أَنَّهُمَا يَتَحَاصَّانِ، وَإِذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمَالٍ، وَأَوْصَى بِعِتْقِ رَقَبَةٍ تَحَاصَّا، وَإِذَا أَوْصَى بِمَالٍ وَأَوْصَى بِالْحَجِّ تَحَاصَّا .

وَذَكَرَ الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ الْوَصَايَا الَّتِي لاَ تَبْدِئَةَ فِيهَا وَضَاقَ الثُّلُثُ عَنْهَا فَإِنَّ أَهْلَ الْوَصَايَا يَتَحَاصُّونَ فِيهَا، جَاءَ فِي الْفَوَاكِهِ الدَّوَانِي: إِذَا ضَاقَ الثُّلُثُ أَيْ لَمْ يَسَعْ جَمِيعَ مَا أَوْصَى بِهِ تَحَاصَّ أَهْلُ الْوَصَايَا الَّتِي لاَ تَبْدِئَةَ فِيهَا كَمَا يَتَحَاصُّ غُرَمَاءُ الْمُفْلِسِ فِي الْمَالِ الَّذِي يَتَحَصَّلُ مِنْ أَثْمَانِ مَا بِيعَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ بِنِسْبَةِ دُيُونِهِمْ بَعْضِهَا لِبَعْضٍ، وَالْوَصَايَا الَّتِي لاَ تَبْدِئَةَ فِيهَا هِيَ الَّتِي لَمْ يُرَتِّبْهَا الْمُوصِي وَلاَ الشَّارِعُ كَأَنْ يُوصِيَ لِشَخْصٍ بِنِصْفِ مَالِهِ مَثَلاً، وَلآِخَرَ بِثُلُثِهِ فَإِنْ لَمْ تُجِزِ الْوَرَثَةُ الزَّائِدَ عَلَى الثُّلُثِ اقْتَسَمَا الثُّلُثَ عَلَى النِّصْفِ وَالثُّلُثِ وَهُمَا مُتَبَايِنَانِ، وَمَقَامُهُمَا مِنْ سِتَّةٍ: لِصَاحِبِ النِّصْفِ ثَلاَثَةٌ، وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ اثْنَانِ، وَذَلِكَ خَمْسَةٌ وَهِيَ الْمُحَاصَّةُ فَاجْعَلْهَا ثُلُثَ الْمَالِ يَكُونُ الْمَالُ خَمْسَةَ عَشَرَ: خَمْسَةٌ لِلْمُوصَى لَهُمْ، الْمُوصَى لَهُ بِالنِّصْفِ لَهُ ثَلاَثَةٌ، وَالْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ اثْنَانِ، وَتَبْقَى عَشَرَةٌ لأِهْلِ  الْفَرِيضَةِ.

وَإِنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِنِصْفِ مَالِهِ وَلآِخَرَ بِرُبُعِهِ فَإِنَّكَ تَأْخُذُ مَقَامَ النِّصْفِ وَمَقَامَ الرُّبُعِ وَتَنْظُرُ بَيْنَهُمَا فَتَجِدُهُمَا مُتَدَاخِلَيْنِ فَتَكْتَفِي بِالأْرْبَعَةِ  فَتَأْخُذُ نِصْفَهَا وَرُبُعَهَا، يَكُونُ الْمَجْمُوعُ ثَلاَثَةً تُقْسَمُ بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلاَثَةِ أَسْهُمٍ، لِصَاحِبِ الرُّبُعِ: سَهْمٌ، وَلِلآْخَرِ سَهْمَانِ.

وَإِنْ أَوْصَى لِشَخْصٍ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلآِخَرَ بِرُبُعِهِ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى سَبْعَةِ أَسْهُمٍ، لِصَاحِبِ الثُّلُثِ أَرْبَعَةٌ وَلِصَاحِبِ الرُّبُعِ ثَلاَثَةٌ، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ، وَحِسَابُ هَذَا عَلَى حِسَابِ عَوْلِ الْفَرَائِضِ سَوَاءٌ .

وَذَكَرَ الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ مِمَّا يَجْرِي فِيهِ التَّحَاصُصُ الْوَصِيَّةَ لِمَجْهُولٍ وَاحِدٍ أَوْ مُتَعَدِّدٍ مَعَ وَصِيَّةٍ لِمَعْلُومٍ كَمَنْ أَوْصَى بِوَقِيدِ مِصْبَاحٍ عَلَى الدَّوَامِ لِطَلَبَةِ الْعِلْمِ مَثَلاً بِدِرْهَمٍ كُلَّ لَيْلَةٍ وَشِرَاءِ خُبْزٍ يُفَرَّقُ عَلَى الْفُقَرَاءِ كُلَّ يَوْمٍ بِدِرْهَمَيْنِ، وَتَسْبِيلِ مَاءٍ عَلَى الدَّوَامِ بِدِرْهَمَيْنِ مَعَ الْوَصِيَّةِ لِمَعْلُومٍ كَالْوَصِيَّةِ لِزَيْدٍ بِكَذَا وَلِعَمْرٍو بِكَذَا فَإِنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يُضْرَبُ لِلْمَجْهُولِ بِالثُّلُثِ أَيْ ثُلُثِ الْمَالِ أَيْ يُجْعَلُ الثُّلُثُ فَرِيضَةً ثُمَّ يُضَمُّ إِلَيْهَا مَا أَوْصَى  بِهِ لِلْمَعْلُومِ وَهُوَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو، وَيُجْعَلُ بِمَنْزِلَةِ فَرِيضَةٍ عَالَتْ، فَإِذَا كَانَ ثُلُثُ الْمَالِ ثَلاَثَمِائَةٍ جُعِلَ كُلُّهُ لِلْمَجْهُولِ ثُمَّ يُضَافُ إِلَيْهِ الْمَعْلُومُ، فَإِذَا كَانَ الْمَعْلُومُ مَثَلاً ثَلاَثَمِائَةٍ فَكَأَنَّهَا عَالَتْ بِمِثْلِهَا فَيُعْطَى الْمَعْلُومُ فَأَكْثَرُ نِصْفَ الثَّلاَثِمِائَةِ وَيَبْقَى نِصْفُهَا لِلْمَجْهُولِ، وَلَوْ كَانَ الْمَعْلُومُ مِائَةً زِيدَتْ عَلَى الثَّلاَثِمِائَةِ فَكَأَنَّمَا عَالَتْ بِمِثْلِ رُبُعِهَا فَيُعْطَى الْمَعْلُومُ رُبُعَ الثَّلاَثِمِائَةِ وَيَبْقَى الْبَاقِي لِلْمَجْهُولِ.

ثُمَّ اخْتُلِفَ فِي تَقْسِيمِ مَا حَصَلَ لِلْمَجْهُولِ هَلْ يُقَسَّمُ بِالْحِصَصِ أَوْ بِالتَّسَاوِي؟ قَوْلاَنِ .

وَفِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إِذَا أَوْصَى رَجُلٌ فَقَالَ: أَوْقِدُوا فِي هَذَا الْمَسْجِدِ مِصْبَاحًا أَقِيمُوهُ لَهُ، وَأَوْصَى مَعَ ذَلِكَ بِوَصَايَا فَإِنَّهُ يُنْظَرُ كَمْ قِيمَةُ ثُلُثِ الْمَيِّتِ وَإِلَى مَا أَوْصَى بِهِ مِنَ الْوَصَايَا ثُمَّ يَتَحَاصُّونَ فِي ثُلُثِ الْمَيِّتِ، يُحَاصُّ لِلْمَسْجِدِ بِقِيمَةِ الثُّلُثِ، وَلِلْوَصَايَا بِمَا سَمَّى لَهُمْ فِي الثُّلُثِ، فَمَا صَارَ لِلْمَسْجِدِ مِنْ ذَلِكَ فِي الْمُحَاصَّةِ أُوقِفَ لَهُ فَيُسْتَصْبَحُ بِهِ فِيهِ حَتَّى يُنْجَزَ.

وَقَالَ سَحْنُونٌ: إِذَا أَوْصَى الْمَيِّتُ بِشَيْءٍ لَهُ غَايَةٌ وَلاَ أَمَدَ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: أَعْطُوا الْمَسَاكِينَ كُلَّ يَوْمٍ خُبْزَةً، أَوْ قَالَ: اسْقُوا كُلَّ يَوْمٍ رَاوِيَةَ مَاءٍ فِي السَّبِيلِ، فَهَذَا كَأَنَّهُ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ فَإِنَّمَا يُحَاصُّ لِهَذَا بِالثُّلُثِ إِذَا كَانَ الْمَيِّتُ قَدْ أَوْصَى مَعَ هَذَا بِوَصَايَا، قَالَ سَحْنُونٌ: وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا كَانَ لِلنَّاسِ بِغَيْرِ أَجَلٍ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: أَعْطُوا الْمَسَاكِينَ دِرْهَمًا كُلَّ يَوْمٍ أَوْ كُلَّ شَهْرٍ وَلَمْ يُؤَجِّلْ فَإِنَّهُمْ يُضْرَبُ لَهُمْ بِالثُّلُثِ إِذَا كَانَ الْمَيِّتُ قَدْ أَوْصَى مَعَهُمْ بِوَصَايَا .

وَمِمَّا يَقَعُ فِيهِ التَّحَاصُصُ أَيْضًا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ النَّذْرُ وَمُبْتَلُ الْمَرِيضِ إِذَا ضَاقَ الثُّلُثُ عَنْ حَمْلِهَا بِخِلاَفِ مَا إِذَا ضَاقَ الثُّلُثُ عَنْ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْقَتْلِ. فَإِنَّهُمَا لاَ تَرْتِيبَ بَيْنَهُمَا وَلَكِنْ لاَ يَتَحَاصَّانِ وَإِنَّمَا يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا لأِنَّ  الْكَفَّارَةَ لاَ تَتَبَعَّضُ .

81 - وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِذَا اجْتَمَعَ فِي الْوَصِيَّةِ تَبَرُّعَاتٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمَوْتِ، وَعَجَزَ الثُّلُثُ عَنْهَا وَكَانَتِ الْوَصِيَّةُ بِتَبَرُّعَاتٍ غَيْرِ الْعِتْقِ فَإِنَّ الثُّلُثَ يُقَسَّطُ عَلَى جَمِيعِ التَّبَرُّعَاتِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ أَوِ الْمِقْدَارِ كَمَا تُقَسَّمُ التَّرِكَةُ بَيْنَ أَرْبَابِ الدُّيُونِ، فَلَوْ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِمِائَةٍ وَلِبَكْرٍ بِخَمْسِينَ، وَلِعَمْرٍو بِخَمْسِينَ، وَثُلُثُ مَالِهِ مِائَةٌ، أَعْطَى الأْوَّلَ خَمْسِينَ، وَكُلًّا مِنَ الآْخَرَيْنِ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ، وَلاَ يُقَدَّمُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ بِالسَّبْقِ لأِنَّ  الْوَصَايَا إِنَّمَا تُمْلَكُ بِالْمَوْتِ فَاسْتَوَى فِيهِ حُكْمُ الْمُتَقَدِّمِ وَالْمُتَأَخِّرِ.

وَقَاسَهُ الشَّافِعِيُّ عَلَى الْعَوْلِ فِي الْفَرَائِضِ، وَهَذَا عِنْدَ الإْطْلاَقِ، فَلَوْ رَتَّبَ كَأَنْ قَالَ: أَعْطُوا زَيْدًا مِائَةً ثُمَّ عَمْرًا مِائَةً جَرَى عَلَيْهِ حُكْمُ تَرْتِيبِهِ.

وَلَوِ اجْتَمَعَ عِتْقٌ مَعَ تَبَرُّعَاتٍ أُخْرَى فِي الْوَصِيَّةِ، كَمَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ سَالِمٍ وَأَوْصَى لِزَيْدٍ بِمِائَةٍ فَإِنَّ الثُّلُثَ يُقَسَّطُ عَلَيْهِمَا بِالْقِيمَةِ لِلْعَتِيقِ لاِتِّحَادِ وَقْتِ الاِسْتِحْقَاقِ، فَإِذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ مِائَةً وَالثُّلُثُ مِائَةً عُتِقَ نِصْفُهُ، وَأُعْطِيَ لِزَيْدٍ خَمْسُونَ، وَفِي قَوْلٍ يُقَدَّمُ الْعِتْقُ لِقُوَّتِهِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقِّ الآْدَمِيِّ .

وَإِنْ وَكَّلَ الْمُوصِي وَكِيلاً فِي هِبَةٍ وَوَكَّلَ آخَرَ فِي بَيْعٍ بِمُحَابَاةٍ وَوَكَّلَ آخَرَ فِي صَدَقَةٍ، وَتَصَرَّفَ الْوُكَلاَءُ دَفْعَةً وَاحِدَةً، قُسِّطَ الثُّلُثُ عَلَى الْكُلِّ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ كَمَا يُفْعَلُ فِي الدُّيُونِ.

وَإِنْ كَانَ فِي تَصَرُّفِ الْوُكَلاَءِ عِتْقٌ قُسِّطَ الثُّلُثُ عَلَيْهَا أَيْضًا، وَفِي قَوْلٍ يُقَدَّمُ الْعِتْقُ .

وَقَالُوا: إِنْ عَجَزَ الثُّلُثُ عَنِ التَّبَرُّعَاتِ الْمُنْجَزَةِ فِي الْمَرَضِ، فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ التَّبَرُّعَاتُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ نُظِرَتْ: فَإِنْ كَانَتْ فِي هِبَاتٍ أَوْ مُحَابَاةٍ قُسِّمَ الثُّلُثُ بَيْنَ الْجَمِيعِ لِتَسَاوِيهِمَا فِي اللُّزُومِ، فَإِنْ كَانَتْ مُتَفَاضِلَةَ الْمِقْدَارِ قُسِّمَ الثُّلُثُ عَلَيْهَا عَلَى التَّفَاضُلِ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَسَاوِيَةً قُسِّمَ بَيْنَهَا عَلَى التَّسَاوِي كَمَا يُفْعَلُ فِي الدُّيُونِ، وَإِنْ كَانَ عِتْقًا فِي عَبِيدٍ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ.

وَإِنْ وَقَعَتِ التَّبَرُّعَاتُ مُتَفَرِّقَةً قُدِّمَ الأْوَّلُ فَالأْوَّلُ، عِتْقًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، لأِنَّ  الأْوَّلَ سَبَقَ فَاسْتُحِقَّ بِهِ الثُّلُثُ فَلَمْ يَجُزْ إِسْقَاطُهُ بِمَا بَعْدَهُ.

وَإِنْ كَانَتِ التَّبَرُّعَاتُ وَصَايَا وَعَجَزَ الثُّلُثُ عَنْهَا لَمْ يُقَدَّمْ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ بِالسَّبْقِ لأِنَّ  مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ يَلْزَمُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَهُوَ بَعْدَ الْمَوْتِ .

