loading
المذكرة الإيضاحية

مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء السادس، الصفحة :  297

مذكرة المشروع التمهيدي :

عمم النص فأعطى حكم الوصية لكل عمل قانوني يصدر في مرض الموت كالبيع والهبة والإقرار والإبراء وغير ذلك من التصرفات، مادام يقصد بها التبرع، وقصد التبرع مفروض ما دامت الورثة قد أثبتت أن التصرف قد صدر في مرض الموت ولهم إثبات ذلك بجميع الطرق، بما فيها البينة والقرائن ولا يحتج عليهم بتاريخ التصرف إلا إذا كان ثابتاً، لأنهم يعتبرون من الغير بالنسبة له ولكن يجوز لكل ذي شأن أن يثبت أن التصرف، رغم صدوره في مرض الموت، كان بمقابل فإن أثبت ذلك كان القدر المحابي به هو الذي يأخذ حكم الوصية كما في بيع المريض.

الأحكام

1- إذ كانت الطاعنة قد دفعت بصورية العقود محل الدعوى ( العقود الصادرة من مورثها للمطعون ضده الأول ) وساقت تأييداً لذلك قرائن منها احتفاظ المورث بحيازته العقارات محل هذه العقود وانتفاعه بها مدى حياته ، وصدور العقود أثناء مرضه غير أن الحكم فى مقام الرد على هذا الدفاع اكتفى بالقول بانتفاء شروط إعمال نص المادة 916 من القانون المدنى وهو ما لا يواجه ما شهد به شهودها وما ساقته من قرائن مما يعيبه بالقصور فى التسبيب .

(الطعن رقم 187 لسنة 67 جلسة 2009/12/28 س 60 ص 946 ق 164)

2- إدراكاً من المشرع للأعراف السائدة فى المجتمع ورغبة منه فى احترام أحكام المواريث فإن ما ورد بنص المادتين 916 ، 917 من القانون المدنى لا يعدو أن يكون تقريراً لقيام قرينتين قانونيتين لصالح الوارث حماية لحقه ، إذ من شأن أى منهما أن تعفيه من إثبات أن تصرف مورثه ينطوى على وصية فينتقل بذلك عبء الإثبات على عاتق المتصرف إليه ، إلا أنه يبقى للوارث عند تخلف شروط أى من القرينتين أو كليهما أن يدلل بكافة طرق الإثبات على أن القصد الحقيقى للمورث هو الإيصاء وإضافة التصرف إلى ما بعد الموت ، ويتعين على قاضى الدعوى أن يتصدى لما يقدمه الوارث من أدلة وقرائن ويقيمه فى ضوء ظروف كل دعوى وملابساتها ولايكفيه القول أن شروط هذه القرينة أو تلك لم تتوفر .

(الطعن رقم 187 لسنة 67 جلسة 2009/12/28 س 60 ص 946 ق 164)

3- النص فى المادة 477 من القانون المدني على أن: "إذا باع المريض مرض الموت لوارث أو لغير وارث بثمن يقل عن قيمة المبيع وقت الموت، فإن البيع يسري فى حق الورثة إذا كانت زيادة قيمة المبيع على الثمن لا تجاوز ثلث التركة داخلا فيها المبيع ذاته. أما إذا كانت هذه الزيادة تجاوز ثلث التركة، فإن البيع فيما يجاوز الثلث لايسري فى حق الورثة إلا إذا أقروه أو رد المشتري للتركة ما بقى بتكملة الثلثين". وفي المادة 916 منه على أن: "كل عمل قانوني يصدر من شخص فى مرض الموت، ويكون مقصودا به التبرع يعتبر تصرفا مضافا إلى ما بعد الموت وتسري عليه أحكام الوصية أياً كانت التسمية التي تعطى لهذا التصرف......... وإذا اثبت الورثة أن التصرف صدر من مورثهم فى مرض الموت، أعتبر التصرف صادرا على سبيل التبرع ما لم يثبت من صدر له التصرف عكس ذلك" - يدل على إنه إذا أثبت الورثة أن البيع صدر فى مرض موت مورثهم، فإن المشرع يفترض أن هذا البيع هو فى حقيقته هبة ما لم ينقض المشتري هذه القرينة القانونية غير القاطعة بإثبات إنه دفع ثمنا للمبيع لا يقل عن قيمته، فيكون البيع صحيحاً نافذا فى حق الورثة دون حاجة إلى إجازتهم لانتفاء شبهة المجاملة فى الثمن، وإذا ثبت أن ما دفعه من ثمن يقل عن قيمة المبيع بمقدار الثلث، فإن البيع يسري أيضا فى حق الورثة لدخول ما تمت المحاباة فيه من الثمن فى نطاق ما يجوز الإيصاء به وفى الحالتين لا يكون ثمة محل لتحقيق صدور البيع فى مرض الموت، أما إذا جاوزت الزيادة الثلث فإن البيع يأخذ حكم الوصية ولا يسرى فى حق الورثة فى حدود هذه الزيادة إلا بإجازتهم أوبتقاضيهم ما يكمل ثلثي التركة المشتري وعندئذ يتعين تحقيق الدفع بصدور البيع فى مرض الموت.

(الطعن رقم 1859 لسنة 70 جلسة 2001/06/12 س 52 ع 2 ص 861 ق 171)

4- المادة 916 من القانون المدني تنص فى فقرتها الثالثة على أن " إذا أثبت الورثة أن التصرف صدر من مورثهم فى مرض الموت، اعتبر التصرف صادراً على سبيل التبرع، ما لم يثبت من صدر له التصرف عكس ذلك" فإن مؤدى ذلك أنه إذا ثبت صدور التصرف فى مرض الموت، فإن البيع يكون هبة مستترة، ولاَ يٌؤبَه بالثمن المكتوب فى العقد، وإنما يكلف المشتري بإثبات أنه دفع ثمناً فى المبيع ومقدار هذا الثمن الذي دفعه قبل التقرير بمدى سريان البيع فى حق الورثة إعمالاً لحكم المادة 477 من القانون المشار إليه.

(الطعن رقم 5191 لسنة 63 جلسة 2001/02/20 س 52 ع 1 ص 348 ق 71)

5- الوصية تنفذ من غير إجازة الورثة فى حدود ثلث التركة بعد سداد ديون الميت وهو ما يوجب على المحكمة - إذا وصفت العقد بأنه وصية - أن تستظهر عناصر التركة وتقدر صافى قيمتها ومقدار الثلث الذى يجوز فيه الإيصاء بغير إجازة - وتتناول التصرف المطروح عليها للتحقق مما إذا كان يدخل فى حدود الثلث فتقضى بصحته فإن تجاوزت قيمته هذا النطاق قضت بصحة القدر الذى يدخل فى حدوده.

(الطعن رقم 1532 لسنة 55 جلسة 1991/10/09 س 42 ع 2 ص 1517 ق 236)

6- مفاد نص المادتين 477، 916 من القانون المدني أن العبرة فى اعتبار التصرف مضافاً إلى ما بعد الموت أن يكون على سبيل التبرع أو أن يكون الثمن يقل عن قيمة المبيع بما يجاوز ثلث التركة فإذا أثبت الورثة أن البيع تم فى مرض الموت اعتبر البيع على سبيل التبرع ما لم يثبت المشتري عكس ذلك، لما كان ذلك ، وكانت أسباب الحكم المطعون فيه وما اعتنقه من أسباب الحكم المستأنف قد استدل بقرائن سائغة على أن الثمن دفع وأنه يتساوى مع قيمة المبيع واستخلاص ذلك من الخطاب الذي أرسله المورث قبل التصرف إلى الشاهد أن البائعين كانوا يبحثون عن مشتري للأرض فى حدود ثمن خمسمائة جنيه للفدان وقد رفضت إحدى المشتريات التي ورد اسمها فى الخطاب المؤرخ 18 / 6 / 1977 الشراء بهذا الثمن وكذلك من أقوال شاهد المطعون ضدهم بأن المورث كان يبغي إيداع قيمة نصيبه من ثمن البيع بنك مصر وهو فى حدود خمسة أو ستة آلاف جنيه بما يعني أن العقد لم يكن مقصوداً به التبرع وأن الثمن فى الحدود المناسبة لقيمة المبيع وهي قرائن كافية وحدها لحمل قضاء الحكم فى إثبات العوض وإثبات تناسبه مع قيمة المبيع، ومن ثم فلا حاجة للحكم للتحدث عن صدور التصرف فى مرض الموت أو اثبات ذلك بطريق آخر طالما كونت المحكمة عقيدتها من قرائن ثابتة لها أصلها فى الأوراق.

(الطعن رقم 1282 لسنة 53 جلسة 1991/03/27 س 42 ع 1 ص 823 ق 131)

7- الإكراه المبطل للرضا لا يتحقق إلا بتهديد المتعاقد المكره بخطر جسيم محدق بنفسه أو بماله أو باستعمال وسائل ضغط أخرى لا قبل له باحتمالها أو التخلص منها ويكون من نتيجة ذلك حصول رهبة تحمله على الإقرار بقبول ما لم يكن يتقبله اختياراً على أن يكون هذا الضغط غير مستند إلى حق وأن تقدير وسائل الاكراه ومبلغ جسامتها وتأثيرها فى المتعاقد هو من مسائل الواقع التي تخضع لسلطة محكمة الموضوع التقديرية ولا رقابة لمحكمة النقض عليها متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة، والمرض لا يعد بذاته وسيلة ضغط أو إكراه تعيب الإرادة - مهما كانت خطره إذ لا يد للإنسان فيه وقد عالج المشرع حالات التصرف التي تعقد إبان المرض الذي يتصل بالموت بأحكام خاصة أوردها فى المادتين 477، 916 من القانون المدني بما يتعين معه إعمالها دون غيرها.

(الطعن رقم 1282 لسنة 53 جلسة 1991/03/27 س 42 ع 1 ص 823 ق 131)

8- يشترط لاعتبار التصرف وصية طبقا لنص المادة 916 من القانون المدنى أن يصدر فى مرض الموت وأن يكون مقصودا به التبرع ونية المتصرف فى تصرفه هى المعول عليها و استظهار هذه النية مسألة موضوعية لا تدخل فيها لمحكمة النقض مادامت الوقائع التى سردتها المحكمة فى حكمها والظروف التى بسطتها فيه تؤدى الى النتيجة القانونية التى قررتها .

(الطعن رقم 768 لسنة 49 جلسة 1984/04/16 س 35 ع 1 ص 1003 ق 189)

9- من الضوابط المقررة فى تحديد مرض الموت وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة أن يكون المرض مما يغلب فيه الهلاك و يشعر معه المريض بدنو أجله وأن ينتهى بوفاته فإذا إستطال المرض لأكثر من سنة فلا يعتبر مرض موت مهما يكن من خطورة هذا المرض وإحتمال عدم برء صاحبه منه وتكون تصرفات المريض فى هذه الفترة صحيحة  ولا تعد إستطالة المرض حالة من حالات مرض الموت إلا فى فترة تزايدها وإشتداد وطأتها إذ العبرة بفترة الشدة التى تعقبها الوفاة  وقيام مرض الموت أو عدم قيامه هو من مسائل الواقع التى تستقل بتقديرها محكمة الموضوع .

(الطعن رقم 1002 لسنة 49 جلسة 1984/02/08 س 35 ع 1 ص 417 ق 81)

10- لما كان المشرع فى المادتين 477، 916 من التقنين المدني لم يستلزم لاعتبار التصرف وصية سوى أن يصدر فى مرض الموت وأن يكون مقصوداً به التبرع ولم يستوجب المشرع فى هذه الحالة أن يحتفظ المتصرف بحيازة المبيع والانتفاع به طوال حياته على نحو ما أشترط فى المادة 917 من التقنين المدني وإذ خلص الحكم المطعون فيه سائغاً.. إلى أن تصرف المورثة للطاعن بموجب العقدين صدر فى مرض الموت فإن ما استطرد إليه الحكم بعد ذلك فى التدليل على احتفاظ المورثة بالحيازة وبحقها فى الانتفاع طوال حياتها هي أسباب نافله ويكون النعي عليها غير منتج.

(الطعن رقم 1011 لسنة 47 جلسة 1983/12/27 س 34 ع 2 ص 1942 ق 381)

11- التحايل الممنوع على احكام الارث لتعلق الأرث بالنظام العام - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هو ما كان متصلا بقواعد التوريث واحكامه المعتبرة شرعا كاعتبار شخص وارثا وهو فى الحقيقة غير وارث او العكس ، وكذلك ما يتفرع عن هذا الأصل من التعامل فى التركات المستقبلة كايجاد ورثة قبل وفاة المورث غير من لهم حق الميراث شرعا أو الزيادة او النقص فى حصصهم الشرعية ، ويترتب على هذا أن التصرفات المنجزة الصادرة من المورث فى حالة صحته لأحد ورثته اولغيرهم تكون صحيحه ، ولو كان يترتب عليها حرمان بعض ورثته أو التقليل من أنصبتهم فى الميراث ، لأن التوريث لا يقوم الا على ما يخلفه المورث وقت وفاته أما ما يكون قد خرج من ماله حال حياته فلا حق للورثة فيه .

(الطعن رقم 599 لسنة 50 جلسة 1983/12/15 س 34 ع 2 ص 1833 ق 359)

12- الوارث لا يعتبر فى حكم الغير بالنسبة للتصرف الصادر من المورث - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - إلا إذا كان طعنه على هذا التصرف هو أنه و إن كان فى ظاهره بيعاً منجزاً إلا أنه فى حقيقته يخفى وصية إضراراً بحقه فى الميراث أو أنه صدر فى مرض موت المورث فيعتبر إذ ذاك فى حكم الوصية لأنه فى هاتين الصورتين يستمد الوارث حقه من القانون مباشرة حماية له من تصرفات مورثه التى قصد بها الإحتيال على قواعد الإرث التى تعتبر من النظام العام .

(الطعن رقم 1636 لسنة 49 جلسة 1983/03/24 س 34 ع 1 ص738 ق 156)

13- متى كانت محكمة الموضوع قد إنتهت إلى أن التكييف الصحيح للتصرف موضوع الدعوى ، هو أنه وصية فإنه كان عليها أن تنزل عليه حكم القانون المنطبق على وصفه الصحيح و لا يعتبر ذلك منها تغييراً لسبب الدعوى لأنها لا تتقيد فى التكييف بالوصف الذى يعطيه المدعى الحق الذى يطالب به بل عليها أن تتحرى طبيعة هذا الحق لتصل بذلك إلى التكييف القانونى الصحيح للتصرف المنشئ لهذا الحق و الذى يظل كما هو السبب الذى تقوم عليه الدعوى و تطبق المحكمة حكم القانون طبقاً للتكييف الصحيح . و إذ كانت الوصية بحسب أحكام القانون 71 لسنة 1946 سواء كانت لوارث أو لغيره تصح و تنفذ فى ثلث التركة من غير إجازة الورثة فإن الحكم المطعون فيه إذ خالف هذا النظر و أمتنع عن تطبيق الوصية التى خلص إليها طلبات الطاعنة لمجرد أن ذلك يعتبر تغييراً منه لسبب الدعوى لا تملكه المحكمة من تلقاء نفسها و إكتفى برفض الدعوى يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون .

(الطعن رقم 1504 لسنة 47 جلسة 1983/03/17 س 34 ع 1 ص 707 ق 149)

14- إذ كان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى اعتبار التصرف الحاصل بالعقد وصية فان هذه الوصية تصح وتنفذ فى ثلث التركة من غير إجازة الورثة و ذلك أخذاً بنص المادة 37 من قانون الوصية رقم 71 لسنة 1946 ، وإذ قضى الحكم المطعون فيه بتأييد الحكم المستأنف الذى انتهى إلى تثبيت ملكية مورث المطعون عليهم الأربعة الأولي للنصف شيوعاً فى الأعيان موضوع الدعوى بعد استبعاد الثلث وهو نصيب الوصية ، وذلك دون أن يحيط بجميع أموال التركة من عقار و منقول لبيان القدر الذى تنفذ فيه الوصية من الأعيان موضوع العقد وما يتبقى من أموال التركة ويكون محلاً للارث فانه يكون قد خالف القانون .

(الطعن رقم 653 لسنة 45 جلسة 1980/12/30 س 31 ع 2 ص 2168 ق 404)

15- إذ كان الطاعنون قد طعنوا فى النزاع الحالي على التصرف بأنه يخفي وصية فلا ينفذ إلا فى حدود ثلث التركة، فإنهم وهم يطعنون بذلك إنما يستعملون حقاً خاصاً بهم مصدره القانون لاحقاً تلقوه عن المورث، ومن ثم يكون الحكم الصادر ضد المورث بصحة التصرف كبيع حجة عليهم، لأن الوارث يعتبر فى حكم الغير فيما يختص بالتصرفات الصادرة من مورثه إلى وارث آخر إضراراً بحقه فى الميراث.

(الطعن رقم 855 لسنة 45 جلسة 1978/11/28 س 29 ع 2 ص 1781 ق 343)

16- إذ كان الحكم المطعون فيه قد قضى بصحة التصرفين فى حدود ثلث كل منهما - بإعتبار أنهما صادرين فى مرض موت المورث - دون أن يستظهر عناصر التركة التى خلفها المورث أو يعنى ببحث ما إذا كانت التركة محملة بديون للغير أم لا مع أن هذا البيان لازم لتقدير الثلث الذى تخرج منه الوصية على النحو الذى يتطلبه القانون ، لما كان ذلك فإن الحكم يكون فوق خطئه فى تطبيق القانون ، قد جاء قاصراً عن بيان الأسباب التى إستند إليها فى تقييم القدر الجائز الإيصاء به .

(الطعن رقم 816 لسنة 43 جلسة 1977/12/06 س 28 ع 2 ص 1742 ق 299)

17- إثبات التاريخ لا يكون إلا بإحدى الطرق التى عينها القانون ، و لا يحتج على الورثة الذين يطعنون على التصرف بأنه صدر فى مرض الموت بتاريخ السند إذا لم يكن هذا التاريخ ثابتاً ، إلا أن هذا التاريخ يظل حجة عليهم إلى أن يثبتوا هم عدم صحته و أن التصرف صدر فى تاريخ آخر توصلاً منهم إلى إثبات أن صدوره كان فى مرض الموت .

(الطعن رقم 816 لسنة 43 جلسة 1977/12/06 س 28 ع 2 ص 1742 ق 299)

18- أن توقيع المطعون عليه الأول كشاهد على عقدى البيع - المطعون فيهما بصدورهما فى مرض الموت - فى وقت لم يكن قد أصبح فيه وارثاً لا يعدو أن يكون شهادة بصحة صدورهما من المورث ، و لا يعتبر إجازة منه للعقدين ، لأن هذه الإجازة لا يعتد بها إلا إذا حصلت بعد وفاة المورث ، إذ أن صفة الوارث التى تخوله حقاً فى التركة لا تثبت له إلا بهذه الوفاة . كما أن توقيعه على العقدين لا يفيد صحة التاريخ المعطى لكل منهما إذ لم يكن وارثاً وقت توقيعه كشاهد طبقاً لما تقدم ذكره .

(الطعن رقم 816 لسنة 43 جلسة 1977/12/06 س 28 ع 2 ص 1742 ق 299)

19- مجرد طعن الوارث على التصرف بأنه صدر فى مرض موت المورث إضرارا بحقوقه فى الإرث لا يكفى وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة لإهدار حجية التصرف بل يجب على المورث أن يقيم الدليل على إدعائه  فإن عجز عن ذلك ظل التصرف حجة عليه وملزماً له ولا يعتبر الوارث فى حالة عجزه عن إثبات طعنه فى حكم الغير ولا يعدو أن يكون الطعن الذى أخفق فى إثباته مجرد إدعاء لم يتأيد بالدليل وبالتالى يكون التصرف حجة على الوارث بإعتباره خلفا عاما لمورثه  .

(الطعن رقم 346 لسنة 36 جلسة 1972/05/11 س 23 ع 2 ص 852 ق 135)

20- يترتب على إنصراف أثر العقد إلى الخلف العام أنه يسرى فى حقه ما يسرى فى حق السلف بشأن هذا العقد ، فلا يشترط إذن ثبوت تاريخ العقد أو تسجيله حتى يكون التصرف حجة للخلف أو عليه ، لأنه يعتبر قائما مقام المورث ، و يلتزم بتنفيذ ما إلتزم به مورثه طالما أن العقد قد نشأ صحيحاً ، و خلصت له قوته الملزمة .

(الطعن رقم 346 لسنة 36 جلسة 1972/05/11 س 23 ع 2 ص852 ق 135)

21- قيام مرض الموت هو من مسائل الواقع ، فإذا كان الحكم قد نفى بأدلة سائغة لها أصلها فى الأوراق ، قيام حالة مرض الموت لدى المتصرفة ، حيث إستخلص من الشهادة الطبية المقدمة لإثبات ذلك ، أنها لا تدل على أن المتصرفة كانت مريضة مرض الموت ، وإعتبر الحكم فى حدود سلطته فى تقدير الدليل أن إنتقال الموثق إلى منزل المتصرفة لتوثيق العقود محل النزاع ، لا يعتبر دليلا أو قرينة على مرضها مرض موت ، فإن الطعن على الحكم بالخطأ فى تطبيق القانون أوفهم الواقع فى الدعوى يعتبر مجادلة فى سلطة محكمة الموضوع فى تقدير الدليل ، ولا يؤثر فى الحكم ما تزيد فيه من أن إقرار الوارث بصحة العقود الصادرة من مورثته إلى بعض الخصوم فى الدعوى يفيد أن المتصرفة لم تكن مريضة مرض الموت ، إذ جاء هذا من الحكم بعد إستبعاده الأدلة التى قدمها الوارث على قيام حالة مرض الموت ، وهو المكلف بإثبات ذلك .

(الطعن رقم 332 لسنة 37 جلسة 1972/05/02 س 23 ع 2 ص 790 ق 123)

22- وإن كانت المادة 916 من القانون المدنى قد نصت على أنه لا يحتج على الورثة الذين يطعنون على التصرف بأنه صدر فى مرض الموت بتاريخ السند إذا لم يكن هذا التاريخ ثابتا ، إلا أن هذا التاريخ يظل حجة عليهم إلى أن يثبتوا هم عدم صحته وأن التصرف فى صدر فى تاريخ آخر توصلا منهم إلى إثبات أن صدوره كان فى مرض الموت فإذا عجزوا عن هذا الإثبات ظل التاريخ المذكور فى العقد حجة عليهم باعتبارهم خلفاً لمورثهم .

(الطعن رقم 45 لسنة 34 جلسة 1967/05/11 س 18 ع 2 ص 974 ق 146)

شرح خبراء القانون

تنص المادة 916 مدني على ما يأتي :

" 1 - كل عمل قانوني يصدر من شخص في مرض الموت، ويكون مقصوداً به التبرع، يعتبر تصرفاً مضافاً إلى ما بعد الموت، وتسري عليه أحكام الوصية أياً كانت التسمية التي تعطى لهذا التصرف " .

 " 2 - وعلى ورثة من تصرف أن يثبتوا أن العمل القانوني قد صدر من مورثهم وهو في مرض الموت، ولهم إثبات ذلك بجميع الطرق، ولا يحتج على الورثة بتاريخ السند إذا لم يكن هذا التاريخ ثابتاً " .

 " 3 - وإذا أثبت الورثة أن التصرف صدر من مورثهم في مرض الموت، اعتبر التصرف صادراً على سبيل التبرع، ما لم يثبت من صدر له التصرف عكس ذلك . كل هذا ما لم توجد أحكام خاصة تخالفه .

فالتصرف الصادر من المورث في مرض الموت، ويكون مقصوداً به التبرع، يعتبره القانون وصية مستترة، وتسري عليه أحكام الوصية وبذلك تحمي الورثة، إذ أن هذا التصرف لا ينفذ في حقهم فيما زاد على ثلث التركة إلا إذا أجازوه، وهذا هو حكم الوصية كما قدمنا . وحتى تسري أحكام الوصية يجب، كما هو ظاهر من النص، أن يتوافر في التصرف شرطان :  1 - أن يكون تصرفاً صادراً في مرض الموت  2 - وأن يكون مقصوداً به التبرع.

الشرط الأول – التصرف صادر في مرض الموت :

سبق، عند الكلام في البيع، أن بحثنا البيع الصادر في مرض الموت، ورأينا أن أحكام  الوصية تسري عليه أما هنا فالنص عام ولا يقتصر على البيع، بل هو يشمل كل تصرف صدر في مرض الموت أياً كانت التسمية التي أعطيت لهذا التصرف ومن ثم يدخل، إلى جانب البيع، الهبة والإقرار والإبراء وغير ذلك من التصرفات  فإذا وهب المورث عيناً، أو أقر بدين عليه، أو أبرأ مديناً له، وصدر التصرف والمورث في مرض الموت، سرت على هذا التصرف أحكام الوصية فلا تنفذ الهبة ولا الإقرار بالدين ولا الإبراء من الدين إلا في ثلث التركة، ما لم تجز الورثة ما يجاوز الثلث في كل ذلك.

وعبء إثبات أن التصرف قد صدر في مرض الموت يقع على الورثة ولهم إثبات ذلك بجميع الطرق، ويدخل في ذلك البينة والقرائن، لأنهم إنما يثبتون واقعة مادية  فيستطيعون إثبات مرض الموت بتقارير الأطباء وبشهادة الشهود وبالقرائن المستخلصة من ظروف المرض وبغير ذلك من الأدلة.

وتقول العبارة الأخيرة من الفقرة الثانية من المادة 916 مدني سالفة الذكر : " ولا يحتج على الورثة بتاريخ السند إذا لم يكن هذا التاريخ ثابتاً " . والمقصود بالسند هنا هو سند التصرف الصادر من المورث، فإذا حمل تاريخاً عرفياً من شأنه أن يجعل التصرف صادراً في وقت سابق على مرض الموت، كان هذا التاريخ حجة على الورثة ولكن لهم أن يثبتوا أن التاريخ قد قدم عمداً وأن التاريخ الحقيقي لصدور السند يقع في وقت كان المورث فيه مريضاً مرض الموت، فقدم التاريخ ليخفي هذه الحقيقة ويكون للورثة إثبات ذلك بجميع الطرق وتدخل فيها البينة والقرائن بالرغم من أنهم يثبتون عكس ما هو مكتوب، لأن تقديم التاريخ على هذا النحو غش والغش يجوز إثباته بجميع الطرق ومن هذا نرى أن عبارة النص غير دقيقة، إذ هي تقول إنه لا يحتج على الورثة بتاريخ السند إذا لم يكن هذا التاريخ ثابتاً وقد رأينا أن التاريخ، حتى لو لم يكن ثابتاً، يحتج به على الورثة، وإنما يكون لهم إثبات العكس كما قدمنا . وقد سبق أن استظهرنا عدم دقة النص عند الكلام في التاريخ الثابت في الأوراق العرفية في الجزء الثاني من الوسيط، فقلنا في هذا الصدد : " فالأصل أن الوارث يحتج عليه بتاريخ التصرف الصادر من مورثه، ولو لم يكن هذا التاريخ ثابتاً . ولكن إذا أدعى أن التصرف قد صدر من مورثه وهو في مرض الموت، كانت له مصلحة في إثبات عدم صحة التاريخ، وله أن يثبت ذلك بجميع الطرق ومنها البينة والقرائن، لما ينطوي عليه تقديم تاريخ التصرف من غش أريد به الإخلال بحقه الشخصي في الميراث إلى هنا ونص التقنين الجديد مستقيم . لكن تأتي بعد ذلك العبارة الأخيرة : ولا يحتج على الورثة بتاريخه إذا لم يكن هذا التاريخ ثابتاً  وهي عبارة غير صحيحة على إطلاقها . إن أريد بها – كما هو ظاهر العبارة – أن التاريخ العربي للتصرف الصادر من المورث لا يحتج به على الورثة، فهذا غير صحيح، وقد رأينا أن هذا التاريخ حجة على الوارث إلى أن يثبت عدم صحته وإن أريد بها – كما هو التأويل المستخلص من سياق النص – أن التاريخ العرفي لا يحتج به على الوارث إلى الحد الذي يمنعه من إثبات العكس بل يجوز له ما دام التاريخ غير ثابت أن يقيم الدليل على عدم صحته، فهذا صحيح ولكن فيم الحاجة إلى إيراد هذا الحكم البديهي فمن المسلم أن كل شخص يكون التاريخ العرفي حجة عليه، ولو كان هو المتعاقد نفسه، يستطيع أن يثبت عدم صحة هذا التاريخ " 

الشرط الثاني التصرف مقصوداً به التبرع :

 ويجب أيضاً أن يكون التصرف الصادر من المورث في مرض الموت قد قصد به التبرع ذلك أنه من المحتمل، وإن كان هذا نادراً، أن يكون المورث قد تصرف في مرض موته معاوضة لا تبرعاً . وأكثر ما يقع ذلك في عقد البيع، فإن كان الثمن لا محاباة فيه فإن البيع ينفذ في حق الورثة، وتسري عليه أحكام البيع لا أحكام الوصية  أما إذا كان في الثمن محاباة، فهذه المحاباة وحدها هي التي تسري عليها أحكام الوصية . وقد نصت المادة 477 مدني على أنه : " 1 - إذا باع المريض مرض الموت لوارث أو لغير وارث بثمن يقل عن قيمة المبيع وقت البيع، فإن البيع يسري في حق الورثة إذا كانت زيادة قيمة المبيع على الثمن لا تجاوز ثلث التركة داخلاً فيها البيع ذاته . 2 - أما إذا كانت هذه الزيادة تجاوز ثلث التركة، فإن البيع فيما يجاوز الثلث لا يسري في حق الورثة إلا إذا أقروه أو رد المشتري للتركة ما بقى بتكملة الثلثين".

