مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء السادس، الصفحة : 360
مذكرة المشروع التمهيدي :
1- يلاحظ أولاً أن اللجنة جعلت ترتیب صاحب حق الانتفاع بين الشفعاء في المكان الثاني، فيأتي بعد مالك الرقبة . وتقول المذكرة الإيضاحية في ذلك إن كلا من مالك الرقبة وصاحب حق الانتفاع في مركز معادل لمركز الآخر، والغرض من إعطاء كل منهما، الحق في الأخذ بالشفعة هو جمع ما تفرق من حق الملكية .
فإذا جاء مالك الرقبة بين الشفعاء في المكان الأول، وجب أن يتلوه صاحب حق الانتفاع فيأتي في المكان الثاني.
2 - ويلاحظ ثانياً أن المشروع قد زاد على الشفاء الذين أقرتهم اللجنة المحتكر ومالك الرقبة، فكل منهما يأخذ بالشفعة من الآخر، جمعاً لما تفرق من حق الملكية كما في الرقبة وحق الانتفاع، وابتغاء لوسيلة جديدة ينتهي بها حق الحكر، وهو حق غير مرغوب في بقائه .
3- ويلاحظ أخيراً أن المشروع رجع بالجوار إلى ما هو عليه الآن في القانون القائم، وقد تقدم ذكر ذلك.
المشروع في لجنة المراجعة
تليت المادة 1383:
فاقترح حذف الفقرة ( هـ ) جميعها أخذاً بما يراه بعض الفقهاء الشرعيين من أن الجوار ليس سبباً من أسباب الأخذ بالشفعة، كما اقترح أن يذكر في المحضر عدم انطباق حكم الفقرة (د) على الوقف.
فوافقت اللجنة على كل ذلك، وأصبح نص المادة النهائي ما يأتي :
يثبت الحق في الشفعة :
(أ) لمالك الرقبة إذا بيع كل حق الانتفاع الملابس لها أو بعضه .
(ب) للشريك فى الشيوع إذا بيع شيء من العقار الشائع إلى أجنبى .
(ج) لصاحب حق الانتفاع إذا بيعت كل الرقبة الملابسة لهذا الحق أو بعضها.
(د) لمالك الرقبة فى الحكر إذا بيع حق الحكر، وللمستحكر إذا بيعت الرقبة.
وأصبح رقم المادة 1008 في المشروع النهائي .
المشروع في مجلس النواب
تقرير لجنة الشئون التشريعية :
رأت اللجنة أن يكون الجار في الأراضي الزراعية شفيعاً إذا كان لأرضه أو عليها حق ارتفاق بالنسبة إلى الأرض المشفوع فيها وكانت قيمة الأرض المشفوع بها لا تقل عن نصف ثمن الأرض المشفوع فيها، وأضافت إلى المادة فقرة (هـ) بالنص الآتي :
(هـ) للجار المالك في الأراضي الزراعية إذا كانت أرضه لها أو عليها بالنسبة للأرض المشفوع فيها حق ارتفاق وكانت قيمة أرضه تساوي على الأقل نصف ثمن الأرض المشفوع فيها.
وأصبح رقمها 1005.
مناقشات المجلس :
محضر جلسة 15 مايو سنة 1946
تلا المقرر المادة 1005.
حضرة النائب المحترم محمد توفيق خشبه : الشفعة حق من الحقوق التي قررتها الشريعة الإسلامية الغراء للشريك و للجار ولغيرهما، لحكمة معقولة واضحة لا تحتاج إلى تفسير، أما حكمتها بالنسبة للجار – وهي النقطة التي سيتناولها بحثي - فتتضح من أنه قد يلحقه ضرر من جار سيء المعاشرة غليظ الطبع . فالشفعة تمكنه من أن يدفع ضرراً لا يستطيع دفعه بغيرها، ولذلك وجب تقييد حرية التعامل في هذه الناحية، ولقد نقل القانون المدني المعمول به الآن أحكام الشفعة عن الشريعة الإسلامية، ولا أفهم الحكمة التي دعت إلى أن تتقدم الحكومة بالمشروع الحالى خالية من حق الشفعة بالنسبة للجار، وما الذي جعلها تعدل عن الأخذ بما هو وارد في القانون المدني القائم ؟
نحن بلد شرقي له عاداته وتقاليده، وكنت أظن أن الحكومة ستعمل في مشروعها الجديد على رفع القيود الواردة في القانون الحالي فتوسع نطاق حق الشفعة لا أن تضيقه، حتى يصبح من حق الجار أن يشتري العقار بطريق الشفعة إما دفعاً لضرر كما قلت، وإما لتمكين الجار من شراء الأراضي المتداخلة في أرضه، فيتحقق ما نصبو إليه من استواء الأراضي وحسن تقسيمها، وفضلاً عن ذلك فليس ثمة ضرر بالمشتري أو بالبائع، فالمشتري سيأخذ مقابل ما دفعه وهو في غنى عما اشتراه قبل شرائه، والبائع سيقبض الثمن، فلا ضرر إذن يلحق بأحد، بل هناك مصلحة للجار، وقد قررت الشريعة والقانون والعرف شيئاً من التقدير والاحترام لحقه، حتى أصبحت الشفعة وكأنها حق من حقوقه، لذلك أرجو أن توافقوا على إبقاء المواد الخاصة بالشفعة كما هي في القانون المدني المعمول به الآن.
حضرة النائب المحترم أحمد محمد بریری : سمعت زميلي الأستاذ توفيق خشبه في الأسبوع الماضي يدافع دفاعاً حاراً عن حرية التعاقد، ويكرر العبارة الذائعة «العقد شريعة المتعاقدين » والآن لا أدري ما هي الأسباب التي حملته الليلة على أن ينادي بخنق تلك الحرية.
لقد احتج الأستاذ توفيق خشبه أول ما احتج بقواعد الشريعة الإسلامية التي استقى منها الشارع المصري أحكام الشفعة، فقال إنها تقرر حق الشفعة بالنسبة للجار وغيره، وهذا الإجمال في التعبير يخفي حقيقة الأحكام التي قررتها الشريعة في هذا الصدد.
فالواقع أن حق الشفعة بالنسبة للجار في الشريعة من المسائل الخلافية التي فيها رأيان، رأي راجح ورأي مرجوح، فأما الرأى المرجوح فهو رأي الإمام أبي حنيفة الذي يرى وحده دون الأئمة الثلاثة جواز الشفعة للجار، بل لعلى لا أعدو الحقيقة إذا قلت إنه لا يكتفي بالجوار وحده بل يشترط وجود حق الارتفاق، أما باقي الأئمة فهم لا يجيزون هذا النوع من الشفعة، وحكمة ذلك عندهم عدم وجود ضرورة أو مصلحة في هذا، بل رأوا أن المصلحة في أن يكون كل من المالكين حراً في أن يبيع لمن يشاء، لجار أو لغيره . هذا فيما يتعلق بما زعمه الأستاذ توفيق خشبه من أن رأى الإمام أبي حنيفة وحده هو الذي يمثل الشريعة الإسلامية .
حضرة النائب المحترم محمد حامد محسب : إن مذهب الإمام أبي حنيفة هو المتبع في مصر.
حضرة النائب المحترم أحمد محمد بریری : نعم كانت مصر فيما مضى مقيدة مذهب الإمام أبي حنيفة، لكننا اليوم لسنا مقيدين بهذا المذهب أو غيره، بل تجاوزنا المذاهب الأربعة واستعنا بآراء الرجال الزيدية وغيرهم من رجال الشيعة في بحث قوانين المواريث والوصية وغيرها . فنحن إذن لا نعتق في تشريعنا مذهباً خاصاً فالشريعة في مجموعها تحرم حق الشفعة بالنسبة للجار، وهذا ما قاله الإمام الشافعي صراحة، وإذا كان لا يفتي ومالك في المدينة، فإنه كذلك لا يفتي والشافعي في مصر .
هذا فيما يتعلق بالشريعة، أما فيما يتعلق بالموضوع في حد ذاته، فلست أدري ما هي العلة التي تحملنا على أن نبيح ما يراه زميلي المحترم، ولكي أزيد هذه المسألة وضوحاً أضرب لكم مثلاً في غاية البساطة : هبوا أن الأستاذ توفيق خشبه يملك في أسيوط 999 فداناً وأملك أنا بجوار أرضه فداناً واحداً، لكني رأيت أن في بلاد الله مراداً ومنتجعاً، وأردت أن أرحل عن أسيوط إلى القاهرة لكن لي أخا أو ابن عم أو قريباً يملك فداناً واحداً كذلك، ولسوء حظه لم يكن فدانه ملاصقة لفداني، فلما عزمت على أن أبيع فداني له، جاء الأستاذ توفيق خشبه وقال إن فدان ملاصق لأرضي وأريد أن أمتلكه حتى يصبح عندي ألف فدان « أى رقم دائري» . فالأستاذ خشبة يريد أن يجبرني محتجين بالشفعة - على أن يأخذ مني هذا الفدان دون أخي أو قريبى . وليس له من حجة إلا ما ورد في كتاب الله : « إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب».
واعتقد الآن أني نقضت ما زعم الأستاذ خشبه من أن الشريعة الإسلامية تقضى به، ولم يبق إلا أن أتكلم عن حرية التعاقد، فأقول إنه ليست هناك حكمة مطلقاً في أن يباح حق الشفعة ما دام لا يوجد بين المالكين المتجاورين حق ارتفاق وليكن كل منهما حراً في أن يبيع لمن يشاء، فأرجو أن توافقوا على المادة كما عدلتها اللجنة .
حضرة النائب المحترم محمد شوكت التوني : أضيف إلى ما قاله زميلي أن أكثر الذين تناولوا مواد الشفعة من رجال القانون يعتبرون أنها حق مكروه كالطلاق،. لأن فيه نوعا من التعصب، أما سوء الجوار الذي يقول به زميلي الأستاذ خشبة فقد انتهى أمره لأن الناس كانوا قلة في الماضي، وكان يمكن أن يؤذي الجار جاره . أما في الوقت الحاضر فقد زاد العمران وزاد عدد السكان، وأصبح الإنسان لا يعرف جاره بل من يسكن معه في مسكن واحد، فالمقصود إذن بهذه المسألة هو إثارة العواطف و استدرار الاستحسان .
أما من الناحية العملية، فأظن أن معالي الدكتور كامل مرسي باشا، وهو صاحب مؤلف في الشفعة يعرف تماماً ما يواجه القضاة والمحامين عند تناول مسائل الشفعة والجوار، بل إن الشراح لينصحون بأن تؤخذ الشفعة بكل حذر وفي أضيق الحدود، لأن فيها تقييداً على حرية التعامل ولذلك فإن الحكومة، عند ما رأت أن تعدل القانون القائم، كان من رأيها أن ترفع مسألة الجوار فقط، وأن تبقى الشفعة فيما يتعلق بالمسائل التي قد يقع فيها خلاف أو أذى، كحالة الشريك على الشيوع أو مالك الرقبة، لكن اللجنة رأت أن تتوسط في الأمر، فجعلت الشفعة للجار الذي يكون لأرضه أو عليها حق ارتفاق، أي الذي يصح له أن يقول إنه قد يضار إذا جاء شخص آخر وامتلك أرضاً بجواره، لكننا نرى من جهة أخرى أن الإنسان محاط في ملكه بأكثر من شخص واحد. ومن ذلك ترون أن هذه في الواقع مسألة تحكمية ولا أساس لها مطلقاً فأرجو حفظاً على حرية التعامل والتعاقد أن توافقوا على رفع كل القيود التي تقع على حرية الأفراد في مسائل البيع والشراء والملكية بوجه عام، وأن تقروا ما ذهبت إليه اللجنة من تعديل.
حضرة النائب المحترم محمود عبد القادر : إني أؤيد زميلى المحترم الأستاذ توفيق خشبة فيما ذهب إليه، ولكنني أرى أن المذاهب الشرعية يجب ألا تكون حجة في هذا التشريع، فما أصحاب هذه المذاهب إلا بشر قد اعتمدوا على التفكير والترجيح مثلهم في ذلك، مثل واضعى التشريعات المختلفة.
والشفعة أمر خطير يجب أن نأخذ فيه بالمنطق السليم، فإذا كان شخص يملك أرضاً ويجاوره رجل طيب تربطه به صلة مودة قامت على أساسها المعاملات بينهما، وأراد الجار أن يبيع أرضه، وخاف الآخر أن يشتريها رجل لا يؤمن جواره، أو يكون له من جاهه وماله ما يخشى معه سوء الجوار، فدفعا لما يتوقع من ضرر آثر الجار أن يضم هذه الأرض إلى ملكه، فكيف يحرم مثل هذا الرجل من حق الشفعة ؟ . كما أنه ليست هناك غضاضة على طالب الشراء، الذي يستطيع بماله أن يشترى أرضاً أخرى ولن يضار البائع إذ سيقبض الثمن على أي الحالين.
لا يوجد إذن ضرر من تقرير الشفعة للجار، بل إن فيها منافع كثيرة بينها حضرات الزملاء ونوهت عنها ولذلك أطلب أن يظل حق الشفعة كما هو وارد في القانون القائم.
حضرة النائب المحترم على المنزلاوى بك : أؤيد حضرة الزميل المحترم الأستاذ توفيق خشبه فيما ذهب إليه، وأؤيده عن عقيدة . ذلك، لأن حق الشفعة كان معروفاً في مصر من زمن بعيد، وأريد تقييده فصدر قانون بذلك سنة 1901 اشترط لثبوت حق الشفعة الجوار من حدين، ومنعها في البيع للأخ أو الأب أو الابن أو القريب من الطبقة الثانية أو الزوجين، وبذلك امتنعت الشفعة عن الجار من حد واحد، وعمن يملك فدانا ويشفع في مائة، وكان هذا القانون متمشياً مع العصر الذي صدر فيه.
أما القول اليوم بمنع الشفعة إطلاقاً - على أساس القول بحرية التعاقد - فكلام بعيد عن الحقيقة، إذ ليس هناك ما يقيد حرية التعاقد، وللمالك أن يبيع أرضه لمن يشاء، ولكن إذا جاورت أرضه من حدين أرضاً تزيد على نصفها وخشي مالكها ضرراً من المشتري، فمن الأولى أن يكون له الحق في الشراء.
أريد أن أسمع من الحكومة التعليل السليم لحرمان الناس من هذا الحق الذي ألفوه من مئات السنين، والذي عدل مسايرة للظروف، أما المنع المطلق .
حضرة النائب المحترم أحمد مرسی بدر بك ( المقرر ) : ليس المنع مطلقاً، ولكن اللجنة وسعت حق الشفعة للجار .
حضرة النائب المحترم على المنزلاوى بك : ما هو الصالح العام أو المبرر الذي حدا باللجنة إلى أن تحرم الجار من حدين، وليس له ارتفاق، من حق الشفعة ؟ . إذا أراد حضرة المقرر أن ينال موافقة النواب، فليبين المصلحة في هذا التعديل، إلا أن يتكلم لمجرد الكلام.
حضرة النائب المحترم عبد المجيد الشرقاوي : الواقع أن حق الشفعة لا يوجد في أي قانون في العالم إلا في القانون السوداني، وحتى هذا القانون السوداني قد عدل منذ أمد بعيد أحكام الشفعة على النحو الذي تقدمنا به الآن متأخرين، وذلك لأن الدول جميعاً رأت أن حق الشفعة قيد لحرية التعامل لا موجب له، وقد انفردت الشريعة الإسلامية بتقرير حق الشفعة، ومع ذلك اختلف أئمتها في حكمها.
ولو أن المسألة سوء الجوار قيمة على النحو الذي يستوجب حق الشفعة دون مبرر إلا الجوار، لبادرت الدول بإدخال هذا الحق في تشريعاتها.
فمن ذلك ترون حضراتكم أن التوسع في التضييق والحد من حرية التعامل أصبح لا يوافق روح العصر.
المقرر : إن حق الشفعة - ولو أنه مستمد من الشريعة الإسلامية - إلا أنه جاء في أقوال الفقهاء أنه حق مكروه، وأجيز الالتجاء إلى الحيلة لإسقاطه، و لما نقل هذا الحق إلى القانون المدني بمقتضى دیكریتو سنة 1901، وضعت له حدود تقيد استعماله وانتشاره، ومع ذلك فقد أثبت استعماله طوال هذه المدة - في القضاء الوطني والمختلط - أنه من الحقوق التي أسيء استعمالها، والتي استغلت كثيراً للتجارة والمضاربة، وكانت سبباً في مشاكل وقضايا عديدة، ومثار نزاع لا نهاية له لهذا رأينا الأحكام في القضاءين الوطني والمختلط تلجأ إلى الحيلة لرفض طلبات الشفعة.
واستقر القضاء على أنه إذا امتنع الجوار، أو فصل بين الملكين أي فاصل - مهما كان صغيراً - أو إذا اشترك في الفاصل أي شريك ثالث، اعتبر هذا الفاصل كافياً لإسقاط حق الشفعة لهذا رأى المشرع التضييق في هذا الحق، فذف أضعف الأسباب التي تبنى عليها الشفعة، وقدم المشروع إلى اللجنة خالية من النص على الجوار أصلاً، واقتصر على تقرير الشفعة للشركاء ومالكي الرقبة والانتفاع وحق الحكر في العين المحكرة إذا بيع الحق المقابل له ذلك لأنه في هذه الحالة، يكون هناك اتصال بين الملكين يتعذر فصله بغير ضرر محقق يتحتم معه إعطاء حق الشفعة، ولكن اللجنة رأت - رغم تقديرها لصعوبات العملية - ورغم أن مصلحة الجار ضعيفة أن هناك حالات تشبه حالة الشريك بالمشاع كحالة الارتفاق فقررت اللجنة .
حضرة النائب المحترم محمد توفيق خشبه : كان رأي اللجنة الفرعية بالإجماع، وأقرتها اللجنة العامة بأغلبية الآراء.
حضرة النائب المحترم أحمد مرسی بدر بك : لم يكن القرار بالإجماع .
أقول : رأت اللجنة أنه لا يجوز أن يحرم الشريك في حق الارتفاق - الذي يماثل الالتصاق - من حق الشفعة، فقررت منحه هذا الحق لا باعتباره جاراً، فقد قضت المدنية والنظام الديموقراطي والاطمئنان إلى القانون على نظرية سوء الجوار - ولكن لخشية الأضرار التي تنجم عن النزاع على حق الارتفاق، فقد لا يكون ري الأرض میسوراً إلا عن طريق جارتها، فيتعنت الجار الجديد فيضار المالك الأصلي.
وأعتقد أن هذه خطوة في سبيل التقدم، وسوف نصل في المستقبل إلى إلغاء حق الشفعة، فإن النظم كلما ارتقت، وعرف المرء حقوقه الاجتماعية، وواجبه نحو جاره، وكلما قوى هذا الوعي الاجتماعي في الإنسان انتفت الحكمة من تقرير حق الشفعة، لذلك أرجو أن تقروا التعديل الذي أدخلته اللجنة.
حضرة النائب المحترم محمد فكري أباظة بك : الذي أذكره من عهد الدراسة عن حق الشفعة ليس هو التعبير الذي جرى على لسان حضرة المقرر من أنه حق مكروه، فقد درسنا أول مادرسنا أن حق الشفعة حق ضعيف، ولذلك عمد المشرع إلى وضع العقبات في سبيل استعماله، كالإنذار وجعله في مدة معينة قصيرة وكإظهار الرغبة ورفع الدعوى في مدة معينة أيضاً، وجاءت أحكام المحاكم وآراء الفقهاء مختلفة كل الاختلاف في هذا الموضوع، مما يدل على أن روح الشارع إنما هي أن يتحدى حق الشفعة لأنه في أساسه حق ضعيف فيعمل المشرع على إضعافه والقضاء عليه تدرجاً.
أما الحكمة التي تساءل عنها زميلنا المنزلاوى بك فإنها تؤخذ من أن الشفعة كمبدأ جاءت عن مذهب أبي حنيفة، وكان هو المذهب الساري في البلاد طبقاً للفرمانات العثمانية، فاضطر الشارع إلى اتباع هذا المذهب، ولكنه قاومه من جهة أخرى بهذه الإجراءات المعقدة المضنية لمن يشتغل بالمحاماة أو بالقضاء، وأظن أن الباب المعقد في علم الشريعة كما يدرس في كلية الحقوق هو باب الشفعة، ونحن نرى كيف جاءت أحكام القضاء في هذا الموضوع متناقضة، لأن النظريات العلمية الحديثة والتطورات الاجتماعية الجديدة قد اتجهت اتجاهاً آخر، وقد أخذ التشريع المصري ذاته يتحرر من التقيد بمذهب أبي حنيفة لأنه وجد في مذاهب الأئمة الآخرين اتجاهاً يلائم روح العصر الحديث، فهو بذلك لم يخرج عن أحكام الشريعة، بل ظل في نطاقها، وانتهز الفرص ليتحرر ويحرر.
فرض الأستاذ خشبة أن هناك جاراً حسن المعشر طيباً مجاملاً ظريفاً، وكانت علاقته بجاره حسنة، وأنه يريد بيع أرضه لرجل ليست له هذه الصفات، الواقع أن الجار القوى لا يشترى إلا بأبخس الأثمان، وهذا هو الذي يلجئ الجار الضعيف تحت سيف التهديد بحق الشفعة من الجار القوى إلى الاحتيال على القانون لرفع الثمن أو ما إلى ذلك، ومن ثم يأتي الجار القوى - الذي كرث بفقد الجار الظريف ويطالب بحق الشفعة فتنشأ المنازعة وترفع القضايا ! - فلماذا لجأ البائع إلى مشتر آخر ؟ الذي أفهمه أنه اضطر إلى ذلك لأن الجار القوى لا يشترى إلا بخس الثمن ولذلك يريد البائع أن يتحرر من هذا التحكم ويبيع للغير . نحن الآن أمام مشكلة الملكيات الكبيرة ونريد أن نقضي عليها قضاء مبرماً لأن عهد العبودية والاستعباد الأرضي يجب أن يزول، ولأننا نعانى كل المعاناة من هذا التعسف وتجمع الأطيان في يد واحدة . فمن واجب المشرع أن ينتهز كل فرصة ليحد من اندلاع الملكيات الكبيرة وطغيانها على الملكيات الصغيرة، ففكري أباظه الفقير إذا أراد أن يبيع أرضه وكان جاره خشبه بك الغني الذي يملك مئات الأفدنة فإنه لا يشتري منه الفدان الذي يساوي ثلثمائة جنيه إلا بمائة وعشرين جنيهاً فإذا رفضت بيعها هددني بحق الشفعة وجردني من أرضى القليلة وأضافها إلى ملكيته الكبيرة، وهكذا تندلع الملكيات الكبيرة وتجرف في تيارها الملكيات الصغيرة.
يقولون حرية التصرف، لماذا هذه الحرية ؟ للجار فقط ؟ ! كل الذين درسوا الشريعة الإسلامية يعلمون أن حق الشفعة هو حق ضعيف، وكما سمعتم من زميلنا الأستاذ البريرى أن المذاهب الأخرى تجاری روح العصر ولا تقول بالشفعة . ومن دواعي فخري أنني شافعى المذهب، فإذا وجدنا في مذاهب الأئمة مالك وأحمد ابن حنبل, المتشدد، مثل هذه السعة التي تمنع الشفعة وتحد من هذا الاستعمار الأرضي فلماذا لا نأخذ بها، وبذلك لا نظل فقط في نطاق الشريعة الإسلامية، بل نوفق بين مبادئها و بين روح العصر الحديث . من هذا تبدو الحكمة التي يسأل عنها السائلون، ولهذا أرى أن تبقى المادة كما عدلتها اللجنة.
حضرة النائب المحترم سید جلال : الواقع أني أعارض الأستاذ توفيق خشبة لأننا في زمن نريد أن نقضي فيه على الملكيات الكبيرة، وأن نفسح للصغار سبيل العيش.
كل ما أريد أن أقوله هو أني أؤيد زميلى فكري أباظه بك وأرجو أن تبقى المادة كما عدلتها اللجنة.
حضرة النائب المحترم محمد حامد محسب : سمعتم الأستاذ فكري أباظه بك بلباقته المعهودة يقلب الوضع فيجعل الأمر بين الرأسمالية والبلشفية.
الواقع أن البائع الذي يريد أن يبيع أرضه يجد أمامه المشتري الملىء الذي يدفع الثمن، كما يجد أمامه الشفيع الذي يدفع الثمن والمصروفات أيضاً، ويعرض عرضاً حقيقياً ويودع المبلغ خزانة الحكومة، فأي ضرر في هذا على البائع ؟
لقد تساءل زميلنا على المنزلاوى بك عن الحكمة في قلب الأوضاع التي تواضعنا عليها من أجيال بعيدة وهي أن للجار حق الشفعة، فرد عليه زميلنا الأستاذ الشرقاوي بأنها التقدم بالتشريع الحديث ؟ وقال لنا إن حق الشفعة قد ألغي في السودان، ولم يقل لنا ماذا في سوريا والعراق والبلاد الأخرى التي تأخذ بالتشريع الإسلامي . قالوا إنها غير معروفة في فرنسا ولكن فرنسا ليس لها شريعة إسلامية، فكيف نقارنها بمصر وهي البلد الإسلامي الذي تواضع على حق الشفعة، وهي أيضاً البلد الزراعي الذي تتكون ثلاثة أرباع رؤوس أمواله من أراضي الزراعة، وقالوا أيضاً لن العصر الحديث أصبح لا يعبأ بجار السوء أو بالجار الطيب، وقد يجوز هذا على أهل المدن، أما نحن في الأرياف، فلا زلنا نأخذ بتقاليدنا فنعرف جيراننا ونجا ملهم في الهناء وفي العزاء . الواقع أنني لا أرى حكمة استسيغها لإلغاء هذا الحق مع ملاحظة أن حق الشفعة محدود و مضيق إلى أقصى حدود التضييق، إني لم أسمع رداً مقنعاً يبرر إلغاء هذا الحق.
حضرة صاحب المعالي وزير العدل : في الواقع إنه بالنسبة للبلاد التي لا تطبق الشريعة الإسلامية، لا توجد الشفعة إلا في مصر، أما في البلاد الأخرى التي تطبق الشريعة الإسلامية فإنها قيدت هذا الحق كما هو الحال في تونس والجزائر، وفي العراق الذي تطبق فيه أحكام ( المجلة ) .
أما في السودان فقد استبعدت الشفعة إلا للجار الذي له حق الارتفاق لكی يخلص أرضه من هذا العبء.
والشفعة في الشريعة الإسلامية مختلف فيها، فأبو حنيفة قال بها، أما مالك وأحمد والشافعي وأهل المدينة فيقولون بعدم جواز شفعة الجار بالنسبة للشريك ومع ذلك فأبو حنيفة الذي يجيز الشفعة يجيز استعمال الحيلة للتخلص من هذا الحق.
وحكمة مشروعية الشفعة اتصال ملك الشفيع بالشيء المبيع، فيجب لدفع ضرر المشتري عن الشفيع لسبب سوء المعاشرة والمعاملة من حيث « إعلاء الجدار، وإيقاد النار، ومنع ضوء النهار، وإثارة الغبار، وإيقاف الدواب والصغار، لا سيما إذا كان المشتري يضاده في الأخلاق والعادات ».
فهل هذه الأسباب توجد الآن ؟ أضيف إلى ذلك أن الشفعة لا تستعمل إلا في أوقات الزواج، ولا توجد الآن جلسة من جلسات المحاكم ليس فيها عشرات من قضايا الشفعة . ومحكمة النقض وهي أعلى مراتب القضاء ولا تصل إليها إلا القضايا الكبيرة لم تخل فيها جلسة واحدة هذا العام من قضية من قضايا الشفعة . والسبب في قضايا الشفعة أن الجار يريد أن يأخذ العقار من المشترى لقمة سائغة بعد أن يكون المشتري قد استنفد جهداً في البحث وفي الاتصال بالبائع - لذلك أحبذ التعديل الذي أدخلته اللجنة وأوافق على ألا يكون حق الشفعة للجار إلا إذا كان له حق ارتفاق کی يخلص أرضه من هذا العبء الثقيل .
حضرة النائب المحترم على المنزلاوى بك : لقد استمعتم للفريقين المؤيد والمعارض ولقد كنت من الفريق المعارض في تعديل النص، وتساءلت عن الحكمة التي حدت بالحكومة واللجنة إلى هذا التقييد وطالبت بإيضاح المبرر له فتكلم فكری بك أباظه وتحدث عن الملكية الكبيرة، وأن الشفعة تحد من هذه الملكية، لا یاسیدی لم يقل أحد بذلك فنحن بصدد تشریع عام لا تشريع يتعلق بالملكية الكبيرة أو الصغيرة .
وقد تساءلت الليلة عن النفع الذي يأتي من طريق هذا التشريع، وقد سمعنا من معالي الوزير، أن الدافع إليه هو زيادة عدد قضايا النقض الخاصة بالشفعة، أفهذا يعد سبباً يا معالي الوزير ؟ !. كلا، ولتسمح لي أن أقول إن الزيادة في القضايا لم تقتصر على النقض فقط، بل هي ملاحظة كذلك في القضايا المدنية على اختلافها فكل القضايا إنما تزيد عادة في زمن اليسر، وقد مرت على البلاد فترة ارتفعت فيها الأسعار ونشأ عن ذلك يسر كثرت بسببه القضايا، وليس مما يبرر تعديل التشريع أن يقال إن هناك قضايا كثيرة، وليس مما يبرر تعديل التشريع أن يقال إن فرنسا وانجلترا وأمريكا ليس فيها مثل هذا القانون، لا ياسيدي في مصر أحكام كثيرة، مثل جواز الزواج بالأربع وحرية الطلاق، وليس لها مثيل في هذه الدول، فإذا كنا نريد أن نتمثل بهذه الدول في تشريعاتها فأولى بنا أن نرجع إليها لتعديل هذه الأحكام.
إذا أردتم تعديلاً في التشريع فبينوا السبب الذي يبرر هذا التعديل، وإذا أردتم الحد من الملكية الكبيرة فيدوا منها ما شئتم، وأنا أصفق معكم مرحباً حدوا من الرأسمالية وحاربوها، لعنة الله عليها وعلى من يحبها، إنما نحن هنا بصدد تشريع، والتشريع لابد له من مبرر، والحكومة ومن تكلموا لم يذكروا أي مبرر يصح أن يتخذ سبباً لهذا التعديل.
الرئيس : قدم اقتراح من حضرة النائب المحترم محمد توفيق خشبه نصه : اقترح أن يستبدل بنص الفقرة ( هـ ) النص التالى :
( هـ ) للجار المالك فى الأحوال الآتية :
1- إذا كانت العقارات من المباني أو من الأراضي المعدة للبناء سواء أكانت في المدن أم فى القرى .
2 - إذا كان للأرض المبيعة حق ارتفاق على أرض الجار أو كان حق الارتفاق لأرض الجار على الأرض المبيعة .
3- إذا كانت أرض الجار ملاصقة للأرض المبيعة من جهتين وتساوى من القيمة نصف ثمن الأرض المبيعة على الأقل .
فالموافق على هذا الاقتراح يتفضل بالوقوف .
« وقفت أغلبية ».