82 - وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سِيرِينَ وَالشَّعْبِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ: مَنْ أَوْصَى بِوَصَايَا وَتَجَاوَزَتِ الْوَصَايَا الثُّلُثَ وَرَدَّ الْوَرَثَةُ الزِّيَادَةَ فَإِنَّ الثُّلُثَ يُقَسَّمُ بَيْنَ الْمُوصَى لَهُمْ عَلَى قَدْرِ وَصَايَاهُمْ، وَيَدْخُلُ النَّقْصُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ بِقَدْرِ مَا لَهُ مِنَ الْوَصِيَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ وَصِيَّةُ بَعْضِهِمْ عِتْقًا، لأِنَّ هُمْ تَسَاوَوْا فِي الأْصْلِ وَتَفَاوَتُوا فِي الْمِقْدَارِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ، فَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلآِخَرَ بِمِائَةٍ وَلآِخَرَ بِمُعَيَّنٍ قِيمَتُهُ خَمْسُونَ وَوَصَّى بِفِدَاءِ أَسِيرٍ بِثَلاَثِينَ وَلِعِمَارَةِ مَسْجِدٍ بِعِشْرِينَ وَثُلُثُ مَالِهِ مِائَةٌ، جَمَعْتَ الْوَصَايَا كُلَّهَا فَوَجَدْتَهَا ثَلاَثَمِائَةٍ وَنَسَبْتَ مِنْهَا الثُّلُثَ فَتَجِدُهُ ثُلُثَهَا فَتُعْطِي كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُلُثَ وَصِيَّتِهِ، فَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ الْمِائَةُ وَكَذَلِكَ لِصَاحِبِ الْمِائَةِ وَيَرْجِعُ صَاحِبُ الْخَمْسِينَ إِلَى ثُلُثِهَا، وَلِفِدَاءِ الأْسِيرِ عَشَرَةٌ وَلِعِمَارَةِ الْمَسْجِدِ سِتَّةٌ وَثُلُثَانِ .

وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ إِذَا اشْتَمَلَتِ الْوَصَايَا عَلَى عِتْقٍ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ الْعِتْقُ، يُبْدَأُ بِهِ وَلَوِ اسْتَوْعَبَ الثُّلُثَ.

وَرُوِيَ هَذَا عَنْ عُمَرَ وَبِهِ يَقُولُ شُرَيْحٌ وَمَسْرُوقٌ وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ وَقَتَادَةُ وَالزُّهْرِيُّ، لأِنَّ  فِيهِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى، وَحَقًّا لآِدَمِيٍّ فَكَانَ آكَدَ، وَلأِنَّهُ لاَ يَلْحَقُهُ فَسْخٌ وَيَلْحَقُ غَيْرَهُ ذَلِكَ .

كِتَابَةُ الْوَصِيَّةِ وَالإْشْهَادُ عَلَيْهَا:

83 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمُسْلِمِ إِذَا أَوْصَى أَنْ يَكْتُبَ وَصِيَّتَهُ لِقَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ، يَبِيتُ ثَلاَثَ لَيَالٍ إِلاَّ وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ»  وَفِي لَفْظٍ «يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ» . وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُوصِي أَنْ يَبْدَأَهَا بِالْبَسْمَلَةِ، وَالثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالْحَمْدِ وَنَحْوِهِ وَالصَّلاَةِ عَلَى النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم ، ثُمَّ الشَّهَادَتَيْنِ كِتَابَةً أَوْ نُطْقًا، ثُمَّ الإْشْهَادِ  عَلَى الْوَصِيَّةِ، لأِجْلِ  صِحَّتِهَا وَنَفَاذِهَا، وَمَنْعًا مِنَ احْتِمَالِ جُحُودِهَا وَإِنْكَارِهَا .

رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: كَانُوا يَكْتُبُونَ فِي صُدُورِ وَصَايَاهُمْ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ فُلاَنٌ أَنَّهُ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صلي الله عليه وسلم ، وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لاَ رَيْبَ فِيهَا، وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ، وَأَوْصَى مَنْ تَرَكَ مِنْ أَهْلِهِ أَنْ يَتَّقُوا اللَّهَ وَيُصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِهِمْ، وَيُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ، أَوْصَاهُمْ بِمَا أَوْصَى بِهِ إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ  ( إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) .

تَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ:

85 - إِذَا كَانَتْ مَوْجُودَاتُ التَّرِكَةِ كُلُّهَا مَالاً حَاضِرًا، لاَ غَائِبَ مِنْهَا، وَلاَ دَيْنَ لِلْمُوصِي عَلَى أَحَدٍ، تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُوصَى بِهِ نُقُودًا مُرْسَلَةً أَيْ مَبْلَغًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ، كَأَلْفِ دِينَارٍ مَثَلاً، أَمْ شَيْئًا مُعَيَّنًا كَدَارٍ مُعَيَّنَةٍ، أَمْ سَهْمًا شَائِعًا كَرُبُعِ التَّرِكَةِ أَوْ ثُلُثِهَا، فَتُقَدَّرُ التَّرِكَةُ جَمِيعُهَا، وَيَأْخُذُ الْمُوصَى لَهُ سَهْمَهُ مِنْ كُلِّ الْمَالِ.

أَمَّا إِنْ كَانَ بَعْضُ مَالِ التَّرِكَةِ حَاضِرًا، وَبَعْضُهَا دُيُونًا أَوْ مَالاً غَائِبًا، فَإِنَّ تَنْفِيذَ الْوَصِيَّةِ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الأْحْوَالِ.

الْحَالَةُ الأْولَى: أَنْ يَكُونَ الْمُوصَى بِهِ مَالاً مُرْسَلاً، كَأَلْفِ دِينَارٍ مَثَلاً، فَإِنْ كَانَ الْمُوصَى بِهِ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ الْحَاضِرِ مِنَ التَّرِكَةِ أَخَذَهُ الْمُوصَى لَهُ، إِذْ لاَ ضَرَرَ فِي أَخْذِهِ عَلَى الْوَرَثَةِ، حَيْثُ يَبْقَى لَهُمْ ثُلُثَا الْمَالِ الْحَاضِرِ.

وَإِنْ كَانَ لاَ يَخْرُجُ مِنَ الثُّلُثِ اسْتَوْفَى الْمُوصَى لَهُ مِنْهُ بِقَدْرِ ثُلُثِ الْمَوْجُودِ، وَكَانَ الْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ، وَكُلَّمَا حَضَرَ شَيْءٌ، اسْتَوْفَى الْمُوصَى لَهُ ثُلُثَهُ، حَتَّى يَكْمُلَ حَقُّهُ. وَهَذَا رَأْيُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي الْمَذْهَبِ .

الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ الْمُوصَى بِهِ عَيْنًا مُعَيَّنَةً، كَدَارٍ مُعَيَّنَةٍ أَوْ نُقُودٍ مُعَيَّنَةٍ كَهَذِهِ النُّقُودِ، أَوِ النُّقُودِ الْوَدِيعَةِ عِنْدَ فُلاَنٍ.

فَالْحُكْمُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَالْحُكْمِ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ حَيْثُ يَقُولُ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ إِنَّ الْمُوصَى لَهُ يَأْخُذُ مِنَ الْعَيْنِ الْمُعَيَّنَةِ بِمِقْدَارِ ثُلُثِ الْمَالِ الْحَاضِرِ، وَيَكُونُ الْبَاقِي مِنْ تِلْكَ الْعَيْنِ مَوْقُوفًا، فَإِذَا حَضَرَ شَيْءٌ مِنَ الْمَالِ الْغَائِبِ كَانَ بَاقِي الْعَيْنِ مِلْكًا لِلْوَرَثَةِ، لأِنَّ  الْوَصِيَّةَ تَعَلَّقَتْ بِهَذِهِ الْعَيْنِ، فَتَنْفُذُ فِيهَا الْوَصِيَّةُ مَا دَامَ التَّنْفِيذُ مُمْكِنًا، تَنْفِيذًا لإِرَادَةِ  الْمُوصِي، وَيَظَلُّ بَاقِي الْعَيْنِ مَوْقُوفًا إِلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ أَمْرُ الْمَالِ الْغَائِبِ، فَإِذَا حَضَرَ نَفَذَتِ الْوَصِيَّةُ فِي الْعَيْنِ كُلِّهَا، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ كَانَ الْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ .

وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ لَوْ أَنَّهُ أَوْصَى لَهُ غَيْرُهُ بِعَيْنٍ هِيَ ثُلُثُ مَالِهِ فَأَكْثَرُ وَهِيَ حَاضِرَةٌ وَبَاقِي الْمَالِ غَائِبٌ مُلِّكَ الْمُوصَى لَهُ ثُلُثَ الْمَالِ الْحَاضِرِ فَقَطْ لِجَوَازِ تَلَفِ الْغَائِبِ وَعَدَمِ إِجَازَةِ الْوَارِثِ، وَمُنِعَ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي ثُلُثِهِ وَكَذَا فِي بَاقِيهِ بِبَيْعٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ غَيْرِهِ حَتَّى يَحْضُرَ مِنَ الْغَائِبِ مَا يَخْرُجُ بِهِ الْحَاضِرُ مِنَ الثُّلُثِ لأِنَّ  تَسَلُّطَهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى تَسَلُّطِ الْوَرَثَةِ عَلَى مِثْلِ مَا تَسَلَّطَ هُوَ عَلَيْهِ، وَقَدْ يَتْلَفُ الْغَائِبُ فَلاَ يَصِلُ إِلَى حَقِّهِ وَلاَ يَتَسَلَّطُ الْوَرَثَةُ عَلَى ثُلُثَيِ الْحَاضِرِ .

الْوَصَايَا وَطُرُقُ حِسَابِهَا:

الْوَصِيَّةُ إِمَّا أَنْ تَكُونَ بِالأْنْصِبَاءِ  أَوْ بِالأْجْزَاءِ  أَوْ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الأْجْزَاءِ  وَالأْنْصِبَاءِ .

الْحَالَةُ الأْولَى: الْوَصِيَّةُ بِالأْنْصِبَاءِ :

الْوَصِيَّةُ بِالأْنْصِبَاءِ  لَهَا صُوَرٌ:

أ- الْوَصِيَّةُ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِ الْوَرَثَةِ الْمُعَيَّنِ:

86 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى لأِحَدٍ  بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِ وَرَثَتِهِ الْمُعَيَّنِ فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ صَحِيحَةٌ، لِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّهُ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِ وَلَدِهِ  وَلأِنَّ  الْمُرَادَ تَقْدِيرُ الْوَصِيَّةِ فَلاَ أَثَرَ لِذِكْرِ الْوَارِثِ. إِلاَّ أَنَّ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا فِيمَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُوصَى لَهُ.

فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ- وَهُمُ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ- إِلَى أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ نَصِيبَ ذَلِكَ الْوَارِثِ الْمُعَيَّنِ مَضْمُومًا إِلَى الْمَسْأَلَةِ. فَإِذَا قَالَ مَثَلاً: أَوْصَيْتُ لِفُلاَنٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِي وَلاَ وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ اسْتَحَقَّ الْمُوصَى لَهُ نِصْفَ التَّرِكَةِ إِذَا أَجَازَ الاِبْنُ الْوَصِيَّةَ، فَإِنْ لَمْ يُجِزْ فَلَهُ الثُّلُثُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ لَهُ ابْنَانِ أَوْ بَنُونَ فَأَوْصَى  بِمِثْلِ نَصِيبِهِمَا أَوْ بِمِثْلِ نَصِيبِهِمْ فَالْمُوصَى لَهُ كَوَاحِدٍ مِنْهُمْ .

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ أَوْصَى لِشَخْصٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ بِأَنْ قَالَ: أَوْصَيْتُ لِزَيْدٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِي أَوْ بِمِثْلِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِلاَّ ابْنٌ فَيَأْخُذُ الْمُوصَى لَهُ جَمِيعَ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ إِنْ أَجَازَ الاِبْنُ الْوَصِيَّةَ، وَإِلاَّ فَلَهُ ثُلُثُ التَّرِكَةِ فَقَطْ، فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ وَمَعَهُ ابْنَانِ فَيَأْخُذُ الْمُوصَى لَهُ نِصْفَ التَّرِكَةِ إِنْ أَجَازَا الْوَصِيَّةَ وَإِلاَّ فَالثُّلُثُ وَلاَ كَلاَمَ لَهُمَا، وَإِنْ زَادُوا فَلَهُ قَدْرُ نَصِيبِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَلاَ كَلاَمَ لَهُمْ، فَإِنْ كَانَ مَعَ الاِبْنِ ذُو فَرْضٍ فَلِلْمُوصَى لَهُ جَمِيعُ التَّرِكَةِ بَعْدَ ذَوِي الْفَرْضِ إِنْ أَجَازُوا الْوَصِيَّةَ .

وَقَالَ الْمَرْدَاوِيُّ نَقْلاً عَنِ الْفَائِقِ: إِذَا وَصَّى بِمِثْلِ نَصِيبِ وَارِثٍ مُعَيَّنٍ فَالْمُخْتَارُ لَهُ نَصِيبُ أَحَدِهِمْ غَيْرَ مُزَادٍ وَيُقَسَّمُ الْبَاقِي.

فَإِذَا وَصَّى بِمِثْلِ نَصِيبِهِ وَلَهُ ابْنَانِ فَلَهُ الثُّلُثُ عَلَى الْمَذْهَبِ- عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ - وَلَهُ النِّصْفُ عَلَى مَا اخْتَارَهُ فِي الْفَائِقِ وَيُقَسَّمُ النِّصْفُ الْبَاقِي بَيْنَ الاِبْنَيْنِ .

ب- الْوَصِيَّةُ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِ الْوَرَثَةِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ:

87 - إِذَا أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِ وَرَثَتِهِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا يَسْتَحِقُّهُ الْمُوصَى لَهُ:

فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْوَرَثَةُ يَتَسَاوَوْنَ فِي الْمِيرَاثِ كَالْبَنِينَ مَثَلاً فَلَهُ مِثْلُ نَصِيبِ أَحَدِهِمْ مُزَادًا عَلَى الْفَرِيضَةِ وَيُجْعَلُ كَوَاحِدٍ مِنْهُمْ زَادَ فِيهِمْ، وَإِنْ كَانُوا يَتَفَاضَلُونَ فِي الْمِيرَاثِ فَلَهُ مِثْلُ نَصِيبِ أَقَلِّهِمْ مِيرَاثًا يُزَادُ عَلَى فَرِيضَتِهِمْ، وَإِنَّمَا جُعِلَ لَهُ هَذَا لأِنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ، وَمَا زَادَ فَمَشْكُوكٌ فِيهِ فَلاَ يَثْبُتُ.

