loading
المذكرة الإيضاحية

مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء السادس ، الصفحة :  430

المشروع في لجنة المراجعة

تليت المادة 1393 فاقترح حذف الفقرة الثانية وتعديل حكم الفقرة الأولى بترك أمر تسجيل حكم الشفعة لقواعد الشهر بعد فصلها عن القانون المدني فوافقت اللجنة على ذلك و أصبح نصها:

الحكم الذي يصدر نهائياً بثبوت الشفعة يعتبر سنداً لملكية الشفيع وذلك دون إخلال بالقواعد المتعلقة بالتسجيل .

وأصبح رقم المادة 1018 في المشروع النهائي .

المشروع في مجلس النواب

وافق المجلس على المادة دون تعديل - تحت رقم 1015

المشروع في مجلس الشيوخ

مناقشات لجنة القانون المدني :

وافقت اللجنة على المادة دون تعديل وأصبح رقمها 944.

مناقشات المجلس :

وافق المجلس على المادة دون تعديل .

الاحكام

1- المشرع بما نص عليه فىالمادة 944 من القانون المدنى على أن حكم الشفعة يعتبر سنداً لملكية الشفيع وهو ما يطابق نص المادة 18 من ديكريتو 23 مارس سنة 1901 بقانون الشفعه القديم ، فإنه إنما أراد " بالسند " السبب القانونى المنشئ لحق الملكية لا دليل الملكية وحجيتها ، وبالتالى يكون هذا الحكم هو السند المنشئ لحق الشفيع فى تملك العقار المشفوع فيه ومصدر ملكيته له ، أما تحققها فيتوقف على شهر الحكم النهائى بثبوتها وفقاً لعجز المادة 944 المشار اليها .

(الطعن رقم 113 لسنة 61 جلسة 1997/05/29 س 48 ع 1 ص 840 ق 164)

2-  حق الشفيع فى الأخذ بالشفعة إنما ينشأ بالبيع مع قيام المسوغ . إلا أن العين المشفوعة لا تصير إلى ملك الشفيع - فى غير حالة التراضى - إلا بالحكم النهائى القاضى بالشفعة إذ أن نص المادة 944 من القانون المدنى على أن " الحكم الذى يصدر نهائياً بثبوت الشفعة يعتبر سنداً لملكية الشفيع __.." إنما يفيد - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن المراد بالسند القانونى المنشئ لحق الملكية لا دليل الملكية أو حجتها مما لازمة أن العقار المشفوع فيه لا يصير إلى ملك الشفيع إلا بعد هذا الحكم وهو الوقت الذى يتم فيه حلول الشفيع محل المشترى فى عقد البيع كأثر أساسى للأخذ بالشفعة والذى تقرره المادة 1/945 من القانون المدنى أما قبله فلا لأن المسبب لا يوجد قبل سببه لما كان ما تقدم فإن مقتضى ذلك أنه لا يكفى للشفيع - حتى تجوز له الشفعة - إن يكون مالكا للعقار الذى يشفع به وقت قيام سبب الشفعة أى وقت بيع العقار الذى يشفع فيه بل يجب أن تستمر هذه الملكية حتى تمام ثبوت الشفعة بصدور الحكم النهائى له بها أو إبرام التراضى عليها.

(الطعن رقم 224 لسنة 58 جلسة 1995/03/23 س 46 ع 1 ص 521 ق 103)

3- من أحكام البيع المنصوص عليها فى المادة 439 من القانون المدني التزام البائع بضمان عدم التعرض للمشترى فى الانتفاع بالمبيع أو منازعته فيه وهو التزام مؤبد يتولد عن عقد البيع بمجرد انعقاده ولو لم يشهر فيمتنع على البائع أن يتعرض للمشترى سواء أكان التعرض مادياً أم كان تعرضاً قانونياً لأن من وجب عليه الضمان أمتنع عليه التعرض، ولما كان من آثار الأخذ بالشفعة أن الحكم الذي يصدر نهائياً بثبوتها يعتبر سنداً لملكية الشفيع فتنتقل ملكية العقار المشفوع فيه إلى الشفيع الذي يحل محل المشترى فى جميع حقوقه وإلتزاماته قبل البائع على ما تقضى به المادتان 944، 945/1 من القانون المدني، ومن ثم فإن طلب الأخذ بالشفعة يمتنع على البائع فى مواجهة من اشترى منه العقار حتى ولو انتقل إليه حق الشفعة بطريق الإرث لأن فى ذلك تعرضاً منه للمشترى فى العقار المبيع وإخلالاً بالتزامه الأبدي وليد عقد البيع ونقضاً لهذا العقد.

(الطعن رقم 1920 لسنة 55 جلسة 1988/06/16 س 39 ع 2 ص 1051 ق 174)

4- لئن كان حق الشفيع فى طلب الأخذ بالشفعه إنما ينشأ بالبيع من قيام المسوغ إلا أن العين المشفوعة لا تصير على ملك الشفيع - فى غير حالة التراضى - إلا بالحكم النهائى القاضى بالشفعة - إذ أن المشرع عندما نظم أحكام الشفعه فى التقنين المدنى الحالى إنتهى إلى ترك الأمر فى تحديد بدء تاريخ ملكية الشفيع إلى ما كان عليه الحكم قبل صدور هذا التشريع فجاء نص المادة 944 منه مطابقاً فى هذا الصدد لنص المادة 18 من قانون الشفعة القديم ، وهو إذ كان ينص فى هذه المادة على أن حكم الشفعة يعتبر سنداً لملكية الشفيع إنما أراد بالسند السبب القانونى المنشىء لحق الملكية لا دليل الملكية أو حجتها . ومقتضى هذا النظر ولازمه أن العقار المشفوع فيه لا يصير إلى ملك الشفيع إلا بعد هذا الحكم أما قبله فلا ، لأن المسبب لايوجد قبل سببه ولأن ما جعله المشرع من الأحكام منشأ للحقوق لا ينسحب على الماضى . ولا يفيد أن لحكم الشفعة أثراً رجعياً ما جاء فى المادة 946 من القانون المدنى من أن للمشترى الحق فى البناء والغراس فى العين المشفوعة ، ولا ما جاء فى المادة 947 من أنه لايسرى فى حق الشفيع أى رهن رسمى أو أى حق إختصاص أخذ ضد المشترى ولا أى بيع صدر من المشترى ولا أى حق عينى رتبه أو ترتب ضده إذا كان كل ذلك قد تم بعد التاريخ الذى سجل فيه إعلان الرغبة فى الشفعة ، لأن المشرع إنما أخذ أحكام هاتين المادتين جملة من فقه الحنفية وهى مخرجة فيه . لا على فكرة الأثر الرجعى  بل على فكرة العدل والبعد عن الجور والتوفبق بالقدر المستطاع بين ما تعارض من مصلحتى المشترى والشفيع ، وكذلك ، لا يتعارض القول بتملك الشفيع من وقت الحكم بالشفعة مع ما نص عليه فى المادة 1/945 من حلول الشفيع محل المشترى فى جميع حقوقه وإلتزاماته بالنسبة إلى البائع ولا مع ما نص عليه فى فقرتها الثالثة من أن الشفيع ليس له فى حالة إستحقاق العقار للغير بعد أخذه بالشفعة أن يرجع إلا على البائع - فإن هذا لا يدل على أن الشفيع يحل محل المشترى من وقت طلب الشفعه .

(الطعن رقم 1727 لسنة 49 جلسة 1984/01/19 س 35 ع 1 ص 234 ق 49)

5- إذ كانت ملكية الشفيع للعين المشفوع فيها -و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة-إذ لا تنشأ إلا برضاء المشترى بالشفعة أوبالحكم الصادر بها ولا يرتد أثر هذه الملكية إلى تاريخ البيع الحاصل للمشترى ولا إلى تاريخ المطالبة بالشفعة وفقاً لنص المادة 944 من القانون المدنى التى تنص على أن الحكم الذى يصدر نهائياً بالشفعة يعتبر سنداً للشفيع و ذلك دون إخلال بالقواعد المتعلقه بالتسجل ، فإن الحكم المطعون فيه إذ إعتد ملكية الشفعاء وقت الحكم مضافاً إليها الأطيان المشفوع فيها بإعتبارها معاً لا تتجاوز ملكيتهم أو ملكية أحدهم الحد الأقصى للملكية وفقاً للقانون دون الإعتداد بملكيتهم وقت حصول البيع المشفوع فيه بإعتبار البيع سبباً للمطالبة بالشفعة و ليس سبباً منشئاً لملكية الشفيع للعقار المشفوع فيه يكون قد أصاب صحيح القانون .

(الطعن رقم 281 لسنة 49 جلسة 1981/03/12 س 32 ع 1 ص 786 ق 147)

6- الشفعة رخصة تجيز تمليك العقار المبيع كله أوبعضه ولو جبرا على المشترى والبائع بما قام عليه من الثمن والمؤن، والحكم الذى يصدر نهائيا بثبوتها يعتبر سندا لملكية الشفيع يقوم مقام عقد البيع الذى يترتب عليه أن يحل الشفيع قبل البائع محل المشترى فى جميع حقوقه والتزاماته . لما كان ذلك فإنه يجب على الحكم بهذه المثابة أن يعنى بتحديد الثمن الذى يلتزم الشفيع بدفعه مقابل تملكه العقار ، سواء للبائع إذا لم يكن قد قبضه أو للمشترى إذا كان قد أداه . وإذ كان الحكم قد أغفل النص فى أسبابه ومنطوقه على الثمن الواجب على الشفيع دفعه لقاء امتلاك العين المشفوع فيها ، فإنه يكون قد خالف القانون ، ولا يغير من ذلك تقريره فى الأسباب أن الثمن مودع وغير متنازع فيه ، إذ يتعين عليه أن يبين صاحب الحق فى هذا الثمن المودع .

(الطعن رقم 575 لسنة 35 جلسة 1970/03/19 س 21 ع 1 ص 470 ق 75)

7- القضاء بسقوط الحق فى الشفعة للسبب من الأسباب الواردة فى القانون المدنى فى باب الشفعة هو قضاء فى الموضوع وارد على أصل الحق المطالب به وتستنفد محكمة الدرجة الأولى بهذا القضاء ولايتها فى الفصل فى موضوع الدعوى ويطرح الإستئناف المرفوع على هذا الحكم الدعوى بما إحتوته من طلبات ودفوع وأوجه دفاع على محكمة الإستئناف فلا يجوز لها فى حالة إلغاء هذا القضاء أن تعيد الدعوى إلى محكمة الدرجة الأولى لنظر موضوعها من جديد . ولا يغير من الأمر أن يكون سند الحكم بسقوط الحق فى الشفعة هو بطلان إعلان أحد الخصوم ذلك لأن هذا البطلان ليس هو الغاية من الدفع به و إنما هو مجرد وسيلة للوصول إلى القضاء بسقوط حق المدعى فى الشفعة على إعتبار أن الميعاد المحدد لطلها قضاء قد إنقضى دون أن ترفع على البائع و المشترى وفقاً لما يتطلبه القانون و من ثم فلا يصح النظر إلى هذا البطلان مستقلاً عن الغاية من التمسك به والأثر المترتب عليه .

(الطعن رقم 244 لسنة 31 جلسة 1965/12/30 س 16 ع 3 ص 1384 ق 217)

شرح خبراء القانون

تنص المادة 944 مدني على ما يأتي :

الحكم الذي يصدر نهائياً بثبوت الشفعة يعتبر سنداً لملكية الشفيع وذلك دون إخلال بالقوات المتعلقة بالتسجيل .

ويخلص من هذا النص أنه إذا صدر حكم نهائي بثبوت حق الشفيع في الشفعة فإن الحكم يعتبر سنداً لملكية الشفيع للعقار المشفوع فيه فما هو المقصود بعبارة أن الحكم يعتبر سنداً لملكية الشفيع لقد اقتبس نص المادة 944 مدني الذي وردت فيه هذه العبارة من المادة 18 من قانون الشفعة السابق إذ كانت هذه المادة الأخيرة تجري على الوجه الآتي : الحكم الذي يصدر نهائياً بثبوت الشفعة يعتبر سندا لملكية الشفيع ، وعلى المحكمة تسجيله من تلقاء نفسها  وقد عرضت محكمة النقض لتفسير عبارة يعتبر سنداً لملكية الشفيع الواردة في المادة 18 من قانون الشفعة السابق فذهبت إلى أن المقصود بسند الملكية هو السبب القانوني المنشئ لحق الملكية لا دليل الملكية وحجيتها ولا شك في أن عبارة سند الملكية تحتمل المعنيين متى السبب القانوني المنشيء لحق الملكية ومعنى دليل الملكية وحجيتها وبحسبنا هنا أن ننقل بعض السباب حكم لمحكمة النقض ناقشت فيه هذين المعنيين وأخذت بالمعنى الأول دون الثاني قالت المحكمة : وحيث إن الطعن مبناه أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تفسير المادتين 13 و 18 من قانون الشفعة أما خطأ الحكم في تفسير المادتين 13 و 18 من قانون الشفعة فوجهه أن الحكم قد استند إلى هاتين المادتين في القول بأن حكم الشفعة ينشيء ملكية الشفيع ولا يقررها في حين أن التفسير الصحيح لهاتين المادتين لا يؤدي إلى ما استخلصته المحكمة منها ذلك لأن المادة 18 تنص على أن الحكم الذي يصدر نهائياً بثبوت الشفعة يعتبر سنداً لملكية الشفيع وهذا النص لا يفيد أكثر من أن حكم الشفعة هو دليل الشفيع على ملكية العين المشفوعة كما أن حكم القسمة هو دليل المتقاسم على ملكية ما اختص به في القسمة أما سبب الملكية وهو غير دليلها فسابق على الحكم في كلتا الحالتين والشفيع في ذلك شبيه بصاحب حق الاسترداد الوراثي ، والحكم له ، فيما هو مجمع عليه في فرنسا وفي مصر يقرر حقه ولا ينشئه وأثره لا يبدأ من يوم صدوره بل يرجع إلى يوم البيع الذي حل فيه المسترد محل المشتري وحيث إن الشارع إذا كان قد نص في المادة 18 من قانون الشفعة على أن حكم الشفعة يعتبر سنداً لملكية الشفيع  فإنه لم يرد بهذا النص أن يعتبر الحكم المذكور حجة أو دليلاً على الملكية التي قضى بها وإلا لكان هذا النص عبثاً مع وجود المادة 232 التي نصت على حجية الأحكام بل الذي اراده الشارع هو اعتبار حكم الشفعة سبباً قانونياً لملكية الشفيع كما أراد بنص المادة 587 من قانون المرافعات اعتبار حكم البيع سبباً قانونياً لملكية من رسا عليه المزاد وكما أراد بنص المادة 608 من القانون المدني اعتبار مجرد وضع اليد سبباً صحيحاً لملكية واضع اليد على المنقول وكلمة سند التي وردت في هذه النصوص كلها إنما جاءت على معنى السبب القانوني المنشيء لحق الملكية ولم تجئ على معنى دليل الملكية أو حجيتها ومتى كان حكم الشفعة في نظر القانون هو سبب ملكية الشفيع ومنشأها فإن مقتضى هذا النظر ولازمه إلا يسير المشفوع إلى ملك الشفيع إلا بعد الحكم أما قبله فلا لأن المسبب لا يوجد قبل سببه ولأن ما جعله الشارع من الأحكام منشئاً للحقوق لا ينسحب على الماضي .

ونقتصر هنا على تسجيل المعنيين المختلفين لمعنى عبارة سند ملكية الشفيع وعلى الإشارة إلى أن قضاء محكمة النقض قد استقر على الأخذ بأن السند معناه السبب القانوني المنشيء لملكية الشفيع على أن نعود إلى مناقشة هذه المسألة فيما يلي .

بقى تسجيل الحكم النهائي بثبوت الشفعة وقد كان قانون الشفعة السابق يقضي في المادة 18 منه كما رأينا بأن على المحكمة تسجيله من تلقاء نفسها وكان المشروع التمهيدي لنص المادة 944 من التقنين المدني الجديد يقضي بنفس الحكم ولكن لجنة المراجعة عدلت النص بأن تركت أمر تسجيل حكم الشفعة لقواعد الشهر بعد فصلها عن القانون المدني والقواعد المقررة في قانون الشهر العقاري لسنة 1946 تقضي بأن تتم إجراءات الشهر في جميع الأحوال بناء على طلب ذوي الشأن أو من يقوم مقامهم م 20 من قانون الشهر العقاري ) . وعلى ذلك لا تقوم المحكمة من تلقاء نفسها بتسجيل حكم الشفعة كما كانت الحال في قانون الشفعة السابق بل يقوم الشفيع وهو صاحب الشأن في التسجيل بمباشرة إجراءاته ويباشرها وفقاً للقواعد المقررة في قانون الشهر العقاري فيقدم طلب التسجيل لمأمورية الشهر العقاري التي يقع العقار المشفوع فيه في دائرة اختصاصها ( م 21 قانون الشهر العقاري ) ويتم التسجيل في مكتب الشهر العقاري الذي تتبعه هذه المأمورية ( م 5 من قانون الشهر العقاري) .

وإذا سايرنا محكمة النقض واعتبرنا حكم الشفعة منشئاً لملكية الشفيع فإن تسجيل هذا الحكم يجري تطبيقاً للمادة 9 من قانون الشهر العقاري وتنص على أن جميع التصرفات التي من شأنها إنشاء حق من الحقوق العينية العقارية الأصلية أو نقله أو تغييره أو زواله وكذلك الأحكام النهائية المثبتة لشيء من ذلك يجب شهرها بطريق التسجيل ويترتب على عدم التسجيل أن الحقوق المشار إليها لا تنشأ ولا ينتقل ولا تتغير ولا تزول لا بين ذوي الشأن ولا بالنسبة إلى غيرهم فقبل تسجيل حكم الشفعة لا تنتقل ملكية العقار المشفوع فيه لا بين ذوي الشأن ولا بالنسبة إلى الغير فإذا ما سجل الحكم انتقلت الملكية إلى الشفيع ويكون انتقالها من وقت التسجيل سواء بالنسبة إلى الغير أو بين ذوي الشأن طبقاً للرأي الذي استقر عليه قضاء محكمة النقض في خصوص نفي الأثر الرجعي للتسجيل بين ذوي الشأن .

ولا يترتب على مجرد صدور الحكم النهائي بأحقية الشفيع في أخذ العقار المبيع بالشفعة انتقال ملكيته إليه بل يتعين لانتقالها تسجيل حكم الشفعة اعمالاً لنص المادة التاسعة من قانون الشهر العقاري رقم 114 لسنة 1946 التي توجب تسجيل جميع التصرفات التي من شأنها إنشاء حق من الحقوق العينية الأصلية أو نقله او تغييره أو زواله وكذلك الأحكام النهائية المثبتة لشئ من ذلك وطبقاً لنص المادة 944 من التقنين المدني التي قيدت اعتبار الحكم النهائي بثبوت الشفعة سنداً لملكية الشفيع بوجوب مراعاة القواعد المتعلقة بالتسجيل .

فأذا ترخي الشفيع عن تسجيل حكم الشفعة النهائي وكان قد أهمل ولم يسجل إعلان الرغبة في الشفعة وقام المشتري ببيع العقار المشفوع فيه للغير الذي بادر الى تسجيل عقدة انتقلت ملكية العقار إلى المشتري الثاني ونفذ عقدة في حق الشفيع وينسخ البيع الأول .

وإذا رتب المشتري حق انتفاع أو حق ارتفاق على العقار المشفوع فيه وسجل صاحب حق الانتفاع أو صاحب حق الأتفاق التصرف الصادر إليه قبل أن يسجل الشفيع إعلان الرغبة وحكم الشفعة النهائي الصادر لة فأن الشفيع يأخذ العقار بالشفعة محملاً بحق الأنتفاع او بحق الارتفاق .

وكذلك الحال لو رتب المشتري على العقار المشفوع فيه رهناً رسمياً أو رهناً حيازياً أو ترتب عليه حق اختصاصي من قبل دائنيته أو حق امتياز يكفل ديناً في ذمته وقد قيد الدائن حقة قبل ان يسجل الشفيع حكم الشفعة النهائي الصادر لصالحة ولم يكن سجل إعلان الرغبة في الشفعة من قبل فأن هذة الحقوق العينية التبعية تسري في حق الشفيع ويأخذ العقار المشفوع فيه مثقلاً بها ويرجع علي المشتري الأول بقاعدة الإثراء بلا سبب أو بالتعويض .

والغير الذي تلقي حق ملكية العقار المشفوع فيه أو تقرر لة علية حقاً عينياً أصلياً أو تبعياً وسارع إلى تسجيل أو قيد هذه الحقوق قبل تسجيل إعلان الرغبة في الشفعة وتنتقل إلية هذة الحقوق وتنفذ في مواجهة الشفع ولا يحاج هذا الغير بحكم الشفعة الذي يصدر لصالح الشفيع طالما لم يكن مختصاً في دعوى الشفعة لأن حجية الأحكام نسبية قاصرة علي من كان طرفاً في تلك الدعوى .