الرئيس : إذن هل توافقون على المادة 1005 معدلة على الوجه الآتي :
المادة 1005 - يثبت الحق في الشفعة :
(أ) لمالك الرقبة إذا بيع كل حق الانتفاع الملابس لها أو بعضه .
(ب) للشريك فى الشيوع إذا بيع شيء من العقار الشائع إلى أجنبى .
(ج) لصاحب حق الانتفاع إذا بيعت كل الرقبة الملابسة لهذا الحق أو بعضها .
(د) لمالك الرقبة فى الحكر إذا بيع حق الحكر وللمستحكر إذا بيعت الرقبة .
(هـ) للجار المالك فى الأحوال الآتية :
1- إذا كانت العقارات من المباني أو من الأراضي المعدة للبناء سواء أكانت في المدن أم فى القرى .
2 - إذا كان الأرض المبيعة حق ارتفاق على أرض الجار أو كان حق الارتفاق لأرض الجار على الأرض المبيعة .
3- إذا كانت أرض الجار ملاصقة للأرض المبيعة من جهتين و تساوي من القيمة نصف ثمن الأرض المبيعة على الأقل .
( موافقة عامة ).
المشروع في مجلس الشيوخ
مناقشات لجنة القانون المدني :
محضر الجلسة التاسعة والثلاثين
تليت المادة 1005 الخاصة بالأشخاص الذين لهم حق الأخذ بالشفعة فرأي سعادة العشماوي باشا فيما يختص بالفقرة (هـ) الجديدة الرجوع إلى نصها كما اقترحته لجنة الشئون التشريعية بمجلس النواب وعدم الأخذ بتعديل مجلس النواب خصوصاً وأن الجوار أصبح لا يعتد به الآن وقد لا يعرف الجار جاره وأن التوسع في الأخذ بالشفعة ينافي الشعور السائد في منع تكتل الملكية.
وقد رأت اللجنة ترك هذه الفقرة تحت البحث .
محضر الجلسة الخمسين
تليت المادة 1005 فوافقت عليها اللجنة بالأغلبية كما وردت من مجلس النواب وكان محور النقاش حول الفقرة (هـ) التي أضافها مجلس النواب فرأى سعادة العشماوي باشا حذفها أو الأخذ بنص لجنة الشئون التشريعية بمجلس النواب الذي قصر الشفعة بالنسبة للجار المالك على الأراضى الزراعية . وذلك لأن علاقة الجوار قد تقلص ظلها ولم يعد لها أي اعتبار. ورأى سعادة الرئيس الإبقاء على نص مجلس النواب من غير تعديل . أما أحمد رمزي بك فكان من رأيه حذف الشفعة في الأراضي الزراعية وإبقاؤها في المباني.
وأصبح رقم المادة 936
مناقشات المجلس :
وافق المجلس على المادة كما أقرها مجلس النواب.
1- إذ كان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه ومن الأوراق أن المطعون ضدها الأولى لم تسجل الحكم الصادر لها بصحة ونفاذ عقد شرائها للعقار الذي تشفع به، ومن ثم لم تنتقل إليها ملكيته، كما وقد خلت مدوناته من بيان شرائط اكتسابها لهذه الملكية بالحيازة المدة المكسبة لها بل افتراضها الحكم لها افتراضا دون أن يقيم الدليل عليها أو يبين المصدر الذي استقاها منه فإن قضاءه لها - مع ذلك - بأحقيتها فى الشفعة استنادا إلى هذا العقد والتقادم المملك يكون فضلاً عن مخالفته للقانون قد ران عليه القصور .
(الطعن رقم 254 لسنة 69 جلسة 1999/12/09 س 50 ع 2 ص 1255 ق 247)
2- إذ كان الطاعن لم يدع أنه سجل الاتفاق الذي تم بينه وبين الجهة مالكة الأرض والذي خوله حق إقامة البناء المشفوع به على سبيل القرار قبل تمام البيع المشفوع فيه فإنه لا يعد بذلك مالكاً لهذا البناء الذي أقامه إذ هو فى واقع الأمر لا يشفع بالبناء مجرداً بل يستند أيضاً إلى ما لهذا البناء من حق القرار على الأرض وهو ما لم يتملكه لعدم تسجيل سنده.
(الطعن رقم 475 لسنة 59 جلسة 1994/10/25 س 42 ع 2 ص 1317 ق 199 ( هيئة عامة ) )
3- مؤدى نص المادتين 816،936 من القانون المدنى أن للمالك على المشيوع أن يبيع ملكه محددا مفرزا ويقع البيع صحيحاً وإن كانت حالة التحديد هذه تظل معلقه على نتيجة القسمة أو إجازة الشركاء فى الشيوع، ومتى كان هذا البيع صحيحاً وصدر لأجنبى وكان الإضرار الذى تحدد به محل البيع لا يحاج به سائر الشركاء فى الشيوع طالما لم تتم القسمة قضاء أو رضاء مما يعتبر معه هذا التصرف بالنسبة لهم حكم التصرف فى قدر شائع فإنه ينبنى على هذا أن يثبت لهم حق الأخذ بالشفعة فى ذلك البيع وفقا لصريح عبارة النص فى المادة 936 من القانون المدنى .
(الطعن رقم 923 لسنة 59 جلسة 1994/01/19 س 45 ع 1 ص 203 ق 43)
4- للشريك علي الشيوع - وعلي ماجري به قضاء هذه المحكمة - أن يبيع حصته شائعة فى بعض العقارات واذا سجل المشتري عقده انتقلت اليه حصة البائع فى هذا البعض من العقارات شائعا ويصبح بمقتضي عقد شرائه شريكا فى العقار الشائع بقدر الحصة التي اشتراها اما اذا كان البيع منصبا علي جزء مفرز من العقار الشائع فان المشتري فى هذه الحالة لا يعتبر شريكا ولا يكون له اي حق من حقوق الشركاء , لما كان ذلك وكان كان الواقع فى الدعوى ان البيع الصادر من المطعون ضده الثاني للمطعون ضده الاول لمساحة 9 17 1 بحوض الساقية رقم 13 قد انصب علي جزء مفرز عبارة عن القطع ارقام 9 10 11 بهذا الحوض حسبما ورد بتقرير الخبير المنتدب فى الدعوى ومن ثم فان تسجيل المشتري المطعون ضده الثاني وقد ورد علي جزء مفرز من المال الشائع لا يجعل منه شريكا ولا يكون له اي حق من حقوق الشركاء . واذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضي برفض طلب الطاعنين أخذ المساحة الأولي من صحيفة الدعوى البالغ مقدارها 5 1 بحوض الشيخ صلاح 12 شيوعا فى 5 10 1 بالشفعة علي أساس ان شراء المطعون ضده الاول للمساحة الثانية من الصحيفة البالغ مقدارها 9 17 1 بحوض الساقية رقم 13 والذي تم تسجيله يجعله شريكا فى المال الشائع فيفضل علي طالبي الشفعة عملاً بنص المادة 936 من القانون المدني مرتبا علي ذلك قضاءه برفض الدعوى بالنسبة للمساحة الاولي سالفة الذكر رغم أن هذا البيع المسجل ورد علي جزء مفرز من المال الشائع يكون معيباً بما يوجب نقضه .
(الطعن رقم 985 لسنة 56 جلسة 1991/12/26 س 42 ع 2 ص 1980 ق 312)
5- مفاد النص فى المادة 936/ه من القانون المدني على أن للجار المالك أن يطلب الشفعة إذا كان للأرض المبيعة حق ارتفاق على أرض الجار أو كان حق الإرتفاق لأرض الجار على الأرض المبيعة أن المشرع لم يشترط للأخذ بالشفعة أن يزول حق الإرتفاق بين العقارين إذا اجتمعا فى يد واحدة هي يد الشفيع وأن يزول هذا الحق فى الوقت ذاته بالنسبة للعقارات الأخرى التي تشترك فيه، فزوال - هذا الحق كلية - ليس شرطاً من شروط الأخذ بالشفعة و قد استهدف المشرع من ذلك تحرير العقارين من ريقة الإرتفاق ولو جزئياً بإجتماعهما فى يد واحدة و هو ما يتأدى إلى علاج أسباب النزاع عند تعدد الملاك.
(الطعن رقم 428 لسنة 55 جلسة 1991/05/29 س 42 ع 1 ص 1239 ق 193)
6- مفاد المادتين 826، 936/ب من القانون المدني وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن للمالك فى المال الشائع أن يبيع ملكه محدداً مفرزاً و يقع البيع صحيحاً وإن كانت حالة التحديد هذه تظل معلقة على نتيجة القسمة أو اجازة الشركاء فى الشيوع فإذا صدر البيع مفرزاً لأجنبي فإن هذا الإفراز الذي تحدد به محل البيع لا يحاج به سائر الشركاء فى الشيوع ولا ينفذ فى حقهم طالما تتم القسمة قضاءاً أو رضاءً مما يعتبر معه هذا التصرف بالنسبة لهم فى حكم التصرف فى قدر شائع، وينبني على ذلك أن يثبت لهم حق الأخذ بالشفعة فى هذا البيع وفقاً لصريح نص المادة 936/ب من القانون المدني التي وردت عبارته مطلقة فى قيام الحق فى الشفعة للشريك على الشيوع، وعلى ذلك فإنه يستوي فى ثبوت هذا الحق أن يكون الشيء المبيع حصة شائعة أم قدراً مفرزاً فى العقار الشائع إذ المناط فيه هو قيام حالة الشيوع فى العقار الذي بيع قدر منه دون اعتداد بما إذا كان هذا القدر مفرزاً أو شائعاً.
(الطعن رقم 2588 لسنة 56 جلسة 1991/05/23 س 42 ع 1 ص 1193 ق 186)
7- إذ كان الحكم المطعون فيه قد إستند فى قضائه بأحقية المطعون ضدهم الأربعة الأول فى أخذ أرض النزاع بالشفعة إلى ما ورد فى تقرير الخبير الذى ندبته محكمة الإستئناف من أن الأرض المشفوع فيها زراعية و أن لها حق إرتفاق بالرى على الأرض المشفوع بها الملاصقة لها ، مما يسوغ طلب الأخذ بالشفعة طبقاً لنص البند الثانى من الفقرة "ه " من المادة 936 من القانون المدنى الذى يجعل حق الإرتفاق سبباً للأخذ بالشفعة إذا تعلق بالأرض المبيعة أو بأرض الجار ، فمن ثم يكون الحكم فيما إنتهى إليه سديداً ، ولا ينال منه إغفاله الرد على دفاع الطاعنين - بأن حق الإرتفاق بالرى على الأرض المشفوع بها ليس قاصراً على الأرض المشفوع فيها بل تشترك فيه أراضى أخرى مما لا يجوز معه طلب الشفعة - إذ لا عبرة بإشتراك الغير فى حق الإرتفاق المقرر للأرض المشفوع فيها أوالأرض المشفوع بها على الأخرى فى تمسك الشفيع بطلب الشفعة طالما أن القانون لم يشترط أن يكون هذا الحق مخصصاً لإحداهما على الأخرى وحدها ، هذا إلى أن وجود إرتفاق للغير على أرض المروى لا يخرج هذه الأرض عن ملكية صاحب العقار المشفوع به بل تظل جزءاً من هذا العقار ، إذا فمتى كان هذا الدفاع لا يستند إلى أساس قانونى صحيح وليس من شأنه تغيير وجه الرأى فى الدعوى فإن إغفال الحكم الرد عليه لا يعد قصوراً مبطلاً له . و يكون النعى عليه بهذا الخصوص على غير أساس .
(الطعن رقم 593 لسنة 55 جلسة 1990/01/04 س 41 ع 1 ص 120 ق 27)
8- إن مؤدى النص فى المادة 936/3 من القانون المدنى على أن يثبت الحق فى الشفعة أ ..... ب ..... ج - لصاحب حق الانتفاع إذا بيعت كل الرقبة الملابسة لهذا الحق أو بعضها أن المشرع قرر حق الشفعة لكل من مالك الرقبة ولصاحب حق الانتفاع لحكمة توخاها هى جمع شتات الملكية برد حق الانتفاع إلى مالك الرقبة وبرد الرقبة إلى صاحب حق الانتفاع وتحقيقاً لذات الحكمة فقد جعل المشرع الأفضلية عند تزاحم الشفعاء لمالك الرقبة على سائر الشفعاء عند بيع حق الانتفاع الملابس للرقبة التى يملكها وكذلك لمالك حق الانتفاع عند التزاحم إذا بيعت كل الرقبة الملابسة لهذا الحق أو بعضها ، بما مفاده أن حق الانتفاع المعنى فى هذا النص هو حق الانتفاع المقرر للمالك بحسبانه أحد عناصر الملكية وهو من الحقوق العينية الأصلية وليس الحق الشخصى الذى يثبت للمستأجر قبل المؤجر والذى لا يعدو أن يكون حقاً مصيره الحتمى الزوال بانتهاء الإيجار ، ومن ثم لا يجوز له بهذا الوضع الحصول على حق دائم على ملك الغير بأخذ العقار المبيع بالشفعة .
(الطعن رقم 3326 لسنة 58 جلسة 2009/01/14 س 60 ص 169 ق 26)
9- إذا تمسك الشفيع بأنه إشترى العقار الذى يشفع به وحازه وإستوفت حيازته شرائطها المكسبة للملكية قبل البيع المشفوع فيه وجب على المحكمة التى تنظر طلب الشفعة أن تتحقق من توافر تلك الشرائط متى كان الشفيع لم يسجل سنده ، لأن إكتساب الملكية بالتقادم يغنيه عن هذا التسجيل ، لما كان ذلك وكان البين من محاضر أعمال الخبير أن الطاعنة تمسكت فيها بأنها وضعت يدها على الأطيان المشفوع بها منذ شرائها الحاصل بتاريخ 1955/11/1 وإستمرت منذ ذلك التاريخ فى ريها من الساقية الواقعة فى وقف ....... وقد تأيد ذلك بشهادة شاهديها و لم ينكر ملكيتها أحد من المطعون ضدهم أو يجادل فيها ، وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه مع ذلك على قوله أن " عقد البيع العرفى المشار إليه لا ينقل ملكية الأطيان المشفوع بها إلى الطاعنة وحجب نفسه بذلك عن بحث إكتساب الطاعنة ملكية الأطيان المشفوع بها بالتقادم " فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون وشابه قصور فى التسبيب .
(الطعن رقم 1210 لسنة 54 جلسة 1989/02/28 س 40 ع 1 ص 684 ق 120)
10- أفرد القانون رقم 206 لسنة 1951 - المنطبق على واقعه الدعوى الباب الثانى منه لتنظيم إعادة تخطيط المدن و القرىء و نص فى المادة العاشرة على وجوب تخطيط حدين لكل مدينة أو قرية يحدد أولهما المدى الذى يتطلبه التوسع المنتظر فى البناء لمواجهة عدد السكان لمدة خمسين عاماً مقبلة ويحدد الثانى منطقة زراعية خارج الحد الأول لا يجوز إقامته منشآت فيها لغير الأغراض الزراعية إلا بموافقة السلطة المختصة بالتخطيط ، ثم اتبع المشرع هذا القانون بإصدار قانون نظام الحكم المحلى رقم 124 لسنة 1960 - الذى يسرى على واقعة الدعوى - فنص فى مادته الأولى على أن تقسم الجمهورية إلى وحدات إدارية هى المحافظات والمدن والقرى ويحدد نطاق المحافظات بقرار من رئيس الجمهورية ونطاق المدن بقرار من الوزير المختص ونطاق القرى قرار من المحافظ ، وتنفيذاً لهذا القانون أصدر رئيس الجمهورية القرار رقم 1755 لسنة 1960 الذى نص على تقسيم الجمهورية إلى محافظات ومدن وقرى وفقاً للجداول المرافقة لهذا القرار . ولما كان التقنين المدنى قد نص فى الفقرة الخامسة من المادة 936 على أن يثبت الحق فى الشفعة للجار المالك " إذا كانت العقارات من المبانى أو من الأراضى المعدة للبناء سواء كانت فى المدن أوالقرى " فإن مؤدى ذلك أنه يكفى للأخذ بالشفعة فى هذه الصورة أن يكون العقار المشفوع به ملاصقاً للعقار المشفوع فيه من جهة واحده ، والأصل فى إعتبار الأرض معدة للبناء يكون بالرجوع إلى الخرائط التى وضعتها الحكومه تحديداً لنطاق المدينة أو القرية فى ضوء القانونين سالفى الذكر و ما صدر بشأنهما من قرارات تنفيذية .
(الطعن رقم 248 لسنة 51 جلسة 1988/03/24 س 39 ع 1 ص 486 ق 98)
11- إذا كانت الأرض تدخل فى حدود المدينة أوالقرية التى تبين المدى الذى يتطلبه التوسع العمرانى بالبناء فهى بحكم هذا الوضع الذى أنشأته الدولة تعتبر من الأراضى المعدة للبناء حتى ولو كانت مستغلة إستغلالاً مؤقتاً لغرض آخر ، أما إذا كانت تخرج عن تلك الحدود فهى لا تعتبر أرض بناء إلا إذا كانت قد أعدت إعداداً فعلياً لهذا الغرض ولقاضى الموضوع بهذا الصدد السلطة التقديرية للفصل فى هذه المسألة بغير معقب متى أقام قضاءه على أسباب سائغة تكفى لحمله ، والمعول عليه فى أى من هاتين الحالتين هو بحالة الأرض وقت إنعقاد البيع الذى تولد عنه حق الشفعه .
(الطعن رقم 248 لسنة 51 جلسة 1988/03/24 س 39 ع 1 ص 486 ق 98)
12- مناط الحكم بالشفعة فى جميع الأحوال ألا يقوم مانع من موانعها أو يتخلف شرط من شروطها ، أويتحقق سبب من أسباب سقوطها ، وإذ كان من أسباب سقوط الحق فى الشفعة أن يبيع الشفيع العقار المشفوع به قبل صدور الحكم النهائى بثبوت حقه فيها ، ولا يغير من ذلك أن يكون البيع بعقد إبتدائى لم يسجل ، لأن هذا البيع يلزم البائع بنقل ملكية المبيع للمشترى وتسليمه له وعدم التعرض له فى الإنتفاع به ، وهو ما يتضمن بالضرورة نزول البائع عن حقه فى الشفعة به لزوال مصلحته فى دفع ضرر البيع المشفوع فيه ، وكان من أسباب سقوط الحق فى الشفعة كذلك أن ينزل الشفيع عن حقه فيها و لو قبل البيع ، وكان بيع ملك ينقلب صحيحاً إذا لم يستعمل المشترى حقه فى إبطاله ، وآلت ملكية المبيع إلى البائع . لما كان ذلك وكان البين من الحكم المطعون فيه أنه بوفاة مورثة الطاعنين آلت إليهم ملكية حصتها التى سبق أن باعوها بالعقد المؤرخ 1970/5/28 وأن المشترى لم يستعمل حقه فى إبطاله فإن هنذا العتقد يكون قد إنقلب بذلك صحيحاً و سقط به حقهم فى الشفعة فى الوقت ذاته .
(الطعن رقم 1218 لسنة 53 جلسة 1987/04/28 س 38 ع 2 ص 631 ق 137)
13- يجوز تقييد مطلق النص بغير مخصص بحيث أن كان صريحاً جلياً قاطعاً فى الدلالة على المراد منه فلا محل للخروج عليه أو تأويله بدعوى الإستهداء بالحكمة التى أملته و قصد الشارع .. لأن ذلك لا يكون إلا عند غموض النص أو وجود لبس فيه ونص المادة 936 من القانون المدنى قد أطلق بيان من له الحق فى الشفعة دون تخصيصه بالأشخاص الطبيعيين . مما مفاده أن حق الشفعة يثبت للشخص الطبيعى والمعنوى على حد سواء .
(الطعن رقم 2243 لسنة 52 جلسة 1987/01/15 س 38 ع 1 ص 121 ق 30)
14- النص فى المادة 936 من القانون المدنى على أنه يثبت الحق فى الشفعة ... ه للجار المالك فى الأحوال الآتية : إذا كانت العقارات ... من الأراضى المعدة للبناء سواء كانت فى المدن أم فى القرى . يدل على أنه يشترط فى الأخذ بالشفعة فى هذه الحالة أمران ، الأول أن يكون محل البيع المشفوع فيه أرض داخلة فى نطاق المدينة أوالقرية ، والثانى أن تكون من الأراضى المعدة للبناء . والمناط فى التعرف على الأمر الأول الرجوع إلى الخرائط التى تعين كردون المدينة أوالقرية والقرارات المعدلة لتلك الحدود وفقاً لما تقضى به المادة الأولى من القانون رقم 52 لسنة 1975 الخاص بنظام الحكم المحلى ، أما التعرف على الأمر الثانى فمرده أستظهار موقع الأرض من الكتلة السكنية فى المدينة أوالقرية وطبيعتها وسائر الظروف المحيطة بها لبيان ما إذا كان يصدق فى شأنها وصف الأرض المعدة للبناء من عدمه ، وهى من مسائل الواقع التى يستقل بتقديرها قاضى الموضوع دون رقابة عليه من محكمة النقض متى كان إستخلاصه سائغاً .
(الطعن رقم 1247 لسنة 52 جلسة 1986/05/06 س 37 ع 1 ص 514 ق 108)
15- لئن كان يشترط لعدم سقوط حق الجار المالك فى الشفعة بقاء التلاصق بين العقارين المشفوع به والمشفوع فيه من وقت البيع وحتى الأخذ بالشفعة . إلا أن إستمرار التلاصق ليس شرطاً لبقاء الإستحقاق .
(الطعن رقم 1247 لسنة 52 جلسة 1986/05/06 س 37 ع 1 ص 514 ق 108)
16- يفترض نص الفقرة الثالثة من المادة 936 من القانون المدنى أن المشترى نفسه قد توافرت فيه وقت الشراء شروط الأخذ بالشفعة فى العقار الذى اشتراه بأن يكون مالكاً بالفعل فى هذا الوقت لما يجعله شفيعاً ثم يتقدم لأخذ العقار منه بالشفعة شفيع من نفس طبقته أو من طبقة أدنى فإن المشترى يفضل فى هذه الحالة ولا يجوز للشفيع أن يأخذ بالشفعة .
(الطعن رقم 1139 لسنة 52 جلسة 1985/12/26 س 36 ع 2 ص 1220 ق 252)
17- النص فى المادة 936 من القانون المدنى - على أن " يثبت الحق فى الشفعة .( أ ) لمالك الرقبة إذا بيع كل حق الانتفاع الملابس له أو بعضه .( ب ) للشريك فى الشيوع إذا بيع شىء من العقار الشائع إلى أجنبى .( ج) لصاحب حق الانتفاع إذا بيعت كل الرقبة الملابسة لهذا الحق أو بعضها .( د ) لمالك الرقبة فى الحكر إذا بيع حق الحكر و للمستحكر إذا بيعت الرقبة .( ه ) للجار المالك " . والنص فى المادة 937 من ذات القانون على أن " وإذا تزاحم الشفعاء يكون إستعمال حق الشفعة على حسب الترتيب المنصوص عليه فى المادة السابقة " مفادها أن المشرع فرد حق الشفعة لكل من مالك الرقبة و لصاحب حق الانتفاع لحكمة توخاها هى جمع شتات الملكية برد حق الانتفاع إلى مالك الرقبة وبرد الرقبة إلى صاحب الانتفاع ، وتحقيقاً لذات الحكمة فقد جعل المشرع الأفضلية عند تزاحم الشفعاء - لمالك الرقبة على سائر الشفعاء عند بيع حق الانتفاع الملابس للرقبة التى يملكها ، وكذلك لمالك حق الانتفاع عند التزاحم إذا بيعت كل الرقبة الملابسة لهذا الحق أوبعضها ، وإذ قرر المشرع الأفضلية بين الشفعاء عند تزاحمهم وفق ما جرى به النص السالف فإن مؤدى ذلك أن الشفعة فى حق الانتفاع أو فى حق الرقبة مقررة أصلاً لسائر الشفعاء المنصوص عليهم لتوفر الحكمة فى تقرير الشفعة لكل منهم وهى المضارة على أن تجرى المفاضلة بينهم عند تزاحمه.
(الطعن رقم 1644 لسنة 51 جلسة 1985/04/09 س 36 ع 1 ص 565 ق 119)
18- يدل نص المادتين 826 ، 936 من القانون المدنى - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - على أن للمالك على الشيوع أن يبيع ملكه محدداً مفرزاً و يقع البيع صحيحاً ، وإن كانت حالة التحديد هذه تظل معلقة على نتيجة القسمة أو إجازة الشركاء فى الشيوع ، ومتى كان هذا البيع صحيحاً وصدر لأجنبى وكان الإفراز الذى تحدد به محل البيع لا يحاج به سائر الشركاء فى الشيوع طالما لم تتم القسمة قضاء أو رضاء ، مما يعتبر معه هذا التصرف بالنسبة لهم فى حكم التصرف فى قدر شائع وبالتالى يثبت لهم حق الأخذ بالشفعة فى ذلك البيع .
(الطعن رقم 1139 لسنة 51 جلسة 1985/01/24 س 36 ع 1 ص 136 ق 33)
19- العبرة فى بيان العقار المطلوب أخذه بالشفعة هى بما ورد بالعقد المشفوع فيه ما لم تثبت صورتيه و علم الشفيع بها و ليس مما يقوم البائع بتسليمه للمشترى . و اذ كان الثابت ان محل عقد البيع المسجل الصادر من المطعون ضدها الأخيرة لباقى المطعون ضدهم حصة شائعة فى العقار فإن الحكم المطعون فيه اذ رفض دعوى الطاعنين أخذها بالشفعة المؤسسة على انهما شريكان على الشيوع استنادا الى ان البائعة - المطعون ضدها الأخيرة - قد سلمت المشترين - المطعون ضدهم الأربعة الأول - جزءا محددا مفرزا لسبق تملكها اياه بوضع يدها عليه المدة الطويلة المكسبة للملك مهدرا بذلك ما جاء بالعقد المسجل المشفوع فيه الذى انصب على حصة شائعة فى الأرض فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون .
(الطعن رقم 306 لسنة 49 جلسة 1983/11/10 س 34 ع 2 ص 1571 ق 307)
20- الشفعة لا تجوز إلا إذا كان الشفيع مالكاً للعقار الذى يشفع به وقت قيام سبب الشفعة وأن ملكية العقار لا تنتقل إلى المشترى إلا بتسجيل عقد البيع ، وإذ كان الطاعن الشفيع لم يسجل حكم صحة التعاقد الصادر لصالحه عن العقار المشفوع به إلا بعد صدور البيع المشفوع فيه ، وكان هذا التسجيل لا يرتب أثره إلا من تاريخ حصوله ولا ينسحب إلى تاريخ تسجيل صحيفة الدعوى وإذ رتب الحكم على ذلك عدم أحقية الطاعن فى طلب أخذ العقار المبيع بالشفعة لأنه لم يكن مالكاً للعقار المشفوع به وقت صدور البيع سبب الشفعة يكون قد إلتزم صحيح القانون .
(الطعن رقم 414 لسنة 50 جلسة 1983/04/10 س 34 ع 1 ص 918 ق 186)
21- مفاد النص فى المادة 1015 من القانون المدنى أن الإرتفاق كحق عينى هو تكليف يثقل به عقار خادم لفائدة عقار آخر مخدوم ، والشفعة لا تقوم على الجوار من حد واحد فى غير العقارات المبنية والأراضى المعدة للبناء إلا " إذا كان للأرض المبيعة حق إرتفاق على أرض الجار أو كان حق الإرتفاق لأرض الجار على الأرض المبيعة " طبقاً لنص البند الثانى من الفقرة ه من المادة 936 من القانون المدنى مما يتعين معه أن يقع حق الإرتفاق على عاتق الأرض المشفوع بها أو الأرض المشفوع فيها و يخدم الأخرى ، ولا يكفى فى هذا الخصوص أن تشترك الأرضان فى الإستفادة من حق إرتفاق واحده طالما لا يثقل إحداهما .
(الطعن رقم 1723 لسنة 50 جلسة 1981/06/03 س 32 ع 2 ص 1694 ق 303)
22- المادة 936 من القانون المدنى قد جرى نصها على أن يثبت الحق فى الشفعة للجار فى الأحوال الآتية [1] ... ... [2] إذا كان للأرض المبيعة حق إرتفاق على أرض الجار أو كان حق الارتفاق لأرض الجار على المبيعة . [ 3] ... ... ومفاده أنه يجب لقيام حق الجار فى الأخذ بالشفعة وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة أن تكون الأرض المشفوع بها والأرض المشفوع فيها متلاصقين وأن يكون لأى من الأرضين حق ارتفاق على الاخرى بحيث يترتب على الأخذ بالشفعة أن يزول حق الارتفاق فى الغرضين لما كان ذلك ، فإن تمسك الطاعن بملكيته للمسقاة لا يجديه فى القول بتوافر شروط الشفيع فيه إذ أن ملكية المسقاة وحدها لا تتحقق بها صفة الجوار المثبتة للحق فى الشفعة .
(الطعن رقم 765 لسنة 45 جلسة 1980/05/28 س 31 ع 2 ص 1545 ق 289)
23- وجوب أن يتم التنازل عن حق الارتفاق وفقاً للقانون فهو لا يتم إلا إذ كان قد أشهر وفقاً لقانون الشهرى العقارى 114 لسنة 1964 ولا يغنى عن ذلك مجرد التقرير بالتنازل عن حق الارتفاق فى دعوى الشفعة بعد رفعها ذلك أن حق الشفيع يثبت بمجرد إعلان رغبته فى الأخذ بالشفعة إذ تكون عناصر الشفعة قد تكاملت ويحل محل المشترى فى البيع الذى يأخذ فيه بالشفعة و ليس رفع دعوى بالشفعة بعد ذلك و صدر الحكم بثبوت الشفعة إلا تقريرا لما تم من أثر قانونى ترتب على إعلان الرغبة فى الأخذ بالشفعة - مما يسوغ الإلتفات عما يقرره الطاعن فى مذكرة دفاعه أمام محكمة الإستئناف من أن البائع له قد سبق له التنازل عن حق الإرتفاق بالرى أمام المسقاة الفاصلة و أن دليله على ذلك هو إنشاء المسقاة الأخرى التى إشتراها الطاعن لرى الأرض دون أن يقدم ما يثبت حصول شهر هذا التنازل قبل رفع الدعوى .
(الطعن رقم 765 لسنة 45 جلسة 1980/05/28 س 31 ع 2 ص 1545 ق 289)
24- نص المشرع فى المادة 826 من القانون المدنى على أن " كل شريك فى الشيوع يملك حصته ملكاً تاماً وله أن يتصرف فيها ويستولى على ثمارها وإذا كان التصرف منصباً على جزء مفرز من المال الشائع و لم يقع هذا الجزء عند القسمة فى نصيب المتصرف إنتقل حق المتصرف إليه من وقت التصرف إلى الجزء الذى آل إلى المتصرف بطريق القسمة .... " ثم نص فى المادة 936 من هذا القانون على أنه " يثبت الحق فى الشفعة للشريك فى الشيوع إذا بيع شيء من العقار الشائع إلى أجنبى " ، يدل على أن للمالك على الشيوع أن يبيع ملكه محدداً مفرزاً و يقع البيع صحيحاً وإن كانت حالة التحديد هذه تظل معلقة على نتيجة القسمة أو إجازة الشركاء فى الشيوع ، ومتى كان هذا البيع صحيحاً وصدر لأجنبى وكان الإفراز الذى تحدد به محل البيع لا يحاج به سائر الشركاء فى الشيوع طالما لم تتم القسمة قضاء أورضاء مما يعتبر معه هذا التصرف بالنسبة لهم فى حكم التصرف فى قدر شائع فإنه ينبنى على هذا أن يثبت لهم حق الأخذ بالشفعة فى ذلك البيع وفقاً لصريح عبارة النص فى المادة 936 من القانون المدنى .