فَلَوْ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ وَلَدِهِ وَلَهُ ابْنٌ وَبِنْتٌ فَلَهُ مِثْلُ نَصِيبِ الْبِنْتِ، لأِنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ .

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِ الْوَرَثَةِ وَتَرَكَ ذُكُورًا وَإِنَاثًا، أَوْ تَرَكَ ذُكُورًا فَقَطْ، أَوْ إِنَاثًا فَقَطْ. أَيْ سَوَاءٌ كَانُوا مُتَسَاوِينَ فِي الْمِيرَاثِ أَوْ مُتَفَاضِلِينَ فِيهِ فَيُحَاسِبُهُمُ الْمُوصَى لَهُ بِجُزْءٍ مِنْ عَدَدِ رُؤُوسِهِمْ أَيْ يُقَسَّمُ الْمَالُ عَلَى الْوَرَثَةِ وَعَلَى الْمُوصَى لَهُ الذَّكَرِ كَالأْنْثَى، فَإِنْ كَانَ عَدَدُ رُؤُوسِ وَرَثَتِهِ ثَلاَثَةً فَلَهُ الثُّلُثُ، أَوْ أَرْبَعَةً فَلَهُ الرُّبُعُ، أَوْ خَمْسَةً فَلَهُ الْخُمُسُ، وَهَكَذَا، وَلاَ نَظَرَ لِمَا يَسْتَحِقُّهُ كُلُّ وَارِثٍ، بَلْ يُجْعَلُ الذَّكَرُ رَأْسًا وَالأْنْثَى  رَأْسًا كَذَلِكَ، ثُمَّ يُقَسَّمُ مَا بَقِيَ بَيْنَ الْوَرَثَةِ عَلَى الْفَرِيضَةِ الشَّرْعِيَّةِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأْنْثَيَيْنِ  .

ج- الْوَصِيَّةُ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ:

88 - صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ لَوْ وَصَّى لِرَجُلٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ صَحَّتِ الْوَصِيَّةُ كَانَ لَهُ ابْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ. فَمَنْ وَصَّى بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ ثُمَّ مَاتَ وَلاَ وَارِثَ لَهُ غَيْرُ الاِبْنِ يَكُونُ ذَلِكَ وَصِيَّةً بِنِصْفِ الْمَالِ، لأِنَّ  الْمِثْلَ يَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ فَإِنْ أَجَازَ الاِبْنُ أَخَذَ الْمُوصَى لَهُ النِّصْفَ، وَإِنْ لَمْ يُجِزْ الاِبْنُ أَخَذَ الثُّلُثَ .

وَيُفَرِّقُ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَيْنَ مَا إِذَا كَانَ لِلْمُوصِي ابْنٌ وَارِثٌ وَبَيْنَ مَا إِذَا لَمْ يَكُنْ الاِبْنُ مِمَّنْ يَرِثُ، لِكَوْنِهِ رَقِيقًا أَوْ مُخَالِفًا لِدِينِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ابْنٌ أَصْلاً.

فَإِنْ كَانَ لِلْمُوصِي ابْنٌ وَارِثٌ وَأَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ فَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ.

أَمَّا إِذَا أَوْصَى لَهُ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ وَابْنُهُ مِمَّنْ لاَ نَصِيبَ لَهُ فِي الْمِيرَاثِ فَلاَ شَيْءَ لِلْمُوصَى لَهُ، لأِنَّ  الاِبْنَ لاَ نَصِيبَ لَهُ فَمِثْلُهُ لاَ شَيْءَ لَهُ.

وَاسْتَثْنَى الْمَالِكِيَّةُ مِنْ هَذَا الْحُكْمِ مَا إِذَا قَالَ الْمُوصِي: «لَوْ كَانَ يَرِثُ» فَيُعْطَى نَصِيبَهُ حِينَئِذٍ.

وَأَمَّا إِذَا أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ وَلاَ ابْنَ لَهُ فَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إِلاَّ أَنْ يَقُولَ الْمُوصِي: لَوْ كَانَ مَوْجُودًا، أَوْ يَحْدُثُ لَهُ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ فَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ وَيُعْطَى نَصِيبَهُ حِينَئِذٍ.

وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لاَ تَصِحُّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ .

د- الْوَصِيَّةُ بِنَصِيبِ ابْنِهِ وَلَهُ ابْنٌ:

89 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ كَذَلِكَ فِيمَا إِذَا أَوْصَى لِشَخْصٍ بِنَصِيبِ ابْنِهِ وَلَهُ ابْنٌ فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَهُمْ - وَالشَّافِعِيَّةُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالرُّويَانِيِّ إِلَى صِحَّةِ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ كَمَا لَوْ أَوْصَى لَهُ بِمِثْلِ  نَصِيبِ ابْنِهِ صَوْنًا لِلَّفْظِ عَنِ الإِْلْغَاءِ، فَإِنَّهُ مُمْكِنُ الْحَمْلِ عَلَى الْمَجَازِ بِحَذْفِ الْمُضَافِ وَإِقَامَةِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ مَقَامَهُ، وَمِثْلُهُ فِي الاِسْتِعْمَالِ كَثِيرٌ، وَالْوَصِيَّةُ وَارِدَةٌ عَلَى مَالِ الْمُوصِي إِذْ لَيْسَ لِلاِبْنِ نَصِيبٌ قَبْلَ مَوْتِهِ، وَإِنَّمَا الْفَرْضُ التَّقْدِيرُ بِمَا يَسْتَحِقُّهُ بَعْدُ.

إِلاَّ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ وَالْحَنَابِلَةَ وَرَأْيٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يَجْعَلُونَهَا وَصِيَّةً بِنِصْفِ الْمَالِ، كَمَا لَوْ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ.

وَفِي الرَّأْيِ الآْخَرِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ تُجْعَلُ الْوَصِيَّةُ وَصِيَّةً بِجَمِيعِ الْمَالِ.

وَمِنَ الْمَعْرُوفِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِمَا زَادَ عَنِ الثُّلُثِ تَتَوَقَّفُ صِحَّتُهَا عَلَى إِجَازَةِ الْوَرَثَةِ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي - وَهُوَ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ وَالإْمَامِ  الْبَغَوِيِّ - - وَالْحَنَابِلَةُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ إِلَى بُطْلاَنِ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ، لأِنَّ هَا وَصِيَّةٌ بِمَا لاَ يَمْلِكُ، لأِنَّ  نَصِيبَ الاِبْنِ مِلْكُهُ لاَ مِلْكُ أَبِيهِ، حَيْثُ إِنَّ نَصِيبَ الاِبْنِ ثَبَتَ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، فَإِذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ آخَرَ فَقَدْ أَرَادَ تَغْيِيرَ مَا فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى فَلاَ يَصِحُّ وَلاَ يُلْتَفَتُ إِلَى إِجَازَةِ الْوَرَثَةِ، لأِنَّ  الْوَصِيَّةَ لَمْ تَقَعْ فِي مِلْكِهِ وَإِنَّمَا أَضَافَهَا إِلَى مِلْكِ غَيْرِهِ فَصَارَ كَمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِلْكِ زَيْدٍ ثُمَّ مَاتَ، فَأَجَازَهُ زَيْدٌ، فَإِنَّ ذَلِكَ لاَ يَجُوزُ.

وَأَضَافَ الْحَنَفِيَّةُ: أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَصِحُّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إِنْ لَمْ يَكُنِ ابْنٌ .

الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: الْوَصِيَّةُ بِالأْجْزَاءِ :

90 - الْوَصِيَّةُ بِالْجُزْءِ لاَ تَخْلُو: إِمَّا أَنْ تَكُونَ بِجُزْءٍ مُبْهَمٍ، أَوْ تَكُونَ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ.

أَمَّا الْوَصِيَّةُ بِجُزْءٍ مُبْهَمٍ كَأَنْ يُوصِيَ لِشَخْصٍ بِجُزْءٍ أَوْ حَظٍّ أَوْ شَيْءٍ أَوْ نَصِيبٍ أَوْ قِسْطٍ، فَقَدْ سَبَقَ حُكْمُهُمَا .

(ر: ف54، 55).

وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ فَلَهَا احْتِمَالاَنِ:

فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ بِالثُّلُثِ فَمَا دُونَهُ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ بِأَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ .

الاِحْتِمَالُ الأْوَّلُ: الْوَصِيَّةُ بِالثُّلُثِ فَمَا دُونَهُ:

الْوَصِيَّةُ بِالثُّلُثِ فَمَا دُونَهُ لاَ تَخْلُو: إِمَّا أَنْ تَكُونَ بِجُزْءٍ وَاحِدٍ، أَوْ تَكُونَ بِجُزْأَيْنِ فَصَاعِدًا.

أ- الْوَصِيَّةُ بِجُزْءٍ وَاحِدٍ:

91 - إِنْ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ: كَثُلُثٍ أَوْ رُبُعٍ صَحَّتِ الْوَصِيَّةُ. وَإِنْ كَانَ لِلْمُوصِي وَرَثَةٌ فَقَدِ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْفُقَهَاءِ فِي بَيَانِ طُرُقِ قِسْمَةِ التَّرِكَةِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ وَالْمُوصَى لَهُ.

فَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ إِنْ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ بِجُزْءٍ وَاحِدٍ، فَتُصَحَّحُ مَسْأَلَةُ الْمِيرَاثِ عَائِلَةً أَوْ غَيْرَ عَائِلَةٍ، وَيُنْظَرُ فِي مَخْرَجِ جُزْءِ الْوَصِيَّةِ، وَيُخْرَجُ مِنْهُ جُزْءُ الْوَصِيَّةِ. ثُمَّ إِنِ انْقَسَمَ الْبَاقِي عَلَى مَسْأَلَةِ الْوَرَثَةِ صَحَّتِ الْمَسْأَلَتَانِ، وَذَلِكَ كَمَنْ أَوْصَى بِرُبُعِ مَالِهِ وَتَرَكَ ثَلاَثَةَ بَنِينَ، فَمَخْرَجُ جُزْءِ الْوَصِيَّةِ أَرْبَعَةٌ، وَالْبَاقِي بَعْدَ إِخْرَاجِ الرُّبُعِ يَنْقَسِمُ عَلَى الْبَنِينَ، وَإِنْ لَمْ يَنْقَسِمْ فَلَكَ طَرِيقَانِ:

الطَّرِيقُ الأْوَّلُ: أَنْ تَنْظُرَ فِي الْبَاقِي وَفِي مَسْأَلَةِ الْوَرَثَةِ، فَإِنْ تَبَايَنَا ضَرَبْتَ مَسْأَلَةَ الْوَرَثَةِ فِي مَخْرَجِ الْوَصِيَّةِ، وَإِنْ تَوَافَقَا ضَرَبْتَ وَفْقَ مَسْأَلَةِ الْوَرَثَةِ فِي مَخْرَجِ الْوَصِيَّةِ، فَمَا بَلَغَ صَحَّتْ مِنْهُ الْقِسْمَةُ. ثُمَّ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ مَخْرَجِ الْوَصِيَّةِ أَخَذَهُ مَضْرُوبًا فِيمَا ضَرَبْتَهُ فِي مَخْرَجِ الْوَصِيَّةِ، وَمَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ مَسْأَلَةِ الْوَرَثَةِ، أَخَذَهُ مَضْرُوبًا فِيمَا بَقِيَ مِنْ مَخْرَجِ الْوَصِيَّةِ بَعْدَ إِخْرَاجِ جُزْءِ الْوَصِيَّةِ إِنْ كَانَ الْبَاقِي مَعَ مَسْأَلَةِ الْوَرَثَةِ مُتَبَايِنَيْنِ. وَإِنْ كَانَا مُتَوَافِقَيْنِ فَفِي وَفْقِ الْبَاقِي. وَبِهَذَا يَقُولُ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْجُمْلَةِ.

مِثَالُهُ: ثَلاَثَةُ بَنِينَ، أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ، مَسْأَلَةُ الْوَرَثَةِ مِنْ ثَلاَثَةٍ، وَمَخْرَجُ الْوَصِيَّةِ أَيْضًا ثَلاَثَةٌ، وَالْبَاقِي بَعْدَ جُزْءِ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ لاَ يَنْقَسِمَانِ عَلَى ثَلاَثَةٍ.

فَعَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ: يُضْرَبُ ثَلاَثَةٌ فِي مَخْرَجِ الْوَصِيَّةِ تَبْلُغُ تِسْعَةٌ مِنْهَا الْقِسْمَةَ، كَانَ لِلْمُوصَى لَهُ سَهْمٌ يَأْخُذُهُ مَضْرُوبًا فِي الثَّلاَثَةِ الْمَضْرُوبَةِ فِي مَخْرَجِ الْوَصِيَّةِ، وَلِكُلِّ ابْنٍ سَهْمٌ مِنْ مَسْأَلَةِ الْوَرَثَةِ مَضْرُوبٌ فِي الْبَاقِي مِنْ مَخْرَجِ الْوَصِيَّةِ بَعْدَ إِخْرَاجِ جُزْءِ الْوَصِيَّةِ وَهُوَ اثْنَانِ .

الطَّرِيقُ الثَّانِي: وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ: تَأْخُذُ مَخْرَجَ جُزْءِ الْوَصِيَّةِ، ثُمَّ تَزِيدُ عَلَى سِهَامِ الْفَرِيضَةِ سِهَامًا قَبْلَ مَخْرَجِ الْوَصِيَّةِ أَبَدًا، فَإِذَا كَانَ الْوَصِيَّةُ بِالثُّلُثِ زِدْتَ نِصْفَهَا، أَوْ بِالرُّبُعِ زِدْتَ ثُلُثَهَا أَوْ بِالْخُمُسِ زِدْتَ رُبُعَهَا، ثُمَّ كَذَلِكَ إِلَى الْعُشْرِ وَمَا زَادَ عَلَيْهِ، يُطَّرَدُ ذَلِكَ فِي الْمَفْتُوحِ وَالأْصَمِّ. فَإِنْ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ بِجُزْءٍ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ زِدْتَ الْعُشْرَ أَوْ بِجُزْءٍ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ زِدْتَ جُزْءًا مِنْ أَحَدَ عَشَرَ ثُمَّ كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ بِالنِّصْفِ زِدْتَ مِثْلَهَا؛ لأِنَّ  الَّذِي قَبْلَ مَخْرَجِ الْوَصِيَّةِ وَاحِدٌ، فَالْقِسْمَةُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ، وَلأِنَّ  النِّصْفَ هُوَ أَكْثَرُ الأْجْزَاءِ  وَأَوَّلُهَا، وَمَا قَبْلَهُ هُوَ الْوَاحِدُ، فَجَعَلْنَا سِهَامَ الْفَرِيضَةِ كَالْوَاحِدِ وَزِدْنَا عَلَيْهَا مِثْلَهَا.