وإذا قلنا إن حكم الشفعة ليس منشئاً لملكية الشفيع وإنما هو كاشف عن ثبوت حق الشفيع في الشفعة كما سيجيء شأنه في ذلك شأن سائر الأحكام تكشف عن الحق لا تنشئه فتسجيله لا يمكن أن يكون على اعتبار أنه حكم منشئ كذلك لا يمكن أن يكون على اعتبار أنه حكم بتصرف ناقلاً كان هذا التصرف أو كاشفاً لأنه لا يقضي بحصول تصرف ما وإنما يقضي بحصول واقعة الشفعة وهي واقعة مركبة وليست تصرفاً محضاً كما سبق القول وقد كان يحسن إفراد نص خاص في قانون الشهر العقاري يقضي بوجوب تسجيل حكم الشفعة حتى تنتقل الملكية إلى الشفيع فيكون هذا النص هو الذي تشير إليه المادة 944 مدني عندما تقوم دون إخلال بالقواعد المتعلقة بالتسجيل وقد تدارك قانون السجل العيني هذا النقص فأورد هذا النص الخاص وربط فيه ما بين تسجيل إعلان الرغبة فى الأخذ بالشفعة وتسجيل الحكم بالشفعة فنصت المادة 36 من هذا القانون على أنه يجب التأشير بإعلان الرغبة في الأخذ بالشفعة في صحف الوحدات العقارية ويترتب على ذلك أنه إذا تقرر حق الشفيع بحكم قيد في السجل أن يكون حجة على من ترتبت لهم حقوق عينية ابتداء من تاريخ التأشير المذكور وما دام هذا النص لم يوجد في قانون الشهر العقاري فإن أقرب نصوصه إلى تسجيل حكم الشفعة هو النص القاضي بتسجيل دعاوي صحة التعاقد على حقوق عينية عقارية ( م 15 م 2 من قانون الشهر العقاري ) . فالحكم بالشفعة هو حكم بحلول الشفيع محل المشتري في عقد البيع الذي تم ما بين المشتري والبائع ولما كان عقد البيع هذا واجب التسجيل حتى تنتقل الملكية إلى المشتري ولما كان حكيم الشفعة قد كشف عن أن الشفيع قد حل محل المشتري بالرغم من منازعة المشتري والبائع في ذلك فيكون حكم الشفعة هو حكم بأن التعاقد قد وقع للشفيع دون المشتري  فهو بمثابة حكم بصحة التعاقد ولكن لا لمصلحة المشتري الأصلي بل لمصلحة الشفيع ومن ثم وجب تسجيله كما يسجل الحكم بصحة التعاقد حتى تنتقل ملكية العقار المشفوع فيه بهذا التسجيل من البائع إلى الشفيع بدلاً من انتقالها من البائع إلى المشتري وكما أن الحكم بصحة التعاقد في البيع يجعل منه المشتري سنداً يغنيه عن عقد البيع الصالح للتسجيل فيسجله فتنتقل إليه ملكية المبيع كذلك الحكم بالشفعة يجعل منه الشفيع سنداً يغنيه عن عقد بيع يصدر له من البائع فيسجله فتنتقل إليه ملكية العقار المشفوع فيه وفي دعوى صحة التعاقد يسجل المشتري صحية الدعوى أما في الدعوى الشفعة فلا يسجل الشفيع صحيفة الدعوى ولكنه يسجل إعلان الرغبة في الأخذ بالشفعة ويقوم تسجيل هذا الإعلان مقام تسجيل صحيفة الدعوى .

رأى محكمة النقض بحل الشفيع محل المشتري من وقت صدور الحكم له بثبوت حقه في الشفعة لأن هذا الحكم منشئ لحق الشفيع لا كاشف عنه : وقد استقر قضاء محكمة النقض كما قدمنا على أن الشفيع يحل محل المشتري من وقت صدور الحكم له بثبوت حقه فى الشفعة وبأن حكم الشفعة منشئ لحق الشفيع لا كاشف عنه فلا يصير العقار المشفوع فيه إلى ملك الشفيع إلا بعد هذا الحكم وقد أصدرت فى عهد قانون الشفعة السابق حكماً أساسيًا فى هذه المسألة سبقت الإشارة إليه ، وقضت فيه بأنه إذا كان حق الشفيع فى طلب الأخذ بالشفعة إنما ينشأ بالبيع مع قيام المسوغ فإن العين المشفوعة لا تصير إلى ملك الشفيع فى غير حالة التراضي إلا بالحكم النهائي القاضي بالشفعة ولا سند في القانون لدعوى الشفيع بريع العين عن المدة السابقة للحكم ولو كان قد عرض الثمن على المشترى عرضًا حقيقًا وأودعه خزانة المحكمة أثر رفضه ذلك بأن الشارع إذ نص في المادة 18 من قانون الشفعة على أن حكم الشفعة يعتبر سندًا لملكية الشفيع إنما أراد بالسند السبب القانوني المنشئ لحق الملكية لا دليل الملكية أو حجيتها ومقتضى هذا النظر أو لازمه أن المشفوع لا يصير إلى ملك الشفيع إلا بعد هذا الحكم أما قبله فلا لأن المسبب لا يوجد قبل سببه ولأن ما جعله الشارع من الأحكام منشئًا للحقوق لا ينسحب على الماضي ولا يفيد أن الحكم الشفعة أثرًا رجعيًا ما جاء فى المادة العاشرة من قانون الشفعة مقيد أحق المشتري فى البناء والغراس فى العين المشفوعة ولا ما جاء فى المادة الثانية عشرة قاضيًا بأنه لا يسري على الشفيع كل رهن من المشتري وكل حق اختصاص حصل عليه دائنوه وكل بيع وكل حق عيني قبله المشتري أو اكتسبه الغير ضده بعد تسجيل طلب الشفعة فإن الشارع المصري إنما أخذ أحكام هاتين المادتين جملة من فقه الحنفية وهى مخرجة فيه لا على فكرة الأثر الرجعي بل على فكرة العدل والبعد عن الجور والتوفيق بقدر المستطاع بين ما تعارض من مصلحتي المشتري والشفيع وكذلك لا يتعارض القول بتملك الشفيع من وقت الحكم بالشفعة مع ما نص عليه فى المادة الثالثة عشرة من حلول الشفيع محل المشتري في حقوقه والتزاماته بالنسبة إلى البائع ولا مع ما نص عليه فيها من أن الشفيع ليس له فى حالة الاستحقاق أن يرجع إلا على البائع فإن هذا لا يعين أن الشفيع يحل محل المشتري من وقت طلب الشفعة وصدر بعد ذلك حكم آخر في ظل قانون الشفعة السابق يؤكد معنى الحكم الأول ويقضي بأن المادة 18 من قانون الشفعة القديم نصت على أن الحكم الذي يصدر نهائيًا بثبوت الشفعة يعتبر سندًا لملكية الشفيع ومن مقتضى هذا النص أن العين المشفوع فيها لا تصير إلى ملك الشفيع إلا بالحكم النهائي للقاضي بالشفعة  إذ هو سند تملكه وينبني على ذلك أن يكون ريع هذه العين من حق المشتري وحده عن المدة السابقة على تاريخ هذا الحكم ولا يكون للشفيع حق فيه إلا ابتداءً من هذا التاريخ فقط حتى لو كان قد عرض الثمن على المشتري عرضًا حقيقيًا أو أودعه على ذمته خزانة المحكمة إثر رفضه وبذلك لا يكون هناك محل للتفريق بين حالة ما إذا كانت الشفعة قد قضى بها الحكم الاستئنافي بعد أن كان قد رفضها الحكم الابتدائي وحالة ما إذا كان قد قضى بها الحكم الابتدائي وحالة ما إذا كان قد قضى بها الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم الاستئنافي إذ العبرة فى الحالتين بالحكم النهائي سواء أكان ملغيًا أم مؤيدًا للحكم الابتدائي.

ولم تعدل محكمة النقض عن هذا المبدأ الذي قررته من أن حكم الشفعة منشئ لا كاشف حتى بعد أن صدر التقنين المدنى الجديد وأوجب على الشفيع إيداع الثمن خزانة المحكمة قبل رفع دعوى الشفعة فقضت في عهد التقنين المدني الجديد بأن قضاء محكمة النقض قد استقر في ظل أحكام دكريتو 23 من مارس سنة 1901 بقانون الشفعة على أن ملكية الشفيع للعين المشفوع فيها لا تنشأ إلا برضاء المشتري بالشفعة أو بالحكم الصادر بها وأن هذه الملكية لا يرتد أثرها إلى تاريخ البيع الحاصل للمشتري ولا إلى تاريخ المطالبة بالشفعة ولم يعدل القانون المدني الجديد شيئًا من أحكام ذلك الدكريتو في هذا الخصوص فجاء نص المادة 944 مطابقًا لنص المادة 18 من الدكريتو من أن الحكم الذى يصدر نهائيًا بثبوت الشفعة يعتبر سندًا لملكية الشفيع وانتهى المشرع إلى ترك الأمر فى تحديد ملكية الشفيع إلى ما كان عليه الحكم قبل إصدار القانون المدني الجديد وعلى ذلك لا تنتقل الملكية للشفيع في ظل القانون المدني الحالي إلا من تاريخ الحكم بالشفعة وأكدت المحكمة في حكم تال للحكم المتقدم المبدأ الذي أخذت به حتى بعد صدور التقنين المدني الجديد إذ قضت بأن المشرع عندما نظم أحكام الشفعة في التقنين المدني الجديديانتهى إلى ترك الأمر فى تحديد تاريخ بدء ملكية الشفيع إلى ما كان عليه الحكم قبل صدور هذا التشريع فجاء نص المادة 944 منه مطابقًا في هذا الصدد لنص المادة 18 من قانون الشفعة القديم التي كانت تنص على أن الحكم الذي يصدر نهائيًا بثبوت الشفعة يعتبر سندًا لملكية الشفيع ومؤدي هذا ألا يصير المشفوع إلى ملك الشفيع إلا بعد هذا الحكم أما ما أورده القانون في المادة 942 / 2 من إلزام الشفيع بإيداع الثمن خلال ثلاثين يومًا من تاريخ إعلان الرغبة فى الأخذ بالشفعة فلم يقصد به تغيير الوضع وهو لا ينم عن رغبة المشرع في العدول إلى رأي القائلين بارتداد ملكية الشفيع إلى وقت إتمام إجراءات المطالبة بالشفعة وإنما كان ذلك تمشيًا مع اتجاهه في التضييق من حق الشفعة وضمانًا لجدية طلبها وطالما أن حق الشفيع في العين المشفوع فيها لا يستقر إلا بصدور الحكم له في الشفعة فلا محل للقول باستحقاقه للريع ابتداء من تاريخ إيداع الثمن أما النص في المادة 945 من القانون المدني الجديد على حلول الشفيع محل المشتري في حقوقه والتزاماته بالنسبة إلى البائع فهو نص لم يستحدث حكمًا جديدًا بل هو مماثل لنص المادة 13 من قانون الشفعة القديم وهو لا يفيد اعتبار الشفيع الذي حكم له بطلبه حالاً محل المشتري في الريع منذ قيام الطلب إذ اعتباره كذلك وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة لا يجوز إلا على تقدير أثر رجعي لحلوله محل المشتري الأمر الذي يتنافى مع ما هو مقرر من أن حكم الشفعة منشئ لا مقرر لحق الشفيع مما يمتنع معه القول بحلوله محل المشتري قبل الحكم نهائيًا بالشفعة .

نقض مدني 14 مايو سنة 1959 مجموعة أحكام النقض 10 رقم 65 ص 426

الأهمية العملية لرأي محكمة النقض تكاد تكون محصورة في مسألة الثمار : على أن المشرع في وضعه لنصوص الشفعة قد تكفل بوضع الحلول العملية للمسائل الخاصة بعلاقة الشفيع بالبائع وبعلاقته بالمشتري وبعلاقته بالغير على الوجه الذي سنبسطه فيما يلي فلم تعد هناك أهمية عملية كبيرة للقول بأن الشفيع يحل محل المشتري من وقت صدور حكم الشفعة أو من وقت البيع وتكاد تنحصر هذه الأهمية بعد الحلول العملية التي وضعها المشرع في مسألة الثمار وهى المسألة التي كاد المشرع أن يضع لها هى الأخرى نصًا ولكنه لم يتمكن من تحقيق بغيته وسنرى أن الخلاف إنما يثور في شأن هذه المسألة ولم تر محكمة النقض حاجة لتقرير أن حكم الشفعة منشئ إلا في صددها أما بقية المسائل فقد وضع المشرع لها كما قدمنا حلولاً مستقرة ثابتة ولا يكاد يثور في شأنها أي خلاف .  (الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ التاسع  المجلد/ الأول الصفحة/ 921)

يدل على أن حكم الشفعة بمثابة سند تمليك حلت فيه سلطة القضاء محل إرادة البائع فأحلت الشفيع محل المشتري وأنشأت سندة جديدة لملكية الشفيع يتمثل في هذا الحكم الذي تقوم بموجبه ذات الحقوق والالتزامات التي كان يتضمنها عقد البيع بعد أن حل الشفيع فيها محل المشتري وتظل شروط عقد البيع هي التي تحكم العلاقة بين البائع والشفيع بعد صدور الحكم النهائي ثبوت الشفعة للأخير وتكون هذه العلاقة تعاقدية مصدرها العقد وليس القانون أو حكم القضاء بحيث إذا أخل البائع بالتزامه بالضمان رجع عليه الشفيع وفقاً لنصوص الضمان الواردة في القانون المدني والمتعلقة بعقد البيع فإن كان التزام البائع يتقادم بمدة أقل من خمس عشرة سنة كما في التزامه بضمان العيوب الخفية فإن تلك المدة تبقى على أصلها فيسقط الإلتزام بانقضاء سنة من وقت تسليم المبيع ويعتد بتسليم المبيع للمشتري بحيث إذا تسلمه الشفيع من المشتري وكانت مدة التقادم قد اكتملت بالنسبة للمشتري فلا يجوز للشفيع أن يتمسك بعد تسلمه المبيع بالضمان حتى لو لم تكن تلك المدة قد انقضت بعد أن تسلم هو المبيع فقد حل الشفيع محل المشتري في كل حقوقه والتزاماته وما سقط من حقوق المشتري ينفذ في مواجهة الشفيع لكن أن لم يكن المشتري قد تسلم المبيع فإن تلك المدة محتسب بالنسبة للشفيع من وقت تسلمه المبيع من البائع ذلك أن العلاقة ما بين البائع والشفيع بعد حكم الشفعة قد ظلت تعاقدية أما إن انقلبت إلى علاقة مصدرها القانون فإن مدة التقادم تصبح خمس عشرة سنة لأن الالتزامات التي مصدرها القانون تتقادم بتلك المدة الطويلة.

لكن قد يتوافر سبب كان يؤدي إلى إبطال عقد البيع إن لم يكن الشفيع قد حل محل المشتري في هذا العقد کتوافر الاكراه أو الغلط أو التدليس أو الاستغلال مما يجيز رفع دعوى بإبطال عقد البيع فإذا كان الشفيع قد رفع دعوى الشفعة وقبل الحكم فيها قضى نهائياً بإبطال عقد البيع ترتب على ذلك سقوط حق الشفيع في أخذ العقار بالشفعة فإن قضى بالابطال بعد الحكم بثبوت الحق في الشفعة ترتب على هذا القضاء زوال حق الشفيع على العقار المبيع والتزم برده حتى لو كان قد سجل الحكم باعتبار أن التسجيل لا يطهر سند التمليك من البطلان ولما كان الحكم الصادر بثبوت الحق في الشفعة يعتبر سند ملكية الشفيع إن كان قد تم تسجيله فإن مصير هذا الحكم يتعلق بمصير عقد البيع محل الشفعة فإذا قضى بأبطال العقد امتد ذلك الى سند تمليك الشفيع وحينئذ يرجع الشفيع بما دفعه على البائع ويجوز له حبس العقار حتى يسترد الثمن الذي دفعه ولا يتعارض ذلك مع حجية الحكم التي إكتسب الشفيع بموجبها الملكية، إذ تنحصر تلك الحجية في المسائل التي تصدى لها الحكم كثبوت الحق في الشفعة أو نفيه أو عدم جواز الشفعة أو إمتناعها أما المسائل التي لم تتعرض لها المحكمة فلا تجوز حجية كتوافر سبب لإبطال العقد.

وعقد البيع المسجل هو سند ملكية المشتري وبالتالي يجب أن يستوفي أركانه ومنها الثمن وعندما يقضي للشفيع يأخذ العقار المبيع بالشفعة ويتم تسجيل هذا الحكم يصبح الحكم هو مسند ملكية الشفيع مما يوجب أن يكون متضمناً أركان هذا السند ومنها الثمن الذي يستحقه البائع أن كان لم يقبضه بعد أو المشتري إذا كان قد أداه للبائع ويكفي بيان الثمن في أسباب الحكم أو في منطوقه بحيث إذا خلت الأسباب والمنطوق من هذا البيان كان الحكم باطلاً كسند الملكية الشفيع مما يوجب الطعن فيه ولا يحول دون هذا البطلان أن يكون الشفيع قد أودع الثمن خزانة المحكمة ولم ينازع فيه أي من المشفوع ضدهم.

لكن اذا قضت المحكمة بثبوت الحق في الشفعة لقاء الثمن المودع كان هذا كافياً لبيان الثمن إذ يكون الثمن في هذه الحالة قابلاً للتحديد.

أن حكم الشفعة إذا كان صادرة من محكمة المواد الجزئية يكون انتهائياً إذا كانت قيمة الدعوى لا تجاوز ألفي جنيه فإن جاوزت القيمة ذلك كان الحكم قابلاً للاستئناف أمام المحكمة الابتدائية منعقدة بهيئة استئنافية وأن حكم الشفعة إذا كان صادرة من المحكمة الابتدائية يكون انتهائياً إذا كانت قيمة الدعوى لا يتجاوز عشرة آلاف جنيه فإن جاوزتها كان الحكم قابلاً للاستئناف أمام محكمة الاستئناف.

ولما كان القانون يوجب إختصام أشخاص معينين في دعوى الشفعة هم البائع والمشتري والشنيع وإن تعددوا وذلك في كافة مراحل التقاضي وبالتالي إذا تم اختصامهم أمام محكمة الدرجة الأولى فإن رفع الاستئناف صحيحة من أحد المحكوم عليهم يكفي لقبوله حتى لو أغفل المستأنف أحد المحكوم عليهم أو أحد المحكوم لهم إذ يوجب القانون عليه إدخال من لم يختصم ولو بعد الميعاد وإلا أمرته المحكمة بإدخاله أما في النقض فلا يجوز إدخال إلا من أغفله الطاعن من المحكوم عليهم فإن اغفل اختصام أحد المحكوم لهم فلا يجوز إدخاله وإنما يكون الطعن باطلاً .

الالتماس في الحكم الصادر في دعوى الشفعة :

أن المحكمة تنظر الالتماس على مرحلتين تتمثل الأولى في الفترة منذ رفع الالتماس بإيداع صحيفته قلم كتاب المحكمة التي أصدرت الحكم الملتمس فيه وحتى صدور الحكم بجواز قبوله أما المرحلة الثانية فتبدأ بعد ذلك اعتباراً من الجلسة المحددة للمرافعة في الموضوع بعد الحكم بقبول الالتماس.

وخلال المرحلة الأولى يكون الحكم الملتمس فيه قائماً بكيانه وحجيته أما إذا انتقل الالتماس إلى المرحلة الثانية للحكم بقبوله فإن الحكم الملتمس فيه يكون قد زال وفقد حجيته.

فإذا قضى بسقوط الخصومة في المرحلة الأولى أمام محكمة الدرجة الأولى أو الثانية ترتب على ذلك إلغاء الاجراءات التي تمت بما في ذلك صحيفة الالتماس وزال كل أثر لها فيعتبر الالتماس كأن لم يكن ويبقى للحكم الملتمس فيه كيانه وحجيته ويمتنع على الملتمس رفع التماس جدید ولو كان الميعاد مما وفقاً للفقرة السابعة من المادة 242 من قانون المرافعات.

أما اذا قضى بسقوط الخصومة في المرحلة الثانية وكان الالتماس مرفوعاً أمام محكمة الدرجة الأولى فإن الخصوم يعودون إلى الحالة التي كانوا عليها قبل رفع الدعوى الابتدائية إذ ترتب على قبول الالتماس زوال الحكم واعتباره كأن لم يكن ومن ثم يجوز للمدعي سواء كان هو الذي صدر الحكم الابتدائي لصالحه أو لغير صالحه أن يرفع دعوى جديدة ما لم يكن هناك ميعاد لرفعها قد انقضى كما في دعوى الشفعة أو كان أصل الحق قد انقضى بالتقادم لإمتداد أثر السقوط إليها.