(الطعن رقم 784 لسنة 47 جلسة 1980/05/01 س 31 ع 2 ص 1283 ق 244)
25- إن الفقرة [ ه ] من المادة 936 من القانون المدنى إذ نصت على ثبوت الحق فى الشفعة للجار المالك فى الأحوال الآتية : <1> إذا كانت العقارات من المبانى أومن الأراضى المعدة للبناء سواء أكانت فى المدن أم فى القرى . <2> إذا كان للأرض المبيعة حق إرتفاق على أرض الجار أو كان حق الإرتفاق لأرض الجار على الأرض المبيعة . <3> إذا كانت أرض الجار ملاصقة للأرض المبيعة من جهتين وتساوى من القيمة نصف ثمن الأرض المبيعة على الأقل ، فقد دلت على أنه يكفى للأخذ بالشفعة فى الحالة الأولى حيث يكون العقاران المشفوع به والمشفوع فيه من المبانى أو من الأرض المعدة للبناء أن يكونا متجاورين أى متلاصقين من جهة واحدة دون أى شرط آخر ، ومن ثم لا يثبت الحق فى الشفعة للجار المالك لأرض زراعية إذا كان العقار المجاور المبيع من المبانى أو من الأراضى المعدة للبناء ، ذلك أن الأراضى غير المعدة للبناء لا يكفى فيها للأخذ بالشفعة مجرد التلاصق بل يجب أن يكون للأرض أوعليها حق إرتفاق أو يكون التلاصق من جهتين مع إشتراط قيمة معينة للعقار المشفوع به كما هو الحال فى الحالتين الثانية والثالثة فقرة [ه] من المادة 936 سالفة البيان .
(الطعن رقم 771 لسنة 47 جلسة 1980/04/15 س 31 ع 1 ص 1132 ق 216)
26- مفاد نص المادتين 936 ، 937 من القانون المدنى أن المشرع قرر حق الشفعة لمالك الرقبة - فى بيع حق الإنتفاع لحكمة توخاها هى جمع شتات الملكية برد حق الإنتفاع إلى مالك الرقبة إذ بدون هذا النص الصريح ما كان لمالك الرقبة أن يشفع فى بيع حق الإنتفاع إذ هو ليس شريكاً مشتاعاً ولا جاراً مالكاً - وتحقيقاً لذات الحكمة فقد فضل المشرع مالك الرقبة على سائر الشفعاء عند مزاحمتهم له فى الشفعة فى بيع حق الإنتفاع الملابس للرقبة التى يملكها وذلك على ما جرى به نص المادة 937 من القانون المدنى المشار إليها - وإذ قرر المشرع الأفضلية لمالك الرقبة على باقى الشفعاء عند مزاحمتهم له وفق ما جرى به هذا النص فقد تصور أن يزاحم الشفعاء الآخرين مالك الرقبة فى بيع حق الإنتفاع فتكون الأفضلية للأخير مؤكداً بذلك أن الشفعة فى حق الإنتفاع مقررة لسائر الشفعاء وذلك لتوفر الحكمة فى تقرير الشفعة وهى منع المضار - لما كان ما تقدم فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بثبوت حق الشفعة للجار المالك " المطعون ضدها الأولى " يكون قد أصاب فى النتيجة التى إنتهى إليها .
(الطعن رقم 103 لسنة 48 جلسة 1979/12/13 س 30 ع 3 ص 261 ق 387)
27- الشريك فى معنى المادة 936/ب من القانون المدنى هو المالك على الشيوع . وإذ كان أثر التسجيل فى نقل الملكية وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة لا يترتب إلا من تاريخ حصوله دون أن يرتد إلى تاريخ سابق عليه ، فإن المشترى لا يكون مالكاً إلا بتسجيل عقده . وإذ كان الحكم المطعون فيه لم يعتبر الطاعنة شريكة على الشيوع فى العقار المشفوع فيه ، إستناداً إلى أن تسجيل الحكم بصحة العقد الصادر إليها لاحق لعقد البيع الذى تولدت عنه الشفعة ، فإنه لا يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون .
(الطعن رقم 324 لسنة 40 جلسة 1975/11/27 س 26 ص 1515 ق 284)
28- كانت الطاعنة تستند فى أحقيتها فى أخذ الحصة المبيعة فى مبانى المنزل بالشفعة إلى أنها مالكة على الشيوع فى مبانى المنزل المذكور مع شركائها البائعين وأن وزارة الرى مالكة الأرض لا تدعى ملكية هذه المبانى التى أقيمت عليها بل أقرت بملكيتها لهم فى البند السابع من الترخيص الخاص بالإنتفاع بهذه الأرض ، ولما كان هذا البند صريحاً فى الدلالة على أن المنشآت المقامة على الأرض ملك للمرخص إليه ولا يتعارض ذلك مع نص ما عليه البند الخامس من الترخيص من تعهد المرخص إليه بعدم إجراء أى تعديل أو تجديد فى هذه المنشآت قبل موافقة الوزارة ولما كان بيع البناء على سبيل القرار ولكن إستقلالاً عن الأرض هو بيع عقار يجوز للشريك المشتاع فى البناء أخذ الحصة المبيعة فيه بالشفعة طبقاً لما تنص عليه الفقرة " ب " من المادة 936 من القانون المدنى من أن الحق فى الشفعة يثبت للشريك فى الشيوع إذا بيع شىء من العقار الشائع إلى أجنبى ، لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر وقرر أن الطاعنة لا تملك فى المبانى التى أقيمت على الأرض لأنها أصبحت مملوكة للدولة صاحبة الأرض طبقاً لأحكام الإلتصاق ورتب على ذلك قضاءه بعدم قبول دعوى الطاعنة بأحقيتها فى أخذ الحصة المبيعة فى هذه المبانى بالشفعة ، فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون .
(الطعن رقم 199 لسنة 40 جلسة 1975/06/17 س 26 ص 1216 ق 232)
29- إذا كان الطاعن طلب أخذ أرض النزاع بالشفعة مستنداً إلى المادة 936 من القانون المدنى وذلك بإعتباره مستحكراً لتلك الأرض ومالكاً للبناء المقام عليها بموجب عقد الحكر المؤرخ أول يناير سنة 1928 . وكان الحكم الإبتدائى الذى أيده الحكم المطعون فيه وأحال إلى أسبابه قد أقام قضاؤه برفض طلبه تأسيساً على أن ملكية المطعون ضدها الأولى لأرض النزاع قد أصبحت خالصة لها بموجب المرسوم بقانون رقم 180 لسنة 1952 الذى ألغى الوقف على غير الخيرات بما إستتبع إنهاء كل حكر كان مرتبا عليها ، فإن هذا الذى أقام عليه الحكم قضاءه يكون صحيحاً فى القانون .
(الطعن رقم 389 لسنة 33 جلسة 1967/03/14 س 18 ع 2 ص 618 ق 97)
تنص المادة 936 مدني على ما يأتي :
" يثبت الحق في الشفعة " :
أ) " لمالك الرقبة، إذا بيع كل حق الانتفاع الملابس لها أو بعضه " .
ب) " للشريك فى الشيوع، إذا بيع شيء من العقار الشائع إلى أجنبى " .
ج) " لصاحب حق الانتفاع، إذا بيعت كل الرقبة الملابسة لهذا الحق أو بعضها " .
د) " لمالك الرقبة فى الحكر إذا بيع حق الحكر، وللمستحكر إذا بيعت الرقبة " .
هـ ) " للجار المالك فى الأحوال الآتية :
(1) إذا كانت العقارات من المباني أو من الأراضي المعدة للبناء، سواء أكانت في المدن أم فى القرى . ( 2 ) إذا كان للأرض المبيعة حق ارتفاق على أرض الجار، أو كان حق الارتفاق لأرض الجار على الأرض المبيعة . ( 3 ) إذا كانت أرض الجار ملاصقة للأرض المبيعة من جهتين، وتساوي من القيمة نصف ثمن الأرض المبيعة على الأقل ".
ويخلص من النص سالف الذكر أن المشروع استهدى باعتبارات ثلاثة لإثبات صفة الشفيع، منها اعتبار غريب عن الفقه الإسلامي، واعتبار مختلف فيه في هذا الفقه . وهذه الاعتبارات هي :
(الاعتبار الأول) هو لم شتات الملكية بعد تفرقها، وهذا الاعتبار هو الغريب عن الفقه الإسلامي، وكان مع ذلك اعتباراً مسلماً به في قانون الشفعة السابق ( م 2 من هذا القانون )، وكان اعتباراً أساسياً لاستبقاء الشفعة في لجنة الأستاذ كامل صدقي ويتمثل هذا الاعتبار في إثبات صفة الشفيع لمالك الرقبة حتى يلم شتات الملكية بضم حق الانتفاع إلى الرقبة، وفي إثبات صفة الشفيع لصاحب حق الانتفاع حتى يلم شتات الملكية بضم الرقبة إلى حق الانتفاع، وفي إثبات صفة الشفيع لكل من مالك الرقبة إذا بيع حق الحكر وللمستحكر إذا بيعت الرقبة وهذا ما استحدثه التقنين المدني الجديد " جمعاً لما تفرق من حق الملكية، وابتغاء لوسيلة جديدة ينتهي بها حق الحكر وهو حق غير مرغوب في بقائه ".
(والاعتبار الثاني) هو إبعاد الأجنبي من أن يقتحم نطاق الشركاء في الملكية الشائعة ولتقليل عدد هؤلاء الشركاء كلما أمكن ذلك، فثبت للشريك في الشيوع صفة الشفيع إذا بيع شيء من العقار الشائع إلى أجنبي، وهذا الاعتبار هو المسلم به اتفاقاً، سواء كان ذلك في الفقه الإسلامي أو كان في التشريعات المتعاقبة الخاصة بالشفعة في التقنين المدني السابق وفي قانون الشفعة السابق وفي التقنين المدني الجديد .
(والاعتبار الثالث) هو منع مضايقات الجوار، فتثبت صفة الشفيع للجار المالك في أحوال ثلاث . وهذا الاعتبار مختلف فيه في الفقه الإسلامي، فالحنفية هم الذين يسلمون به، أما المذاهب الثلاثة الأخرى فلا تعتبر الجوار سبباً للأخذ بالشفعة، وقد كان هذا الاعتبار محلاً للمناقشة في لجنة الأستاذ كامل صدقي، فأيده بعض الأعضاء وعارضه بعض آخر وجعل المشروع التمهيدي للتقنين المدني الجديد الجوار في أحوال ثلاث سبباً للأخذ بالشفعة، ثم ألغى أصلاً في المشروع النهائي أمام لجنة المراجعة، وإعادته في إحدى أحواله الثلاث لجنة الشؤون التشريعية لمجلس النواب، وأعاده مجلس النواب كاملاً في أحواله الثلاث بعد مناقشات طويلة سبقت الإشارة إليه، وأقر ذلك مجلس الشيوخ، فأصبح الجوار بجميع أحواله سبباً من أسباب الأخذ بالشفعة في التقنين المدني الجديد، كما كان الأمر في قانون الشفعة السابق.
مالك الرقبة : تثبت صفة الشفيع، في المرتبة الأولى، " لمالك الرقبة إذا بيع كل حق الانتفاع الملابس لها أو بعضه " ( م 936 بند أ مدني) .
وهذه الحالة، وإن كانت نادرة الحصول في العمل، يمكن أن نتصور تحققها في فروض مختلفة.
الشريك في الشيوع : وتثبت صفة الشفيع، في المرتبة الثانية، " للشريك في الشيوع إذا بيع شيء من العقار الشائع إلى أجنبى " ( م 936 بندب مدني ويخلص من النص أن هناك عقاراً شائعاً وأن أحد الشركاء في الشيوع باع حصته الشائعة أو شيئاً منها إلى أجنبي، فيكون للشركاء في الشيوع الآخرين أو لأي منهم أن يأخذ بالشفعة الحصة الشائعة المبيعة . فيجب إذن : ( 1 ) أن يكون هناك عقار شائع . ( 2 ) وأن يبيع أحد الشركاء حصته الشائعة . ( 3 ) وأن يكون البيع الأجنبي .
يجب أن يكون هناك عقار شائع فالعقار الذي كان شائعاً، ثم قسم إلى أجزاء مفرزة لكل شريك جزء مفرز اختص به، لا تكون فيه شفعة بسبب الشركة في الشيوع.
وإذا باع أحد منهم جزءه المفرز، لم يكن للآخرين أن يشفعوا فيه باعتبارهم شركاء في الشيوع، فهم بعد القسمة لم يعودوا شركاء في الشيوع بل أصبحوا جيراناً وعلى ذلك إذا جاز لأحد منهم أن يأخذ بالشفعة الجزء المفرز المبيع، فإنما يجوز له ذلك باعتباره جاراً إذا استوفى سائر شروط الجار فيما سنبينه ولا يجعل الحائط المشترك الفاصل بين عقارين هذين العقارين شائعين بين مالكيهما، لأن الشركة هنا مقصورة على الحائط وليست في ذات العقار، بل يكون كل مالك منهما جاراً للمالك الآخر، ويشفع بالجوار إذا توافرت شروطه . كذلك إذا كان هناك فناء مشترك أو طريق مشترك أو مجرى مشترك بين عقارين، فالعقاران لا يكونان شائعين بل يكونان متجاورين، والشفعة في كل منهما تكون بالجوار إذا توافرت شروطه.
صاحب حق الانتفاع، وتثبت صفة الشفيع، في المرتبة الثالثة، "لصاحب حق الانتفاع إذا بيعت كل الرقبة الملابسة لهذا الحق أو بعضها " ( م 936 بند ج مدني ) . ويخلص من هذا النص أن صاحب حق الانتفاع هنا يشفع في الرقبة ولذلك يأتي في المرتبة الثالثة كما قدمنا، أما إذا كان يشفع في حصة شائعة في حق الانتفاع فإنه يشفع فيها كشريك في الشيوع ويأتي في المرتبة الثانية شأنه في ذلك شأن سائر الشركاء في الشيوع كما سبق القول.
وقد تقدم الكلام في صاحب حق الانتفاع عندما يشفع في حصة شائعة في هذا الحق عند الكلام في شفعة الشريك في الشيوع، والذي يعنينا هنا هو الكلام في صاحب حق الانتفاع عندما يشفع في الرقبة و تندرج في الفروض هنا، كما تدرجنا في الفروض بالنسبة إلى شفعة مالك الرقبة في حق الانتفاع.
فأبسط الفروض هو أن يكون هناك عقار مملوك لشخص، وقد رتب عليه حق انتفاع لمصلحة شخص آخر، فأصبح مالك العقار مالكاً لرقبته فقطز فإذا باع هذا الأخير الرقبة التي يملكها، كان لصاحب حق الانتفاع أن يشفع في الرقبة المبيعة، فلم بذلك شتات الملكية إذ يصبح مالكاً للعقار ملكية تامة وهذا هو الغرض الذي أعطى صاحب حق الانتفاع الشفعة في الرقبة .
وفي يفرض ثان أكثر تعقيداً يملك العقار شخصان في الشيوع، ويرتبان عليه حق انتفاع لمصلحة شخص واحد، فيصبحان مالكين لرقبة العقار في الشيوع، ونفرض أن لكل منهما النصف، فإذا باع أحدهما النصف الذي يملكه في الرقبة، كان لهذا النصف شفيعان كما قدمنا، مالك النصف الآخر للرقبة ويعتبر شريكاً في الشيوع وهو مقدم إذ هو في المرتبة الثانية من الشفعاء، فإذا لم يأخذ بالشفعة جاز أن يأخذ بها صاحب حق الانتفاع وهو تال في المرتبة الثالثة بين الشفعاء، فإذا أخذ صاحب حق الانتفاع النصف المبيع من الرقبة بالشفعة، لم شتات ملكية العقار في نصفه إذ يصبح مالكاً ملكية تامة لهذا النصف، ويظل صاحب حق انتفاع في النصف الثاني من العقار، فهذه على كل حال خطوة نحو لم شتات الملكية، قد تتلوها خطوة أخرى إذا باع مالك النصف الآخر من الرقبة النصف الذي يملكه، فيأخذه بالشفعة صاحب حق الانتفاع في هذا النصف من الرقبة باعتباره صاحب حق انتفاع يشفع في الرقبة، بل يستطيع أن يأخذه قبل ذلك باعتباره شريكاً في الرقبة إذ قد سبق له أن شفع في نصفها ويكون ذلك باعتباره شريكاً في الشيوع، فيملك في الحالين العقار كله ملكية تامة، ويلم شتات الملكية على وجه كامل.
والفرض الثالث الأكثر تعقيداً من الفرضين المتقدمين، يملك فيه العقار شخص واحد ويرتب عليه حق انتفاع لشخصين في الشيوع ( لكل منهما النصف مثلاً )، فيصبح بذلك مالكاً لرقبة العقار . فإذا باع هذه الرقبة، فلا شك في أن صاحبي حق الانتفاع لهما أن يشفعا معاً في الرقبة كل بقدر النصف، فيصبحا مالكين مناصفة للعقار ملكية تامة، كذلك يستطيع أحد صاحبي حق الانتفاع أن يأخذ بالشفعة نصف الرقبة الملابس للنصف الذي يملكه في حق الانتفاع، فيصبح مالكاً لنصف العقار في الشيوع ملكية تامة، ويبقى النصف الآخر من العقار مقسماً بين صاحب حق الانتفاع الآخر والمشتري لكل الرقبة وقد أصبح الآن لا يملك إلا نصفها بعد أن أخذ منه النصف بالشفعة، وقد يعترض هذا المشتري على ذلك متمسكاً بعدم تفرق الصفقة عليه، إذ هو قد اشترى كل الرقبة ولم يخلص له إلا نصفها، ففي هذه الحالة يكون له الحق في إجبار صاحب نصف حق الانتفاع الذي أخذ بالشفعة نصف الرقبة على أن يأخذ النصف الآخر في الرقبة منعاً لتفرق الصفقة، أو أن يترك الشفعة في نصف الرقبة الذي أراد أخذه . فإن أخذ صاحب نصف حق الانتفاع كل الرقبة، أصبح مالكاً لنصف العقار ملكية تامة ومالكاً للرقبة في النصف الآخر، وإن ترك الشفعة، خلص لمشتري الرقبة حقه كاملاً في الرقبة التي اشتراها ولا تتفرق عليه الصفقة، وظل مالكاً حق الانتفاع كما هما مالكين لهذا الحق في الشيوع بعد أن ترك كل منهما حق الأخذ بالشفعة.
يبقى أن نستعرض فرضاً أخيراً، هو أن يملك العقار مالكان في الشيوع ( كل بمقدار النصف مثلاً، ويرتبان معاً حق الانتفاع في هذا العقار لمصلحة شخصين في الشيوع كل بمقدار النصف، فإن باع أحد مالكي الرقبة النصف الشائع الذي يملكه في الرقبة، جاز لمالكي حق الانتفاع أن يأخذا معاً هذا النصف بالشفعة، لأن كلاً منها يملك الأخذ بالشفعة، ما لم يطلبه الشريك الآخر في الرقبة فيأخذه لأنه شريك في الشيوع ومقدم في المرتبة على صاحبي حق الانتفاع . كذلك يستطيع أحد مالكي حق الانتفاع وحده أن يأخذ نصف الرقبة المبيع بالشفعة إذا لم يطلبه الشريك الآخر في الرقبة، ولا يستطيع المشتري أن يعترض لأن الصفقة لم تتفرق عليه . وإذا باع مالكا الرقبة كل الحق، جاز لصاحب حق الانتفاع أن يأخذها معاً بالشفعة، وجاز لأحدهما أن يأخذ بالشفعة نصف الرقبة الملابس لحقه في الانتفاع، إلا إذا تمسك المشتري بعدم تفريق الصفقة، فيتحتم عندئذ على هذا الشفيع إما أن يأخذ كل الرقبة أو أن يترك الأخذ بالشفعة أصلاً.
– مالك الرقبة والمستحكر في الحكر : وتثبت صفة الشفيع، في المرتبة الرابعة، " لمالك الرقبة فى الحكر إذا بيع حق الحكر، وللمستحكر إذا بيعت الرقبة " وهذا السبب من أسباب الأخذ بالشفعة قد استحدثه التقنين المدني الجديد، فلم يكن معروفاً لا في التقنين المدني السابق ولا في قانون الشفعة السابق، وقالت المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في تبرير استحداثه : " ويلاحظ ثانياً أن المشروع قد زاد على الشفعاء الذين أقرتهم اللجنة المحتكر ومالك الرقبة، فكل منها يأخذ بالشفعة من الآخر، جمعاً لما تفرق من حق الملكية كما في الرقبة وحق الانتفاع، وابتغاء لوسيلة جديدة ينتهي بها حق الحكر وهو حق غير مرغوب في بقائه " .
الجار المالك – أحوال ثلاث : وتثبت صفقة الشفيع، في المرتبة الخامسة، " للجار المالك فى الأحوال الآتية :
(1) إذا كانت العقارات تمن المباني أو من الأراضي المعدة للبناء، سواء أكانت في المدن أم فى القرى .
(2) إذا كان للأرض المبيعة حق ارتفاق على أرض الجار، أو كان حق الارتفاق الأرض الجار على الأرض المبيعة .
(3) إذا كانت أرض الجار ملاصقة للأرض المبيعة من جهتين، وتساوي من القيمة نصف ثمن الأرض المبيعة على الأقل " ( م 936 بند هـ مدني) .
ونرى من ذلك أنه يجب مبدئياً التمييز بين المباني والأراضي المعدة للبناء من جهة، والأراضي غير المعدة للبناء ويغلب أن تكون هذه الأراضي الزراعية من جهة أخرى . فكل المباني القائمة فعلاً، سواء كانت قائمة في المدن أو في القرى، داخل حدود المباني أو خارجها، تدخل في الطائفة الأولى وتدخل في الطائفة الأولى أيضاً الأراضي التي لا تقوم عليها مبان فعلاً ولكنها تعتبر أراضي معدة للبناء، ويرجع في تحديد هذه الأراضي المعدة للبناء إلى الخرائط التي تعين حدود المدينة أو القرية (الكردون)، فإذا كانت الأرض تدخل في نطاق هذه الحدود فهي أرض معدة للبناء، حتى لو كان صاحبها قد خصصها مؤقتاً لغرض آخر كالزراعة، والأرض التي لا تدخل في نطاق هذه الحدود تعتبر أرضاً غير معدة للبناء، وذلك ما لم يكن صاحبها قد أعدها بالفعل لتكون أرض بناء فتعتبر في هذه الحالة أرضاً معدة للبناء فإذا استبعدنا المباني القائمة فعلاً والأراضي المعدة للبناء على التحديد الذي ذكرناه، كان ما بقى من الأراضي يعتبر أرضاً غير معدة للبناء – ويغلب أن تكون أرضاً مزروعة أو معدة للزراعة – وتدخل في الطائفة الثانية.
والشفعة في المباني والأراضي المعدة للبناء – وهذه هي الحالة الأولى للجوار – يكفي فيها مجرد الملاصقة . أما الأراضي غير المعدة للبناء، فالشفعة فيها لا تكون بمجرد الملاصقة، بل يجب أيضاً فوق ذلك أحد أمرين : إما أن يكون للأرض أو عليها حق إرتفاق بالنسبة إلى الأرض المشفوع فيها وهذه هي الحالة الثانية للجوار، أو أن تكون الأرض ملاصقة للأرض المشفوع فيها من جهتين وتساوي في الوقت ذاته نصف ثمن هذه الأرض الأخيرة على الأقل وهذه هي الحالة الثالثة للجوار. (الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ التاسع، المجلد/ الأول، الصفحة/ 714)
أسباب الشفعة
أولاً : بيع حق الانتفاع بموجب عقد غير مسجل:
تنص الفقرة (أ) من المادة 936 من القانون المدني على أن يثبت الحق في الشفعة لمالك الرقبة إذا بيع كل حق الانتفاع الملابس لها أو بعضه.
وحق الانتفاع أحد عنصری حق الملكية المكون من حقي الرقبة والانتفاع، وهو حق عینی متفرع عن حق الملكية، وبالتالي إذا كان ناشئاً عن تصرف قانوني فإنه لا ينتقل من المالك إلى المنتفع إلا بالتسجيل، فإن لم يتم تسجيل التصرف المنشئ له، فإن الملكية بعنصریها تظل للمالك، فإذا باع المنتفع حق الانتفاع الذي لم ينتقل له بعد، فإن مؤدى ذلك ألا تكون للمالك مصلحة في طلب أخذه بالشفعة، لأن الشفعة سبب من أسباب كسب الملكية يلجأ إليها غير الملك لاكتساب ملكية العقار المبيع، وبالتالي لا تكون هناك مصلحة لمن ظلت له الملكية في طلب الشفعة.
ومتى قام المنتفع الذي لم يسجل عقده، ببيع حق الانتفاع، فإن الدعوى التي يجوز للمالك رفعها ضد المشتري ومن باعه هذا الحق، حتى يتمكن من إسترداد حق الانتفاع، هي الدعوى باستحقاقه هذا الحق مقابل الثمن المدفوع، وهی دعوى باسترداد حق عقارى، لا يلزم فيها إيداع الثمن خزينة المحكمة ولا إتخاذ أي من إجراءات الشفعة.
فإذا رفع المالك بالرغم من ذلك دعوى الشفعة، تعين على المحكمة إعطاء الدعوى الوصف الصحيح لها، وبالتالي تعتبرها دعوى باستحقاق حق الانتفاع، وتقضي فيها على هذا الأساس.
إذا قام المنتفع بتسجيل العقد الصادر له من المالك، انتقلت إليه ملكية حق الانتفاع، وبقى للمالك حق الرقبة، فإذا باع المنتفع حقه، ثبت لمالك الرقبة حق طلب الشفعة في هذا البيع، اعتباراً من تاريخ البيع الابتدائي، وبالتالي يكون له رفع دعوى الشفعة ولو لم يكن قد أنذر، أو الانتظار حتى يتم إنذاره فيعلن رغبته في أخذ حق الانتفاع بالشفعة، ثم يوالي الإجراءات.
فإذا تعدد ملاك الرقبة، جاز لهم جميعاً أو لبعضهم طلب الشفعة في حق الانتفاع، وإذا طلب هؤلاء نسبة من حق الانتفاع لكل منهم تعادل حصته في الرقبة، كانت دعواهم مقبولة، أما إذا تنازل أحدهم بعد ذلك، أدى هذا التنازل إلى جزئه الشفعة وسقوط الحق فيها بالنسبة لباقي المدعين وإذا تعدد أصحاب حق الانتفاع، وباع أحدهم حصته، جاز لمالك الرقبة أخذها بالشفعة دون باقی المنتفعين.
لا شفعة لصاحب حق الاستعمال وحق السكنى:
حق الاستعمال وحق السكنى من الحقوق العينية المتفرعة عن حق الملكية، مثلهما في ذلك مثل حق الانتفاع، وحصر المشرع الحق في طلب الشفعة لصاحب حق الانتفاع دون صاحب حق الاستعمال وحق السكنى.
ثانياً: الشفعة في الملكية الشائعة ولو ورد البيع على حصة مفرزة
تنص الفقرة (ب) من المادة 936 من القانون المدني على أن يثبت الحق في الشفعة للشريك في الشيوع إذا بيع شيء من العقار الشائع إلى أجنبى.
مفاد ذلك أن للشريك المشتاع فيما يباع شائعاً لأجنبي، أن يشفع في القصة التي يبيعها شريك آخر شائعة لأجنبي، فيجب أن نكون بصدد حالة شيوع فإن كان الشيوع قد انتهى فلا نكون بصدد شركاء في الشيوع إذ أصبح كل شريك بعد القسمة مالكاً لقدر مفرز فإن بیعت حصة بعد ذلك فتكون الشفعة فيها على أساس آخر غير الشيوع كالجوار، كما يجب أن تباع الحصة شائعة فإن بیعت حصة مفرزة فإن هذا البيع يكون غير نافذ في حق باقي المشتاعين ولا يجوز أخذه بالشفعة وفقاً لرأي السنهوري وعبد الباقي ونرى أن بيع الشريك لحصة مفرزة لا يكون باطلاً وإن كان غير نافذ في حق باقي الشركاء ويتوقف نفاذه على موافقة هؤلاء أو على نتيجة القسمة وهي الشروط التي على البيع عليها والبيوع المشروطة تجوز الشفعة فيها ومن ثم يكون لباقي الشركاء أن يشفعوا في الحصة المفرزة البيعة كما لو كانت شائعة لأنهم لا يحاجون بهذا الافراز الذي تم بارادة الشريك البائع المنفردة، ومتى قضى بالشفعة وأصبح الحكم نهائياً فلا ينال منها إجراء قسمة ووقوع حصة الشفيع في جزء غير ملاصق لحصة البائع، لكن أن تمت القسمة قبل صدور الحكم واختص الشفيع بحصة غير ملاصقة لحصة البائع، فإن شرطاً من شروط الشفعة يكون قد تخلف قبل ثبوت الحق فيها ومن ثم يتعين رفض الدعوى اذ يجب أن يستمر سبب الشفعة قائماً حتى تتقرر بصفة نهائية، رضاء أو قضاء، مفاد ذلك أنه قبل صدور حكم نهائي أو اقرار بحق الشفيع، تكون الشفعة معلقة كالبيع ذاته على نتيجة القسمة بحيث أن اختص الشفيع بالجزء الملاصق للحصة المبيعة صح البيع واستقر الحق في الشفعة.
كما يجب أن يتم البيع لأجنبي فلا تجوز الشفعة إذا باع شريك حصته شائعة لشريك آخر فالشركاء في مرتبة واحدة فلا يفضل أحدهما على المشترى الشريك، فإذا طلب أكثر من شريك بالحصة التي بيعت لأجنبي كانت لهم بنسبة حصة كل منهم، ويجب أن يكون الشفيع مالكاً لحصته ولا يكون كذلك إلا إذا كان قد سجل عقده قبل البيع الذي يشفع فيه وإلا يكون قد أسقط حقه في الشفعة، وإذا وافق الشركاء على تجنيب حصة أحد الشركاء فلا يدل ذلك على اسقاط حقهم في طلب الشفعة إذا تصرف الشريك في تلك الحصة بالبيع، وحينئذ يرجع سبب الشفعة إلى الجوار.