وَعَبَّرَ بَعْضُهُمْ عَنْ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ أَنَّا إِذَا صَحَّحْنَا الْفَرِيضَةَ وَالْوَصِيَّةَ وَأَخْرَجْنَا جُزْءَ الْوَصِيَّةِ مِنْهَا، وَوَجَدْنَا الْبَقِيَّةَ غَيْرَ مُنْقَسِمَةٍ عَلَى الْفَرِيضَةِ نَظَرْنَا نِسْبَةَ الْجُزْءِ الَّذِي أَخْرَجْنَاهُ مِنَ الْفَرِيضَةِ إِلَى بَقِيَّتِهَا، فَمَا كَانَ رَدَدْنَا عَلَى الْفَرِيضَةِ مَا نُسِبَتْ إِلَيْهَا تِلْكَ النِّسْبَةُ، وَبِهَذَا يَقُولُ الْحَنَابِلَةُ فِي الْجُمْلَةِ.

مِثَالُهُ: أَرْبَعَةُ بَنِينَ وَأَوْصَى بِالثُّلُثِ، فَعَلَى هَذَا الطَّرِيقِ عَلَى الْعِبَارَةِ الأْولَى تَحْمِلُ عَلَى فَرِيضَةِ الْوَرَثَةِ جُزْءًا مَا قَبْلَ مَخْرَجِ الْوَصِيَّةِ، وَهُوَ هَاهُنَا النِّصْفُ فَتَصِيرُ سِتَّةً، يَخْرُجُ جُزْءُ الْوَصِيَّةِ اثْنَيْنِ، تَبْقَى أَرْبَعَةٌ عَلَى أَرْبَعَةٍ، وَعَلَى الْعِبَارَةِ الثَّانِيَةِ إِذَا اعْتَبَرْنَا الْجُزْءَ الَّذِي أَخْرَجْنَاهُ مِنْ فَرِيضَةِ الْوَصِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى بَقِيَّتِهَا وَجَدْنَاهُ نِصْفَ الْبَاقِي فَزِدْنَا عَلَى الْفَرِيضَةِ نِصْفَهَا.

وَقَدْ يَقَعُ فِي الْفَرِيضَةِ كَسْرٌ؛ بِسَبَبِ حَمْلِ الْجُزْءِ عَلَى الْفَرِيضَةِ، فَتُضْرَبُ الْمَسْأَلَةُ وَالْكَسْرُ فِي مَخْرَجِ ذَلِكَ الْكَسْرِ وَمِنْهَا تَصِحُّ.

مِثَالُ ذَلِكَ: أَوْصَى بِالسُّدُسِ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا، فَإِذَا أَخْرَجْنَا جُزْءَ الْوَصِيَّةِ وَهُوَ وَاحِدٌ مِنْ مَخْرَجِهَا وَهُوَ سِتَّةٌ تَبْقَى خَمْسَةٌ، فَلاَ تَنْقَسِمُ عَلَى الْفَرِيضَةِ وَلاَ تُوَافِقُ، فَعَلَى الطَّرِيقِ الأْوَّلِ: نَضْرِبُ أَرْبَعَةً فِي السِّتَّةِ تَبْلُغُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ، وَكَذَا فِي الطَّرِيقِ الثَّانِي أَيْضًا يَخْرُجُ مِنَ الأْرْبَعَةِ  وَالْعِشْرِينَ، وَلَكِنْ بَعْدَ وُجُودِ الْكَسْرِ فِيهَا وَضَرْبِهَا وَضَرْبِهِ فِي مَخْرَجِهِ.

فَنَقُولُ عَلَى الْعِبَارَةِ الأْولَى: إِذَا أَوْصَى بِالسُّدُسِ حَمَلْنَا عَلَى الْفَرِيضَةِ مِثْلَ خُمُسِهَا - وَخُمُسُ الأْرْبَعَةِ  أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ - فَتَنْكَسِرُ السِّهَامُ، فَنَضْرِبُ الأْرْبَعَةَ  وَالأْرْبَعَةَ  الأْخْمَاسِ  فِي خَمْسَةٍ تَبْلُغُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ. وَكَذَلِكَ إِذَا نَسَبْنَا جُزْءَ الْوَصِيَّةِ إِلَى مَا بَقِيَ مِنْ مَخْرَجِهَا وَجَدْنَاهُ خُمُسَ الْبَقِيَّةِ فَحَمَلْنَا عَلَى الْفَرِيضَةِ خُمُسَهَا، انْكَسَرَتِ السِّهَامُ، فَتَضْرِبُهَا فِي الْخَمْسَةِ .

ب- الْوَصِيَّةُ بِجُزْأَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فِي حُدُودِ الثُّلُثِ فَمَا دُونَهُ:

92 - مَنْ أَوْصَى بِجُزْأَيْنِ ضَرَبْتَ مَخْرَجَ أَحَدِهِمَا فِي مَخْرَجِ الآْخَرِ أَوْ فِي وَفْقِهِ إِنْ كَانَ، وَمَا اجْتَمَعَ فَهُوَ مَخْرَجُ الْفَرِيضَتَيْنِ جَمِيعًا، فَإِذَا أَخْرَجْتَ جُزْءَ الْوَصِيَّةِ مِنْهُ ثُمَّ قَسَمْتَ الْبَاقِيَ عَلَى الْفَرِيضَةِ فَإِنِ انْقَسَمَ وَإِلاَّ ضَرَبْتَ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ الضَّرْبُ فِي عَدَدِ سِهَامِ الْمَسْأَلَةِ، أَوْ فِي وَفْقٍ إِنْ كَانَ، وَمِنْهُ يَصِحُّ حِسَابُ الْوَصِيَّتَيْنِ .

وَمِنْ أَمْثِلَةِ الْوَصِيَّةِ بِجُزْأَيْنِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: ثَلاَثَةُ بَنِينَ وَأَوْصَى بِالسُّدُسِ وَلآِخَرَ بِالسُّبُعِ، فَمَخْرَجُ السُّدُسِ مِنْ سِتَّةٍ، وَالسُّبُعِ مِنْ سَبْعَةٍ، وَهُمَا مُتَبَايِنَانِ، تَضْرِبُ أَحَدَهُمَا فِي الآْخَرِ تَبْلُغُ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ، يَخْرُجُ جُزْءُ الْوَصِيَّةِ ثَلاَثَةَ عَشَرَ، تَبْقَى تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ لاَ تَنْقَسِمُ عَلَى سِهَامِ الْفَرِيضَةِ وَلاَ تُوَافِقُهَا، تَضْرِبُ الثَّلاَثَةَ سِهَامِ الْفَرِيضَةِ فِي اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ تَبْلُغُ مِائَةً وَسِتَّةً وَعِشْرِينَ، جُزْءُ الْوَصِيَّةِ مِنْ ذَلِكَ تِسْعَةٌ وَثَلاَثُونَ، يَبْقَى سَبْعَةٌ وَثَمَانُونَ، لِكُلِّ سَهْمٍ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ .

وَمِنْ أَمْثِلَةِ الْوَصِيَّةِ بِجُزْأَيْنِ فَصَاعِدًا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَبَوَانِ وَأَوْصَى بِثُمُنِ مَالِهِ لِزَيْدٍ، وَبِخُمُسِهِ لِعَمْرٍو، مَسْأَلَةُ الْوَرَثَةِ مِنْ ثَلاَثَةٍ، وَمَخْرَجُ الْجُزْأَيْنِ أَرْبَعُونَ، لِزَيْدٍ خَمْسَةٌ وَلِعَمْرٍو ثَمَانِيَةٌ، وَيَبْقَى سَبْعٌ وَعِشْرُونَ تَصِحُّ عَلَى ثَلاَثَةِ بَنِينَ.

وَأَوْصَى بِرُبُعِ مَالِهِ لِزَيْدٍ، وَبِنِصْفِ سُدُسِهِ لِعَمْرٍو، مَسْأَلَةُ الْوَرَثَةِ ثَلاَثَةٌ، وَمَخْرَجُ الْوَصِيَّتَيْنِ اثْنَا عَشَرَ وَمَجْمُوعُ الْجُزْأَيْنِ أَرْبَعَةٌ، إِذَا أَخْرَجْنَاهَا يَبْقَى ثَمَانِيَةٌ لاَ تَصِحُّ عَلَى ثَلاَثَةٍ:

فَعَلَى الطَّرِيقِ الأْوَّلِ - الْمَذْكُورِ عِنْدَ الْكَلاَمِ عَنِ الْوَصِيَّةِ بِجُزْءٍ وَاحِدٍ -: لاَ مُوَافَقَةَ، فَتَضْرِبُ ثَلاَثَةً فِي اثْنَيْ عَشَرَ فَتَبْلُغُ سِتَّةً وَثَلاَثِينَ مِنْهَا تَصِحُّ.

وَعَلَى الطَّرِيقِ الثَّانِي: الْخَارِجُ بِالْوَصِيَّتَيْنِ نِصْفُ الْبَاقِي مِنْ مَخْرَجِهِمَا، فَتَزِيدُ عَلَى مَسْأَلَةِ الْوَرَثَةِ نِصْفَهَا تَبْلُغُ أَرْبَعَةً وَنِصْفًا، تَبْسُطُهَا أَنْصَافًا تَكُونُ تِسْعَةً، لَكِنَّ نَصِيبَ الْمُوصَى لَهُمَا مِنْ مَخْرَجِ الْوَصِيَّتَيْنِ أَرْبَعَةٌ، وَحِصَّتَهُمَا مِنَ التِّسْعَةِ ثَلاَثَةٌ، لاَ تَنْقَسِمُ عَلَى أَرْبَعَةٍ، فَتَضْرِبُ أَرْبَعَةً فِي تِسْعَةٍ تَبْلُغُ سِتَّةً وَثَلاَثِينَ.

وَلَوْ كَانَ الْبَنُونَ سِتَّةً وَالْوَصِيَّتَانِ بِحَالِهِمَا: فَعَلَى الطَّرِيقِ الأْوَّلِ: تَبْقَى ثَمَانِيَةٌ لاَ تَصِحُّ عَلَى سِتَّةٍ، لَكِنْ تَوَافِقُ بِالنِّصْفِ فَتَضْرِبُ نِصْفَ نِصْفِ السِّتَّةِ فِي اثْنَيْ عَشَرَ تَبْلُغُ سِتَّةً وَثَلاَثِينَ.

وَالطَّرِيقُ الثَّانِي كَمَا سَبَقَ .

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنْ وَصَّى بِجُزْأَيْنِ كَثُمُنٍ وَتُسُعٍ أَخَذْتَهُمَا مِنْ مَخْرَجِهِمَا سَبْعَةَ عَشَرَ، وَهِيَ لاَ تَنْقَسِمُ فَاضْرِبْ ثَمَانِيَةً فِي تِسْعَةٍ تَبْلُغُ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ وَمِنْهَا تَصِحُّ، فَأَعْطَى لِصَاحِبِ الثُّمُنِ تِسْعَةً، وَلِصَاحِبِ التُّسْعِ ثَمَانِيَةً، يَبْقَى خَمْسَةٌ وَخَمْسُونَ تُدْفَعُ لِلْوَرَثَةِ.

وَإِنْ وَصَّى بِأَكْثَرَ مِنْ جُزْأَيْنِ كَثُمُنٍ وَتُسُعٍ وَعُشُرٍ تَأْخُذُ الْكُسُورَ مِنْ مَخْرَجِهَا الْجَامِعِ لَهَا، وَذَلِكَ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ، وَهِيَ لاَ تَنْقَسِمُ فَاضْرِبِ الثَّمَانِيَةَ فِي التِّسْعَةِ تَبْلُغُ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ. ثُمَّ اضْرِبْ ذَلِكَ فِي عَشْرٍ تَبْلُغُ سَبْعَمِائَةٍ وَعِشْرِينَ وَمِنْهَا تَصِحُّ، فَأَعْطِ لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّمُنِ تِسْعِينَ وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالسُّبْعِ ثَمَانِينَ، وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالْعُشْرِ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ، وَتَقْسِمُ الْبَاقِي - وَهُوَ أَرْبَعُمِائَةٍ وَثَمَانِيَةٌ وَسَبْعُونَ - عَلَى مَسْأَلَةِ الْوَرَثَةِ.

هَذَا إِذَا انْقَسَمَ، فَإِنْ لَمْ يَنْقَسِمِ الْبَاقِي بَعْدَ الثُّلُثِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْوَرَثَةِ ضَرَبْتَ مَسْأَلَةَ الْوَرَثَةِ إِنْ بَايَنَهَا الْبَاقِي، أَوْ ضَرَبْتَ وَفْقَهَا إِنْ وَافَقَهَا الْبَاقِي فِي مَخْرَجِ الْوَصِيَّةِ فَمَا بَلَغَ فَمِنْهُ تَصِحُّ .

الاِحْتِمَالُ الثَّانِي- الْوَصِيَّةُ بِأَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ:

الْوَصِيَّةُ بِأَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ إِمَّا أَنْ تَسْتَغْرِقَ الْمَالَ وَإِمَّا أَلاَّ تَسْتَغْرِقَهُ.

أَوَّلاً: الْوَصِيَّةُ بِأَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ إِذَا لَمْ تَزِدْ عَلَى الْمَالِ:

93 - إِذَا أَوْصَى رَجُلٌ بِأَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ، فَيُنْظَرُ إِنْ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ لِشَخْصٍ أَوْ جَمَاعَةٍ يَشْتَرِكُونَ فِيهِ إِمَّا بِجُزْءٍ كَالنِّصْفِ، وَإِمَّا بِجُزْأَيْنِ كَالنِّصْفِ وَالرُّبُعِ، فَمَدَارُ الْمَسْأَلَةِ عَلَى إِجَازَةِ الْوَرَثَةِ وَرَدِّهِمْ:

فَمَنْ أَوْصَى لِشَخْصٍ بِنِصْفِ مَالِهِ، وَلآِخَرَ بِثُلُثِهِ، وَلآِخَرَ بِرُبُعِهِ، فَإِنْ أَجَازَ الْوَرَثَةُ قُسِّمَ الْمَالُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ وَصَايَاهُمْ، وَأَصْلُهَا مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ فِي هَذَا الْمِثَالِ لاِجْتِمَاعِ الثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَتَعُولُ بِسَهْمٍ، وَتَصِحُّ مِنْ ثَلاَثَةَ عَشَرَ، لِصَاحِبِ النِّصْفِ سِتَّةُ أَسْهُمٍ، وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ، وَلِصَاحِبِ الرُّبُعِ ثَلاَثَةُ أَسْهُمٍ، وَكَانَ النَّقْصُ بِسَهْمِ الْعَوْلُ دَاخِلاً عَلَى جَمِيعِهِمْ كَالْمَوَارِيثِ، وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ .

وَإِنْ رَدَّ الْوَرَثَةُ الْوَصَايَا الزَّائِدَةَ عَلَى الثُّلُثِ فَقْدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي كَيْفِيَّةِ قِسْمَةِ الثُّلُثِ بَيْنَ الْمُوصَى لَهُمْ.

فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إِلَى أَنَّ الثُّلُثَ يُقْسَمُ بَيْنَ الْمُوصَى لَهُمْ عَلَى قَدْرِ سِهَامِهِمْ بِتَقْدِيرِ الإْجَازَةِ، وَيُقْسَمُ الثُّلُثَانِ عَلَى الْوَرَثَةِ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُوصَى لَهُمْ مِنْ تَجَاوُزِ وَصِيَّتِهِ الثُّلُثَ أَوْ لاَ. وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَالنَّخَعِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَالثَّوْرِيُّ وَإِسْحَاقُ.

وَاسْتَدَلُّوا عَلَى مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ بِأَنَّ الْمُوصِيَ لَمَّا قَصَدَ التَّفْضِيلَ بَيْنَ الْمُوصَى لَهُمْ فِي كُلِّ الْمَالِ قَصَدَ التَّفْضِيلَ بَيْنَهُمْ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ فَلَمْ تَجُزِ التَّسْوِيَةُ، وَلأِنَّ  كُلَّ شَخْصَيْنِ جُعِلَ الْمَالُ بَيْنَهُمَا عَلَى التَّفَاضُلِ، لَزِمَ عِنْدَ ضِيقِ الْمَالِ أَنْ يَتَقَاسَمَاهُ عَلَى التَّفَاضُلِ كَالْعَوْلِ فِي الْفَرَائِضِ .

وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ إِلَى أَنَّهُ إِذَا لَمْ تُجِزِ الْوَرَثَةُ الزِّيَادَةَ عَلَى الثُّلُثِ فَإِنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ لاَ يَضْرِبُ إِلاَّ بِالثُّلُثِ؛ لأِنَّ  الزِّيَادَةَ عَلَى الثُّلُثِ مُلْغَاةٌ .

قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي مَعْرِضِ الاِسْتِدْلاَلِ لأِبِي  حَنِيفَةَ: إِنَّ الْوَصِيَّةَ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَقَعَتْ بِغَيْرِ مَشْرُوعٍ عِنْدَ عَدَمِ الإْجَازَةِ مِنَ الْوَرَثَةِ إِذْ لاَ يُتَصَوَّرُ نَفَاذُهَا بِحَالٍ فَتَبْطُلُ أَصْلاً؛ وَلاَ يُعْتَبَرُ الْبَاطِلُ، وَالتَّفْضِيلُ ثَبَتَ فِي ضِمْنِ الاِسْتِحْقَاقِ فَيَبْطُلُ بِبُطْلاَنِ الاِسْتِحْقَاقِ، كَالْمُحَابَاةِ الثَّابِتَةِ فِي ضِمْنِ الْبَيْعِ تَبْطُلُ بِبُطْلاَنِ الْبَيْعِ .

وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا الْخِلاَفِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ الْخِلاَفُ فِي مَسَائِلَ عِدَّةٍ مِنْهَا:

أ-إِذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِرُبُعِ مَالِهِ وَلآِخَرَ بِنِصْفِ مَالِهِ وَلَمْ تُجِزِ الْوَرَثَةُ فَعِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ يُقَسَّمُ الثُّلُثُ بَيْنَ الْمُوصَى لَهُمَا عَلَى ثَلاَثَةٍ: لِلْمُوصَى لَهُ بِالنِّصْفِ سَهْمَانِ، وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالرُّبُعِ سَهْمٌ؛ لأِنَّ  الْمُوصَى لَهُ بِالنِّصْفِ يَضْرِبُ بِجَمِيعِ وَصِيَّتِهِ.

وَالْمُوصَى لَهُ بِالرُّبُعِ يَضْرِبُ بِالرُّبُعِ، وَالرُّبُعُ مِثْلُ نِصْفِ النِّصْفِ، فَيُجْعَلُ كُلُّ رُبُعٍ بَيْنَهُمَا، فَالنِّصْفُ يَكُونُ سَهْمَيْنِ.

وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَنْ وَافَقَهُ إِلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَجُوزُ مِنَ الثُّلُثِ، فَيَكُونُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى سَبْعَةٍ، لِلْمُوصَى لَهُ بِالنِّصْفِ أَرْبَعَةٌ، وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالرُّبُعِ ثَلاَثَةٌ .

ب- لَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ، وَلآِخَرَ بِنِصْفِهِ وَلآِخَرَ بِرُبُعِهِ وَرَدَّ الْوَرَثَةُ الْوَصَايَا، فَيَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْوَصَايَا تَرْجِعُ إِلَى الثُّلُثِ، وَكَانَ الثُّلُثُ مَقْسُومًا بَيْنَ الْمُوصَى لَهُمْ بِالْحِصَصِ عَلَى ثَلاَثَةَ عَشَرَ سَهْمًا، فَيَكُونُ لِصَاحِبِ النِّصْفِ سِتَّةُ أَسْهُمٍ، وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ، وَلِصَاحِبِ الرُّبُعِ ثَلاَثَةُ أَسْهُمٍ.

وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَنْ وَافَقَهُ إِلَى أَنَّ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ يُرَدُّ مِنْ وَصِيَّةِ صَاحِبِ النِّصْفِ لِيَسْتَوِيَ فِي الْوَصِيَّةِ صَاحِبُ الثُّلُثِ وَصَاحِبُ النِّصْفِ، وَيَكُونُ الثُّلُثُ مَقْسُومًا بَيْنَهُمْ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ سَهْمًا: لِصَاحِبِ النِّصْفِ أَرْبَعَةٌ، وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ أَرْبَعَةٌ وَلِصَاحِبِ الرُّبُعِ ثَلاَثَةٌ .

ثَانِيًا: الْوَصِيَّةُ بِأَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ وَقَدْ جَاوَزَتِ الْمَالَ:

94 - إِنِ اسْتَغْرَقَتِ الْوَصَايَا الْمَالَ وَأُجِيزَتْ، قُسِمَ الْمَالُ بَيْنَ أَصْحَابِ الْوَصَايَا عَلَى قَدْرِ وَصَايَاهُمْ، مِثْلُ الْعَوْلِ، وَتُجْعَلُ وَصَايَاهُمْ كَالْفُرُوضِ الَّتِي فَرَضَهَا اللَّهُ تَعَالَى لِلْوَرَثَةِ، وَإِنْ رَدَّ الْوَرَثَةُ الزِّيَادَةَ عَلَى الثُّلُثِ قُسِمَ الثُّلُثُ بَيْنَ الْمُوصَى لَهُمْ عَلَى نِسْبَةِ أَنْصِبَائِهِمْ بِتَقْدِيرِ الإْجَازَةِ، هَذَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ .

وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَابْنِ الْمُنْذِرِ لاَ يَضْرِبُ الْمُوصَى لَهُ عِنْدَ عَدَمِ الإْجَازَةِ بِأَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ؛ لأِنَّ  الْوَصِيَّةَ وَقَعَتْ بِغَيْرِ الْمَشْرُوعِ عِنْدَ عَدَمِ الإْجَازَةِ مِنَ الْوَرَثَةِ، إِذْ لاَ نَفَاذَ لَهَا فَيَبْطُلُ أَصْلاً .

فَمَنْ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِمَالِهِ كُلِّهِ، وَلِعَمْرٍو بِثُلُثِهِ فَإِنْ أَجَازُوا فَقَدْ عَالَتْ إِلَى أَرْبَعَةٍ: لِزَيْدٍ ثَلاَثَةٌ، وَلِعَمْرٍو سَهْمٌ.

وَإِنْ رَدَّ الْوَرَثَةُ الْوَصَايَا، قُسِّمَ الثُّلُثُ بَيْنَ الْمُوصَى لَهُمَا عَلَى أَرْبَعَةٍ وَتَكُونُ قِسْمَةُ الْوَصِيَّةِ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ. هَذَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَنْ وَافَقَهُ: الثُّلُثُ بَيْنَ الْمُوصَى لَهُمَا نِصْفَانِ .

الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ: الْجَمْعُ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ بِالأْجْزَاءِ وَالأْنْصِبَاءِ :

لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ بِالأْجْزَاءِ  وَالأْنْصِبَاءِ  صُوَرٌ مُتَعَدِّدَةٌ مِنْهَا:

أ- الْوَصِيَّةُ بِمِثْلِ نَصِيبِ وَارِثٍ وَبِجُزْءٍ مُضَافٍ إِلَى جَمِيعِ الْمَالِ:

95 - مِنْ أَمْثِلَةِ هَذِهِ الصُّورَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: إِذَا هَلَكَ رَجُلٌ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ وَأَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ، وَأَوْصَى لآِخَرَ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا أَوْ نَصِيبِ ابْنٍ ثَالِثٍ - لَوْ كَانَ - فَأَجَازَا الْوَصِيَّتَيْنِ، فَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ ثُلُثُ الْمَالِ، وَالْبَاقِي بَيْنَ الاِبْنَيْنِ وَبَيْنَ الْمُوصَى لَهُ بِالنَّصِيبِ أَثْلاَثًا، وَالْحِسَابُ مِنْ تِسْعَةٍ: فَلِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ ثَلاَثَةٌ، وَيَبْقَى سِتَّةٌ بَيْنَ الاِبْنَيْنِ وَبَيْنَ الْمُوصَى لَهُ بِالنَّصِيبِ أَثْلاَثًا، لِكُلِّ ابْنٍ سَهْمَانِ، وَلِلْمُوصَى لَهُ أَيْضًا سَهْمَانِ مِثْلُ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا، وَإِنْ لَمْ يُجِيزَا يُقْسَمُ الثُّلُثُ بَيْنَ الْمُوصَى لَهُمَا نِصْفَانِ.

وَلَوْ أَجَازَ الاِبْنَانِ الْوَصِيَّةَ لِصَاحِبِ الْمِثْلِ دُونَ صَاحِبِ الثُّلُثِ، فَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ نِصْفُ الثُّلُثِ - وَهُوَ السُّدُسُ - كَمَا لَوْ لَمْ تُوجَدِ الإْجَازَةُ، وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالنَّصِيبِ ثُلُثُ مَا بَقِيَ لِصِحَّةِ الإْجَازَةِ فِي حَقِّهِ، وَاحْتَجْنَا إِلَى حِسَابٍ إِذَا رَفَعْنَا السُّدُسَ يَنْقَسِمُ الْبَاقِي مِنْهُ أَثْلاَثًا، وَأَقَلُّ ذَلِكَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، يُعْطَى لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ السُّدُسُ ثَلاَثَةً، وَيَبْقَى خَمْسَةَ عَشَرَ تُقْسَمُ بَيْنَ الاِبْنَيْنِ وَبَيْنَ الْمُوصَى لَهُ بِالنَّصِيبِ أَثْلاَثًا لِكُلِّ وَاحِدٍ خَمْسَةٌ.

وَإِنْ أَجَازَ أَحَدُ الاِبْنَيْنِ الْوَصِيَّةَ لِصَاحِبِ الْمِثْلِ دُونَ صَاحِبِ الثُّلُثِ، وَلَمْ يُجِزِ الاِبْنُ الآْخَرُ الْوَصِيَّتَيْنِ أَصْلاً، فَنَقُولُ: لَوْ لَمْ يُجِيزَا كَانَ لِصَاحِبِ الْمِثْلِ ثَلاَثَةٌ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَلَوْ أَجَازَا كَانَ لِصَاحِبِ الْمِثْلِ خَمْسَةٌ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، فَتَفَاوُتُ مَا بَيْنَهُمَا سَهْمَانِ، مِنْ نَصِيبِ كَلِّ وَاحِدٍ مِنَ الاِبْنَيْنِ سَهْمٌ، فَإِذَا أَجَازَ أَحَدُهُمَا صَحَّتِ الإْجَازَةُ فِي نَصِيبِهِ خَاصَّةً، فَيَصِيرُ لِصَاحِبِ الْمِثْلِ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ، وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ ثَلاَثَةٌ، وَلِلْمُجِيزِ خَمْسَةٌ، وَلِلَّذِي لَمْ يُجِزْ سِتَّةٌ .

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنْ لَمْ تَزِدْ جُمْلَةُ الْمَالِ الْمُوصَى بِهِ عَلَى الثُّلُثِ اجْعَلِ الْمُوصَى لَهُ بِالنَّصِيبِ كَأَحَدِ الْوَرَثَةِ، فَتُصَحَّحُ مَسْأَلَةُ الْوَرَثَةِ ثُمَّ يُؤْخَذُ مَخْرَجُ الْوَصِيَّةِ وَيُخْرَجُ مِنْهُ جُزْءُ الْوَصِيَّةِ، وَيُنْظَرُ هَلْ يَنْقَسِمُ الْبَاقِي عَلَى مَسْأَلَةِ الْوَرَثَةِ: إِنِ انْقَسَمَ فَذَاكَ وَإِلاَّ فَلِلتَّصْحِيحِ طَرِيقَانِ سَبَقَ ذِكْرُهُمَا عِنْدَ الْكَلاَمِ عَنِ الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ فَمَا دُونَهُ، وَإِنْ زَادَتْ عَلَى الثُّلُثِ وَأَجَازَ الْوَرَثَةُ، فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ وَالْحِسَابُ، وَإِنْ لَمْ يُجِيزُوا قُسِمَ الثُّلُثُ عَلَى نِسْبَةِ الْقِسْمَةِ عِنْدَ الإْجَازَةِ.

مِثَالُهُ: ثَلاَثَةُ بَنِينَ، وَأَوْصَى لِزَيْدٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِهِمْ، وَلِعَمْرٍو بِعُشْرِ الْمَالِ، فَمَسْأَلَةُ الْوَرَثَةِ وَزَيْدٍ مِنْ أَرْبَعَةٍ، وَمَخْرَجُ الْجُزْءِ عَشَرَةٌ، يَبْقَى مِنْهَا بَعْدَ إِخْرَاجِ الْجُزْءِ تِسْعَةٌ لاَ تَنْقَسِمُ عَلَى أَرْبَعَةٍ وَلاَ تُوَافِقُ، فَتَضْرِبُ أَرْبَعَةً فِي عَشَرَةٍ تَبْلُغُ أَرْبَعِينَ، لِعَمْرٍو أَرْبَعَةٌ، وَلِزَيْدٍ وَكُلِّ ابْنٍ تِسْعَةٌ، وَجُمْلَةُ الْوَصِيَّتَيْنِ ثَلاَثَةَ عَشَرَ .

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِذَا خَلَّفَ ابْنَيْنِ وَوَصَّى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلآِخَرَ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنٍ فَفِيهَا وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا - وَهُوَ الْمَذْهَبُ - لِصَاحِبِ النَّصِيبِ ثُلُثُ الْمَالِ عِنْدَ الإْجَازَةِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ وَصِيٌّ آخَرُ، وَلِلآْخَرِ الثُّلُثُ.