وان كانت الدعوى مما يجب رفعها في ميعاد معين وإلا سقط الحق في رفعها كما في دعوى الشفعة تعين على الملتمس ضده التحرز قبل طلب سقوط الخصومة في الالتماس فقد يرفع الشفيع دعوى الشفعة ويقضي لصالحه ويصبح الحكم انتهائياً فيطعن فيه البائع أو المشتري بالتماس اعادة النظر وبعد أن يقبل الالتماس يرى الطاعن أن مصلحته تتطلب وقف السير في الالتماس المدة المسقطة للخصومة فيه ليدفع الملتمس ضده الى طلب سقوط الخصومة وإذا انخدع في ذلك وأقدم على هذا الطلب وقضى بالسقوط وغالباً ما يكون ميعاد رفع الدعوى قد انقضى يعود الخصوم إلى ما كانوا عليه قبل رفع الدعوى ويمتنع على الشفيع رفع دعوى جديدة بينما لو لم يتعجل وترك المحكمة تنظر في الموضوع بعد التعجيل لقضي لصالحه من جديد بأحقيته في الشفعة.

أما إذا قضى برفض دعوى الشفعة وأصبح الحكم نهائياً وطعن فيه الشفيع بالتماس اعادة النظر وقضى بقبوله ثم وقف السير في الالتماس لمدة سنة بفعل أو امتناع الملتمس - الشفيع - وطلب الملتمس ضدهما أو أحدهما سقوط الخصومة في الالتماس وقضي بذلك عاد الخصوم إلى ما كانوا عليه قبل رفع الدعوى وغالباً ما تكون المدة الواجب رفع الدعوى خلالها قد انقضت فيمتنع على الملتمس رفع دعوى جديدة.

فإن كان الالتماس مرفوعاً أمام المحكمة الاستئنافية وقضى بسقوط الخصومة فيه في مرحلته الثانية ترتب على ذلك اعتبار الحكم الابتدائي انتهائياً إذا زال الحكم الاستئنافي الملتمس فيه بموجب الحكم الذي قضى بقبول الالتماس وهو حكم قطعي لا يسقط بسقوط الخصومة في الالتماس.

الطعن بالنقض في حكم الشفعة :

للخصوم أن يطعنوا أمام محكمة النقض في الحكم الصادر في دعوى الشفعة من محكمة الاستئناف إذا كان الحكم المطعون فيه مبنية على مخالفة القانون أو خطأ في تطبيقه أو في تأويله أو إذا وقع بطلان في الحكم أو بطلان في الإجراءات أثر في الحكم.

فإن لم يكن الحكم صادرة من محكمة الاستئناف جاز للخصوم أن يطعنوا فيه أمام محكمة النقض إذا كان انتهائياً وفصل في الشفعة خلافاً لحكم آخر سبق أن صدر بين الخصوم انفسهم وحاز قوة الأمر المقضي .

ويترتب على نقض الحكم اعتباره كأن لم يكن فيعود الخصوم إلى ما كانوا عليه قبل صدوره فإن كان الحكم صادراً من محكمة الاستئناف قاضياً للشفيع بأخذ العقار بالشفعة وبإلغاء الحكم المستأنف القاضي برفض دعوى الشفعة وجب إعادة الخصوم إلى مراكزهم القانونية التي كانوا عليها قبل صدور الحكم المنقوض دون حاجة إلى الانتظار حتى يصدر الحكم بعد تعجيل الاستئناف ويعتبر حكم النقض في هذه الحالة سند تنفيذية فيعاد الخصوم بموجبه إلى ما كانوا عليه فإن كان الشفيع قد تسلم العقار بموجب الحكم المنقوض وجب عليه رده إلى المشتري ولو جبراً عنه فإن تصدت محكمة النقض للموضوع بعد نقض الحكم وقضت برفض دعوى الشفعة وجب إعادة الخصوم إلى ما كانوا عليه قبل إتخاذ إجراءات الشفعة فإن كان الشفيع قد تسلم العقار وجب عليه رده إلى المشتري مع ثماره من يوم إعلانه بتقرير الطعن بالنقض إذ يصبح سيء النية اعتباراً من هذا اليوم فیلتزم برد الثمار التي قبضها والتي أهمل في قبضها كما يلتزم من قبض الثمن المودع برده الى الشفيع مع فوائده اعتباراً من اليوم الذي يرد فيه الشفيع الثمار وتقاص الثمار مع الفوائد.

فإذا كانت محكمة الدرجة الأولى قد قضت بالشفعة ثم إلغي هذا القضاء استئنافية ورفض دعوى الشفعة ولا طحن الشفيع بالنقض قضت محكمة النقض بنقض الحكم ظل للخصوم مراكزهم القانونية التي كانوا عليها قبل صدور الحكم المنقوض فيظل العقار في حيازة المشتري ويظل الثمن مودعاً خزانة المحكمة إلى أن يتم تعجيل الاستئناف أمام دائرة أخرى.

أما إذا تصدت محكمة النقض للموضوع وقضت بنقض الحكم المطعون فيه وتأييد الحكم الابتدائي القاضي بالشفعة أصبح الحكم الأخير سند تنفيذياً .

الآثار المترتبة على حكم الشفعة :

أن حق الشفيع في العقار المشفوع فيه يثبت اعتباراً من يوم صدور الحكم النهائي وهو ذات الحق المقرر للمشتري الذي لم يسجل عقده وبالتالي يكون للشفيع اعتباراً من يوم صدور الحكم النهائي بالشفعة أن ينتفع بالعقار المشفوع فيه وأن يطلب طرد الغاصب منه مع إلزامه بالريع المستحق عن هذا الغضب وأن يرفع كافة الدعاوي المتعلقة بالعقار باعتبار أن سند ملكيته مازال عرفية غير مسجل.

أما ملكية العقار المشفوع فيه، فلا تنتقل إلى الشفيع إلا بتسجيل الحكم ومتى تم هذا التسجيل أصبح مالكاً فتنتقل الملكية من البائع على الشفيع مباشرة حتى لو كان المشتري سبق الى تسجيل عقد البيع قبل تسجيل إعلان الرغبة إذ - يترتب على حكم الشفعة حلول الشفيع محل المشتري في جميع حقوقه والتزاماته المترتبة على عقد البيع حتى لو كان المشتري قد سجل عقده وانحلال عقد الأخير.

وطالما أن الملكية لا تنتقل إلى الشفيع إلا من تاريخ تسجيل الحكم فإن الملكية تكون للبائع قبل هذا التسجيل ولكن التزامه بضمان عدم التعرض للشفيع يكون قائمة بموجب حكم الشفعة، ولا يكفي هذا الضمان ليحول بينه وبين التصرف في العقار وحينئذ تكون المفاضلة بين الشفيع والمشتري للعقار بعد حكم الشفعة وفقاً لأسبقية التسجيل إن كان الشفيع لم يسجل إعلان الرغبة أما إن كان قد سجل هذا الإعلان فلا يحاج بالتصرفات التي تم تسجيلها بعد تسجيله لذلك يجب على الشفيع أن يبادر بتسجيل إعلان الرغبة لحفظ حقوقه.

وقد اختلفت الآراء بصدد الوقت الذي يتملك فيه الشفيع للعقار فذهب رأي إلى أن الشفيع يتملك من وقت البيع فتكون له الثمار من ذلك الوقت وذهب رأي ثان إلى أن الشفيع يتملك من وقت إعلان رغبته بالأخذ في الشفعة فتكون له الثمار من ذلك الوقت أمر الرأي الثالث وهو ما تأخذ به محكمة النقض وقد استقرت أحكامها عليه فيذهب إلى أن الشفيع يتملك من وقت تسجيل الحكم النهائي كما يتحمل اعباء العقار من هذا الوقت وأن هذا الحكم منشیء لحق الشفيع وليس كاشفا عنه ومن ثم يستحق الشفيع الثمار من وقت ثبوت حقه في الشفعة بهذا الحكم أو من الوقت الذي يقر المشتري للشفيع بحقه في الشفعة.

أن حكم الشفعة متى أصبح نهائياً بفوات مواعيد الطعن فيه دون رفع طعن عنه أو بعد الفصل في الطعن لصالح الشفيع اعتبر سنداً لملكية الشفيع أي عقداً حقيقياً حلت فيه سلطة القضاء محل الإرادة لكن لا تنتقل الملكية بموجبه للشفيع إنما بشهره بطريق التسجيل.

وطالما أن حكم الشفعة النهائي يعتبر عقداً حقيقية ومن ثم يخضع لكافة القواعد التي تسري بالنسبة للعقود ويعنينا في هذا المقام القواعد المتعلقة بالأفضلية ومفادها أن البائع بالرغم من صدور حكم الشفعة يجوز له التصرف من جديد في ذات العقار محل الحكم طالما أن المشتري لم يسجل عقده فإن كان قد سجله جاز له التصرف في العقار وتكون المفاضلة حينئذ على أساس الأسبقية في التسجيل فإن كان الشفيع قد سجل إعلان الرغبة في الشفعة فإن أي تصرف لاحق لهذا التسجيل لا يحاج به الشفيع أما أن كان الشفيع لم يسجل إعلان الرغبة في الشفعة فإنه يحاج بالتصرفات التي تصدر متعلقة بالعقار حتى لو كانت تالية لصدور الحكم النهائي بالشفعة بحيث اذا سجلت قبل تسجيل حكم الشفعة انتقلت ملكية العقار إلى المتصرف إليه وامتنع على مأمورية الشهر قبول طلب شهر حكم الشفعة والفرض هنا أن إعلان الرغبة لم يسجل أيضاً.

وحكم الشفعة هو سند ملكية الشفيع باعتباره عقداً حقيقياً وتصرفه قانونية حلت فيه سلطة القضاء محل إرادة كل من البائع والمشتري فتنشأ علاقة مباشرة بين الشفيع كمشتري وبين البائع يحكمها عقد البيع السابق إبرامه ووفقاً للأثر النسبي سواء للاحكام أو التصرفات تقتصر العلاقة الناشئة عن حكم الشفعة على البائع والشفيع فلا يحاج بالحكم رغم نهايته الشفيع الأعلى في المرتبة بالنسبة للشفيع المقضي له بالشفعة ويكون للشفيع الأعلى - طالما أنه لم ينذر - رفع دعوى مبتدأة ضد الشفيع الأدنى والبائع والمشتري ويطلب فيها أحقيته في أخذ العقار بالشفعة ويجب رفع هذه الدعوى قبل انقضاء أربعة أشهر على تسجيل حكم الشفعة أما إذا انقضت هذه الشهور دون رفع الدعوى سقط حق الشفيع الأعلى في الشفعة اذ يفترض علمه بالبيع الذي تضمنه الحكم وعدم مطالبته بالشفعة خلال الأجل المحدد مما يؤدي إلى سقوط حقه في الشفعة.

ويلتزم الشفيع الاعلى برفع دعوى مبتدأة سواء كان حكم الشفعة قد صدر في الدعوى المرفوعة من الشفيع الأدنى أو لم يصدر وباتباع كافة إجراءات الشفعة من إعلان رغبة ثم إيداع الثمن ثم رفع الدعوى فإن خالف ذلك واكتفى بتدخله هجومياً في الدعوى سقط حقه في الشفعة باعتبار أن طلب الشفعة يجب تقديمه بالإجراءات المقررة له.

ومتی صدر حكم نهائي بالشفعة وتسلم الشفيع صورته التنفيذية تقدم بطلب الأمورية الشهر المختصة وهي التي يقع العقار بدائرة اختصامها مرفقاً به حافظة منطوية على صورة الحكم وبعد أن تحقق المأمورية من ملكية البائع للعقار تخطر الشفيع بالقبول للشهر فيقوم بأعداد مشروع الحكم وذلك بنقل الحكم كما تضمنته صورته الرسمية على الورق الأزرق المدموع ويتقدم به القلم كتاب المحكمة التي أصدرته لختمه بخاتمها وباعتباره صورة رسمية من الحكم فيرفقها بالمحافظة - مع الصورة التنفيذية الأولى - أو مع الصورة التي قدمت للمأمورية مع الطلب أن لم تكن هي الصورة التنفيذية - واخطار القبول للشهر ويتقدم بها إلى ذات المأمورية لختمها بخاتم الصالح للشهر وبعد ذلك يقدمها لمكتب الشهر الذي تتبعه المأمورية لتسجيله بدفتر الشهر ويتسلم الشفيع صورة من الحكم بعد تسجيله ) ويرسل المكتب صورة أخرى لمأمورية الضرائب العقارية لتعديل التكليف وجعله - باسم الشفيع.

وتنتقل الملكية للشفيع منذ تاريخ هذا التسجيل فقط وأن كان المكتب يقوم بالتأشير الهامشي بمنطوق حكم الشفعة في هامش تسجيل إعلان الرغبة في الشفعة فهذا إجراء تنظيمي بحت فلايعتد به في صدد تحديد الوقت الذي تنتقل فيه الملكية للشفيع كما يقوم المكتب بمثل هذا التأشير في هامش تسجيل عقد البيع إذا كان المشتري قد قام بتسجيله لإحاطة الغير علماً بأن ملكية العقار انتقلت إلى الشفيع دون المشتري.

فإن صدر الحكم نهائية برفض دعوى الشفعة وجب على المشتري شهره ويتم ذلك بحصول المشتري على صورة رسمية عادية من الحكم والتقدم بها ضمن حافظة إلى مأمورية الشهر مع طلب لشهرها وعندما تخطره المأمورية بالقبول للشهر ينقل الصورة على الورق الأزرق المدموغ ويتقدم بها إلى قلم كتاب المحكمة لختمها بخاتمها وإعتبارها صورة رسمية طبق الأصل فيودعها الحافظة مع الصورة الأولى وأخطار القبول ويقدمها لذات المأمورية حتى إذا ما ختمتها بخاتم الصالح للشهره قدمها للمكتب لشهرها بطريق التأشير الهامشي في هامش تسجيل إعلان الرغبة وفي هامش تسجيل عقد البيع حتى يعلم الغير أن دعوى الشفعة قد رفضت وأن الملكية استقرت للمشتري بدون منازع.

فإن كان إعلان الرغبة لم يسجل وكذلك عقد البيع، فلا حاجة بالمشتري إلى شهر حكم الرفض إذ يمكنه تسجيل عقده بعد ذلك دون أن ترد عليه أية تأشيرات هامشية تتعلق بطلب الشفعة الذي رفض فإذا عاد الشفيع الذي رفضت دعواه إلى رفع دعوى جديدة بالشفعة عن ذات العقد وسجل إعلان الرغبة في الشفعة وتأشر بمضمونه في هامش تسجيل عقد البيع كان للمشتري اللجوء لقاضي الأمور المستعجلة بدعوى لمحو هذا التأشير الهامشي لعدم جواز الشفعة بعد الفصل فيها نهائياً بحكم بحاج به الشفيع.  (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الثالث عشر   الصفحة/  426)

أن المادة (944 مدني) تقضي بأن الحكم الذي يصدر نهائيا بثبوت الشفعة يعتبر سنداً لملكية الشفيع وذلك دون إخلال بالقواعد المتعلقة بالتسجيل وفي الفرض الغالب أن المشتري لا يستجيب لرغبة الشفيع في الأخذ بالشفعة وعندئذ يجب على الشفيع المضي في الإجراءات وأن يرفع دعوى الشفعة أمام القضاء وفي هذه الحالة بنظر القضاء دعوى الشفعة طبقاً للقواعد العامة في قانون المرافعات إلى أن ينهي الأمر بصدور حكم فيها .

هذا وتقرر المادة (944) أن: الحكم الذي يصدر نهائياً بثبوت الشفعة يعتبر سنداً لملكية الشفيع ولم يقصد المشرع بهذا النص أن يعتبر الحكم المذكور حجة أو دليلاً على الملكية التي قضى بها وإلا لكان هذا النص عبثاً لما هو معروف من أن للأحكام حجية بما قضت به بل الذي أراده الشارع هو اعتبار حكم الشفعة سبباً قانونياً منشئاً لملكية الشفيع .

ويترتب على ما سبق أن دعوى الشفيع بريع العين عن المدة السابقة على حكم الشفعة تكون دعوى لا سند لها.

الحكم القضائي النهائي الذي يصدر بثبوت الشفعة للشفيع  هو السند القانوني الذي يتملك بمقتضاه العقار المشفوع فيه ويصبح الشفيع بموجبه بمثابة المشتري إذ يقوم الحكم مقام عقد البيع الذي يترتب عليه أن يحل الشفيع قبل البائع بمحل المشتري في جميع حقوقه والتزاماته ومن ثم يجب على الحكم أن يحدد الالتزام المقابل لهذا الحق وذلك بتحديد الثمن الذي يلتزم الشفيع بقعه مقابل تملكه العقار، وأن يبين صاحب الحق في تقاضي هذا الثمن أي ما إذا كان البائع أو المشتري ولا يغير من ذلك ألا يكون الثمن المودع خزانة المحكمة محل نزاع.

ويجوز للشفيع الطعن بالتماس إعادة النظر على تحديد الثمن على أساس وقوع غش من خصميه في الدعوى البائع والمشتري- بما اقترفاه من خداع عن طريق صورية الثمن ذلك أن الصورية تنطوي على الإيهام بمظهر كاذب أفرغ في شكل يوحي بالجدية في حين أنه يستر حقيقة أخرى خافية تتعارض مع هذا المظهر الكاذب ومتى انخدع قضاء المحكمة بهذا التحايل فإن الحكم يكون قد تأثر بذات الغش الذي يؤدي افتضاح أمره إلى فتح باب الطعن في الحكم بطريق التماس إعادة النظر خلال أربعين يوماً من اليوم الذي ظهر فيه الغش عملاً بالمادتين 241 ، 242 مرافعات . (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/  الثالث عشر  الصفحة/300)

الفقه الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الرابع عشر ، الصفحة / 134

تَوْثِيقٌ

التَّعْرِيفُ:

1 - التَّوْثِيقُ لُغَةً: مَصْدَرُ وَثَّقَ الشَّيْءَ إِذَا أَحْكَمَهُ وَثَبَّتَهُ، وَثُلاَثِيُّهُ وَثُقَ. يُقَالُ وَثُقَ الشَّيْءُ وَثَاقَةً: قَوِيَ وَثَبَتَ وَصَارَ مُحْكَمًا.

وَالْوَثِيقَةُ مَا يُحْكَمُ بِهِ الأْمْرُ، وَالْوَثِيقَةُ: الصَّكُّ بِالدَّيْنِ أَوِ الْبَرَاءَةُ مِنْهُ، وَالْمُسْتَنَدُ، وَمَا جَرَى هَذَا الْمَجْرَى وَالْجَمْعُ وَثَائِقُ. وَالْمُوَثِّقُ مَنْ يُوَثِّقُ الْعُقُودَ، وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَالُ الْفُقَهَاءِ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى .

الأْلْفَاظُ  ذَاتُ الصِّلَةِ:

التَّزْكِيَةُ وَالتَّعْدِيلُ:

التَّزْكِيَةُ:

2 - التَّزْكِيَةُ: الْمَدْحُ وَالثَّنَاءُ، يُقَالُ: زَكَّى فُلاَنٌ بَيِّنَتَهُ أَيْ مَدَحَهَا، وَتَزْكِيَةُ الرَّجُلِ نِسْبَتُهُ إِلَى الزَّكَاءِ وَهُوَ الصَّلاَحُ، وَفِي الاِصْطِلاَحِ: الإْخْبَارُ بِعَدَالَةِ الشَّاهِدِ.

وَالتَّعْدِيلُ مِثْلُهُ وَهُوَ نِسْبَةُ الشَّاهِدِ إِلَى الْعَدَالَةِ  

فَالتَّزْكِيَةُ وَالتَّعْدِيلُ تَوْثِيقٌ لِلأْشْخَاصِ لِيُؤْخَذَ بِأَقْوَالِهِمْ، وَعَلَى هَذَا فَالتَّوْثِيقُ أَعَمُّ لأِنَّهُ يَشْمَلُ التَّزْكِيَةَ وَغَيْرَهَا مِنَ الرَّهْنِ وَالْكَفَالَةِ وَغَيْرِهِمَا.

الْبَيِّنَةُ:

3 - الْبَيِّنَةُ مِنْ بَانَ الشَّيْءُ إِذَا ظَهَرَ، وَأَبَنْتُهُ: أَظْهَرْتُهُ، وَالْبَيِّنَةُ اسْمٌ لِكُلِّ مَا يُبَيِّنُ الْحَقَّ وَيُظْهِرُهُ، وَسَمَّى النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم  الشُّهُودَ بَيِّنَةً لِوُقُوعِ الْبَيَانِ بِقَوْلِهِمْ وَارْتِفَاعِ الإْشْكَالِ بِشَهَادَتِهِمْ  وَعَلَى ذَلِكَ فَالتَّوْثِيقُ أَعَمُّ مِنَ الْبَيِّنَةِ لأِنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْبَيِّنَةَ وَالرَّهْنَ وَالْكَفَالَةَ.