وعبء إثبات أن التصرف الصادر من المورث في مرض الموت قد قصد به التبرع لا يقع على الورثة كما يقع العبء عليهم في إثبات أن التصرف صدر في مرض الموت، وإنما يقع هنا على من صدر له التصرف ذلك أنه متى أثبت الورثة أن التصرف قد صدر في مرض الموت، فقد أقام القانون قرينة قانونية على أن هذا التصرف إنما قصد به التبرع فالإنسان لا يتصرف في مرض موته عادة إلا على سبيل التبرع، ويندر أن يكون في تصرفه والموت ماثل أمام عينيه قد قصد المعاوضة على أن هذه القرينة القانونية قابلة لإثبات العكس، فيجوز لمن صدر له التصرف أن يدحضها بأن يثبت أنه دفع عوضاً للمورث فإذا أثبت ذلك، وكان في التصرف مع ذلك محاباة له، فإن هذه المحاباة وحدها هي التي تسري عليها أحكام الوصية كما سبق القول. (الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ التاسع، المجلد/ الأول، الصفحة/ 288)

أما نص المادة 916 فهو عام يسري على جميع التصرفات منى صدر التصرف في مرض الموت وكان مقصوداً به التبرع ويستوي أن يكون التصرف بيعاً أو هبة أو إبراء أو إقراراً أو غيرها وسواء كان لوارث أو غير وارث، وأقام المشرع قرينة مفادها أن التصرف إذا صدر في مرض الموت يكون تبرعاً، وهذه القرينة بسيطة يجوز للمتصرف إليه إثبات ما يخالفها بأن يقيم الدليل على أن التصرف رغم صدوره في مرض الموت إلا أنه معارضة ومن ثم يكفي لتوفر القرينة أن يثبت الورثة أن التصرف تم في مرض الموت وهو ما عرفناه بالمادة 477 وحينئذ يتحمل المتصرف إليه نفيها، فإن لم يتمكن من نفي هذه القرينة اعتبر التصرف وصية مستترة فلا تنفذ فيما جاوز ثلث التركة إلا باجازة الورثة وتقدر القيمة بوقت القبض، أما إذا كان التصرف صورياً صورية مطلقة وطعن فيه الورثة بالصورية لا بأنه وصية مستترة، فإن الورثة لا يعتبرون من الغير في هذه الحالة وإنما يعتبرون امتداداً لمورثهم فلا يجوز لهم إثبات السورية إلا بما كان يجوز لمورثهم أن يثبتها به من طرق الإثبات «راجع التعليق على المادة 245 مدنی» ومتى خرج التصرف عن فترة مرض الموت ولم يكن صورياً فهو صحيح حتى لو قصد به حرمان الورثة من الميراث إلا إذا توافرت قرينة م 917.

ومتى تمسك الورثة بأن التصرف صدر في مرض موت مورثهم، قضت المحكمة بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت الورثة صدور العقد في مرض موت مورثهم، ولينفى المتصرف إليه ذلك، ويكون للأخير نفى ما يثبته الورثة ولو لم يصرح له الحكم بذلك، فإذا قام الدليل على صدور التصرف في مرض الموت، ولم ينف المتصرف إليه ذلك وعجز عن إثبات أن التصرف تم معاوضة، قامت قرينة على أنه تبرعاً وخضع الأحكام الوصية.

ذلك أن حق الوارث يتعلق قانوناً بأموال مورثه بمجرد تحقق مرض موت مورثه لإتصال هذا المرض بالموت الذي تنفتح به تركة المورث، وبالتالي فإن تصرف المورث يمس حق الوارث في التركة ويعتبر أنه تم تحايلاً على قواعد الإرث التي نظمها القانون، وبالتالي يجوز للوارث إثبات صورية التاريخ العرفی وتوافر عناصر مرض الموت بكافة الطرق المقررة قانوناً، إذ يعتبر الوارث حينئذ من طبقة الغير بالنسبة لهذا التصرف.

قد يقر المورث، وهو في مرض موته، بحق في ذمته لوارث أو لغير وارث، وحينئذ يأخذ هذا الاقرار حكم الوصية، فلا ينفذ في حق الورثة فيما جاوز ثلث التركة إلا إذا أقروه بعد الوفاة، فأن لم يقروه، نفذ في حقهم في حدود ثلث التركة، فأن كان هذا الحق يمثل ثلث التركة أو يقل عن ذلك، نفذ الإقرار في حق الورثة دون حاجة لإجازتهم، إذ لا تلزم هذه الإجازة إلا لنفاذ ما يجاوز ثلث التركة أما أن صدر الإقرار في حال صحة المورث، نفذ في حق الورثة ولو كان ساتراً لهبة طالما كان منجزاً، ويستوي أن يكون لوارث أو لغير وارث «مادة 488» .

مفاده أن التصرف لا ينفذ في حق الورثة إلا في حدود ثلث التركة ما لم يجزه الورثة، وكذلك فلا يقضى ببطلان التصرف وإنما بعدم نفاذه فيما يجاوز ثلث التركة، على أن تستظهر المحكمة عناصر التركة التي خلفها المورث وبحث ما إذا كانت التركة محملة بديون للغير أم لا لتقدير الثلث الذي تخرج منه الوصية، ولها الاستعانة بخبير للقيام بهذه المأمورية، فإن تبين أن التصرف يدخل في جدود هذا الثلث كان نافذاً بغير إجازة، وفي هذه الحالة تقضي برفض الدعوى، فإن كان يجاوز الثلث، قضت بعدم نفاذه فيما يجاوز ثلث التركة وهو قضاء يتضمن نفاذ التصرف في حدود ثلث التركة حسبما أسفر عنه تقرير الخبير .

وعلى المحكمة أن تنزل بالدعوى تكييفها الصحيح، فإذا رفعها الورثة ببطلان التصرف، وجب عليها من تلقاء نفسها أن تعتبرها دعوى بعدم نفاذ التصرف فيما يجاوز ثلث التركة، باعتباره تصرفاً مضافاً إلى ما بعد الموت يأخذ حكم الوصية، فإذا كان الوارث قد رفعها باعتبارها دعوی ببطلان العقد، وتمسك المدعى عليه بسقوطها بالتقادم الثلاث، وجب رفض هذا الدفع وفقاً للتكييف الصحيح للدعوى. (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الثاني عشر، الصفحة/ 237)

تنص الفقرة الأولى من المادة 916 على أن: كل عمل قانوني يصدر من شخص في مرض الموت ويكون مقصوداً به التبرع، يعتبر تصرفاً مضافاً إلى ما بعد الموت، وتسرى عليه أحكام الوصية أياً كانت التسمية التي تعطى لهذا التصرف.

ويقرر هذا النص الحكم العام في تصرفات المريض مرض الموت، كما ورد في المادة 477 مدني تطبيقاً لهذا الحكم العام على بيع المريض مرض الموت فقد وضع الشارع في الفقرة الأولى من المادة 916 القاعدة الموضوعية التي تسري على كل تصرف يصدر في مرض الموت، فالتصرف الذي يصدر من شخص، وهو في مرض موته، قاصداً به التبرع، يعتبر تصرفاً مضافاً إلى ما بعد الموت أياً كانت التسمية التي تعطى لهذا التصرف ولا ينفذ من ثم في مواجهة الورثة، فيما زاد على ثلث التركة، إلا إذا أجازوه بعد وفاة المورث.

وهذه القاعدة في التصرفات التي تصدر في مرض الموت كما يفيد منها الورثة فإن دائني التركة يفيدون منها كذلك لتعلق حقهم بأموال الميت وقت نزول هذا المرض كما هي الحال بالنسبة إلى الورثة بل إن تعلق حق الدائنين بهذه الأموال من وقت المرض أكثر فاعلية من تعلق حق الورثة بها وذلك نظراً إلى أن حقوق الدائنين مقدمة على حقوق الموصى لهم والورثة فإذا كانت التركة مستغرقة بالدين فلا ينفذ في حق الدائنين أي تبرع أو محاباه صدر في مرض الموت، ولو أجازه الورثة.

يشترط لاعتبار التصرف مضافاً إلى ما بعد الموت تسري عليه أحكام الوصية ما يأتي:

(أ) - أن يكون المتصرف مريضاً مرض الموت:

يشترط أن يكون الشخص الذي يصدر منه التصرف مريضاً مرض الموت أما إذا صدر التصرف في غير مرض الموت فلا تعلق لحق الوارث بأموال مورثه، ويكون المالك أن يتصرف كما يشاء في أمواله معاوضة أو تبرعاً، ولو أدى تصرف المورث إلى حرمان ورثته أو تعديل أنصبتهم، مادام المتصرف كامل الأهلية وقت التصرف.

المقصود بمرض الموت:

يرجع في تحديد مرض الموت إلى الفقه الإسلامي مفسراً بقضاء المحاكم. وقد نصت المادة (1565) من مجلة الأحكام العدلية - وهي تقنين الفقه الحنفي - على أن: "مرض الموت هو الذي يغلب فيه خوف الموت ويعجز فيه المريض عن رؤية مصالحه خارجاً عن داره إن كان من الذكور وعن رؤية مصالحه داخل داره إن كان من الإناث، ويموت على ذلك الحال قبل مرور سنة، سواء كان صاحب فراش أو لم يكن، وإن امتد مرضه ومضت عليه سنة وهو على حال واحدة، كان في حكم الصحيح، وتكون تصرفاته كتصرفات الصحيح ما لم يشتد مرضه ويتغير حاله، ولكن لو اشتد مرضه وتغير حاله ومات قبل مضي سنة، يعد حاله اعتباراً من وقت التغيير إلى الوفاة مرض موت".

ويستفاد مما تقدم أنه يشترط توافر ثلاثة شروط لاعتبار المرض مرض موت أولها: أن يقعد المرض المريض عن قضاء مصالحه. وثانيهما: أن يغلب فيه الموت وثالثهما: أن ينتهي بالموت فعلاً. إذ من شأن هذه العلامات مجتمعة - وهي أمور موضوعية- أن تشعر المريض بدنو أجله وأنه مشرف على الموت. 

ويلحق بالمريض مرض الموت في أحكامه كل من كان صحيحاً في حالة يغلب فيها الهلاك عادة كالمحكوم عليه بالإعدام ولا أمل في برائته وحجز لتنفيذ الحكم وتوفي قبل تنفيذ الحكم عليه أو بعده، ومن كان في معركة حربية ووقف في الصف الأول للقتال أو في موضع الخطر أو كان في سفينة اجتاحتها الأمواج من كل ناحية، أو كان في بلد عمه الوباء القاتل إذا توفي في هذه الحالة.

 (ب) - أن يصدر من الشخص ثمة تصرف:

ولا يهم نوع هذا التصرف فيستوي أن يكون بيعاً أو هبة أو إقراراً أو إبراء أو غير ذلك من التصرفات.

وسواء صدر التصرف لوارث أو لغير وارث.

غير أنه لا يشترط أن يحتفظ البائع بحيازة العين محل التصرف والانتفاع بها. 

(ج) - أن يكون المقصود بالتصرف التبرع:

أما إذا كان التصرف معاوضة حقيقة، نفذ التصرف في مواجهة الورثة. فإذا تضمنت المعاوضة محاباة كالبيع بأقل من ثمن المثل، كانت المحاباة تبرعاً. ومقتضى ذلك طبقاً لحكم الوصية- أن التصرف ينفذ في حق الورثة في القدر المتبرع به أو المحابی به إذا خرج هذا القدر من ثلث التركة، أما إذا زاد هذا القدر على ثلث التركة فلا ينفذ التصرف في الزيادة إلا بإجازة الورثة، ولا يعتد بإجازتهم إلا إذا حصلت بعد وفاة المورث لأن حق الوارث لا يظهر في الوجود ولا يكون له أثر إلا بعد وفاة المورث.

وقد أورد المشرع تطبيقاً خاصاً لذلك في عقد البيع إذ نصت المادة 477 مدنی على أن: "1- إذا باع المريض مرض الموت الوارث أو لغير وارث بثمن يقل عن قيمة المبيع وقت الموت فإن البيع يسري في حق الورثة إذا كانت زيادة قيمة المبيع على الثمن لا تجاوز ثلث التركة داخلاً فيها المبيع ذاته .

 2- أما إذا كانت هذه الزيادة تجاوز ثلث التركة فإن البيع فيما يجاوز الثلث لا يسرى في حق الورثة إلا إذا أقره أورد المشتري للتركة ما يفي بتكملة الثلثين.

3- ويسري على بيع المريض مرض الموت أحكام المادة 916.

ثم نصت المادة 478 مدني على أن: "لا تسري أحكام المادة السابقة إضراراً بالغير حسن النية إذا كان هذا الغير کسب بعوض حقاً عينياً على العين المبيعة".

لما كان أساس تطبيق حكم الفقرة الأولى من المادة، هو صدور التصرف في مرض الموت، فقد قررت الفقرة الثانية من المادة أنه: "على ورثة من تصرف أن يثبتوا أن العمل القانوني قد صدر من مورثهم في مرض الموت، ولهم إثبات ذلك جميع الطرق، ولا يحتج على الورثة بتاريخ السند إذا لم يكن هذا التاريخ ثابتاً".

فورثة المتصرف (المتوفی) لهم إثبات أن تصرف مورثهم صدر منه وهو في مرض الموت، بكافة الإثبات لوروده على واقعة مادية.

بعد أن جعل المشرع إثبات ورثة المتصرف حصول التصرف في مرض الموت قرينة على أنه قصد به التبرع، فلا ينفذ إلا في حدود الثلث بغير موافقة الورثة، وبموافقتهم فيما عدا ذلك أتاح لمن صدر له التصرف إثبات عكس ذلك، وأن التصرف في حقيقته كان معاوضة لينجو من عدم نفاذ التصرف إلا في حدود الثلث في مواجهة الورثة ذلك أنه من المحتمل - وإن كان ذلك نادراً - أن يكون المورث قد تصرف في مرض موته معاوضة لا تبرعاً، وأكثر ما يقع ذلك في عقد البيع.(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الثاني عشر، الصفحة/ 163)

حكم تبرعات المريض - إذا تبرع المريض نفذ التبرع في حقه حال حياته فإذا انتهى به المرض إلى الموت، سرت على تبرعه أحكام الوصية بمعنى أن هذا التبرع، سواء كان لوارث أو لغير وارث، ينفذ في حق الورثة في حدود ثلث التركة دون حاجة إلى إجازتهم  ويتوقف على إجازتهم فيها تجاوز هذا القدر.

ويشترط فيما ينطبق عليه حكم الوصية وفقاً للمادة 916 فقرة أولى توافر شرطين: الأول أن يكون قد تم في مرض الموت، والثاني أن يكون تبرعاً، فإذا صدر التبرع في حال الصحة أو صدر البيع بثمن المثل في مرض الموت، كان التصرف صحيحاً نافذاً في حق الورثة والأصل أن يكون على الورثة الذين يطعنون في تصرف مورثهم بأنه تبرع في مرض الموت عبء إثبات هذين الشرطين .

ويقتضي ذلك أولاً ان يثبت الورثة أن مورثهم قد انتابه مرض يغلب فيه الهلاك وأن هذا المرض قد انتهى إلى موته، وأن يثبتوا تاريخ بدء هذا المرض، ویكون إثبات هذا كله في الغالب بتقارير الأطباء، وبشهادات الشهود.

ومتی ثبت مرض الموت وتعين تاريخ بدئه، بقي على الورثة أو يثبتوا أن التصرف الصادر من مورثهم والذي يطعنون فيه قد صدر منه بعد التاريخ الذي ابتدأ فيه مرض الموت والغالب أن يكون هذا التصرف مدوناً في ورقة رسمية أو عرفية، وفي الحالة الأولى تكفي مقارنة تاريخ الورقة الرسمية بتاريخ بدء المرض للجزم بصدور التصرف في مرض الموت أو قبله أما في الحالة الثانية فيحتمل أن تكون الورقة العرفية قد حررت بعد بدء مرض الموت وأن تكون قد أرخت بتاريخ سابق على ذلك لكي تبدو سابقة على مرض الموت تفادياً لتطبيق حكم الوصية على التصرف المدون فيها، فإن كان تاريخ الورقة العرفية ثابتاً بوجه رسمى كان شأنه شأن تاريخ الورقة الرسمية، وإلا تعين البحث في مدى حجيته بالنسبة إلى الورثة.

وخلاصة القول فيما يتعلق بإثبات حصول التصرف في مرض الموت أن التاريخ العرفي للتصرف يكون حجة على الورثة، وقع عليهم هم عبء إثبات أن ذلك التصرف قد وقع في تاريخ لاحق للتاريخ المذكور حصوله فيه بحيث يكون تالياً لبدء مرض الموت.

وفيما يتعلق بالشرط الثاني، قد أعفى المشرع الورثة من عبء إثبات تبرعية التصرف، إذ نص في المادة 916 فقرة ثالثة على أنه ( إذا أثبتت الورثة أن التصرف صدر من مورثهم في مرض الموت، اعتبر صادراً على سبيل التبرع، ما لم يثبت من صدر له التصرف عكس ذلك كل هذا ما لم توجد أحكام خاصة تخالفه »، أي أن المشرع قد أنشأ قرينة قانونية بسيطة على أن كل تصرف يثبت وقوعه في مرض الموت يكون تبرعاً، وبالتالي تسري عليه أحكام الوصية، ما لم يثبت التصرف إليه أن التصرف لم يكن تبرعاً بل بمقابل، وحينئذ لا يسرى عليه حكم المادة 916 بل يسرى عليه حكم المادة 477 الخاصة بالبيع في مرض الموت، ويجوز إثبات المعارضة بكافة الطرق ولو كانت قيمة العقد تجاوز نصاب البينة، وذلك وفقاً للقاعدة العامة في إثبات عكس  القرائن القانونية، ولا يجوز الاستناد في ذلك إلى نص العقد ذاته ولو كان وارداً فيه أن المتصرف قبض الثمن كله فور التعاقد لأن المشرع بإنشائه القرينة المذكورة قد أهدر نص العقد في هذا الشأن وأصبح يتعين إثبات المعارضة بغير هذا النص .(الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ السابع، الصفحة/ 781)

الفقه الإسلامي

 الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الأول ، الصفحة /   154

إبْراء الْمريض مرض الْموْت:

29 - يشْترط أنْ لا يكون الْمبْرئ مريضًا مرض الْموْت، وفيه تفْصيلٌ بحسب الْمبْرأ، فإنْ كان أجْنبيًّا والدّيْن يجاوز ثلث التّركة، فلا بدّ منْ إجازة الْورثة فيما زاد على الثّلث؛ لأنّه تبرّعٌ له حكْم الْوصيّة. وإذا كان الْمبْرأ وارثًا توقّف الإْبْراء كلّه على إجازة الْورثة ولوْ كان الدّيْن أقلّ من الثّلث. وإذا أبْرأ الْمريض مرض الْموْت أحد مدْيونيه، والتّركة مسْتغْرقةٌ بالدّيون، لمْ ينْفذْ إبْراؤه لتعلّق حقّ الْغرماء وتفْصيل ذلك عنْد الْكلام عنْ (مرض الْموْت).

الْمبْرأ وشروطه:

30 - اتّفق الْفقهاء على اشْتراط الْعلْم بالْمبْرأ، فلا يصحّ. الإْبْراء لمجْهولٍ.

وكذلك يجب أنْ يكون معيّنًا، فلوْ أبْرأ أحد مدينيه على التّردّد لمْ يصحّ، خلافًا لبعْض الْحنابلة.

فلا بدّ منْ تعْيين الْمبْرأ تعْيينًا كافيًا. كما أنّ الإْقْرار

ببراءة كلّ مدينٍ له لا يصحّ إلاّ إذا كان يقْصد مدينًا معيّنًا أوْ أناسًا محْصورين.

ولا يشْترط في الْمبْرأ أنْ يكون مقرًّا بالْحقّ، بلْ يصحّ الإْبْراء للْمنْكر أيْضًا، بلْ حتّى لوْ جرى تحْليف الْمنْكر يصحّ إبْراؤه بعْده؛ لأنّ الْمبْرئ يسْتقلّ بالإْبْراء - لعدم افْتقاره إلى الْقبول - فلا حاجة فيه إلى تصْديق الْغريم.

الْمبْرأ منْه (الْمحلّ) وشروطه:

31 - يخْتلف الْمبْرأ منْه بيْن أنْ يكون من الْحقوق أو الدّيون أو الأْعْيان. وسيأْتي الْكلام عنْ ذلك في (موْضوع الإْبْراء). وتبعًا للاخْتلاف السّابق بيانه، في أنّ الإْبْراء إسْقاطٌ أوْ تمْليكٌ أو الْغالب فيه أحدهما، اخْتلف الْفقهاء في صحّة الإْبْراء من الْمجْهول، فمنْ نظر في هذه الْمسْألة إلى معْنى التّمْليك اشْترط الْعلْم؛ لأنّه لا يمْكن تمْليك الْمجْهول، ومنْ نظر إلى معْنى الإْسْقاط ذهب إلى الصّحّة.

فالاتّجاه الأْوّل الّذي عليْه جمْهور الْفقهاء (الْحنفيّة والْمالكيّة وروايةٌ عنْد الْحنابلة) أنّ الإْبْراء من الْمجْهول صحيحٌ، بلْ صرّح الْمالكيّة بأنّه يصحّ التّوْكيل بالإْبْراء، وإنْ كان الْحقّ الْمبْرأ منْه مجْهولاً لكلٍّ من الثّلاثة (الْموكّل، والْوكيل، ومنْ عليْه الدّيْن) لأنّ الإْبْراء - كما قالوا - هبةٌ، وهبة الْمجْهول جائزةٌ. ومثّلوا لذلك بما لوْ أبْرأ ذمّة غريمه، وهما لا يعْلمان بكمْ هي مشْغولةٌ، وذلك لأنّ جهالة السّاقط لا تفْضي إلى الْمنازعة.

ويقْرب منْه الاتّجاه الثّاني، وهو روايةٌ للْحنابلة أيْضًا، وهو صحّة الإْبْراء مع الْجهْل إنْ تعذّر علْمه، وإلاّ فلا، وقالوا: إنّه لوْ كتمه طالب الإْبْراء خوْفًا منْ أنّه لوْ علمه الْمبْرئ لمْ يبْرئْه، لمْ يصحّ.

أمّا الاتّجاه الثّالث، وهو مذْهب الشّافعيّة وروايةٌ عنْد الْحنابلة، فهو أنّه لا يصحّ الإْبْراء عن الْمجْهول مطْلقًا. ولا فرْق عنْد الشّافعيّة في الْمجْهول بيْن مجْهول الْجنْس أو الْقدْر أو الصّفة، حتّى الْحلول والتّأْجيل ومقْدار الأْجل. كما صرّحوا بأنّه إذا وقع الإْبْراء ضمْن معاوضةٍ كالْخلْع، اشْترط علْم الطّرفيْن بالْمبْرأ عنْه، أمّا في غيْر الْمعاوضة فيكْفي علْم الْمبْرئ وحْده، ولا أثر لجهْل الشّخْص الْمبْرأ.

32 - وممّا صرّح به بعْض الشّافعيّة أنّ الْمراد بالْمجْهول ما لا تسْهل معْرفته، بخلاف ما تسْهل معْرفته، كإبْرائه منْ حصّته في تركة مورّثه، لأنّه وإنْ جهل قدْر حصّته، لكنْ يعْلم قدْر تركته، فتسْهل معْرفة الْحصّة. وفرّقوا بيْنه وبيْن ضمان الْمجْهول، فلا يصحّ وإنْ أمْكنتْ معْرفته؛ لأنّ الضّمان يحْتاط له؛ لأنّه إثْبات مالٍ في الذّمّة، في حين أنّ الإْبْراء يغْلب فيه معْنى الإْسْقاط. ولا يخْفى أنّ هذا التّفْصيل ليْس موْضع خلافٍ؛ لأنّ هذه الْجهالة صوريّةٌ.

وقد اسْتثْنى الشّافعيّة منْ عدم صحّة الإْبْراء من الْمجْهول صورتيْن، هما: الإْبْراء من الدّية الْمجْهولة، وما إذا ذكر غايةً يتيقّن أنّ حقّه دونها، وهي الطّريقة للإْبْراء من الْمجْهول، بأنْ يبْرئه عمّا يتأكّد أنّه أزْيد ممّا له عليْه. وقدْ أضاف الرّمْليّ إلى هاتيْن الصّورتيْن ما لوْ أبْرأ إنْسانًا ممّا عليْه بعْد موْته، فيصحّ مع الْجهْل؛ لأنّه يجْري مجْرى الْوصيّة.

ومنْ صور الْمجْهول: الإْبْراء منْ أحد الدّيْنيْن، قال الْحلْوانيّ من الْحنابلة: يصحّ، ويؤْخذ بالْبيان، كما في الطّلاق لإحْدى زوْجتيْه. قال ابْن مفْلحٍ: يعْني ثمّ يقْرع على الْمذْهب .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الخامس  ، الصفحة /   45

الإْشْهَادُ عَلَى كِتَابَةِ الْوَصِيَّةِ:

37 - يَتَّفِقُ الْفُقَهَاءُ عَلَى نَفَاذِ الْوَصِيَّةِ إِنْ كَتَبَ الْمُوصِي وَصِيَّتَهُ وَأَشْهَدَ عَلَيْهَا، ثُمَّ قَرَأَهَا عَلَى الْشُّهُودِ.

وَيَخْتَلِفُونَ إِنْ كَتَبَهَا وَلَمْ يَعْلَمِ الشُّهُودُ بِمَا فِيهَا، سَوَاءٌ أَكَتَبَهَا وَلَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهَا أَمْ كَتَبَهَا فِي غَيْبَةِ الشُّهُودِ، ثُمَّ أَشْهَدَهُمْ عَلَيْهَا.

فَإِنْ كَتَبَهَا مُبْهَمَةً ثُمَّ دَعَا الشُّهُودَ، وَقَالَ: هَذِهِ وَصِيَّتِي فَاشْهَدُوا عَلَى مَا فِي هَذَا الْكِتَابِ، فَلِلْفُقَهَاءِ فِي نَفَاذِ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ وَعَدَمِهِ رَأْيَانِ:

أَحَدُهُمَا: عَدَمُ النَّفَاذِ، وَبِهِ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ، وَجُمْهُورُ الأْصْحَابِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ. وَبِهَذَا قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَأَبُو قِلاَبَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ. إِلاَّ أَنَّ بَعْضَ كُتُبِ الْحَنَابِلَةِ أَطْلَقَتْ هَذَا الْقَوْلَ، وَبَعْضُهَا قَيَّدَهُ بِمَا إِذَا لَمْ يُعْرَفْ خَطُّ الْكَاتِبِ، وَقَالُوا فِي تَعْلِيلِ عَدَمِ النَّفَاذِ: إِنَّ الْحُكْمَ لاَ يَجُوزُ بِرُؤْيَةِ خَطِّ الشَّاهِدِ بِالشَّهَادَةِ بِالإْجْمَاعِ فَكَذَا هُنَا.

الثَّانِي: أَنَّ هَذَا الإْشْهَادَ يَصِحُّ وَيَنْفُذُ بِهِ الْوَصِيَّةُ وَإِنْ لَمْ يَقْرَأْهَا عَلَى الشُّهُودِ، وَهُوَ قَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ، وَقَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرِ الْمَرْوَزِيِّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ مِنْهُمْ سَالِمٌ وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ يَعْلَى قَاضِي الْبَصْرَةِ .