وَعِنْدَ الرَّدِّ يُقْسَمُ الثُّلُثُ بَيْنَ الْوَصِيَّيْنِ نِصْفَيْنِ؛ لأِنَّهُ مُوصَى لَهُمَا بِثُلُثَيْ مَالِهِ وَقَدْ رَجَعَتْ وَصِيَّتُهُمَا بِالرَّدِّ إِلَى نِصْفِهَا وَتَصِحُّ مِنْ سِتَّةٍ.

وَالثَّانِي: لِصَاحِبِ النَّصِيبِ مِثْلُ مَا يَحْصُلُ لاِبْنٍ؛ لأِنَّهُ لَوْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لأََخَذَ أَكْثَرَ مِنَ الاِبْنِ؛ وَالْمُوصِي قَدْ سَوَّى بَيْنَهُمَا: وَهُوَ ثُلُثُ الْبَاقِي، وَذَلِكَ التُّسُعَانِ عِنْدَ الإْجَازَةِ؛ لأِنَّ  لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ ثُلُثَ الْمَالِ، يَبْقَى سَهْمَانِ بَيْنَ الْمُوصَى لَهُ بِالنَّصِيبِ وَبَيْنَ الاِبْنَيْنِ عَلَى ثَلاَثَةٍ، فَتَضْرِبُهَا فِي ثَلاَثَةٍ تَكُنْ تِسْعَةً، لِصَاحِبِ الثُّلُثِ ثَلاَثَةٌ، وَلِكُلِّ ابْنٍ سَهْمَانِ، وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالنَّصِيبِ سَهْمَانِ وَهِيَ تُسُعَانِ.

وَعِنْدَ الرَّدِّ يُقْسَمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى خَمْسَةٍ الَّتِي كَانَتْ فِي حَالِ الإْجَازَةِ، لِصَاحِبِ الثُّلُثِ ثَلاَثَةٌ، وَلِصَاحِبِ النَّصِيبِ سَهْمَانِ، وَلِكُلِّ ابْنٍ خَمْسَةٌ.

وَإِنْ كَانَ الْجُزْءُ الْمُوصَى بِهِ النِّصْفَ صَحَّتْ عَلَى الأْوَّلِ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ فِي حَالِ الإْجَازَةِ، وَفِي الرَّدِّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ.

وَعَلَى الثَّانِي تَصِحُّ مِنْ سِتَّةٍ فِي حَالِ الإْجَازَةِ، وَفِي الرَّدِّ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ .

ب- الْوَصِيَّةُ بِجُزْءٍ مِنْ جُزْءٍ مِنَ الْمَالِ يَبْقَى بَعْدَ النَّصِيبِ:

96 - مِنْ أَمْثِلَةِ هَذِهِ الصُّورَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مَا جَاءَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ:

إِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ خَمْسَةُ بَنِينَ فَأَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِهِمْ وَثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنَ الثُّلُثِ لآِخَرَ فَالْفَرِيضَةُ مِنْ أَحَدٍ وَخَمْسِينَ سَهْمًا، لِصَاحِبِ النِّسَبِ ثَمَانِيَةُ أَسْهُمٍ، وَلِصَاحِبِ ثُلُثِ مَا بَقِيَ ثَلاَثَةٌ، وَلِكُلِّ ابْنٍ ثَمَانِيَةٌ. فَتَخْرِيجُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ تَأْخُذَ مِنْ عَدَدِ الْبَنِينَ خَمْسَةً فَتَزِيدَ عَلَى ذَلِكَ سَهْمًا؛ لأِنَّهُ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِهِمْ؛ وَمِثْلُ الشَّيْءِ غَيْرُهُ، ثُمَّ تَضْرِبَ ذَلِكَ فِي ثَلاَثَةٍ لأِجْلِ  وَصِيَّتِهِ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنَ الثُّلُثِ فَيَكُونَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، ثُمَّ تَطْرَحَ السَّهْمَ الَّذِي زِدْتَهُ بَقِيَ سَبْعَةَ عَشَرَ فَهُوَ الثُّلُثُ، وَالثُّلُثَانِ ضِعْفُ ذَلِكَ فَيَكُونُ جَمِيعُ الْمَالِ أَحَدًا وَخَمْسِينَ. وَإِنَّمَا طَرَحْنَا هَذَا السَّهْمَ الزَّائِدَ لِتَبَيُّنِ مِقْدَارِ الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ، وَلاَ وَصِيَّةَ فِي الثُّلُثَيْنِ فَلاَ يُمْكِنُ اعْتِبَارُ السَّهْمِ الزَّائِدِ فِيهِ، وَبِهَذَا طَرَحْنَاهُ فَإِذَا عَرَفْتَ أَنَّ ثُلُثَ الْمَالِ سَبْعَةَ عَشَرَ فَوَجْهُ مَعْرِفَةِ النَّصِيبِ مِنْ ذَلِكَ أَنْ تَأْخُذَ النَّصِيبَ - وَهُوَ وَاحِدٌ - وَتَضْرِبَهُ فِي ثَلاَثَةٍ ثُمَّ فِي ثَلاَثَةٍ، فَيَكُونَ تِسْعَةً، ثُمَّ تَطْرَحَ مِنْ ذَلِكَ سَهْمًا كَمَا طَرَحْتَ فِي الاِبْتِدَاءِ يَبْقَى ثَمَانِيَةٌ فَهُوَ النَّصِيبُ، فَإِذَا رَفَعْتَ ذَلِكَ مِنْ سَبْعَةَ عَشَرَ تَبْقَى تِسْعَةٌ، فَلِلْمُوصَى لَهُ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ ثُلُثُ ذَلِكَ ثَلاَثَةٌ، تَبْقَى سِتَّةٌ تُضِيفُهَا إِلَى ثُلُثَيِ الْمَالِ وَذَلِكَ أَرْبَعَةٌ وَثَلاَثُونَ فَيَكُونُ أَرْبَعِينَ بَيْنَ خَمْسَةِ بَنِينَ لِكُلِّ ابْنٍ ثَمَانِيَةٌ مِثْلُ النَّصِيبِ فَاسْتَقَامَ .

وَمِنْ أَمْثِلَةِ هَذِهِ الصُّورَةِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ:

تَرَكَ ثَلاَثَةَ بَنِينَ وَأَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِهِمْ وَلآِخَرَ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنَ الثُّلُثِ، اجْعَلْ ثُلُثَ الْمَالِ نَصِيبًا مَجْهُولاً وَثَلاَثَةَ دَرَاهِمَ، اعْزِلْ نَصِيبَ الْمُوصَى لَهُ بِالنَّصِيبِ، يَبْقَى مِنَ الثُّلُثِ ثَلاَثَةُ دَرَاهِمَ، يَأْخُذُ الْمُوصَى لَهُ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْهَا دِرْهَمًا، يَبْقَى دِرْهَمَانِ تُضِيفُهُمَا لِثُلُثَيِ الْمَالِ وَذَلِكَ نَصِيبَانِ وَسِتَّةُ دَرَاهِمَ فَيَصِيرُ نَصِيبَيْنِ ثَمَانِيَةَ دَرَاهِمَ، فَذَلِكَ الَّذِي يَكُونُ لِلْبَنِينَ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ ثَلاَثَةُ أَنْصِبَاءَ، فَيَصِيرُ النَّصِيبَانِ لاِبْنَيْنِ وَثَمَانِيَةُ دَرَاهِمَ لِنَصِيبِ الثَّالِثِ، فَقَدْ بَانَ النَّصِيبُ الْمَجْهُولُ ثَمَانِيَةَ دَرَاهِمَ، وَقَدْ جَعَلْتَ ثُلُثَ الْمَالِ نَصِيبًا وَثَلاَثَةَ دَرَاهِمَ، فَيَكُونُ الثُّلُثُ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا فَجَمِيعُهُ ثَلاَثَةٌ وَثَلاَثُونَ، يَخْرُجُ الثُّلُثُ أَحَدَ عَشَرَ وَيَخْرُجُ لِلْمُوصَى لَهُ بِالنَّصِيبِ ثَمَانِيَةٌ، وَبِثُلُثِ مَا يَبْقَى وَاحِدٌ، وَيَبْقَى اثْنَانِ لِثُلُثَيِ الْمَالِ وَهُوَ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ، وَتَكُونُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ بَيْنَ الْبَنِينَ، لِكُلِّ ابْنٍ ثَمَانِيَةٌ كَمَا أَخَذَ الْمُوصَى لَهُ بِالنَّصِيبِ.

فَإِنْ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ إِحْدَى الأْخْتَ يْنِ وَلآِخَرَ بِثُلُثِ مَا يَبْقَى مِنَ الثُّلُثِ، وَتَرَكَ بِنْتًا وَأُخْتَيْنِ اجْعَلِ الثُّلُثَ نَصِيبًا وَثَلاَثَةَ دَرَاهِمَ، فَالنَّصِيبُ لِلْمُوصَى لَهُ بِهِ، وَثُلُثُ الْبَاقِي دِرْهَمٌ لِلْمُوصَى لَهُ بِثُلُثِ الْبَاقِي، وَيَبْقَى دِرْهَمَانِ تُضِيفُهُمَا لِثُلُثَيِ الْمَالِ فَيَكُونُ نَصِيبَيْنِ وَثَمَانِيَةَ دَرَاهِمَ وَهُوَ يَعْدِلُ أَرْبَعَةَ أَنْصِبَاءَ؛ لأِنَّ  الأْخْتَ  الْمُوصَى بِمِثْلِ نَصِيبِهَا لَهَا رُبُعُ التَّرِكَةِ بَعْدَ الْوَصَايَا وَذَلِكَ نَصِيبَانِ فَثَمَانِيَةٌ لِنَصِيبَيْنِ؛ لِكُلِّ نَصِيبٍ أَرْبَعَةٌ وَثَلاَثَةٌ فَذَلِكَ سَبْعَةٌ، وَهَذَا ثُلُثُ الْمَالِ فَجَمِيعُهُ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ، لِلْمُوصَى لَهُ بِمِثْلِ النَّصِيبِ مِنَ الثُّلُثِ أَرْبَعَةٌ، وَبِثُلُثِ مَا يَبْقَى وَاحِدٌ، وَيَبْقَى اثْنَانِ يُضَافَانِ لِثُلُثَيِ الْمَالِ وَهُوَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ بَيْنَ الْبِنْتِ وَالأْخْتَيْنِ، لِلْبِنْتِ ثَمَانِيَةٌ، وَلِكُلِّ أُخْتٍ أَرْبَعَةٌ مِثْلَ الْمُوصَى لَهُ بِمِثْلِ نَصِيبِهَا .

وَمِثَالُ هَذِهِ الصُّورَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: ثَلاَثَةُ بَنِينَ وَأَوْصَى لِزَيْدٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِهِمْ، وَلِعَمْرٍو بِمِثْلِ مَا تَبَقَّى مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ بَعْدَ النَّصِيبِ، تُقَدِّرُ ثُلُثَ الْمَالِ عَدَدًا لَهُ ثُلُثٌ لِقَوْلِهِ: بِثُلُثِ الْبَاقِي مِنَ الثُّلُثِ. وَلْيَكُنْ ثَلاَثَةً، تَزِيدُ عَلَيْهِ وَاحِدًا لِلنَّصِيبِ فَيَكُونُ أَرْبَعَةً، وَإِذَا كَانَ الثُّلُثُ أَرْبَعَةً، فَالثُّلُثَانِ ثَمَانِيَةٌ وَالْجُمْلَةُ اثْنَا عَشَرَ، تُعْطِي زَيْدًا سَهْمًا، وَعَمْرًا سَهْمًا، وَهُوَ ثُلُثُ الثَّلاَثَةِ الْبَاقِيَةِ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ الْبَاقِي، يَبْقَى سَهْمَانِ، تَضُمُّهُمَا إِلَى ثُلُثَيِ الْمَالِ تَكُونُ عَشْرَةً، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ثَلاَثَةً، فَيَكُونُ لِكُلِّ ابْنٍ مِثْلُ النَّصِيبِ الْمَفْرُوضِ، فَقَدْ زَادَ عَلَى مَا يَنْبَغِي سَبْعَةٌ، وَهُوَ الْخَطَأُ الأْوَّلُ، ثُمَّ تُقَدِّرُ الثُّلُثَ خَمْسَةً، وَتَجْعَلُ النَّصِيبَ اثْنَيْنِ، وَتُعْطِي عَمْرًا وَاحِدًا، يَبْقَى سَهْمَانِ، تَزِيدُهُمَا عَلَى ثُلُثَيِ الْمَالِ، وَهُوَ عَشَرَةٌ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ، تَبْلُغُ اثْنَيْ عَشَرَ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ سِتَّةً لِيَكُونَ لِكُلِّ ابْنٍ سَهْمَانِ، فَزَادَ عَلَى مَا يَنْبَغِي سِتَّةً، وَهُوَ الْخَطَأُ الثَّانِي، ثُمَّ نَقُولُ: لَمَّا أَخَذْنَا أَرْبَعَةً زَادَ عَلَى الْوَاجِبِ سَبْعَةً، وَلَمَّا زِدْنَا سَهْمًا نَقَصَ عَنِ الْخَطَأِ سَهْمٌ، فَعَلِمْنَا أَنَّ كُلَّ سَهْمٍ يَزِيدُ يَنْقُصُ بِهِ مِنَ الْخَطَأِ سَهْمٌ.

وَقَدْ بَقِيَ مِنَ الْخَطَأِ سِتَّةُ أَسْهُمٍ، فَتَزِيدُ لَهَا سِتَّةَ أَسْهُمٍ يَكُونُ أَحَدَ عَشَرَ، فَهُوَ ثُلُثُ الْمَالِ، النَّصِيبُ مِنْهَا ثَمَانِيَةٌ، وَجَمِيعُ الْمَالِ ثَلاَثَةٌ وَثَلاَثُونَ .

وَمِنْ أَمْثِلَةِ هَذِهِ الصُّورَةِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: إِذَا خَلَّفَ ثَلاَثَةَ بَنِينَ، وَوَصَّى لِرَجُلٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِهِمْ، وَلآِخَرَ بِنِصْفِ بَاقِي الْمَالِ، فَفِيهِ أَوْجُهٌ.

الأْوَّلُ: يُعْطَى صَاحِبُ النَّصِيبِ مِثْلَ نَصِيبِ ابْنٍ إِذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ وَصِيَّةٌ أُخْرَى.

وَالثَّانِي: يُعْطَى نَصِيبَهُ مِنْ ثُلُثَيِ الْمَالِ.

وَالثَّالِثُ: يُعْطَى مِثْلَ نَصِيبِ ابْنٍ بَعْدَ أَخْذِ صَاحِبِ النِّصْفِ وَصِيَّتَهُ فَيَدْخُلُهَا الدَّوْرُ وَلَهَا طُرُقٌ.