التَّسْجِيلُ:

4 - هُوَ الإْثْبَاتُ فِي السِّجِلِّ وَهُوَ كِتَابُ الْقَاضِي وَنَحْوِهِ.

وَفِي الدُّرَرِ: الْمَحْضَرُ: مَا كُتِبَ فِيهِ مَا جَرَى بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ مِنْ إِقْرَارٍ أَوْ إِنْكَارٍ وَالْحُكْمِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ نُكُولٍ عَلَى وَجْهٍ يَرْفَعُ الاِشْتِبَاهَ، وَالصَّكُّ:  مَا كُتِبَ فِيهِ الْبَيْعُ وَالرَّهْنُ وَالإْقْرَارُ وَغَيْرُهَا. وَالْحُجَّةُ وَالْوَثِيقَةُ يَتَنَاوَلاَنِ الثَّلاَثَةَ.

وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: الْمَحَاضِرُ: مَا يُكْتَبُ فِيهَا قِصَّةُ الْمُتَحَاكِمَيْنِ عِنْدَ حُضُورِهِمَا مَجْلِسَ الْحُكْمِ وَمَا جَرَى بَيْنَهُمَا وَمَا أَظْهَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ حُجَّةٍ مِنْ غَيْرِ تَنْفِيذٍ وَلاَ حُكْمٍ مَقْطُوعٍ بِهِ، وَالسِّجِلاَّتُ: الْكُتُبُ الَّتِي تَجْمَعُ الْمَحَاضِرَ وَتَزِيدُ عَلَيْهَا بِتَنْفِيذِ الْحُكْمِ وَإِمْضَائِهِ.

وَعَلَى ذَلِكَ فَالتَّسْجِيلُ هُوَ إِثْبَاتُ الأْحْكَامِ الَّتِي يَص ْدُرُهَا الْقَاضِي وَتَخْتَلِفُ مَرَاتِبُهَا فِي الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ. فَهُوَ مِنْ أَنْوَاعِ التَّوْثِيقِ .

حِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّةِ التَّوْثِيقِ:

5 - فِي التَّوْثِيقِ مَنْفَعَةٌ مِنْ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: صِيَانَةُ الأْمْوَالِ وَقَدْ أُمِرْنَا بِصِيَانَتِهَا وَنُهِينَا عَنْ إِضَاعَتِهَا.

وَالثَّانِي: قَطْعُ الْمُنَازَعَةِ فَإِنَّ الْوَثِيقَةَ تَصِيرُ حُكْمًا بَيْنَ الْمُتَعَامِلَيْنِ وَيَرْجِعَانِ إِلَيْهَا عِنْدَ الْمُنَازَعَةِ فَتَكُونُ سَبَبًا لِتَسْكِينِ الْفِتْنَةِ وَلاَ يَجْحَدُ أَحَدُهُمَا حَقَّ صَاحِبِهِ مَخَافَةَ أَنْ تَخْرُجَ الْوَثِيقَةُ وَتَشْهَدَ الشُّهُودُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فَيَنْفَضِحَ أَمْرُهُ بَيْنَ النَّاسِ.

وَالثَّالِثُ: التَّحَرُّزُ عَنِ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ لأِنَّ  الْمُتَعَامِلَيْنِ رُبَّمَا لاَ يَهْتَدِيَانِ إِلَى الأْسْبَابِ الْمُفْسِدَةِ لِلْعَقْدِ لِيَتَحَرَّزَا عَنْهَا فَيَحْمِلُهُمَا الْكَاتِبُ عَلَى ذَلِكَ إِذَا رَجَعَا إِلَيْهِ لِيَكْتُبَ.

وَالرَّابِعُ: رَفْعُ الاِرْتِيَابِ فَقَدْ يُشْتَبَهُ عَلَى الْمُتَعَامِلَيْنِ إِذَا تَطَاوَلَ الزَّمَانُ مِقْدَارُ الْبَدَلِ وَمِقْدَارُ الأْجَلِ فَإِذَا رَجَعَا إِلَى الْوَثِيقَةِ لاَ يَبْقَى لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا رِيبَةٌ .

وَهَذِهِ فَوَائِدُ التَّوْثِيقِ بِالتَّسْجِيلِ، وَهُنَاكَ تَوْثِيقٌ بِالرَّهْنِ وَالْكَفَالَةِ لِحِفْظِ الْحَقِّ.

حُكْمُ التَّوْثِيقِ:

6 - تَوْثِيقُ التَّصَرُّفَاتِ أَمْرٌ مَشْرُوعٌ لاِحْتِيَاجِ النَّاسِ إِلَيْهِ فِي مُعَامَلاَتِهِمْ خَشْيَةَ جَحْدِ الْحُقُوقِ أَوْ ضَيَاعِهَا.

وَالأْصْلُ  فِي مَشْرُوعِيَّةِ التَّوْثِيقِ مَا وَرَدَ مِنْ نُصُوصٍ، فَفِي مَسَائِلِ الدَّيْنِ جَاءَ قوله تعالي : ( يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأْخْرَى وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلاَ تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُوا إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلاَ يُضَارّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهَ وَاَللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اُؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلاَ تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاَللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) .

وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ النُّصُوصِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : ( وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ).

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الأْمْرِ بِالْكِتَابَةِ وَالإْشْهَادِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

7 - الأْوَّلِ: أَنَّ الأْمْرَ لِلنَّدْبِ، وَذَلِكَ أَنَّ الأْمْرَ بِالْكِتَابَةِ وَالإْشْهَادِ فِي الْمُبَايَعَاتِ وَالْمُدَايَنَاتِ لَمْ يَرِدْ إِلاَّ مَقْرُونًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اُؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ) .

وَمَعْلُومٌ أَنَّ الأْمْنَ لاَ يَقَعُ إِلاَّ بِحَسَبِ الظَّنِّ وَالتَّوَهُّمِ لاَ عَلَى وَجْهِ الْحَقِيقَةِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشَّهَادَةَ إِنَّمَا أُمِرَ بِهَا لِطُمَأْنِينَةِ قَلْبِهِ لاَ لِحَقِّ الشَّرْعِ، فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ لِحَقِّ الشَّرْعِ مَا قَالَ: ( فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا) ، وَلاَ ثِقَةَ بِأَمْنِ الْعِبَادِ، إِنَّمَا الاِعْتِمَادُ عَلَى مَا يَرَاهُ الشَّرْعُ مَصْلَحَةً، فَالشَّهَادَةُ مَتَى شُرِعَتْ فِي النِّكَاحِ لَمْ تَسْقُطْ بِتَرَاضِيهِمَا وَأَمْنِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ الأْمْرَ بِالْكِتَابَةِ وَالإْشْهَادِ مَنْدُوبٌ غَيْرُ وَاجِبٍ، وَأَنَّ ذَلِكَ شُرِعَ لِلطُّمَأْنِينَةِ.

كَذَلِكَ جَاءَقوله تعالي : ( فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا) عَقِبَ قَوْلِهِ: ( وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ) فَلَمَّا جَازَ أَنْ يَتْرُكَ الرَّهْنَ الَّذِي هُوَ بَدَلُ الشَّهَادَةِ جَازَ تَرْكُ الإْشْهَادِ.

وَقَدْ ثَبَتَ «أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم  اشْتَرَى مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا، وَرَهَنَهُ دِرْعَهُ» . «وَاشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ سَرَاوِيلَ  وَمِنْ أَعْرَابِيٍّ فَرَسًا فَجَحَدَهُ الأْعْرَابِيُّ حَتَّى شَهِدَ لَهُ خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ»  وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ أَشْهَدَ فِي ذَلِكَ، «وَأَمَرَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم  عُرْوَةَ بْنَ الْجَعْدِ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ أُضْحِيَّةً  وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالإْشْهَادِ، وَأَخْبَرَهُ عُرْوَةُ أَنَّهُ اشْتَرَى شَاتَيْنِ فَبَاعَ إِحْدَاهُمَا وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ تَرْكَ الإْشْهَادِ»، «وَكَانَ الصَّحَابَةُرضوان الله عليهم  يَتَبَايَعُونَ فِي عَصْرِهِ فِي الأْسْوَاقِ، فَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالإْشْهَادِ، وَلاَ نُقِلَ عَنْهُمْ فِعْلُهُ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمِ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم ».

وَقَدْ نَقَلَتِ الأْمَّةُ خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ عُقُودَ الْمُدَايَنَاتِ وَالأْشْرِبَةِ وَالْبِيَاعَاتِ فِي أَمْصَارِهِمْ مِنْ غَيْرِ إِشْهَادٍ مَعَ عِلْمِ فُقَهَائِهِمْ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ مِنْهُمْ عَلَيْهِمْ، وَلَوْ كَانَ الإْشْهَادُ وَاجِبًا لَمَا تَرَكُوا النَّكِيرَ عَلَى تَارِكِهِ مَعَ عِلْمِهِمْ بِهِ، وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ رَأَوْهُ نَدْبًا.

ثُمَّ إِنَّ الْمُبَايَعَةَ تَكْثُرُ بَيْنَ النَّاسِ فِي أَسْوَاقِهِمْ وَغَيْرِهَا، فَلَوْ وَجَبَ الإْشْهَادُ فِي كُلِّ مَا يَتَبَايَعُونَهُ أَمْضَى إِلَى الْحَرَجِ الْمَحْطُوطِ عَنَّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) .

فَآيَةُ الْمُدَايَنَاتِ الأْمْرُ فِيهَا إِنَّمَا هُوَ لِلإْرْشَادِ إِلَى حِفْظِ الأْمْوَالِ وَالتَّعْلِيمِ، كَمَا أَمَرَ بِالرَّهْنِ وَالْكِتَابَةِ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَهَذَا ظَاهِرٌ صَرَّحَ بِذَلِكَ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْمَالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ، وَذَهَبَ إِلَيْهِ أَيْضًا أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، وَأَبُو أَيُّوبَ الأْنْصَارِيُّ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالْحَسَنُ، وَإِسْحَاقُ، وَجُمْهُورُ الأْمَّةِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ .

الثَّانِي: أَنَّ الأْمْرَ لِلْوُجُوبِ فَالإْشْهَادُ فَرْضٌ لاَزِمٌ يَعْصِي بِتَرْكِهِ لِظَاهِرِ الأْمْرِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ آيَةَ الدَّيْنِ مُحْكَمَةٌ وَمَا فِيهَا نَسْخٌ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله تعالي عنهما إِذَا بَاعَ بِنَقْدٍ أَشْهَدَ وَلَمْ يَكْتُبْ، وَإِذَا بَاعَ بِنَسِيئَةٍ كَتَبَ وَأَشْهَدَ.

قَالَ بِذَلِكَ الضَّحَّاكُ، وَعَطَاءٌ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَالنَّخَعِيُّ، وَابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ .

8 - وَقَدْ يَكُونُ التَّوْثِيقُ وَاجِبًا بِالاِتِّفَاقِ كَتَوْثِيقِ النِّكَاحِ فَإِنَّ الإْشْهَادَ فِيهِ وَاجِبٌ سَوَاءٌ أَكَانَ عِنْدَ الْعَقْدِ كَمَا يَقُولُ الْجُمْهُورُ أَمْ عِنْدَ الدُّخُولِ كَمَا يَقُولُ الْمَالِكِيَّةُ - وَالأْصْلُ  فِيهِ قَوْلُ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم : «لاَ نِكَاحَ إِلاَّ بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ» . فَاعْتَبَرَ الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ النِّكَاحَ حَقِيقَةً إِنَّمَا يَقَعُ عَلَى الْوَطْءِ .

9 - وَقَدْ يَكُونُ التَّوْثِيقُ مَكْرُوهًا أَوْ حَرَامًا، وَذَلِكَ كَالإْشْهَادِ عَلَى الْعَطِيَّةِ لِلأَْوْلاَدِ إِنْ حَصَلَ فِيهَا تَفَاوُتٌ. إِذِ اعْتَبَرَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ مَكْرُوهًا وَاعْتَبَرَهُ بَعْضُهُمُ الآْخَرُ حَرَامًا . وَذَلِكَ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ: تَصَدَّقَ عَلَيَّ أَبِي بِبَعْضِ مَالِهِ فَقَالَتْ أُمِّي عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ: لاَ أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  فَانْطَلَقَ أَبِي إِلَى النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم  لِيُشْهِدَهُ عَلَى صَدَقَتِي فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم : أَفَعَلْتَ هَذَا بِوَلَدِكَ كُلِّهِمْ؟ قَالَ: لاَ، قَالَ: اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا فِي أَوْلاَدِكُمْ، فَرَجَعَ أَبِي فَرَدَّ تِلْكَ الصَّدَقَةَ، وَفِي لَفْظٍ قَالَ: فَلاَ تُشْهِدْنِي إِذًا فَإِنِّي لاَ أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ»، وَفِي لَفْظٍ «فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي» .

10 - وَمَعَ الاِخْتِلاَفِ فِي حُكْمِ تَوْثِيقِ الْمُعَامَلاَتِ فَإِنَّهُ حَقٌّ لِكُلِّ مَنْ طَلَبَهُ. يَقُولُ ابْنُ فَرْحُونَ: إِذَا قُلْنَا إِنَّ الإْشْهَادَ غَيْرُ وَاجِبٍ فِي الدَّيْنِ وَالْبَيْعِ فَإِنَّهُ حَقٌّ لِكُلِّ مَنْ دَعَى إِلَيْهِ مِنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ أَوِ الْمُتَدَايِنَيْنِ عَلَى صَاحِبِهِ يُقْضَى لَهُ بِهِ عَلَيْهِ إِنْ أَبَاهُ؛ لأِنَّ  مِنْ حَقِّهِ أَنْ لاَ يَأْتَمِنَهُ؛ وَلِذَلِكَ وَجَبَ عَلَى مَنْ بَاعَ سِلْعَةً لِغَيْرِهِ الإْشْهَادُ عَلَى الْبَيْعِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ضَمِنَ؛ لأِنَّ  رَبَّ السِّلْعَةِ لَمْ يَرْضَ بِائْتِمَانِهِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا فِيهِ حَقٌّ لِغَائِبٍ الإْشْهَادُ فِيهِ وَاجِبٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الزَّانِيَيْنِ : ( وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)   فَأَمَرَ بِالإْشْهَادِ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ مِنْ حَقِّ غَيْرِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ اللِّعَانُ لاَ يَكُونُ إِلاَّ بِمَحْضَرِ جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لاِنْقِطَاعِ نَسَبِ الْوَلَدِ .

طُرُقُ التَّوْثِيقِ:

11 - لِلتَّوْثِيقِ طُرُقٌ مُتَعَدِّدَةٌ، وَهِيَ قَدْ تَكُونُ بِعَقْدٍ - وَهُوَ مَا يُسَمَّى عُقُودُ التَّوْثِيقَاتِ - كَالرَّهْنِ وَالْكَفَالَةِ، وَقَدْ تَكُونُ بِغَيْرِ عَقْدٍ كَالْكِتَابَةِ وَالإْشْهَادِ وَحَقِّ الْحَبْسِ وَالاِحْتِبَاسِ.

وَمِنَ التَّوْثِيقَاتِ مَا هُوَ وَثِيقَةٌ بِمَالٍ كَالرَّهْنِ وَالْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ، وَمِنْهُ مَا هُوَ وَثِيقَةٌ بِذِمَّةٍ كَالْكَفَالَةِ .

وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَأْتِي:

أ - الْكِتَابَةُ:

12 - كِتَابَةُ الْمُعَامَلاَتِ الَّتِي تَجْرِي بَيْنَ النَّاسِ وَسِيلَةٌ لِتَوْثِيقِهَا، أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهَا فِي قَوْلِهِ: ( إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) وَقَدْ وَثَّقَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم  بِالْكِتَابَةِ فِي مُعَامَلاَتِهِ، فَبَاعَ وَكَتَبَ، وَمِنْ ذَلِكَ الْوَثِيقَةُ التَّالِيَةُ:

هَذَا مَا اشْتَرَى الْعَدَاءُ بْنُ خَالِدٍ بْنِ هَوْذَةَ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  اشْتَرَى مِنْهُ عَبْدًا أَوْ أَمَةً، لاَ دَاءَ، وَلاَ غَائِلَةَ، وَلاَ خِبْثَةَ، بَيْعُ الْمُسْلِمِ مِنَ الْمُسْلِمِ.

كَذَلِكَ أَمَرَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم  بِالْكِتَابِ فِيمَا قَلَّدَ فِيهِ عُمَّالَهُ مِنَ الأْمَانَةِ  وَأَمَرَ بِالْكِتَابِ فِي الصُّلْحِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ . وَالنَّاسُ تَعَامَلُوهُ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  إِلَى يَوْمِنَا هَذَا.

وَالْمَقْصُودُ بِكِتَابَةِ التَّصَرُّفَاتِ هُوَ إِحْكَامُهَا بِاسْتِيفَاءِ شُرُوطِهَا، وَالْفِقْهُ هُوَ الَّذِي رَسَمَ هَذِهِ الشُّرُوطَ، وَعَنْ طَرِيقِهِ يُعْرَفُ مَا يَصِحُّ مِنَ الْوَثَائِقِ وَمَا يَبْطُلُ؛ إِذْ لَيْسَ لِلتَّوْثِيقِ أَرْكَانٌ وَشُرُوطٌ خَارِجَةٌ عَنِ الْفِقْهِ، وَمَا يُكْتَبُ يُسَمَّى وَثِيقَةً.

لَكِنْ لَيْسَتْ كُلُّ وَثِيقَةٍ تُكْتَبُ بِتَصَرُّفٍ مِنْ بَيْعٍ، أَوْ رَهْنٍ، أَوْ إِجَارَةٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ تُسَمَّى وَثِيقَةً شَرْعًا، إِنَّمَا تُسَمَّى كَذَلِكَ إِذَا كَانَتِ الْكِتَابَةُ حَسَبَ الشُّرُوطِ الَّتِي نَصَّ عَلَيْهَا الْفُقَهَاءُ - فِيمَا يُسَمَّى بِعِلْمِ الشُّرُوطِ - وَمَا لِذَلِكَ مِنْ شُرُوطِ انْعِقَادٍ، وَصِحَّةٍ وَنَفَاذٍ، وَلُزُومٍ؛ لأِنَّ  الأْحْكَامَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ الْعِبَارَاتِ فِي الدَّعَاوَى وَالإْقْرَارَاتِ وَالشَّهَادَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. فَاتِّبَاعُ الشُّرُوطِ الَّتِي وَضَعَهَا الْفُقَهَاءُ هُوَ الَّذِي يَتَضَمَّنُ حُقُوقَ الْمَحْكُومِ لَهُ وَالْمَحْكُومِ عَلَيْهِ. وَالشَّهَادَةُ لاَ تُسْمَعُ إِلاَّ بِمَا فِيهِ . وَلِذَلِكَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: (ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُوا) .

ب - الإْشْهَادُ:

13 - إِشْهَادُ الشُّهُودِ عَلَى التَّصَرُّفَاتِ وَسِيلَةٌ لِتَوْثِيقِهَا، وَاحْتِيَاطٌ لِلْمُتَعَامِلِينَ عِنْدَ التَّجَاحُدِ؛ إِذْ هِيَ إِخْبَارٌ لإِثْبَاتِ حَقٍّ - وَالْقِيَاسُ يَأْبَى كَوْنَ الشَّهَادَةِ حُجَّةً فِي الأْحْكَامِ لأِنَّهُ خَبَرٌ مُحْتَمِلٌ لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ، وَالْمُحْتَمَلُ لاَ يَكُونُ حُجَّةً مُلْزِمَةً؛ وَلأِنَّ  خَبَرَ الْوَاحِدِ لاَ يُوجِبُ الْعِلْمَ وَالْقَضَاءُ مُلْزِمٌ، فَيَسْتَدْعِي سَبَبًا مُوجِبًا لِلْعِلْمِ وَهُوَ الْمُعَايَنَةُ، فَالْقَضَاءُ أَوْلَى. لَكِنْ تُرِكَ ذَلِكَ بِالنُّصُوصِ الَّتِي فِيهَا أَمْرٌ لِلأْحْكَامِ بِالْعَمَلِ بِالشَّهَادَةِ. مِنْ ذَلِكَ قوله تعالي : (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ) .