فَإِنْ كَتَبَهَا بِحَضْرَتِهِمْ، وَأَشْهَدَهُمْ عَلَيْهَا، دُونَ عِلْمٍ بِمَا فِيهَا فَإِنَّهَا تَنْفُذُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إِذَا أَوْدَعَهُ عِنْدَهُ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ إِنْ عُرِفَ خَطُّهُ. وَالْعَمَلُ حِينَئِذٍ بِالْخَطِّ لاَ بِالإْشْهَادِ. وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ يَعْلَى وَمَكْحُولٌ وَاللَّيْثُ وَالأْوْزَاعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَإِسْحَاقُ، وَاحْتَجَّ أَبُو عُبَيْدٍ بِكَتْبِ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  إِلَى عُمَّالِهِ وَأُمَرَائِهِ فِي أَمْرِ وِلاَيَتِهِ وَأَحْكَامِ سُنَنِهِ، ثُمَّ مَا عَمِلَ بِهِ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ الْمَهْدِيُّونَ بَعْدَهُ مِنْ كَتْبِهِمْ إِلَى وُلاَتِهِمُ الأْحْكَامُ الَّتِي تَتَضَمَّنُ أَحْكَامًا فِي الدِّمَاءِ وَالْفُرُوجِ وَالأْمْوَالِ، يَبْعَثُونَ بِهَا مَخْتُومَةً لاَ يَعْلَمُ حَامِلُهَا مَا فِيهَا، وَأَمْضَوْهَا عَلَى وُجُوهِهَا. وَذَكَرَ اسْتِخْلاَفَ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِكِتَابٍ كَتَبَهُ وَخَتَمَ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَلاَ نَعْلَمُ أَحَدًا أَنْكَرَ ذَلِكَ مَعَ شُهْرَتِهِ فِي عُلَمَاءِ الْعَصْرِ فَكَانَ إِجْمَاعًا.

وَلاَ تَنْفُذُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ صَاحِبُ الْمُغْنِي: وَوَجْهُهُ أَنَّهُ كِتَابٌ لاَ يَعْلَمُ الشَّاهِدُ مَا فِيهِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُشْهِدَ عَلَيْهِ، كَكِتَابِ الْقَاضِي إِلَى الْقَاضِي.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / السادس والثلاوثون  ، الصفحة /  160

الْمُحَابَاةُ فِي عَيْنِ الْمَبِيعِ

5 - الْمُحَابَاةُ كَمَا تَكُونُ فِي ثَمَنِ الْمَبِيعِ تَكُونُ فِي عَيْنِهِ حَتَّى لَوْ تَمَّ بَيْعُهُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ أَوْ أَكْثَرَ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَخْتَارَ الْبَائِعُ الْمَرِيضُ أَفَضْلَ مَا عِنْدَهُ مِنْ عَقَارٍ أَوْ مَنْقُولٍ، كَتُحْفَةٍ نَادِرَةٍ، فَيَبِيعُهُ لِوَارِثِهِ بِمِثْلِ الثَّمَنِ أَوْ أَكْثَرَ. وَهَذِهِ لاَ تَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمَالِكِيَّةِ، لأِنَّ  الْمَرِيضَ مَمْنُوعٌ مِنْ إِيثَارِ بَعْضِ الْوَرَثَةِ بِالْعَيْنِ، لأِنَّ  النَّاسَ لَهُمْ أَغْرَاضٌ فِي الْعَيْنِ فَلاَ يَمْلِكُ إِيثَارَ بَعْضِ الْوَرَثَةِ بِهَا. وَتَجُوزُ إِنْ كَانَ صَحِيحًا، أَوْ مَرِيضًا وَبَاعَهَا لأِجْنَبِيٍّ .

هـ - مُحَابَاةُ الصَّبِيِّ

6 - الْمُحَابَاةُ سَوَاءٌ كَانَتْ يَسِيرَةً أَمْ فَاحِشَةً لاَ تَجُوزُ مِنَ الصَّبِيِّ حَتَّى وَلَوْ أَذِنَ لَهُ وَلِيُّهُ فِي التِّجَارَةِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، لأِنَّ  تَصَرُّفَاتِ الصَّبِيِّ لاَ بُدَّ أَنْ تَتَحَقَّقَ فِيهَا مَصْلَحَتُهُ عِنْدَهُمْ، وَالْمُحَابَاةُ لاَ يَتَحَقَّقُ فِيهَا ذَلِكَ  وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: يَجُوزُ لِلصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ لَهُ - أَيْ أَذِنَ لَهُ وَلِيُّهُ - فِي التِّجَارَةِ أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ بِاتِّفَاقِ مَشَايِخِ الْمَذْهَبِ، لأِنَّ  ذَلِكَ مِنَ الأْمُورِ الضَّرُورِيَّةِ لِلتِّجَارَةِ، وَلاَ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهَا، وَكَذَلِكَ يَجُوزُ لَهُ - عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ أَيْضًا، لأِنَّهُ هُوَ الآْخَرُ لاَزِمٌ فِي التِّجَارَةِ، فَيَدْخُلُ تَحْتَ الإْذْنِ لَهُ بِالتِّجَارَةِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ: لاَ يَجُوزُ لِلصَّبِيِّ ذَلِكَ، لأِنَّ  الْغَبْنَ الْفَاحِشَ فِي مَعْنَى التَّبَرُّعِ، وَالصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ لاَ يَجُوزُ لَهُ التَّبَرُّعُ .

هَذَا مَا إِذَا بَاعَ الصَّبِيُّ لأِجْنَبِيٍّ  أَوِ اشْتَرَى مِنْهُ، فَإِنْ بَاعَ لأِبِيهِ شَيْئًا أَوِ اشْتَرَى مِنْهُ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ: الْجِوَازُ وَعَدَمُهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وَإِنْ بَاعَ الصَّبِيُّ لِلْوَصِيِّ عَلَيْهِ أَوِ اشْتَرَى مِنْهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا نَفْعٌ ظَاهِرٌ لِلصَّبِيِّ لاَ يَجُوزُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ بِدُونِ خِلاَفٍ.

وَإِنْ كَانَ فِيهِمَا نَفْعٌ ظَاهِرٌ لِلصَّبِيِّ وَمَعَ ذَلِكَ فِيهِمَا مُحَابَاةٌ فَاحِشَةٌ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ: يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ نَفْعٍ ظَاهِرٍ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ: لاَ يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ مُحَابَاةٍ فَاحِشَةٍ .

و - مُحَابَاةُ النَّائِبِ عَنِ الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِ

7 - لاَ يَمْلِكُ وَلِيُّ الصَّغِيرِ وَنَحْوِهِ وَلاَ وَصِيُّهُ الْمُحَابَاةَ فِي مَالِهِمْ عِنْدَ الْجُمْهُورِ سَوَاءٌ كَانَتْ مُحَابَاةً يَسِيرَةً أَوْ مُحَابَاةً فَاحِشَةً، لأِنَّ  الْمُحَابَاةَ تَصَرُّفٌ لَيْسَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ، وَهُوَ أَمْرٌ لاَزِمٌ عَلَى مَنْ يَتَصَرَّفُ لِلصَّغِيرِ.

إِلاَّ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ أَجَازُوا لِلأْبِ فَقَطْ بَيْعَ مَالِ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ بِمُحَابَاةٍ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ، بِسَبَبٍ يُوجِبُ الْبَيْعَ أَوْ بِدُونِ سَبَبٍ، وَذَلِكَ لأِنَّ  بَيْعَهُ هَذَا يُحْمَلُ عَلَى الصَّوَابِ وَالْمَصْلَحَةِ الَّتِي تَفُوقُ الْمُحَابَاةَ .

وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: يَجُوزُ عَقْدُهُ فِي مَالِ الصَّغِيرِ بِالْمُحَابَاةِ الْيَسِيرَةِ، وَلاَ تَجُوزُ بِالْمُحَابَاةِ الْفَاحِشَةِ، وَلاَ يَتَوَقَّفُ الْعَقْدُ مَعَهَا عَلَى الإْجَازَةِ  بَعْدَ بُلُوغِ الصَّغِيرِ، لأِنَّهُ عَقْدٌ لاَ مُجِيزَ لَهُ أَثَنَاءَ التَّعَاقُدِ وَيَكُونُ الْعَقْدُ فِي حَالِ الشِّرَاءِ بِمُحَابَاةٍ فَاحِشَةٍ نَافِذًا عَلَى الْعَاقِدِ النَّائِبِ لاَ عَلَى الصَّغِيرِ .

وَالَّذِي عَلَيْهِ الْفَتْوَى عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّ الأْبَ  إِذَا بَاعَ عَقَارَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ بِمُحَابَاةٍ يَسِيرَةٍ يَجُوزُ الْبَيْعُ إِذَا كَانَ الأْبُ مَحْمُودَ السِّيرَةِ مَسْتُورَ الْحَالِ.

أَمَّا إِنْ كَانَ مُفْسِدًا فَلاَ يَجُوزُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ بِضِعْفِ الْقِيمَةِ.

وَالْوَصِيُّ فِي بَيْعِ عَقَارِ الصَّغِيرِ كَالأْبِ الْمُفْسِدِ، وَالْقَاضِي كَالْوَصِيِّ.

وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى لِلْحَنَفِيَّةِ: إِذَا اشْتَرَى الْوَصِيُّ مَالَ الصَّغِيرِ لِنَفْسِهِ يَجُوزُ إِذَا كَانَ خَيْرًا لِلصَّغِيرِ، وَمَعْنَى الْخَيْرِيَّةِ: أَنْ يَشْتَرِيَ مَا يُسَاوِي عَشَرَةً بِخَمْسَةَ عَشَرَ فَصَاعِدًا، أَوْ يَبِيعَ لَهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ مَا يُسَاوِي خَمْسَةَ عَشَرَ بِعَشَرَةِ فَقَطْ دُونَ أَيِّ زِيَادَةٍ، وَبِهِ يُفْتَى .

وَجَاءَ فِي بَعْضِ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّ الْوَصِيَّ إِذَا بَاعَ مَالَ الصَّغِيرِ بِمُحَابَاةٍ يَسِيرَةٍ لِمَنْ لاَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ - كَابْنِهِ وَأَبِيهِ وَزَوْجَتِهِ - لاَ يَجُوزُ .

ز - مُحَابَاةُ الْوَكِيلِ

8 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ تَصَرُّفُ الْوَكِيلِ بَيْعًا وَشِرَاءً بِغَبْنٍ يَسِيرٍ أَيْ بِمَا يُتَغَابَنُ بِهِ فِي الْعُرْفِ، كَشِرَاءِ مَا يُسَاوِي تِسْعَةً بِعَشَرَةٍ، أَوْ بَيْعِ مَا يُسَاوِي عَشَرَةً بِتِسْعَةٍ، إِذَا لَمْ يَكُنِ الْمُوَكِّلُ قَدْ قَدَّرَ قِيمَةَ الْمُثَمَّنِ لِلْوَكِيلِ، وَيَخْتَلِفُ الْعُرْفُ بِاخْتِلاَفِ الأْعْيَانِ  مِنَ الأْمْوَالِ  فَلاَ تُعْتَبَرُ النِّسْبَةُ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ، لأِنَّهُ لاَ يُمْكِنُ التَّوَقِّي وَالتَّحَرُّزُ مِنْ ذَلِكَ فِي التَّعَامُلِ عَلَى الْجُمْلَةِ.

أَمَّا الْغَبْنُ الْفَاحِشُ، مِثْلُ أَنْ يَبِيعَ الْوَكِيلُ مَا يُسَاوِي عَشَرَةً بِخَمْسَةٍ مَثَلاً فَإِنَّهُ لاَ يَجُوزُ.

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: يَنْفُذُ الْبَيْعُ وَيَغْرَمُ الْوَكِيلُ لِمُوَكِّلِهِ مَا حَابَى بِهِ، وَقِيلَ: يُخَيَّرُ الْمُوَكِّلُ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ وَإِجَازَتِهِ إِلاَّ إِذَا نَقَصَ الْمَبِيعُ فِي ثَمَنِهِ أَوْ بَدَنِهِ، فَيَلْزَمُ الْوَكِيلَ حِينَئِذٍ الأَْكْثَرُ مِنَ الثَّمَنِ أَوِ الْقِيمَةِ .

وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ فَقَطْ يَصِحُّ شِرَاؤُهُ لِمُوَكِّلِهِ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ وَلاَ يَصِحُّ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ بِدُونِ خِلاَفٍ بَيْنَهُمْ.

وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ فَقَطْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ.

وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: يَصِحُّ بَيْعُ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ لِمُوَكِّلِهِ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ، وَالْفَرْقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ احْتِمَالُ التُّهْمَةِ فِي الشِّرَاءِ دُونَ الْبَيْعِ، لِجَوَازِ أَنَّ الْوَكِيلَ اشْتَرَى لِنَفْسِهِ، فَلَمَّا ظَهَرَتِ الزِّيَادَةُ الْفَاحِشَةُ فِي الثَّمَنِ جُعِلَ الشِّرَاءُ لِمُوَكِّلِهِ .

وَنَقَلَ الأَْتْقَانِيُّ عَنْ خُوَاهِرْ زَادَهْ: أَنَّ جَوَازَ عَقْدِ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ يَكُونُ فِي سِلْعَةٍ يُحْتَاجُ فِيهَا إِلَى مُسَاوَمَةٍ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ، وَلَيْسَ لَهَا ثَمَنٌ مَعْرُوفٌ وَمُحَدَّدٌ بَيْنَ النَّاسِ. وَأَمَّا إِذَا كَانَ سِعْرُهَا مَعْلُومًا أَوْ مُحَدَّدًا كَالْخُبْزِ وَاللَّحْمِ وَغَيْرِهِمَا إِذَا زَادَ الْوَكِيلُ بِالشِّرَاءِ عَلَى ذَلِكَ السِّعْرِ لاَ يَلْزَمُ الْمُوَكِّلَ، سَوَاءٌ قَلَّتِ الزِّيَادَةُ أَوْ كَثُرَتْ، لأِنَّ  هَذَا لاَ يَحْتَاجُ إِلَى رَأْيٍ أَوْ تَقْوِيمٍ، لِلْعِلْمِ بِهِ، قَالَ فِي بُيُوعِ التَّتِمَّةِ: وَبِهِ يُفْتَى .

وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ إِذَا بَاعَ لِمَنْ لاَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ لاَ يَجُوزُ بَيْعُهُ، سَوَاءٌ كَانَ الْبَيْعُ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ أَوْ يَسِيرٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ: يَجُوزُ بَيْعُهُ لَهُمْ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ لاَ فَاحِشٍ.

وَإِنْ صَرَّحَ الْمُوَكِّلُ لِلْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ لِمَنْ لاَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ، وَأَجَازَ لَهُ التَّصَرُّفَ مَعَ مَنْ يَشَاءُ جَازَ بَيْعُهُ لَهُمْ بِدُونِ خِلاَفٍ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَبِيعَهُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ، فَإِنَّهُ لاَ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ حَتَّى وَإِنْ صَرَّحَ الْمُوَكِّلُ لَهُ بِذَلِكَ. وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ إِذَا اشْتَرَى مِنْهُمْ .

ثَانِيًا: الْفَسْخُ لِلْمُحَابَاةِ :

9 - جَاءَ فِي الْبَدَائِعِ: الْبَيْعُ بِالْمُحَابَاةِ تَصَرُّفٌ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فِي نَفْسِهِ فِي الْجُمْلَةِ فَيُفْسَخُ بِخِيَارِ الْعَيْبِ وَالرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ وَالإْقَالَةِ - إِذْ هِيَ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - فَكَانَتِ الْمُحَابَاةُ مُحْتَمِلَةً لِلْفَسْخِ فِي الْجُمْلَةِ .

ثَالِثًا: الْمُحَابَاةُ فِي  الإْجَارَةِ  

10 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ: إِلَى أَنَّ الْمُحَابَاةَ فِي إِجَارَةِ الْمَرِيضِ مُعْتَبَرَةٌ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ وَلاَ تُعْتَبَرُ مِنَ الثُّلُثِ. قَالَ الشُّرُنْبُلاَلِيُّ: مَرِيضٌ أَجَّرَ دَارَهُ بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ قَالُوا: جَازَتِ الإْجَارَةُ  مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ وَلاَ تُعْتَبَرُ مِنَ الثُّلُثِ لأِنَّهُ لَوْ أَعَارَهَا وَهُوَ مَرِيضٌ جَازَتْ، وَالإْجَارَةُ  بِأَقَلَّ مِنْ أَجْرِ الْمِثْلِ أَوْلَى .

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ أَجَّرَ مَرِيضٌ مِلْكَهُ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فَقَدْرُ الْمُحَابَاةِ مُعْتَبَرٌ مِنَ الثُّلُثِ، بِخِلاَفِ مَا لَوْ أَجَّرَهُ فِي الصِّحَّةِ فَلاَ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ مِنَ الثُّلُثِ بَلْ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ .

رَابِعًا: الْمُحَابَاةُ فِي الشُّفْعَةِ

11 - عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: الْمَرِيضُ مَرَضَ الْمَوْتِ إِذَا بَاعَ دَارًا لَهُ مَثَلاً وَحَابَى الْمُشْتَرِيَ: بِأَنْ بَاعَهَا بِأَلْفَيْنِ وَقِيمَتُهَا ثَلاَثَةُ آلاَفٍ فَفِيهَا. التَّفْصِيلُ الآْتِي:  

إِنْ بَاعَهَا لِوَارِثٍ مِنْ وَرَثَتِهِ وَشَفِيعُهَا غَيْرُ وَارِثٍ فَلاَ شَكَّ أَنَّهُ لاَ شُفْعَةَ أَصْلاً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، لأِنَّ  بَيْعَهَا لِلْوَارِثِ بِدُونِ مُحَابَاةٍ فَاسِدٌ عِنْدَهُ، فَبَيْعُهَا بِالْمُحَابَاةِ أَوْلَى، وَلاَ شُفْعَةَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ.

وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ: الْبَيْعُ جَائِزٌ، لَكِنْ يَدْفَعُ الْمُشْتَرِي قَدْرَ الْمُحَابَاةِ، فَتَجِبُ الشُّفْعَةُ، قَالَ صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ: الأْصَحُّ  هُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ.

وَإِنْ بَاعَهَا لِغَيْرِ وَارِثٍ، فَكَذَلِكَ لاَ شُفْعَةَ لِلْوَارِثِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، لأِنَّ  الشَّفِيعَ يَأْخُذُ الدَّارَ بِنَفْسِ الصَّفْقَةِ مَعَ غَيْرِ الْوُرَّاثِ بَعْدَ تَحَوُّلِهَا إِلَيْهِ، أَوْ بِصَفْقَةٍ مُبْتَدَأَةٍ مُقَدَّرَةٍ بَيْنَهُمَا، فَكَانَ ذَلِكَ بَيْعًا لِلْوَارِثِ بِالْمُحَابَاةِ، وَسَوَاءٌ أَجَازَتِ الْوَرَثَةُ الشُّفْعَةَ أَوْ لَمْ يُجِيزُوا، لأِنَّ  الإْجَارَةَ  مَحَلُّهَا الْعَقْدُ الْمَوْقُوفُ، وَالشِّرَاءُ وَقَعَ نَافِذًا مِنَ الْمُشْتَرِي، لأِنَّ  الْمُحَابَاةَ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ - قَدْرُ الثُّلُثِ، وَهِيَ نَافِذَةٌ فِي الأْلْفَيْنِ مِنَ الثَّلاَثَةِ لِلأْجْنَبِيِّ - غَيْرِ الْوَارِثِ فَانْتَفَتْ إِجَازَةُ الْوَرَثَةِ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي، فَتَنْتِفِي فِي حَقِّ الشَّفِيعِ أَيْضًا.

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رِوَايَتَانِ:

إِحْدَاهُمَا: لاَ شُفْعَةَ لَهُ، وَالثَّانِيَةُ: لَهُ الشُّفْعَةُ .

وَإِنْ كَانَ الشَّفِيعُ أَجْنَبِيًّا: غَيْرَ وَارِثٍ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الدَّارَ بِأَلْفَيْنِ.

وَإِذَا بَرِئَ الْمَرِيضُ مِنْ مَرَضِهِ بَعْدَ الْبَيْعِ بِالْمُحَابَاةِ وَالشَّفِيعُ وَارِثُهُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلِمَ بِالْبَيْعِ إِلَى وَقْتِ الْبُرْءِ، فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الدَّارَ بِالشُّفْعَةِ، لأِنَّ  الْمَرَضَ إِذَا زَالَ وَشُفِيَ مِنْهُ الْمَرِيضُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ حَالَةِ الصِّحَّةِ، وَإِنْ كَانَ الْوَارِثُ قَدْ عَلِمَ بِالْبَيْعِ وَلَمْ يُطْلِبِ الشُّفْعَةَ حَتَّى بَرَأَ الْمَرِيضُ مِنْ مَرَضِهِ فَلاَ شُفْعَةَ لَهُ.

وَإِذَا اشْتَرَى الْمَرِيضُ دَارًا وَحَابَى الْبَائِعَ بِأَنِ اشْتَرَاهَا بِأَلْفَيْنِ وَقِيمَتُهَا أَلْفٌ، وَلَهُ سِوَى ذَلِكَ أَلْفٌ أُخْرَى، ثُمَّ مَاتَ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ، وَلِلشَّفِيعِ فِيهَا الشُّفْعَةُ، لأِنَّهُ إِنَّمَا حَابَّاهُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ، وَذَلِكَ صَحِيحٌ مِنْهُ فِي حَقِّ الأْجْنَبِيِّ، فَيَجِبُ لِلشَّفِيعِ فِيهَا الشُّفْعَةُ .

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: جَاءَ فِي حَاشِيَةِ الرُّهُونِيِّ عَلَى شَرْحِ الزُّرْقَانِيِّ  أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ جُزْءٌ فِي دَارٍ لَيْسَ لَهُ غَيْرُهُ، قِيمَتُهُ ثَلاَثُونَ دِينَارًا، فَيَبِيعُهُ لِرَجُلٍ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَهُوَ مَرِيضٌ؟ قَالَ: يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ، إِذَا مَاتَ الْبَائِعُ وَلَمْ يُجِزِ الْوَرَثَةُ الْمُحَابَاةَ يُقَالُ لِلْمُشْتَرِي: زِدِ الثَّمَنَ عَشَرَةً أُخْرَى وَخُذِ الدَّارَ، وَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ مُعَارَضَةُ ذَلِكَ، فَإِنْ فَعَلَ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ فَلِلشَّفِيعِ - إِنْ كَانَ - أَنْ يَأْخُذَ الدَّارَ بِعِشْرِينَ دِينَارًا، وَإِنْ أَبَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَزِيدَ عَشَرَةً وَأَبَتِ الْوَرَثَةُ تَسْلِيمَهُ الدَّارَ كَمَا أَوْصَى الْمَيِّتُ قِيلَ لِلْوَرَثَةِ: أَعْطُوهُ ثُلُثَ الْجُزْءِ الْمُبَاعِ لَهُ بِدُونِ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: إِنْ بَاعَ الْمَرِيضُ لِوَارِثِهِ جُزْءًا مِنْ عَقَارٍ يُسَاوِي أَلْفَيْنِ بِأَلْفٍ، وَلَمْ تُجِزِ الْوَرَثَةُ، بَطَلَ الْبَيْعُ فِي نِصْفِهِ، لأِنَّهُ قَدْرُ الْمُحَابَاةِ.

فَإِنِ اخْتَارَ الشَّفِيعُ - وَارِثًا كَانَ أَوْ أَجْنَبِيًّا - أَنْ يَأْخُذَ النِّصْفَ بِالأْلْفِ  لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، لأِنَّ  الشَّفِيعَ أَخَذَهُ بِأَلْفٍ، وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهُ الشَّفِيعُ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ.

وَإِنْ بَاعَ لأِجْنَبِيٍّ  وَحَابَاهُ وَالشَّفِيعُ وَارِثٌ، وَاحْتَمَلَ الثُّلُثُ الْمُحَابَاةَ فَفِيهِ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ.

أَحَدُهَا: أَنَّ الْبَيْعَ يَصِحُّ فِي نِصْفِ الشِّقْصِ بِالأْلْفِ ، وَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهُ وَيَبْقَى النِّصْفُ لِلْمُشْتَرِي بِلاَ ثَمَنٍ، لأِنَّ  الْمُحَابَاةَ وَصِيَّةٌ وَالْوَصِيَّةُ لِلْمُشْتَرِي تَصِحُّ، لأِنَّهُ أَجْنَبِيٌّ، وَلاَ تَصِحُّ لِلشَّفِيعِ لأِنَّهُ وَارِثٌ، فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ وَهَبَ لِلْمُشْتَرِي النِّصْفَ وَبَاعَ لَهُ النِّصْفَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ، وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ النِّصْفَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَيَبْقَى النِّصْفُ لِلْمُشْتَرِي بِدُونِ ثَمَنٍ.

الثَّانِي: يَصِحُّ الْبَيْعُ فِي نِصْفِهِ بِالأْلْفِ وَيَدْفَعُ إِلَى الشَّفِيعِ الْوَارِثِ بِدُونِ مُحَابَاةٍ، وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي.

الثَّالِثُ: الْبَيْعُ بَاطِلٌ، لأِنَّ  الْمُحَابَاةَ تَعَلَّقَتْ بِالْكُلِّ، فَلاَ يَجُوزُ أَنْ تُجْعَلَ فِي نِصْفِهِ.

الرَّابِعُ: يَصِحُّ الْبَيْعُ وَتَسْقُطُ الشُّفْعَةُ، لأِنَّ  إِثْبَاتَ الشُّفْعَةِ يُؤَدِّي إِلَى إِبْطَالِ الْمَبِيعِ، وَإِذَا بَطَلَ الْبَيْعُ سَقَطَتِ الشُّفْعَةُ.

الْخَامِسُ: - وَهُوَ الصَّحِيحُ - يَصِحُّ الْبَيْعُ فِي الْجَمِيعِ بِالأْلْفِ  وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ الْجَمِيعَ بِالأْلْفِ ، لأِنَّ  الْمُحَابَاةَ وَقَعَتْ لِلْمُشْتَرِي دُونَ الشَّفِيعِ، وَالْمُشْتَرِي أَجْنَبِيٌّ، فَصَحَّتِ الْمُحَابَاةُ لَهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ حِيلَةً عَلَى مُحَابَاةِ الْوَارِثِ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ، لأِنَّ  الْوَسَائِلَ لَهَا حُكْمُ الْغَايَاتِ.

وَإِنْ كَانَ الْمَرِيضُ لاَ يَمْلِكُ شَيْئًا آخَرَ غَيْرَ الشِّقْصِ - النَّصِيبِ - وَالْمُشْتَرِي وَالشَّفِيعُ أَجْنَبِيَّانِ - غَيْرُ وَارِثَيْنِ - وَلَمْ يُجِزِ الْوَارِثُ الْبَيْعَ صَحَّ الْبَيْعُ فِي ثُلُثَيِ الشِّقْصِ فَقَطْ بِثُلُثَيِ الثَّمَنِ فَيَأْخُذُهُ الشَّفِيعُ.

أَمَّا إِذَا مَلَكَ الْبَائِعُ الْمَرِيضُ غَيْرَ هَذَا الشِّقْصِ - السَّهْمِ وَالنَّصِيبِ - وَاحْتَمَلَ الثُّلُثُ الْمُحَابَاةَ، وَأَجَازَ الْوَرَثَةُ الْبَيْعَ، فَيَصِحُّ الْبَيْعُ فِي الْجَمِيعِ، وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ بِكُلِّ الثَّمَنِ .

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنَّ بَيْعَ الْمَرِيضِ بِالْمُحَابَاةِ لاَ يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ لِوَارِثٍ أَوْ لِغَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ لِوَارِثٍ بَطَلَتِ الْمُحَابَاةُ لأِنَّ هَا فِي الْمَرَضِ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ، وَالْوَصِيَّةُ لِوَارِثٍ لاَ تَجُوزُ، وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ فِي قَدْرِ الْمُحَابَاةِ مِنَ الْمَبِيعِ، وَهَلْ يَصِحُّ فِيمَا عَدَاهُ؟ عَلَى ثَلاَثَةِ أَوْجُهٍ.

أَحَدُهَا: لاَ يَصِحُّ لأِنَّ  الْمُشْتَرِيَ بَذَلَ الثَّمَنَ فِي كُلِّ الْمَبِيعِ فَلَمْ يَصِحَّ فِي بَيْعِهِ، كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ بِعَشَرَةِ، فَقَالَ: قَبِلْتُ الْبَيْعَ فِي نِصْفِهِ، أَوْ قَالَ: قَبِلْتُهُ بِخَمْسَةٍ، أَوْ قَالَ: قَبِلْتُ نِصْفَهُ بِخَمْسَةٍ، وَلأِنَّهُ لَمْ يُمْكِنْ تَصْحِيحُ الْبَيْعِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي تُوَاجَبَا عَلَيْهِ فَلَمْ يَصِحَّ كَتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ.