مناط ثبوت الشقية المشتري حصة في المال الشائع:
الشفعة في حالة التصرف في جزء شائع:
إذا تصرف الشريك في حصته شائعة، فإن تصرفه يكون وارداً على حق عینی عقاري، وبالتالي لا ينتقل هذا الحق إلى المتصرف إليه إلا بتسجيل التصرف، سواء كان بيعاً أو هبة أو وصية، فإذا تم التسجيل، انتقلت ملكية الحصة شائعة إلى المتصرف إليه وأصبح بذلك شريكاً في المال الشائع حل محل الشريك المتصرف في كل حقوقه ومنها الحق في الشفعة إذا ما تم بيع حصة في ذات المال، سواء تم البيع لها شائعة أو مفرزة، أو تم بيع العقار المجاور إذ يجوز للشريك في الشيوع طلب أخذ هذا العقار بالشفعة استناداً إلى الجوار. فإن لم يكن التصرف الصادر للمتصرف إليه قد سجل، فإن الأخير لا يعتبر مالكاً في المال الشائع حتى لو كان تسلم حصته وانتفع بريعها ما لم يكن قد انقضي على حيازته لها مدة التقادم الطويل، فإنه يتملكها بالتقادم وليس بالعقد، وحينئذ تثبت له كافة حقوق الشريك في المال الشائع ومنها أخذ المبيع بالشفعة.
الشفعة في البناء الشائع المقام على أرض الغير:
أن حق القرار حق عینی عقارى لا تنشأ ولا تنتقل إلا بالتسجيل، وأن الباني على أرض غيره، لا يكتسب حق القرار إلا إذا كان مالك العقار قد صرح له بالبناء على سبيل البقاء والقرار، وإن يتم تسجيل هذا الاتفاق، فإن لم يوجد إتفاق، فإن ملكية البناء تكون المالك الأرض بالالتصاق.
أما إذا وجد الاتفاق وتم تسجيله، نشأ للبانی حق القرار وتملك البناء بموجب هذا الاتفاق، فإذا تعدد ملاك البناء وكان شائعاً بينهم، وباع أحدهم حصته فيه، جاز لأي من باقي الشركاء أخذها بالشفعة استناداً إلى الشيوع في الملك، ويقدم هؤلاء على مالك الأرض إذا طالب الأخير بدوره أخذ الحصة بالشفعة، إذ يعتبر مالك الرقبة وقد أنشأ للمشتاعین الحق في الانتفاع بأرضه بإقامة بناء عليها، وبالتالي تكون المزاحمة بين شريك في الشيوع في حق الانتفاع وبين مالك الرقبة، فيفضل المشتاع.
الشفعة في حالة التصرف في جزء مفرز:
إذا تصرف الشريك فى حصة مفرزة، فإن التصرف يكون وارداً على جزء محدد يستقل في حيزه عن باقي المال الشائع، وبالتالي لا يعتبر المتصرف إليه شريكاً في هذا المال، ولكن يعتبر جاراً له وللعقارات الأخرى المجاورة للجزء المفرز، وله أن يشفع في أي منها إذا توافرت لديه شروط أخذها بالشفعة، فإذا تم بيع حصة شائعة في المال الشائع، فلا يجوز لمن تلقى ملكية جزء مفرز من هذا المال أن يطلب أخذ الحصة الشائعة بالشفعة إلا بسبب الجوار، فيتقدم عليه الشريك في المال الشائع إذا طلب الأخير الشفعة بدوره، فإن لم يطلبها قضى بالشفعة لمالك الجزء المفرز على أساس أنه جار مالك للعقار المجاور.
ذلك أن من تلقى ملكية جزء مفرز من المال الشائع لا يعتبر شريكاً في هذا المال، وبالتالي لا يكون له أي حق من حقوق الشركاء ومنها أخذ الحصة المبيعة الشائعة بالشفعة استناداً إلى الشيوع. فإذا ورد هذا البيع الأخير على حصة مفرزة مجاورة للجزء المفرز السابق، فإن هذا البيع المفرز لا يحاج به الشركاء ويكون بالنسبة لهم واردا على حصة شائعة وبالتالي يجوز لهم أخذه بالشفعة استناداً الأحكام الشيوع، فإن لم يطلب أحدهم أخذه بالشفعة جاز لمالك الجزء المفرز الأول أخذه بالشفعة استناداً للجوار وليس لأحكام الشيوع.
وطالما أن من تلقى حصة مفرزة لا يعتبر شريكاً في المال الشائع فلا يتدخل في القسمة التي تتم، رضاء أوقضاء، ويمثله فيها الشريك البائع وبالتالي يحاج بالقسمة التي تتم ولو لم تسجل إذا لا يعتبر من طبقة الغير بالنسبة لها، ويترتب على ذلك، أنه اذا رفع دعوى لأخذ العقار المجاور بالشفعة، فإنه يجب لقبولها أن يظل مالكاً للجزء الذي تلقاه والذي يشفع به حتى يصدر له حكم نهائي باستحقاقه هذا العقار بالشفعة، فإذا تمت القسمة قبل صدور هذا الحكم واختص الشريك البائع بذات الجزء استقامت دعوى الشفعة، أما اذا اختص هذا الشريك بجزء آخر غير مجاور للعقار المشفوع فيه، انتقلت ملكية طالب الشفعة إلى هذا الجزء، فلم يصبح بذلك مالكاً للجزء الذي يشفع به، وأدى ذلك إلى سقوط حقه في الشفعة، أما إذا صدر للشفيع حكم نهائي باستحقاقه العقار المجاور بالشفعة، إستقرت له بذلك ملكية هذا العقار بموجب ذلك الحكم، فلا ينال من هذه الملكية قسمة المال الشائع واختصاص الشريك البائع بجزء غير مجاور للعقار الذي آلت ملكيته للشفيع، وكل ما يترتب على هذه القسمة انتقال ملكية المشترى من الشريك إلى الجزء الذي اختص به هذا الشريك بموجب القسمة.
فإن لم يكن الحكم النهائي قد صدر باستحقاق الشفيع للعقار المجاور بالشفعة، وتمت القسمة، واختص الشريك البائع بجزء آخر، ولكنه مجاور أيضاً للعقار المشفوع فيه وتوافرت بذلك شروط الجوار، فإنه بالرغم من ذلك، يسقط حق الشفيع في أخذ العقار المشفوع فيه بالشفعة، ذلك أن الشفيع عندما رفع دعوى الشفعة لم يكن يملك العقار المشفوع به عملاً بالأثر الرجعي للقسمة فإذا آلت إليه بعد ذلك ملكية عقار آخر تتوافر به شروط الجوار، فإن ذلك يكون محلاً لدعوى جديدة ولا تستقيم به الدعوى القائمة، وفي هذه الحالة، إن كانت الدعوى مازالت منظورة أمام محكمة الدرجة الأولى، ولم يكن البائع أو المشتري قد أنذر الشفيع، فإن مواعيد الشفعة تكون مفتوحة مما يجوز معه للشفيع ترك دعواه القائمة ورفع دعوى جديدة بطلب الشفعة.
أثر التصادق على حق المشتاع في الشفعة:
ويتوقف حق باقي الشركاء في طلب الشفعة في الجزء المفرز على شكل الإقرار الصادر منهم، فإن جاء إقرارهم في تصرف صادر منهم وحدهم أو كان بينهم وبين الشريك الذي تم له الإفراز، ظل لهم الحق في طلب الشفعة إذا تصرف هذا الشريك في حصته المفرزة استناداً إلى الجوار وليس استناداً إلى الشيوع إذ لم يصبح البائع مشتاعاً وإنما جاراً إن كانت حصته مجاورة لباقي المال. أما اذا جاء الإقرار ضمن بنود العقد الذي تم به التصرف، كان ذلك بمثابة تنازل عن الحق في أخذ هذه الحصة بالشفعة سواء أشهر هذا التصرف أم لم يشهر.
استرداد الحصة المبيعة والشفعة فيها:
مؤدی قواعد المال الشائع أن الحصة التي يبيعها أحد الشركاء تعتبر شائعة في مواجهة باقي الشركاء حتى لو باعها الشريك مفرزة. فترد عليها الشفعة في العقار والاسترداد في المجموع من المال إذا كانت طبيعة هذا المال تقبل التجزئة حتى لو ورد البيع على عقار ضمن هذا المال عندما يكون مخصصاً لاستغلال معين كما لو تكون هذا المال من مصنع الحق به أرض زراعية لتصنيع الناتج منها وأرض فضاء ومخازن. أما المنقول الشائع فلا يتصور بيع حصة مفرزة منه كالسيارة ومن ثم تسترد الحصة الشائعة المبيعة.
الشفعة في حالة قسمة المال الشائع:
يجوز لكل من الشركاء في المال الشائع أن يطلب أخذ العقار المجاور بالشفعة استناداً للجوار، باعتبار أن كل شريك يملك في كل ذرة في المال الشائع بقدر حصته فيه، وبذلك يعتبر جاراً مالكاً طالما استند في ملكيته إلى سبب من أسباب كسب الملكية الشائعة كالعقد المسجل المتضمن حصة شائعة أو الميراث أو التقادم . ويظل له الحق في طلب الشفعة في العقار المجاور مادام السبب الذي يستند اليه قائماً حتى صدور الحكم النهائي باستحقاقه للعقار بالشفعة.
قسمة المهايأة لا تحول دون طلب الشفعة:
قسمة المال الشائع، قد تكون نسمة نهائية ينقضي بها الشيوع ويختص كلام شريك بموجبها بجزء مفرز. وقد تكون قسمة منفعة وقتية لا ينقضي بها الشيوع وإنما يظل قائماً منتجاً لكافة آثاره ويظل لكل شريك حقه شائعاً في المال الشائع بما في ذلك حقه في أخذ العقار المجاور لهذا المال بالشفعة حتى لو كان الجزء الذي ينتفع به غیر مجاور للعقار المشفوع فيه ودامت حيازته له وانتفاعه به مدة خمس عشرة سنة .
ثالثاً: بیع حق الرقبة:
وينصرف حق الرقبة في العقار إلى السيطرة عليه سواء كان أرضاً أو بناء، بينما ينصرف حق الانتفاع إلى إستغلال هذا العقار والانتفاع به وفقاً للغرض المعد له. وفي ملكية الطبقات، قد يبيع المالك إحدى الطبقات ويحتفظ لنفسه بملكية الأرض المقام عليها البناء، وحينئذ يتملك صاحب الطبقة تلك الطبقة ملكية تامة فلا يعتبر منتفعاً بها، وإنما تظل الأرض مملوكة لمن أقام البناء، ويترتب على ذلك، أن صاحب الطبقة لو باعها، فلا يجوز لمالك الأرض أخذها بالشفعة، وإذا أراد الاخير تمليك الأرض لأصحاب الطبقات بعد أن تملكوا طبقاتهم، فلا يجبرون على ذلك، لما تتطلبه تلك الملكية من إبرام عقد بيع جديد منبت الصلة بالعقد المتعلق بتمليك الطبقات أو الوحدات.
وإذا تعدد أصحاب حق الرقبة، وباع أحدهم حصته، ثبت الحق في الشفعة أولاً لباقي أصحاب هذا الحق، کل بنسبة حصته في الرقبة، فإن انحصر طلب الشفعة في واحد فقط من أصحاب حق الرقبة، استحق وحده الجزء المبيع، فإن لم يطلب أحد هؤلاء أخذ البيع بالشفعة، ثبت الحق فيها لصاحب حق الإنتفاع، فإن تعدد أصحاب هذا الحق وطلبوا الأخذ بالشفعة دون تحديد نسبة استحقاق كل منهم، قضى لهم على أن يقسم المبيع وفقاً لحصة كل منهم في حق الانتفاع، فإذا ترك أحدهم دعواه، قضى للباقيين بالشفعة في كل حق الرقبة على أن يقسم بينهم وفقاً لحصة كل منهم في حق الانتفاع وفقاً لإرادتهم الضمنية التي تنصرف إلى ذلك. أما اذا طلب كل منهم استحقاقه لجزء من الرقبة يعادل حصته في حق الانتفاع، ثم تنازل أحدهم عن طلبه بترك دعواه، سقط حق الباقيين في الشفعة حتى لا تتجرأ على المشتري، ويراعى أن إشتراك أصحاب حق الانتفاع في دعوى الشفعة يجعلها دعوی جمعت عدة دعاوى إذ كان يجوز لكل منتفع رفع دعوى مستقلة وبالتالى يرد الترك على أي منها رغم اجتماعها في صحيفة واحدة.
فإن كان المنتفع لم يسجل العقد الصادر له، فإن ملكية حق الانتفاع لا تنتقل إليه وبالتالي لا يعتبر مالكاً، فلا تقبل دعواه بالشفعة إذا باع المالك حق الرقبة، فإذا تم تسجيل عقد البيع المتعلق بهذا الحق الأخير، انتقل إلى المشتري وظل حق الانتفاع مملوكاً للمالك الأصلي الذي يكون ملتزماً بنقله الى المنتفع ويكون ضامناً لتنفيذ هذا الالتزام وبالتالي يمتنع عليه إعادة بيعه لأن من يلتزم بالضمان يمتنع عليه التعرض وهو التزام أبدى، لكن إذا باعه وسجل المشتري عقد البيع إنتقل للأخير حق الانتفاع وتحقق ضمان البائع.
وإذا تعدد أصحاب حق الإنتفاع، وتم بيع حق الرقبة كاملاً، جاز لأي من أصحاب حق الانتفاع أخذ حق الرقبة كاملاً بالشفعة.
رابعاً: الشفعة في الحكر:
والحكر، هو عقد إيجار يقصد به استبقاء الأرض الموقوفة مقررة للبناء والتعلی أو الغراس أو لأحدهما، والمحكر هو المؤجر، والمستحكر هو المستأجر، ويدفع الأخير أجرة شهرية أو سنوية، ويستمر منتفعاً بالعين سواء كانت مبنية أو بها غراس أو كانت فضاء، ويحتفظ المحكر بالرقبة، وللمستحكر حتى انتفاع يخوله التصرف كيفما يشاء في حدود العقد المنشئ للحكر.
خامساً: الجار:
القواعد المشتركة في الجوار:
1- التلاصق بين العقارين:
أن الفقرة (هـ) من المادة 936 من القانون المدني إذ نصت على ثبوت الحق في الشفعة للجار المالك فى الأحوال الآتية:
(1) اذا كانت العقارات من المباني أو من الأراضي المعدة للبناء سواء أكانت فى المدن أم فى القرى.
(2) إذا كان للأرض المبيعة حق ارتفاق على أرض الجار أو كان حق الارتفاق الأرض الجار على الأرض المبيعة.
(3) إذا كانت أرض الجار ملاصقة للأرض المبيعة من جهتين وتساوى من القيمة نصف ثمن الأرض المبيعة على الأقل، فقد دلت على أنه يكفي للأخذ بالشفعة في الحالة الأولى حيث يكون العقار المشفوع به والمشفوع فيه من المباني أو من الأرض المعدة للبناء أو يكونا متجاورين أي متلاصقين من جهة واحدة دون - أي شرط آخر، ومن ثم يثبت الحق في الشفعة للجار المالك الأرض زراعية اذا كان العقار المجاور المبيع من المباني أو من الأراضي المعدة للبناء، ذلك أن الأراضي غير المعدة للبناء لا يكفي فيها للأخذ بالشفعة مجرد التلاصق بل يجب أن يكون الأحكام على الأحيان الوقودة للأرض أو عليها حق ارتفاق أو يكون التلاصق من جهتين مع اشتراط قيمة معينة للعقار المشفوع به كما هو الحال في الحالتين الثانية والثالثة فقرة هـ من المادة 936 سالفة البيان. فالتلاصق واجب في كل هذه الحالات، وقد اكتفى المشرع فيه أن يكون من جهة واحدة إذا كان العقاران من المباني أو الأراضي المعدة للبناء أو كان أحد العقارين بناء والعقار الآخر أرضاً معدة للبناء فإن لم يكن العقاران كذلك، فقد اكتفى أيضاً بأن يكون الالتصاق من جهة واحدة إذا وجد اتفاق يثقل أحد العقارين لصالح العقار الآخر، أو كان الأرتفاق مشتركا بينهما، فإن لم يوجد إرتفاق على هذا النحو، وجب أن يكون التلاصق من جهتين، كما في الأراضي الزراعية والبور والصحراوية.
وإذا صدر قرار بنزع الملكية الجزئي لأي من العقارين أو لكلاهما، يكون من شأنه إلغاء التلاصق بينهما بإنشاء طريق عام يفصل بينهما، سواء صدر هذا القرار قبل إبرام عقد البيع أو بعد إبرامه، فإنه لا يترتب على صدور قرار نزع الملكية امتناع أخذ العقار المبيع بالشفعة، حتى لو أصبح هذا القرار نهائياً بعدم الطعن فيه أو رفض الطعن، وبالتالي يجوز للشفيع رفع دعوى الشفعة والاستمرار فيها طالما لم يتم الاستيلاء الفعلي على الجزء المنزوعة ملكيته، أما إذا تم هذا الاستيلاء قبل صدور الحكم النهائي بالشفعة، تخلف التلاصق وتعين القضاء بسقوط الحق في الشفعة.
2- تحقق ملكية الشفيع:
أن ملكية الشفيع إذا استندت إلى تصرف قانونی، کبيع أو هبة أو وصية أو مقايضة أو غير ذلك من التصرفات، فانه لا يعتبر مالكاً إلا إذا قام بتسجيل هذا التصرف، إذ لا تنتقل إليه الملكية إلا بهذا التسجيل، أما قبل ذلك فلا يعتبر مالكاً وإنما دائناً للمتصرف، لما هو مقرر أن التصرف غير المسجل ينشأ عنه حقوق والتزامات شخصية.
وبالتالي فإن صفة الشفيع لا تثبت إلا لمن انتقلت إليه الملكية قبل إبرام البيع المشفوع فيه، يستوى أن يكون البيع الأخير مسجلاً أو غير مسجل، مما مؤداه أن التصرف الصادر للشفيع يجب أن يكون مسجلاً قبل إبرام البيع المشفوع فيه، فإذا كان قد تلقى حق الملكية بموجب حكم نهائي، وجب أن يكون هذا الحكم قد تم تسجيله قبل إبرام البيع المشفوع فيه، إذ تنتقل ملكية العقار بهذا التسجيل أو من تاريخ التأشير به في هامش تسجيل صحيفة الدعوى التي صدر فيها هذا الحكم دون أن يرتد أثر التأشير إلى تاريخ تسجيل صحيفة الدعوى، إذ ينحصر هذا الارتداد وينتج أثره بالنسبة لمن ترتبت لهم حقوق عينيه على العقار، سواء كانت حقوق عينية أصلية أو تبعية.
الشفعة في البيع النهائي:
ومناط ذلك أن تطابق شروط العقدين الجوهرية بالنسبة لتحديد التزامات الشفيع، أما أن تغيرت شروط العقد النهائي عن شروط العقد الابتدائي، وكان الشفيع لم يطلب أخذ العقار المبيع بالشفعة وقت إبرام عقد البيع الابتدائي وانقضت المواعيد المقررة لذلك، رغم إنذاره. أو كان عقده لم يكن قد تم تسجيله خلال المواعيد المقررة لاعلان رغبته، جاز له الأخذ بالشفعة في البيع النهائي، ووفقاً لشروطه وفي مواعيده.
والشروط الجوهرية التي تجيز الأخذ بالشفعة في عقد البيع النهائي. هي التي تتعلق بالعقار المبيع والثمن، بحيث إذا اختلفت فيه عن العقد الأبتدائى، ثبت الحق في الشفعة، أما الشروط غير الجوهرية في هذا الصدد، فتتعلق بتنفيذ التزامات الطرفين. وهي شروط مقررة لا حاجة إليها إلا اذا كانت قد خالفت نصوص عقد البيع في القانون المدني، إذ لا تتم المغايرة إلا باختلاف ركن أو أكثر من أركان عقد البيع دون شرط من شروطه.
استناد الشفيع في إثبات ملكيته للتقادم المكسب :
فإن كان التصرف الصادر للشفيع لم يسجل، ولكن توافرت له شروط إكتساب العقار المشفوع به بالتقادم، فله طرح التصرف حتى لو كان قد تقدم به في دعوى الشفعة، والاستناد في إثبات ملكيته إلى التقادم، وحينئذ يتعين على المحكمة تحقيق هذا السبب، إما بتحقيق تجريه أو بندب خبير لذلك، وبالتالي يجب أن يثبت لدى المحكمة، أن الشفيع ظل يضع يده على العقار على نحو هادىء وظاهر ومستمر مدة خمس عشرة سنة، فإن لم تكن تلك المدة قد اكتملت بالنسبة له، جاز له ضم مدة حيازة سلفه الى مدة حيازته، فإذا اكتملت مدة التقادم بذلك، إكتسب الشفيع العقار بالتقادم منذ بدء وضع يده إن كانت بده ظلت حائزه للعقار مدة خمس عشرة سنة، أو منذ بدء وضع يد سلفه، في حالة ضم المدتين.
أما إذا تبين عدم اكتمال مدة التقادم، أو أن وضع اليد لم يكن هادئاً وظاهراً ومستمرأً، قضت بعدم قبول الدعوى، إذ لا تكفي الحيازة التي لا تكسب العقار بالتقادم.
لا شفعة للمالك الصوری:
الصورية، إما أن تكون مطلقة أو نسبية، والصورية المطلقة تعدم العقد ويعتبر معها كأن لم يكن حتى لو تم تسجيله. إذ لا يترتب على التسجيل تطهير العقد مما شابه من أسباب تعدم حجيته، فعقد البيع الصوري صورية مطلقة.
وللمدعى عليه في دعوى الشفعة إثبات الصورية المطلقة أو نفيها بكافة طرق الاثبات المقررة، باعتباره من طبقة الغير بالنسبة للعقد الصوري.
أما الصورية النسبية، فإنها لا تعدم العقد، فيظل صحيحاً ونافذاً وتنتقل الملكية بموجبه متى تم تسجيله، ومثل الصورية النسبية إثبات الثمن على غير حقيقته. أو تسخير الغير في الشراء والتستر على المشتري الحقيقي، وبالتالي يجوز الشفعة في البيوع الصورية صورية نسبية، حتى لو أثبتت تلك الصورية.
شرطاً لقبول دعوى الشفعة يوجب أن يكون الشفيع مالكاً للعقار الذي يشفع به، مما يوجب على المحكمة أن تتحقق ومن تلقاء نفسها بأن الشفيع يملك العقار الذي يشفع به، بحيث إذا تخلف هذا الشرط، قضت ومن تلقاء نفسها أيضاً بعدم قبول دعوى الشفعة، طالما أن هذا القبول هو مناط توافر الشرط أو تخلفه.
فإذا لجأ الشفيع الى دعوى صحة ونفاذ عقد البيع الصادر له، وجب أن يقوم بتسجيل صحيفتها، فإذا صدر له فيها حكم بصحة ونفاذ العقد، وقام بالتأشير به في هامش تسجيل الصحيفة، فإن هذا التأشير يكون بمثابة تسجيل للحكم بطريق التأشير الهامشي، وبالتالي فإن ملكية العقار تنتقل إليه من تاريخ هذا التأشير وليس من تاريخ تسجيل صحيفة الدعوى، فإذا كان سند الشفيع حكم صادر بصحة ونفاذ عقد البيع الصادر له وقد تأشر به في هامش تسجيل صحيفة الدعوى، فإنه يتعين لقبول دعواه بالشفعة أن يكون تاريخ هذا التأشير سابقاً على تاريخ إبرام البيع المشفوع فيه، فإن كان تالياً له، كانت دعوى الشفعة غير مقبولة.
فإن قام جار الحائز ببيع عقاره، جاز للحائز باعتباره جاراً مالكاً أن يطلب أخذ العقار المبيع بالشفعة، ويظل حقه قائماً ولا يسقط إلا بتسجيل حكم إيقاع البيع قبل الحكم النهائي في دعوى الشفعة، أما إن صدر الحكم النهائي بأحقية الشفيع الحائز في أخذ العقار بالشفعة، فلا ينال منه تسجيل حكم الشفعة بعد ذلك.
حق القرار، فهو أيضاً حق عینی عقارى، لا ينشأ ولا ينتقل إلا بالتسجيل ولا يعتبر من قبيل حق الرقبة أو حق الانتفاع أذا قام غير مالك الأرض بإنشاء بناء بالعقار، استناداً إلى اتفاق بين الباني والمالك وتم تسجيل هذا الاتفاق. وحينئذ يعتبر البانی مالكاً للبناء المستقر في العقار، وينشأ له بالتالي حق القرار الذي يجيز له طلب الشفعة في حالة بيع العقار المجاور، ويبقى لمالك الأرض حقه في طلبها.
مغتصب الأرض إذا أقام عليها بناء لا يعتبر مالكاً لا للأرض ولا للبناء ومن ثم لا يجوز له طلب الشفعة في العقار المجاور إلا إذا تملك الأرض والبناء بالتقادم الطويل أو القصير حسب الأحوال، أما قبل ذلك فتثبت الملكية لصاحب الأرض باعتباره مالكاً للأرض وفقاً لسنده وللبناء بحكم الالتصاق فيكون له وحده طلب الشفعة.
إذا توافرت لدى البانی شروط الحيازة المكسبة للملكية واستمرت خمس عشرة سنة، فإن البانی يكون قد توافر لديه سبب من أسباب کسب ملكية حق القرار باعتباره حقاً عينياً عقارياً، وهو ما يتساوى مع تسجيل التصرف فيما يتعلق باعتبار البانی مالكاً لحق القرار في معنى المادة 936 من القانون المدني، وبالتالي يجوز له الأخذ بالشفعة.
كذلك الحال بالنسبة للمستأجر الذي يقيم بناء بالعين المؤجرة، إذ يظل صاحب حق شخصی وأما عن مصير البناء بعد انتهاء الإيجار فإما أن يكون للمؤجر إذا تم الاتفاق على ذلك وإما أن ينزعه المستأجر حسبما تنص عليه المادة 592 من القانون المدني، ومفاد ذلك أن المستأجر لم يتملك البناء على سبيل البقاء والقرار ومن ثم لا يعتبر جاراً مالكاً وهو ما يحول بينه وبين طلب الشفعة.
حالات الشفعة بسبب الجوار
( الحالة الأولى) الجوار في المباني والأراضي المعدة للبناء:
مما مؤداه. أن الشفعة تثبت للجار، سواء كان العقاران مبنيين أو أرضين معدتين للبناء، أو كان أحد العقارين مبنياً والآخر أرض معدة للبناء، وتعتبر الأرض معدة للبناء إذا كانت داخلة في کردون المدينة أو القرية حتى لو كانت مستعملة في الزراعة.
ويكفي للأخذ بالشفعة في هذه الحالة أن يتوافر التلاصق بين العقارين ولو من جهة واحدة منذ البيع وحتى طلب الشفعة وبأي امتداد مهما صغر، فإن أنتفی التلاصق ولو بوجود أرض للبائع لم يشملها البيع فلا شفعة بشرط انتفاء التحايل الذي يتحقق عندما يترك البائع شريطاً من الأرض لا يتضمنه البيع أو يهبه للمشترى منعاً للشفعة في هذه الحالة يثبت للشفيع الحق في الشفعة متى تمكن من إثبات التحايل.
ولما كان الشريك في الشيوع يمتلك في كل ذرة من المال الشائع، وبالتالي فإنه يعتبر جاراً للعقار الملاحق، وبالتالي يثبت له الحق في الشفعة في حالة بيع العقار المجاور، فإن كان عقاره وعقار الجار من المباني أو أرض معدة للبناء، جاز له طلب الشفعة متى توافر التلاصق من جهة واحدة بأي قدر ولو بشبر واحد، فإن لم يكن العقاران أو أحدهما من المباني أو الأرض المعدة للبناء، وجب أن يكون لأحدهما على الآخر حق ارتفاق. فإن لم يتوافر ذلك، وجب أن يكون التلاصق من جهتين. فإن لم يتوافر ذلك، فلا تجوز الشفعة.
وطالما أعتبر الشريك في الشيوع جاراً، فإن مالك العقار الملاصق للعفر الشائع، يعتبر جاراً للعقار الأخير، وبالتالي يجوز له طلب أخذ الحصة التي يبيعها أحد الشركاء بالشفعة، فإذا زاحمه شريك في الشيوع، كانت الأفضلية للشريك عملاً بالمادة 937 من القانون المدني .
(الحالة الثانية): وجود ارتفاق يثقل أحد العقارين:
مفاده، أن الحق في الشفعة يثبت في هذه الحالة إذا توافر الجوار ولو من جهة واحدة وبأي قدر من المسافة ولو بشبر واحد، وأن يوجد ارتفاق يثقل أحد العقارين لمصلحة العقار الآخر، فلا يكفي وجود حق ارتفاق دون توافر الجوار. كما لا يكفى توافر الجوار دون الارتفاق. وإذا توافر الجوار ووجدت مروى أو مصرف بین العقارين مملوكين ملكية خاصة لأحد الجارين دون أن يكون للجار الآخر حق ارتفاق عليهما، فإن شروط هذه الحالة تكون غير متوافرة مما يحول دون طلب الشفعة. لكن إذا كانت ملكينهما مشتركة بين الجارين ولكل منهما الحق في استعمالهما، توافر حق الارتفاق وجاز أخذ أحدهما بالشفعة، وأيضاً اذا توافر الارتفاق، ووجد طريق بين الأرضين مملوك مناصفة بين الجارين، توافر بذلك الجوار.
حق الارتفاق، حق عيني يترتب لمصلحة عقار على عقار آخر، وقد يكون بالمرور أو الشرب أو المسيل، أو المطل إذا كان أحد العقارين بناء يطل على أرض غير معدة للبناء، فلا يترتب حق الارتفاق لمصلحة شخص على عقار، فمرور شخص بأرض الجار، أو إستعمال ترعته الخاصة في رى أرضه، لا يتوفر به حق الارتفاق، طالما كان ذلك على سبيل التسامح، وهو من قبيل الرخص التي لا تكسب حقاً، ومن هذه الحقوق، الحق في الشفعة، فإذا باع مالك الترعة أرضه وكانت تجاور أرض المرخص له بالرى من جهة واحدة، فلا يجوز للأخير أخذها بالشفعة قولا بتوافر الجوار والارتفاق.
فإن كان المرخص له قد أقام دعوى بإقرار حق الارتفاق، وقبل الحكم فيها نهائياً باع المالك أرضه، تعين على المحكمة التي تنظر دعوى الشفعة وقفها تعليقاً على صدور حكم نهائي في دعوى الارتفاق.
لا يكفي الارتفاق لصالح العقارين على عقار ثالث:
بمعنى أن تكون أحد الأرضين مثقلة بتكليف لمصلحة الأخرى، أو أن يكون كل منهما مثقلاً لمصلحة الأخرى، فقد قرر المشرع الشفعة في هذه الحالة لإنهاء حق الارتفاق، فإن لم يكن من شأن الشفعة تحقيق هذه الغاية، فلا تكون جائزة، مثال ذلك أن يكون حق الارتفاق مقرراً لمصلحة الأرضين معاً على عقار ثالث فلا يكفي للأخذ بالشفعة اشتراك أرض الجار وأرض الشفيع في ارتفاق الجار وأرض الشفيع في ارتفاق، طالما كان هذا الارتفاق يثقل أرضاً أخرى.
تتطلب المادة 936 من القانون المدني، لأخذ العقار المبيع المجاور بالشفعة إن كان من الأراضي غير المعدة للبناء، أن يكون للأرض المبيعة حق إرتفاق على أرض الجار، أو يكون حق الارتفاق لأرض الجار على الأرض المبيعة. فلم تتطلب حصر الارتفاق في الأرضين. وبالتالي فلا ينال من هذا الحكم أن تنتفع أرض أخرى بهذا الارتفاق، لأن الشفعة، وإن لم يترتب عليها زوال الارتفاق کاملاً، فإنها تزيله جزئياً.