أَحَدُهَا: أَنْ تَأْخُذَ مَخْرَجَ النِّصْفِ، فَتُسْقِطَ مِنْهُ سَهْمًا يَبْقَى سَهْمٌ، فَهُوَ النَّصِيبُ، فَزِدْ عَلَى عَدَدِ الْبَنِينَ وَاحِدًا، تَكُنْ أَرْبَعَةً، فَتَضْرِبَهَا فِي الْمَخْرَجِ، تَكُنْ ثَمَانِيَةً تُنْقِصُهَا سَهْمًا يَبْقَى سَبْعَةٌ، فَهِيَ الْمَالُ، لِلْمُوصَى لَهُ بِالنَّصِيبِ سَهْمٌ، وَلِلآْخَرِ نِصْفُ الْبَاقِي ثَلاَثَةٌ وَلِكُلِّ ابْنٍ سَهْمٌ.

الثَّانِي: أَنْ تُزِيدَ سِهَامَ الْبَنِينَ نِصْفَ سَهْمٍ، وَتَضْرِبَهَا فِي الْمَخْرَجِ تَكُنْ سَبْعَةً.

الثَّالِثُ: طَرِيقُ الْمَنْكُوسِ، وَهُوَ أَنْ تَأْخُذَ سِهَامَ الْبَنِينَ وَهِيَ ثَلاَثَةٌ، فَتَقُولُ: هَذَا بَقِيَّةُ مَالٍ ذَهَبَ نِصْفُهُ، فَإِذَا أَرَدْتَ تَكْمِيلَهُ، زِدْتَ عَلَيْهِ مِثْلَهُ، ثُمَّ زِدْ عَلَيْهِ مِثْلَ نَصِيبِ ابْنٍ تَكُنْ سَبْعَةً.

الرَّابِعُ: أَنْ تَجْعَلَ الْمَالَ سَهْمَيْنِ وَنَصِيبًا، تَدْفَعُ النَّصِيبَ إِلَى الْمُوصَى لَهُ بِهِ يَبْقَى سَهْمٌ لِلْبَنِينَ يَعْدِلُ ثَلاَثَةَ أَنْصِبَاءَ، فَالْمَالُ كُلُّهُ سَبْعَةٌ، وَبِالْجَبْرِ تَأْخُذُ مَالاً، وَتَلْقَى مِنْهُ نَصِيبًا يَبْقَى مَالُ الأْنْصِبَاءِ ، تَدْفَعُ نَصِيبَ الْبَاقِي إِلَى الْوَصِيِّ الآْخَرِ يَبْقَى نِصْفُ مَالٍ إِلاَّ نِصْفَ نَصِيبٍ يَعْدِلُ ثَلاَثَةَ أَنْصِبَاءَ، اجْبُرْهُ بِنِصْفِ نَصِيبٍ، وَزِدْهُ عَلَيْهِ يَبْقَى نَصِيبًا كَامِلاً يَعْدِلُ ثَلاَثَةً وَنِصْفًا، فَالْمَالُ سَبْعَةٌ .

ج- الْوَصِيَّةُ بِالنَّصِيبِ مَعَ اسْتِثْنَاءِ جُزْءٍ مِنَ الْمَالِ عَنْهُ:

97 - مِثَالُ هَذِهِ الصُّورَةِ: أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ إِلاَّ نِصْفَ مَالِهِ وَتَرَكَ ابْنًا وَاحِدًا صَحَّا وَلِلْمُوصَى لَهُ رُبُعُ الْمَالِ؛ لأِنَّ  الْمَالَ سَهْمٌ إِذِ الاِبْنُ وَاحِدٌ فَزِدْ عَلَيْهِ سَهْمًا لأِجْلِ  الْوَصِيَّةِ بِالْمِثْلِ؛ وَاجْعَلْ كُلَّ سَهْمٍ سَهْمَيْنِ لِحَاجَتِنَا إِلَى مَعْرِفَةِ نِصْفِ الْمَالِ فَصَارَ كُلُّ الْمَالِ أَرْبَعَةً، فَأَعْطِ لِلْمُوصَى لَهُ ثَلاَثَةً؛ لأِنَّهُ لَمَّا اسْتَثْنَى مِنَ النَّصِيبِ نِصْفَ الْمَالِ كَانَ النَّصِيبُ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الْمَالِ وَاسْتَرْجِعْ مِنْهُ نِصْفَ الْمَالِ وَهُوَ اثْنَانِ فَيَصِيرَ فِي يَدِ الاِبْنِ ثَلاَثَةٌ، وَيَبْقَى لِلْمُوصَى لَهُ سَهْمٌ وَهُوَ رُبُعُ الْمَالِ .

وَمِنْ أَمْثِلَةِ هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْضًا:

أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِ بَنِيهِ وَاسْتَثْنَى مِنْهُ جُزْءًا مُعَيَّنًا، نَحْوَ ثَلاَثَةِ بَنِينَ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِهِمْ إِلاَّ سُبْعَ مَالِهِ، فَيُدْفَعُ لَهُ مَا كَانَ يُصِيبُ أَحَدُ الْبَنِينَ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ وَهُوَ الثُّلُثُ، يَبْقَى ثُلُثُ الْمَالِ سَهْمَانِ عَلَى ثَلاَثَةٍ مُبَايِنًا، فَتَضْرِبُ ثَلاَثَةً فِي ثَلاَثَةٍ تَبْلُغُ تِسْعَةً، فِي سَبْعَةٍ - مَخْرَجُ الْجُزْءِ الْمُسْتَثْنَى - تَبْلُغُ ثَلاَثَةً وَسِتِّينَ، لِصَاحِبِ الْوَصِيَّةِ ثُلُثُ ذَلِكَ وَاحِدٌ وَعِشْرُونَ، وَالنَّصِيبُ أَكْثَرُ مِنْ ثُلُثٍ، فَأَمَّا لَوْ كَانَ الْبَنُونَ أَرْبَعَةً أَوْ أَكْثَرَ أَوْ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ فِي ثُلُثِ مَا يَبْقَى مِنَ النِّصْفِ لَصَحَّتْ. ثُمَّ الْعَمَلُ أَنْ تَأْخُذَ مَخْرَجَ الرُّبُعِ إِنْ كَانُوا أَرْبَعَةً تَضْرِبُهُ فِي مَخْرَجِ ثُلُثِ الثُّلُثِ تِسْعَةٌ، يَكُونُ سِتَّةً وَثَلاَثِينَ، النَّصِيبُ مِنْهَا تِسْعَةٌ، وَالثُّلُثُ اثْنَا عَشَرَ يَبْقَى مِنْهُ ثَلاَثَةٌ، ثُلُثُهَا وَاحِدٌ فَيُضَافُ عَلَى النَّصِيبِ فَيَصِيرُ عَشَرَةً، وَتَرُدُّ مِنْهُ سُبُعَ الْمَالِ وَهُوَ تِسْعَةٌ تَبْقَى بِيَدِهِ اثْنَا عَشَرَ وَذَلِكَ جُمْلَةُ مَا يَصِحُّ لَهُ وَيَبْقَى أَحَدٌ وَخَمْسُونَ لِكُلِّ ابْنٍ سَبْعَةَ عَشَرَ .

د- الاِسْتِثْنَاءُ مَعَ ذِكْرِ الأْنْصِبَاءِ  وَالْكُسُورِ:

الاِسْتِثْنَاءُ مَعَ ذِكْرِ الأْنْصِبَاءِ  وَالْكُسُورِ فِي مَسَائِلِ الْوَصَايَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَضْرُبٍ .

الضَّرْبُ الأْوَّلُ: أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَثْنَى جُزْءًا مِمَّا بَقِيَ مِنَ الْمَالِ بَعْدَ النَّصِيبِ:

98 - مِثَالُهُ: إِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ خَمْسَةُ بَنِينَ فَأَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِهِمْ إِلاَّ ثُلُثَ مَا بَقِيَ مِنَ الثُّلُثِ بَعْدِ النَّصِيبِ فَالْفَرِيضَةُ مِنْ سَبْعَةٍ وَخَمْسِينَ، النَّصِيبُ عَشَرَةٌ، وَالاِسْتِثْنَاءُ ثَلاَثَةٌ وَلِكُلِّ ابْنٍ عَشَرَةٌ. وَتَخْرِيجُهُ أَنْ تَأْخُذَ عَدَدَ الْبَنِينَ خَمْسَةً فَتَزِيدَ عَلَيْهَا سَهْمًا بِالْوَصِيَّةِ بِالنَّصِيبِ ثُمَّ تَضْرِبَ ذَلِكَ فِي ثَلاَثَةٍ فَيَكُونَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، ثُمَّ تَزِيدَ عَلَيْهَا سَهْمًا فَيَكُونَ تِسْعَةَ عَشَرَ فَهُوَ ثُلُثُ الْمَالِ، وَالثُّلُثَانِ ثَمَانِيَةٌ وَثَلاَثُونَ فَالْجُمْلَةُ سَبْعَةٌ وَخَمْسُونَ، وَمَعْرِفَةُ النَّصِيبِ أَنْ تَأْخُذَ النَّصِيبَ وَهُوَ وَاحِدٌ وَتَضْرِبَهُ فِي ثَلاَثَةٍ ثُمَّ فِي ثَلاَثَةٍ، فَيَكُونَ تِسْعَةً ثُمَّ تَزِيدَ عَلَيْهِ سَهْمًا فِي أَصْلِ الْمَالِ فَيَكُونَ عَشَرَةً، وَهُوَ النَّصِيبُ الْكَامِلُ إِذَا رَفَعْتَهُ مِنْ تِسْعَةَ عَشَرَ بَقِيَ تِسْعَةٌ فَاسْتَرْجِعْ بِالاِسْتِثْنَاءِ مِنَ النَّصِيبِ مِثْلَ ثُلُثِ مَا بَقِيَ، وَهُوَ ثَلاَثَةٌ وَضُمَّ ذَلِكَ إِلَى تِسْعَةٍ فَيَكُونَ اثْنَيْ عَشَرَ ثُمَّ تَضُمَّ ذَلِكَ إِلَى ثُلُثَيِ الْمَالِ ثَمَانِيَةٍ وَثَلاَثِينَ فَيَكُونَ خَمْسِينَ بَيْنَ خَمْسَةِ بَنِينَ، لِكُلِّ ابْنٍ عَشَرَةٌ مِثْلَ نَصِيبٍ كَامِلٍ .

الضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَثْنَى جُزْءًا مِمَّا بَقِيَ مِنَ الْمَالِ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ:

99 - مِثَالُهُ: أَنْ يَقُولُ الْمُوصِي: أَوْصَيْتُ لِفُلاَنٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِ بَنِيَّ الثَّلاَثَةِ إِلاَّ رُبُعَ الْبَاقِي بَعْدَ الْوَصِيَّةِ فَلَكَ فِيهَا طُرُقٌ مِنْهَا: اجْعَلِ الْمَخْرَجَ ثَلاَثَةً وَزِدْ عَلَى الْمَخْرَجِ وَاحِدًا يَبْلُغْ أَرْبَعَةً، فَهُوَ النَّصِيبُ، وَرُدَّ عَلَى سِهَامِ الْبَنِينَ الثَّلاَثَةِ سَهْمًا لِيَكُونَ النَّصِيبُ أَرْبَعَةً، وَزِدْ أَيْضًا ثُلُثًا لأِجْلِ  الْوَصِيَّةِ وَاضْرِبِ الَّذِي صَارَ أَرْبَعَةً وَثُلُثًا فِي ثَلاَثَةٍ الَّتِي هِيَ الْمَخْرَجُ يَكُنْ بِالضَّرْبِ ثَلاَثَةَ عَشَرَ سَهْمًا، لِلْمُوصَى لَهُ مِنْ ذَلِكَ سَهْمٌ وَلِكُلِّ ابْنٍ أَرْبَعَةٌ .

الضَّرْبُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَثْنَى جُزْءًا مِمَّا بَقِيَ مِنْ جُزْءٍ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ:

100 - مِثَالُهُ: خَلَّفَ ثَلاَثَةَ بَنِينَ وَأَوْصَى لِزَيْدٍ بِنَصِيبِ ابْنٍ إِلاَّ نِصْفَ الْبَاقِي مِنَ الثُّلُثِ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ، فَقُلْ: ثُلُثُ الْمَالِ وَصِيَّةٌ وَقِسْمَانِ، وَنَصِيبُ كُلِّ ابْنٍ وَصِيَّةٌ وَقِسْمٌ؛ لأِنَّ  الْوَصِيَّةَ نَصِيبٌ إِلاَّ وَاحِدًا - أَيْ نِصْفُ الْبَاقِي - يَكُونُ النَّصِيبُ وَصِيَّةً وَوَاحِدًا؛ وَجَمِيعُ الأْنْصِبَاءِ  ثَلاَثُ وَصَايَا وَثَلاَثَةُ أَقْسَامٍ وَهِيَ تَعْدِلُ مَا يَبْقَى مِنَ الْمَالِ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ وَهُوَ وَصِيَّتَانِ وَسِتَّةُ أَقْسَامٍ؛ لأِنَّ  ثُلُثَ الْمَالِ وَصِيَّةٌ وَقِسْمَانِ فَجَمِيعُهُ ثَلاَثُ وَصَايَا وَسِتَّةُ أَقْسَامٍ فَإِذَا أَخْرَجْتَ الْوَصِيَّةَ يَبْقَى مَا ذُكِرَ ثُمَّ بَعْدَ إِلْقَاءِ الْمُشْتَرَكِ يَبْقَى وَصِيَّةٌ تَعْدِلُ ثَلاَثَةَ أَقْسَامٍ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ ثُلُثُ الْمَالِ خَمْسَةً وَالْكُلُّ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَالْوَصِيَّةُ ثَلاَثَةً وَكُلُّ نَصِيبٍ أَرْبَعَةً .