الثَّانِي: أَنَّهُ يَبْطُلُ الْبَيْعُ فِي قَدْرِ الْمُحَابَاةِ وَيَصِحُّ فِيمَا يُقَابِلُ الثَّمَنَ الْمُسَمَّى، وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بَيْنَ الأْخْذِ  وَالْفَسْخِ لأِنَّ  الصِّفَةَ تَفَرَّقَتْ عَلَيْهِ، وَلِلشَّفِيعِ أَخْذُ مَا صَحَّ الْبَيْعُ فِيهِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا بِالصِّحَّةِ لأِنَّ  الْبُطْلاَنَ إِنَّمَا جَاءَ مِنَ الْمُحَابَاةِ فَاخْتَصَّ بِمَا يُقَابِلُهَا.

الثَّالِثُ: أَنَّهُ يَصِحُّ فِي الْجَمِيعِ وَيَقِفُ عَلَى إِجَازَةِ الْوَرَثَةِ لأِنَّ  الْوَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ صَحِيحَةٌ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَتَقِفُ عَلَى إِجَازَةِ الْوَرَثَةِ، فَكَذَلِكَ الْمُحَابَاةُ لَهُ، فَإِنْ أَجَازُوا الْمُحَابَاةَ صَحَّ الْبَيْعُ فِي الْجَمِيعِ وَلاَ خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي، وَيَمْلِكُ الشَّفِيعُ الأْخْذَ  بِهِ لأِنَّهُ يَأْخُذُ بِالثَّمَنِ، وَإِنْ رَدُّوا بَطَلَ الْبَيْعُ فِي قَدْرِ الْمُحَابَاةِ وَصَحَّ فِيمَا بَقِيَ، وَلاَ يَمْلِكُ الشَّفِيعُ الأْخْذَ  قَبْلَ إِجَازَةِ الْوَرَثَةِ وَرَدِّهِمْ، لأِنَّ  حَقَّهُمْ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَبِيعِ فَلَمْ يَمْلِكْ إِبْطَالَهُ، وَلَهُ أَخْذُ مَا صَحَّ الْبَيْعُ فِيهِ. وَإِنِ اخْتَارَ الْمُشْتَرِي الرَّدَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَفِي الَّتِي قَبْلَهَا وَاخْتَارَ الشَّفِيعُ الأْخْذَ  بِالشُّفْعَةِ قُدِّمَ الشَّفِيعُ، لأِنَّهُ لاَ ضَرَرَ عَلَى الْمُشْتَرِي وَجَرَى مَجْرَى الْمَعِيبِ إِذَا رَضِيَهُ الشَّفِيعُ بِعَيْبِهِ.

الْقِسْمُ الثَّانِي: إِذَا كَانَ الْمُشْتَرِي أَجْنَبِيًّا وَالشَّفْيِعُ أَجْنَبِيٌّ: فَإِنْ لَمْ تَزِدِ الْمُحَابَاةُ عَلَى الثُّلُثِ صَحَّ الْبَيْعُ، وَلِلشَّفِيعِ الأْخْذُ  بِهَا بِذَلِكَ الثَّمَنِ؛ لأِنَّ  الْبَيْعَ حَصَلَ بِهِ فَلاَ يَمْنَعُ مِنْهَا كَوْنُ الْمَبِيعِ مُسْتَرْخَصًا، وَإِنْ زَادَتْ عَلَى الثُّلُثِ فَالْحُكْمُ فِيهِ حُكْمُ أَصْلِ الْمُحَابَاةِ فِي حَقِّ الْوَارِثِ وَإِنْ كَانَ الشَّفِيعُ وَارِثًا فَفِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: لَهُ الأْخْذُ  بِالشُّفْعَةِ؛ لأِنَّ  الْمُحَابَاةَ وَقَعَتْ لِغَيْرِهِ فَلَمْ يَمْنَعْ مِنْهَا تَمَكُّنُ الْوَارِثِ مِنْ أَخْذِهَا.

وَالثَّانِي: يَصِحُّ الْبَيْعُ وَلاَ تَجِبُ الشُّفْعَةُ .

الْمُحَابَاةُ فِي التَّبَرُّعَاتِ الْمَالِيَّةِ

أَوَّلاً: الْمُحَابَاةُ فِي الْوَصِيَّةِ

12 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْمُحَابَاةَ لاَ تُقَدَّمُ عَلَى غَيْرِهَا مِنَ الْوَصَايَا .

وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: تُقَدَّمُ الْمُحَابَاةُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ عَلَى سَائِرِ الْوَصَايَا، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الْوَصَايَا لِلْعِبَادِ أَوْ بِالطَّاعَاتِ وَالْقُرَبِ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ كَبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فَيَبْدَأُ بِالْمُحَابَاةِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُحَابِي قَبْلَ كُلِّ وَصِيَّةٍ، ثُمَّ يَتَقَاسَمُ أَهْلُ الْوَصَايَا فِيمَا يَبْقَى مِنْ ثُلُثِ تَرِكَةِ الْمُحَابِي، وَيَكُونُ مَا بَقِيَ مِنَ الثُّلُثِ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ وَصَايَاهُمْ، وَذَلِكَ لأِنَّ  الْمُحَابَاةَ تُسْتَحَقُّ بِعَقْدِ ضَمَانٍ وَهُوَ الْبَيْعُ، إِذْ هُوَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَيَكُونُ الْمَبِيعُ فِيهِ مَضْمُونًا بِالثَّمَنِ، وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ فَتَبَرُّعٌ، فَكَانَتِ الْمُحَابَاةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِعَقْدٍ أَقْوَى فَكَانَتْ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ.

وَلأِنَّ  تَقْدِيمَ بَعْضِ الْوَصَايَا الَّتِي لِلْعِبَادِ عَلَى الْبَعْضِ يَسْتَدْعِي وُجُودَ الْمُرَجِّحِ وَلَمْ يُوجَدْ، لأِنَّ  الْوَصَايَا كُلَّهَا اسْتَوَتْ فِي سَبَبِ الاِسْتِحْقَاقِ، لأِنَّ  سَبَبَ اسْتِحْقَاقِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِثْلُ سَبَبِ صَاحِبِهِ، وَالاِسْتِوَاءُ فِي السَّبَبِ يُوجِبُ الاِسْتِوَاءَ فِي الْحُكْمِ .

وَلَوْ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ بِمَتَاعٍ مُعَيَّنٍ أَوْ حَيَوَانٍ مُعَيَّنٍ تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ وَالْمُحَابَاةُ مِنَ الثُّلُثِ عَلَى السَّوِيَّةِ، إِذْ لاَ مُرَجِّحَ، لأِنَّ  كُلًّا مِنْهُمَا تَمْلِيكُ الْعَيْنِ صُورَةً وَمَعْنًى حَتَّى لَوْ قَالَ الشَّخْصُ: أَوْصَيْتُ لِفُلاَنٍ بِمِائَةٍ، وَلِفُلاَنٍ بِثُلُثِ مَالِي فَالْوَصِيَّةُ بِالْمِائَةِ الْمُرْسَلَةِ تُقَدَّمُ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِثُلُثِ الْمَالِ.

جَاءَ هَذَا فِي فَتَاوَى رَشِيدِ الدِّينِ، قَالَ صَاحِبُ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: مَعَ هَذَا يَنْبَغِي أَنْ تَتَرَجَّحَ الْمُحَابَاةُ لأِنَّ هَا عَقْدٌ لاَزِمٌ بِخِلاَفِ الْوَصِيَّةِ وَلَوْ بِمُعَيَّنٍ .

ثَانِيًا: الْمُحَابَاةُ فِي الْهِبَةِ

تَنَاوَلَ كَلاَمُ الْفُقَهَاءِ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ أَمْرَيْنِ:

الأْمْرُ الأْوَّلُ: مُحَابَاةُ وَتَفْضِيلُ الْوَالِدِ بَعْضَ أَوْلاَدِهِ بِهِبَتِهِ

13 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الإْنْسَانَ  مُطَالَبٌ بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ أَوْلاَدِهِ فِي الْهِبَةِ بِدُونِ مُحَابَاةٍ وَتَفْضِيلٍ لِبَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ لِمَا رَوَى النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ رضي الله عنهما أَنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  فَقَالَ: إِنِّي نَحَلْتُ - أَيْ أَعْطَيْتُ بِغَيْرِ عِوَضٍ - ابْنِي هَذَا غُلاَمًا كَانَ لِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  : «أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَهُ مِثْلَ هَذَا؟ فَقَالَ: لاَ فَقَالَ: فَأَرْجِعْهُ» وَفِي رِوَايَةٍ: «فَلاَ تُشْهِدْنِي إِذًا، فَإِنِّي لاَ أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ» وَفِي ثَالِثَةٍ: «اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ».

وَلأِنَّ  فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمْ تَأْلِيفَ قُلُوبِهِمْ، وَالتَّفْضِيلُ يَزْرَعُ الْكَرَاهِيَةَ وَالنُّفُورَ بَيْنَهُمْ فَكَانَتِ التَّسْوِيَةُ أَوْلَى.

وَلاَ يُكْرَهُ ذَلِكَ التَّفْضِيلُ - فِي الْمَذَاهِبِ الأْرْبَعَةِ - إِذَا كَانَتْ هُنَاكَ حَاجَةٌ تَدْعُو إِلَيْهِ مِثْلُ اخْتِصَاصِ أَحَدِ أَوْلاَدِهِ بِمَرَضٍ أَوْ حَاجَةٍ أَوْ كَثْرَةِ عَائِلَتِهِ أَوِ اشْتِغَالِهِ بِالْعِلْمِ وَنَحْوِهِ مِنَ الْفَضَائِلِ.

أَوِ اخْتِصَاصِ أَحَدِهِمْ بِمَا يَقْتَضِي مَنْعَ الْهِبَةِ عَنْهُ لِفِسْقِهِ أَوْ يَسْتَعِينُ بِمَا يَأْخُذُهُ عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ أَوْ يُنْفِقُهُ فِيهَا، فَيَمْنَعُ عَنْهُ الْهِبَةَ وَيُعْطِيهَا لِمَنْ يَسْتَحِقُّهَا.

وَيُكْرَهُ عِنْدَ غَيْرِ الْحَنَابِلَةِ إِذَا لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ حَاجَةٌ تَدْعُو إِلَى ذَلِكَ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يَحْرُمُ التَّفْضِيلُ حِينَئِذٍ وَتَجِبُ عَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ - إِنْ فَعَلَ - إِمَّا بِرَدِّ مَا فَضَّلَ بِهِ الْبَعْضَ، وَإِمَّا بِإِتْمَامِ نَصِيبِ الآْخَرِ.

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ: لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ، وَيَجُوزُ التَّفْضِيلُ قَضَاءً، لأِنَّ  الْوَالِدَ تَصَرَّفَ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ، لاَ حَقَّ لأِحَدٍ  فِيهِ، إِلاَّ أَنَّهُ يَكُونُ آثِمًا فِيمَا صَنَعَ بِدُونِ دَاعٍ لَهُ، لأِنَّهُ لَيْسَ بِعَدْلٍ، وَهُوَ مَأْمُورٌ بِهِ فِي قوله تعالي : (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإْحْسَانِ  ( .

 وَلُزُومُ ذَلِكَ مَشْرُوطٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ بِأَمْرَيْنِ:

أ - أَنْ يَهَبَ كُلَّ مَالِهِ أَوْ أَكْثَرَهُ.

ب - أَلاَّ يُطَالِبَ أَوْلاَدُهُ الآْخَرُونَ بِمَنْعِهِ كُلَّ ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ تَعُودَ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِمْ بَعْدَ افْتِقَارِهِ، فَلَهُمْ رَدُّ ذَلِكَ التَّصَرُّفَ وَإِبْطَالَهُ، وَأَمَّا إِذَا وَهَبَ الشَّيْءَ الْيَسِيرَ فَذَلِكَ جَائِزٌ غَيْرُ مَكْرُوهٍ.

وَكَيْفِيَّةُ التَّسْوِيَةِ الْمَطْلُوبَةِ - عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ - أَنْ يُعْطِيَ الأْنْثَى  مِثْلَ مَا يُعْطِي الذَّكَرَ تَمَامًا بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ.

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: التَّسْوِيَةُ أَنْ يَقْسِمَ بَيْنَ أَوْلاَدِهِ عَلَى حَسَبِ قِسْمَةِ الْمِيرَاثِ، فَيُجْعَلُ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأْنْثَيَيْنِ، لأِنَّ  ذَلِكَ نَصِيبُهُ مِنَ الْمَالِ لَوْ مَاتَ عَنْهُ الْوَاهِبُ .

الأْمْرُ الثَّانِي: الْمُحَابَاةُ فِي الْهِبَةِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ

14 - جَاءَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ لِلْحَنَفِيَّةِ: لَوْ وَهَبَ مَرِيضٌ شَيْئًا قِيمَتُهُ ثَلاَثُمِائَةٍ لِرَجُلٍ صَحِيحٍ عَلَى أَنْ يُعَوِّضَهُ شَيْئًا قِيمَتُهُ مِائَةٌ وَتَقَابَضَا، ثُمَّ مَاتَ الْمَرِيضُ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ وَلاَ مَالَ لَهُ غَيْرَ ذَلِكَ الشَّيْءِ الَّذِي وَهَبَهُ، وَرَفَضَ الْوَرَثَةُ أَنْ يُجِيزُوا مَا صَنَعَ الْوَاهِبُ، كَانَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ الْخِيَارُ: إِنْ شَاءَ فَسَخَ الْهِبَةَ وَرَدَّ الشَّيْءَ الْمَوْهُوبَ كُلَّهُ وَأَخَذَ عِوَضَهُ. وَإِنْ شَاءَ رَدَّ ثُلُثَ الشَّيْءِ الْمَوْهُوبِ إِلَى الْوَرَثَةِ وَسَلَّمَ لَهُ ثُلُثَيْهِ وَلَمْ يَأْخُذْ مِنَ الْعِوَضِ شَيْئًا. وَإِنْ عَرَضَ الْمَوْهُوبُ لَهُ أَنْ يَزِيدَ فِي الْعِوَضِ بِقَدْرِ الزِّيَادَةِ مِنَ الْمُحَابَاةِ عَلَى الثُّلُثِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ .

وَجَاءَ فِي أَسْنَى الْمَطَالِبِ لِلشَّافِعِيَّةِ: يُنْفِذُ الأْوَّلَ  فَالأْوَّلَ  مِنَ التَّبَرُّعَاتِ الْمُرَتَّبَةِ الْمُنْجَزَةِ كَالإْبْرَاءِ وَالإْعْتَاقِ وَالْوَقْفِ وَالصَّدَقَةِ حَتَّى يُتِمَّ الثُّلُثَ عِنْدَ ضِيقِهِ عَنْهَا، ثُمَّ يُبْقِي بَاقِيَ تَبَرُّعَاتِهِ مَوْقُوفًا عَلَى إِجَازَةِ الْوَرَثَةِ، وَلاَ أَثَرَ لَهِبَةٍ بِدُونِ مُحَابَاةٍ قَبْلَ الْقَبْضِ، فَلاَ تُقَدَّمُ عَلَى مَا تَأَخَّرَ عَنْهَا مِنْ نَحْوِ وَقْفٍ أَوْ مُحَابَاةٍ فِي بَيْعٍ أَوْ نَحْوِهِ قَبْلَ قَبْضِ الْمَوْهُوبِ، لأِنَّهُ إِنَّمَا يَمْلِكُ بِالْقَبْضِ، بِخِلاَفِ الْمُحَابَاةِ فِي بَيْعٍ أَوْ نَحْوِهِ، لأِنَّ هَا فِي ضِمْنِ مُعَاوَضَةٍ .

ثَالِثًا: الْمُحَابَاةُ فِي الإْعَارَةِ  

15 - الإْعَارَةُ مِنَ الْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ تُعْتَبَرُ مِنَ الْمُحَابَاةِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ لأِنَّ هَا تَبَرُّعٌ تَمْتَدُّ إِلَيْهِ أَطْمَاعُ الْوَرَثَةِ

فَلاَ يَجُوزُ لِلْمَرِيضِ إِعَارَةُ دَارِهِ مَثَلاً إِذَا كَانَتْ مَنَافِعُ الدَّارِ أَزْيَدَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْمَالِكِيَّةُ

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَوِ انْقَضَتْ مُدَّةُ إِعَارَةِ الدَّارِ وَلَوْ فِي مَرَضِ الْمُعِيرِ وَاسْتَرَدَّهَا اعْتُبِرَتِ الأْجْرَةُ مِنَ الثُّلُثِ لِكَوْنِهَا تَبَرُّعًا بِمَا تَمْتَدُّ إِلَيْهِ أَطْمَاعُ الْوَرَثَةِ.

وَمِنَ الْمُحَابَاةِ أَيْضًا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ الْوَصِيَّةُ بِالإْعَارَةِ ، أَمَّا إِعَارَةُ الْمَرِيضِ نَفْسِهُ فَلَيْسَتْ مِنَ الْمُحَابَاةِ، لأِنَّ هَا امْتِنَاعٌ مِنَ التَّحْصِيلِ، وَلَيْسَتْ تَفْوِيتًا لِلْحَاصِلِ، وَلاَ مَطْمَعَ لِلْوَرَثَةِ فِي عَمَلِهِ .

وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: إِعَارَةُ الْمَرِيضِ لِعَيْنٍ مِنْ أَعْيَانِ مَالِهِ إِعَارَةً مُنَجَّزَةً لاَ تُعْتَبَرُ مِنَ الْمُحَابَاةِ فَتَجُوزُ، وَتَكُونُ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ، وَلاَ تُعْتَبَرُ مِنَ الثُّلُثِ .

وَكَذَلِكَ تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِالإْعَارَةِ  وَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ الرُّجُوعُ .

الْحِيلَةُ فِي الْمُزَارَعَةِ

34 - الأْصْلُ  عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لاَ تَجُوزُ الْمُزَارَعَةُ بِالنِّصْفِ أَوِ الثُّلُثِ أَوِ الرُّبُعِ، وَالْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ حَتَّى تَجُوزَ الْمُزَارَعَةُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنْ يَأْخُذَهَا مُزَارَعَةً، ثُمَّ يَتَنَازَعَانِ إِلَى قَاضٍ يَرَى أَنَّ الْمُزَارَعَةَ جَائِزَةٌ فَيَحْكُمُ بِجِوَازِهَا عَلَيْهِمْ، فَيَجُوزُ ذَلِكَ إِذَا قَضَى بِهِ قَاضٍ، أَوْ يَكْتُبَانِ كِتَابَ إِقْرَارٍ عَنْهُمَا يُقِرَّانِ بِذَلِكَ، فَيَجُوزُ إِقْرَارُهُمَا بِذَلِكَ عَلَى أَنْفُسِهِمَا، وَلاَ حَاجَةَ إِلَى الْحِيلَةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لأِنَّ  الْمُزَارَعَةَ بِبَعْضِ الْخَارِجِ جَائِزَةٌ عِنْدَهُمَا، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا لِحَاجَةِ النَّاسِ .

الْحَجْرُ عَلَى الْمَرِيضِ

38 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْمَرَضَ الْمُتَّصِلَ بِالْمَوْتِ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ الْحَجْرِ، وَتُحْجَرُ عَلَى صَاحِبِ هَذَا الْمَرَضِ تَبَرُّعَاتُهُ فِيمَا زَادَ عَنْ ثُلُثِ تَرِكَتِهِ، فَإِذَا تَبَرَّعَ بِمَا زَادَ عَنِ الثُّلُثِ كَانَ لَهُ حُكْمُ الْوَصِيَّةِ إِذَا مَاتَ .

وَالتَّفْصِيلُ فِي (مَرَضِ الْمَوْتِ).

 الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  السابع  والثلاثون ، الصفحة /  5

مَرَضُ الْمَوْتِ

التَّعْرِيفُ:

1 - الْمَرَضُ: سَبَقَ تَعْرِيفُهُ لُغَةً وَاصْطِلاَحًا.

وَالْمَوْتُ فِي اللُّغَةِ: ضِدُّ الْحَيَاةِ .

وَفِي الاِصْطِلاَحِ: مُفَارَقَةُ الرُّوحِ الْجَسَدَ .

وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَحْدِيدِ مَرَضِ الْمَوْتِ:

فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ مَرَضَ الْمَوْتِ هُوَ: الْمَرَضُ الْمَخُوفُ الَّذِي يَتَّصِلُ بِالْمَوْتِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنِ الْمَوْتُ بِسَبَبِهِ .

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ مَرَضَ الْمَوْتِ: هُوَ الَّذِي يَغْلِبُ فِيهِ خَوْفُ الْمَوْتِ، وَيَعْجِزُ مَعَهُ الْمَرِيضُ عَنْ رُؤْيَةِ مَصَالِحِهِ خَارِجًا عَنْ دَارِهِ إِنْ كَانَ مِنَ الذُّكُورِ، وَعَنْ رُؤْيَةِ مَصَالِحِهِ دَاخِلَ دَارِهِ إِنْ كَانَ مِنَ  الإْنَاثِ، وَيَمُوتُ عَلَى ذَلِكَ الْحَالِ قَبْلَ مُرُورِ سَنَةٍ، سَوَاءٌ كَانَ صَاحِبَ فِرَاشٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ، هَذَا مَا لَمْ يَشْتَدَّ مَرَضُهُ وَيَتَغَيَّرْ حَالُهُ، فَيُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ السَّنَةِ مِنْ تَارِيخِ الاِشْتِدَادِ .

فَعَلَى هَذَا، يُشْتَرَطُ لِتَحَقُّقِهِ أَنْ يَتَوَافَرَ فِيهِ وَصْفَانِ:

الْوَصْفُ الأْوَّلُ: أَنْ يَكُونَ مَخُوفًا أَيْ يَغْلِبُ الْهَلاَكُ مِنْهُ عَادَةً أَوْ يَكْثُرُ.

جَاءَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: حَدُّ مَرَضِ الْمَوْتِ تَكَلَّمُوا فِيهِ، وَالْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْغَالِبُ مِنْهُ الْمَوْتُ كَانَ مَرَضَ الْمَوْتِ، سَوَاءٌ كَانَ صَاحِبَ فِرَاشٍ أَمْ لَمْ يَكُنْ .

وَقَالَ النَّوَوِيُّ: الْمَرَضُ الْمَخُوفُ وَالْمُخِيفُ: هُوَ الَّذِي يُخَافُ مِنْهُ الْمَوْتُ، لِكَثْرَةِ مَنْ يَمُوتُ بِهِ، فَمَنْ قَالَ: مَخُوفٌ قَالَ:  لأِنَّهُ  يُخَافُ مِنْهُ الْمَوْتُ، وَمَنْ قَالَ: مُخِيفٌ  لأِنَّهُ  يُخِيفُ مَنْ رَآهُ .

وَقَالَ التَّسُولِيُّ: وَمُرَادُهُ بِمَرَضِ الْمَوْتِ: الْمَرَضُ الْمَخُوفُ الَّذِي حَكَمَ أَهْلُ الطِّبِّ بِكَثْرَةِ الْمَوْتِ بِهِ .

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: مَا أَشْكَلَ أَمْرُهُ مِنَ الأْمْرَاضِ يُرْجَعُ فِيهِ إِلَى قَوْلِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ، وَهُمُ الأْطِبَّاءُ ،  لأِنَّهُ مْ أَهْلُ الْخِبْرَةِ بِذَلِكَ وَالتَّجْرِبَةِ وَالْمَعْرِفَةِ، وَلاَ يُقْبَلُ إِلاَّ قَوْلُ طَبِيبَيْنِ مُسْلِمَيْنِ ثِقَتَيْنِ بَالِغَيْنِ، لأِنَّ  ذَلِكَ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْوَارِثِ وَأَهْلُ الْعَطَايَا، فَلَمْ يُقْبَلْ فِيهِ إِلاَّ ذَلِكَ، وَقِيَاسُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ: أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُ الطَّبِيبِ الْعَدْلِ إِذَا لَمْ يُقْدَرْ عَلَى طَبِيبَيْنِ .

وَلَوِ اخْتَلَفَ الأْطِبَّاءُ  يُؤْخَذُ بِقَوْلِ الأْعْلَمِ، ثُمَّ بِالأْكْثَرِ  عَدَدًا، ثُمَّ بِمَنْ يُخْبِرُ بِأَنَّهُ مَخُوفٌ،  لأِنَّهُ  عِلْمٌ مِنْ غَامِضِ الْعِلْمِ مَا خَفِيَ عَلَى غَيْرِهِ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَنَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَأَقَرَّهُ .

فَإِنْ لَمْ يَتَوَفَّرْ مَنْ يَرْجِعُ إِلَيْهِ مِنَ الأْطِبَّاءِ ، كَأَنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُرَاجِعَ أَحَدًا مِنَ الأْطِبَّاءِ ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُعْتَبَرَ عَجْزُ الْمَرِيضِ عَنِ الْخُرُوجِ لِمَصَالِحِهِ خَارِجَ بَيْتِهِ إِنْ كَانَ مِنَ الذُّكُورِ، وَعَنْ رُؤْيَةِ مَصَالِحِهِ دَاخِلَ بَيْتِهِ إِنْ كَانَ مِنَ  الإْنَاثِ عَلاَمَةٌ تَدُلُّ عَلَى كَوْنِ الْمَرَضِ مَخُوفًا إِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى رُؤْيَةِ تِلْكَ الْمَصَالِحِ قَبْلَهُ، أَوْ أَنْ تُعْتَبَرَ أَيَّةُ عَلاَمَةٍ أُخْرَى تُنْبِئُ عَنْ كَوْنِهِ مَخُوفًا فِي نَظَرِ الأْطِبَّاءِ  الْعَارِفِينَ.

وَيُقْصَدُ بِالْعَجْزِ عَنِ الْخُرُوجِ لِمَصَالِحِهِ خَارِجَ بَيْتِهِ: عَجْزُهُ عَنْ إِتْيَانِ الْمَصَالِحِ الْقَرِيبَةِ الْعَادِيَّةِ، فَلَوْ كَانَ مُحْتَرِفًا بِحِرْفَةِ شَاقَّةٍ كَالْحَمَّالِ وَالدَّقَّاقِ وَالْحَدَّادِ وَالنَّجَّارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لاَ يُمْكِنُ إِقَامَتُهُ مَعَ أَدْنَى عَجْزٍ أَوْ مَرَضٍ، مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْخُرُوجِ إِلَى الْمَسْجِدِ وَالسُّوقِ لاَ يَكُونُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ، إِذْ لاَ يُشْتَرَطُ فِي هَؤُلاَءِ الْعَجْزُ عَنِ الْعَمَلِ فِي حِرْفَتِهِمْ لِيُعْتَبَرُوا فِي مَرَضِ الْمَوْتِ، بَلْ عَنْ مِثْلِ مَا يَعْجِزُ عَنْهُ صَاحِبُ الْحِرْفَةِ الْعَادِيَّةِ .

الْوَصْفُ الثَّانِي: أَنْ يَتَّصِلَ الْمَرَضُ بِالْمَوْتِ، سَوَاءٌ وَقَعَ الْمَوْتُ بِسَبَبِهِ أَمْ بِسَبَبٍ آخَرَ خَارِجِيٍّ عَنِ الْمَرَضِ كَقَتْلٍ أَوْ غَرَقٍ أَوْ حَرِيقٍ أَوْ تَصَادُمٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ .

فَإِذَا صَحَّ مِنْ هَذَا الْمَرَضِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَرَضِ الْمَوْتِ، وَتُعْتَبَرُ تَصَرُّفَاتُهُ فِيهِ كَتَصَرُّفَاتِ الصَّحِيحِ دُونَ فَرْقٍ، فَالْمَرِيضُ مَا دَامَ حَيًّا لاَ يَجُوزُ لِوَرَثَتِهِ وَلاَ لِدَائِنِيهِ الاِعْتِرَاضُ عَلَى تَصَرُّفَاتِهِ لِجَوَازِ أَنْ يُشْفَى مِنْ مَرَضِهِ، أَمَّا إِذَا انْتَهَى الْمَرَضُ الْمَخُوفُ بِالْمَوْتِ فَيَتَبَيَّنُ أَنَّ التَّصَرُّفَ وَقَعَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ .

مَا يُلْحَقُ بِمَرَضِ الْمَوْتِ فِي الْحُكْمِ:

2 - أَلْحَقَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ بِالْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ فِي الْحُكْمِ حَالاَتٍ مُخْتَلِفَةً وَعَدِيدَةً لَيْسَ فِيهَا مَرَضٌ أَوِ اعْتِلاَلُ صِحَّةٍ مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا تَوَفَّرَ فِيهَا الْوَصْفَانِ الْمُشْتَرَطَانِ، مِنْهَا:

أ - مَا إِذَا كَانَ الشَّخْصُ فِي الْحَرْبِ وَالْتَحَمَتِ الْمَعْرَكَةُ وَاخْتَلَطَتِ الطَّائِفَتَانِ فِي الْقِتَالِ  وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ قُدَامَةَ وَجْهَ إِلْحَاقِهِ بِالْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ بِقَوْلِهِ: إِنَّ تَوَقُّعَ التَّلَفِ هَاهُنَا كَتَوَقُّعِ الْمَرَضِ أَوْ أَكْثَرَ، فَوَجَبَ أَنْ يُلْحَقَ بِهِ، وَلأِنَّ  الْمَرَضَ إِنَّمَا جُعِلَ مَخُوفًا لِخَوْفِ صَاحِبِهِ التَّلَفَ، وَهَذَا كَذَلِكَ .

ب - مَا إِذَا رَكِبَ الْبَحْرَ، فَإِنْ كَانَ سَاكِنًا فَلَيْسَ بِمَخُوفٍ، وَإِنْ تَمَوَّجَ وَاضْطَرَبَ وَهَبَّتِ الرِّيحُ الْعَاصِفُ، وَخِيفَ الْغَرَقُ، فَهُوَ مَخُوفٌ  وَكَذَا إِذَا انْكَسَرَتِ السَّفِينَةُ وَبَقِيَ عَلَى لَوْحٍ، وَخِيفَ الْغَرَقُ .

ج - إِذَا قُدِّمَ لِلْقَتْلِ، سَوَاءٌ أَكَانَ قِصَاصًا أَوْ غَيْرَهُ .

د - الأْسِيرُ  وَالْمَحْبُوسُ إِذَا كَانَ مِنَ الْعَادَةِ أَنْ يُقْتَلَ .

هـ - الْمَرْأَةُ الْحَامِلُ إِذَا أَتَاهَا الطَّلْقُ .

وَيُشْتَرَطُ فِي هَذِهِ الْحَالاَتِ الْمَذْكُورَةِ وَمَا أَشْبَهَهَا أَنْ يَتَّصِلَ حَالُ خَوْفِ الْهَلاَكِ الْغَالِبِ أَوِ الْكَثِيرِ بِالْمَوْتِ، حَتَّى تُلْحَقَ بِمَرَضِ الْمَوْتِ فِي الْحُكْمِ .

حُكْمُ الأْمْرَاضِ الْمُزْمِنَةِ

3 - الأْمْرَاضُ  الْمُزْمِنَةُ أَوِ الْمُمْتَدَّةُ لاَ تُعَدُّ مَرَضَ الْمَوْتِ، إِلاَّ إِذَا تَغَيَّرَ حَالُ الْمَرِيضِ وَاشْتَدَّ وَخِيفَ مِنْهُ الْهَلاَكُ، فَيَكُونُ حَالُ التَّغَيُّرِ مَرَضَ الْمَوْتِ إِنِ اتَّصَلَ بِالْمَوْتِ .

قَالَ الْكَيْسَانِيُّ: وَكَذَلِكَ صَاحِبُ الْفَالِجِ وَنَحْوُهُ إِذَا طَالَ بِهِ ذَلِكَ فَهُوَ فِي حُكْمِ الصَّحِيحِ، لأِنَّ  ذَلِكَ إِذَا طَالَ لاَ يُخَافُ مِنْهُ الْمَوْتُ غَالِبًا، فَلَمْ يَكُنْ مَرَضَ الْمَوْتِ، إِلاَّ إِذَا تَغَيَّرَ حَالُهُ مِنْ ذَلِكَ وَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ التَّغَيُّرِ، فَيَكُونُ حَالُ التَّغَيُّرِ مَرَضَ الْمَوْتِ،  لأِنَّهُ  إِذَا تَغَيَّرَ يُخْشَى مِنْهُ الْمَوْتُ غَالِبًا، فَيَكُونُ مَرَضَ الْمَوْتِ، وَكَذَا الزَّمِنُ وَالْمُقْعَدُ 

وَجَاءَ فِي فَتَاوَى عُلَيْشٍ: قَالَ ابْنُ سَلْمُونَ: وَلاَ يُعْتَبَرُ فِي الْمَرَضِ الْعِلَلُ الْمُزْمِنَةُ الَّتِي لاَ يُخَافُ عَلَى الْمَرِيضِ مِنْهَا كَالْجُذَامِ وَالْهَرَمِ، وَأَفْعَالُ أَصْحَابِ ذَلِكَ أَفْعَالُ الأْصِحَّاءِ  بِلاَ خِلاَفٍ ا هـ. قَالَ عَبْدُ الْبَاقِي: وَفِي الْمُدَوَّنَةِ، كَوْنُ الْمَفْلُوجِ وَالأْبْرَصِ  وَالأْجْذَمِ  وَذِي الْقُرُوحِ مِنَ الْخَفِيفِ مَا لَمْ يُقْعِدْهُ وَيُضْنِهِ، فَإِنْ أَقْعَدَهُ وَأَضْنَاهُ وَبَلَغَ بِهِ حَدَّ الْخَوْفِ عَلَيْهِ، فَلَهُ حُكْمُ الْمَرَضِ الْمَخُوفِ .

الاِخْتِلاَفُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ:

4 - إِذَا طَعَنَ الْوَرَثَةُ مَثَلاً فِي تَصَرُّفَاتِ مُوَرِّثِهِمْ بِدَعْوَى صُدُورِهَا عَنْهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ بِمَا يَمَسُّ حُقُوقَهُمْ وَادَّعَى الْمُنْتَفِعُ أَنَّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ وَقَعَتْ مِنْ مُوَرِّثِهِمْ فِي صِحَّتِهِ، يُفَرَّقُ بَيْنَ حَالاَتٍ ثَلاَثٍ:

الْحَالَةُ الأْولَى: إِذَا خَلَتْ دَعْوَى كُلٍّ مِنْهُمَا عَنِ الْبَيِّنَةِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا لِلْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: وَهُوَ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مُدَّعِي صُدُورِهَا فِي الْمَرَضِ، لأِنَّ  حَالَ الْمَرَضِ أَدْنَى مِنْ حَالِ الصِّحَّةِ، فَمَا لَمْ يَتَيَقَّنْ حَالَ الصِّحَّةِ يُحْمَلُ عَلَى الأْدْنَى، وَلأِنَّ  هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ مِنَ الصِّفَاتِ الْعَارِضَةِ، فَهِيَ حَادِثَةٌ، وَالْحَادِثُ يُضَافُ إِلَى أَقْرَبِ وَقْتٍ مِنَ الْحُكْمِ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ، وَالأْقْرَبُ  هَاهُنَا الْمَرَضُ الْمُتَأَخِّرُ زَمَانُهُ عَنْ زَمَانِ الصِّحَّةِ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ يَدَّعِي حُدُوثَهَا فِي الْمَرَضِ، إِذْ هُوَ الأْصْلُ، وَلَوْ أَرَادَ مُدَّعِي الصِّحَّةِ اسْتِحْلاَفَ مُدَّعِي الْمَرَضِ لَكَانَ لَهُ ذَلِكَ .

وَالثَّانِي لِلشَّافِعِيَّةِ: وَهُوَ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مُدَّعِي صُدُورِهَا فِي الصِّحَّةِ، لأِنَّ  الأْصْلَ  فِي التَّصَرُّفِ السَّابِقِ مِنَ الْمُتَوَفَّى أَنْ يُعْتَبَرَ صَادِرًا فِي حَالِ صِحَّتِهِ، وَعَلَى مَنْ يَتَمَسَّكُ بِصُدُورِهِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ يَقَعُ عَبْءُ الإْثْبَاتِ  .

الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: وَهِيَ مَا إِذَا اقْتَرَنَتْ دَعْوَى كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْبَيِّنَةِ، وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا لِلْحَنَفِيَّةِ: وَهُوَ أَنَّهُ تُرَجَّحُ بَيِّنَةُ وُقُوعِهَا فِي حَالِ الصِّحَّةِ عَلَى بَيِّنَةِ وُقُوعِهَا فِي الْمَرَضِ، لأِنَّ  الأْصْلَ  اعْتِبَارُ حَالَةِ الْمَرَضِ،  لأِنَّهُ  حَادِثٌ، وَالأْصْلُ  إِضَافَةُ الْحَادِثِ إِلَى أَقْرَبِ وَقْتٍ مِنَ الْحُكْمِ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ، وَالأْقْرَبُ  هُوَ الْمَرَضُ الْمُتَأَخِّرُ زَمَانُهُ عَنِ الصِّحَّةِ، فَلِهَذَا كَانَتِ الْبَيِّنَةُ الرَّاجِحَةُ بَيِّنَةَ مَنْ يَدَّعِي حُدُوثَهَا فِي زَمَانِ الصِّحَّةِ، إِذِ الْبَيِّنَاتُ شُرِعَتْ لإِثْبَاتِ خِلاَفِ الأْصْلِ .

وَقَدْ جَاءَ فِي مَجَلَّةِ الأْحْكَامِ  الْعَدْلِيَّةِ: تُرَجَّحُ بَيِّنَةُ الصِّحَّةِ عَلَى بَيِّنَةِ الْمَرَضِ، مَثَلاً إِذَا وَهَبَ أَحَدٌ مَالاً لأِحَدِ  وَرَثَتِهِ ثُمَّ مَاتَ، وَادَّعَى بَاقِي الْوَرَثَةِ أَنَّهُ وَهَبَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، وَادَّعَى الْمَوْهُوبُ لَهُ أَنَّهُ وَهَبَهُ فِي حَالِ صِحَّتِهِ، تُرَجَّحُ بَيِّنَةُ الْمَوْهُوبِ لَهُ .

وَالثَّانِي لِلشَّافِعِيَّةِ: وَهُوَ أَنَّهُ تُرَجَّحُ بَيِّنَةُ وُقُوعِهَا فِي مَرَضِهِ عَلَى بَيِّنَةِ وُقُوعِهَا فِي صِحَّتِهِ .

الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ: وَهِيَ مَا إِذَا اقْتَرَنَتْ دَعْوَى أَحَدِهِمَا بِالْبَيِّنَةِ دُونَ الآْخَرِ، وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي تَقْدِيمِ قَوْلِ الْمُدَّعِي صَاحِبِ الْبَيِّنَةِ عَلَى قَوْلِ الآْخَرِ الَّذِي خَلَتْ دَعْوَاهُ عَنِ الْبَيِّنَةِ، سَوَاءٌ أَقَامَ صَاحِبُ الْبَيِّنَةِ بَيِّنَتَهُ عَلَى صُدُورِ التَّصَرُّفِ فِي الصِّحَّةِ أَوْ فِي الْمَرَضِ.

الْهِبَةُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ

جَعَلَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ لِهِبَةِ الْمَرِيضِ أَحْكَامًا تَخْتَلِفُ عَنْ أَحْكَامِ هِبَةِ الصَّحِيحِ، وَفَرَّقُوا بَيْنَ مَا إِذَا قَبَضَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ قَبْلَ مَوْتِ الْمَرِيضِ الْوَاهِبِ، وَبَيْنَ مَا إِذَا لَمْ يَقْبِضْهَا قَبْلَهُ.

أَوَّلاً - هِبَةُ الْمَرِيضِ غَيْرِ الْمَدِينِ الْمَقْبُوضَةُ

5 - إِذَا وَهَبَ الْمَرِيضُ غَيْرُ الْمَدِينِ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَوْهُوبُ لَهُ أَجْنَبِيًّا عَنْهُ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ وَارِثًا لَهُ:

أ - فَإِنْ كَانَ الْمَوْهُوبُ لَهُ أَجْنَبِيًّا عَنِ الْمَرِيضِ، وَقَبَضَ الْعَيْنَ الْمَوْهُوبَةَ، وَالْمَرِيضُ الْوَاهِبُ غَيْرَ مَدِينٍ، فَيُفَرَّقُ بَيْنَ مَا إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَاهِبِ وَارِثٌ وَبَيْنَ مَا إِذَا كَانَ لَهُ وَارِثٌ.

فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ، فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ هَذِهِ الْهِبَةَ صَحِيحَةٌ نَافِذَةٌ، وَلَوِ اسْتَغْرَقَتْ كُلَّ مَالِهِ، وَلاَ تَتَوَقَّفُ عَلَى إِجَازَةِ أَحَدٍ .

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ: تَبْطُلُ الْهِبَةُ فِيمَا زَادَ عَلَى ثُلُثِ مَالِ الْمَرِيضِ، لأِنَّ  مَالَهُ مِيرَاثٌ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلاَ مُجِيزَ لَهُ مِنْهُمْ، فَبَطَلَتْ .

أَمَّا إِذَا كَانَ لِلْمَرِيضِ وَرَثَةٌ، فَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ عَلَى نَفَاذِ هِبَةِ الْمَرِيضِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ إِنْ حَمَلَهَا ثُلُثُ مَالِهِ، أَمَّا إِذَا زَادَتْ عَلَى الثُّلُثِ، فَيَتَوَقَّفُ الْقَدْرُ الزَّائِدُ مِنْهَا عَلَى إِجَازَةِ الْوَرَثَةِ، فَإِنْ أَجَازُوهُ نَفَذَ، وَإِنْ رَدُّوهُ بَطَلَ .

وَتُعْتَبَرُ إِجَازَتُهُمْ لَوْ وَقَعَتْ تَنْفِيذًا وَإِمْضَاءً لِهِبَةِ مُوَرِّثِهِمْ، إِلاَّ عَلَى قَوْلٍ لِلشَّافِعِيِّ  وَقَوْلٍ مَشْهُورٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ  حَيْثُ اعْتَبَرَاهَا ابْتِدَاءً عَطِيَّةً مِنْهُمْ.

وَاسْتَدَلَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى اعْتِبَارِ هِبَةِ الْمَرِيضِ لِلأْجْنَبِيِّ  مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ كَالْوَصِيَّةِ  بِمَا رُوِيَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه  قَالَ: «عَادَنِي رَسُولُ اللَّه صلي الله عليه وسلم  فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنْ شَكْوَى أَشْفَيْتُ مِنْهَا عَلَى الْمَوْتِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَلَغَ بِي مَا تَرَى مِنَ الْوَجَعِ، وَأَنَا ذُو مَالٍ، وَلاَ يَرِثُنِي إِلاَّ ابْنَةٌ لِي وَاحِدَةٌ، أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ: لاَ، قُلْتُ: فَبِشَطْرِهِ؟ قَالَ: لاَ، قَالَ: الثُّلُثُ كَثِيرٌ» .

قَالَ الطَّحَاوِيُّ: فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَعَلَ صَدَقَتَهُ فِي مَرَضِهِ مِنَ الثُّلُثِ، كَوَصَايَاهُ مِنَ الثُّلُثِ بَعْدَ مَوْتِهِ .

أَمَّا إِذَا وَهَبَ الْمَرِيضُ غَيْرُ الْمَدِينِ لِوَارِثِهِ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ، وَأَقْبَضَهُ إِيَّاهُ، فَيُفَرَّقُ بَيْنَ مَا إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَاهِبِ الْمَرِيضِ وَارِثٌ سِوَى الْمَوْهُوبِ لَهُ، وَبَيْنَ مَا إِذَا كَانَ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُهُ.

فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ سِوَى الْمَوْهُوبِ لَهُ، فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ هَذِهِ الْهِبَةَ صَحِيحَةٌ نَافِذَةٌ، وَلاَ تَتَوَقَّفُ عَلَى إِجَازَةِ أَحَدٍ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَوْهُوبُ أَقَلَّ مِنَ الثُّلُثِ أَمْ أَكْثَرَ مِنْهُ  أَمَّا إِذَا كَانَ لِلْمَرِيضِ وَرَثَةٌ غَيْرُ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَقَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الأْظْهَرِ، وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: تَتَوَقَّفُ الْهِبَةُ عَلَى إِجَازَةِ بَاقِي الْوَرَثَةِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَوْهُوبُ أَقَلَّ مِنَ الثُّلُثِ أَمْ أَكْثَرَ مِنْهُ - كَمَا فِي الْوَصِيَّةِ لِوَارِثٍ - فَإِنْ أَجَازَهَا الْوَرَثَةُ نَفَذَتْ، وَإِنْ رَدُّوهَا بَطَلَتْ . وَتُعْتَبَرُ إِجَازَتُهُمْ تَنْفِيذًا وَإِمْضَاءً لِهِبَةِ مُوَرِّثِهِمْ عِنْدَهُمْ إِلاَّ عَلَى قَوْلٍ لِلشَّافِعِيِّ وَقَوْلٍ مَشْهُورٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَهُوَ أَنَّهَا تُعْتَبَرُ ابْتِدَاءً عَطِيَّةً.

وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الإْمَامُ الشَّافِعِيُّ فِي غَيْرِ الأْظْهَرِ وَقَالَ: هِبَةُ الْمَرِيضِ الْمَقْبُوضَةُ لِوَارِثِ بَاطِلَةٌ مَرْدُودَةٌ .

ثَانِيًا - هِبَةُ الْمَرِيضِ الْمَدِينِ الْمَقْبُوضَةُ

6 - إِذَا كَانَ الْمَرِيضُ الْوَاهِبُ مَدِينًا، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ دَيْنُهُ مُسْتَغْرِقًا لِمَالِهِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُسْتَغْرِقٍ:

فَإِنْ كَانَ الْمَرِيضُ مَدِينًا بِدَيْنٍ مُسْتَغْرِقٍ، وَوَهَبَ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ، وَقَبَضَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ، فَلاَ تَنْفُذُ هِبَتُهُ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَوْهُوبُ أَقَلَّ مِنَ الثُّلُثِ أَمْ أَكْثَرَ مِنْهُ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْمَوْهُوبُ لَهُ أَجْنَبِيًّا مِنَ الْوَاهِبِ أَوْ وَارِثًا لَهُ، بَلْ تَتَوَقَّفُ عَلَى إِجَازَةِ الدَّائِنِينَ، فَإِنْ أَجَازُوهَا نَفَذَتْ، وَإِنْ رَدُّوهَا بَطَلَتْ، وَقَدْ جَاءَ فِي مَجَلَّةِ الأْحْكَامِ  الْعَدْلِيَّةِ: إِذَا وَهَبَ مَنِ اسْتَغْرَقَتْ تَرِكَتُهُ بِالدُّيُونِ أَمْوَالَهُ لِوَارِثِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ، وَسَلَّمَهَا، ثُمَّ تُوُفِّيَ، فَلأِصْحَابِ الدُّيُونِ إِلْغَاءُ الْهِبَةِ، وَإِدْخَالُ أَمْوَالِهِ فِي قِسْمَةِ الْغُرَمَاءِ.

أَمَّا إِذَا كَانَ الْمَرِيضُ الْوَاهِبُ مَدِينًا بِدَيْنٍ غَيْرِ مُسْتَغْرِقٍ، وَقَبَضَ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْمَالَ الْمَوْهُوبَ، فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يُخْرَجُ مِقْدَارُ الدُّيُونِ مِنَ التَّرِكَةِ، وَيُحْكَمُ عَلَى الْهِبَةِ فِي الْمَبْلَغِ الزَّائِدِ بِنَفْسِ الْحُكْمِ عَلَيْهَا فِي حَالَةِ مَا إِذَا كَانَتِ التَّرِكَةُ خَالِيَةً عَنِ الدَّيْنِ .

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (هِبَةٌ).

ثَالِثًا - هِبَةُ الْمَرِيضِ غَيْرِ الْمَقْبُوضَةِ

7 - إِذَا وَهَبَ الْمَرِيضُ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ، وَلَمْ يَقْبِضِ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْعَيْنَ الْمَوْهُوبَةَ حَتَّى مَاتَ الْوَاهِبُ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا لِلْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ: وَهُوَ أَنَّ الْهِبَةَ تَبْطُلُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِمَوْتِ الْوَاهِبِ قَبْلَ الْقَبْضِ، كَمَا تَبْطُلُ أَيْضًا لَوْ كَانَ الْوَاهِبُ صَحِيحًا وَقْتَ الْهِبَةِ، قَالُوا: وَلاَ تَنْقَلِبُ هِبَةُ الْمَرِيضِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَصِيَّةً، لأِنَّهَا صِلَةٌ، وَالصِّلاَتُ يُبْطِلُهَا الْمَوْتُ كَالنَّفَقَاتِ، وَلأِنَّ  الْوَاهِبَ أَرَادَ التَّمْلِيكَ فِي الْحَالِ لاَ بَعْدَ الْمَوْتِ، إِذِ الْهِبَةُ مِنَ الْعُقُودِ الَّتِي تَقْتَضِي التَّمْلِيكَ الْمُنَجَّزَ فِي الْحَيَاةِ .

قَالَ الشَّافِعِيُّ: إِذَا وَهَبَ الرَّجُلُ فِي مَرَضِهِ الْهِبَةَ، فَلَمْ يَقْبِضْهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ حَتَّى مَاتَ الْوَاهِبُ، لَمْ يَكُنْ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ شَيْءٌ، وَكَانَتِ الْهِبَةُ لِلْوَرَثَةِ .

وَجَاءَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: وَلاَ تَجُوزُ هِبَةُ الْمَرِيضِ وَلاَ صَدَقَتُهُ إِلاَّ مَقْبُوضَةً، فَإِذَا قُبِضَتْ جَازَتْ مِنَ الثُّلُثِ، وَإِذَا مَاتَ الْوَاهِبُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ بَطَلَتْ .

وَالثَّانِي لِلْمَالِكِيَّةِ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى: وَهُوَ أَنَّ الْهِبَةَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ صَحِيحَةٌ، وَتَأْخُذُ حُكْمَ الْوَصِيَّةِ، وَلَوْ أَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ لَمْ يَقْبِضْهَا قَبْلَ مَوْتِ الْوَاهِبِ الْمَرِيضِ .

جَاءَ فِي فَتَاوَى عُلَيْشٍ: مَا قَوْلُكُمْ فِي هِبَةِ الْمَرِيضِ وَصَدَقَتِهِ وَسَائِرِ تَبَرُّعَاتِهِ، هَلْ تَحْتَاجُ لِحِيَازَةٍ قَبْلَ مَوْتِهِ، كَتَبَرُّعَاتِ الصَّحِيحِ، أَمْ لاَ؟ فَأَجَبْتُ: لاَ تَحْتَاجُ لِحَوْزٍ عَنْهُ قَبْلَ مَوْتِهِ، لأِنَّهَا كَالْوَصِيَّةِ فِي الْخُرُوجِ مِنَ الثُّلُثِ، قَالَ الْبُنَانِيُّ: وَأَمَّا الْمَرِيضُ فَتَبَرُّعَاتُهُ نَافِذَةٌ مِنَ الثُّلُثِ مُطْلَقًا، أَشْهَدَ أَمْ لاَ، فَلاَ يَتَوَقَّفُ مُضِيُّ تَبَرُّعِهِ عَلَى حَوْزٍ وَلاَ عَلَى الإْشْهَادِ  الَّذِي يَقُومُ مَقَامَهُ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَكُلُّ صَدَقَةٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ عَطِيَّةٍ بَتَلَهُ الْمَرِيضُ لِرَجُلِ بِعَيْنِهِ أَوْ لِلْمَسَاكِينِ، فَلَمْ تُخْرَجْ مِنْ يَدِهِ حَتَّى مَاتَ، فَذَلِكَ نَافِذٌ مِنْ ثُلُثِهِ كَوَصَايَاهُ، وَهَذَا مَا لَمْ يَكُنْ مَالُهُ مُسْتَغْرَقًا بِالدَّيْنِ، فَإِنْ كَانَ مُسْتَغْرَقًا بَطَلَتْ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ .

أَدَاءُ الْمَرِيضِ حُقُوقَ اللَّهِ الْمَالِيَّةَ

8 - إِذَا أَدَّى الإْنْسَانُ  فِي مَرَضِ مَوْتِهِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنَ الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ هَلْ يُعْتَبَرُ ذَلِكَ مِنَ الثُّلُثِ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْوَالٍ:

أَحَدُهَا لِلْحَنَفِيَّةِ: وَهُوَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ هَذَا الأْدَاءُ مِنَ الثُّلُثِ، سَوَاءٌ وَجَبَ مَالاً مِنَ الاِبْتِدَاءِ كَالزَّكَاةِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ، أَوْ صَارَ مَالاً فِي الْمَآلِ، كَالْفِدْيَةِ فِي الصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ بِسَبَبِ الْعَجْزِ، فَإِنْ لَمْ يُؤَدِّهِ بِنَفْسِهِ لاَ يَصِيرُ دَيْنًا فِي التَّرِكَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ مُقَدَّمًا عَلَى الْمِيرَاثِ، إِلاَّ إِذَا أَوْصَى بِهَا .

وَالثَّانِي لِلشَّافِعِيَّةِ: وَهُوَ أَنَّهُ إِنْ أَدَّاهُ بِنَفْسِهِ كَانَ مُعْتَبَرًا مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّهِ يَصِيرُ دَيْنًا فِي جَمِيعِ التَّرِكَةِ مُقَدَّمًا عَلَى الْمِيرَاثِ .

وَالثَّالِثُ لِلْمَالِكِيَّةِ: وَهُوَ أَنَّهُ إِنْ أَدَّاهُ بِنَفْسِهِ كَانَ مُعْتَبَرًا مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّهِ بِنَفْسِهِ، فَلاَ يُجْبَرُ الْوَرَثَةُ بَعْدَ مَوْتِهِ عَلَى إِخْرَاجِهِ مِنْ تَرِكَتِهِ مُقَدَّمًا عَلَى الْمِيرَاثِ، إِلاَّ أَنْ يَتَطَوَّعُوا بِذَلِكَ .

الرُّجُوعُ عَنْ هِبَةِ الْمَوْهُوبِ لَهُ الْمَرِيضِ:

9 - إِذَا رَجَعَ الْوَاهِبُ عَنْ هِبَتِهِ وَالْمَوْهُوبُ لَهُ مَرِيضٌ وَقَدْ كَانَتِ الْهِبَةُ فِي الصِّحَّةِ، قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنْ كَانَ بِقَضَاءِ قَاضٍ فَالرُّجُوعُ فِيهَا صَحِيحٌ، وَلاَ سَبِيلَ لِغُرَمَاءِ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَوَرَثَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ عَلَى الْوَاهِبِ؛ لأِنَّ  الْوَاهِبَ يَسْتَحِقُّهُ بِحَقٍّ سَابِقٍ لَهُ عَلَى حَقِّهِمْ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِغَيْرِ قَضَاءِ قَاضٍ، كَانَ رَدُّ الْمَرِيضِ لَهَا حِينَ طَلَبِ الْوَاهِبِ بِمَنْزِلَةِ هِبَةٍ مُبْتَدَأَةٍ مِنَ الْمَرِيضِ، وَتَسْرِي عَلَى ذَلِكَ أَحْكَامُ هِبَةِ الْمَرِيضِ .

الْكَفَالَةُ بِالْمَالِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ

إِذَا كَفَلَ الْمَرِيضُ غَيْرَهُ بِمَالِهِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَدِينٍ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَدِينًا.

أَوَّلاً - كَفَالَةُ الْمَرِيضِ غَيْرِ الْمَدِينِ

10 - قَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: كَفَالَةُ الْمَرِيضِ بِمَالِهِ دَيْنًا لِشَخْصِ عَلَى آخَرَ تُعْتَبَرُ تَبَرُّعًا بِالْتِزَامِ مَالٍ لاَ يَلْزَمُهُ، وَلَمْ يَأْخُذْ عَنْهُ عِوَضًا، وَهِيَ اسْتِهْلاَكٌ لِمَالِ الْمَرِيضِ، فَتَأْخُذُ حُكْمَ الْوَصِيَّةِ .