فمناط جواز الشفعة أن يتوافر ارتفاق يثقل أحد العقارين، بحيث إذا انتفى ذلك، زال السبب الذي أجاز الشفعة.
ومتى تمسك أي من المشفوع ضدهم بانتهاء الإرتفاق، وجب على المحكمة تحقيق هذا الدفاع باعتباره جوهرياً، فإن ثبت لديها قضت برفض الدعوى.
(الحالة الثالثة): الجوار من جهتين والاعتداد بقيمة العقارين :
مفاد ذلك، أن اذا كان أحد العقارين أو كلاهما من الأراضي غير المعدة للبناء، ولا يوجد لأحدهما ارتفاق على الآخر، فإنه يجب لأخذ العقار بالشفعة توافر شرطين:
1- أن تكون أرض الشفيع ملاصقة للأرض المبيعة من جهتين، وأن المعول عليه هو الجهات الأصلية الأربع، البحرية والقبلية والشرقية والغربية. فلا يكفي أن تتمثل جهة في الجهة البحرية بينما الجهة الثانية هي البحرية الغربية أو البحرية الشرقية، إذ يلزم أن تكون الجهة الثانية هي الغربية أو القبلية أو الأقرب إلى ذلك، باعتبار أن الشفعة رخصة أو حق ضعيف وقد وردت كقيد على حرية التصرف، ولذلك يجب التضييق في تفسير نصوصها، وإذا ثار شك وجب تفسيره لمصلحة المشروع ضده وكان القضاء الوطني والختلط يلجآن إلى الحيلة لرفض طلبات الشفعة.
2 - يجب أن يكون قيمة أرض الشفيع تساوي نصف ثمن الأرض المبيعة على الأقل، والعبرة بقيمة أرض الشفيع وقت البيع، إذ ينشأ حقه في أخذ العقار المبيع بالشفعة من هذا الوقت. أما بالنسبة للأرض المشفوع فيها. فالعبرة بالثمن الحقيقي الذي بيعت به، وللشفيع باعتباره من طبقة الغير.. أن يثبت الثمن الحقيقي بكافة طرق الإثبات المقررة قانوناً ومنها البينة والقرائن، فإن كان الشفيع شريكاً في أرض شائعة، فالعبرة بقيمة حصته.
ومن ثم يتعين على محكمة الموضوع بعد أن تتحقق من الجوار، أن تنتقل الى بحث القيمة. ولها في سبيل ذلك أن تستند إلى الثمن الوارد بالعقد بالنسبة للعقار المشفوع فيه باعتباره ثمناً حقيقياً ما لم يكن هذا الثمن محل طعن من الشفيع، وفي هذه الحالة الاخيرة تمكنه من إثبات الثمن الحقيقي، فإن أثبته كان هو قيمة العقار المشفوع فيه. (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الثالث عشر، الصفحة/ 14)
(أسباب الشفعة)
(السبب الأول)
شفعة مالك الرقبة في حق الانتفاع
فالشفعة في هذه الحالة ليست سبباً لكسب الملكية، بل هي سبب لكسب حق الانتفاع، ويصبح بها الشفيع مالكاً ملكية تامة.
ولئن كانت القاعدة العامة في الشفعة أنها لا تكون إلا في العقارات المادية، فلا تكون في العقارات غير المادية، أي في حالة بيع الحقوق المقررة على العقارات، وعلى ذلك يكون تخويل مالك الرقبة حق الشفعة في حالة بيع حق الانتفاع استثناء من القاعدة العامة. وبما أن هذا استثناء من القاعدة العامة فيجب عدم التوسع فيه، فلا يمنح هذا الحق، في حالة بيع حق المنفعة، إلا لملاك الرقبة دون غيرهم، فلا يعطي مثلاً للشركاء في حق الانتفاع.
فروض متعددة لشفعة مالك الرقبة فى حق الانتفاع :
رغم أن شفعة مالك الرقبة في حق الانتفاع، نادرة الوقوع في العمل، ويرجع ذلك إلى ندرة تقرير حق الانتفاع عملاً، ومع ذلك يتصور الفقه هذا السبب في فروض متعددة نعرض لها فيما يلى.
(1) أن يرتب المالك حق الانتفاع على الرقبة كلها.
(2) أن يرتب المالك حق الانتفاع على حصة شائعة في العقار.
(3) أن تكون ملكية العقار لشخص واحد ورتب حق انتفاع لشخصين أو أكثر شيوعاً بينهم.
جواز الشفعة في بيع حق الاستعمال والسكنى :
لم يورد القانون بيع حق الاستعمال أو السكنى بين حالات الشفعة.
غير أنه لا خلاف على أن بيع حق الاستعمال أو السكنى يسرى عليه في مجال الأخذ الشفعة ما يسري على حق الانتفاع. وليس هذا قياساً على حق الانتفاع، وإنما لأن المبيع حينئذ لا يظل على حاله الأول كحق استعمال أو حق سكنى بل يكون قد تحول إلى حق انتفاع.
السبب الثاني:
شفعة الشريك في بيع شيء من العقار الشائع
يشترط للأخذ بالشفعة لهذا السبب توافر شرطين :
الشرط الأول : أن يكون هناك عقار شائع :
والعقار الشائع هو الذي يتعدد مالكوه. ولا يكون نصيب كل منهم فيه مفرزاً فالإفراز عكس الشيوع.
الشرط الثاني : أن يكون الشريك مالكاً للحصة التي يشفع بمقتضاها وقت التصرف في الحصة الأخرى:
يشترط للأخذ بالشفعة أن يكون الشريك مالكاً للحصة التي يشفع بمقتضاها وقت التصرف في الحصة الأخرى المراد أخذها بالشفعة. فيجب إذن أن تكون كية الشفيع سابقة على البيع، وإلا امتنع عليه طلب الشفعة.
أما إذا اقتسم الشركاء العقار المشترك بينهم، فإنهم يصيرون بعد القسمة جيرانا لا شركاء، فلا يكون لأحدهم حق الشفعة في نصيب الآخر إذا بيع إلا بسبب الجوار إذا توافرت له الشروط التي يتطلبها القانون في شفعة الجار.
(السبب الثالث)
شفعة صاحب الانتفاع إذا بيعت الرقبة أو بعضها.
(السبب الرابع)
شفعة مالك الرقبة فى الحكر إذا بيع الحكر والمستحكر إذا بيعت الرقبة :
فالمشرع كما أعطى لمالك الرقبة الحق في الأخذ بالشفعة، إذا بيع حق الانتفاع، ولصاحب حق الانتفاع إذا بيعت ملكية الرقبة، أعطى أيضاً لمالك الرقبة والمستحكر في الحكر الحق في الأخذ بالشفعة.
فالفرض هنا أن مالكاً لأرض رتب عليها حق حكر فأصبح هو مالكاً للرقبة والمحتكر صاحباً لحق الحكر. فإذ باع المحتكر حقه كان لمالك الرقبة أن يأخذ هذا الحق بالشفعة. وإذا باع مالك حق الرقبة حقه، كان لصاحب الحكر أن يأخذ الرقبة بالشفعة، فيصبح هو أيضاً مالكاً للأرض ملكية تامة.
وشفعة مالك الرقبة وشفعة المحتكر أصبحت نادرة الحصول في العمل.
(السبب الخامس)
(شفعة الجار المالك)
فهناك إذن ثلاث حالات تثبت فيها الشفعة على أساس الجوار والحكمة من الشفعة في هذه الحالات الثلاث هو منع المضايقة التي قد تصيب الجار إذا لم يكن له أن يأخذ بالشفعة.
فإذا كان للشريك على الشيوع أن يشفع إذا باع شريكه حصة شائعة في العقار المملوك لهما على الشيوع منعاً لمضايقته، فليس هناك ما يمنع من عدم تقدير الشفعة بسبب الجوار، فالعلة واحدة في الحالتين .
حالات شفعة الجار
الحالة الأولى
المباني والأراضي الفضاء
يقصد بالمباني كل مجموعة من المواد أياً كان نوعها خشباً أو حجارة أو حديد اتصل بالأرض اتصال قرار بيد الإنسان.
ويجب أن يكون هذا البناء عقاراً بالمعنى القانوني، أي مستقراً بحيزه ثابتاً فيه لا يمكن نقله بدون تلف حيث إن الشفعة لا تجوز إلا بالنسبة للعقارات.
وعلى ذلك لا تعتبر الخيمة أو الكشك أو الحظيرة أو الحجرات الخشبية من النوع المعد للفك والتركيب، من المباني.
أما إذا كانت من النوع الثابت الذي يتلفة النقل فإنها تكون قانوناً مبان عقارية.
ويستوي أن يكون البناء في المدن أو القرى، داخل الكردون أو الحيز العمراني أو خارجه .
الأراضي المعدة للبناء، هي الأراضي الداخلة في نطاق المدن (الكردون) أو القرى (الحيز العمراني)، حتى لو كان صاحبها قد خصصها مؤقتاً لغرض آخر كالزراعة.
يشترط للأخذ بالشفعة أن يكون العقار المشفوع فيه والعقار المشفوع به متلاصقين من جهة واحدة.
الغالب أن يكون الالتصاق في البناء أفقيا بمعنى أن يكون التلاصق من الجهة البحرية أو القبلية أو الشرقية أو الغربية، إلا أنه يصح أن يكون رأسياً، بمعنى أن يكون التلاصق من أعلى أو من أسفل.
وهذا يتحقق في ملكية الطبقات والشقق المملوكة لملاك متعددين. فيكون التلاصق بين الطبقات بين مبنى الطبقة من أعلاها أو من أسفلها. فالطبقة العليا تلاصق التي تحتها، والطبقة الوسطى تلاصق كلا من التي تعلوها والتي أسفلها، أما الطبقة الدنيا فلا تلاصق سوى الطبقة التي تعلوها.
تجوز الشفعة في البناء، ولو بيع مستقلاً عن الأرض المقام عليها، ولا يوجد ما يمنع المالك الذي لا يملك إلا البناء من أن يشفع في العقار المبيع، فإذا بيعت أرض مع البناء الذي عليها، أو بيعت الأرض من غير البناء، أو إذا بيع البناء من غير الأرض، كما إذا باع صاحب الطابق الثاني من منزل - لا يملك فيه الطابق الأسفل - طابقه، فإنه يجوز للجار، سواء كان مالكاً للأرض وما عليها من البناء، أم للبناء فقط، أن يطالب بالشفعة إذا توافرت لديه شروط الجوار بالنسبة إلى ما يشفع فيه .
إذا أقام المستأجر بناء على الأرض المؤجرة مملوكاً له فلا يجوز له أخذ مبنى ملاصق بالشفعة، ذلك أن حق المستأجر على المباني التي أنشأها على العين المؤجرة لا يعدو أن يكون حقاً مصيره الحتمي إلى الزوال بانتهاء الإيجار إذ لا يكتسب عليها حقا بوصفها مالاً ثابتاً إلا فترة محددة، فلا يجوز له أن يحصل بموجب هذا الوضع على حق دائم على ملك الغير يأخذ العقار المبيع بالشفعة باعتباره جاراً مالكاً.
(الحالة الثانية)
الشفعة في الأراضي غير المبنية وغير المعدة للبناء
الصورة الأولى
تلاصق أرض الجار للأرض المبيعة
مع وجود ارتفاق
في هذه الصورة أضاف المشرع فيها إلى شرط التلاصق ولو من حد واحد، والذي يتحقق معه الجوار.
شرط التلاصق ثم لشرط الارتفاق.
الشرط الأول : التلاصق من جهة :
يجب أن يكون الشفيع جاراً، أي ملاصقاً للأرض المشفوعة، وتكفى الملاصقة من جهة واحدة ومن أي ناحية من الأرض من أعلى أو من أسفل، كما هو الشأن في المباني والأراضي المعدة للبناء.
وتكفي الملاصقة في أي مساحة ولو بشبر واحد وقد عرضنا لذلك
ما ينتفى به التلاصق :
ينتفى التلاصق الواجب الثبوت الحق في الشفعة بما:
(1) ملكية الشفيع لمسقاة فقط مجاورة للأرض المشفوع فيها:
(2) وجود فاصل غير مملوك للشفيع بين العقارين :
وعلى ذلك إذا فصل بين العقارين ترعة عامة أو مصرف عام انتفى التلاصق الذي يجيز الشفعة. لكن إذا كان هذا الفاصل مملوكاً للشفيع أو مملوكاً للبائع أو مشتركاً بينهما فإن هذا التلاصق يتحقق. وعلى العكس من ذلك إذا كان هذا الفاصل قطعة أرض مملوكة للغير أو مملوكة للبائع دون الشفيع ولم يشملها البيع فإن هذا التلاصق ينتفي تماماً، على أنه إذا كانت قطعة الأرض الفاصلة بين العقارين قد اقتطعها البائع من الأرض المبيعة ليحتفظ بملكيتها ولا يدخلها في البيع وذلك على سبيل التحايل لمنع الشفعة فإنه يرد عليه سوء قصده ويعطي للشفيع الحق في إثبات هذا التحايل بكافة طرق الإثبات، فإن أفلح في ذلك فإنه يحق له الأخذ بالشفعة.
ولا يوجد ما يمنع قانوناً من أن يكون الطريق المقرر عليه حق الارتفاق هو ذاته الذي يتوافر به الجوار.
- الشرط الثاني :
أن يكون للأرض المبيعة حق ارتفاق على الأرض المشفوع بها أو العكس.
مقتضى هذا الشرط أن يكون للأرض المبيعة حق ارتفاق على الأرض المشفوع بها أو كان لهذه الأخيرة حق ارتفاق على الأرض المبيعة .
ولا يحول دون ثبوت الشنعة أن يكون الارتفاق المقرر لمصلحة الأرض المشفوع بها أو الأرض المشفوع فيها تشترك فيه أراضى أخرى. كما لو كان طريقاً عليه حقوق ارتفاق بالمرور لعدة ملاك. لأنه إذا كانت الشفعة في هذه الصورة سوف لا تؤدى إلى زوال الارتفاق نهائياً، إذ أن الارتفاق سيبقى على كل حال لمصلحة الأراضي الأخرى، فلا أقل من أن تكون خطوة في سبيل زوال الارتفاق .
أن الحكمة من تقرير الشفعة في هذه الصورة أن حق الارتفاق الذي يشكل عبئاً ثقيلاً بجمع الأرضين اللتين بربط بينهما حق الارتفاق في يد واحدة، ولذلك فإن انقضاء حق الارتفاق لأي سبب من الأسباب من شأنه أن يحول دون الأخذ بالشفعة.
فإذا نزل المشتري عن حق الإرتفاق المقرر لمصلحة الأرض المبيعة المشفوع فيها فإنه لا يضحى هناك مبرر للشفيع في الأخذ بالشفعة.
أما إذا كانت الأرض المشفوع بها هي التي لها حق ارتفاق على الأرض المشفوع فيها، وعرض المشترى أن ينهي حق الارتفاق بنزوله للشفيع عن قطعة الأرض التي يباشر فيها هذا الأخير حق ارتفاقه، فإن ذلك يجوز، ولكن بشرط ألا يطلب المشتري مقابلاً للأرض التي ينزل عنها للشفيع.
غير أنه يشترط لينتج هذا التنازل أثره وهو عدم جواز الأخذ بالشفعة توافر شرطين:
الأول: أن يكون هذا النزول قد تم شهره. وفقاً لأحكام قانون تنظيم الشهر العقارى رقم 114 لسنة 1946 .
ثانياً : أن يتم التنازل قبل إعلان الرغبة فى الأخذ بالشفعة:
يجب أن يتم التنازل عن حق الارتفاق، قبل إعلان الشفيع رغبته في الأخذ بالشفعة لأن عناصر الشفعة تكون قد تكاملت بهذا الإعلان ويحل الشفيع محل المشتري في البيع الذي يأخذ فيه بالشفعة وليس رفع دعوى الشفعة بعد ذلك وصدور الحكم بثبوت الشفعة إلا تقريراً لما تم من أثر قانوني يترتب مباشرة على إعلان الرغبة فى الأخذ بالشفعة.
تلاصق أرض الجار للأرض المبيعة من جهتين وتساوي من القيمة نصف ثمن الأرض المبيعة على الأقل
هذه الصورة تفترض شرطين هما :
1- ملاصقة أرض الجار للأرض المبيعة من جهتين.
2- أن تساوى أرض الجار من القيمة نصف ثمن الأرض المبيعة على الأقل.
يجب أن تكون ملكية الشفيع ثابتة من الجهتين قبل طلب الشفعة. فإذا كان ملكه لم يثبت في إحدى الجهتين إلا بعد طلبها، تعيين رفض دعوى شفعته .
التحايل لمنع التلاصق :
لما كان الشرط الأساسي لثبوت الشفعة بالجوار هو اتصال لملك الشفيع بالعقار المبيع، فقد درج الناس منذ القدم على التحايل لمنع التلاصق، وبالتالي لمنع الشفعة بإهدار شرط التلاصق.
ويتحقق هذا التحايل إذا احتفظ البائع لنفسه بقطعة صغيرة من الأرض، أو إذا باع البائع أرضه إلا جزءاً فاصلاً بين العقارين وهبه للمشتري أيضاً ليفوت على الجار حق الشفعة.
وإذا ثبت التحايل لإسقاط الشفعة، فإن ذلك يكون غشاً نحو القانون إذ الغاية منه سلب حق قرره القانون، وهو عمل غير مشروع فلا يعتد به. ويحكم للشفيع بحق الشفعة.
ولما كان التحايل غشاً فيجوز إثباته بكافة طرق الإثبات القانونية بما في ذلك البينة والقرائن . (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الثالث عشر، الصفحة/ 62)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السادس ، الصفحة / 173
فالْتصاق الدّاريْن مثلاً في سكّةٍ نافذةٍ يعْطي
أحد الْجاريْن الْملاصقيْن الأْوْلويّة في الشّفْعة، إذا أراد الآْخر بيْع داره، وهذا كما يقول الْحنفيّة . إذْ لا شفْعة بالْجوار عنْد غيْرهمْ.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السادس عشر ، الصفحة / 223
أَثَرُ الْجِوَارِ فِي ثُبُوتِ حَقِّ الشُّفْعَةِ :
8 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الشُّفْعَةَ لاَ تَثْبُتُ إِلاَّ لِلشَّرِيكِ غَيْرِ الْمُقَاسِمِ، فَلاَ يَسْتَحِقُّ الْجَارُ الشُّفْعَةَ؛ لأِنَّ الْحُدُودَ فِي حَقِّهِ قَدْ قُسِمَتْ، وَالطُّرُقُ قَدْ صُرِفَتْ، وَمَا شُرِعَتِ الشُّفْعَةُ إِلاَّ لِدَفْعِ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ، وَهُوَ مَعْنًى مُنْتَفٍ فِي الْجَارِ.
وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ جَابِرٍ رضي الله عنه «أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم قَضَى بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ وَصُرِفَتِ الطُّرُقُ فَلاَ شُفْعَةَ».
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الشُّفْعَةَ تَثْبُتُ لِلْجَارِ الْمُلاَصِقِ؛ لِحَدِيثِ قَتَادَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «جَارُ الدَّارِ أَحَقُّ بِالدَّارِ» وَلِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ «رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرْضِي لَيْسَ لأِحَدٍ فِيهَا شِرْكٌ وَلاَ قَسْمٌ إِلاَّ الْجِوَارُ. فَقَالَ صلي الله عليه وسلم : الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ مَا كَانَ». وَهَذَا اللَّفْظُ صَرِيحٌ فِي إِثْبَاتِ الشُّفْعَةِ لِجِوَارٍ لاَ شَرِكَةَ فِيهِ. كَمَا اسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم : «الْجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِهِ» وَالصَّقَبُ هُوَ الْقُرْبُ.
وَاسْتَدَلُّوا مِنَ الْمَعْقُولِ بِأَنَّ الْجِوَارَ فِي مَعْنَى الشَّرِكَةِ؛ لأِنَّ مِلْكَ الْجَارِ مُتَّصِلٌ بِمِلْكِ جَارِهِ اتِّصَالَ تَأْبِيدٍ وَقَرَارٍ، وَالضَّرَرُ الْمُتَوَقَّعُ فِي الشَّرِكَةِ مُتَوَقَّعٌ فِي الْجِوَارِ، فَيَثْبُتُ حَقُّ الشُّفْعَةِ لِلْجَارِ دَفْعًا لِضَرَرِ الْجِوَارِ قِيَاسًا عَلَى الشَّرِكَةِ.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثامن عشر ، الصفحة / 63
الشُّفْعَةُ فِي الْحَمَّامِ:
3 - لاَ تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ فِي الْحَمَّامِ الَّذِي لاَ يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، لأِنَّ مِنْ أَصْلِهِمْ: أَنَّ الأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ لِدَفْعِ ضَرَرِ الْقِسْمَةِ، وَهَذَا لاَ يَتَحَقَّقُ فِيمَا لاَ يَحْتَمِلُهَا وَتَثْبُتُ فِي الْكَبِيرِ الَّذِي يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ بِشَرْطِ أَنْ يَتَأَتَّى الاِنْتِفَاعُ بِالْمَأْخُوذِ بِالشُّفْعَةِ.
قَالَ الْمَحَلِّيُّ: كُلُّ مَا لَوْ قُسِمَ بِطَلَبِ مَنْفَعَتِهِ الْمَقْصُودَةِ كَحَمَّامٍ وَرَحًى صَغِيرَيْنِ لاَ شُفْعَةَ فِيهِ فِي الأْصَحِّ . وَمُقَابِلُهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ - وَمِثْلُهُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ - ثُبُوتُ الشُّفْعَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ دَفْعُ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ فِيمَا يَدُومُ، وَكُلٌّ مِنَ الضَّرَرَيْنِ حَاصِلٌ قَبْلَ الْبَيْعِ، وَمِنْ حَقِّ الرَّاغِبِ فِيهِ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يُخَلِّصَ صَاحِبَهُ بِالْبَيْعِ لَهُ، فَإِذَا بَاعَ لِغَيْرِهِ سَلَّطَهُ الشَّرْعُ عَلَى أَخْذِهِ مِنْهُ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الشُّفْعَةَ تَثْبُتُ فِي الْحَمَّامِ فَيَأْخُذُهُ الشَّفِيعُ بِقَدْرِهِ، لأِنَّ الأْخْذَ بِالشُّفْعَةِ عِنْدَهُمْ لِدَفْعِ ضَرَرِ التَّأَذِّي بِسُوءِ الْمُجَاوَرَةِ عَلَى الدَّوَامِ. وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: «شُفْعَةٌ».
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / التاسع عشر ، الصفحة / 288
شُفْعَةُ صَاحِبِ الْخُلُوِّ :
21 - مِنْ صُوَرِ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الْعَدَوِيُّ أَنَّهُ إِذَا اسْتَأْجَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ نَاظِرِ الْوَقْفِ أَرْضًا بِثَلاَثِينَ دِينَارًا فِي كُلِّ عَامٍ مَثَلاً وَبَنَوْا عَلَيْهَا دَارًا وَلَكِنَّ الدَّارَ تُكْرَى بِسِتِّينَ، فَحَقُّهُمْ يُقَالُ لَهُ الْخُلُوُّ، فَلَوْ بَاعَ أَحَدُهُمْ حِصَّتَهُ فِي الْبِنَاءِ فَلِشُرَكَائِهِ الأْخْذُ بِالشُّفْعَةِ .
وَمِنْ صُوَرِهِ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ أَبُو السُّعُودِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الأْشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ مِنْ أَنَّ مَنْ لَهُ خُلُوٌّ فِي أَرْضٍ مُحْتَكَرَةٍ وَكَانَ خُلُوُّهُ عِبَارَةً عَنْ غِرَاسٍ أَوْ بِنَاءٍ فَإِنَّهُ يَجْرِي فِيهِ حَقُّ الشُّفْعَةِ؛ لأِنَّهُ لَمَّا اتَّصَلَ بِالأْرْضِ اتِّصَالَ قَرَارٍ الْتَحَقَ بِالْعَقَارِ. وَلَكِنْ قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: هَذَا سَهْوٌ ظَاهِرٌ لِمُخَالَفَتِهِ الْمَنْصُوصَ فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ أَيْ مِنْ أَنَّ الْوَقْفَ لاَ شُفْعَةَ لَهُ وَلاَ شُفْعَةَ فِيهِ .
وَقْفُ الْخُلُوِّ :
22 - رَجَّحَ جُمْهُورُ مُتَأَخِّرِي الْمَالِكِيَّةِ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْخُلُوَّ يَجُوزُ وَقْفُهُ، فَإِنَّ مَنْفَعَةَ الْعَقَارِ الْمَوْقُوفِ بَعْضُهَا مَوْقُوفٌ وَبَعْضُهَا غَيْرُ مَوْقُوفٍ، وَهَذَا الْبَعْضُ الثَّانِي هُوَ الْخُلُوُّ، فَيَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ الْوَقْفُ. وَبِمِثْلِهِ قَالَ الرَّحِيبَانِيُّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: إِذَا جَرَتِ الْعَادَةُ بِهِ خَرَّجَهُ مِنْ قَوْلِ أَحْمَدَ بِصِحَّةِ وَقْفِ الْمَاءِ إِنْ كَانُوا قَدِ اعْتَادُوهُ. ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَلَمْ أَجِدْهُ مَسْطُورًا، لَكِنَّ الْقِيَاسَ لاَ يَأْبَاهُ وَلَيْسَ فِي كَلاَمِهِمْ مَا يُخَالِفُهُ.
قَالَ الْعَدَوِيُّ: عَلَى أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْخُلُوُّ لِكِتَابِيٍّ فِي وَقْفِ مَسْجِدٍ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ وَقْفِهِ عَلَى كَنِيسَةٍ مَثَلاً.
وَالرَّأْيُ الآْخَرُ لَدَى كُلٍّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَصَرَّحَ بِهِ الشِّرْوَانِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، أَنَّ الْخُلُوَّاتِ لاَ يَجُوزُ وَقْفُهَا؛ لأِنَّ هَا مَنْفَعَةُ وَقْفٍ، وَمَا تَعَلَّقَ الْوَقْفُ بِهِ لاَ يُوقَفُ .
وَقَدْ قَالَ بِذَلِكَ أَحْمَدُ السَّنْهُورِيُّ وَعَلِيٌّ الأْجْهُورِيُّ، قَالَ الأْجْهُورِيُّ: مَحَلُّ صِحَّةِ وَقْفِ الْمَنْفَعَةِ إِنْ لَمْ تَكُنْ مَنْفَعَةَ حَبْسٍ، لِتَعَلُّقِ الْحَبْسِ بِهَا، وَمَا تَعَلَّقَ بِهِ الْحَبْسُ لاَ يُحْبَسُ، وَلَوْ صَحَّ وَقْفُ مَنْفَعَةِ الْوَقْفِ لَصَحَّ وَقْفُ الْوَقْفِ، وَاللاَّزِمُ بَاطِلٌ شَرْعًا وَعَقْلاً، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ كُلَّ ذَاتٍ وُقِفَتْ إِنَّمَا يَتَعَلَّقُ الْوَقْفُ بِمَنْفَعَتِهَا وَأَنَّ ذَاتَهَا مَمْلُوكَةٌ لِلْوَاقِفِ. قَالَ: وَبِهَذَا تَعْلَمُ بُطْلاَنَ تَحْبِيسِ الْخُلُوِّ . وَوَافَقَ الأْجْهُورِيُّ عَلَى فُتْيَاهُ هَذِهِ الشَّيْخُ عَبْدُ الْبَاقِي، ثُمَّ لَمَّا رُوجِعَ بِفَتْوَى اللَّقَانِيِّ بِجَوَازِ بَيْعِهَا وَإِرْثِهَا أَفْتَى بِجَوَازِ وَقْفِهَا قَالَ الشَّيْخُ عُلَيْشٌ: وَالْعَمَلُ عَلَى الْفَتْوَى بِجَوَازِ وَقْفِ الْخُلُوِّ، وَبِهِ جَرَى الْعَمَلُ فِي الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَلَمْ يُخَالِفِ الأْجْهُورِيُّ فِي سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ، كَالْبَيْعِ، وَالإْجَارَةِ، وَالإْعَارَةِ وَالرَّهْنِ .
أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَلَمْ نَجِدْ لَهُمْ تَعَرُّضًا لِمَسْأَلَةِ وَقْفِ مَنْفَعَةِ الْخُلُوِّ. وَلَكِنَّهُمْ يَتَعَرَّضُونَ لِمَسْأَلَةِ وَقْفِ مَا بَنَاهُ الْمُسْتَأْجِرُ فِي الأْرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ أَوْ غَرْسِهِ فِيهَا. مِمَّا هُوَ مَمْلُوكٌ لِلْمُسْتَأْجِرِ.
وَالأْصْلُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ وَقْفُ الْبِنَاءِ بِدُونِ الأْرْضِ ، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الأْرْضُ مَمْلُوكَةً أَوْ مَوْقُوفَةً عَلَى جِهَةٍ أُخْرَى. قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: أَفْتَى بِذَلِكَ الْعَلاَّمَةُ قَاسِمٌ، وَعَزَاهُ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَإِلَى هِلاَلٍ وَالْخَصَّافِ، وَعَلَّلَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: فَحَيْثُ تُعُورِفَ وَقْفُهُ جَازَ. وَقَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ: إِنَّ النَّاسَ مُنْذُ زَمَنٍ قَدِيمٍ نَحْوِ مِائَتَيْ سَنَةٍ عَلَى جَوَازِهِ، وَالأْحْكَامُ بِهِ مِنَ الْقُضَاةِ الْعُلَمَاءِ مُتَوَاتِرَةٌ، وَالْعُرْفُ جَارٍ بِهِ، فَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَوَقَّفَ فِيهِ ا. هـ. وَأَمَّا إِذَا وَقَفَهُ عَلَى الْجِهَةِ الَّتِي كَانَتِ الْبُقْعَةُ وَقْفًا عَلَيْهَا جَازَ اتِّفَاقًا تَبَعًا لِلْبُقْعَةِ، وَحَرَّرَ صَاحِبُ الْبَحْرِ الرَّائِقِ الْقَوْلَ الأَْوَّلَ وَوَافَقَهُ ابْنُ عَابِدِينَ. قَالَ: لأِنَّ شَرْطَ الْوَقْفِ التَّأْبِيدُ، وَالأْرْضُ إِذَا كَانَتْ مِلْكًا لِغَيْرِهِ فَلِلْمَالِكِ اسْتِرْدَادُهَا وَأَمْرُهُ بِنَقْضِ الْبِنَاءِ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ مِلْكًا لِلْوَاقِفِ، فَإِنَّ لِوَرَثَتِهِ بَعْدَهُ ذَلِكَ، فَلاَ يَكُونُ الْوَقْفُ مُؤَبَّدًا. قَالَ: فَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا إِذَا كَانَتِ الأْرْضُ مُعَدَّةً لِلاِحْتِكَارِ؛ لأِنَّ الْبِنَاءَ يَبْقَى فِيهَا كَمَا إِذَا كَانَ وَقْفُ الْبِنَاءِ عَلَى جِهَةِ وَقْفِ الأْرْضِ فَإِنَّهُ لاَ مُطَالِبَ لِنَقْضِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا وَجْهُ جَوَازِ وَقْفِهِ إِذَا كَانَ مُتَعَارَفًا.