وَلَقَدْ سَمَّى النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم  الشُّهُودَ بَيِّنَةً لِوُقُوعِ الْبَيَانِ بِقَوْلِهِمْ وَارْتِفَاعِ الإْشْكَالِ بِشَهَادَتِهِمْ فَقَالَ صلي الله عليه وسلم : «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ»  قَالَ السَّرَخْسِيُّ: فِي ذَلِكَ مَعْنَيَانِ:

أَحَدُهُمَا: حَاجَةُ النَّاسِ إِلَى ذَلِكَ؛ لأِنَّ  الْمُنَازَعَاتِ وَالْخُصُومَاتِ تَكْثُرُ بَيْنَ النَّاسِ وَتَتَعَذَّرُ إِقَامَةُ الْحُجَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلْعِلْمِ فِي كُلِّ خُصُومَةٍ وَالتَّكْلِيفُ بِحَسَبِ الْوُسْعِ.

وَالثَّانِي: مَعْنَى إِلْزَامِ الشُّهُودِ حَيْثُ جَعَلَ الشَّرْعُ شَهَادَتَهُمْ حُجَّةً لإِيجَابِ الْقَضَاءِ مَعَ احْتِمَالِ الْكَذِبِ إِذَا ظَهَرَ رُجْحَانُ جَانِبِ الصِّدْقِ.

وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم  وَغَيْرِهِمْ؛ لأِنَّ  الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إِلَى الشَّهَادَةِ لِحُصُولِ التَّجَاحُدِ بَيْنَ النَّاسِ فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إِلَيْهَا.

وَالْبَيِّنَاتُ مُرَتَّبَةٌ بِحَسَبِ الْحُقُوقِ الْمَشْهُودِ فِيهَا، وَلاَ يَجُوزُ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ بِشَيْءٍ حَتَّى يَحْصُلَ لَهُ بِهِ الْعِلْمُ؛ إِذْ لاَ يَجُوزُ الشَّهَادَةُ إِلاَّ بِمَا عَلِمَ وَقَطَعَ بِمَعْرِفَتِهِ لاَ بِمَا يَشُكُّ فِيهِ، وَلاَ بِمَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ مَعْرِفَتُهُ .

وَلِبَيَانِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالشَّهَادَةِ يُنْظَرُ فِي (إِشْهَادٌ - شَهَادَةٌ).

ج - الرَّهْنُ:

14 - الرَّهْنُ وَسِيلَةٌ مِنْ وَسَائِلِ التَّوْثِيقِ، إِذْ هُوَ الْمَالُ الَّذِي يُجْعَلُ وَثِيقَةً بِالدَّيْنِ لِيَسْتَوْفِيَ الدَّائِنُ مِنْ ثَمَنِهِ إِنْ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ، وَالأْصْلُ  فِيهِقوله تعالي : ( وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ) .

قَالَ الْجَصَّاصُ: يَعْنِي - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - إِذَا عَدِمْتُمِ التَّوَثُّقَ بِالْكِتَابِ وَالإْشْهَادِ، فَالْوَثِيقَةُ بِرِهَانٍ مَقْبُوضَةٍ، فَأَقَامَ الرَّهْنَ فِي بَابِ التَّوَثُّقِ فِي الْحَالِ الَّتِي لاَ يَصِلُ (الدَّائِنُ) فِيهَا إِلَى التَّوَثُّقِ بِالْكِتَابِ وَالإْشْهَادِ مَقَامَهَا ».

وَلأِنَّ  الرَّهْنَ شُرِعَ لِلْحَاجَةِ إِلَى تَوْثِيقِ الدَّيْنِ عَنْ تَوَاءِ الْحَقِّ (أَيْ هَلاَكِهِ) بِالْجُحُودِ وَالإْنْكَارِ فَكَانَ مِنْ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ حَبْسُ الْعَيْنِ الَّتِي وَرَدَ الْعَقْدُ عَلَيْهَا رَهْنًا. إِذِ التَّوْثِيقُ إِنَّمَا يَحْصُلُ إِذَا كَانَ يَمْلِكُ حَبْسَ الْعَيْنِ، فَيَحْمِلُ ذَلِكَ الْمَدِينَ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ فِي أَسْرَعِ الأْوْقَاتِ. وَبِالرَّهْنِ يُؤْمَنُ الْجُحُودُ وَالإْنْكَارُ. وَلِذَلِكَ إِذَا حَلَّ أَجَلُ الدَّيْنِ كَانَ لِلدَّائِنِ أَنْ يَرْفَعَهُ إِلَى الْقَاضِي، فَيَبِيعَ عَلَيْهِ الرَّهْنَ وَيُنْصِفَهُ مِنْهُ إِنْ لَمْ يُجِبْهُ الرَّاهِنُ إِلَى ذَلِكَ. وَمِنْ ثَمَّ يَخْتَصُّ الرَّهْنُ بِأَنْ يَكُونَ مَحَلًّا قَابِلاً لِلْبَيْعِ، فَلاَ يَجُوزُ التَّوْثِيقُ بِرَهْنِ مَا لاَ يَجُوزُ بَيْعُهُ فِي الْجُمْلَةِ.

وَلأِنَّ  الرَّهْنَ وَثِيقَةٌ بِالدَّيْنِ فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِجُمْلَةِ الْحَقِّ الْمَرْهُونِ فِيهِ وَبِبَعْضِهِ، فَإِذَا أَدَّى بَعْضَ الدَّيْنِ بَقِيَ الرَّهْنُ جَمِيعُهُ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ؛ لأِنَّهُ مَحْبُوسٌ بِحَقٍّ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَحْبُوسًا بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ.

وَقِيلَ: يَبْقَى مِنَ الرَّهْنِ بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ بِقَدْرِ مَا يَبْقَى مِنَ الْحَقِّ؛ لأِنَّ  جَمِيعَهُ مَحْبُوسٌ بِجَمِيعِهِ فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ أَبْعَاضُهُ مَحْبُوسَةً بِأَبْعَاضِهِ .

هَذَا وَلِلرَّهْنِ شُرُوطٌ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مَقْبُوضًا وَكَوْنُهُ بِدَيْنٍ لاَزِمٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُهُ فِي (رَهْنٌ).

د - الضَّمَانُ وَالْكَفَالَةُ:

15 - الضَّمَانُ وَالْكَفَالَةُ قَدْ يُسْتَعْمَلاَنِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ الضَّمَانُ لِلدَّيْنِ وَالْكَفَالَةُ لِلنَّفْسِ، وَهُمَا مَشْرُوعَانِ لِلتَّوْثِيقِ. إِذْ فِيهِ ضَمُّ ذِمَّةِ الْكَفِيلِ إِلَى ذِمَّةِ الأْصِيلِ عَلَى وَجْهِ التَّوْثِيقِ، وَالأْصْلُ  فِي ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: (وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ) .

وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأْكْوَعِ «أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم  أُتِيَ بِرَجُلٍ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: هَلْ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟ قَالُوا: نَعَمْ دِينَارَانِ، قَالَ: هَلْ تَرَكَ لَهُمَا وَفَاءً؟ قَالُوا: لاَ، فَتَأَخَّرَ فَقِيلَ: لِمَ لاَ تُصَلِّي عَلَيْهِ؟ فَقَالَ: مَا تَنْفَعُهُ صَلاَتِي وَذِمَّتُهُ مَرْهُونَةٌ إِلاَّ إِنْ قَامَ أَحَدُكُمْ فَضَمِنَهُ. فَقَامَ أَبُو قَتَادَةَ فَقَالَ: هُمَا عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَصَلَّى عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم .

وَلأِنَّ  الْكَفَالَةَ تُؤَمِّنُ الدَّائِنَ عَنِ التَّوَى بِإِفْلاَسِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ فَإِنَّ الْفُقَهَاءَ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ إِذَا أَعْدَمَ الْمَضْمُونُ أَوْ غَابَ أَنَّ الضَّامِنَ يَغْرَمُ الْمَالَ. وَإِذَا حَضَرَ الضَّامِنُ وَالْمَضْمُونُ وَهُمَا مُوسِرَانِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: لِلطَّالِبِ أَنْ يُطَالِبَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا؛ لأِنَّ  الْحَقَّ ثَابِتٌ فِي ذِمَّةِ الضَّامِنِ فَمَلَكَ مُطَالَبَتَهُ كَالأْصِيلِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْنِ لِمَالِكٍ.

 وَفِي قَوْلِهِ الآْخَرِ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ الْكَفِيلَ مَعَ وُجُودِ الأْصِيلِ إِلاَّ إِذَا تَعَذَّرَتْ مُطَالَبَةُ الأْصِيلِ؛ لأِنَّ  الْكَفَالَةَ لِلتَّوَثُّقِ فَلاَ يُسْتَوْفَى الْحَقُّ مِنَ الْكَفِيلِ إِلاَّ عِنْدَ تَعَذُّرِ اسْتِيفَائِهِ مِنَ الأْصِيلِ كَالرَّهْنِ .

هَذَا وَشُرُوطُ الضَّمَانِ وَمَنْ يَصِحُّ مِنْهُ وَمَا يَصِحُّ بِهِ وَغَيْرُ ذَلِكَ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحَيْ: (كَفَالَةٌ وَضَمَانٌ).

هـ - حَقُّ الْحَبْسِ وَالاِحْتِبَاسِ:

16 - لَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنَ التَّوْثِيقِ صِيَانَةَ الْحُقُوقِ وَالاِحْتِيَاطَ؛ لِذَلِكَ كَانَ مِنْ حَقِّ الدَّائِنِ أَنْ يَتَوَثَّقَ لِحَقِّهِ بِحَبْسِ مَا تَحْتَ يَدِهِ لاِسْتِيفَاءِ حَقِّهِ إِذَا كَانَ الدَّيْنُ يَتَعَلَّقُ بِهِ؛ وَلِذَلِكَ صُوَرٌ مُخْتَلِفَةٌ:

مِنْهَا: حَقُّ احْتِبَاسِ الْمَبِيعِ إِلَى قَبْضِ الثَّمَنِ - يَقُولُ ابْنُ عَابِدِينَ: لِلْبَائِعِ حَبْسُ الْمَبِيعِ إِلَى قَبْضِ الثَّمَنِ، وَلَوْ بَقِيَ مِنْهُ دِرْهَمٌ، وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ شَيْئَيْنِ بِصَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَسَمَّى لِكُلٍّ ثَمَنًا فَلَهُ حَبْسُهُمَا إِلَى اسْتِيفَاءِ الْكُلِّ، وَلاَ يَسْقُطُ حَقُّ الْحَبْسِ بِالرَّهْنِ، وَلاَ بِالْكَفِيلِ، وَلاَ بِإِبْرَائِهِ عَنْ بَعْضِ الثَّمَنِ حَتَّى يَسْتَوفِيَ الْبَاقِي.

وَيَنْظُرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي (بَيْعٌ وَحَبْسٌ).

وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمُؤَجِّرَ لَهُ حَقُّ حَبْسِ الْمَنَافِعِ إِلَى أَنْ يَتَسَلَّمَ الأْجْرَةَ الْمُعَجَّلَةَ، وَكَذَلِكَ لِلصَّانِعِ حَقُّ حَبْسِ الْعَيْنِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الْعَمَلِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ إِذَا كَانَ لِعَمَلِهِ أَثَرٌ فِي الْعَيْنِ كَالْقَصَّارِ وَالصَّبَّاغِ.

وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي (إِجَارَةٌ وَاسْتِصْنَاعٌ).

وَمِنْ ذَلِكَ حَبْسُ الْمَدِينِ بِمَا عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ إِذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى أَدَاءِ دَيْنِهِ، وَمَاطَلَ فِي الأْدَاءِ، وَطَلَبَ صَاحِبُ الدَّيْنِ مِنَ الْقَاضِي حَبْسَهُ؛ وَلِلدَّائِنِ كَذَلِكَ مَنْعُهُ مِنَ السَّفَرِ؛ لأِنَّ  لَهُ وِلاَيَةَ حَبْسِهِ .

وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي: (دَيْنٌ، أَدَاءٌ، وَفَاءٌ).

17 - هَذِهِ هِيَ أَشْهَرُ أَنْوَاعِ التَّوْثِيقِ، وَهُنَاكَ أُمُورٌ أُخْرَى يَكُونُ الْقِيَامُ بِهَا تَوْثِيقًا لِلْحَقِّ وَصِيَانَةً لَهُ. فَكِتَابَةُ الأْحْكَامِ فِي السِّجِلاَّتِ تُعْتَبَرُ تَوْثِيقًا لِهَذِهِ الأْحْكَامِ، وَالْحَجْرُ عَلَى الْمُفْلِسِ تَوْثِيقٌ لِحُقُوقِ الدَّائِنِينَ. وَهَكَذَا، وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي: (إِفْلاَسٌ، حَجْرٌ، كِتَابَةٌ). 

مَا يَدْخُلُهُ التَّوْثِيقُ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ:

18 - كُلُّ تَصَرُّفٍ صَحِيحٍ مُسْتَوْفٍ لِشُرُوطِهِ يَدْخُلُهُ التَّوْثِيقُ إِذْ التَّوْثِيقُ يُؤَكِّدُ الْحُقُوقَ لأِصْحَابِهَا وَيُسَهِّلُ لَهُمُ الْوُصُولُ إِلَيْهَا عِنْدَ التَّنَازُعِ، وَالتَّجَاحُدِ يَقُولُ الْجَصَّاصُ فِي قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوه) . فِي الآْيَةِ الأْمْرُ بِالإْشْهَادِ إِذَا صَحَّتِ الْمُدَايَنَةُ.

وقوله تعالس : (وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ) : فِيهِ أَمْرٌ لِمَنْ تَوَلَّى كِتَابَةَ الْوَثَائِقِ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ يَكْتُبَهَا بِالْعَدْلِ بَيْنَهُمْ.

وقوله تعالي : ( وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ) قَالَ الْجَصَّاصُ: يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - مَا بَيَّنَهُ مِنْ أَحْكَامِ الْعُقُودِ الصَّحِيحَةِ وَالْمُدَايَنَاتِ الثَّابِتَةِ الْجَائِزَةِ لِكَيْ يَحْصُلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَدَايِنَيْنِ مَا قَصَدَ مِنْ تَصْحِيحِ عَقْدِ الْمُدَايَنَةِ.

أَمَّا التَّصَرُّفَاتُ الْبَاطِلَةُ فَالأْصْلُ  فِيهَا أَنَّ الإْقْدَامَ عَلَيْهَا حَرَامٌ، وَيَأْثَمُ فَاعِلُهَا لاِرْتِكَابِهِ الْمَعْصِيَةَ بِمُخَالَفَتِهِ الْمَشْرُوعَ، وَبِالتَّالِي يَكُونُ تَوْثِيقُ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ حَرَامًا؛ إِذْ وَسِيلَةُ الشَّيْءِ تَأْخُذُ حُكْمَهُ، ثُمَّ إِنَّهُ لاَ فَائِدَةَ مِنْ تَوْثِيقِ التَّصَرُّفَاتِ الْبَاطِلَةِ لأِنَّ هَا مَفْسُوخَةٌ شَرْعًا، وَلاَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا آثَارُهَا كَمَا تَتَرَتَّبُ عَلَى التَّصَرُّفَاتِ الصَّحِيحَةِ .

كَذَلِكَ «أَبَى رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  أَنْ يَشْهَدَ عَلَى - تَصَرُّفٍ جَائِرٍ فَامْتَنَعَ مِنَ الشَّهَادَةِ عَلَى هِبَةِ بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ ابْنَهُ النُّعْمَانَ  لأِنَّهُ لَمْ يَعْدِلْ بَيْنَ أَوْلاَدِهِ فِي الْعَطِيَّةِ. وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ بَشِيرًا رَدَّ عَطِيَّتَهُ.

وَيَقُولُ الدُّسُوقِيُّ: الْبَيْعُ الْفَاسِدُ وَالْقَرْضُ الْفَاسِدُ إِذَا شُرِطَ فِيهِ رَهْنٌ فَدَفَعَهُ الْمُشْتَرِي أَوِ الْمُقْتَرِضُ فَإِنَّ الرَّهْنَ يَكُونُ فَاسِدًا، وَيَجِبُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ أَنْ يَرُدَّهُ لِلرَّاهِنِ؛ لأِنَّ  الرَّهْنَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَالْمَبْنِيُّ عَلَى الْفَاسِدِ فَاسِدٌ.

وَإِذَا كَانَ التَّوْثِيقُ لاَ يَرِدُ إِلاَّ عَلَى التَّصَرُّفَاتِ الصَّحِيحَةِ، فَإِنَّ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ مَا يَجُوزُ أَنْ تَجْمَعَ أَكْثَرُ مِنْ تَوْثِيقٍ، وَمِنْهَا مَا يُوَثَّقُ بِأَمْرٍ وَاحِدٍ فَقَطْ .

يَقُولُ الزَّرْكَشِيُّ: مِنَ الْعُقُودِ مَا يَدْخُلُهُ الرَّهْنُ وَالْكَفِيلُ وَالشَّهَادَةُ، كَالْبَيْعِ وَالسَّلَمِ وَالْقَرْضِ وَأُرُوشِ الْجِنَايَاتِ.

وَمِنْهُ مَا يَسْتَوْثِقُ مِنْهُ بِالشَّهَادَةِ لاَ بِالرَّهْنِ وَهُوَ الْمُسَاقَاةُ، جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ فِي بَابِهَا، قَالَ: لأِنَّهُ عَقْدٌ غَيْرُ مَضْمُونٍ - وَكَذَلِكَ الْجَعَالَةُ، وَمِنْهُ الْمُسَابَقَةُ إِذَا اسْتَحَقَّ رَهْنَهَا جَازَ الرَّهْنُ وَالضَّمِينُ، وَقِيلَ: وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ جَائِزٌ أَوْ لاَزِمٌ.

 وَمِنْهُ مَا يَدْخُلُهُ الضَّمِينُ دُونَ الرَّهْنِ وَهُوَ ضَمَانُ الدَّرْكِ قَالَهُ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ .

بُطْلاَنُ التَّوْثِيقِ:

19 - يَبْطُلُ التَّوْثِيقُ بِعِدَّةِ أُمُورٍ مِنْهَا:

أ - إِذَا كَانَ التَّوْثِيقُ ضِمْنَ تَصَرُّفٍ فَاسِدٍ، إِذْ مِنَ الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ أَنَّهُ إِذَا فَسَدَ الْمُتَضَمِّنُ فَسَدَ الْمُتَضَمَّنُ.

وَلِذَلِكَ قَالَ الْفُقَهَاءُ: إِذَا كَانَ الرَّهْنُ فِي بَيْعٍ فَاسِدٍ بَطَلَ الرَّهْنُ لِفَسَادِ الْبَيْعِ حَتَّى لاَ يَثْبُتَ لِلْمُرْتَهِنِ حَقُّ الْحَبْسِ وَلِلرَّاهِنِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ مِنْهُ .

ب - إِذَا فُقِدَتْ شُرُوطُ الْوَثَائِقِ الْمَعْرُوفَةِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ. فَفِي الشَّهَادَةِ مَثَلاً تَبْطُلُ شَهَادَةُ الْفَاسِقِ وَشَهَادَةُ مَنْ يَجُرُّ بِشَهَادَتِهِ مَنْفَعَةً لِنَفْسِهِ أَوْ يَدْفَعُ عَنْهَا مَضَرَّةً، وَمِنْ ذَلِكَ شَهَادَةُ الْمِدْيَانِ الْمُعْسِرِ لِرَبِّ الدَّيْنِ .

وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي (شَهَادَةٌ).

وَفِي الرَّهْنِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمَرْهُونُ مَحَلًّا قَابِلاً لِلْبَيْعِ وَهُوَ - كَمَا يَقُولُ الْكَاسَانِيُّ - أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا وَقْتَ الْعَقْدِ، وَأَنْ يَكُونَ مَالاً مُطْلَقًا مُتَقَوِّمًا مَعْلُومًا مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ، فَلاَ يَجُوزُ رَهْنُ مَا لَيْسَ بِمَوْجُودٍ، وَلاَ مَا يَحْتَمِلُ الْوُجُودَ، وَلاَ رَهْنُ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ، وَلاَ رَهْنُ صَيْدِ الْحَرَمِ وَالإْحْرَامِ .

وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي (رَهْنٌ).

وَفِي الْكَفَالَةِ يُشْتَرَطُ فِي الْكَفِيلِ أَوِ الضَّامِنِ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ فِي مَالِهِ، فَيَبْطُلُ ضَمَانُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ - وَأَنْ يَكُونَ الْمَكْفُولُ لَهُ مَعْلُومًا لأِنَّ  الْمَكْفُولَ لَهُ إِذَا كَانَ مَجْهُولاً لاَ يَحْصُلُ مَا شُرِعَتْ لَهُ الْكَفَالَةُ وَهُوَ التَّوَثُّقُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الشُّرُوطِ .

وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي: (كَفَالَةٌ - ضَمَانٌ).

ج - إِذَا كَانَ التَّوْثِيقُ مُخَالِفًا لأِمْرِ الشَّرْعِ فَإِذَا كَانَ الْمَدِينُ مُعْسِرًا غَيْرَ قَادِرٍ عَلَى أَدَاءِ الدَّيْنِ لاَ يَجُوزُ حَبْسُهُ لقوله تعالي : ( وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ) .

كَذَلِكَ لاَ يُحْبَسُ الْوَالِدُ بِدَيْنِ الْوَلَدِلقوله تعالي : ( وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا)  وَقَوْلُهُ: ( وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)  وَيَقُولُ الدُّسُوقِيُّ: يَبْطُلُ الضَّمَانُ إِذَا كَانَ الْمُتَحَمَّلُ بِهِ فَاسِدًا كَمَا لَوْ كَانَ رِبًا كَمَا لَوْ قَالَ شَخْصٌ لآِخَرَ: ادْفَعْ لِهَذَا دِينَارًا فِي دِينَارَيْنِ لِشَهْرٍ، أَوِ ادْفَعْ لَهُ دَرَاهِمَ فِي دَنَانِيرَ إِلَى شَهْرٍ، وَأَنَا حَمِيلٌ بِذَلِكَ (أَيْ كَفِيلٌ) فَالْحَمَالَةُ بَاطِلَةٌ وَلاَ يَلْزَمُ الضَّامِنَ شَيْءٌ مُطْلَقًا.

وَكَبَيْعِ السِّلْعَةِ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ لأِجَلٍ مَجْهُولٍ أَوْ مَعْلُومٍ، أَوْ كَانَ الْبَيْعُ وَقْتَ نِدَاءِ الْجُمُعَةِ - عِنْدَ مَنْ يَرَى بُطْلاَنَهُ - فَإِذَا ضَمِنَ ذَلِكَ الثَّمَنَ إِنْسَانٌ فَالضَّمَانُ بَاطِلٌ، وَلاَ يَلْزَمُ الضَّامِنَ شَيْءٌ.

وَكَمَا إِذَا كَانَتْ الْحَمَالَةُ بِجُعْلٍ فَهِيَ فَاسِدَةٌ. لأِنَّ  شَرْطَ الْحَمَالَةِ أَنْ تَكُونَ لِلَّهِ، فَإِذَا كَانَتْ بِمُقَابِلٍ لاَ يُعْتَدُّ بِهَا .

د - إِذَا ضَاعَتْ وَثِيقَةُ الْحَقِّ فَصَالَحَ صَاحِبُهَا ثُمَّ وَجَدَ الْوَثِيقَةَ بَعْدَ الصُّلْحِ فَلاَ قِيَامَ (مُطَالَبَةَ) لَهُ بِهَا جَاءَ فِي الدُّسُوقِيِّ: مَنِ ادَّعَى عَلَى شَخْصٍ بِحَقٍّ فَقَالَ لَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَقُّك ثَابِتٌ إِنْ أَتَيْت بِالْوَثِيقَةِ الَّتِي فِيهَا الْحَقُّ، فَقَالَ الْمُدَّعِي: ضَاعَتْ مِنِّي فَصَالَحَهُ ثُمَّ وَجَدَ الْوَثِيقَةَ بَعْدُ فَلاَ قِيَامَ لَهُ بِهَا، وَلاَ يُنْقَضُ الصُّلْحُ اتِّفَاقًا؛ لأِنَّهُ إِنَّمَا صَالَحَ عَلَى إِسْقَاطِ حَقِّهِ .

انْتِهَاءُ التَّوْثِيقِ:

20 - يَنْتَهِي التَّوْثِيقُ بِانْتِهَاءِ مَا كَانَ سَبَبًا لَهُ وَمِنْ ذَلِكَ:

أ - احْتِبَاسُ الْمَبِيعِ لأِجْلِ قَبْضِ الثَّمَنِ يَنْتَهِي بِأَدَاءِ الثَّمَنِ وَيَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ.

وَاحْتِبَاسُ الْمَرْهُونِ يَنْقَضِي بِأَدَاءِ الدَّيْنِ وَيَجِبُ فِكَاكُ الرَّهْنِ وَتَسْلِيمُهُ لِلرَّاهِنِ.

وَهَكَذَا كُلُّ مَنْ كَانَ لَهُ حَقُّ الاِحْتِبَاسِ فَإِنَّهُ يَنْتَهِي بِأَدَاءِ مَا كَانَ الاِحْتِبَاسُ لأِجْلِهِ .

ب - كَذَلِكَ يَنْتَهِي التَّوْثِيقُ بِإِبْرَاءِ الدَّائِنِ لِلْمَدِينِ وَبِحَوَالَةِ الْمَدِينِ لِلدَّائِنِ فِي الْجُمْلَةِ .

ج - بِالْفَسْخِ أَوْ بِالْعَزْلِ كَمَا فِي الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ كَالْوَكَالَةِ وَالْقِرَاضِ الْوَدِيعَةِ إِذْ لاَ فَائِدَةَ فِي التَّوْثِيقِ .

د - بِبَيْعِ الْوَثِيقَةِ كَالْمَرْهُونِ يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ .

هـ - بِالْمُقَاصَّةِ فِي الدُّيُونِ .

و - بِهَلاَكِ الْمَعْقُود عَلَيْهِ كَالْمَبِيعِ إِذَا هَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ .

ز - مَوْتُ الْمَكْفُولِ بِهِ فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ .

وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ كُلِّ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعِهِ.

 أَثَرُ التَّوْثِيقِ:

21 - أَهَمُّ أَثَرٍ لِلتَّوْثِيقِ صِيَانَةُ الْحُقُوقِ لأَِرْبَابِهَا وَإِثْبَاتُهَا عِنْدَ التَّجَاحُدِ. وَقَدْ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ بَعْضُ الآْثَارِ التَّبَعِيَّةِ، وَمِنْ ذَلِكَ:

أ - مَنْعُ تَصَرُّفِ الرَّاهِنِ فِي الْمَرْهُونِ بِبَيْعٍ أَوْ إِجَارَةٍ أَوْ هِبَةٍ، وَيُعْتَبَرُ تَصَرُّفًا بَاطِلاً؛ لأِنَّهُ - كَمَا يَقُولُ ابْنُ قُدَامَةَ - تَصَرُّفٌ يُبْطِلُ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ مِنَ الْوَثِيقَةِ غَيْرُ مَبْنِيٍّ عَلَى التَّغْلِيبِ وَالسِّرَايَةِ فَلَمْ يَصِحَّ بِغَيْرِ إِذْنِ الْمُرْتَهِنِ .

ب - ثُبُوتُ وِلاَيَةِ مُطَالَبَةِ الْكَفِيلِ بِمَا عَلَى الأْصِيلِ، فَيُطَالَبُ الْكَفِيلُ بِالدَّيْنِ بِدَيْنٍ وَاجِبٍ عَلَى الأْصِيلِ، وَيُطَالَبُ الْكَفِيلُ بِالنَّفْسِ بِإِحْضَارِ الْمَكْفُولِ بِنَفْسِهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ غَائِبًا، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا يُؤَخِّرُ الْكَفِيلُ إِلَى مُدَّةٍ يُمْكِنُهُ إِحْضَارُهُ فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ فِي الْمُدَّةِ وَلَمْ يَظْهَرْ عَجْزُهُ لِلْقَاضِي حَبَسَهُ إِلَى أَنْ يَظْهَرَ عَجْزُهُ لَهُ .

ج - ثُبُوتُ وِلاَيَةِ مُطَالَبَةِ الْكَفِيلِ الأْصِيلَ إِذَا كَانَتِ الْكَفَالَةُ بِأَمْرِهِ وَأَدَّى الْكَفِيلُ مَا عَلَى الأْصِيلِ .

د - بَيْعُ الْمَرْهُونِ فِي الرَّهْنِ إِذَا عَجَزَ مَنْ كَانَ عَلَيْهِ الدَّيْنُ عَنْ وَفَائِهِ .

التَّوْثِيقُ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ:

22 - يَقُولُ الْغَزَالِيُّ: الْمَقْبُولُ رِوَايَتُهُ: كُلُّ مُكَلَّفٍ عَدْلٍ مُسْلِمٍ ضَابِطٍ فَلاَ تَحْصُلُ الثِّقَةُ بِمَا يُخَالِفُ هَذِهِ الشُّرُوطَ.

وَيَثْبُتُ ذَلِكَ إِمَّا بِالاِخْتِبَارِ أَوْ بِالتَّزْكِيَةِ.

وَالتَّزْكِيَةُ هِيَ إِخْبَارُ الْعَدْلِ بِالْعَدَالَةِ. وَالأْصْلُ  فِي مَرَاتِبِهَا اصْطِلاَحُ الْمُزَكِّي فِي أَلْفَاظِ التَّزْكِيَةِ، وَالأْشْهَرُ بَيْنَ أَهْلِ الْحَدِيثِ أَنَّ أَرْفَعَهَا فِي التَّعْدِيلِ: حُجَّةٌ وَثِقَةٌ، وَحَافِظٌ وَضَابِطٌ، وَهِيَ تَوْثِيقٌ لِلْعَدْلِ، ثُمَّ بَعْدَهَا ثَلاَثَةُ أَلْفَاظٍ.

مَأْمُونٌ، صَدُوقٌ، لاَ بَأْسَ بِهِ، ثُمَّ بَعْدَهَا.. إِلَخْ.

وَمِمَّا يُعْتَبَرُ تَوْثِيقًا: حُكْمُ الْحَاكِمِ وَعَمَلُ الْمُجْتَهِدِ بِرِوَايَتِهِ .

وَيُرْجَعُ إِلَى هَذَا فِي عِلْمِ مُصْطَلَحِ الْحَدِيثِ، وَالْمُلْحَقِ الأْصُولِيِّ.

 

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  السادس والعشرون ، الصفحة /   148

مَرَاحِلُ طَلَبِ الأْخْذِ  بِالشُّفْعَةِ:

27 - عَلَى الشَّفِيعِ أَنْ يُظْهِرَ رَغْبَتَهُ بِمُجَرَّدِ عِلْمِهِ بِالْبَيْعِ بِمَا يُسَمِّيهِ الْفُقَهَاءُ طَلَبَ الْمُوَاثَبَةِ، ثُمَّ يُؤَكِّدَ هَذِهِ الرَّغْبَةَ وَيُعْلِنَهَا وَيُسَمَّى هَذَا طَلَبَ التَّقْرِيرِ وَالإْشْهَادِ، فَإِذَا لَمْ تَتِمَّ لَهُ الشُّفْعَةُ تَقَدَّمَ لِلْقَضَاءِ بِمَا يُسَمَّى بِطَلَبِ الْخُصُومَةِ وَالتَّمَلُّكِ .

أ - طَلَبُ الْمُوَاثَبَةِ

28 - وَقْتُ هَذَا الطَّلَبِ هُوَ وَقْتُ عِلْمِ الشَّفِيعِ بِالْبَيْعِ، وَعِلْمُهُ بِالْبَيْعِ قَدْ يَحْصُلُ بِسَمَاعِهِ بِالْبَيْعِ بِنَفْسِهِ، وَقَدْ يَحْصُلُ بِإِخْبَارِ غَيْرِهِ لَهُ.

وَاخْتَلَفَ الْحَنَفِيَّةُ فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ وَالْعَدَالَةِ فِي الْمُخْبِرِ.

فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُشْتَرَطُ أَحَدُ هَذَيْنِ إِمَّا الْعَدَدُ فِي الْمُخْبِرِ وَهُوَ رَجُلاَنِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ وَإِمَّا الْعَدَالَةُ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لاَ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ وَلاَ الْعَدَالَةُ، فَلَوْ أَخْبَرَهُ وَاحِدٌ بِالشُّفْعَةِ عَدْلاً كَانَ أَوْ فَاسِقًا، فَسَكَتَ وَلَمْ يَطْلُبْ عَلَى فَوْرِ الْخَبَرِ عَلَى رِوَايَةِ الأْصْلِ  أَوْ لَمْ يَطْلُبْ فِي الْمَجْلِسِ عَلَى رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ. بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ عِنْدَهُمَا إِذَا ظَهَرَ كَوْنُ الْخَبَرِ صَادِقًا. وَذَلِكَ لأِنَّ  الْعَدَدَ وَالْعَدَالَةَ لاَ يُعْتَبَرَانِ شَرْعًا فِي الْمُعَامَلاَتِ وَهَذَا مِنْ بَابِ الْمُعَامَلَةِ فَلاَ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ وَلاَ الْعَدَالَةُ.

وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّ هَذَا إِخْبَارٌ فِيهِ مَعْنَى الإْلْزَامِ. أَلاَ تَرَى أَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ يَبْطُلُ لَوْ لَمْ يَطْلُبْ بَعْدَ الْخَبَرِ فَأَشْبَهَ الشَّهَادَةَ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ أَحَدُ شَرْطَيِ الشَّهَادَةِ وَهُوَ الْعَدَدُ أَوِ الْعَدَالَةُ .

29 - وَشَرْطُ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ أَنْ يَكُونَ مِنْ فَوْرِ الْعِلْمِ بِالْبَيْعِ . إِذَا كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ، حَتَّى لَوْ عَلِمَ بِالْبَيْعِ وَسَكَتَ عَنِ الطَّلَبِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ بَطَلَ حَقُّ الشُّفْعَةِ فِي رِوَايَةِ الأْصْلِ . وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ عَلَى الْمَجْلِسِ كَخِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ وَخِيَارِ الْقَبُولِ مَا لَمْ يَقُمْ عَنِ الْمَجْلِسِ أَوْ يَتَشَاغَلْ عَنِ الطَّلَبِ بِعَمَلٍ آخَرَ لاَ تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ وَلَهُ أَنْ يَطْلُبَ، وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّ هَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَوَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ ثَبَتَ نَظَرًا لِلشَّفِيعِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ فَيَحْتَاجُ إِلَى التَّأَمُّلِ أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ هَلْ تَصْلُحُ بِمِثْلِ هَذَا الثَّمَنِ وَأَنَّهُ هَلْ يَتَضَرَّرُ بِجِوَارِ هَذَا الْمُشْتَرِي فَيَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ، أَمْ لاَ يَتَضَرَّرُ بِهِ فَيَتْرُكُ. وَهَذَا لاَ يَصِحُّ بِدُونِ الْعِلْمِ بِالْبَيْعِ، وَالْحَاجَةُ إِلَى التَّأَمُّلِ شَرْطُ الْمَجْلِسِ فِي جَانِبِ الْمُخَيَّرَةِ، وَالْقَبُولِ، كَذَا هَاهُنَا. وَوَجْهُ رِوَايَةِ الأْصْلِ  مَا رُوِيَ أَنَّ الرَّسُولَ ، صلي الله عليه وسلم  قَالَ: «الشُّفْعَةُ كَحَلِّ الْعِقَالِ»   وَلأِنَّهُ حَقٌّ يَثْبُتُ عَلَى خِلاَفِ الْقِيَاسِ، إِذِ الأْخْذُ  بِالشُّفْعَةِ تَمَلُّكُ مَالٍ مَعْصُومٍ بِغَيْرِ إِذْنِ مَالِكِهِ لِخَوْفِ ضَرَرٍ يَحْتَمِلُ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ فَلاَ يَسْتَقِرُّ إِلاَّ بِالطَّلَبِ عَلَى الْمُوَاثَبَةِ .

وَاسْتَثْنَى الْحَنَفِيَّةُ الْقَائِلُونَ بِوُجُوبِ الْمُوَاثَبَةِ حَالاَتٍ يُعْذَرُ فِيهَا بِالتَّأْخِيرِ كَمَا إِذَا سَمِعَ بِالْبَيْعِ فِي حَالِ سَمَاعِهِ خُطْبَةَ الْجُمُعَةِ أَوْ سَلَّمَ عَلَى الْمُشْتَرِي قَبْلَ طَلَبِ الشُّفْعَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ .

وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ هُنَاكَ حَائِلٌ بِأَنْ كَانَ بَيْنَهُمَا نَهْرٌ مَخُوفٌ، أَوْ أَرْضٌ مَسْبَعَةٌ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْمَوَانِعِ، لاَ تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ بِتَرْكِ الْمُوَاثَبَةِ إِلَى أَنْ يَزُولَ الْحَائِلُ .

30 - وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الشُّفْعَةَ لَيْسَتْ عَلَى الْفَوْرِ بَلْ وَقْتُ وُجُوبِهَا مُتَّسِعٌ، وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي هَذَا الْوَقْتِ هَلْ هُوَ مَحْدُودٌ أَمْ لاَ؟ فَمَرَّةً قَالَ: هُوَ غَيْرُ مَحْدُودٍ وَأَنَّهَا لاَ تَنْقَطِعُ أَبَدًا، إِلاَّ أَنْ يُحْدِثَ الْمُبْتَاعُ بِنَاءً أَوْ تَغْيِيرًا كَثِيرًا بِمَعْرِفَتِهِ وَهُوَ حَاضِرٌ عَالِمٌ سَاكِتٌ، وَمَرَّةً حَدَّدَ هَذَا الْوَقْتَ بِسَنَةٍ، وَهُوَ الأْشْهَرُ  كَمَا يَقُولُ ابْنُ رُشْدٍ وَقِيلَ أَكْثَرُ مِنَ السَّنَةِ وَقَدْ قِيلَ عَنْهُ إِنَّ الْخَمْسَةَ الأْعْوَامَ  لاَ تَنْقَطِعُ فِيهَا الشُّفْعَةُ .

31 - وَالأْظْهَرُ  عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الشُّفْعَةَ يَجِبُ طَلَبُهَا عَلَى الْفَوْرِ لأِنَّ هَا حَقٌّ ثَبَتَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ فَكَانَ عَلَى الْفَوْرِ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِرِوَايَةِ الأْصْلِ  وَالصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ الْحَنَابِلَةِ، وَمُقَابِلُ الأْظْهَرِ  ثَلاَثَةُ أَقْوَالٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ مُؤَقَّتٌ بِثَلاَثَةِ أَيَّامٍ بَعْدَ الْمُكْنَةِ، فَإِنْ طَلَبَهَا إِلَى ثَلاَثٍ كَانَ عَلَى حَقِّهِ، وَإِنْ مَضَتِ الثَّلاَثُ قَبْلَ طَلَبِهِ بَطَلَتْ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: تَمْتَدُّ مُدَّةً تَسَعُ التَّأَمُّلَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الشِّقْصِ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ مُمْتَدٌّ عَلَى التَّأْبِيدِ مَا لَمْ يُسْقِطْهُ أَوْ يُعَرِّضْ بِإِسْقَاطِهِ .

وَقَدِ اسْتَثْنَى بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ عَشْرَ صُوَرٍ لاَ يُشْتَرَطُ فِيهَا الْفَوْرُ هِيَ:

1)لَوْ شَرَطَ الْخِيَارَ لِلْبَائِعِ أَوْ لَهُمَا فَإِنَّهُ لاَ يُؤْخَذُ بِالشُّفْعَةِ مَا دَامَ الْخِيَارُ بَاقِيًا.

2) إِنَّ لَهُ التَّأْخِيرَ لاِنْتِظَارِ إِدْرَاكِ الزَّرْعِ حَصَادَهُ عَلَى الأْصَحِّ .

3) إِذَا أُخْبِرَ بِالْبَيْعِ عَلَى غَيْرِ مَا وَقَعَ مِنْ زِيَادَةٍ فِي الثَّمَنِ فَتَرَكَ ثُمَّ تَبَيَّنَ خِلاَفُهُ فَحَقُّهُ بَاقٍ.

4) إِذَا كَانَ أَحَدُ الشَّفِيعَيْنِ غَائِبًا فَلِلْحَاضِرِ انْتِظَارُهُ وَتَأْخِيرُ الأْخْذِ  إِلَى حُضُورِهِ.

5) إِذَا اشْتَرَى بِمُؤَجَّلٍ.

 6) لَوْ قَالَ: لَمْ أَعْلَمْ أَنَّ لِي الشُّفْعَةَ وَهُوَ مِمَّنْ - يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ.

7)  لَوْ قَالَ الْعَامِّيُّ. لَمْ أَعْلَمْ أَنَّ الشُّفْعَةَ عَلَى الْفَوْرِ، فَإِنَّ الْمَذْهَبَ هُنَا وَفِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ قَبُولُ قَوْلِهِ.

8)  لَوْ كَانَ الشِّقْصُ الَّذِي يَأْخُذُ بِسَبَبِهِ مَغْصُوبًا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْبُوَيْطِيُّ فَقَالَ: وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ رَجُلٍ شِقْصٌ مِنْ دَارٍ فَغَصَبَ عَلَى نَصِيبِهِ ثُمَّ بَاعَ الآْخَرُ نَصِيبَهُ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ فَلَهُ الشُّفْعَةُ سَاعَةَ رُجُوعِهِ إِلَيْهِ، نَقَلَهُ الْبُلْقِينِيُّ.