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: يُفَرَّقُ فِي حُكْمِ كَفَالَةِ الْمَرِيضِ غَيْرِ الْمَدِينِ بَيْنَ مَا إِذَا كَانَ كُلٌّ مِنَ الْمَكْفُولِ لَهُ، وَهُوَ الدَّائِنُ، وَالْمَكْفُولُ عَنْهُ، وَهُوَ الْمَدِينُ، أَجْنَبِيًّا عَنِ الْمَرِيضِ، وَبَيْنَ مَا إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا وَارِثًا لَهُ:

أ - فَإِذَا كَفَلَ الْمَرِيضُ دَيْنًا لِشَخْصٍ عَلَى آخَرَ، وَكَانَ كُلٌّ مِنَ الْمَكْفُولِ لَهُ وَعَنْهُ أَجْنَبِيًّا عَنِ الْمَرِيضِ، نَفَذَتِ الْكَفَالَةُ مِنْ كُلِّ مَالِ الْمَرِيضِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ، وَلِلدَّائِنِ الْحَقُّ فِي أَخْذِ الدَّيْنِ الْمَضْمُونِ بِهِ مِنْ تَرِكَتِهِ، وَلَوِ اسْتَغْرَقَ ذَلِكَ الدَّيْنُ كُلَّ التَّرِكَةِ، وَلَيْسَ لأِحَدٍ  حَقٌّ فِي مُعَارَضَتِهِ.

أَمَّا إِذَا كَانَ لِلْمَرِيضِ وَرَثَةٌ، فَيُنْظَرُ: فَإِنْ كَانَ الْمَالُ الْمَضْمُونُ بِهِ لاَ يَتَجَاوَزُ ثُلُثَ مَالِهِ، نَفَذَ وَإِنْ لَمْ يُجِزْهُ الْوَرَثَةُ، وَإِنْ تَجَاوَزَ الثُّلُثَ تَوَقَّفَ الْقَدْرُ الزَّائِدُ عَلَى إِجَازَتِهِمْ، فَإِنْ رَدُّوهُ بَطَلَ، وَإِنْ أَجَازُوهُ نَفَذَ، لأِنَّ  الْمَنْعَ كَانَ لِحَقِّهِمْ وَقَدْ أَسْقَطُوهُ، فَيَزُولُ الْمَانِعُ .

ب - أَمَّا إِذَا كَانَ الْمَكْفُولُ لَهُ أَوْ عَنْهُ وَارِثًا، وَلَمْ يَكُنْ لِلْمَرِيضِ الضَّامِنِ وَارِثٌ سِوَاهُ، فَإِنَّ الْكَفَالَةَ تَنْفُذُ مِنْ كُلِّ مَالِ الْمَرِيضِ، وَلاَ اعْتِرَاضَ لأِحَدٍ  عَلَيْهِ.

أَمَّا إِذَا كَانَ لَهُ وَرَثَةٌ غَيْرُهُ، فَلاَ تَنْفُذُ هَذِهِ الْكَفَالَةُ إِلاَّ إِذَا أَجَازَهَا الْوَرَثَةُ وَكَانُوا مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الدَّيْنُ الْمَكْفُولُ بِهِ قَلِيلاً أَمْ كَثِيرًا، فَإِنْ أَجَازَتِ الْوَرَثَةُ ثَبَتَ لِلْمَكْفُولِ لَهُ أَخْذُ الدَّيْنِ مِنَ التَّرِكَةِ، وَإِنْ لَمْ يُجِيزُوهَا فَلاَ حَقَّ لَهُ فِي أَخْذِ شَيْءٍ مِنْهَا، بَلْ يَأْخُذُ دَيْنَهُ مِنَ الْمَدِينِ الأْصْلِيِّ، وَهُوَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ .

ثَانِيًا - كَفَالَةُ الْمَرِيضِ الْمَدِينِ

11 - يُفَرَّقُ فِي كَفَالَةِ الْمَرِيضِ الْمَدِينِ بِمَالِهِ بَيْنَ مَا إِذَا كَانَ دَيْنُهُ مُسْتَغْرِقًا لِتَرِكَتِهِ، وَبَيْنَ مَا إِذَا كَانَ غَيْرَ مُسْتَغْرِقٍ.

أ - فَإِنْ كَانَ دَيْنُهُ مُسْتَغْرِقًا لِتَرِكَتِهِ، فَلاَ تَنْفُذُ كِفَالَتُهُ، وَلَوْ قَلَّ الدَّيْنُ الْمَكْفُولُ بِهِ، إِلاَّ إِذَا أَبْرَأَهُ الدَّائِنُونَ الَّذِينَ تَعَلَّقَ حَقُّهُمْ بِأَمْوَالِهِ قَبْلَ هَذِهِ الْكَفَالَةِ مِنَ الْمَالِ الْمَكْفُولِ بِهِ، لأِنَّ  الْحَقَّ لَهُمْ، وَلَهُمْ أَنْ يُسْقِطُوهُ بِرِضَاهُمْ .

ب - أَمَّا إِذَا كَانَ دَيْنُهُ غَيْرَ مُسْتَغْرِقٍ لِتَرِكَتِهِ، فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يُخْرَجُ مِنَ التَّرِكَةِ مِقْدَارُ الدُّيُونِ الثَّابِتَةِ عَلَى الْمَرِيضِ، وَيُحْكَمُ عَلَى الْكَفَالَةِ بِالْمَبْلَغِ الزَّائِدِ عَلَى الدَّيْنِ بِنَفْسِ الْحُكْمِ عَلَى الْكَفَالَةِ فِي حَالَةِ خُلُوِّ التَّرِكَةِ عَنِ الدُّيُونِ .

وَقَالَ الْكَيْسَانِيُّ: وَلَوْ كَفَلَ فِي صِحَّتِهِ، وَأَضَافَ ذَلِكَ إِلَى مَا يُسْتَقْبَلُ، بِأَنْ قَالَ لِلْمَكْفُولِ لَهُ: كَفَلْتُ بِمَا يَذُوبُ لَكَ عَلَى فُلاَنٍ، ثُمَّ وَجَبَ لَهُ عَلَى فُلاَنٍ دَيْنٌ فِي حَالِ مَرَضِ الْكَفِيلِ، فَحُكْمُ هَذَا الدَّيْنِ وَحُكْمُ دَيْنِ الصِّحَّةِ سَوَاءٌ، حَتَّى يَضْرِبَ الْمَكْفُولُ لَهُ بِجَمِيعِ مَا يَضْرِبُ بِهِ غَرِيمُ الصِّحَّةِ، لأِنَّ  الْكَفَالَةَ وُجِدَتْ فِي حَالِ الصِّحَّةِ .

وَجَاءَ فِي فَتَاوَى قَاضِيخَانْ: وَإِنْ أَقَرَّ الْمَرِيضُ أَنَّ الْكَفَالَةَ بِذَلِكَ كَانَتْ فِي صِحَّتِهِ، لَزِمَهُ جَمِيعُ ذَلِكَ فِي مَالِهِ إِذَا لَمْ تَكُنِ الْكَفَالَةُ لِوَارِثٍ وَلاَ عَنْ وَارِثٍ، لأِنَّ  إِقْرَارَ الْمَرِيضِ بِأَنَّ الْكَفَالَةَ كَانَتْ فِي صِحَّتِهِ إِقْرَارٌ مِنْهُ بِمَالٍ كَانَ سَبَبُهُ فِي الصِّحَّةِ، فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الإْقْرَارِ  بِالدَّيْنِ، فَصَحَّ إِذَا كَانَ الْمَكْفُولُ لَهُ أَجْنَبِيًّا وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِمَالِهِ .

وَجَاءَ فِي م (1605) مِنْ مَجَلَّةِ الأْحْكَامِ  الْعَدْلِيَّةِ: إِذَا أَقَرَّ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ بِكَوْنِهِ قَدْ كَفَلَ فِي حَالِ صِحَّتِهِ، فَيُعْتَبَرُ إِقْرَارُهُ مِنْ مَجْمُوعِ مَالِهِ، وَلَكِنْ تُقَدَّمُ دُيُونُ الصِّحَّةِ إِنْ وُجِدَتْ.

الْوَقْفُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ

يُفَرَّقُ فِي الْوَقْفِ بَيْنَ مَا إِذَا كَانَ الْمَرِيضُ الْوَاقِفُ غَيْرَ مَدِينٍ وَبَيْنَ مَا إِذَا كَانَ مَدِينًا:

أَوَّلاً - وَقْفُ الْمَرِيضِ غَيْرِ الْمَدِينِ

إِذَا وَقَفَ الْمَرِيضُ غَيْرُ الْمَدِينِ مَالَهُ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ: فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ وَقْفُهُ عَلَى أَجْنَبِيٍّ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى وَارِثٍ:

أ - وَقْفُ الْمَرِيضِ غَيْرِ الْمَدِينِ عَلَى أَجْنَبِيٍّ:

12 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ وَقْفَ الْمَرِيضِ غَيْرِ الْمَدِينِ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ عَلَى أَجْنَبِيٍّ عَنْهُ أَوْ عَلَى جِهَةٍ مِنْ جِهَاتِ الْبِرِّ صَحِيحٌ نَافِذٌ لاَ يَتَوَقَّفُ عَلَى إِجَازَةِ أَحَدٍ إِنْ كَانَ مِقْدَارُ الْوَقْفِ لاَ يَزِيدُ عَلَى ثُلُثِ التَّرِكَةِ عِنْدَ مَوْتِ الْوَاقِفِ.

أَمَّا إِذَا كَانَ مِقْدَارُ الْمَوْقُوفِ زَائِدًا عَلَى الثُّلُثِ، فَيَنْفُذُ الْوَقْفُ فِي قَدْرِ الثُّلُثِ، وَيَتَوَقَّفُ فِي الْقَدْرِ الزَّائِدِ عَلَى إِجَازَةِ الْوَرَثَةِ .

ب - وَقْفُ الْمَرِيضِ غَيْرِ الْمَدِينِ عَلَى الْوَارِثِ

13 - إِنْ كَانَ وَقْفُهُ عَلَى جَمِيعِ الْوَرَثَةِ، ثُمَّ عَلَى أَوْلاَدِهِمْ، ثُمَّ عَلَى جِهَةِ بِرٍّ لاَ تَنْقَطِعُ، فَيُنْظَرُ إِنْ أَجَازَ الْوَرَثَةُ جَمِيعًا هَذَا الْوَقْفَ نَفَذَ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَوْقُوفُ يُخْرَجُ مِنْ ثُلُثِ تَرِكَتِهِ أَمْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْهُ.

وَإِنْ لَمْ يُجِيزُوهُ نَفَذَ وَقْفُ مَا يُخْرَجُ مِنَ الثُّلُثِ.

وَإِنْ أَجَازَهُ بَعْضُ الْوَرَثَةِ دُونَ بَعْضٍ، كَانَتْ حِصَّةُ الْمُجِيزِ وَقْفًا مَعَ الثُّلُثِ .

وَإِنْ كَانَ وَقْفُ الْمَرِيضِ غَيْرِ الْمَدِينِ عَلَى بَعْضِ وَرَثَتِهِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وَقْفِهِ عَلَى مَذَاهِبَ، وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (وَقْفٌ).

ج - وَقْفُ الْمَرِيضِ الْمَدِينِ

14 - إِذَا وَقَفَ الْمَرِيضُ مَالَهُ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ، وَمَاتَ وَهُوَ مَدِينٌ بِدَيْنٍ مُسْتَغْرِقٍ لِتَرِكَتِهِ، فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ وَقْفُهُ كُلُّهُ عَلَى إِجَازَةِ الدَّائِنِينَ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ وَارِثًا أَمْ غَيْرَ وَارِثٍ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْمَوْقُوفُ أَقَلَّ مِنَ الثُّلُثِ أَمْ مُسَاوِيًا لَهُ أَمْ أَكْثَرَ مِنْهُ، فَإِنْ أَجَازُوهُ نَفَذَ، وَإِنْ لَمْ يُجِيزُوهُ بَطَلَ الْوَقْفُ، وَبِيعَتِ الأْعْيَانُ الْمَوْقُوفَةُ لِوَفَاءِ مَا عَلَيْهِ مِنَ الدُّيُونِ .

وَأَمَّا إِذَا وَقَفَ الْمَرِيضُ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ، وَكَانَ مَدِينًا بِدَيْنٍ غَيْرِ مُسْتَغْرِقٍ لِتَرِكَتِهِ، فَيُخْرَجُ مِقْدَارُ الدَّيْنِ مِنَ التَّرِكَةِ، وَيُحْكَمُ عَلَى الْوَقْفِ فِي الْبَاقِي مِنَ التَّرِكَةِ بَعْدَ الإْخْرَاجِ بِالْحُكْمِ عَلَى الْوَقْفِ عِنْدَمَا تَكُونُ التَّرِكَةُ خَالِيَةً مِنَ الدُّيُونِ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (وَقْفٌ).

التَّصَرُّفَاتُ الْمَالِيَّةُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ

لِلتَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ أَحْكَامٌ مِنْهَا:

أَوَّلاً - الْبَيْعُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ

أ - بَيْعُ الْمَرِيضِ غَيْرِ الْمَدِينِ مَالَهُ لأِجْنَبِيٍّ  

15 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْمَرِيضَ إِذَا بَاعَ شَيْئًا مِنْ أَعْيَانِ مَالِهِ لأِجْنَبِيٍّ  بِثَمَنِ الْمِثْلِ أَوْ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ، فَبَيْعُهُ صَحِيحٌ نَافِذٌ عَلَى الْبَدَلِ الْمُسَمَّى، لأِنَّ  الْمَرِيضَ غَيْرُ مَحْجُورٍ عَنِ الْمُعَاوَضَةِ الْمُعْتَادَةِ الَّتِي لاَ تَمَسُّ حُقُوقَ دَائِنِيهِ وَوَرَثَتِهِ .

أَمَّا إِذَا بَاعَهُ مَعَ الْمُحَابَاةِ:

فَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا بَاعَ الْمَرِيضُ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ لأِجْنَبِيٍّ  وَحَابَاهُ فِي الْبَيْعِ.

فَإِنْ كَانَتِ الْمُحَابَاةُ بِحَيْثُ يَحْمِلُهَا الثُّلُثُ، فَإِنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ وَنَافِذٌ عَلَى الْبَدَلِ الْمُسَمَّى، لأِنَّ  الْمَرِيضَ لَهُ أَنْ يَتَبَرَّعَ لِغَيْرِ وَارِثِهِ بِثُلُثِ مَالِهِ، وَيَكُونُ هَذَا التَّبَرُّعُ نَافِذًا، وَإِنْ لَمْ يُجِزْهُ الْوَرَثَةُ .

أَمَّا إِذَا كَانَتِ الْمُحَابَاةُ أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ، فَإِنْ أَجَازَهَا الْوَرَثَةُ نَفَذَتْ، لأِنَّ  الْمَنْعَ كَانَ لِحَقِّهِمْ، وَقَدْ أَسْقَطُوهُ، وَإِنْ لَمْ يُجِيزُوهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْبَدَلاَنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ مِنَ الأْمْوَالِ  الرِّبَوِيَّةِ وَزَادَتِ الْمُحَابَاةُ عَلَى الثُّلُثِ، وَلَمْ يُجِزْهَا الْوَرَثَةُ، فَيُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بَيْنَ أَنْ يَدْفَعَ لِلْوَرَثَةِ قِيمَةَ الزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ لِيُكْمِلَ لَهُمُ الثُّلُثَيْنِ، وَبَيْنَ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ وَيَرُدَّ الْمَبِيعَ إِلَى الْوَرَثَةِ وَيَأْخُذَ مَا دَفَعَهُ مِنَ الثَّمَنِ إِنْ كَانَ الْفَسْخُ مُمْكِنًا، أَمَّا إِذَا تَعَذَّرَ الْفَسْخُ - كَمَا إِذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ تَحْتَ يَدِهِ أَوْ أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ - أُلْزِمَ بِإِتْمَامِ الثَّمَنِ إِلَى أَنْ يَبْلُغَ الْقِيمَةَ .

وَأَمَّا إِذَا كَانَ الْبَدَلاَنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ مِنَ الأْمْوَالِ  الرِّبَوِيَّةِ غَيْرَ النَّقْدَيْنِ، وَكَانَتِ الْمُحَابَاةُ بِأَكْثَرِ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ، وَلَمْ يُجِزْهَا الْوَرَثَةُ، فَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يُلْزِمُوا الْمُشْتَرِيَ بِأَنْ يَدْفَعَ لَهُمُ الزَّائِدَ عَلَى الثُّلُثِ أَوْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ، لأِنَّ  هَذَا يُؤَدِّي إِلَى رِبَا الْفَضْلِ، لِهَذَا يُنْسَبُ الثُّلُثُ إِلَى الْمُحَابَاةِ، وَيَصِحُّ الْبَيْعُ بِقَدْرِ النِّسْبَةِ وَيَبْطُلُ فِيمَا عَدَاهَا، وَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ بَيْنَ فَسْخِ الْعَقْدِ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ، وَبَيْنَ الرِّضَا بِالْبَيْعِ فِي الْقَدْرِ الْبَاقِي .

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِذَا بَاعَ الْمَرِيضُ مَالَهُ لأِجْنَبِيٍّ  بِأَقَلَّ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ وَمِمَّا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ:

فَإِنْ قَصَدَ بِبَيْعِهِ مَالَهُ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ بِكَثِيرٍ نَفْعَ الْمُشْتَرِي، فَمَا نَقَصَ عَنِ الْقِيمَةِ يُعْتَبَرُ مُحَابَاةً حُكْمُهَا حُكْمُ الْوَصِيَّةِ لِلأْجْنَبِيِّ ، تَنْفُذُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ إِنْ حَمَلَهَا الثُّلُثُ، وَتَبْطُلُ فِي الْقَدْرِ الزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ إِنْ لَمْ يُجِزْهَا الْوَرَثَةُ، وَإِنْ أَجَازُوهَا جَازَتْ، وَتَكُونُ ابْتِدَاءً عَطِيَّةً مِنْهُمْ تَفْتَقِرُ إِلَى الْحَوْزِ  وَالْوَقْتُ الْمُعْتَبَرُ فِي تَقْدِيرِ قِيمَةِ الْمَبِيعِ هُوَ وَقْتُ الْبَيْعِ، لاَ وَقْتُ مَوْتِ الْبَائِعِ .

أَمَّا إِذَا لَمْ يَقْصِدْ بِبَيْعِهِ مَالَهُ بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ بِكَثِيرٍ نَفْعَ الْمُشْتَرِي، كَأَنْ وَقَعَ مِنْهُ ذَلِكَ جَهْلاً بِقِيمَتِهِ، فَهُوَ غَبْنٌ يَصِحُّ مَعَهُ الْبَيْعُ عَلَى الْبَدَلِ الْمُسَمَّى وَيَنْفُذُ، وَلاَ يُعْتَبَرُ النُّقْصَانُ عَنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ مِنَ الثُّلُثِ مَهْمَا بَلَغَ عَلَى الْمَشْهُورِ الْمَعْمُولِ بِهِ .

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِذَا بَاعَ الْمَرِيضُ شَيْئًا مِنْ أَعْيَانِ مَالِهِ لِلأْجْنَبِيِّ ، وَحَابَاهُ فِي الْبَدَلِ، فَحُكْمُ هَذِهِ الْمُحَابَاةِ حُكْمُ الْوَصِيَّةِ لِلأْجْنَبِيِّ ، تَنْفُذُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ، وَمَا زَادَ عَنِ الثُّلُثِ يَتَوَقَّفُ عَلَى إِجَازَةِ الْوَرَثَةِ، فَإِنْ أَجَازُوهَا نَفَذَتْ، وَإِلاَّ خُيِّرَ الْمُشْتَرِي بَيْنَ رَدِّ الْمَبِيعِ إِنْ كَانَ قَائِمًا، وَيَأْخُذُ ثَمَنَهُ الَّذِي دَفَعَهُ، وَبَيْنَ أَنْ يُعْطِيَ الْوَرَثَةَ الْفَضْلَ عَمَّا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ مِمَّا لَمْ يَحْمِلْهُ الثُّلُثُ، وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ هَالِكًا، رَدَّ الزِّيَادَةَ عَلَى مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ مِمَّا لَمْ يَحْمِلْهُ الثُّلُثُ، وَكَذَا إِذَا كَانَ الْمَبِيعُ قَائِمًا، لَكِنَّهُ قَدْ دَخَلَهُ عَيْبٌ .

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِذَا حَابَى الْمَرِيضُ أَجْنَبِيًّا فِي الْبَيْعِ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ، وَتَنْفُذُ الْمُحَابَاةُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ إِنْ حَمَلَهَا.

أَمَّا إِذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ: فَإِنْ أَجَازَهَا الْوَرَثَةُ نَفَذَتْ، وَإِنْ لَمْ يُجِيزُوهَا - فَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْبَدَلاَنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ مِنَ الأْمْوَالِ  الرِّبَوِيَّةِ، وَزَادَتِ الْمُحَابَاةُ عَلَى الثُّلُثِ - بَطَلَ الْبَيْعُ فِي قَدْرِ الزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ، وَسُلِّمَ لِلْمُشْتَرِي الْبَاقِي، وَكَانَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ فَسْخِ الْبَيْعِ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ وَبَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ مَا سُلِّمَ لَهُ مِنَ الْمَبِيعِ .

أَمَّا إِذَا كَانَ الْبَدَلاَنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ مِنَ الأْمْوَالِ  الرِّبَوِيَّةِ غَيْرَ الثَّمَنَيْنِ، وَزَادَتِ الْمُحَابَاةُ عَلَى الثُّلُثِ، وَلَمْ يُجِزْهَا الْوَرَثَةُ، فَيُنْسَبُ الثُّلُثُ إِلَى الْمُحَابَاةِ، وَيَصِحُّ الْبَيْعُ بِقَدْرِ النِّسْبَةِ، وَيَبْطُلُ فِيمَا عَدَاهَا، وَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ بَيْنَ فَسْخِ الْبَيْعِ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ، وَبَيْنَ الرِّضَا بِالْبَيْعِ فِي الْقَدْرِ الْبَاقِي، وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِئَلاَّ يُفْضِيَ  إِلَى الرِّبَا .

قَالَ الْمِرْدَاوِيُّ: وَإِنْ بَاعَ مَرِيضٌ قَفِيزًا لاَ يَمْلِكُ غَيْرَهُ يُسَاوِي ثَلاَثِينَ بِقَفِيزٍ يُسَاوِي عَشَرَةً، فَأَسْقَطَ قِيمَةَ الرَّدِيءِ مِنْ قِيمَةِ الْجَيِّدِ، ثُمَّ نَسَبَ الثُّلُثَ إِلَى الْبَاقِي وَهُوَ عَشَرَةٌ مِنْ عِشْرِينَ تَجِدُهُ نِصْفَهَا، فَيَصِحُّ الْبَيْعُ فِي نِصْفِ الْجَيِّدِ بِنِصْفِ الرَّدِيءِ، وَيَبْطُلُ فِيمَا بَقِيَ، وَهَذَا بِلاَ نِزَاعٍ .

ب - بَيْعُ الْمَرِيضِ الْمَدِينِ مَالَهُ لأِجْنَبِيٍّ  

16 - إِذَا بَاعَ الْمَرِيضُ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ لأِجْنَبِيٍّ  بِثَمَنِ الْمِثْلِ، وَكَانَ مَدِينًا بِدَيْنٍ مُسْتَغْرِقٍ فَإِنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ نَافِذٌ عَلَى الْعِوَضِ الْمُسَمَّى، وَلاَ حَقَّ لِلدَّائِنِينَ فِي الاِعْتِرَاضِ عَلَيْهِ، لأِنَّ  حَقَّهُمْ مُتَعَلِّقٌ بِمَالِيَّةِ التَّرِكَةِ لاَ بِأَعْيَانِهَا، وَالْمَدِينُ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَخْرَجَ شَيْئًا مِنْ مِلْكِهِ بِهَذَا الْبَيْعِ إِلاَّ أَنَّهُ قَدْ أَدْخَلَ فِيهِ مَا يُقَابِلُهُ مِنَ الثَّمَنِ الْمُسَاوِي لِقِيمَتِهِ.

أَمَّا إِذَا كَانَ فِي الْبَيْعِ مُحَابَاةٌ لِلْمُشْتَرِي، فَلاَ تَنْفُذُ الْمُحَابَاةُ سَوَاءٌ أَكَانَتْ قَلِيلَةً أَمْ كَثِيرَةً إِلاَّ بِإِجَازَةِ الدَّائِنِينَ، لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِمَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يُجِيزُوا خُيِّرَ الْمُشْتَرِي بَيْنَ أَنْ يَبْلُغَ الْمَبِيعُ تَمَامَ قِيمَتِهِ، وَلاَ اعْتِرَاضَ لِلدَّائِنِينَ عَلَيْهِ، إِذْ لاَ ضَرَرَ يَلْحَقُهُمْ، وَبَيْنَ فَسْخِ الْعَقْدِ وَأَخْذِ مَا دَفَعَهُ مِنَ الثَّمَنِ إِنْ كَانَ الْفَسْخُ مُمْكِنًا، أَمَّا إِذَا تَعَذَّرَ الْفَسْخُ، كَمَا إِذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ تَحْتَ يَدِهِ أَوْ أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ أُلْزِمَ بِإِتْمَامِ الثَّمَنِ إِلَى أَنْ يَبْلُغَ الْقِيمَةَ.

وَإِذَا بَاعَ الْمَرِيضُ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ لأِجْنَبِيٍّ  بِثَمَنِ الْمِثْلِ، وَكَانَ مَدِينًا بِدَيْنٍ غَيْرِ مُسْتَغْرِقٍ لِمَالِهِ، صَحَّ الْبَيْعُ وَنَفَذَ عَلَى الْبَدَلِ الْمُسَمَّى، أَمَّا إِذَا كَانَ فِيهِ مُحَابَاةٌ، فَيُخْرَجُ مِقْدَارُ الدَّيْنِ مِنَ التَّرِكَةِ، وَيَأْخُذُ هَذَا الْبَيْعُ حُكْمَ الْبَيْعِ فِيمَا لَوْ كَانَ الْمَرِيضُ غَيْرَ مَدِينٍ أَصْلاً بِالنِّسْبَةِ لِلْمَبْلَغِ الْبَاقِي بَعْدَ الإْخْرَاجِ  .

ج - بَيْعُ الْمَرِيضِ مَالَهُ لِوَارِثٍ إِذَا بَاعَ الْمَرِيضُ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ لِوَارِثِهِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَرِيضُ الْبَائِعُ غَيْرَ مَدِينٍ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَدِينًا:

بَيْعُ الْمَرِيضِ غَيْرِ الْمَدِينِ مَالَهُ لِوَارِثٍ

17 - ذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى: إِلَى أَنَّهُ إِنْ بَاعَ الْمَرِيضُ وَارِثَهُ عَيْنًا مِنْ مَالِهِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ، فَإِنَّ بَيْعَهُ يَكُونُ صَحِيحًا نَافِذًا،  لأِنَّهُ  لَيْسَ فِيهِ إِبْطَالٌ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ عَنْ شَيْءٍ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّهُمْ، وَهُوَ الْمَالِيَّةُ، فَكَانَ الْوَارِثُ وَالأْجْنَبِيُّ  فِي ذَلِكَ سَوَاءً .

أَمَّا إِذَا بَاعَ الْمَرِيضُ وَارِثَهُ عَيْنًا مِنْ مَالِهِ وَحَابَاهُ فِي الثَّمَنِ، فَإِنَّ الْبَيْعَ يَتَوَقَّفُ عَلَى إِجَازَةِ الْوَرَثَةِ، سَوَاءٌ حَمَلَ ثُلُثُ مَالِهِ هَذِهِ الْمُحَابَاةَ أَمْ لَمْ يَحْمِلْهَا، فَإِنْ أَجَازُوهُ نَفَذَ، وَإِلاَّ خُيِّرَ الْوَارِثُ بَيْنَ أَنْ يَبْلُغَ الْمَبِيعُ تَمَامَ الْقِيمَةِ، وَعِنْدَهَا يَسْقُطُ حَقُّ الْوَرَثَةِ فِي الاِعْتِرَاضِ عَلَيْهِ، وَبَيْنَ أَنْ يُفْسَخَ الْبَيْعُ، وَيُرَدَّ الْمَبِيعُ إِلَى التَّرِكَةِ، وَيَسْتَلِمَ الثَّمَنَ الَّذِي دَفَعَهُ لِلْمُوَرِّثِ .

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْبَيْعُ يَكُونُ مَوْقُوفًا عَلَى إِجَازَةِ بَاقِي الْوَرَثَةِ، فَإِنْ أَجَازُوهُ نَفَذَ، وَإِنْ رَدُّوهُ بَطَلَ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْبَدَلُ مُسَاوِيًا لِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَمْ كَانَ فِيهِ مُحَابَاةٌ .

وَهُوَ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ فِي الْمَذْهَبِ الْحَنَفِيِّ، وَبِهِ قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ .

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِذَا بَاعَ الْمَرِيضُ وَارِثَهُ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ دُونَ مُحَابَاةٍ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَنَافِذٌ عَلَى الْبَدَلِ الْمُسَمَّى .