الضَّرْبُ الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَثْنَى جُزْءًا مِمَّا يَبْقَى مِنْ جُزْءِ الْمَالِ بَعْدَ النَّصِيبِ:

101 - مِثَالُهُ: خَلَّفَ ثَلاَثَةَ بَنِينَ وَأَوْصَى لِزَيْدٍ بِنَصِيبِ ابْنٍ إِلاَّ ثُلُثَ مَا يَبْقَى مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ بَعْدَ النَّصِيبِ، فَنَقُولُ: يَفْرِضُ ثُلُثَ التَّرِكَةِ نَصِيبًا وَثَلاَثَةً لِيَكُونَ لَهَا ثُلُثٌ صَحِيحٌ فَيَكُونُ كُلُّ التَّرِكَةِ ثَلاَثَةَ أَنْصِبَاءَ وَتِسْعَةً فَالْوَصِيَّةُ مِنْهَا نَصِيبٌ إِلاَّ ثُلُثَ الثَّلاَثَةِ إِذِ الثُّلُثُ نَصِيبٌ وَثَلاَثَةٌ، وَالْفَرْضُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ نَصِيبُ ابْنٍ إِلاَّ ثُلُثَ مَا يَبْقَى مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ بَعْدَ النَّصِيبِ، ثُمَّ الْبَاقِي بَعْدَ الْوَصِيَّةِ نَصِيبَانِ وَعَشَرَةٌ، وَذَلِكَ يَعْدِلُ ثَلاَثَةَ أَنْصِبَاءَ، فَالنَّصِيبُ عَشَرَةٌ، وَالثُّلُثُ ثَلاَثَةَ عَشَرَ، وَالْجَمِيعُ تِسْعَةٌ وَثَلاَثُونَ، وَالْوَصِيَّةُ تِسْعَةٌ وَلِكُلِّ ابْنٍ عَشَرَةٌ .

هـ - إِطْلاَقُ الاِسْتِثْنَاءِ:

102 - مَتَى أَطْلَقَ الْمُوصِي الاِسْتِثْنَاءَ كَأَنْ يَقُولُ: أَوْصَيْتُ لَهُ بِمِثْلِ نَصِيبِ فُلاَنٍ إِلاَّ رُبُعَ مَا تَبَقَّى مِنَ الْمَالِ، وَلَمْ يَقُلْ: بَعْدَ النَّصِيبِ وَلاَ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ فَفِيهِ رَأْيَانِ:

الرَّأْيُ الأْوَّلُ: يُحْمَلُ عَلَى مَا بَعْدَ النَّصِيبِ؛ لأِنَّ  الْمَذْكُورَ هُوَ النَّصِيبُ فَانْصَرَفَ الاِسْتِثْنَاءُ إِلَيْهِ.

وَعَزَا ابْنُ قُدَامَةَ هَذَا الرَّأْيَ إِلَى جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ.

الرَّأْيُ الثَّانِي: يُحْمَلُ عَلَى الْبَاقِي بَعْدَ الْوَصِيَّةِ؛ لأِنَّ  الْبَاقِيَ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ أَكْثَرُ مِنَ الْبَاقِي بَعْدَ النَّصِيبِ؛ فَيَكُونُ الْمُسْتَثْنَى أَكْثَرَ، وَيَقِلُّ نَصِيبُ الْمُوصَى لَهُ وَقَدْ تَقَرَّرَ تَنْزِيلُ الْوَصَايَا عَلَى الأْقَلِّ  الْمُتَيَقَّنِ.

وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الشَّافِعِيَّةِ، وَعَزَاهُ ابْنُ قُدَامَةَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيِّ وَالْبَصْرِيِّينَ .

 

 

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الثلاثون ، الصفحة / 42

 

عَرْصَةٌ

التَّعْرِيفُ :

1 - عَرْصَةُ الدَّارِ فِي اللُّغَةِ: سَاحَتُهَا، وَهِيَ الْبُقْعَةُ الْوَاسِعَةُ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا بِنَاءٌ. وَالْجَمْعُ عِرَاصٌ وَعَرَصَاتٌ، وَقِيلَ: هِيَ كُلُّ مَوْضِعٍ وَاسِعٍ لاَ بِنَاءَ فِيهِ.

وَالْفُقَهَاءُ يَسْتَعْمِلُونَ لَفْظَ الْعَرْصَةِ بِالْمَعْنَيَيْنِ كَمَا جَاءَ فِي اللُّغَةِ:

أ - الْمَعْنَى الأَْخَصُّ، وَهُوَ أَنَّ الْعَرْصَةَ: اسْمٌ لِسَاحَةِ الدَّارِ وَوَسَطِهَا، وَمَا كَانَ بَيْنَ الدُّورِ مِنْ خَلاَءٍ، فَقَدْ قَالَ الدُّسُوقِيُّ فِي بَابِ الشُّفْعَةِ: لاَ شُفْعَةَ فِي عَرْصَةٍ، وَهِيَ سَاحَةُ الدَّارِ الَّتِي بَيْنَ بُيُوتِهَا، وَهِيَ الْمُسَمَّاةُ بِالْحَوْشِ وَفِي حَاشِيَةِ الْقَلْيُوبِيِّ: الْعَرْصَةُ اسْمٌ لِلْخَلاَءِ بَيْنَ الدُّورِ.

ب - الْمَعْنَى الأَْعَمُّ، وَهُوَ: أَنَّ الْعَرْصَةَ تُطْلَقُ عَلَى الْقِطْعَةِ مِنَ الأَْرْضِ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ بَيْنَ الدُّورِ أَمْ لاَ.

جَاءَ فِي نِهَايَةِ الْمُحْتَاجِ: لَوْ قَالَ: بِعْتُكَ هَذِهِ الأَْرْضَ أَوِ السَّاحَةَ أَوِ الْعَرْصَةَ أَوِ الْبُقْعَةَ، وَفِيهَا بِنَاءٌ، يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ دُونَ الرَّهْنِ قَالَ الشَّبْرَامُلْسِيُّ: الْفُقَهَاءُ لَمْ يَسْتَعْمِلُوا الْعَرْصَةَ وَالسَّاحَةَ فِي مَعْنَاهُمَا اللُّغَوِيِّ، بَلْ أَشَارُوا إِلَى أَنَّ الأَْلْفَاظَ الأَْرْبَعَةَ (الأَْرْضَ - السَّاحَةَ - الْعَرْصَةَ - الْبُقْعَةَ) عُرْفًا بِمَعْنًى وَهُوَ: الْقِطْعَةُ مِنَ الأَْرْضِ لاَ بِقَيْدِ كَوْنِهَا بَيْنَ الدُّورِ

الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ :

أ - الْحَرِيمُ :

2 - الْحَرِيمُ لُغَةً: مَا حَرُمَ فَلاَ يُنْتَهَكُ، وَهُوَ أَيْضًا فِنَاءُ الدَّارِ أَوِ الْمَسْجِدِ، وَيَأْتِي كَذَلِكَ بِمَعْنَى الْحِمَى.

وَفِي الاِصْطِلاَحِ: حَرِيمُ الشَّيْءِ: مَا حَوْلَهُ مِنْ حُقُوقِهِ وَمَرَافِقِهِ، وَعَرَّفَهُ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ: مَا تَمَسُّ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ لِتَمَامِ الاِنْتِفَاعِ، وَإِنْ حَصَلَ أَصْلُ الاِنْتِفَاعِ بِدُونِهِ.

ب - الْفِنَاءُ

3 - فِنَاءُ الشَّيْءِ فِي اللُّغَةِ: مَا اتَّصَلَ بِهِ مُعَدًّا لِمَصَالِحِهِ، وَقَالَ الْكَفَوِيُّ: فِنَاءُ الدَّارِ هُوَ:

 مَا امْتَدَّ مِنْ جَوَانِبِهَا، أَوْ هُوَ مَا اتَّسَعَ مِنْ أَمَامِهَا.

وَفِي الاِصْطِلاَحِ: نَقَلَ الْحَطَّابُ عَنِ الأَْبِيِّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: الْفِنَاءُ: مَا يَلِي الْجُدْرَانَ مِنَ الشَّارِعِ الْمُتَّسِعِ النَّافِذِ.

الْوَصِيَّةُ :

8 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى: أَنَّ مَنْ أَوْصَى بِعَرْصَةٍ فَبَنَاهَا أَوْ غَرَسَ فِيهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ يُعْتَبَرُ رُجُوعًا عَنِ الْوَصِيَّةِ، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَفِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَأَشْهَبَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ.

أَمَّا لَوْ زَرَعَهَا فَلاَ يُعْتَبَرُ ذَلِكَ رُجُوعًا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، لَكِنْ قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِنْ كَانَ الْمَزْرُوعُ مِمَّا تَبْقَى أُصُولُهُ فَالأَْقْرَبُ، كَمَا قَالَ الأَْذْرَعِيُّ إِلَى كَلاَمِهِمْ فِي بَيْعِ الأُْصُولِ وَالثِّمَارِ أَنَّهُ كَالْغِرَاسِ؛ لأَِنَّهُ يُرَادُ لِلدَّوَامِ أَمَّا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ غَيْرَ أَشْهَبَ فَلاَ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ بِبِنَاءِ الْعَرْصَةِ، فَلَوْ أَوْصَى بِعَرْصَةٍ ثُمَّ بَنَاهَا دَارًا مَثَلاً فَلاَ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ بِبِنَائِهَا، وَيَشْتَرِكُ الْمُوصِي وَالْمُوصَى لَهُ بِقِيمَتَيِ الْعَرْصَةِ وَالْبِنَاءِ قَائِمًا، وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِدَارٍ فَهَدَمَهَا فَلَيْسَ بِرُجُوعٍ، وَلاَ وَصِيَّةَ لَهُ فِي النَّقْضِ الَّذِي نَقَصَ، وَإِنَّمَا يَكُونُ لَهُ الْعَرْصَةُ فَقَطْ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إِذَا هَدَمَ الدَّارَ فَالْعَرْصَةُ وَالنَّقْصُ لِلْمُوصَى لَهُ.

وَالْهَدْمُ لاَ يُبْطِلُ الْوَصِيَّةَ أَيْضًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَتَبْقَى الْعَرْصَةُ لِلْمُوصَى لَهُ؛ لأَِنَّ الدَّارَ اسْمٌ لِلْعَرْصَةِ، وَالْبِنَاءُ بِمَنْزِلَةِ الصِّفَةِ، فَيَكُونُ تَبَعًا لِلدَّارِ، وَالتَّصَرُّفُ فِي التَّبَعِ لاَ يَدُلُّ عَلَى الرُّجُوعِ عَنِ الأَْصْلِ.

أَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: فَإِنَّ الْهَدْمَ يُعْتَبَرُ رُجُوعًا فِي النَّقْضِ وَفِي الْعَرْصَةِ، وَهَذَا إِذَا هَدَمَهَا الْمُوصِي، أَمَّا إِذَا هَدَمَهَا غَيْرُهُ فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ تَبْطُلُ فِي النَّقْضِ لِبُطْلاَنِ الاِسْمِ، وَلاَ تَبْطُلُ فِي الْعَرْصَةِ.

__________________________________________________________________

المذكرة الإيضاحية للإقتراح بمشروع القانون المدني طبقا لاحكام الشريعة الإسلامية

( مادة 994)

1- تسري على الوصية أحكام الشريعة الإسلامية والقوانين الصادرة في شأنها .

۲- ولا يكون للأجنبي الحق في الاستفادة من الوصية ، الا اذا كان قانون بلده يخول المصريين هذا الحق .

الفقرة الأولى من هذه المادة تطابق المادة 915 من التقنين الحالي .

رؤی اضافة الحكم المنصوص عليه في الفقرة الثانية من المادة المقترحة أخذاً بمبدأ المعاملة بالمثل ، اذا ما انتهت قواعد الإسناد الى تطبيق القانون المصري ، وكان هذا القانون يقضي بتخويل الأجنبي حق الاستفادة من الوصية بينما لا يقضي بذلك قانون بلده بالنسبة إلى المصريين.

أنظر المذكرة الايضاحية ( نظرة عامة ) في مجموعة الأعمال التحضيرية ج 6 ص ۲۹۲

وأنظر المذكرة الايضاحية للمادة المقابلة في المشروع التمهيدي للتقنين الحالی (م 1348) في مجموعة الأعمال التحضيرية ج6 ص ۲۹۳ و 294.

والفقرة الأولى من المادة المقترحة تطابق المادة 941 من التقنين الكویتی.

وتتفق مع المادة 1126 من التقنين الأردنی .

 وتقابل المادة 1108  من التقنين العراقي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كتاب مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان فى المعاملات الشرعية على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان لمؤلفه المغفور له  (محمد قدرى باشا) (الطبعة الثانية) بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصرالمحمية سنة1308هجرية  1891 افرنجيه

(مادة 86)
الوصية تمليك مضاف إلى ما بعد الموت بطريق التبرع.
(مادة 87)
يشترط لصحة الوصية كون الموصي حراً بالغاً عاقلاً مختاراً أهلاً للتبرع والموصى له حياً تحقيقاً أو تقديراً والموصى به قابلاً للتمليك بعد موت الموصي.
(مادة 88)
يجوز لمن لا دين عليه ولا وارث له أن يوصى بما له كله أو بعضه لمن يشاء.
(مادة 89)
من كان عليه دين مستغرق لماله فلا تجوز وصيته ألا أن يبرئه غرماؤه.
(مادة 90)
لا تجوز الوصية لوارث إلا إذا أجازتها الورثة الآخرين بعد موت الموصي وهم من أهل التبرع.
(مادة 91)
تجوز الوصية بالثلث للأجنبي عند عدم المانع من غير إجازة الورثة ولا تجوز بما زاد على الثلث إلا إذا أجازته الورثة بعد موت الموصي وهم من أهل التبرع ولا عبرة بإجازتهم في حال حياته.
(مادة 92)
اختلاف الدين والملة لا يمنع صحة الوصية فتجوز الوصية من المسلم للذمي والمستأمن ومنهما للمسلم.
(مادة 93)
لا يملك الموصى به إلا بقبول الوصية صراحة أو دلالة كموت الموصى له بعد موت الموصى بلا قبول ولا رد ولا يصح قبولها إلا بعد موت الموصى فإن قبل الموصى له بعد موت الموصى ثبت له ملك الموصى به سواء قبضه أو لم يقبضه.
فإن مات بعد موت الموصى قبل القبول أو الرد انتقل الموصى به على ملك ورثته.

(مادة 180)
يشترط لصحة عقود التبرعات كالهبة والصدقة والوصية أن يكون المتبرع عاقلاً بالغاً مطلق التصرف في ماله ولا يشترط العقل والبلوغ في المتبرع له بهبة أو صدقة أو وصية.

(مادة 231)
ما كان من الإسقاطات المحضة كالطلاق والعتاق وتسليم الشفعة بعد وجوبها أو من الالتزامات التي يحلف بها كحج وصلاة يصح تعليقه بالشرط ملائماً كان أو غير ملائم ويصح مع اقترانه بالشرط الفاسد ويلغو الشرط.
وكذلك الوكالة والايصاء والوصية يصح تعليقها بالشرط الملائم وغير الملائم وتصح مع اقترانها بالشرط الفاسد ويبطل الشرط.

(مادة 233)
ما لا يمكن تمليكه في الحال وما كان من الإسقاطات والإطلاقات والالتزامات يصح إضافته على الزمان المستقبل وذلك كالإجارة وفسخها والمزارعة والمساقاة والمضاربة والوكالة والكفالة والإيصاء والوصية والقضاء والإمارة والطلاق والعتاق والوقف والعارية والإذن في التجارة للصبي ونحوه.