9) الشُّفْعَةُ الَّتِي يَأْخُذُهَا الْوَلِيُّ لِلْيَتِيمِ لَيْسَتْ عَلَى الْفَوْرِ، بَلْ حَقُّ الْوَلِيِّ عَلَى التَّرَاخِي قَطْعًا، حَتَّى لَوْ أَخَّرَهَا أَوْ عَفَا عَنْهَا لَمْ يَسْقُطْ لأِجْلِ  الْيَتِيمِ.

10) لَوْ بَلَغَهُ الشِّرَاءُ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ فَأَخَّرَ لِيَعْلَمَ لاَ يَبْطُلُ، قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ .

32 - وَالصَّحِيحُ فِي مَذْهَبِ الْحَنَابِلَةِ - أَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ عَلَى الْفَوْرِ إِنْ طَالَبَ بِهَا سَاعَةَ يَعْلَمُ بِالْبَيْعِ وَإِلاَّ بَطَلَتْ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ، وَحُكِيَ عَنْهُ رِوَايَةٌ ثَانِيَةٌ أَنَّ الشُّفْعَةَ عَلَى التَّرَاخِي لاَ تَسْقُطُ مَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَى مِنْ عَفْوٍ أَوْ مُطَالَبَةٍ بِقِسْمَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ .

وَإِنْ كَانَ لِلشَّفِيعِ عُذْرٌ يَمْنَعُهُ الطَّلَبَ مِثْلُ أَنْ لاَ يَعْلَمَ بِالْبَيْعِ فَأَخَّرَ إِلَى أَنْ عَلِمَ وَطَالَبَ سَاعَةَ عَلِمَ أَوْ عَلِمَ الشَّفِيعُ بِالْبَيْعِ لَيْلاً فَأَخَّرَ الطَّلَبَ إِلَى الصُّبْحِ أَوْ أَخَّرَ الطَّلَبَ لِشِدَّةِ جُوعٍ أَوْ عَطَشٍ حَتَّى يَأْكُلَ وَيَشْرَبَ، أَوْ أَخَّرَ الطَّلَبَ مُحْدِثٌ لِطَهَارَةٍ أَوْ إِغْلاَقِ بَابٍ أَوْ لِيَخْرُجَ مِنَ الْحَمَّامِ أَوْ لِيَقْضِيَ حَاجَتَهُ، أَوْ لِيُؤَذِّنَ وَيُقِيمَ وَيَأْتِيَ بِالصَّلاَةِ بِسُنَنِهَا، أَوْ لِيَشْهَدَهَا فِي جَمَاعَةٍ يَخَافُ فَوْتَهَا وَنَحْوِهِ، كَمَنْ عَلِمَ وَقَدْ ضَاعَ مِنْهُ مَالٌ فَأَخَّرَ الطَّلَبَ يَلْتَمِسُ مَا سَقَطَ مِنْهُ لَمْ تَسْقُطِ الشُّفْعَةُ، لأِنَّ  الْعَادَةَ تَقْدِيمُ هَذِهِ الْحَوَائِجِ وَنَحْوِهَا عَلَى غَيْرِهَا فَلاَ يَكُونُ الاِشْتِغَالُ بِهَا رِضًا بِتَرْكِ الشُّفْعَةِ، كَمَا لَوْ أَمْكَنَهُ أَنْ يُسْرِعَ فِي مَشْيِهِ أَوْ يُحَرِّكَ دَابَّتَهُ فَلَمْ يَفْعَلْ وَمَضَى عَلَى حَسَبِ عَادَتِهِ، وَهَذَا مَا لَمْ يَكُنِ الْمُشْتَرِي حَاضِرًا عِنْدَ الشَّفِيعِ فِي هَذِهِ الأْحْوَالِ، فَتَسْقُطُ بِتَأْخِيرِهِ؛ لأِنَّهُ مَعَ حُضُورِهِ يُمْكِنُهُ مُطَالَبَتُهُ مِنْ غَيْرِ اشْتِغَالٍ عَنْ أَشْغَالِهِ إِلاَّ الصَّلاَةَ فَلاَ تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ بِتَأْخِيرِ الطَّلَبِ لِلصَّلاَةِ وَسُنَنِهَا، وَلَوْ مَعَ حُضُورِ الْمُشْتَرِي عِنْدَ الشَّفِيعِ؛ لأِنَّ  الْعَادَةَ تَأْخِيرُ الْكَلاَمِ عَنِ الصَّلاَةِ، وَلَيْسَ عَلَى الشَّفِيعِ تَخْفِيفُ الصَّلاَةِ - وَلاَ الاِقْتِصَارُ عَلَى أَقَلِّ مَا يُجْزِئُ فِي الصَّلاَةِ .

الإْشْهَادُ  عَلَى طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ:

33 - الإْشْهَادُ  لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ فَلَوْ لَمْ يُشْهِدْ صَحَّ طَلَبُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ، وَإِنَّمَا الإْشْهَادُ  لِلإْظْهَارِ عِنْدَ الْخُصُومَةِ عَلَى تَقْدِيرِ الإْنْكَارِ ؛ لأِنَّ  مِنَ الْجَائِزِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لاَ يُصَدِّقُ الشَّفِيعَ فِي الطَّلَبِ أَوْ لاَ يُصَدِّقُهُ فِي الْفَوْرِ وَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فَيَحْتَاجُ إِلَى الإْظْهَارِ  بِالْبَيِّنَةِ عِنْدَ الْقَاضِي عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ التَّصْدِيقِ، لاَ أَنَّهُ شَرْطُ صِحَّةِ الطَّلَبِ، هَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ. قَالَ الشَّافِعِيَّةُ إِنْ كَانَ لِلشَّفِيعِ عُذْرٌ يَمْنَعُ الْمُطَالَبَةَ، فَلْيُوَكِّلْ فِي الْمُطَالَبَةِ أَوْ يُشْهِدْ عَلَى طَلَبِ الشُّفْعَةِ، فَإِنْ تَرَكَ الْمَقْدُورَ عَلَيْهِ مِنْهَا بَطَلَ حَقُّهُ فِي الأْظْهَرِ  .

وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ بِسَيْرِهِ إِلَى الْمُشْتَرِي فِي طَلَبِهَا بِلاَ إِشْهَادٍ، وَلاَ تَسْقُطُ إِنْ أَخَّرَ طَلَبَهُ بَعْدَ الإْشْهَادِ ، أَيْ إِنَّ الْحَنَابِلَةَ يَشْتَرِطُونَ الإْشْهَادَ  لِصِحَّةِ الطَّلَبِ . وَيَصِحُّ الطَّلَبُ بِكُلِّ لَفْظٍ يُفْهَمُ مِنْهُ طَلَبُ الشُّفْعَةِ كَمَا لَوْ قَالَ: طَلَبْتُ الشُّفْعَةَ أَوْ أَطْلُبُهَا أَوْ أَنَا طَالِبُهَا، لأِنَّ  الاِعْتِبَارَ لِلْمَعْنَى .

 ب - طَلَبُ التَّقْرِيرِ وَالإْشْهَادِ:

34 - هَذِهِ الْمَرْحَلَةُ مِنَ الْمُطَالَبَةِ اخْتَصَّ بِذِكْرِهَا الْحَنَفِيَّةُ فَقَالُوا: يَجِبُ عَلَى الشَّفِيعِ بَعْدَ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ أَنْ يُشْهِدَ وَيَطْلُبَ التَّقْرِيرَ  وَطَلَبُ التَّقْرِيرِ هُوَ أَنْ يُشْهِدَ الشَّفِيعُ عَلَى الْبَائِعِ إِنْ كَانَ الْعَقَارُ الْمَبِيعُ فِي يَدِهِ، أَوْ عَلَى الْمُشْتَرِي وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْعَقَارُ فِي يَدِهِ، أَوْ عِنْدَ الْمَبِيعِ بِأَنَّهُ طَلَبَ وَيَطْلُبُ فِيهِ الشُّفْعَةَ الآْنَ.

وَالشَّفِيعُ مُحْتَاجٌ إِلَى الإْشْهَادِ  لإِثْبَاتِهِ  عِنْدَ الْقَاضِي وَلاَ يُمْكِنُهُ الإْشْهَادُ  ظَاهِرًا عَلَى طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ لأِنَّهُ عَلَى فَوْرِ الْعِلْمِ بِالشِّرَاءِ - عِنْدَ الْبَعْضِ - فَيَحْتَاجُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى طَلَبِ الإْشْهَادِ  وَالتَّقْرِيرِ .

35 - وَلِبَيَانِ كَيْفِيَّتِهِ نَقُولُ: الْمَبِيعُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَالشَّفِيعُ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ طَلَبَ مِنَ الْبَائِعِ، وَإِنْ شَاءَ طَلَبَ مِنَ الْمُشْتَرِي وَإِنْ شَاءَ طَلَبَ عِنْدَ الْمَبِيعِ.

أَمَّا الطَّلَبُ مِنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فَلأِنَّ  كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَصْمٌ، الْبَائِعُ بِالْيَدِ وَالْمُشْتَرِي بِالْمِلْكِ، فَصَحَّ الطَّلَبُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.

وَأَمَّا الطَّلَبُ عِنْدَ الْمَبِيعِ فَلأِنَّ  الْحَقَّ مُتَعَلِّقٌ بِهِ، فَإِنْ سَكَتَ عَنِ الطَّلَبِ مِنْ أَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ وَعِنْدَ الْمَبِيعِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ لأِنَّهُ فَرَّطَ فِي الطَّلَبِ.

وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَإِنْ شَاءَ طَلَبَ مِنَ الْمُشْتَرِي وَإِنْ شَاءَ عِنْدَ الْمَبِيعِ، وَلاَ يَطْلُبُ مِنَ الْبَائِعِ لأِنَّهُ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ خَصْمًا لِزَوَالِ يَدِهِ وَلاَ مِلْكَ لَهُ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الأْجْنَبِيِّ.

هَذَا إِذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الطَّلَبِ مِنَ الْمُشْتَرِي أَوِ الْبَائِعِ أَوْ عِنْدَ الْمَبِيعِ .

وَالإْشْهَادُ  عَلَى طَلَبِ التَّقْرِيرِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّتِهِ وَإِنَّمَا هُوَ لِتَوْثِيقِهِ عَلَى تَقْدِيرِ الإْنْكَارِ  كَمَا فِي طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ. وَتَسْمِيَةُ الْمَبِيعِ وَتَحْدِيدُهُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الطَّلَبِ وَالإْشْهَادِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ شَرْطٌ؛ لأِنَّ  الطَّلَبَ لاَ يَصِحُّ إِلاَّ بَعْدَ الْعِلْمِ وَالْعَقَارُ لاَ يَصِيرُ مَعْلُومًا إِلاَّ بِالتَّحْدِيدِ فَلاَ يَصِحُّ الطَّلَبُ وَالإْشْهَادُ  بِدُونِهِ .

36 - وَاخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ مَشَايِخِ الْحَنَفِيَّةِ فِي أَلْفَاظِ الطَّلَبِ، وَصَحَّحَ الْكَاسَانِيُّ أَنَّهُ لَوْ أَتَى بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى الطَّلَبِ أَيَّ لَفْظٍ كَانَ يَكْفِي، نَحْوُ أَنْ يَقُولَ: ادَّعَيْتُ الشُّفْعَةَ أَوْ سَأَلْتُ الشُّفْعَةَ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى الطَّلَبِ، قَالَ الْكَاسَانِيُّ: لأِنَّ  الْحَاجَةَ إِلَى الطَّلَبِ، وَمَعْنَى الطَّلَبِ يَتَأَدَّى بِكُلِّ لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ بِلَفْظِ الطَّلَبِ أَمْ بِغَيْرِهِ، وَمِنْ صُوَرِ هَذَا الطَّلَبِ مَا ذُكِرَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَنْزِ، وَهِيَ أَنْ يَقُولَ الشَّفِيعُ: إِنَّ فُلاَنًا اشْتَرَى هَذِهِ الدَّارَ وَأَنَا شَفِيعُهَا، وَقَدْ كُنْتُ طَلَبْتُ الشُّفْعَةَ وَأَطْلُبُهَا الآْنَ فَاشْهَدُوا عَلَى ذَلِكَ .

37 - وَأَمَّا حُكْمُ هَذَا الطَّلَبِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فَهُوَ اسْتِقْرَارُ الْحَقِّ، فَالشَّفِيعُ إِذَا أَتَى بِطَلَبَيْنِ صَحِيحَيْنِ (طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ وَطَلَبِ التَّقْرِيرِ) اسْتَقَرَّ الْحَقُّ عَلَى وَجْهٍ لاَ يَبْطُلُ بِتَأْخِيرِ الْمُطَالَبَةِ أَمَامَ الْقَاضِي بِالأْخْذِ  بِالشُّفْعَةِ أَبَدًا حَتَّى يُسْقِطَهَا بِلِسَانِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى قَالَ: إِذَا تَرَكَ الْمُخَاصَمَةَ إِلَى الْقَاضِي فِي زَمَانٍ يَقْدِرُ فِيهِ عَلَى الْمُخَاصَمَةِ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ، وَلَمْ يُؤَقِّتْ فِيهِ وَقْتًا، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَدَّرَهُ بِمَا يَرَاهُ الْقَاضِي، وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ، إِذَا مَضَى شَهْرٌ بَعْدَ الطَّلَبِ وَلَمْ يَطْلُبْ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا وَبِهِ أَخَذَتِ الْمَجَلَّةُ . وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ: أَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ ثَبَتَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنِ الشَّفِيعِ وَلاَ يَجُوزُ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنِ الإْنْسَانِ  عَلَى وَجْهٍ يَتَضَمَّنُ الإْضْرَارَ  بِغَيْرِهِ، وَفِي إِبْقَاءِ هَذَا الْحَقِّ بَعْدَ تَأْخِيرِ الْخُصُومَةِ أَبَدًا إِضْرَارٌ بِالْمُشْتَرِي؛ لأِنَّهُ لاَ يَبْنِي وَلاَ يَغْرِسُ خَوْفًا مِنَ النَّقْضِ وَالْقَلْعِ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ، فَلاَ بُدَّ مِنَ التَّقْدِيرِ بِزَمَانٍ، وَقُدِّرَ بِالشَّهْرِ لأِنَّهُ أَدْنَى الآْجَالِ، فَإِذَا مَضَى شَهْرٌ وَلَمْ يَطْلُبْ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَقَدْ فَرَّطَ فِي الطَّلَبِ فَتَبْطُلُ شُفْعَتُهُ.

وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، أَنَّ الْحَقَّ لِلشَّفِيعِ قَدْ ثَبَتَ بِالطَّلَبَيْنِ وَالأْصْلُ  أَنَّ الْحَقَّ مَتَى ثَبَتَ لإِنْسَانٍ لاَ يَبْطُلُ إِلاَّ بِإِبْطَالِهِ وَلَمْ يُوجَدْ لأِنَّ  تَأْخِيرَ الْمُطَالَبَةِ مِنْهُ لاَ يَكُونُ إِبْطَالاً، كَتَأْخِيرِ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ وَسَائِرِ الدُّيُونِ .

ج - طَلَبُ الْخُصُومَةِ وَالتَّمَلُّكِ:

38 - طَلَبُ الْخُصُومَةِ وَالتَّمَلُّكِ هُوَ طَلَبُ الْمُخَاصَمَةِ عِنْدَ الْقَاضِي، فَيَلْزَمُ أَنْ يَطْلُبَ الشَّفِيعُ وَيُدْعَى فِي حُضُورِ الْحَاكِمِ بَعْدَ طَلَبِ التَّقْرِيرِ وَالإْشْهَادِ.

وَلاَ تَسْقُطُ الشُّفْعَةُ بِتَأْخِيرِ هَذَا الطَّلَبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ إِنْ تَرَكَهَا شَهْرًا بَعْدَ الإْشْهَادِ  بَطَلَتْ.

وَلاَ فَرْقَ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي بَيْنَ الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ قَاضٍ لاَ تَبْطُلُ شُفْعَتُهُ بِالتَّأْخِيرِ بِالاِتِّفَاقِ. لأِنَّهُ لاَ يَتَمَكَّنُ مِنَ الْخُصُومَةِ إِلاَّ عِنْدَ الْقَاضِي فَكَانَ عُذْرًا.

وَإِذَا تَقَدَّمَ الشَّفِيعُ إِلَى الْقَاضِي فَادَّعَى الشِّرَاءَ وَطَلَبَ الشُّفْعَةَ سَأَلَهُ الْقَاضِي فَإِنِ اعْتَرَفَ بِمِلْكِهِ الَّذِي يَشْفَعُ بِهِ، وَإِلاَّ كَلَّفَهُ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ؛ لأِنَّ  الْيَدَ ظَاهِرٌ مُحْتَمَلٌ فَلاَ تَكْفِي لإِثْبَاتِ  الاِسْتِحْقَاقِ .

فَإِنْ عَجَزَ عَنِ الْبَيِّنَةِ اسْتَحْلَفَ الْمُشْتَرِيَ بِاللَّهِ مَا يَعْلَمُ أَنَّ الْمُدَّعِيَ مَالِكٌ لِلَّذِي ذَكَرَهُ مِمَّا يَشْفَعُ بِهِ، فَإِنْ نَكَلَ أَوْ قَامَتْ لِلشَّفِيعِ بَيِّنَةٌ ثَبَتَ حَقُّهُ فِي الْمُطَالَبَةِ، فَبَعْدَ ذَلِكَ يَسْأَلُ الْقَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَلِ ابْتَاعَ أَمْ لاَ؟ فَإِنْ أَنْكَرَ الاِبْتِيَاعَ قِيلَ لِلشَّفِيعِ: أَقِمِ الْبَيِّنَةَ لأِنَّ  الشُّفْعَةَ لاَ تَجِبُ إِلاَّ بَعْدَ ثُبُوتِ الْبَيْعِ وَثُبُوتُهُ بِالْحُجَّةِ - فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا اسْتَحْلَفَ الْمُشْتَرِيَ بِاللَّهِ مَا ابْتَاعَ أَوْ بِاللَّهِ مَا اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الدَّارِ شُفْعَةً مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ.

وَلاَ يَلْزَمُ الشَّفِيعَ إِحْضَارُ الثَّمَنِ وَقْتَ الدَّعْوَى بَلْ بَعْدَ الْقَضَاءِ، فَيَجُوزُ لَهُ الْمُنَازَعَةُ وَإِنْ لَمْ يُحْضِرِ الثَّمَنَ إِلَى مَجْلِسِ الْقَضَاءِ .

طَرِيقُ التَّمَلُّكِ بِالشُّفْعَةِ:

44 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي كَيْفِيَّةِ التَّمَلُّكِ بِالشُّفْعَةِ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلشَّفِيعِ إِلاَّ بِتَسْلِيمِ الْمُشْتَرِي بِالتَّرَاضِي، أَوْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي.

أَمَّا التَّمَلُّكُ بِالتَّسْلِيمِ مِنَ الْمُشْتَرِي فَظَاهِرٌ؛ لأِنَّ  الأْخْذَ  بِتَسْلِيمِ الْمُشْتَرِي بِرِضَاهُ بِبَدَلٍ يَبْذُلُهُ الشَّفِيعُ وَهُوَ الثَّمَنُ يُفَسِّرُ الشِّرَاءَ وَالشِّرَاءُ تَمَلُّكٌ.

وَأَمَّا قَضَاءُ الْقَاضِي فَلأِنَّهُ نَقْلٌ لِلْمِلْكِ عَنْ مَالِكِهِ إِلَى غَيْرِهِ قَهْرًا، فَافْتَقَرَ إِلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ كَأَخْذِ دَيْنِهِ. وَإِذَا قَضَى الْقَاضِي بِالشُّفْعَةِ وَكَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْبَائِعِ، فَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِ الْحَنَفِيَّةِ: الْبَيْعُ لاَ يُنْتَقَضُ بَلْ تَتَحَوَّلُ الصَّفْقَةُ إِلَى الشَّفِيعِ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُنْتَقَضُ الْبَيْعُ الَّذِي جَرَى بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَيَنْعَقِدُ لِلشَّفِيعِ بَيْعٌ آخَرُ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَوَجْهُ مَنْ قَالَ بِالتَّحَوُّلِ، أَنَّ الْبَيْعَ لَوِ انْتَقَضَ لِتَعَذُّرِ الأْخْذِ  بِالشُّفْعَةِ؛ لأِنَّ  الْبَيْعَ مِنْ شَرَائِطِ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ فَإِذَا انْتُقِضَ لَمْ يَجِبْ فَتَعَذَّرَ الأْخْذُ .