وَنَقَلَ صَاحِبُ الدُّرِّ أَنَّ ابْنَ نُجَيْمٍ سُئِلَ عَنِ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ فِي الأْرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ، هَلْ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَوَقْفُهُ ؟ فَأَجَابَ: نَعَمْ. قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَوَقْفُ الشَّجَرِ كَوَقْفِ الْبِنَاءِ. أَمَّا مُجَرَّدُ الْكَبْسِ بِالتُّرَابِ أَيْ وَنَحْوِهِ مِمَّا هُوَ مُسْتَهْلَكٌ كَالسَّمَادِ فَلاَ يَصِحُّ وَقْفُهُ، وَنُقِلَ عَنِ الإْسْعَافِ فِي أَحْكَامِ الأْوْقَافِ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ وَقْفُ مَا بُنِيَ فِي الأْرْضِ الْمُسْتَأْجَرَةِ مَا لَمْ تَكُنْ مُتَقَرِّرَةً لِلاِحْتِكَارِ . وَمَا يُسَمَّى الْكَدَكَ أَوِ الْجَدَكَ فِي حَوَانِيتِ الْوَقْفِ وَنَحْوِهَا مِنْ رُفُوفٍ مُرَكَّبَةٍ فِي الْحَانُوتِ عَلَى وَجْهِ الْقَرَارِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ وَقْفُهُ لِعَدَمِ الْعُرْفِ الشَّائِعِ بِخِلاَفِ وَقْفِ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ .
إِرْثُ الْخُلُوَّاتِ :
23 - الَّذِينَ قَالُوا مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِنَّ الْخُلُوَّ يُمْلَكُ وَيُبَاعُ وَيُرْهَنُ ذَهَبُوا كَذَلِكَ إِلَى أَنَّهُ يُورَثُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ فُتْيَا اللَّقَانِيِّ فِي ذَلِكَ وَذَكَرَ مَنْ وَافَقُوهُ عَلَيْهَا . (ف 16).
وَلاَ يَخْفَى أَنَّ الْخُلُوَّ فِي الأْوْقَافِ عِنْدَ مَنْ أَفْتَى بِأَنَّهُ يُمْلَكُ، يُورَثُ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى.
تَكَالِيفُ الإْصْلاَحَاتِ :
24 - عَلَى صَاحِبِ الْخُلُوِّ أَوْ أَصْحَابِهِ مَا يَقُومُونَ بِهِ مِنَ الإْصْلاَحَاتِ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ عَلَى قَدْرِ مِلْكِهِمْ فِيهِ، وَلَيْسَ عَلَى نَاظِرِ الْوَقْفِ مِنْهُ شَيْءٌ، كَمَا لَوِ اشْتَرَكُوا فِي بِنَاءٍ فِي أَرْضِ وَقْفٍ اكْتَرَوْهُ مِنْ نَاظِرِهِ لِذَلِكَ، وَقَدْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى النَّاظِرِ بِالنِّسْبَةِ، كَمَا لَوْ عَمَّرَ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ مَالِهِ حَانُوتَ الْوَقْفِ إِذَا تَخَرَّبَ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ خُلُوًّا .
الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ أَحْوَالِ نُشُوءِ حَقِّ الْخُلُوِّ فِي عَقَارَاتِ الأْوْقَافِ :
25 - أَنْ يَكُونَ لِلْمُسْتَأْجِرِ فِي عَقَارِ الْوَقْفِ حَقُّ الْقَرَارِ بِسَبَبِ مَا يُنْشِئُهُ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ إِذَا أَنْشَأَهُ بِإِذْنِ النَّاظِرِ لأِجْلِ أَنْ يَكُونَ مِلْكًا لَهُ، وَخُلُوًّا يَنْتَفِعُ بِهِ، مِنْ بِنَاءٍ أَوْ غِرَاسٍ أَوْ كَبْسٍ بِالتُّرَابِ وَهُوَ الْمُسَمَّى عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (الْكِرْدَارَ) أَوْ مَا يُنْشِئُهُ كَذَلِكَ فِي مَبْنَى الْوَقْفِ، مِنْ بِنَاءٍ أَوْ نَحْوِهِ مُتَّصِلٍ اتِّصَالَ قَرَارٍ، وَهُوَ الْمُسَمَّى عِنْدَهُمْ (الْجَدَكَ) قَالَ صَاحِبُ الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ: صَرَّحَ عُلَمَاؤُنَا بِأَنَّ لِصَاحِبِ الْكِرْدَارِ حَقَّ الْقَرَارِ، فَتَبْقَى فِي يَدِهِ. وَنُقِلَ ذَلِكَ عَنِ الْقُنْيَةِ وَالزَّاهِدِيِّ، قَالَ الزَّاهِدِيُّ: اسْتَأْجَرَ أَرْضًا وَقْفًا وَغَرَسَ فِيهَا أَوْ بَنَى ثُمَّ مَضَتْ مُدَّةُ الإْجَارَةِ فَلِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَسْتَبْقِيَهَا بِأَجْرِ الْمِثْلِ، إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ، وَلَوْ أَبَى الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ إِلاَّ الْقَلْعَ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ. ا. هـ .
لَكِنْ لَوْ كَانَ فِي الْبَقَاءِ ضَرَرٌ لَمْ يَجِبِ الاِسْتِبْقَاءُ كَمَا لَوْ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ أَوْ وَارِثُهُ مُفَلِّسًا، أَوْ سَيِّئَ الْمُعَامَلَةِ، أَوْ مُتَغَلِّبًا يُخْشَى مِنْهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ قَالَ الرَّمْلِيُّ: أَصْلُ ذَلِكَ فِي أَوْقَافِ الْخَصَّافِ حَيْثُ قَالَ: « حَانُوتٌ أَصْلُهُ وَقْفٌ وَعِمَارَتُهُ لِرَجُلٍ، وَهُوَ لاَ يَرْضَى أَنْ يَسْتَأْجِرَ الأْرْضَ بِأَجْرِ الْمِثْلِ »، قَالُوا: « إِنْ كَانَتِ الْعِمَارَةُ بِحَيْثُ لَوْ رُفِعَتْ يَسْتَأْجِرُ الأْصْلَ بِأَكْثَرَ مِمَّا يَسْتَأْجِرُ صَاحِبُ الْبِنَاءِ كُلِّفَ رَفْعَهُ وَيُؤَجِّرُ مِنْ غَيْرِهِ، وَلاَ يُتْرَكُ فِي يَدِهِ بِذَلِكَ الأْجْرِ » .
وَلاَ يَخْفَى أَنَّ الأْصْلَ فِي الإْجَارَةِ أَنَّهُ إِذَا انْتَهَتِ الْمُدَّةُ فَالنَّاظِرُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُجَدِّدَ عَقْدَ الإْجَارَةِ لِلْمُسْتَأْجِرِ الأْوَّلِ أَوْ لاَ يُجَدِّدَهُ بَلْ تَنْتَهِي الإْجَارَةُ، وَلَهُ أَنْ يُؤَجِّرَ لِغَيْرِ الْمُسْتَأْجِرِ الأْوَّلِ. قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَهِيَ مَسْأَلَةٌ إِجْمَاعِيَّةٌ. لَكِنَّ اسْتِبْقَاءَ الأْرْضِ الْوَقْفِيَّةِ الْمُؤَجَّرَةِ عِنْدَ مَنْ أَفْتَى بِهِ إِنْ بَنَى عَلَيْهَا مُسْتَأْجِرُهَا عَلَى الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ وَجْهُهُ أَنَّهُ أَوْلَوِيٌّ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنِ الْمُسْتَأْجِرِ، لاَ سِيَّمَا مَعَ مَا ابْتُلِيَ بِهِ النَّاسُ كَثِيرًا .
وَيُشْتَرَطُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عِنْدَ كُلِّ مَنْ أَفْتَى بِثُبُوتِ هَذَا الْحَقِّ أَنْ لاَ تُجَدَّدَ الإْجَارَةُ بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ مَنْعًا لِلضَّرَرِ عَنِ الْوَقْفِ، كَمَا أَنَّ حَقَّ الاِسْتِبْقَاءِ لِلْمُسْتَأْجِرِ إِنَّمَا ثَبَتَ لَهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ لَوْ طُولِبَ بِرَفْعِ جَدَكَةٍ أَوْ كِرْدَارَةٍ.
قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ أَنَّهُ يَجُوزُ إِيجَارُ الْوَقْفِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ، فَلَوْ زَادَ أَجْرُهُ عَلَى أَجْرِ الْمِثْلِ أَثْنَاءَ الْمُدَّةِ زِيَادَةً فَاحِشَةً، فَالأْصَحُّ أَنَّهُ يَجِبُ تَجْدِيدُ الْعَقْدِ بِالأْجْرَةِ الزَّائِدَةِ، وَقَبُولُ الْمُسْتَأْجِرِ الزِّيَادَةَ يَكْفِي عَنْ تَجْدِيدِ الْعَقْدِ.
وَالْمُرَادُ أَنْ تَزِيدَ أُجْرَةُ الْوَقْفِ فِي نَفْسِهِ لِزِيَادَةِ الرَّغْبَةِ، لاَ زِيَادَةَ مُتَعَنِّتٍ، وَلاَ بِمَا يَزِيدُ بِعِمَارَةِ الْمُسْتَأْجِرِ. فَإِنْ قَبِلَ الْمُسْتَأْجِرُ بِالزِّيَادَةِ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ؛ لأِنَّهُ يَزُولُ الْمُسَوِّغُ لِلْفَسْخِ فَلاَ يَكُونُ لَهُ دَاعٍ. فَإِنْ لَمْ يَقْبَلِ الْمُسْتَأْجِرُ الاِلْتِزَامَ بِالزِّيَادَةِ فَلِلْمُتَوَلِّي فَسْخُ الإْجَارَةِ، فَإِنِ امْتَنَعَ فَسَخَهَا الْقَاضِي، وَيُؤَجِّرُهَا الْمُتَوَلِّي مِنْ غَيْرِهِ.
وَهَذَا إِنْ زَادَتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ فِي أَثْنَاءِ مُدَّةِ الْعَقْدِ، فَبَعْدَ انْتِهَائِهَا أَوْلَى.
هَذَا وَيُشْتَرَطُ لِثُبُوتِ حَقِّ الْقَرَارِ عِنْدَ مَنْ أَفْتَى بِهِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ أَنْ يَكُونَ مَا صَنَعَهُ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ وَضْعِ غِرَاسِهِ، أَوْ بِنَائِهِ، أَوْ جَدَكَةٍ بِإِذْنِ النَّاظِرِ لِيَكُونَ لِلْمُسْتَأْجِرِ مِلْكًا وَخُلُوًّا، فَإِنْ وَضَعَهُ دُونَ إِذْنٍ فَلاَ عِبْرَةَ بِهِ، وَلاَ يَجِبُ تَجْدِيدُ الإْجَارَةِ لَهُ .
أَمَّا الْمُسْتَأْجِرُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي مَحَلِّ الإْجَارَةِ جَدَكٌ وَلاَ كِرْدَارٌ فَلاَ يَكُونُ لَهُ فِيهِ حَقُّ الْقَرَارِ فَلاَ يَكُونُ أَحَقَّ بِالاِسْتِئْجَارِ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ اسْتِئْجَارِهِ، سَوَاءٌ أَزَادَتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ أَمْ لاَ، وَسَوَاءٌ قَبِلَ الزِّيَادَةَ أَمْ لاَ، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَمَنْ أَفْتَى بِأَنَّهُ إِنَّ قَبْلَ الزِّيَادَةِ الْعَارِضَةِ يَكُونُ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ، فَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِمَا أَطْبَقَتْ عَلَيْهِ كُتُبُ الْمَذْهَبِ مِنْ مُتُونٍ، وَشُرُوحٍ، وَحَوَاشٍ، وَفِيهِ الْفَسَادُ وَضَيَاعُ الأْوْقَافِ، حَيْثُ إِنَّ بَقَاءَ أَرْضِ الْوَقْفِ بِيَدِ مُسْتَأْجِرٍ وَاحِدٍ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ يُؤَدِّي بِهِ إِلَى دَعْوَى تَمَلُّكِهَا، مَعَ أَنَّهُمْ مُنِعُوا مِنْ تَطْوِيلِ الإْجَارَةِ فِي الْوَقْفِ خَوْفًا مِنْ ذَلِكَ. ا. هـ إِذِ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْوَقْفَ لاَ يُؤَجَّرُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ لِلْبِنَاءِ، وَثَلاَثَ سِنِينَ لِلأْرْضِ .
وَلَوْ كَانَ لإِنْسَانٍ حَقُّ الْقَرَارِ فِي عَقَارٍ وُقِفَ بِسَبَبِ كِرْدَارَهِ، ثُمَّ زَالَ ذَلِكَ الْكِرْدَارُ زَالَ حَقُّهُ فِي الْقَرَارِ. قَالَ الرَّمْلِيُّ: فِي أَرْضٍ فَنِيَتْ أَشْجَارُهَا، وَذَهَبَ كِرْدَارُهَا وَيُرِيدُ مُحْتَكِرُهَا أَنْ تَسْتَمِرَّ تَحْتَ يَدِهِ بِالْحَكْرِ السَّابِقِ وَهُوَ دُونَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ: قَالَ: لاَ يُحْكَمُ لَهُ بِذَلِكَ، بَلِ النَّاظِرُ يَتَصَرَّفُ بِمَا فِيهِ الْحَظُّ لِجَانِبِ الْوَقْفِ مِنْ دَفْعِهَا بِطَرِيقِ الْمُزَارَعَةِ، أَوْ إِجَارَتِهَا بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، وَالْحَكْرُ لاَ يُوجِبُ لِلْمُسْتَحْكِرِ اسْتِبْقَاءَ الأْرْضِ فِي يَدِهِ أَبَدًا عَلَى مَا يُرِيدُ وَيَشْتَهِي .
ثُمَّ قَدْ نَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ أَنَّ هَذَا الْجَدَكَ الْمُتَّصِلَ اتِّصَالَ قَرَارٍ الْمَوْضُوعَ عَلَى الْوَجْهِ الْمُبِينِ قَالَ فِيهِ أَبُو السُّعُودِ: إِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ خُلُوٌّ وَاسْتَظْهَرَ أَنَّهُ كَالْخُلُوِّ، وَيُحْكَمُ لَهُ بِحُكْمِهِ بِجَامِعِ الْعُرْفِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا .
وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي الْفَتَاوَى الْمَهْدِيَّةِ وَقَالَ: إِنَّ الْحَقَّ الْمَذْكُورَ لاَ يَثْبُتُ إِلاَّ إِذَا بَنَى الْمُسْتَأْجِرُ فِعْلاً، أَوْ غَرَسَ فِعْلاً، فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَبْنِيَ أَوْ يَغْرِسَ انْفَسَخَتِ الإِْجَارَةُ وَفَاتَ الْوَرَثَةَ ذَلِكَ الْحَقُّ .
بَيْعُ الْخُلُوِّ الثَّابِتِ عَلَى الصِّفَةِ الْمُبَيَّنَةِ :
26 - إِذَا ثَبَتَ حَقُّ الْقَرَارِ لِلْمُسْتَأْجِرِ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ، أَوْ حَوَانِيتِهِ عَلَى الصِّفَةِ الْمُبَيَّنَةِ سَابِقًا وَوَضَعَ أَبْنِيَةً أَوْ جَدَكًا ثَابِتًا، أَوْ أَشْجَارًا فِي أَرْضِ الْوَقْفِ، فَإِنَّ مَا يَضَعُهُ يَكُونُ مِلْكًا لَهُ عَلَى وَجْهِ الْقَرَارِ، وَيَكُونُ لِلْمُسْتَأْجِرِ فِي أَثْنَاءِ مُدَّةِ الإْجَارَةِ أَوْ بَعْدَهَا بَيْعُ مَا أَحْدَثَهُ مِنَ الأْعْيَانِ مِنْ غَيْرِهِ، وَيَنْتَقِلُ حَقُّ الْقَرَارِ لِلْمُشْتَرِي، وَيَكُونُ عَلَى الْمُشْتَرِي مِثْلُ أَجْرِ الأْرْضِ خَالِيَةً عَمَّا أَحْدَثَهُ فِيهَا، وَكَذَا الْحَانُوتُ .
أَمَّا الأْرْضُ الْمَوْقُوفَةُ إِذَا اسْتَأْجَرَهَا عَلَى وَجْهٍ لاَ يَثْبُتُ بِهِ حَقُّ الْقَرَارِ كَمَا تَقَدَّمَ، أَوْ كَانَ اسْتِئْجَارُهَا عَلَى وَجْهٍ يَثْبُتُ بِهِ حَقُّ الْقَرَارِ لَكِنْ لَمْ يَبْنِ فِعْلاً، أَوْ بَنَى شَيْئًا فَفَنِيَ وَزَالَ فَلاَ يُبَاعُ ذَلِكَ الْحَقُّ فِيهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لأِنَّهُ مُجَرَّدٌ. وَقَدْ تَعَرَّضَ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي الْحَنَفِيَّةِ لِلْفَرَاغِ عَنْ ذَلِكَ مُقَابِلَ عِوَضٍ مَالِيٍّ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الْبَيْعِ بَلْ مِنْ قَبِيلِ التَّنَازُلِ عَنِ الْحَقِّ الْمُجَرَّدِ بِمَالٍ. فَفِي تَنْقِيحِ الْفَتَاوَى الْحَامِدِيَّةِ أَنَّ ذَلِكَ لاَ يَجُوزُ أَصْلاً، وَنُقِلَ فِي وَاقِعَةٍ: حَكَمَ بِصِحَّتِهِ قَاضٍ حَنْبَلِيٌّ نَفَذَ لَوْ كَانَ مُوَافِقًا لِمَذْهَبِ أَحْمَدَ، لَكِنْ قَالَ إِنَّهُ لاَ يَنْفُذُ لأِنَّ الْفَتْوَى عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ (لاَ يَصِحُّ الْفَرَاغُ فِي الأْوْقَافِ الأَْهْلِيَّةِ، وَأَوْقَافِ الْمَسَاجِدِ وَنَحْوِهَا، سَوَاءٌ أَذِنَ فِي ذَلِكَ النَّاظِرُ أَمْ لَمْ يَأْذَنْ، بَلْ لِلنَّاظِرِ إِيجَارُهَا وَصَرْفُ أُجْرَتِهَا فِي جِهَاتِ الْوَقْفِ، وَلاَ يَصِحُّ الْفَرَاغُ إِلاَّ فِي مَا فُتِحَ عَنْوَةً وَلَمْ يُقْسَمْ وَضُرِبَ عَلَيْهِ خَرَاجٌ يُؤْخَذُ مِمَّنْ هُوَ فِي يَدِهِ) .
وَفِي الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ: سُئِلَ فِي أَرْضِ وَقْفٍ دَفَعَهَا النَّاظِرُ لِمُزَارِعٍ يَزْرَعُهَا بِالْحِصَّةِ هَلْ يَمْلِكُ الْمُزَارِعُ دَفْعَهَا لِمُزَارِعٍ آخَرَ بِمَالٍ يَأْخُذُهُ لِنَفْسِهِ فِي مُقَابِلِهَا، أَمْ لاَ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ. فَلاَ يَصِحُّ بَيْعُهُ وَلاَ فَرَاغُهُ، وَيَرْجِعُ الْمُزَارِعُ الثَّانِي عَلَى الأْوَّلِ بِمَا دَفَعَهُ مِنْ مَالٍ ؟
فَأَجَابَ: أَرْضُ الْوَقْفِ لاَ يَمْلِكُهَا الْمُزَارِعُ وَلاَ تَصَرُّفَ لَهُ فِيهَا بِالْفَرَاغِ عَنْ مَنْفَعَتِهَا بِمَالٍ يَدْفَعُهُ لَهُ مُزَارِعٌ آخَرُ لِيَزْرَعَهَا لِنَفْسِهِ؛ لأِنَّ انْتِفَاعَ الأْوَّلِ بِهَا مُجَرَّدُ حَقٍّ، لاَ يَجُوزُ الاِعْتِيَاضُ عَنْهُ بِمَالٍ، فَإِذَا أَخَذَ مَالاً فِي مُقَابَلَةِ الاِعْتِيَاضِ عَنْهُ يَسْتَرِدُّهُ مِنْهُ صَاحِبُهُ شَرْعًا. وَالْوَقْفُ مُحَرَّمٌ بِحُرُمَاتِ اللَّهِ تَعَالَى .
وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي الْفَتَاوَى الْمَهْدِيَّةِ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ. وَنَقَلَهُ عَنِ ابْنِ عَابِدِينَ فِي رِسَالَتِهِ الْمُسَمَّاةِ (تَحْرِيرُ الْعِبَارَةِ فِيمَنْ هُوَ أَحَقُّ بِالإْجَارَةِ) وَقَالَ: لاَ يَجُوزُ لِلْمُسْتَأْجِرِ إِسْقَاطُ حَقِّهِ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ فِي مُقَابَلَةِ مَالٍ يَأْخُذُهُ، ثُمَّ يَسْتَأْجِرُ الْمُسْقَطَ لَهُ مِنَ النَّاظِرِ إِذْ هَذَا مِنْ قَبِيلِ الْحُقُوقِ الْمُجَرَّدَةِ الَّتِي لاَ يَجُوزُ الاِعْتِيَاضُ عَنْهَا، كَحَقِّ الشُّفْعَةِ.
ثُمَّ قَالَ: إِنَّ هَذَا لاَ يَمْنَعُ الْمُسْتَأْجِرَ أَنْ يُؤَجِّرَ لِغَيْرِهِ إِلَى بَاقِي الْمُدَّةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهَا حَقُّ الْقَرَارِ؛ لأِنَّهُ مَالِكٌ لِلْمَنْفَعَةِ إِلَى نِهَايَةِ مُدَّةِ الإْجَارَةِ فَلَهُ بَيْعُهَا بِطَرِيقِ الإْجَارَةِ .
أَمَّا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فَلَمْ نَجِدِ التَّصْرِيحَ مِنْهُمْ بِحُكْمِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ غَيْرَ أَنَّ الشَّيْخَ عُلَيْشًا ذَكَرَ أَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ الْمُعَيَّنَ إِنْ آجَرَ الْوَقْفَ وَأَذِنَ لِلْمُسْتَأْجِرِ فِي الْبِنَاءِ فِيهِ ثُمَّ مَاتَ الْمُؤَجِّرُ تَنْفَسِخُ الإْجَارَةُ، وَالْبِنَاءُ مِلْكٌ لِلْبَانِي فَلَهُ نَقْضُهُ أَوْ قِيمَتُهُ مَنْقُوضًا إِنْ كَانَ لِلْوَقْفِ رِيعٌ يَدْفَعُ مِنْهُ ذَلِكَ، وَهَذَا إِنْ كَانَ الْوَقْفُ لاَ يَحْتَاجُ لِمَا بَنَاهُ وَإِلاَّ فَيُوَفَّى لَهُ مِنَ الْغَلَّةِ قَطْعًا. قَالَ الشَّيْخُ عُلَيْشٌ: أَفَادَ ذَلِكَ الشَّيْخُ الْخَرَشِيُّ رحمه الله .
وَلَمْ نَجِدْ لِلشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ مَا فِيهِ النَّصُّ عَلَى ذَلِكَ، عَلَى أَنَّ قَاعِدَةَ الإْجَارَةِ تَقْتَضِي إِنْهَاءَ حَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ بِانْتِهَاءِ مُدَّةِ الإْجَارَةِ. قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: غِرَاسُ الْمُسْتَأْجِرِ وَبِنَاؤُهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ إِذَا لَمْ يُقْلِعْهُ الْمَالِكُ، فَلِلْمُؤَجِّرِ تَمَلُّكُهُ بِالْقِيمَةِ وَيُجْبَرُ الْمَالِكُ عَلَى الْقَبُولِ، وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ فَصْلُهُ بِدُونِ ضَرَرٍ يَلْحَقُ مَالِكَ الأْصْلِ، فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ تَمَلُّكُهُ قَهْرًا . وَقَدْ تَقَدَّمَ النَّقْلُ مِنْ صَاحِبِ الْفَتَاوَى الْحَامِدِيَّةِ أَنَّ الْفَتْوَى عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ الْفَرَاغُ مُقَابِلَ مَالٍ فِي الأْوْقَافِ .
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السادس والعشرون ، الصفحة / 138
أَسْبَابُ الشُّفْعَةِ:
6 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ لِلشَّرِيكِ الَّذِي لَهُ حِصَّةٌ شَائِعَةٌ فِي نَفْسِ الْعَقَارِ الْمَبِيعِ مَا لَمْ يُقْسَمْ.
وَاخْتَلَفُوا فِي الاِتِّصَالِ بِالْجِوَارِ وَحُقُوقِ الْمَبِيعِ فَاعْتَبَرَهُمَا الْحَنَفِيَّةُ مِنْ أَسْبَابِ الشُّفْعَةِ خِلاَفًا لِجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:
الشُّفْعَةُ لِلشَّرِيكِ عَلَى الشُّيُوعِ:
7 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى جَوَازِ الشُّفْعَةِ لِلشَّرِيكِ الَّذِي لَهُ حِصَّةٌ شَائِعَةٌ فِي ذَاتِ الْعَقَارِ الْمَبِيعِ مَا دَامَ لَمْ يُقَاسِمْ . وَقَدِ اسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِ جَابِرٍ رضي الله عنه السَّابِقِ ف \ 4
الشَّرِكَةُ الَّتِي تَكُونُ مَحَلًّا لِلشُّفْعَةِ:
8 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الشَّرِكَةِ الَّتِي تَكُونُ مَحَلًّا لِلشُّفْعَةِ عَلَى اتِّجَاهَيْنِ:
الأْوَّلُ: ذَهَبَ مَالِكٌ فِي إِحْدَى رِوَايَتَيْهِ، وَالشَّافِعِيُّ فِي الأْصَحِّ وَالْحَنَابِلَةُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ إِلَى أَنَّ كُلَّ مَا لاَ يَنْقَسِمُ - كَالْبِئْرِ، وَالْحَمَّامِ الصَّغِيرِ، وَالطَّرِيقِ - لاَ شُفْعَةَ فِيهِ .
لأِنَّ إِثْبَاتَ الشُّفْعَةِ فِيمَا لاَ يَنْقَسِمُ يَضُرُّ بِالْبَائِعِ لأِنَّهُ لاَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْ إِثْبَاتِ الشُّفْعَةِ فِي نَصِيبِهِ بِالْقِسْمَةِ وَقَدْ يَمْتَنِعُ الْمُشْتَرِي لأِجْلِ الشَّفِيعِ فَيَتَضَرَّرُ الْبَائِعُ وَقَدْ يَمْتَنِعُ الْبَيْعُ فَتَسْقُطُ الشُّفْعَةُ فَيُؤَدِّي إِثْبَاتُهَا إِلَى نَفْيِهَا .
الاِتِّجَاهُ الثَّانِي:
9 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَمَالِكٌ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ، وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الصَّحِيحِ وَالْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ إِلَى أَنَّ الشُّفْعَةَ تَجِبُ فِي الْعَقَارِ سَوَاءٌ قَبِلَ الْقِسْمَةَ أَمْ لَمْ يَقْبَلْهَا.
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِعُمُومِ حَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ: «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ ، صلي الله عليه وسلم بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ».
وَلأِنَّ الشُّفْعَةَ إِنَّمَا شُرِعَتْ لِدَفْعِ الضَّرَرِ اللاَّحِقِ بِالشَّرِكَةِ فَتَجُوزُ فِيمَا لاَ يَنْقَسِمُ، فَإِذَا كَانَا شَرِيكَيْنِ فِي عَيْنٍ مِنَ الأْعْيَانِ ، لَمْ يَكُنْ دَفْعُ ضَرَرِ أَحَدِهِمَا بِأَوْلَى مِنْ دَفْعِ ضَرَرِ الآْخَرِ فَإِذَا بَاعَ نَصِيبَهُ كَانَ شَرِيكُهُ أَحَقَّ بِهِ مِنَ الأْجْنَبِيِّ، إِذْ فِي ذَلِكَ إِزَالَةُ ضَرَرِهِ مَعَ عَدَمِ تَضَرُّرِ صَاحِبِهِ، فَإِنَّهُ يَصِلُ إِلَى حَقِّهِ مِنَ الثَّمَنِ وَيَصِلُ هَذَا إِلَى اسْتِبْدَادِهِ بِالْمَبِيعِ فَيَزُولُ الضَّرَرُ عَنْهُمَا جَمِيعًا .
وَقَالُوا أَيْضًا: إِنَّ الضَّرَرَ بِالشَّرِكَةِ فِيمَا لاَ يَنْقَسِمُ أَبْلَغُ مِنَ الضَّرَرِ بِالْعَقَارِ الَّذِي يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ، فَإِذَا كَانَ الشَّارِعُ مُرِيدًا لِدَفْعِ الضَّرَرِ الأْدْنَى فَالأْعْلَى أَوْلَى بِالدَّفْعِ، وَلَوْ كَانَتِ الأْحَادِيثُ مُخْتَصَّةً بِالْعَقَارَاتِ الْمَقْسُومَةِ فَإِثْبَاتُ الشُّفْعَةِ فِيهَا تَنْبِيهٌ عَلَى ثُبُوتِهَا فِيمَا لاَ يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ .
الشَّفْعَةُ فِي الْمَنْفَعَةِ:
10 - الشَّرِكَةُ الْمُجِيزَةُ لِلشُّفْعَةِ هِيَ الشَّرِكَةُ فِي الْمِلْكِ فَقَطْ، فَتَثْبُتُ الشُّفْعَةُ لِلشَّرِيكِ فِي رَقَبَةِ الْعَقَارِ.
أَمَّا الشَّرِكَةُ فِي مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ فَلاَ تَثْبُتُ فِيهَا الشُّفْعَةُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَفِي قَوْلٍ لِمَالِكٍ لِلشَّرِيكِ فِي الْمَنْفَعَةِ الْمُطَالَبَةُ بِالشُّفْعَةِ أَيْضًا. قَالَ الشَّيْخُ عُلَيْشٌ: (لاَ شُفْعَةَ لِشَرِيكٍ فِي كِرَاءٍ، فَإِنِ اكْتَرَى شَخْصَانِ دَارًا مَثَلاً ثُمَّ أَكْرَى أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ مَنْفَعَتِهَا فَلاَ شُفْعَةَ فِيهِ لِشَرِيكِهِ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْ مَالِكٍ، وَلَهُ الشُّفْعَةُ فِيهِ عَلَى قَوْلِهِ الآْخَرِ).
وَاشْتَرَطَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ لِلشُّفْعَةِ فِي الْكِرَاءِ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَنْقَسِمُ وَأَنْ يَشْفَعَ لِيَسْكُنَ .
شُفْعَةُ الْجَارِ الْمَالِكِ وَالشَّرِيكِ فِي حَقٍّ مِنْ حُقُوقِ الْمَبِيعِ:
11 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ كَمَا سَبَقَ عَلَى ثُبُوتِ شُفْعَةٍ لِلشَّرِيكِ الَّذِي لَهُ حِصَّةٌ شَائِعَةٌ فِي ذَاتِ الْمَبِيعِ مَا دَامَ لَمْ يُقَاسِمْ.
وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي ثُبُوتِهَا لِلْجَارِ الْمُلاَصِقِ وَالشَّرِيكِ فِي حَقٍّ مِنْ حُقُوقِ الْمَبِيعِ، وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ اتِّجَاهَانِ.
الأْوَّلُ: ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى عَدَمِ ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ لِلْجَارِ وَلاَ لِلشَّرِيكِ فِي حُقُوقِ الْبَيْعِ، وَبِهِ قَالَ: أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَالزُّهْرِيُّ وَيَحْيَى الأْنْصَارِيُّ وَأَبُو الزِّنَادِ وَرَبِيعَةُ وَالْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالأْوْزَاعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ .
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِ جَابِرٍ وَفِيهِ: «فَإِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ وَصُرِفَتِ الطُّرُقُ فَلاَ شُفْعَةَ».
وَوَجْهُ الدَّلاَلَةِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ: أَنَّ فِي صَدْرِهِ إِثْبَاتَ الشُّفْعَةِ فِي غَيْرِ الْمَقْسُومِ وَنَفْيَهَا فِي الْمَقْسُومِ؛ لأِنَّ كَلِمَةَ إِنَّمَا لإِثْبَاتِ الْمَذْكُورِ وَنَفْيِ مَا عَدَاهُ، وَآخِرُهُ نَفْيُ الشُّفْعَةِ عِنْدَ وُقُوعِ الْحُدُودِ وَصَرْفِ الطُّرُقِ، وَالْحُدُودُ بَيْنَ الْجَارَيْنِ وَاقِعَةٌ وَالطُّرُقُ مَصْرُوفَةٌ فَكَانَتِ الشُّفْعَةُ مَنْفِيَّةً فِي هَذِهِ الْحَالَةِ.
وَقَالُوا: إِذَا كَانَ الشَّارِعُ يَقْصِدُ رَفْعَ الضَّرَرِ عَنِ الْجَارِ فَهُوَ أَيْضًا يَقْصِدُ رَفْعَهُ عَنِ الْمُشْتَرِي. وَلاَ يُدْفَعُ ضَرَرُ الْجَارِ بِإِدْخَالِ الضَّرَرِ عَلَى الْمُشْتَرِي، فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ فِي حَاجَةٍ إِلَى دَارٍ يَسْكُنُهَا هُوَ وَعِيَالُهُ، فَإِذَا سُلِّطَ الْجَارُ عَلَى انْتِزَاعِ دَارِهِ مِنْهُ أَضَرَّ بِهِ ضَرَرًا بَيِّنًا، وَأَيُّ دَارٍ اشْتَرَاهَا وَلَهُ جَارٌ فَحَالُهُ مَعَهُ هَكَذَا. وَتَطَلُّبُهُ دَارًا لاَ جَارَ لَهَا كَالْمُتَعَذَّرِ عَلَيْهِ، فَكَانَ مِنْ تَمَامِ حِكْمَةِ الشَّارِعِ أَنْ أَسْقَطَ الشُّفْعَةَ بِوُقُوعِ الْحُدُودِ وَتَصْرِيفِ الطُّرُقِ لِئَلاَّ يَضُرَّ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَيَتَعَذَّرُ عَلَى مَنْ أَرَادَ شِرَاءَ دَارٍ لَهَا جَارٌ أَنْ يَتِمَّ لَهُ مَقْصُودُهُ .
الاِتِّجَاهُ الثَّانِي:
12 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَابْنُ شُبْرُمَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى إِلَى إِثْبَاتِ الشُّفْعَةِ لِلْجَارِ الْمُلاَصِقِ وَالشَّرِيكِ فِي حَقٍّ مِنْ حُقُوقِ الْمَبِيعِ، فَسَبَبُ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ عِنْدَهُمْ أَحَدُ شَيْئَيْنِ: الشَّرِكَةُ أَوِ الْجِوَارُ. ثُمَّ الشَّرِكَةُ نَوْعَانِ:
أ - شَرِكَةٌ فِي مِلْكِ الْمَبِيعِ.
ب - شَرِكَةٌ فِي حُقُوقِهِ، كَالشِّرْبِ وَالطَّرِيقِ.
قَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ: «الشُّفْعَةُ وَاجِبَةٌ لِلْخَلِيطِ فِي نَفْسِ الْمَبِيعِ، ثُمَّ لِلْخَلِيطِ فِي حَقِّ الْمَبِيعِ كَالشِّرْبِ وَالطَّرِيقِ، ثُمَّ لِلْجَارِ ».
وَاسْتَدَلَّ هَؤُلاَءِ بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ قَالَ: «وَقَفْتُ عَلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، فَجَاءَ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى إِحْدَى مَنْكِبَيَّ إِذْ جَاءَ أَبُو رَافِعٍ مَوْلَى النَّبِيِّ ، صلي الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا سَعْدُ، ابْتَعْ مِنِّي بَيْتِي فِي دَارِكَ. فَقَالَ سَعْدٌ: وَاللَّهِ مَا أَبْتَاعُهُمَا فَقَالَ الْمِسْوَرُ: وَاللَّهِ لَتَبْتَاعَنَّهُمَا، فَقَالَ سَعْدٌ: وَاللَّهِ لاَ أَزِيدُكَ عَلَى أَرْبَعَةِ آلاَفٍ مُنَجَّمَةً أَوْ مُقَطَّعَةً، قَالَ أَبُو رَافِعٍ: لَقَدْ أُعْطِيتُ بِهَا خَمْسَمِائَةِ دِينَارٍ وَلَوْلاَ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ، صلي الله عليه وسلم يَقُولُ: «الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ» مَا أَعْطَيْتُكَهَا بِأَرْبَعَةِ آلاَفٍ وَأَنَا أُعْطَى بِهَا خَمْسَمِائَةِ دِينَارٍ فَأَعْطَاهَا إِيَّاهُ».
فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الشُّفْعَةَ تُسْتَحَقُّ بِسَبَبِ الْجِوَارِ، وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ، صلي الله عليه وسلم : (الْجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَتِهِ يُنْتَظَرُ بِهِ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا، إِذَا كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا).
عَنِ «الشَّرِيدِ بْنِ سُوَيْدٌ قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَرْضِي لَيْسَ لأِحَدٍ فِيهَا شَرِكَةٌ وَلاَ قِسْمَةٌ إِلاَّ الْجِوَارُ، فَقَالَ: الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ».
اسْتَدَلُّوا مِنَ الْمَعْقُولِ بِأَنَّهُ إِذَا كَانَ الْحُكْمُ بِالشُّفْعَةِ ثَبَتَ فِي الشَّرِكَةِ لإِفْضَائِهَا إِلَى ضَرَرِ الْمُجَاوَرَةِ فَحَقِيقَةُ الْمُجَاوَرَةِ أَوْلَى بِالثُّبُوتِ فِيهَا، وَهَذَا لأِنَّ الْمَقْصُودَ دَفْعُ ضَرَرِ الْمُتَأَذِّي بِسُوءِ الْمُجَاوَرَةِ عَلَى الدَّوَامِ وَضَرَرُ التَّأَذِّي بِسُوءِ الْمُجَاوَرَةِ عَلَى الدَّوَامِ بِاتِّصَالِ أَحَدِ الْمِلْكَيْنِ بِالآْخَرِ عَلَى وَجْهٍ لاَ يَتَأَتَّى الْفَصْلُ فِيهِ.
وَالنَّاسُ يَتَفَاوَتُونَ فِي الْمُجَاوَرَةِ حَتَّى يُرْغَبُ فِي مُجَاوَرَةِ بَعْضِ النَّاسِ لِحُسْنِ خُلُقِهِ وَيُرْغَبُ عَنْ جِوَارِ الْبَعْضِ لِسُوءِ خُلُقِهِ، فَلَمَّا كَانَ الْجَارُ الْقَدِيمُ يَتَأَذَّى بِالْجَارِ الْحَادِثِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الْمِلْكِ بِالشُّفْعَةِ دَفْعًا لِهَذَا الضَّرَرِ .
شُرُوطُ الشُّفْعَةِ بِالْجِوَارِ:
13 - يَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ الْجِوَارَ سَبَبٌ لِلشُّفْعَةِ وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَأْخُذُوا بِالْجِوَارِ عَلَى عُمُومِهِ، بَلِ اشْتَرَطُوا لِذَلِكَ أَنْ تَتَحَقَّقَ الْمُلاَصَقَةُ فِي أَيِّ جُزْءٍ مِنْ أَيِّ حَدٍّ مِنَ الْحُدُودِ، سَوَاءٌ امْتَدَّ مَكَانُ الْمُلاَصَقَةِ حَتَّى عَمَّ الْحَدَّ أَمْ قَصُرَ حَتَّى لَوْ لَمْ يَتَجَاوَزْ.
فَالْمُلاَصِقُ لِلْمَنْزِلِ وَالْمُلاَصِقُ لأِقْصَى الدَّارِ سَوَاءٌ فِي اسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ لأِنَّ مِلْكَ كُلِّ حَدٍّ مِنْهُمْ مُتَّصِلٌ بِالْبَيْعِ.
أَمَّا الْجَارُ الْمُحَاذِي فَلاَ شُفْعَةَ لَهُ بِالْمُجَاوَرَةِ سَوَاءٌ أَكَانَ أَقْرَبَ بَابًا أَمْ أَبْعَدَ؛ لأِنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الشُّفْعَةِ هُوَ الْقُرْبُ وَاتِّصَالُ أَحَدِ الْمِلْكَيْنِ بِالآْخَرِ وَذَلِكَ فِي الْجَارِ الْمُلاَصِقِ دُونَ الْجَارِ الْمُحَاذِي فَإِنَّ بَيْنَ الْمِلْكَيْنِ طَرِيقًا نَافِذًا
وَقَالَ شُرَيْحٌ الشُّفْعَةُ بِالأْبْوَابِ ، فَأَقْرَبُ الأْبْوَابِ إِلَى الدَّارِ أَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ. لِمَا وَرَدَ أَنَّ «عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي جَارَيْنِ فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِي؟ قَالَ: إِلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكَ بَابًا» .
وَلاَ تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ أَيْضًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لِلْجَارِ الْمُقَابِلِ. لأِنَّ سُوءَ الْمُجَاوَرَةِ لاَ يَتَحَقَّقُ إِذَا لَمْ يَكُنْ مِلْكُ أَحَدِهِمَا مُتَّصِلاً بِمِلْكِ الآْخَرِ وَلاَ شَرِكَةَ بَيْنَهُمَا فِي حُقُوقِ الْمِلْكِ.
وَحَقُّ الشُّفْعَةِ يَثْبُتُ لِلْجَارِ الْمُلاَصِقِ لِيُتَرَفَّقَ بِهِ مِنْ حَيْثُ تَوَسُّعُ الْمِلْكِ وَالْمَرَافِقِ، وَهَذَا فِي الْجَارِ الْمُلاَصِقِ يَتَحَقَّقُ لاَمِكَانِ جَعْلِ إِحْدَى الدَّارَيْنِ مِنْ مَرَافِقِ الدَّارِ الأْخْرَى.
وَلاَ يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي الْجَارِ الْمُقَابِلِ لِعَدَمِ إِمْكَانِ جَعْلِ إِحْدَى الدَّارَيْنِ مِنْ مَرَافِقِ الدَّارِ الأْخْرَى بِطَرِيقٍ نَافِذٍ بَيْنَهُمَا.
وَلَكِنْ تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ لِلْجَارِ الْمُقَابِلِ إِذَا كَانَتِ الدُّورُ كُلُّهَا فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ، لإِِمْكَانِ جَعْلِ بَعْضِهَا مِنْ مَرَافِقِ الْبَعْضِ بِأَنْ تُجْعَلَ الدُّورُ كُلُّهَا دَارًا وَاحِدَةً.
وَلاَ تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ إِلاَّ لِلْجَارِ الْمَالِكِ، فَلاَ تَثْبُتُ لِجَارِ السُّكْنَى، كَالْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُسْتَعِيرِ، لأِنَّ الْمَقْصُودَ دَفْعُ ضَرَرِ التَّأَذِّي بِسُوءِ الْمُجَاوَرَةِ عَلَى الدَّوَامِ وَجِوَارُ السُّكْنَى لَيْسَ بِمُسْتَدَامٍ، وَضَرَرُ التَّأَذِّي بِسُوءِ الْمُجَاوَرَةِ عَلَى الدَّوَامِ، بِاتِّصَالِ أَحَدِ الْمِلْكَيْنِ بِالآْخَرِ عَلَى وَجْهٍ لاَ يَتَأَتَّى الْفَصْلُ فِيهِ .
الشُّفْعَةُ بَيْنَ مُلاَّكِ الطَّبَقَاتِ:
13 م - مُلاَّكُ الطَّبَقَاتِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مُتَجَاوِرُونَ فَيَحِقُّ لَهُمُ الأْخْذُ بِالشُّفْعَةِ بِسَبَبِ الْجِوَارِ .
وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ صَاحِبُ الْعُلُوِّ السُّفْلَ بِالشُّفْعَةِ حَتَّى انْهَدَمَ الْعُلُوُّ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ بَطَلَتِ الشُّفْعَةُ - لأِنَّ الاِتِّصَالَ بِالْجِوَارِ قَدْ زَالَ، كَمَا لَوْ بَاعَ الَّتِي يَشْفَعُ بِهَا قَبْلَ الأْخْذِ .
وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ تَجِبُ الشُّفْعَةُ؛ لأِنَّ هَا لَيْسَتْ بِسَبَبِ الْبِنَاءِ بَلْ بِالْقَرَارِ وَحَقُّ الْقَرَارِ بَاقٍ.
وَإِنْ كَانَتْ ثَلاَثَةَ أَبْيَاتٍ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ وَبَابُ كُلٍّ إِلَى السِّكَّةِ فَبِيعَ الأْوْسَطُ تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ لِلأْعْلَى وَالأْسْفَلِ وَإِنْ بِيعَ الأْسْفَلُ أَوِ الأْعْلَى، فَالأْوْسَطُ أَوْلَى، بِمَا لَهُ مِنْ حَقِّ الْقَرَارِ؛ لأِنَّ حَقَّ التَّعَلِّي يَبْقَى عَلَى الدَّوَامِ، وَهُوَ غَيْرُ مَنْقُولٍ فَتُسْتَحَقُّ بِهِ الشُّفْعَةُ كَالْعَقَارِ .
وَلَوْ كَانَ سُفْلٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِ عُلُوٌّ لأِحَدِهِمَا مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ فَبَاعَ هُوَ السُّفْلَ وَالْعُلُوَّ كَانَ الْعُلُوُّ لِشَرِيكِهِ فِي الْعُلُوِّ وَالسُّفْلُ لِشَرِيكِهِ فِي السُّفْلِ، لأِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَرِيكٌ فِي نَفْسِ الْمَبِيعِ فِي حَقِّهِ وَجَارٌ فِي حَقِّ الآْخَرِ أَوْ شَرِيكٌ فِي الْحَقِّ إِذَا كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا.
وَلَوْ كَانَ السُّفْلُ لِرَجُلٍ وَالْعُلُوُّ لآِخَرَ فَبِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِهَا فَالشُّفْعَةُ لَهُمَا .
التَّصَرُّفَاتُ الَّتِي تَجُوزُ فِيهَا الشُّفْعَةُ:
19 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ التَّصَرُّفَ الْمُجِيزَ لِلشُّفْعَةِ هُوَ عَقْدُ الْمُعَاوَضَةِ، وَهُوَ الْبَيْعُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ. فَلاَ تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْمِيرَاثِ وَالْوَصِيَّةِ لأِنَّ الأْخْذَ بِالشُّفْعَةِ يَكُونُ بِمِثْلِ مَا مَلَكَ فَإِذَا انْعَدَمَتِ الْمُعَاوَضَةُ تَعَذَّرَ الأْخْذُ بِالشُّفْعَةِ.
وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ فِي رِوَايَةٍ أَنَّ الشُّفْعَةَ تَثْبُتُ فِي كُلِّ مِلْكٍ انْتَقَلَ بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِ عِوَضٍ كَالْهِبَةِ لِغَيْرِ الثَّوَابِ، وَالصَّدَقَةِ، مَا عَدَا الْمِيرَاثَ فَإِنَّهُ لاَ شُفْعَةَ فِيهِ بِاتِّفَاقٍ. وَوَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهَا اعْتَبَرَتِ الضَّرَرَ فَقَطْ.
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْمَهْرِ وَأَرْشِ الْجِنَايَاتِ وَالصُّلْحِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ صَحَّحَهَا الْمِرْدَاوِيُّ إِلَى عَدَمِ ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ فِي هَذِهِ الأْمْوَالِ لأِنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي الْبَيْعِ فَقَطْ وَلَيْسَتْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ بِمَعْنَى الْبَيْعِ؛ وَلاِسْتِحَالَةِ أَنْ يَتَمَلَّكَ الشَّفِيعُ بِمِثْلِ مَا تَمَلَّكَ بِهِ هَؤُلاَءِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى إِلَى ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ فِي هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ قِيَاسًا عَلَى الْبَيْعِ بِجَامِعِ الاِشْتِرَاكِ فِي الْمُعَاوَضَةِ مَعَ لُحُوقِ الضَّرَرِ ثُمَّ نَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ إِذَا ثَبَتَتِ الشُّفْعَةُ فِي هَذِهِ الْحَالِ فَيَأْخُذُهُ الشَّفِيعُ بِقِيمَتِهِ وَفِي قَوْلٍ: بِقِيمَةِ مُقَابِلِهِ .
الْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ
20 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَهُوَ الأْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ) إِلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَتِ الْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ، فَإِنْ تَقَابَضَا وَجَبَتِ الشُّفْعَةُ؛ لِوُجُودِ مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ عِنْدَ التَّقَابُضِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَرَأْيٌ لِلشَّافِعِيَّةِ، وَإِنْ قَبَضَ أَحَدُهُمَا دُونَ الآْخَرِ فَلاَ شُفْعَةَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ زُفَرَ تَجِبُ الشُّفْعَةُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَهُوَ الأْظْهَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ .
الشُّفْعَةُ مَعَ شَرْطِ الْخِيَارِ:
21 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ وَحْدَهُ أَوْ لِلْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي مَعًا فَلاَ شُفْعَةَ حَتَّى يَجِبَ الْبَيْعُ؛ لأِنَّ هُمْ اشْتَرَطُوا لِجَوَازِ الشُّفْعَةِ زَوَالَ مِلْكِ الْبَائِعِ عَنِ الْمَبِيعِ .
وَإِذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: تَجِبُ الشُّفْعَةُ لأِنَّ خِيَارَهُ لاَ يَمْنَعُ زَوَالَ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَحَقُّ الشُّفْعَةِ يَقِفُ عَلَيْهِ .
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ - لاَ تَجِبُ الشُّفْعَةُ؛ لأِنَّهُ غَيْرُ لاَزِمٍ. لأِنَّ بَيْعَ الْخِيَارِ مُنْحَلٌّ عَلَى الْمَشْهُورِ، إِلاَّ بَعْدَ مُضِيِّهِ وَلُزُومِهِ فَتَكُونُ الشُّفْعَةُ .
وَأَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَقَدْ قَالُوا: إِنْ شَرَطَ الْخِيَارَ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمِلْكَ لَهُ فَفِي أَخْذِهِ بِالشُّفْعَةِ قَوْلاَنِ:
الأْوَّلُ: الْمَنْعُ، لأِنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمْ يَرْضَ بِلُزُومِ الْعَقْدِ وَفِي الأْخْذِ إِلْزَامٌ وَإِثْبَاتٌ لِلْعُهْدَةِ عَلَيْهِ.
وَالثَّانِي: وَهُوَ الأْظْهَرُ - يُؤْخَذُ؛ لأِنَّهُ لاَ حَقَّ فِيهِ إِلاَّ لِلْمُشْتَرِي وَالشَّفِيعُ سُلِّطَ عَلَيْهِ بَعْدَ لُزُومِ الْمِلْكِ وَاسْتِقْرَارِهِ فَقَبْلَهُ أَوْلَى .
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ لاَ تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ كَمَا قَالَ الْمَالِكِيَّةُ .
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: وَلَوْ شَرَطَ الْبَائِعُ الْخِيَارَ لِلشَّفِيعِ فَلاَ شُفْعَةَ لَهُ، لأِنَّ شَرْطَ الْخِيَارِ لِلشَّفِيعِ شَرْطٌ لِنَفْسِهِ وَأَنَّهُ يَمْنَعُ وُجُوبَ الشُّفْعَةِ، فَإِنْ أَجَازَ الشَّفِيعُ الْبَيْعَ جَازَ وَلاَ شُفْعَةَ؛ لأِنَّ الْبَيْعَ تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ بَاعَ ابْتِدَاءً. وَإِنْ فُسِخَ الْبَيْعُ فَلاَ شُفْعَةَ لَهُ لأِنَّ مِلْكَ الْبَائِعِ لَمْ يَزُلْ، وَالْحِيلَةُ لِلشَّفِيعِ فِي ذَلِكَ أَلاَّ يَفْسَخَ وَلاَ يُجِيزَ حَتَّى يُجِيزَ الْبَائِعُ أَوْ يُجَوِّزَ الْبَيْعَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ فَتَكُونُ لَهُ الشُّفْعَةُ .
الْمَالُ الَّذِي تَثْبُتُ فِيهِ الشُّفْعَةُ:
24 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْعَقَارَ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنَ الأْمْوَالِ الثَّابِتَةِ تَثْبُتُ فِيهِ الشُّفْعَةُ . وَأَمَّا الأْمْوَالُ الْمَنْقُولَةُ فَفِيهَا خِلاَفٌ يَأْتِي بَيَانُهُ. وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ فِي الْعَقَارِ وَنَحْوِهِ بِحَدِيثِ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ ، صلي الله عليه وسلم بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ شَرِكَةٍ لَمْ تُقْسَمْ رَبْعَةٍ أَوْ حَائِطٍ» .
وَبِأَنَّ الشُّفْعَةَ فِي الْعَقَارِ مَا وَجَبَتْ لِكَوْنِهِ: مَسْكَنًا، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ لِخَوْفِ أَذَى الدَّخِيلِ وَضَرَرِهِ عَلَى سَبِيلِ الدَّوَامِ وَذَلِكَ لاَ يَتَحَقَّقُ إِلاَّ فِي الْعَقَارِ .
وَتَجِبُ الشُّفْعَةُ فِي الْعَقَارِ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ وَهُوَ الْعُلُوُّ، سَوَاءٌ كَانَ الْعَقَارُ مِمَّا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ أَوْ مِمَّا لاَ يَحْتَمِلُهَا كَالْحَمَّامِ وَالرَّحَى وَالْبِئْرِ، وَالنَّهْرِ، وَالْعَيْنِ، وَالدُّورِ الصِّغَارِ. وَكُلُّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَقَارِ مِمَّا لَهُ ثَبَاتٌ وَاتِّصَالٌ بِالشُّرُوطِ الْمُتَقَدَّمِ ذِكْرُهَا .
25 - وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ فِي الْمَنْقُولِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الْقَوْلُ الأْوَّلُ: لاَ تَثْبُتُ فِي الْمَنْقُولِ وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَالصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبَيِ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ . وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ. بِحَدِيثِ جَابِرٍ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم «قَضَى بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ وَصُرِفَتِ الطُّرُقُ فَلاَ شُفْعَةَ».
وَوَجْهُ الدَّلاَلَةِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ وُقُوعَ الْحُدُودِ وَتَصْرِيفَ الطُّرُقِ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْعَقَارِ دُونَ الْمَنْقُولِ.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّصلي الله عليه وسلم قَالَ: «لاَ شُفْعَةَ إِلاَّ فِي دَارٍ أَوْ عَقَارٍ» .، وَهَذَا يَقْتَضِي نَفْيَهَا عَنْ غَيْرِ الدَّارِ وَالْعَقَارِ مِمَّا لاَ يَتْبَعُهُمَا وَهُوَ الْمَنْقُولُ، وَأَمَّا مَا يَتْبَعُهُمَا فَهُوَ دَاخِلٌ فِي حُكْمِهَا .
قَالُوا: وَلأِنَّ الشُّفْعَةَ إِنَّمَا شُرِعَتْ لِدَفْعِ الضَّرَرِ، وَالضَّرَرُ فِي الْعَقَارِ يَكْثُرُ جِدًّا فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ الشَّرِيكُ إِلَى إِحْدَاثِ الْمَرَافِقِ، وَتَغْيِيرِ الأْبْنِيَةِ وَتَضْيِيقِ الْوَاسِعِ وَتَخْرِيبِ الْعَامِرِ وَسُوءِ الْجِوَارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَخْتَصُّ بِالْعَقَارِ بِخِلاَفِ الْمَنْقُولِ.
وَقَالُوا أَيْضًا: الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَنْقُولِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الضَّرَرَ فِي غَيْرِ الْمَنْقُولِ يَتَأَبَّدُ بِتَأَبُّدِهِ وَفِي الْمَنْقُولِ لاَ يَتَأَبَّدُ فَهُوَ ضَرَرٌ عَارِضٌ فَهُوَ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ .
26 - الْقَوْلُ الثَّانِي: تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ فِي الْمَنْقُولِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ . وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ ، صلي الله عليه وسلم «قَضَى بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ» .
قَالُوا: إِنَّ الرَّسُولَ صلي الله عليه وسلم أَثْبَتَ الشُّفْعَةَ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ وَهَذَا يَتَنَاوَلُ الْعَقَارَ وَالْمَنْقُولَ. لأِنَّ «مَا» مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ فَتَثْبُتُ الشُّفْعَةُ فِي الْمَنْقُولِ كَمَا هِيَ ثَابِتَةٌ فِي الْعَقَارِ.
وَقَالُوا: وَلأِنَّ الضَّرَرَ بِالشَّرِكَةِ فِيمَا لاَ يَنْقَسِمُ أَبْلَغُ مِنَ الضَّرَرِ بِالْعَقَارِ الَّذِي يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ فَإِذَا كَانَ الشَّارِعُ مُرِيدًا لِدَفْعِ الضَّرَرِ الأْدْنَى فَالأْعْلَى أَوْلَى بِالدَّفْعِ .
الشُّفْعَةُ لِلذِّمِّيِّ عَلَى الْمُسْلِمِ:
39 - أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ لِلْمُسْلِمِ عَلَى الذِّمِّيِّ، وَلِلذِّمِّيِّ عَلَى الذِّمِّيِّ، وَاخْتَلَفُوا فِي ثُبُوتِهَا لِلذِّمِّيِّ عَلَى الْمُسْلِمِ وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ قَوْلاَنِ:
الْقَوْلُ الأْوَّلُ: ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، إِلَى ثُبُوتِهَا لِلذِّمِّيِّ عَلَى الْمُسْلِمِ أَيْضًا .
وَاسْتَدَلُّوا بِعُمُومِ الأْحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي الشُّفْعَةِ الَّتِي سَبَقَتْ كَحَدِيثِ جَابِرٍ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ ، صلي الله عليه وسلم «قَضَى بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ شَرِكَةٍ لَمْ تُقْسَمْ، رَبْعَةٍ أَوْ حَائِطٍ لاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ فَإِذَا بَاعَ وَلَمْ يُؤْذِنْهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» .
وَبِالإْجْمَاعِ لِمَا رُوِيَ عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ قَضَى بِالشُّفْعَةِ لِلذِّمِّيِّ عَلَى الْمُسْلِمِ وَكَتَبَ بِذَلِكَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - فَأَجَازَهُ وَأَقَرَّهُ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي مَحْضَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَيْهِ فَكَانَ ذَلِكَ إِجْمَاعًا .
وَلأِنَّ الذِّمِّيَّ كَالْمُسْلِمِ فِي السَّبَبِ وَالْحِكْمَةِ وَهُمَا اتِّصَالُ الْمِلْكِ بِالشَّرِكَةِ أَوِ الْجِوَارِ، وَدَفْعُ الضَّرَرِ عَنِ الشَّرِيكِ أَوِ الْجَارِ، فَكَمَا جَازَتِ الشُّفْعَةُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ فَكَذَلِكَ تَجُوزُ لِلذِّمِّيِّ عَلَى الْمُسْلِمِ .
الْقَوْلُ الثَّانِي: ذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى عَدَمِ ثُبُوتِهَا لِلذِّمِّيِّ عَلَى الْمُسْلِمِ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ ، صلي الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «لاَ شُفْعَةَ لِنَصْرَانِيٍّ».
وَبِأَنَّ الشَّرِيعَةَ إِنَّمَا قَصَدَتْ مِنْ وَرَاءِ تَشْرِيعِ الشُّفْعَةِ الرِّفْقَ بِالشَّفِيعِ، وَالرِّفْقُ لاَ يَسْتَحِقُّهُ إِلاَّ مَنْ أَقَرَّ بِهَا وَعَمِلَ بِمُقْتَضَاهَا وَالذِّمِّيُّ لَمْ يُقِرَّ بِهَا وَلَمْ يَعْمَلْ بِمُقْتَضَاهَا فَلاَ يَسْتَحِقُّ الرِّفْقَ الْمَقْصُودَ بِتَشْرِيعِ الشُّفْعَةِ فَلاَ تَثْبُتُ لَهُ عَلَى الْمُسْلِمِ.
وَبِأَنَّ فِي إِثْبَاتِ الشُّفْعَةِ لِلذِّمِّيِّ عَلَى الْمُسْلِمِ تَسْلِيطًا لَهُ عَلَيْهِ بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ بِالاِتِّفَاقِ .
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الرابع والثلاثون ، الصفحة / 203
الشُّفْعَةُ فِي الْكَدِكِ:
11 - لاَ تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي بَيْعِ الْبِنَاءِ بِدُونِ الأْرْضِ إِلاَّ أَنَّهُ ذَكَرَ السَّيِّدُ مُحَمَّدٌ أَبُو السُّعُودِ الْحَنَفِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الأْشْبَاهِ: لَوْ كَانَ الْخُلُوُّ بِنَاءً أَوْ غِرَاسًا بِالأْرْضِ الْمُحْتَكَرَةِ أَوِ الْمَمْلُوكَةِ يَجْرِي فِيهِ حَقُّ الشُّفْعَةِ؛ لأِنَّهُ لَمَّا اتَّصَلَ بِالأْرْضِ اتِّصَالَ قَرَارٍ الْتَحَقَ بِالْعَقَارِ، وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ عَابِدِينَ بِقَوْلِهِ:
مَا ذَكَرَهُ (السَّيِّدُ مُحَمَّدُ أَبُو السُّعُودِ) مِنْ جَرَيَانِ الشُّفْعَةِ فِيهِ سَهْوٌ ظَاهِرٌ، لِمُخَالَفَتِهِ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ .
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يَكُونُ لِمَنِ اشْتَرَكَ فِي الْبِنَاءِ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ الْمُحْتَكَرَةِ الأْخْذُ بِالشُّفْعَةِ، قَالَ الْعَدَوِيُّ عِنْدَ بَيَانِ صُوَرِ الْخُلُوِّ: أَنْ تَكُونَ أَرْضٌ مُحْبَسَةٌ فَيَسْتَأْجِرَهَا مِنَ النَّاظِرِ وَيَبْنِيَ فِيهَا دَارًا مَثَلاً عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ فِي كُلِّ شَهْرٍ لِجِهَةِ الْوَقْفِ ثَلاَثِينَ نِصْفًا فِضَّةً، وَلَكِنَّ الدَّارَ تُكْرَى بِسِتِّينَ نِصْفَ فِضَّةٍ مَثَلاً، فَالْمَنْفَعَةُ الَّتِي تُقَابِلُ الثَّلاَثِينَ الأْخْرَى يُقَالُ لَهَا خُلُوٌّ، وَإِذَا اشْتَرَكَ فِي الْبِنَاءِ الْمَذْكُورِ جَمَاعَةٌ وَأَرَادَ بَعْضُهُمْ بَيْعَ حِصَّتِهِ فِي الْبَاءِ، فَلِشُرَكَائِهِ الأْخْذُ بِالشُّفْعَةِ .
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السادس والثلاوثون ، الصفحة / 249
الْحِيلَةُ فِي الشُّفْعَةِ :
22 - الْحِيلَةُ فِي الشُّفْعَةِ أَنْ يُظْهِرَ الْمُتَعَاقِدَانِ فِي الْبَيْعِ شَيْئًا لاَ يُؤْخَذُ بِالشُّفْعَةِ مَعَهُ وَأَنْ يَتَوَاطَآ فِي الْبَاطِنِ عَلَى خِلاَفِ مَا أَظْهَرَاهُ وَالْكَلاَمُ عَلَى الْحِيلَةِ فِي الشُّفْعَةِ فِي مَوْضِعَيْنِ:
أ - الْحِيلَةُ لإِبْطَالِ حَقِّ الشُّفْعَةِ
23 - الْحِيلَةُ لإِبْطَالِ الشُّفْعَةِ إِمَّا أَنْ تَكُونَ لِلرَّفْعِ بَعْدَ الْوُجُوبِ أَوْ لِدَفْعِهِ قَبْلَ الْوُجُوبِ:
النَّوْعُ الأْوَّلُ : مِثْلُ أَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي لِلشَّفِيعِ: أَنَا أَبِيعُهَا مِنْكَ بِمَا أَخَذْتُ فَلاَ حَاجَةَ لَكَ فِي الأْخْذِ فَيَقُولُ الشَّفِيعُ: نَعَمْ وَاخْتَلَفُوا فِي حُكْمِهَا: فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وِفَاقًا وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ حَرَامٌ عَلَى الرَّاجِحِ.
وَالنَّوْعُ الثَّانِي : مِثْلُ أَنْ يَبِيعَ دَارًا إِلاَّ مِقْدَارَ ذِرَاعٍ مِنْهَا فِي طُولِ الْحَدِّ الَّذِي يَلِي الشَّفِيعَ فَلاَ شُفْعَةَ لَهُ لاِنْقِطَاعِ الْجِوَارِ.
وَكَذَا إِذَا وَهَبَ مِنْهُ هَذَا الْمِقْدَارَ وَسَلَّمَهُ إِلَيْهِ تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، لَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِهَا عَلَى أَقْوَالٍ:
فَذَهَبَ مُحَمَّدٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ الأْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَبَهْ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ إِلَى أَنَّهَا تُكْرَهُ هَذِهِ الْحِيلَةُ لأِنَّ هَا شُرِعَتْ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنِ الشَّفِيعِ وَالْحِيلَةُ تُنَافِيهِ وَلأِنَّ الَّذِي يَحْتَالُ لإِسْقَاطِ هَا يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْقَاصِدِ إِلَى الإْضْرَارِ بِالْغَيْرِ، وَذَلِكَ مَكْرُوهٌ.
وَيَرَى أَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهَا لاَ تُكْرَهُ، وَهُوَ مُقَابِلُ الأْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ صَرَّحَ بِهِ أَبُو حَاتِمٍ الْقَزْوِينِيُّ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْحِيَلِ بِقَوْلِهِ: وَأَمَّا الْحِيَلُ فِي دَفْعِ شُفْعَةِ الْجَارِ فَلاَ كَرَاهَةَ فِيهَا مُطْلَقًا لأِنَّهُ دَفَعَ الضَّرَرَ عَنْ نَفْسِهِ لاَ الإْضْرَارَ بِالْغَيْرِ لأِنَّ فِي الْحَجْرِ عَلَيْهِ عَنِ التَّصَرُّفِ أَوْ تَمَلُّكِ الدَّارِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ إِضْرَارًا بِهِ وَهُوَ إِنَّمَا قَصَدَ دَفْعَ هَذَا الضَّرَرَ وَلاِحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْجَارُ فَاسِقًا يَتَأَذَّى بِهِ وَفِي اسْتِعْمَالِ الْحِيلَةِ لإِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ تَحْصِيلُ الْخَلاَصِ مِنْ مِثْلِ هَذَا الْجَارِ.
وَالْفَتْوَى فِي الْمَذْهَبِ الْحَنَفِيِّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَقُيِّدَ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ فِي السِّرَاجِيَّةِ بِمَا إِذَا كَانَ الْجَارُ غَيْرَ مُحْتَاجٍ إِلَيْهِ وَاسْتَحْسَنَهُ شَرَفُ الدِّينِ الْغَزِّيُّ مِنْ فُقَهَاءِ الأْحْنَافِ فِي تَنْوِيرِ الأْبْصَارِ حَيْثُ قَالَ: وَيَنْبَغِي اعْتِمَادُ هَذَا الْقَوْلِ لِحُسْنِهِ.
ب - الْحِيلَةُ لِتَقْلِيلِ رَغْبَةِ الشَّفِيعِ
24 - إِذَا أَرَادَ شَخْصٌ أَنْ يَبِيعَ دَارَهُ بِعَشَرَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ يَبِيعُهَا بِعِشْرِينَ أَلْفًا ثُمَّ يَقْبِضُ تِسْعَةَ آلاَفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَيَقْبِضُ بِالْبَاقِي عَشَرَةَ دَنَانِيرَ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ فَلَوْ أَرَادَ الشَّفِيعُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِعِشْرِينَ أَلْفًا إِنْ شَاءَ، فَلاَ يَرْغَبُ فِي الشُّفْعَةِ بِسَبَبِ كَثْرَةِ الثَّمَنِ .
وَلِلْحِيَلِ الْمُسْقِطَةِ لِلشُّفْعَةِ، وَالْمُقَلِّلَةِ لِرَغْبَةِ الشَّفِيعِ أَمْثِلَةٌ كَثِيرَةٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ .
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: الْحِيَلُ لاَ تُفِيدُ فِي الْعِبَادَاتِ وَلاَ فِي الْمُعَامَلاَتِ .
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ الاِحْتِيَالُ لإِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ وَإِنْ فَعَلَ لَمْ تَسْقُطْ قَالَ أَحْمَدُ: لاَ يَجُوزُ شَيْءٌ مِنَ الْحِيَلِ فِي ذَلِكَ وَلاَ فِي إِبْطَالِ حَقِّ مُسْلِمٍ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو أَيُّوبَ وَأَبُو خَيْثَمَةَ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو إِسْحَاقَ الْجَوزَجَانِيُّ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه مَرْفُوعًا: «لاَ تَرْتَكِبُوا مَا ارْتَكَبَتِ الْيَهُودُ، فَتَسْتَحِلُّوا مَحَارِمَ اللَّهِ بِأَدْنَى الْحِيَلِ» وَلأِنَّ الشُّفْعَةَ وُضِعَتْ لِدَفْعِ الضَّرَرِ، فَلَوْ سَقَطَتْ بِالتَّحَيُّلِ لَلَحِقَ الضَّرَرُ، فَلَمْ تَسْقُطْ، مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِيَ شِقْصًا يُسَاوِي عَشَرَةَ دَنَانِيرَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ثُمَّ يَقْضِيهِ عَنْهَا عَشَرَةَ دَنَانِيرَ.
وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَقْصِدْ بِهِ التَّحَيُّلَ فَتَسْقُطُ بِهِ الشُّفْعَةُ لأِنَّهُ لاَ خِدَاعَ فِيهِ وَلاَ قَصَدَ بِهِ إِبْطَالَ حَقٍّ وَالأْعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي فِيمَا إِذَا اخْتَلَفَا فِي كَوْنِهِ حِيلَةً أَمْ لاَ لأِنَّ الْمُشْتَرِيَ أَعْلَمُ بِنِيَّتِهِ وَحَالِهِ .
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثلاثون ، الصفحة / 42
عَرْصَةٌ
التَّعْرِيفُ :
1 - عَرْصَةُ الدَّارِ فِي اللُّغَةِ: سَاحَتُهَا، وَهِيَ الْبُقْعَةُ الْوَاسِعَةُ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا بِنَاءٌ. وَالْجَمْعُ عِرَاصٌ وَعَرَصَاتٌ، وَقِيلَ: هِيَ كُلُّ مَوْضِعٍ وَاسِعٍ لاَ بِنَاءَ فِيهِ.
وَالْفُقَهَاءُ يَسْتَعْمِلُونَ لَفْظَ الْعَرْصَةِ بِالْمَعْنَيَيْنِ كَمَا جَاءَ فِي اللُّغَةِ:
أ - الْمَعْنَى الأَْخَصُّ، وَهُوَ أَنَّ الْعَرْصَةَ: اسْمٌ لِسَاحَةِ الدَّارِ وَوَسَطِهَا، وَمَا كَانَ بَيْنَ الدُّورِ مِنْ خَلاَءٍ، فَقَدْ قَالَ الدُّسُوقِيُّ فِي بَابِ الشُّفْعَةِ: لاَ شُفْعَةَ فِي عَرْصَةٍ، وَهِيَ سَاحَةُ الدَّارِ الَّتِي بَيْنَ بُيُوتِهَا، وَهِيَ الْمُسَمَّاةُ بِالْحَوْشِ وَفِي حَاشِيَةِ الْقَلْيُوبِيِّ: الْعَرْصَةُ اسْمٌ لِلْخَلاَءِ بَيْنَ الدُّورِ.
ب - الْمَعْنَى الأَْعَمُّ، وَهُوَ: أَنَّ الْعَرْصَةَ تُطْلَقُ عَلَى الْقِطْعَةِ مِنَ الأَْرْضِ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ بَيْنَ الدُّورِ أَمْ لاَ.
جَاءَ فِي نِهَايَةِ الْمُحْتَاجِ: لَوْ قَالَ: بِعْتُكَ هَذِهِ الأَْرْضَ أَوِ السَّاحَةَ أَوِ الْعَرْصَةَ أَوِ الْبُقْعَةَ، وَفِيهَا بِنَاءٌ، يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ دُونَ الرَّهْنِ قَالَ الشَّبْرَامُلْسِيُّ: الْفُقَهَاءُ لَمْ يَسْتَعْمِلُوا الْعَرْصَةَ وَالسَّاحَةَ فِي مَعْنَاهُمَا اللُّغَوِيِّ، بَلْ أَشَارُوا إِلَى أَنَّ الأَْلْفَاظَ الأَْرْبَعَةَ (الأَْرْضَ - السَّاحَةَ - الْعَرْصَةَ - الْبُقْعَةَ) عُرْفًا بِمَعْنًى وَهُوَ: الْقِطْعَةُ مِنَ الأَْرْضِ لاَ بِقَيْدِ كَوْنِهَا بَيْنَ الدُّورِ
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ :
أ - الْحَرِيمُ :
2 - الْحَرِيمُ لُغَةً: مَا حَرُمَ فَلاَ يُنْتَهَكُ، وَهُوَ أَيْضًا فِنَاءُ الدَّارِ أَوِ الْمَسْجِدِ، وَيَأْتِي كَذَلِكَ بِمَعْنَى الْحِمَى.
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: حَرِيمُ الشَّيْءِ: مَا حَوْلَهُ مِنْ حُقُوقِهِ وَمَرَافِقِهِ، وَعَرَّفَهُ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ: مَا تَمَسُّ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ لِتَمَامِ الاِنْتِفَاعِ، وَإِنْ حَصَلَ أَصْلُ الاِنْتِفَاعِ بِدُونِهِ.
ب - الْفِنَاءُ
3 - فِنَاءُ الشَّيْءِ فِي اللُّغَةِ: مَا اتَّصَلَ بِهِ مُعَدًّا لِمَصَالِحِهِ، وَقَالَ الْكَفَوِيُّ: فِنَاءُ الدَّارِ هُوَ:
مَا امْتَدَّ مِنْ جَوَانِبِهَا، أَوْ هُوَ مَا اتَّسَعَ مِنْ أَمَامِهَا.
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: نَقَلَ الْحَطَّابُ عَنِ الأَْبِيِّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: الْفِنَاءُ: مَا يَلِي الْجُدْرَانَ مِنَ الشَّارِعِ الْمُتَّسِعِ النَّافِذِ.
الشُّفْعَةُ :
5 - يَخْتَلِفُ الْفُقَهَاءُ فِي الأَْخْذِ بِالشُّفْعَةِ فِي الْعَرْصَةِ، تَبَعًا لاِخْتِلاَفِهِمْ فِيمَنْ يَكُونُ لَهُ الْحَقُّ فِي الشُّفْعَةِ، وَفِيمَا تَكُونُ فِيهِ الشُّفْعَةُ.
وَمِنْ تَرْتِيبِ الْحَنَفِيَّةِ لِمَرَاتِبِ اسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ يَتَبَيَّنُ اسْتِحْقَاقُ الأَْخْذِ بِالشُّفْعَةِ فِي الْعَرْصَةِ الْمَبِيعَةِ، أَوِ التَّابِعَةِ لِمَا هُوَ مَبِيعٌ.
قَالَ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ: الشُّفْعَةُ تُسْتَحَقُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا بِثَلاَثَةِ مَعَانٍ: بِالشَّرِكَةِ فِيمَا وَقَعَ عَلَيْهِ عَقْدُ الْبَيْعِ، أَوْ بِالشَّرِكَةِ فِي حُقُوقِ ذَلِكَ، أَوْ بِالْجِوَارِ الأَْقْرَبِ فَالأَْقْرَبِ، وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ: دَارٌ بَيْنَ قَوْمٍ فِيهَا مَنَازِلُ لَهُمْ فِيهَا شَرِكَةٌ بَيْنَ بَعْضِهِمْ، وَفِيهَا مَا هِيَ مُفْرَدَةٌ لِبَعْضِهِمْ، وَسَاحَةُ الدَّارِ مَوْضُوعَةٌ بَيْنَهُمْ يَتَطَرَّقُونَ مِنْ مَنَازِلِهِمْ فِيهَا، وَبَابُ الدَّارِ الَّتِي فِيهَا الْمَنَازِلُ فِي زُقَاقٍ غَيْرِ نَافِذٍ، فَبَاعَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ فِي الْمَنْزِلِ نَصِيبَهُ مِنْ شَرِيكِهِ، أَوْ مِنْ رَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ بِحُقُوقِهِ مِنَ الطُّرُقِ فِي السَّاحَةِ وَغَيْرِهَا، فَالشَّرِيكُ فِي الْمَنْزِلِ أَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ مِنَ الشَّرِيكِ فِي السَّاحَةِ، وَمِنَ الشَّرِيكِ فِي الزُّقَاقِ الَّذِي فِيهِ بَابُ الدَّارِ، فَإِنْ سَلَّمَ الشَّرِيكُ فِي الْمَنْزِلِ الشُّفْعَةَ فَالشَّرِيكُ فِي السَّاحَةِ أَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ.
وَإِنْ سَلَّمَ الشَّرِيكُ فِي السَّاحَةِ فَالشَّرِيكُ فِي الزُّقَاقِ الَّذِي لاَ مَنْفَذَ لَهُ الَّذِي يَشْرَعُ فِيهِ بَابُ الدَّارِ أَحَقُّ بَعْدَهُ بِالشُّفْعَةِ مِنَ الْجَارِ الْمُلاَصِقِ.
أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فَإِنَّهُمْ يَبْنُونَ حُكْمَ الأَْخْذِ بِالشُّفْعَةِ فِي الْعَرْصَةِ عَلَى إِمْكَانِ قِسْمَتِهَا أَوْ عَدَمِهِ، وَعَلَى إِمْكَانِ إِيجَادِ الْبَدِيلِ إِذَا بِيعَتِ الدَّارُ الَّتِي تَتْبَعُهَا الْعَرْصَةُ، كَمَا أَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ تَكُونَ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ، إِذْ لاَ شُفْعَةَ إِلاَّ لِلشَّرِيكِ عِنْدَهُمْ، وَعَلَى هَذَا فَلاَ شُفْعَةَ فِي الْعِرَاصِ الضَّيِّقَةِ الَّتِي لاَ تَنْقَسِمُ إِذَا بَاعَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ نَصِيبَهُ فِيهَا، وَهَذَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَذَلِكَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم : «لاَ شُفْعَةَ فِي فِنَاءٍ وَلاَ طَرِيقٍ وَلاَ مُنَقَّبَةٍ». وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ فِيهَا الشُّفْعَةَ لِعُمُومِ قَوْلِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم «الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ» ؛ وَلأَِنَّ الشُّفْعَةَ ثَبَتَتْ لإِِزَالَةِ ضَرَرِ الْمُشَارَكَةِ، وَالضَّرَرُ فِي هَذَا النَّوْعِ أَكْثَرُ؛ لأَِنَّهُ يَتَأَبَّدُ ضَرَرُهُ، أَمَّا مَا أَمْكَنَ قِسْمَتُهُ، بِحَيْثُ إِذَا قُسِمَ لَمْ يَسْتَضِرَّ بِالْقِسْمَةِ فَإِنَّ الشُّفْعَةَ تَثْبُتُ فِيهِ.
6 - وَإِذَا بِيعَ بَيْتٌ مِنْ دَارٍ لَهَا صَحْنٌ، وَلاَ طَرِيقَ لِلْبَيْتِ إِلاَّ مِنْ هَذَا الصَّحْنِ، فَلاَ شُفْعَةَ فِي الصَّحْنِ؛ لأَِنَّ ذَلِكَ يَضُرُّ بِالْمُشْتَرِي، وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: تَثْبُتُ فِيهِ الشُّفْعَةُ، وَالْمُشْتَرِي هُوَ الْمُضِرُّ بِنَفْسِهِ.
وَإِنْ كَانَ لِلْبَيْتِ بَابٌ آخَرُ يُسْتَطْرَقُ مِنْهُ، أَوْ كَانَ لَهُ مَوْضِعٌ يُفْتَحُ مِنْهُ بَابٌ إِلَى طَرِيقٍ نَافِذٍ، فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ إِنْ كَانَ الصَّحْنُ لاَ يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ فَلاَ شُفْعَةَ فِيهِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَهُوَ
قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّ الشُّفْعَةَ تَثْبُتُ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ الصَّحْنُ يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ وَجَبَتْ فِيهِ الشُّفْعَةُ؛ لأَِنَّهُ أَرْضٌ مُشْتَرَكَةٌ تَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، فَوَجَبَتْ فِيهِ الشُّفْعَةُ، لَكِنْ قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ لاَ تَجِبَ فِيهِ الشُّفْعَةُ بِحَالٍ؛ لأَِنَّ الضَّرَرَ يَلْحَقُ الْمُشْتَرِيَ بِتَحْوِيلِ الطَّرِيقِ إِلَى مَكَانٍ آخَرَ مَعَ مَا فِي الأَْخْذِ بِالشُّفْعَةِ مِنْ تَفْوِيتِ صَفْقَةِ الْمُشْتَرِي وَأَخْذِ بَعْضِ الْمَبِيعِ مِنَ الْعَقَارِ دُونَ بَعْضٍ، فَلَمْ يَجُزْ، كَمَا لَوْ كَانَ الشَّرِيكُ فِي الصَّحْنِ شَرِيكًا فِي الدَّارِ، فَأَرَادَ أَخْذَ الصَّحْنِ وَحْدَهُ.
وَإِنْ كَانَ نَصِيبُ الْمُشْتَرِي مِنَ الصَّحْنِ أَكْثَرَ مِنْ حَاجَتِهِ فَذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ، وَالْقَاضِي مِنَ الْحَنَابِلَةِ: أَنَّ الشُّفْعَةَ تَجِبُ فِي الزَّائِدِ بِكُلِّ حَالٍ، لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي وَعَدَمِ الْمَانِعِ، وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لاَ شُفْعَةَ فِيهِ؛ لأَِنَّ فِي ثُبُوتِهَا تَبْعِيضَ صَفْقَةِ الْمُشْتَرِي، وَلاَ يَخْلُو مِنَ الضَّرَرِ.
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَالْمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ: أَنَّهُ لاَ شُفْعَةَ فِي الْعَرْصَةِ، سَوَاءٌ بِيعَتْ وَحْدَهَا أَوْ مَعَ مَا هِيَ تَبَعٌ لَهُ مِنْ بُيُوتٍ. جَاءَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ:
لاَ شُفْعَةَ فِي عَرْصَةٍ، وَهِيَ سَاحَةُ الدَّارِ الَّتِي بَيْنَ بُيُوتِهَا، أَوْ عَلَى جِهَةٍ مِنْ بُيُوتِهَا، وَتُسَمَّى فِي عُرْفِ الْعَامَّةِ بِالْحَوْشِ، وَلاَ فِي مَمَرٍّ - أَيْ طَرِيقٍ إِذَا كَانَتِ الْبُيُوتُ الَّتِي تَتْبَعُهَا الْعَرْصَةُ أَوِ الْمَمَرُّ قَدْ قُسِمَتْ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ وَبَقِيَتِ السَّاحَةُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمْ، فَإِذَا بَاعَ أَحَدُهُمْ حِصَّتَهُ مِنَ الْعَرْصَةِ مَعَ مَا حَصَلَ لَهُ مِنَ الْبُيُوتِ، أَوْ بَاعَهَا مُفْرَدَةً، فَلاَ شُفْعَةَ فِيهَا لِلآْخَرِ؛ لأَِنَّهَا لَمَّا كَانَتْ تَابِعَةً لِمَا لاَ شُفْعَةَ فِيهِ وَهُوَ الْبُيُوتُ الْمُنْقَسِمَةُ، كَانَ لاَ شُفْعَةَ فِيهَا، وَقِيلَ: إِنْ بَاعَهَا وَحْدَهَا وَجَبَتِ الشُّفْعَةُ.
إِلاَّ أَنَّ اللَّخْمِيَّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ لَهُ تَفْصِيلٌ آخَرُ، قَالَ: إِنْ قُسِمَتْ بُيُوتُ الدَّارِ دُونَ مَرَافِقِهَا مِنْ سَاحَةٍ وَطَرِيقٍ. ثُمَّ بَاعَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ حَظَّهُ مِنْ بُيُوتِهَا بِمَرَافِقِهَا فَلاَ شُفْعَةَ فِي الْبَيْتِ؛ لأَِنَّ الْقِسْمَةَ قَدْ تَمَّتْ وَلاَ شُفْعَةَ لِلْجَارِ، وَكَذَلِكَ لاَ شُفْعَةَ فِي السَّاحَةِ الْمُشْتَرَكَةِ؛ لأَِنَّهَا تَابِعَةٌ لِمَا لاَ شُفْعَةَ فِيهِ؛ وَلأَِنَّهَا مِنْ مَنْفَعَةِ مَا قُسِمَ مَصْلَحَتُهُ، وَإِنْ بَاعَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ نَصِيبَهُ مِنَ السَّاحَةِ فَقَطْ وَكَانَ الْبَائِعُ يَدْخُلُ إِلَى الْبُيُوتِ مِنَ السَّاحَةِ كَانَ لِلشُّرَكَاءِ أَنْ يَرُدُّوا بَيْعَهُ؛ لأَِنَّ فِي ذَلِكَ ضَرَرًا بِهِمْ، وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ قَدْ أَسْقَطَ تَصَرُّفَهُ، وَكَانَ يَصِلُ إِلَى الْبُيُوتِ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ: فَإِنْ بَاعَهَا مِنْ أَهْلِ الدَّارِ جَازَ لِبَقِيَّةِ الشُّرَكَاءِ الشُّفْعَةُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي الشُّفْعَةِ فِيمَا لاَ يَنْقَسِمُ، وَإِنْ بَاعَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ تِلْكَ الدَّارِ كَانَ لَهُمْ رَدُّ بَيْعِهِ؛ لأَِنَّ ضَرَرَ السَّاكِنِ أَخَفُّ مِنْ ضَرَرِ غَيْرِ السَّاكِنِ، وَلَهُمْ أَنْ يُجِيزُوا بَيْعَهُ وَيَأْخُذُوا بِالشُّفْعَةِ.
______________________________________
مجلة الأحكام العدلية
مادة (1009) مراتب الشفعة
حق الشفعة أولاً للمشارك في نفس المبيع. ثانياً للخليط في حق المبيع. ثالثاً: للجار الملاصق. وما دام الأول طالباً ليس للآخرين حق الشفعة، وما دام الثاني طالباً فليس للثالث حق الشفعة.
مادة (1013) تعددالشفعاء
إذا تعدد الشفعاء فيعتبر عدد الرؤوس ولا يعتبر مقدار السهام يعني لا اعتبار لمقدار الحصص. مثلاً لو كان نصف الدار لأحد وثلثها وسدسها لآخرين وباع صاحب النصف حصته لآخر وطالب الآخران بالشفعة يقسم النصف بينهما بالمناصفة وليس لصاحب الثلث أن يأخذ بموجب حصته حصة زائدة على الآخر.
مادة (1014) اجتماع الخلطاء
إذا اجتمع صنفان من الخلطاء فيقدم الأخص على الأعم مثلاً لو بيعت إحدى الرياض التي لها حق شرب في الخرق الذي أحدث من النهر الصغير مع شربها يقدم ويرجح في حق الشفعة الذين لهم حق الشرب في ذلك الخرق وأما لو بيعت إحدى الرياض التي لها حق الشرب في ذلك النهر مع شربها فالشفعة تعم من له حق شرب في ذلك النهر مع شربها فالشفعة تعم من له حق شرب في النهر ومن له حق شرب في خرقة كما انه إذا بيعت دار بابها في زقاق غير سالك منشعب من زقاق آخر غير سالك فلا يكون شفيعاً إلا من باب داره في المتشعب وإذا بيعت دار بابها في الزقاق المنشعب منه غير السالك تعم الشفعة من له حق المرور في الزقاق المنشعب والمنشعب منه.
مادة (1016) حق الشرب
حق الشرب مقدم على حق الطريق بناء عليه لو بيعت روضة خليطها أحد في حق الشرب الخاص وآخر في طريقها الخاص يقدم ويرجح صاحب حق الشرب على صاحب حق الطريق.
________________________________________________
كتاب مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان فى المعاملات الشرعية على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان لمؤلفه المغفور له (محمد قدرى باشا) (الطبعة الثانية) بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصرالمحمية سنة1308هجرية 1891 افرنجيه
(مادة 96)
سبب الشفعة هو اتصال ملك الشفيع بالعقار المبيع اتصال شركة أو اتصال جوار.
(مادة 97)
الشركة في الشفعة على نوعين شركة في نفس العقار المبيع وشركة في حقوقه.
(مادة 98)
الشركة في نفس العقار المبيع أن يكون للشفيع حصة شائعة فيه قليلة كانت أو كثيرة فإن كانت له حصة مفرزة عن العقار فلا يكون شريكاً فيه.
والمشارك في أرض حائط الدار يعتبر مشاركاً في نفس العقار.
(مادة 99)
الشركة في حقوق العقار للمبيع هي عبارة عن الشركة في حق الشرب الخاص أو الطريق الخاص سواء كان الطريق خاصاً بدار واحدة أو بجملة دور مفتوحة أبوابها في زقاق غير نافذ فإذا بيعت دار في زقاق غير نافذ فجميع أهله شفعاء يستوي فيه الملاصق والمقابل والأعلى والأسفل.
(مادة 100)
الجار الملاصق هو من له عقار متصل بالعقار المبيع أما لو كان عقار الجار منفصلاً عن العقار المبيع انفصالاً تاماً ولو بقدر شبر أو أقل فلا يكون جاراً مستحقاً للشفعة.
فإذا بيع بيت من دار فالملاصق للبيت ولأقصى الدار في الشفعة سواء لكونه ملاصقاً حكماً.
(مادة 101)
إذا كان السفل لشخص والعلو لآخر يعتبر كل منهما جاراً ملاصقاً.
وكذلك من كانت له خشبة موضوعة على حائط لا ملك فيه أو كان شريكاً في خشبة موضوعة على حائط يعتبر جاراً ملاصقاً لا شريكاً.
(مادة 102)
الطريق العام لا شفعة به لصاحب الملك المقابل للعقار المبيع ولو تقاربت الأبواب وإنما تكون الشفعة للجار الملاصق سواء كان باب داره في هذه الطريق أو في غيره.
(مادة 103)
إذا اجتمعت أسباب الشفعة يقدم الأقوى فالأقوى فيقدم الشريك في نفس العقار ثم الشريك في أرض الحائط المشترك ثم الشريك في حقوق المبيع الخاصة ثم الجار الملاصق.
وأي ترك الشفعة أو سقط حقه فيها تنتقل الشفعة إلى من يليه في الرتبة.
(مادة 104)
استحقاق الشفعة للشركاء يكون بقدر رؤوسهم لا بقدر أنصباتهم في الملك فإذا باع أحد الشركاء حصته لأحد منهم يحسب المشتري واحداً منهم في الشفعة وتقسم الحصة المبيعة بينهم.
(مادة 105)
لا تثبت الشفعة إلا بعد البيع مع وجود السبب الموجب لها.
(مادة 106)
يشترط في المبيع الذي تثبت فيه الشفعة أن يكون عقاراً مملوكاً ولو غير قابل للقسمة وأن يكون بيعه صحيحاً نافذاً أو فاسداً انقطع فيه حق الفسخ خالياً عن خيار شرط للبائع وأن يكون العوض مالاً ولا فرق في العقار بين أن يكون داراً أو حانوتاً أو أرضاً أو كرماً أو علواً أو سفلاً.
(مادة 107)
يشترط أن يكون العقار المشفوع به ملكاً للشفيع وقت شراء العقار المشفوع وأن لا يصدر من الشفيع رضاء بالبيع لا صراحة ولا دلالة.
(مادة 108)
لا شفعة فيما ملك بهبة بلا عوض مشروط فيها أو صدقة أو إرث أو وصية ولا في عقار ملك ببدل ليس بمال كما لو استأجر شيئاً بدار أو حانوت.
(مادة 109)
لا شفعة في البناء والشجر المبيع قصداً بدون الأرض القائم عليها فإذا بيع البناء والشجر تبعا للأرض تثبت فيه الشفعة.
(مادة 110)
لا شفعة في البناء والشجر القائمين في أرض محتكرة أو في الأراضي الأميرية.
(مادة 111)
الأراضي الأميرية التي بأيدي المستحقين لمنفعتها لا يصبح بيعهم لها فلا شفعة فيها.
(مادة 112)
إذا باع ولي الأمر شيئا من الأراضي الأميرية التي ليست في يد أحد من الزراع أو باع للزراع شيئاً من الأراضي التي في أيديهم بمسوغ شرعي كوصي اليتيم فبيعه صحيح تثبت فيه الشفعة.