أَمَّا إِذَا حَابَى الْمَرِيضُ وَارِثَهُ فِي الْبَيْعِ، فَإِنْ حَابَاهُ فِي الثَّمَنِ كَأَنْ بَاعَهُ بِمِائَةٍ مَا يُسَاوِي مِائَتَيْنِ مَثَلاً، فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ بِقَدْرِ الْمُحَابَاةِ كُلِّهَا إِنْ لَمْ يُجِزْهَا الْوَرَثَةُ، وَلاَ تُعْتَبَرُ الْمُحَابَاةُ مِنَ الثُّلُثِ، وَيَصِحُّ الْبَيْعُ وَيَنْفُذُ فِيمَا عَدَاهَا، وَتُعْتَبَرُ إِجَازَةُ الْوَرَثَةِ لِلْقَدْرِ الْمُحَابَى بِهِ ابْتِدَاءً عَطِيَّةً مِنْهُمْ تَفْتَقِرُ إِلَى حَوْزٍ، قَالُوا: وَالْمُعْتَبَرُ فِي تَقْدِيرِ مُحَابَاتِهِ لِيَوْمِ الْبَيْعِ لاَ لِيَوْمِ الْحُكْمِ، وَلاَ عِبْرَةَ بِتَغَيُّرِ الأْسْوَاقِ  بَعْدَ ذَلِكَ بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ .

أَمَّا إِذَا حَابَى الْمَرِيضُ وَارِثَهُ فِي عَيْنِ الْمَبِيعِ، كَأَنْ يَقْصِدَ إِلَى خِيَارِ مَا يَمْلِكُهُ فَيَبِيعَهُ مِنْ وَلَدِهِ، فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَكُونُ لِوَرَثَتِهِ نَقْضُ ذَلِكَ الْبَيْعِ، وَلَوْ كَانَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ أَوْ أَكْثَرَ .

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَرِيضِ أَنْ يَبِيعَ مَا شَاءَ مِنْ أَعْيَانِ مَالِهِ إِلَى أَيِّ شَخْصٍ مِنْ وَرَثَتِهِ، وَيَنْفُذَ بَيْعُهُ عَلَى الْعِوَضِ الْمُسَمَّى إِذَا كَانَ الْبَيْعُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ  أَمَّا إِذَا كَانَ فِي الْبَدَلِ مُحَابَاةٌ لِلْوَارِثِ، فَحُكْمُ هَذِهِ الْمُحَابَاةِ حُكْمُ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ حَيْثُ إِنَّ الأْظْهَرَ  عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ تَكُونُ مَوْقُوفَةً عَلَى إِجَازَةِ الْوَرَثَةِ، فَإِنْ أَجَازُوهَا نَفَذَتْ، وَإِنْ لَمْ يُجِيزُوهَا بَطَلَتْ، فَيَبْطُلُ الْبَيْعُ فِي قَدْرِ هَذِهِ الْمُحَابَاةِ  قَالَ الرَّمْلِيُّ: الْمَرَضُ إِنَّمَا يَمْنَعُ الْمُحَابَاةَ، وَلاَ يَمْنَعُ الإْيثَارَ  .

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يَجُوزُ لِلْمَرِيضِ أَنْ يَبِيعَ مَا شَاءَ مِنْ مَالِهِ لِوَارِثِهِ، وَيَنْفُذَ بَيْعُهُ إِذَا كَانَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ .

أَمَّا إِذَا حَابَى وَارِثَهُ فِي الْبَيْعِ، فَهُنَاكَ ثَلاَثَةُ أَقْوَالٍ فِي الْمَذْهَبِ:

أَحَدُهَا: لاَ يَصِحُّ الْبَيْعُ، لأِنَّ  الْمُشْتَرِيَ بَذَلَ الثَّمَنَ فِي كُلِّ الْمَبِيعِ، فَلَمْ يَصِحَّ فِي بَعْضِهِ، كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ بِعَشَرَةٍ. فَقَالَ: قَبِلْتُ الْبَيْعَ فِي نِصْفِهِ، أَوْ قَالَ: قَبِلْتُ نِصْفَهُ بِخَمْسَةٍ، وَ لأِنَّهُ  لَمْ يُمْكِنْ تَصْحِيحُ الْبَيْعِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي تَعَاقَدَا عَلَيْهِ، فَلَمْ يَصِحَّ كَتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ .

وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَصِحُّ فِيمَا يُقَابِلُ الثَّمَنَ الْمُسَمَّى، وَتَتَوَقَّفُ الْمُحَابَاةُ عَلَى إِجَازَةِ الْوَرَثَةِ، فَإِنْ أَجَازُوهَا نَفَذَتْ، وَإِنْ رَدُّوهَا بَطَلَ الْبَيْعُ فِي قَدْرِ الْمُحَابَاةِ وَصَحَّ فِيمَا بَقِيَ .

وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ يَبْطُلُ الْبَيْعُ فِي قَدْرِ الْمُحَابَاةِ، وَيَصِحُّ فِيمَا يُقَابِلُ الثَّمَنَ الْمُسَمَّى، وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بَيْنَ الأْخْذِ  وَالْفَسْخِ، لأِنَّ  الصَّفْقَةَ تَفَرَّقَتْ عَلَيْهِ، قَالُوا: وَإِنَّمَا حَكَمْنَا بِالصِّحَّةِ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ؛ لأِنَّ  الْبُطْلاَنَ إِنَّمَا جَاءَ مِنَ الْمُحَابَاةِ، فَاخْتَصَّ بِمَا يُقَابِلُهَا، وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ .

بَيْعُ الْمَرِيضِ الْمَدِينِ مَالَهُ لِوَارِثٍ

18 - اتَّفَقَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ عَلَى أَنَّ الْمَرِيضَ الْمَدِينَ بِدَيْنٍ مُسْتَغْرِقٍ إِذَا بَاعَ مَالَهُ لِوَارِثِ بِثَمَنِ الْمِثْلِ، فَإِنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ نَافِذٌ عَلَى الْبَدَلِ الْمُسَمَّى، وَلاَ حَقَّ لِلدَّائِنِينَ فِي الاِعْتِرَاضِ عَلَيْهِ، لأِنَّ  حَقَّهُمْ مُتَعَلِّقٌ بِمَالِيَّةِ التَّرِكَةِ لاَ بِأَعْيَانِهَا، وَالْمَرِيضُ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَخْرَجَ شَيْئًا مِنْ مِلْكِهِ بِهَذَا الْبَيْعِ إِلاَّ أَنَّهُ قَدْ أَدْخَلَ فِيهِ مَا يُقَابِلُهُ مِنَ الثَّمَنِ الْمُسَاوِي لِقِيمَتِهِ.

أَمَّا إِذَا كَانَ فِي بَيْعِ الْمَرِيضِ الْمَدِينِ مُحَابَاةٌ لِلْوَارِثِ فِي الْبَدَلِ، فَلاَ تَنْفُذُ الْمُحَابَاةُ سَوَاءٌ أَكَانَتْ قَلِيلَةً أَمْ كَثِيرَةً إِلاَّ بِإِجَازَةِ الدَّائِنِينَ، فَإِنْ أَجَازُوهَا نَفَذَتْ، وَإِنْ رَدُّوهَا خُيِّرَ الْمُشْتَرِي بَيْنَ أَنْ يَبْلُغَ الْمَبِيعُ تَمَامَ قِيمَتِهِ، وَلاَ اعْتِرَاضَ لِلدَّائِنِينَ، وَبَيْنَ فَسْخِ الْبَيْعِ وَأَخْذِ مَا دَفَعَهُ مِنَ الثَّمَنِ إِنْ كَانَ الْفَسْخُ مُمْكِنًا، أَمَّا إِذَا تَعَذَّرَ لِهَلاَكِ الْمَبِيعِ تَحْتَ يَدِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَيُلْزَمُ الْمُشْتَرِي بِإِتْمَامِ الثَّمَنِ إِلَى أَنْ يَبْلُغَ الْقِيمَةَ .

19 - وَمِثْلُ الْبَيْعِ فِي كُلِّ الأْحْوَالِ  الْمُتَقَدِّمَةِ الشِّرَاءُ، فَإِذَا اشْتَرَى الْمَرِيضُ مَرَضَ الْمَوْتِ مِنْ وَارِثِهِ الصَّحِيحِ أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ وَكَانَ غَيْرَ مَدِينٍ أَوْ كَانَ مَدْيُونًا اتَّبَعَتْ نَفْسَ الأْحْكَامِ  الْمُتَقَدِّمَةِ فِي بَيْعِهِ  وَقَدْ جَاءَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: صُورَةُ الْمُحَابَاةِ أَنْ يَبِيعَ الْمَرِيضُ مَا يُسَاوِي مِائَةً بِخَمْسِينَ، أَوْ يَشْتَرِيَ مَا يُسَاوِي خَمْسِينَ بِمِائَةِ، فَالزَّائِدُ عَلَى قِيمَةِ الْمِثْلِ فِي الشِّرَاءِ وَالنَّاقِصِ فِي الْبَيْعِ مُحَابَاةٌ .

ثَانِيًا - الإْجَارَةُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ

20 - إِذَا أَجَّرَ الْمَرِيضُ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ فَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي صِحَّةِ إِجَارَتِهِ وَنَفَاذِهَا عَلَى الْبَدَلِ الْمُسَمَّى.

أَمَّا إِذَا حَابَى الْمَرِيضُ الْمُسْتَأْجَرَ فِي الْبَدَلِ، بِأَنْ أَجَّرَهُ بِأَقَلِّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ، فَلِفُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ فِي ذَلِكَ قَوْلاَنِ:

أَحَدُهُمَا، وَهُوَ الرَّاجِحُ الْمُعْتَمَدُ فِي الْمَذْهَبِ: وَهُوَ أَنَّ الإْجَارَةَ  صَحِيحَةٌ نَافِذَةٌ عَلَى الْبَدَلِ الْمُسَمَّى، وَتُعْتَبَرُ الْمُحَابَاةُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ لاَ مِنَ الثُّلُثِ .

وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ الإْجَارَةَ  تَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ، فَلاَ يَبْقَى عَلَى الْوَرَثَةِ ضَرَرٌ فِيمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، لأِنَّ  الإْجَارَةَ  لَمَّا بَطَلَتْ بِالْمَوْتِ، صَارَتِ الْمَنَافِعُ مَمْلُوكَةً لَهُمْ وَفِي حَيَاتِهِ لاَ مِلْكَ لَهُمْ، فَلاَ ضَرَرَ عَلَيْهِمْ فِيمَا يَسْتَوْفِيهِ الْمُسْتَأْجِرُ حَالَ حَيَاةِ الْمُؤَجِّرِ، وَلأِنَّ  حَقَّ الْغُرَمَاءِ وَالْوَرَثَةِ إِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمَالِ الْمَرِيضِ الَّذِي يَجْرِي فِيهِ الإْرْثُ  كَأَعْيَانِ التَّرِكَةِ. أَمَّا مَا لاَ يَجْرِي فِيهِ الإْرْثُ  كَالْمَنَافِعِ فَلاَ يَتَعَلَّقُ حَقُّهُمْ بِهَا، فَيَكُونُ تَبَرُّعُهُ بِهَا نَافِذًا مِنْ كُلِّ مَالِهِ .

الثَّانِي، وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ  وَهُوَ أَنَّ هَذِهِ الْمُحَابَاةَ تَأْخُذُ حُكْمَ الْوَصِيَّةِ،  لأِنَّهُ  قَدْ يَتَحَقَّقُ بِهَا الإْضْرَارُ  بِالْوَرَثَةِ، كَمَا لَوْ أَجَّرَ الْمَرِيضُ مَا أُجْرَتُهُ مِائَةٌ بِأَرْبَعِينَ مُدَّةً مَعْلُومَةً، وَطَالَ مَرَضُهُ بِقَدْرِ مُدَّةِ الإْجَارَةِ  فَأَكْثَرَ، بِحَيْثُ اسْتَوْفَى الْمُسْتَأْجِرُ الْمَنَافِعَ فِي مُدَّةِ إِجَارَتِهِ فِي الْقَدْرِ الَّذِي حَابَى بِهِ وَهُوَ سِتُّونَ، فَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ تُعْتَبَرَ هَذِهِ الْمُحَابَاةُ كَالْوَصِيَّةِ .

ثَالِثًا - الزَّوَاجُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ

21 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ حُكْمَ الزَّوَاجِ فِي حَالِ مَرَضِ الْمَوْتِ وَالصِّحَّةِ سَوَاءٌ، مِنْ حَيْثُ صِحَّةُ الْعَقْدِ وَتَوْرِيثُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ صَاحِبَهُ .

وَاسْتَدَلُّوا بِعُمُومِ قوله تعالي : ( فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ )  وَبِمَا وَرَدَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه  أَنَّهُ قَالَ: لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْ أَجَلِي إِلاَّ عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَأَعْلَمُ أَنِّي أَمُوتُ فِي آخِرِهَا يَوْمًا، لِي فِيهِنَّ طَوْلُ النِّكَاحِ، لَتَزَوَّجْتُ مَخَافَةَ الْفِتْنَةِ .

وَبِمَا رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه  أَنَّهُ قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: زَوِّجُونِي، إِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَزَبًا .

فَإِذَا ثَبَتَتْ صِحَّةُ الزَّوَاجِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ ثَبَتَ التَّوَارُثُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ لِعُمُومِ آيَةِ الْمِيرَاثِ بَيْنَ الأْزْوَاجِ  .

ثُمَّ اخْتَلَفُوا بَعْدَ ذَلِكَ فِيمَا يَثْبُتُ لِلزَّوْجَةِ الَّتِي عَقَدَ عَلَيْهَا الْمَرِيضُ مِنَ الْمَهْرِ.

وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (مَهْرٌ).

رَابِعًا - الطَّلاَقُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ

22 - إِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، فَالطَّلاَقُ وَاقِعٌ، سَوَاءٌ طَلَّقَهَا طَلْقَةً وَاحِدَةً أَوْ بَائِنَةً، دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، إِلاَّ مَا رُوِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لاَ يَقَعُ طَلاَقُ الْمَرِيضِ .

وَمَعَ قَوْلِ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ بِوُقُوعِ طَلاَقِ الْمَرِيضِ، فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي ثُبُوتِ التَّوَارُثِ بَيْنَهُمَا بَعْدَهُ، وَوُجُوبِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (طَلاَقٌ ف 66).

خَامِسًا - الإْبْرَاءُ  فِي مَرَضِ الْمَوْتِ

23 - إِذَا أَبْرَأَ الْمَرِيضُ غَيْرُ الْمَدِينِ مَدِينًا لَهُ مِمَّا لَهُ عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُبْرَأُ أَجْنَبِيًّا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ وَارِثًا:

أ - فَإِنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا، فَقَدْ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِذَا أَبْرَأَ الْمَرِيضُ مَدِينَهُ الأْجْنَبِيَّ  مِنْ دَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ لاَ يَتَجَاوَزُ ثُلُثَ مَالِ الْمَرِيضِ، فَإِنَّ الإْبْرَاءَ  صَحِيحٌ نَافِذٌ، أَمَّا إِذَا كَانَ أَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ، فَإِنَّ الزَّائِدَ عَلَى الثُّلُثِ يَكُونُ مَوْقُوفًا عَلَى إِجَازَةِ الْوَرَثَةِ فَإِنْ أَجَازُوهُ نَفَذَ - لأِنَّ  الْمَنْعَ كَانَ لِحَقِّهِمْ وَقَدْ أَسْقَطُوهُ - وَإِنْ رَدُّوهُ بَطَلَ.

أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَرِيضِ وَارِثٌ، فَقَدْ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: يَنْفُذُ إِبْرَاؤُهُ لِلأْجْنَبِيِّ ، وَلَوِ اسْتَغْرَقَ كُلَّ مَالِهِ، وَلاَ حَقَّ لأِحَدٍ  فِي الْمُعَارَضَةِ .

ب - أَمَّا إِذَا كَانَ وَارِثًا، فَقَدْ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا أَبْرَأَ الْمَرِيضُ وَارِثَهُ مِنْ دَيْنِهِ، وَكَانَ الْمَرِيضُ غَيْرَ مَدِينٍ، فَإِنَّ إِبْرَاءَهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى إِجَازَةِ سَائِرِ الْوَرَثَةِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الدَّيْنُ الَّذِي أَبْرَأَهُ مِنْهُ قَلِيلاً أَمْ كَثِيرًا، فَإِنْ أَجَازُوهُ نَفَذَ، وَإِنْ رَدُّوهُ بَطَلَ.

أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَرِيضِ وَارِثٌ سِوَى الْمُبْرَأِ مِنَ الدَّيْنِ، فَإِنَّ الإْبْرَاءَ  يَنْفُذُ وَلَوِ اسْتَغْرَقَ جَمِيعَ الْمَالِ، لأِنَّ  الْمَنْعَ كَانَ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ، وَلَمْ يُوجَدُوا، فَيَنْفُذُ .

24 - وَإِنْ كَانَ الْمَرِيضُ مَدِينًا بِدَيْنٍ مُسْتَغْرِقٍ لِتَرِكَتِهِ، فَقَدْ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: يَتَوَقَّفُ إِبْرَاءُ الْمَرِيضِ مَدِينَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَلَى إِجَازَةِ الدَّائِنِينَ، سَوَاءٌ أَكَانَ الدَّيْنُ الَّذِي أَبْرَأَ مِنْهُ قَلِيلاً أَمْ كَثِيرًا،  لأِنَّهُ مْ أَصْحَابُ الْحُقُوقِ فِي مَالِهِ، فَإِنْ أَجَازُوهُ نَفَذَ، وَإِنْ رَدُّوهُ بَطَلَ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُبْرَأُ وَارِثًا لِلْمَرِيضِ أَوْ غَيْرَ وَارِثٍ.

أَمَّا إِذَا أَبْرَأَ الْمَرِيضُ مَدِينَهُ، وَكَانَ الْمُبْرِئُ مَدِينًا بِدَيْنٍ غَيْرِ مُسْتَغْرِقٍ لِتَرِكَتِهِ، فَيُخْرَجُ مِنَ التَّرِكَةِ مِقْدَارُ مَا عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ، وَيُحْكَمُ عَلَى الإْبْرَاءِ  فِي الْقَدْرِ الْبَاقِي بَعْدَ الدَّيْنِ بِالْحُكْمِ عَلَى الإْبْرَاءِ  حَيْثُ لاَ يَكُونُ الْمَرِيضُ مَدِينًا أَصْلاً .

سَادِسًا - الْخُلْعُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ

25 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي أَنَّ الْمُخَالَعَةَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ صَحِيحَةٌ وَنَافِذَةٌ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَرِيضُ الزَّوْجَ أَوِ الزَّوْجَةَ أَوْ كِلَيْهِمَا .

غَيْرَ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِيمَا يَثْبُتُ لِلزَّوْجِ مِنْ بَدَلِ الْخُلْعِ إِذَا وَقَعَتِ الْمُخَالَعَةُ فِي الْمَرَضِ، كَمَا اخْتَلَفُوا فِي ثُبُوتِ التَّوَارُثِ بَيْنَهُمَا فِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ، مَعَ تَفْرِيقِهِمْ بَيْنَ مَا إِذَا كَانَ الزَّوْجُ الْمُخَالَعُ هُوَ الْمَرِيضُ، وَبَيْنَ مَا إِذَا كَانَتِ الزَّوْجَةُ الْمُخَالِعَةُ هِيَ الْمَرِيضَةَ.

وَبَيَانُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (خُلْعٌ ف 18 - 19).

سَابِعًا - الإْقْرَارُ  فِي مَرَضِ الْمَوْتِ

26 - إِقْرَارُ الْمَرِيضِ مَرَضَ مَوْتٍ بِالْحَدِّ وَالْقِصَاصِ مَقْبُولٌ اتِّفَاقًا، وَكَذَا إِقْرَارُهُ بِدَيْنٍ لأِجْنَبِيٍّ ، فَإِنَّهُ يَنْفُذُ مِنْ كُلِّ مَالِهِ مَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دُيُونٌ أَقَرَّ بِهَا فِي حَالِ صِحَّتِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَأَصَحُّ الرِّوَايَاتِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَهُمْ.

وَأَمَّا إِقْرَارُ الْمَرِيضِ لِوَارِثٍ فَهُوَ بَاطِلٌ إِلاَّ أَنْ يُصَدِّقَهُ الْوَرَثَةُ أَوْ يَثْبُتَ بِبَيِّنَةٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إِنْ كَانَ مُتَّهَمًا فِي إِقْرَارِهِ، كَأَنْ يُقِرَّ لِوَارِثٍ قَرِيبٍ مَعَ وُجُودِ الأَْبْعَدِ أَوِ الْمُسَاوِي لَمْ يُقْبَلْ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (إِقْرَارٌ ف 24، 25).

27 - وَأَمَّا الإْقْرَارُ  بِاسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ فَقَدْ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِقْرَارُ الْمَرِيضِ بِاسْتِيفَاءِ دَيْنٍ وَجَبَ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ، لاَ يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ إِقْرَارًا بِاسْتِيفَاءِ دَيْنٍ وَجَبَ لَهُ عَلَى أَجْنَبِيٍّ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ إِقْرَارًا بِاسْتِيفَاءِ دَيْنٍ وَجَبَ لَهُ عَلَى وَارِثٍ:

أ - فَإِذَا أَقَرَّ الْمَرِيضُ بِاسْتِيفَاءِ دَيْنٍ وَجَبَ لَهُ عَلَى أَجْنَبِيٍّ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ الْمُقَرُّ بِاسْتِيفَائِهِ وَجَبَ لَهُ فِي حَالِ الصِّحَّةِ أَوْ فِي حَالِ الْمَرَضِ.

فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ الَّذِي أَقَرَّ الْمَرِيضُ بِاسْتِيفَائِهِ قَدْ وَجَبَ لَهُ فِي حَالِ الصِّحَّةِ  فَيَصِحُّ إِقْرَارُهُ، وَيُصَدَّقُ فِيهِ، وَيَبْرَأُ الْغَرِيمُ مِنَ الدَّيْنِ سَوَاءٌ أَكَانَ الدَّيْنُ الْوَاجِبُ فِي حَالِ الصِّحَّةِ بَدَلاً عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ، كَأَرْشِ الْجِنَايَةِ وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ، أَوْ كَانَ بَدَلاً عَمَّا هُوَ مَالٌ، نَحْوُ بَدَلِ الْقَرْضِ وَثَمَنِ الْمَبِيعِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ عَلَيْهِ دَيْنُ صِحَّةٍ أَمْ لَمْ يَكُنْ .

أَمَّا إِذَا كَانَ الدَّيْنُ الَّذِي أَقَرَّ الْمَرِيضُ بِاسْتِيفَائِهِ قَدْ وَجَبَ لَهُ فِي حَالَةِ الْمَرَضِ، فَيُفَرَّقُ بَيْنَ مَا إِذَا وَجَبَ لَهُ بَدَلاً عَمَّا هُوَ مَالٌ لِلْمَرِيضِ وَبَيْنَ مَا إِذَا وَجَبَ لَهُ بَدَلاً عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ لِلْمَرِيضِ:

فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ الْمُقَرُّ بِاسْتِيفَائِهِ قَدْ وَجَبَ لِلْمَرِيضِ بَدَلاً عَمَّا هُوَ مَالٌ لَهُ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ وَبَدَلِ الْقَرْضِ، فَلاَ يَصِحُّ إِقْرَارُهُ فِي حَقِّ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ، وَيُجْعَلُ ذَلِكَ مِنْهُ إِقْرَارًا بِالدَّيْنِ،  لأِنَّهُ  لَمَّا مَرِضَ فَقَدْ تَعَلَّقَ حَقُّ الْغُرَمَاءِ بِالْمُبْدَلِ،  لأِنَّهُ  مَالٌ، فَكَانَ الْبَيْعُ وَالْقَرْضُ إِبْطَالاً لِحَقِّهِمْ عَنِ الْمُبْدَلِ، إِلاَّ أَنْ يَصِلَ الْبَدَلُ إِلَيْهِمْ، فَيَكُونَ مُبْدَلاً مَعْنًى لِقِيَامِ الْبَدَلِ مَقَامَهُ، فَإِذَا أَقَرَّ بِالاِسْتِيفَاءِ فَلاَ وُصُولَ لِلْبَدَلِ إِلَيْهِمْ، فَلَمْ يَصِحَّ إِقْرَارُهُ بِالاِسْتِيفَاءِ فِي حَقِّهِمْ، فَبَقِيَ إِقْرَارًا بِالدَّيْنِ، حَيْثُ إِنَّ الإْقْرَارَ  بِالاِسْتِيفَاءِ إِقْرَارٌ بِالدَّيْنِ، لأِنَّ  كُلَّ مَنِ اسْتَوْفَى دَيْنًا مِنْ غَيْرِهِ، يَصِيرُ الْمُسْتَوْفَى دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْمُسْتَوْفِي، ثُمَّ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ، فَكَانَ الإْقْرَارُ  بِالاِسْتِيفَاءِ إِقْرَارًا بِالدَّيْنِ، وَإِقْرَارُ الْمَرِيضِ بِالدَّيْنِ وَعَلَيْهِ دَيْنُ الصِّحَّةِ لاَ يَصِحُّ فِي حَقِّ غُرَمَاءِ الصِّحَّةِ وَلاَ يَنْفُذُ .

وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا، مَا لَوْ أَتْلَفَ شَخْصٌ لِلْمَرِيضِ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ فِي مَرَضِهِ، فَأَقَرَّ الْمَرِيضُ بِقَبْضِ الْقِيمَةِ مِنْهُ، فَلاَ يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ إِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنُ الصِّحَّةِ، لأِنَّ  الْحَقَّ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِالْمُبْدَلِ فَيَتَعَلَّقُ بِالْبَدَلِ .

أَمَّا إِذَا كَانَ الدَّيْنُ الْمُقَرُّ بِاسْتِيفَائِهِ قَدْ وَجَبَ لِلْمَرِيضِ فِي حَالَةِ مَرَضِهِ بَدَلاً عَمَّا هُوَ لَيْسَ بِمَالٍ لَهُ، كَأَرْشِ الْجِنَايَةِ أَوْ بَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ، فَيَصِحُّ إِقْرَارُهُ بِالاِسْتِيفَاءِ، وَيَبْرَأُ الْغَرِيمُ مِنَ الدَّيْنِ، لأِنَّ  هَذَا الإْقْرَارَ  بِاسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ لَيْسَ فِيهِ مِسَاسٌ بِحَقِّ الْغُرَمَاءِ، لأِنَّ  حَقَّهُمْ لاَ يَتَعَلَّقُ فِي الْمَرَضِ بِالْمُبْدَلِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ - وَهُوَ النَّفْسُ -  لأِنَّهُ  لاَ يَحْتَمِلُ التَّعَلُّقَ،  لأِنَّهُ  لَيْسَ بِمَالٍ، فَلاَ يَتَعَلَّقُ بِبَدَلِهِ، وَإِذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّهُمْ بِهِ، فَلاَ يَكُونُ فِي الإْقْرَارِ  بِاسْتِيفَاءِ هَذَا الدَّيْنِ إِبْطَالٌ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ، فَيَنْفُذُ مُطْلَقًا .

ب - أَمَّا إِذَا أَقَرَّ الْمَرِيضُ بِاسْتِيفَاءِ دَيْنٍ وَجَبَ لَهُ عَلَى وَارِثٍ فَلاَ يَصِحُّ إِقْرَارُهُ، سَوَاءٌ وَجَبَ بَدَلاً عَمَّا هُوَ مَالٌ، أَوْ بَدَلاً عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ،  لأِنَّهُ  إِقْرَارٌ بِالدَّيْنِ، لَمَّا بَيَّنَّا أَنَّ اسْتِيفَاءَ الدَّيْنِ يَكُونُ بِطَرِيقِ الْمُقَاصَّةِ، وَهُوَ أَنْ يَصِيرَ الْمُسْتَوْفَى دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْمُسْتَوْفِي، فَكَانَ إِقْرَارُهُ بِالاِسْتِيفَاءِ إِقْرَارًا بِالدَّيْنِ، وَإِقْرَارُ الْمَرِيضِ بِالدَّيْنِ لِوَارِثِهِ بَاطِلٌ إِنْ لَمْ يُجِزْهُ بَاقِي الْوَرَثَةِ .

جَاءَ فِي كَشْفِ الأْسْرَارِ: لاَ يَصِحُّ إِقْرَارُ الْمَرِيضِ بِاسْتِيفَاءِ دَيْنِهِ الَّذِي لَهُ عَلَى الْوَارِثِ مِنْهُ، وَإِنْ لَزِمَ الْوَارِثَ الدَّيْنُ فِي حَالِ صِحَّةِ الْمُقِرِّ، لأِنَّ  هَذَا إِيصَاءٌ لَهُ بِمَالِيَّةِ الدَّيْنِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، فَإِنَّهَا تُسَلَّمُ لَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ .

وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ مَا لَوْ كَانَ وَارِثُهُ كَفِيلاً عَنْ أَجْنَبِيٍّ، لِلْمَرِيضِ عَلَيْهِ دَيْنٌ، أَوْ كَانَ الأَْجْنَبِيُّ كَفِيلاً عَنْ وَارِثِهِ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَلاَ يَصِحُّ إِقْرَارُهُ بِاسْتِيفَائِهِ، لِتَضَمُّنِهِ بَرَاءَةَ ذِمَّةِ الْوَارِثِ عَنِ الدَّيْنِ أَوْ عَنِ الْكَفَالَةِ .

وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا، أَنَّهُ إِذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَأَقَرَّتْ فِي مَرَضِ مَوْتِهَا أَنَّهَا اسْتَوْفَتْ مَهْرَهَا مِنْ زَوْجِهَا، وَلاَ يُعْلَمُ ذَلِكَ إِلاَّ بِقَوْلِهَا - وَعَلَيْهَا دَيْنُ الصِّحَّةِ - ثُمَّ مَاتَتْ وَهِيَ فِي عِصْمَةِ زَوْجِهَا وَلاَ مَالَ لَهَا غَيْرُ الْمَهْرِ، لاَ يَصِحُّ إِقْرَارُهَا، وَيُؤْمَرُ الزَّوْجُ بِرَدِّ الْمَهْرِ إِلَى الْغُرَمَاءِ، فَيَكُونُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ بِالْحِصَصِ، لأِنَّ  الزَّوْجَ وَارِثٌ لَهَا، وَإِقْرَارُ الْمَرِيضِ بِاسْتِيفَاءِ دَيْنٍ وَجَبَ لَهُ عَلَى وَارِثِهِ لاَ يَصِحُّ .

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِذَا أَقَرَّ الْمَرِيضُ بِاسْتِيفَاءِ مَا وَجَبَ لَهُ مِنَ الدَّيْنِ عَلَى الأَْجْنَبِيِّ، صَحَّ إِقْرَارُهُ إِنْ كَانَ الْمَرِيضُ غَيْرَ مُتَّهَمٍ فِي هَذَا الإْقْرَارِ ، وَإِذَا أَقَرَّ بِاسْتِيفَاءِ مَا وَجَبَ لَهُ مِنَ الدَّيْنِ عَلَى الْوَارِثِ، لَمْ يَصِحَّ إِقْرَارُهُ إِنْ كَانَ مُتَّهَمًا فِيهِ، فَمَدَارُ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ أَوْ عَدَمِهَا فِي الْحَالَتَيْنِ عَلَى انْتِفَاءِ التُّهْمَةِ أَوْ ثُبُوتِهَا  قَالَ زَرُّوقٌ: وَلاَ يَجُوزُ إِقْرَارُ الْمَرِيضِ لِوَارِثِهِ بِدَيْنِ أَوْ بِقَبْضِهِ، يَعْنِي لأِنَّ  حُكْمَ الْوَاقِعِ فِي الْمَرَضِ كُلِّهِ حُكْمُ الْوَصِيَّةِ، وَلاَ وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ، وَمَدَارُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ عَلَى انْتِفَاءِ التُّهْمَةِ وَثُبُوتِهَا، فَحَيْثُ يُتَّهَمُ بِمُحَابَاةٍ يُمْنَعُ وَلاَ يَصِحُّ، وَحَيْثُ لاَ فَيَجُوزُ وَيَصِحُّ .

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يَصِحُّ إِقْرَارُ الْمَرِيضِ بِاسْتِيفَاءِ دَيْنِهِ إِذَا كَانَ غَرِيمُهُ أَجْنَبِيًّا لاَ وَارِثًا .

الإْقْرَارُ  بِالْوَقْفِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ

28 - قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا أَقَرَّ الْمَرِيضُ أَنَّهُ كَانَ قَدْ وَقَفَ أَرْضًا أَوْ دَارًا فِي يَدِهِ فِي صِحَّتِهِ، نَفَذَ إِقْرَارُهُ مِنْ كُلِّ مَالِهِ إِذَا عَيَّنَ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِمْ، أَمَّا إِذَا لَمْ يُعَيِّنْهُمْ، نَفَذَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ إِنْ كَانَ لَهُ وَرَثَةٌ وَلَمْ يُجِيزُوا الإْقْرَارَ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَرَثَةٌ، أَوْ كَانَ لَهُ وَأَجَازُوهُ نَفَذَ مِنَ الْكُلِّ أَيْضًا .

وَإِذَا أَقَرَّ الْمَرِيضُ بِأَنَّ الأْرْضَ  الَّتِي فِي يَدِهِ وَقَفَهَا رَجُلٌ مَالِكٌ لَهَا عَلَى مُعَيَّنٍ، كَانَتْ وَقْفًا مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ عَلَى مُعَيَّنٍ، كَانَتْ وَقْفًا مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ .

وَإِذَا أَقَرَّ الْمَرِيضُ بِأَرْضٍ فِي يَدِهِ أَنَّ رَجُلاً مَالِكًا لَهَا جَعَلَهَا صَدَقَةً مَوْقُوفَةً عَلَيْهِ وَعَلَى وَلَدِهِ وَنَسْلِهِ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِمْ لِلْفُقَرَاءِ، فَلاَ تَكُونُ وَقْفًا عَلَيْهِ وَلاَ عَلَى وَلَدِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مُنَازِعٌ أَصْلاً، بَلْ تَكُونُ لِلْمَسَاكِينِ،  لأِنَّهُ  لَمَّا أَقَرَّ بِمِلْكِيَّتِهَا لِغَيْرِهِ، وَأَقَرَّ بِأَنَّهُ جَعَلَهَا صَدَقَةً مَوْقُوفَةً، وَالأْصْلُ  فِي الصَّدَقَةِ أَنْ تَكُونَ لِلْمَسَاكِينِ، فَقَدْ أَقَرَّ بِأَنَّهَا وَقْفٌ عَلَيْهِمْ مَعْنًى، فَلاَ يُقْبَلُ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ دَعْوَاهُ أَنَّهَا لِنَفْسِهِ وَوَلَدِهِ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ،  لأِنَّهُ  رُجُوعٌ عَنِ الإْقْرَارِ  الأْوَّلِ  .

الإْقْرَارُ  بِالطَّلاَقِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ

29 - إِذَا أَقَرَّ الْمَرِيضُ أَنَّهُ كَانَ قَدْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ الْمَدْخُولَ بِهَا فِي صِحَّتِهِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ إِقْرَارُهُ بِطَلاَقِ رَجْعِيٍّ أَوْ بَائِنٍ.

فَإِنْ أَقَرَّ الْمَرِيضُ بِأَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي صِحَّتِهِ طَلاَقًا رَجْعِيًّا، فَقَدْ نَصَّ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ يَقَعُ الطَّلاَقُ سَاعَةَ تَكَلَّمَ، وَتَبْدَأُ عِدَّتُهَا، فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ مِنْ يَوْمِ الإْقْرَارِ  وَرِثَهُ الآْخَرُ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ انْتِهَاءِ الْعِدَّةِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا لَوْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي صِحَّتِهِ طَلاَقًا بَائِنًا .

أَمَّا إِذَا أَقَرَّ الْمَرِيضُ بِأَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي صِحَّتِهِ ثَلاَثًا أَوْ بَائِنًا، فَقَدْ فَرَّقَ الْحَنَفِيَّةُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بَيْنَ مَا إِذَا صَدَّقَتْهُ الزَّوْجَةُ عَلَى مَا أَقَرَّ بِهِ، وَبَيْنَ مَا إِذَا أَنْكَرَتْهُ عَلَيْهِ.

فَإِنْ صَدَّقَتْهُ الزَّوْجَةُ فَلاَ تَرِثُهُ، لأِنَّ  مَا تَصَادَقَا عَلَيْهِ صَارَ كَالْمُعَايَنِ أَوْ كَالثَّابِتِ بِالْبَيِّنَةِ فِي حَقِّهِمَا، وَلأِنَّ  الْحَقَّ فِي الْمِيرَاثِ لَهَا، وَقَدْ أَقَرَّتْ بِمَا يُسْقِطُ حَقَّهَا .

أَمَّا إِذَا أَنْكَرَتِ الزَّوْجَةُ ذَلِكَ، فَتَبْتَدِئُ عِدَّةُ الطَّلاَقِ مِنْ وَقْتِ الإْقْرَارِ ، وَتَرِثُهُ إِذَا اسْتَمَرَّتْ أَهْلِيَّتُهَا لِلإْرْثِ مِنْ وَقْتِ الإْقْرَارِ إِلَى وَقْتِ مَوْتِهِ، وَكَانَ مَوْتُهُ فِي عِدَّتِهَا .

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَقَعُ الطَّلاَقُ بِإِقْرَارِهِ سَاعَةَ تَكَلَّمَ، وَتَسْتَقْبِلُ عِدَّةَ الطَّلاَقِ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَلاَ تَرِثُهُ بِحَالٍ .

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِذَا أَقَرَّ الْمَرِيضُ أَنَّهُ كَانَ قَدْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ الْمَدْخُولَ بِهَا طَلاَقًا بَائِنًا، فَإِمَّا أَنْ تَشْهَدَ لَهُ عَلَى إِقْرَارِهِ بَيِّنَةٌ، وَإِمَّا أَلاَّ تَشْهَدَ لَهُ عَلَى إِقْرَارِهِ بَيِّنَةٌ:

فَإِنْ شَهِدَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى إِقْرَارِهِ، فَيُعْمَلُ بِهِ، وَتَكُونُ الْعِدَّةُ مِنَ الْوَقْتِ الَّذِي أَرَّخَتْهُ الْبَيِّنَةُ، وَلاَ إِرْثَ بَيْنَهُمَا.

أَمَّا إِذَا لَمْ تَشْهَدْ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى إِقْرَارِهِ، فَيُعْتَبَرُ هَذَا الإْقْرَارُ  بِمَنْزِلَةِ إِنْشَائِهِ الطَّلاَقَ فِي الْمَرَضِ، وَلاَ عِبْرَةَ بِإِسْنَادِهِ لِزَمَنِ صِحَّتِهِ، فَتَرِثُهُ زَوْجَتُهُ إِنْ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ فِي الْعِدَّةِ وَبَعْدَهَا، وَلَوْ تَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ أَزْوَاجًا، وَلاَ يَرِثُهَا هُوَ، وَتَبْتَدِئُ عِدَّتَهَا مِنْ يَوْمِ الإْقْرَارِ ، لاَ مِنَ الْيَوْمِ الَّذِي أُسْنِدَ إِلَيْهِ الطَّلاَقُ .

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: لاَ يُقْبَلُ إِقْرَارُ الْمَرِيضِ بِأَنَّهُ أَبَانَ امْرَأَتَهُ فِي صِحَّتِهِ، وَيَقَعُ الطَّلاَقُ سَاعَةَ تَكَلَّمَ، وَتَرِثُهُ فِي الْعِدَّةِ وَبَعْدَهَا مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ .

ثَامِنًا - قَضَاءُ الْمَرِيضِ دُيُونَ بَعْضِ الْغُرَمَاءِ

30 - إِذَا قَضَى الْمَرِيضُ دُيُونَ بَعْضِ غُرَمَائِهِ فَإِنْ كَانَتِ التَّرِكَةُ تَفِي بِكُلِّ دُيُونِ الْمَرِيضِ، فَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى نَفَاذِ قَضَائِهِ هَذَا، وَلاَ حَقَّ لِبَقِيَّةِ الدَّائِنِينَ فِي الاِعْتِرَاضِ عَلَيْهِ،  لأِنَّهُ  لَمْ يُؤَثِّرْ بِهَذَا الْعَمَلِ عَلَى حَقِّ أَحَدٍ مِنْهُمْ، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الدُّيُونُ مُخْتَلِفَةً فِي الْقُوَّةِ أَوْ مُتَسَاوِيَةً فِيهَا .

أَمَّا إِذَا كَانَتِ التَّرِكَةُ لاَ تَفِي بِجَمِيعِ الدُّيُونِ، وَقَضَى الْمَرِيضُ بَعْضَ دَائِنِيهِ:

فَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: لاَ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ، وَلِبَقِيَّةِ الْغُرَمَاءِ أَنْ يُزَاحِمُوا مَنْ قَضَاهُمُ الْمَرِيضُ بِنِسْبَةِ دُيُونِهِمْ، كَمَا لَوْ أَوْصَى بِقَضَاءِ بَعْضِ الدُّيُونِ دُونَ بَعْضٍ، فَلاَ تَنْفُذُ وَصِيَّتُهُ، فَكَذَا إِذَا قَضَاهَا .

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ وَالْحَنَابِلَةُ: يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ لِمَنْ قَضَى مِنْ دَائِنِيهِ، وَلَيْسَ لأِحَدٍ  مِنَ الدَّائِنِينَ الْبَاقِينَ حَقُّ الاِعْتِرَاضِ عَلَيْهِ أَوْ مُشَارَكَةُ مَنْ قَبَضَ مِنَ الدَّائِنِينَ فِيمَا قَبَضَ، لأِنَّ  الْمَرِيضَ قَدْ أَدَّى وَاجِبًا عَلَيْهِ، كَمَا لَوِ اشْتَرَى شَيْئًا بِثَمَنِ مِثْلِهِ فَأَدَّى ثَمَنَهُ، أَوْ بَاعَ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ كَذَلِكَ وَسَلَّمَهُ، فَثَبَتَ أَنَّ إِيفَاءَ ثَمَنِ الْمَبِيعِ قَضَاءٌ لِبَعْضِ غُرَمَائِهِ، وَقَدْ صَحَّ عَقِيبَ الْبَيْعِ، فَكَذَلِكَ إِذَا  تَرَاخَى عَنْهُ، إِذْ لاَ أَثَرَ لِتَرَاخِيهِ  

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنْ كَانَتِ الدُّيُونُ مُخْتَلِفَةً فِي الْقُوَّةِ، وَقَضَى الْمَرِيضُ مِنْهَا الدَّيْنَ الْقَوِيَّ، وَهُوَ دَيْنُ الصِّحَّةِ، فَلاَ حَقَّ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ الضَّعِيفِ فِي الْمُعَارَضَةِ، لأِنَّ  حَقَّهُ مُؤَخَّرٌ، أَمَّا إِذَا قَضَى مِنْهَا الدَّيْنَ الضَّعِيفَ، وَهُوَ دَيْنُ الْمَرَضِ، فَإِنَّهُ يَثْبُتُ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ الْقَوِيِّ حَقُّ مُعَارَضَتِهِ، لِتَقَدُّمِ حَقِّهِ.

31 - أَمَّا إِذَا كَانَتِ الدُّيُونُ مُتَسَاوِيَةً فِي الْقُوَّةِ، بِأَنْ كَانَتْ كُلُّهَا دُيُونَ صِحَّةٍ، أَوْ كَانَتْ كُلُّهَا دُيُونَ مَرَضٍ، وَقَضَى الْمَرِيضُ بَعْضَ الْغُرَمَاءِ دُيُونَهُمْ، ثَبَتَ لِلْبَاقِينَ حَقُّ الاِعْتِرَاضِ عَلَى تَفْضِيلِهِ بَعْضَهُمْ عَلَى الْبَعْضِ الآْخَرِ، لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْجَمِيعِ بِمَالِهِ عَلَى السَّوَاءِ، وَيَكُونُ لَهُمْ أَنْ يُشَارِكُوهُمْ فِيمَا قَبَضُوهُ مِنَ الْمَرِيضِ، كُلٌّ بِنِسْبَةِ دَيْنِهِ، وَلاَ يَخْتَصُّ الآْخِذُ بِمَا أَخَذَ  حَتَّى وَلَوْ كَانَ الْمَأْخُوذُ مَهْرًا أَوْ أُجْرَةَ شَيْءٍ اسْتَوْفَى مَنْفَعَتَهُ، لأِنَّ  مَا حَصَلَ لِلْمَرِيضِ مِنْ مَنْفَعَةِ النِّكَاحِ وَسُكْنَى الدَّارِ لاَ يَحْتَمِلُ تَعَلُّقَ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِهِ، وَلاَ يَصْلُحُ لِقَضَاءِ حُقُوقِهِمْ، فَصَارَ وُجُودُ هَذَا الْعِوَضِ وَعَدَمُهُ فِي حَقِّهِمْ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ، فَكَانَ إِبْطَالاً لِحَقِّهِمْ، وَلَيْسَتْ لَهُ وِلاَيَةُ الإْبْطَالِ  .

وَاسْتَثْنَوْا مِنْ ذَلِكَ مَسْأَلَتَيْنِ:

الأْولَى: إِذَا أَدَّى بَدَلَ مَا اسْتَقْرَضَهُ فِي مَرَضِهِ.

وَالثَّانِيَةُ: إِذَا دَفَعَ ثَمَنَ مَا اشْتَرَاهُ فِي مَرَضِهِ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ  إِلاَّ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ ثُبُوتُ كُلٍّ مِنَ الْقَرْضِ وَالشِّرَاءِ بِالْبَيِّنَةِ .

وَهَذَا النَّوْعُ مِنَ الدُّيُونِ إِذَا قَضَاهُ الْمَرِيضُ فِي مَرَضِهِ، نَفَذَ قَضَاؤُهُ وَلَيْسَ لِبَقِيَّةِ الْغُرَمَاءِ أَنْ يُشَارِكُوهُ فِيهِ، لأِنَّ  الْمَرِيضَ بِقَضَاءِ دَيْنِ الْمُقْرِضِ وَالْبَائِعِ بِثَمَنِ الْمِثْلِ لَمْ يُبْطِلْ حَقَّ الْغُرَمَاءِ الْبَاقِينَ، لأِنَّ  حَقَّهُمْ تَعَلَّقَ بِمَالِيَّةِ التَّرِكَةِ لاَ بِأَعْبَائِهَا، وَهَذَا لاَ يُعَدُّ تَفْوِيتًا لِحَقِّهِمْ، إِذْ حَصَلَ لَهُ مِثْلُ مَا دَفَعَ، فَكَانَ نَقْلاً لِحَقِّهِمْ مِمَّنْ لَهُ وِلاَيَةُ النَّقْلِ .

___________________________________________________________________

 

مجلة الأحكام العدلية

مادة (395) البيع في مرض الموت بأقل من ثمن

إذا باع شخص في مرض موته ماله بأقل من ثمن المثل ثم مات مديوناً وتركته مستغرقة كان لأصحاب الديون أن يكلفوا المشتري بإبلاغ قيمة ما اشتراه إلى ثمن المثل وإكماله وأدائه للتركة فإن لم يفعل فسخوا البيع.

مادة (393) البيع في مرض الموت لأحد الورثة

إذا باع شخص في مرض موته شيئاً من ماله لأحد ورثته يعتبر ذلك موقوفاً على إجازة سائر الورثة فإن أجازوا بعد موت المريض ينفذ البيع وان لم يجيزوا لا ينفذ.

مادة (394) البيع في مرض الموت لأجنبي

إذا باع المريض في مرض موته شيئاً لأجنبي بثمن المثل صح بيعه وإن باعه بدون ثمن المثل وسلم المبيع كان بيع محاباة يعتبر من ثلث ماله فإن كان الثلث وافياً بها صح وإن كان الثلث لا يفي بها لزم المشتري إكمال ما نقص من ثمن المثل وإعطاؤه للورثة فإن أكمل لزم البيع وإلا كان للورثة فسخه. مثلاً لو كان شخص لا يملك إلا داراً تساوي الفاً وخمسمائة قرش فباع الدار المذكورة في مرض موته لأجنبي غير وارث له بألف قرش وسلمها له ثم مات فبما أن ثلث ماله الذي يفي بما حابى به وهو خمسمائة قرش كان هذا البيع صحيحاً معتبراً وليس للورثة فسخه حينئذ وإذا كان المريض قد باع هذه الدار بخمسمائة قرش وسلمها للمشتري فبما إن ثلث ماله الذي هو خمسمائة قرش يعدل نصف ما حابى به وهو ألف قرش فحينئذ للورثة أن يطلبوا من المشتري نصف ما حابى به مورثهم وهو خمسمائة قرش فإن أداها للتركة لم يكن للورثة فسخ البيع وان لم يؤدها كان للورثة الفسخ وإسترداد الدار.

مادة (1595) مرض الموت

مرض الموت هو المرض الذي يخاف فيه الموت في الأكثر الذي يعجز المريض عن رؤية مصالحه الخارجة عن داره إن كان من الذكور. ويعجزه عن رؤية المصالح الداخلة في داره إن كان من الإناث، ويموت على ذلك الحال قبل مرور سنة يكون في حكم الصحيح وتكون تصرفاته كتصرفات الصحيح مالم يشتد مرضه ويتغير حاله ولكن لو اشتد مرضه وتغير حاله ومات يعد حاله اعتباراً من وقت التغير إلى الوفاة مرض موت.

مادة (1596) إقرار من لم يكن له وارث

إقرار من لم يكن له وارث أو لم يكن له وارث سوى زوجته أو المرأة التي لم يكن لها وارث سوى زوجها في مرض الموت يعتبر إقراره إنه نوع وصية فإذا نفى الملك من لا وارث له في مرض موته عن جمعي أمواله وأقر بها لغيره فيصح وليس لأمين بيت المال أن يتعرض لتركته بعد وفاته كذلك لو نفى الملك عن جميع أمواله في مرض موته من لا وارث له سوى زوجته وأقر به لها أو لو نفت الملك من لا وارث لها سوى زوجها عن جميع أموالها وأقرت بها له يصح وليس لأمين بيت المال أن يتعرض لتركة أحدهما بعد الوفاة.

مادة (1597) الإقرار للورثة في مرض الموت

لو اقر أحد حال مرضه بمال لأحد ورثته وأفاق بعد إقراره من ذلك المرض يكون إقراره هذا معتبرا.

مادة (1598) الإقرار بالدين لأحد الورثة

إذا اقر أحد في مرض موته بعين أو دين لأحد ورثته ثم مات يكون إقراره موقوفا على إجازة باقي الورثة فإن أجازوه كان معتبرا وإلا فلا، ولكن إذا كان قد صدقه باقي الورثة في حال حياة المقر فليس لهم الرجوع عن تصديقهم ويكون ذلك الإقرار معتبرا وأيضاً الإقرار للوارث بالأمانة صحيح على كل حال وهو أنه إذا أقر أحد في مرض موته بكونه قد قبض أمانته التي هي عند وارثه أو أقر بكونه قد استهلك أمانة وارثة المعلومة التي أودعها عنده يصح إقراره. مثلاً لو أقر في مرض موته بقوله أخذت وقبضت أمانتي التي أودعتها عند ابني فلان يصح إقراره ويكون معتبراً. وكذا لو قال إن ابني فلاناً أخذ طلبي الذي هو على فلان بالوكالة وسلمه إلي يكون معتبراً. وكذلك لو قال قد بعت خاتم الألماس الذي كان وديعة أو عارية عندي لابني فلان وقيمته خمسة الآف قرش وصرفت ثمنه في أموري واستهلكته يكون إقراره معتبراً ويلزم تضمين قيمة ذلك الخاتم من التركة.

مادة (1599) الوارث

المراد من الوارث في هذا المبحث هو الذي كان وارثا للمريض في وقت وفاته وأما الوارثة الحادثة الحاصلة بالسبب الحادث في وقت وفاة المقر ولم تكن قبل فلا تكون مانعة لصحة الإقرار فعليه كما أنه إذا اقر أحد بمال لامرأة أجنبية في مرض موته ثم تزوج بها ومات فيكون إقراره نافذاً وأما الإقرار لمن كانت وراثته قديمة ولم تكن حاصلة بسبب حادث فلا يكون نافذا . مثلاً لو أقر من له ابن بمال لأحد إخوته من أبويه ثم مات بعد موت ابنه لا يكون إقراره نافذاً لما أن أخاه يرثه من حيث كونه أخا له.

مادة (1600) الإقرار في مرض الموت في حكم الإقرار في المرض

إقرار المريض حال كونه في مرض موته بالإسناد إلى زمان الصحة في حكم الإقرار في زمان المرض. فلو أقر أحد حال كونه في مرض موته بأنه قد استوفى طلبه الذي على وارثه في زمان صحته لا ينفذ إقراره مالم يجزه باقي الورثة. كذلك لو أقر أحد بأنه كان قد وهب ماله الفلاني الذي هو من ورثته وكان سلمه إياه لا ينفذ إقراره ما لم يثبت ببينة أو يجزه باقي الورثة.

مادة (1601) إقرار المريض بعين أو دين لأجنبي

إقرار المريض بعين أو دين لأجنبي إي لمن لم يكن وارثه في مرض موته صحيح وإن أحاط بجميع أموبذمته فيإن ظهر كذب المقر بكونه قد ملك المقر به بسبب في وقت الإقرار أو انتقل إليه إرثاً أو أتهبه أو اشتراه في ذلك الوقت ينظر على هذا الحال إلى أن الإقرار هل كان في أثناء مذاكرة الوصية أم لا فإن كان ليس في أثناء مذاكرتها يحمل على معنى الوصية وعلى كلتا الحالتين لا يعتبر إقراره إلا من ثلث ماله.

مادة (1602) ديون الصحة

ديون الصحة مقدمة على ديون المرض. يعني تقدم الديون التي تعلقت بذمة من كانت تركته غريمة في حال صحته على الديون التي تعلقت بذمته في مرض موته بإقراره. وهو أنه تستوفي ديون الصحة من تركة المريض ثم تؤدي ديون المرض إن بقيت فضلة ولكن الديون التي تعلقت بذمة المريض بأسباب معروفة أي أسباب مشاهدة ومعلومة عند الناس غير الإقرار كالشراء والاستقراض وإتلاف مال فهي في حكم ديون الصحة وإذا كان المقرُّ به شيئاً من الأعيان فحكمه على هذا المنوال أيضاً يعني إذا أقر أحد لأجنبي بأي شيء كان في مرض موته فلا يستحقه المقر له ما لم تؤد ديون الصحة أو الديون التي هي في حكم ديون الصحة التي لزمت بأسباب معروفة كما ذكر آنفا.

مادة (1603) استيفاء الدين الذي في ذمة الأجنبي

إذا اقر أحد في مرض موته بكونه قد استوفى طلبه الذي في ذمة أجنبي فينظر إن كان هذا الدين قد تعلق بذمة الأجنبي حال المرض يصح إقراره ولكن لا ينفذ في حق غرماء الصحة وإن كان تعلق في حال الصحة فيصح على كل حال يعني سواء كانت عليه ديون صحة أو لم تكن. مثلاً لو أقر المريض حال مرضه بأنه قبض ثمن المال الذي باعه في ذلك الحال يصح إقراره ولكن إن كان له غرماء صحة فلهم أن لا يعتبروا هذا الإقرار. وإن باع مالاً في حال صحته واقر بقبض ثمنه في مرض موته يصح على كل حال. وان كان له غرماء صحة فليس لهم أن يقولوا لا نعتبر هذا الإقرار.

مادة (1604) أداء الدين

ليس لأحد أن يؤدي دين أحد في مرض موته ويبطل حقوق باقيهم ولكن له أن يؤدي ثمن المال الذي اشتراه أو القرض الذي استقرضه حال كونه مريضاً.

مادة (1605) الكفالة بالمال

الكفالة بالمال في هذا المبحث هي في حكم الدين الأصلي بناء عليه لو تكفل أحد دين وارثه أو طلبه في مرض موته لا يكون نافذاً وإذا كفل للأجنبي فيعتبر من ثلث ماله وأما إذا أقر في مرض موته بكونه قد كفل في حال صحته فيعتبر إقراره من مجموع ماله ولكن تقدم ديون الصحة إن وجدت.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 كتاب مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان فى المعاملات الشرعية على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان لمؤلفه المغفورله (محمد قدرى باشا) (الطبعة الثانية)بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصرالمحمية سنة1308هجرية  1891 افرنجيه

(مادة 940)

لا يصح إبراء المريض في مرض موته وارثه من الدين الذي له عليه أو من بعضه سواء كان على المريض دين أم لم يكن.

(مادة 941)

إذا أبرأ المريض في مرض موته غير وارثه من الدين الذي له عليه يعتبر ذلك من ثلث تركته بعد وفاء ما يكون عليه من الدين وإن كانت التركة مستغرقة بالدين فلا يعتبر ذلك الإبراء وللغرماء مطالبة المديون بما عليه من الدين.