وَوَجْهُ مَنْ قَالَ إِنَّهُ يُنْتَقَضُ، نَصَّ كَلاَمِ مُحَمَّدٍ حَيْثُ قَالَ: انْتُقِضَ الْبَيْعُ فِيمَا بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَهَذَا نَصٌّ فِي الْبَابِ.

وَمِنَ الْمَعْقُولِ أَنَّ الْقَاضِيَ إِذَا قَضَى بِالشُّفْعَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَقَدْ عَجَزَ الْمُشْتَرِي عَنْ قَبْضِ الْمَبِيعِ وَالْعَجْزُ عَنْ قَبْضِهِ يُوجِبُ بُطْلاَنَ الْبَيْعِ لِخُلُوِّهِ عَنِ الْفَائِدَةِ، كَمَا إِذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ.

 وَلأِنَّ  الْمِلْكَ قَبْلَ الأْخْذِ  بِالشُّفْعَةِ لِلْمُشْتَرِي لِوُجُودِ آثَارِ الْمِلْكِ فِي حَقِّهِ وَلَوْ تَحَوَّلَ الْمِلْكُ إِلَى الشَّفِيعِ لَمْ يَثْبُتِ الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي .

45 - وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي أَخَذَهُ مِنْهُ وَدَفَعَ الثَّمَنَ إِلَى الْمُشْتَرِي، وَالْبَيْعُ الأْوَّلُ صَحِيحٌ؛ لأِنَّ  اسْتِحْقَاقَ التَّمَلُّكِ وَقَعَ عَلَى الْمُشْتَرِي فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ.

ثُمَّ إِذَا أَخَذَ الدَّارَ مِنْ يَدِ الْبَائِعِ يَدْفَعُ الثَّمَنَ إِلَى الْبَائِعِ وَكَانَتِ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ، وَيَسْتَرِدُّ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ مِنَ الْبَائِعِ إِنْ كَانَ قَدْ نَقَدَ.

وَإِنْ أَخَذَهَا مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي دَفَعَ الثَّمَنَ إِلَى الْمُشْتَرِي، وَكَانَتِ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ؛ لأِنَّ  الْعُهْدَةَ هِيَ مِنَ الرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ عِنْدَ الاِسْتِحْقَاقِ فَيَكُونُ عَلَى مَنْ قَبَضَهُ.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إِذَا كَانَ نَقَدَ الثَّمَنَ وَلَمْ يَقْبِضِ الدَّارَ حَتَّى قُضِيَ لِلشَّفِيعِ بِمَحْضَرٍ مِنْهُمَا أَنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُ الدَّارَ مِنَ الْبَائِعِ وَيَنْقُدُ الثَّمَنَ لِلْمُشْتَرِي وَالْعُهْدَةُ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَنْقُدْ دَفَعَ الشَّفِيعُ الثَّمَنَ إِلَى الْبَائِعِ، وَالْعُهْدَةُ عَلَى الْبَائِعِ .

46 - وَشَرْطُ جَوَازِ الْقَضَاءِ بِالشُّفْعَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: حُضُورُ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ؛ لأِنَّ  الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ لاَ يَجُوزُ، فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَلاَ بُدَّ مِنْ حُضُورِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي جَمِيعًا؛ لأِنَّ  كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَصْمٌ، أَمَّا الْبَائِعُ فَبِالْيَدِ، وَأَمَّا الْمُشْتَرِي فَبِالْمِلْكِ فَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَقْضِيًّا عَلَيْهِ فَيُشْتَرَطُ حُضُورُهُمَا لِئَلاَّ يَكُونَ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ عَنْهُ خَصْمٌ حَاضِرٌ.

وَأَمَّا إِنْ كَانَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَحُضُورُ الْبَائِعِ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَيُكْتَفَى بِحُضُورِ الْمُشْتَرِي لأِنَّ  الْبَائِعَ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ خَصْمًا لِزَوَالِ مِلْكِهِ وَيَدِهِ عَنِ الْمَبِيعِ فَصَارَ كَالأْجْنَبِيِّ، وَكَذَا حُضُورُ الشَّفِيعِ أَوْ وَكِيلِهِ شَرْطُ جَوَازِ الْقَضَاءِ لَهُ بِالشُّفْعَةِ، لأِنَّ  الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ كَمَا لاَ يَجُوزُ، فَالْقَضَاءُ لِلْغَائِبِ لاَ يَجُوزُ أَيْضًا، ثُمَّ الْقَاضِي إِذَا قَضَى بِالشُّفْعَةِ يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلشَّفِيعِ وَلاَ يَقِفُ ثُبُوتُ الْمِلْكِ لَهُ عَلَى التَّسْلِيمِ؛ لأِنَّ  الْمِلْكَ لِلشَّفِيعِ يَثْبُتُ بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ، وَالشِّرَاءُ الصَّحِيحُ يُوجِبُ الْمِلْكَ بِنَفْسِهِ .

47 - وَوَقْتُ الْقَضَاءِ بِالشُّفْعَةِ، هُوَ وَقْتُ الْمُنَازَعَةِ وَالْمُطَالَبَةِ بِهَا فَإِذَا طَالَبَهُ بِهَا الشَّفِيعُ يَقْضِي لَهُ الْقَاضِي بِالشُّفْعَةِ، سَوَاءٌ أَحْضَرَ الثَّمَنَ أَمْ لاَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَحْبِسَ الدَّارَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ مِنَ الشَّفِيعِ وَلِلْبَائِعِ حَقُّ حَبْسِ الْمَبِيعِ لاِسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ، فَإِنْ أَبَى أَنْ يَنْقُدَ حَبَسَهُ الْقَاضِي؛ لأِنَّهُ ظَهَرَ ظُلْمُهُ بِالاِمْتِنَاعِ مِنْ إِيفَاءِ حَقٍّ وَاجِبٍ عَلَيْهِ، فَيَحْبِسُهُ وَلاَ يَنْقُضُ الشُّفْعَةَ، وَإِنْ طَلَبَ أَجَلاً أَجَّلَهُ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً؛ لأِنَّهُ لاَ يُمْكِنُهُ النَّقْدُ لِلْحَالِ فَيَحْتَاجُ إِلَى مُدَّةٍ يَتَمَكَّنُ فِيهَا مِنَ النَّقْدِ فَيُمْهِلُهُ وَلاَ يَحْبِسُهُ، فَإِنْ مَضَى الأْجَلُ  وَلَمْ يَنْقُدْ حَبَسَهُ.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لاَ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِالشُّفْعَةِ حَتَّى يُحْضِرَ الشَّفِيعُ الْمَالَ، فَإِنْ طَلَبَ أَجَلاً أَجَّلَهُ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَلَمْ يَقْضِ لَهُ بِالشُّفْعَةِ، فَإِنْ قَضَى بِالشُّفْعَةِ ثُمَّ أَبَى الشَّفِيعُ أَنْ يَنْقُدَ حَبَسَهُ .

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الشَّفِيعَ يَمْلِكُ الشِّقْصَ بِأَحَدِ أُمُورٍ ثَلاَثَةٍ:

أ - حُكْمُ الْحَاكِمِ لَهُ.

ب - دَفْعُ ثَمَنٍ مِنَ الشَّفِيعِ لِلْمُشْتَرِي.

ج - الإْشْهَادُ  بِالأْخْذِ  وَلَوْ فِي غَيْبَةِ الْمُشْتَرِي، وَقِيلَ لاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ بِحُضُورِهِ .

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لاَ يُشْتَرَطُ فِي التَّمَلُّكِ بِالشُّفْعَةِ حُكْمُ الْحَاكِمِ، وَلاَ إِحْضَارُ الثَّمَنِ، وَلاَ حُضُورُ الْمُشْتَرِي وَلاَ رِضَاهُ، وَلاَ بُدَّ مِنْ جِهَةِ الشَّفِيعِ مِنْ لَفْظٍ، كَقَوْلِهِ: تَمَلَّكْتُ، أَوِ اخْتَرْتُ الأْخْذَ  بِالشُّفْعَةِ، أَوْ أَخَذْتُهُ بِالشُّفْعَةِ، وَمَا أَشْبَهَهُ. وَإِلاَّ، فَهُوَ مِنْ بَابِ الْمُعَاطَاةِ. وَلَوْ قَالَ. أَنَا مُطَالِبٌ بِالشُّفْعَةِ، لَمْ يَحْصُلْ بِهِ التَّمَلُّكُ عَلَى الأْصَحِّ ، وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي. وَلِذَلِكَ قَالُوا: يُعْتَبَرُ فِي التَّمَلُّكِ بِهَا، أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مَعْلُومًا لِلشَّفِيعِ، وَلَمْ يَشْتَرِطُوا ذَلِكَ فِي الطَّلَبِ. ثُمَّ لاَ يَمْلِكُ الشَّفِيعُ بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ، بَلْ يُعْتَبَرُ مَعَهُ أَحَدُ أُمُورٍ.

الأْوَّلُ: أَنْ يُسَلِّمَ الْعِوَضَ إِلَى الْمُشْتَرِي، فَيَمْلِكَ بِهِ إِنِ اسْتَلَمَهُ، وَإِلاَّ فَيُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، أَوْ يَرْفَعَ الأْمْرَ  إِلَى الْقَاضِي حَتَّى يُلْزِمَهُ التَّسْلِيمَ. قَالَ النَّوَوِيُّ: أَوْ يَقْبِضُ عَنْهُ الْقَاضِي.

الثَّانِي: أَنْ يُسَلِّمَ الْمُشْتَرِي الشِّقْصَ وَيَرْضَى بِكَوْنِ الثَّمَنِ فِي ذِمَّةِ الشَّفِيعِ، إِلاَّ أَنْ يَبِيعَ، وَلَوْ رَضِيَ بِكَوْنِ الثَّمَنِ فِي ذِمَّتِهِ، وَلَمْ يُسَلِّمِ الشِّقْصَ، فَوَجْهَانِ.

أَحَدُهُمَا: لاَ يَحْصُلُ الْمِلْكُ؛ لأِنَّ  قَوْلَ الْمُشْتَرِي وَعْدٌ. وَأَصَحُّهُمَا: الْحُصُولُ؛ لأِنَّهُ مُعَاوَضَةٌ، وَالْمِلْكُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ لاَ يَقِفُ عَلَى الْقَبْضِ.

الثَّالِثُ: أَنْ يَحْضُرَ مَجْلِسَ الْقَاضِي وَيُثْبِتَ حَقَّهُ بِالشُّفْعَةِ، وَيَخْتَارَ التَّمَلُّكَ، فَيَقْضِيَ الْقَاضِي لَهُ بِالشُّفْعَةِ، فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: لاَ يَحْصُلُ الْمِلْكُ حَتَّى يَقْبِضَ عِوَضَهُ، أَوْ يَرْضَى بِتَأَخُّرِهِ، وَأَصَحُّهُمَا: الْحُصُولُ.

وَإِذَا مَلَكَ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ بِغَيْرِ الطَّرِيقِ الأْوَّلِ ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتَسَلَّمَهُ حَتَّى يُؤَدِّيَ الثَّمَنَ، وَأَنْ يُسَلِّمَهُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَدَاءِ الثَّمَنِ وَلاَ يَلْزَمُهُ أَنْ يُؤَخِّرَ حَقَّهُ بِتَأْخِيرِ الْبَائِعِ حَقَّهُ. وَإِذَا لَمْ يَكُنِ الثَّمَنُ حَاضِرًا وَقْتَ التَّمَلُّكِ، أُمْهِلَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ. فَإِنِ انْقَضَتْ وَلَمْ يُحْضِرْهُ فَسَخَ الْحَاكِمُ تَمَلُّكَهُ، هَكَذَا قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ وَالْجُمْهُورُ. وَقِيلَ: إِذَا قَصَّرَ فِي الأْدَاءِ، بَطَلَ حَقُّهُ. وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ، رُفِعَ الأْمْرُ  إِلَى الْحَاكِمِ وَفَسَخَ مِنْهُ .

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الشَّفِيعَ يَمْلِكُ الشِّقْصَ بِأَخْذِهِ بِكُلِّ لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى أَخْذِهِ، بِأَنْ يَقُولَ قَدْ أَخَذْتُهُ بِالثَّمَنِ أَوْ تَمَلَّكْتُهُ بِالثَّمَنِ أَوِ اخْتَرْتُ الأْخْذَ  بِالشُّفْعَةِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ إِذَا كَانَ الثَّمَنُ وَالشِّقْصُ مَعْلُومَيْنِ، وَلاَ يَفْتَقِرُ إِلَى حُكْمِ حَاكِمٍ.

وَقَالَ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ: يَمْلِكُهُ بِالْمُطَالَبَةِ؛ لأِنَّ  الْبَيْعَ السَّابِقَ سَبَبٌ، فَإِذَا انْضَمَّتْ إِلَيْهِ الْمُطَالَبَةُ كَانَ كَالإْيجَابِ فِي الْبَيْعِ انْضَمَّ إِلَيْهِ الْقَبُولُ.

وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ ثَبَتَ بِالنَّصِّ وَالإْجْمَاعِ  فَلَمْ يَفْتَقِرْ إِلَى حُكْمِ حَاكِمٍ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ.

وَعَلَى هَذَا فَإِنَّهُ إِذَا قَالَ قَدْ أَخَذْتُ الشِّقْصَ بِالثَّمَنِ الَّذِي تَمَّ عَلَيْهِ الْعَقْدُ، وَهُوَ عَالِمٌ بِقَدْرِهِ وَبِالْمَبِيعِ صَحَّ الأْخْذُ ، وَمَلَكَ الشِّقْصَ وَلاَ خِيَارَ لِلشَّفِيعِ وَلاَ لِلْمُشْتَرِي؛ لأِنَّ  الشِّقْصَ يُؤْخَذُ قَهْرًا وَالْمَقْهُورُ لاَ خِيَارَ لَهُ. وَالآْخِذُ قَهْرًا لاَ خِيَارَ لَهُ أَيْضًا.

وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ أَوِ الشِّقْصُ مَجْهُولاً لَمْ يَمْلِكْهُ بِذَلِكَ؛ لأِنَّهُ بَيْعٌ فِي الْحَقِيقَةِ، فَيُعْتَبَرُ الْعِلْمُ بِالْعِوَضَيْنِ كَسَائِرِ الْبُيُوعِ، وَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالشُّفْعَةِ، ثُمَّ يَتَعَرَّفُ مِقْدَارَ الثَّمَنِ مِنَ الْمُشْتَرِي أَوْ مِنْ غَيْرِهِ وَالْمَبِيعِ فَيَأْخُذُهُ بِثَمَنِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ لَهُ الأْخْذَ  مَعَ جَهَالَةِ الشِّقْصِ بِنَاءً عَلَى بَيْعِ الْغَائِبِ .

_________________________________________________________________

الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ التاسع  المجلد/ الاول

موقف الفقه الإسلامى من المسألة : ليس هناك اتفاق فى الفقه الإسلامى على أن حكم الشفعة منشئ لحق الشفيع ، لا فى المذهب الحنفى ولا فى المذاهب الأخرى .

ففى المذهب الحنفى ، عند أبى حنيفة ، إذا أتى الشفيع بطلب المواثبة وبطلب الإشهاد والتقرير صحيحين ، استقر حقه على وجه لا يبطل بتأخير طلب الخصومة حتى يسقطها بلسانه . وهذه هى أيضًا إحدى الروايتين عن أبى يوسف ، وهو ظاهر المذهب ، وعليه الفتوى ، كذا فى الهداية(  ) . ووجه قول أبى حنيفة أن الحق للشفيع قد ثبت بالطلبين ، والأصل أن الحق متى ثبت لإنسان لا يبطل إلا بإبطال ولم يوجد ، لأن تأخير طلب الخصومة لا يكون إبطالاً ، كتأخير استيفاء القصاص وسائر الديون(  ) . وذكر الكرخى أن الاقضى إذا قضى بالشفعة ينتقض البيع الذى كان بين البائع والمشترى فى المشهور من قولهم . وروى عن أبى يوسف أنه لا ينتقض . واختلف المشايخ فيه . قال بعضهم البيع لا ينتقض . بل تتحول الصفقة إلى الشفيع . وقال بعضهم ينتقض البيع الذى جرى بين البائع والمشترى وهذا قول محمد ، وينعقد للشفيع بيع آخر ، كأنه كان من البائع إيجابان ، أحدهما مع المشترى والآخر مع الشفيع . فإذا قضى القاضى بالشفعة فقد قبل الشفيع الإيجاب الذى أضيف إليه ، وانتقض ما أضيف إلى المشترى ، سواء قبل المشترى الإيجاب المضاف إليه أو لم يقبل . ووجه قول من قال بالتحول لا بالانتقاض أن البيع لو انتقض تعذر الأخذ بالشفعة ، لأنه من شرائط وجوب الشفعة ، فإذا انتقض لم تجب ، فتعذر الأخذ . ووجه قول من قال بالانتقاض لا بالتحول أن للشفيع أن يرد الدار على من أخذها منه بخيار الرؤية ، وإذا رد عليه لا يعود شراء المشترى . ولو تحولت الصفقة إلى الشفيع لعاد شراء المشترى ، لأن التحول كان لضرورة مراعاة حق الشفيع ، ولما رد فقد زالت الضرورة ، فينبغى أن يعود الشراء . ولأنها لو تحولت لصار المشترى وكيلاً للشفيع ، لأن عقده يقع له ، ولو كان كذلك لما ثبت للشفيع خيار الرؤية إذا كان المشترى قد رآها قبل ذلك ورضى بها ، لأن خيار الرؤية يبطل برؤية الوكيل ورضاه . وكذلك لو كان الشراء بثمن مؤجل ، فأراد الشفيع أن يأخذها للحال ، يأخذ بثمن حال ، ولو تحولت الصفقة إليه لأخذها بثمن مؤجل . وكذا لو اشتراها على أن البائع برئ من كل عيب بها عند البيع ، ثم أخذها الشفيع فوجد بها عيبًا ، فله أن يردها على من أخذها منه . ولو تحولت تلك الصفقة إلى الشفيع ، لما ثبت له حق الرد ، كما لم ثبت للمشترى . فدلت هذه المسائل على أن شراء المشترى ينتقض ، ويأخذها الشفيع بشراء مبتدأ بعد إيجاب مبتدأ مضاف إليه . وقد خرج الجواب عن قولهم إن البيع لو انتقض لتعذر الأخذ بالشفعة ، لأنه لا يأخذ بذلك العقد لانتقاضه ، بل بعقد مبتدأ بين البائع والشفيع على ما سبق تقريره(  ) . أما إذا كان المبيع فى يد المشترى ، فأخذه الشفيع منه ودفع الثمن إليه ، فالبيع الأول صحيح ، لأن التملك وقع على المشترى ، فيجعل كأنه اشترى منه(  ) .

 وفى المذاهب الأخرى غير مذهب الحنفية ، ذهب مالك إلى أن الشفيع يتملك المشفوع فيه بقوله أخذته بالشفعة وما فى معناه ، دون اشتراط قضاء من القاضى أو رضاء من المشترى متى كان عالمًا بالثمن . لأن ذلك يعتبر قبولاً لبيع البائع ، وكأن إيجابه وجه إليه عند حصوله . وقال أحمد يملكه بذلك الطلب ، وإن لم يعلم الثمن . وقال الشافعى يملكه به ، بشرط أن يدفع الثمن إلى المشترى . وجه قولهم أن الشارع جعل الشفيع أحق بالمبيع من المشترى رضى بذلك أو أبى ، فلا يتوقف تملك الشفيع المبيع على رضاه ، ولم يرد عن الشارع أنه اشترط لتملكه قضاء القاضى(  ) .

ويخلص من كل ذلك أن الحنفية فى أكثر أقوالهم يذهبون إلى أن الشفيع يملك المشفوع فيه من وقت رضاء المشترى أو من وقت قضاء القاضى ، فيكون حكم الشفعة منشئًا لحق الشفيع . ولكن أبا حنيفة يذهب إلى أن الشفيع يستقر حقه بطلب المواثبة وطلب الإشهاد والتقرير ، دون حاجة إلى قضاء القاضى ، وهذه هى إحدى الروايتين عن أبى يوسف . فلا يكون قضاء القاضى إذن فى هذا القول ضروريًا لاستقرار حق الشفيع ، ومن ثم لا يكون حكم الشفعة هو الذى ينشئ حق الشفيع . وفى المذاهب الثلاثة الأخرى لا يتوقف تملك الشفيع للعقار المشفوع فيه ، ومن ثم لا يكون حكم الشفعة منشئًا لحق الشفيع .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مجلة الأحكام العدلية

مادة (1036) التسليم

يكون الشفيع مالكاً للمشفوع بتسليمه بالتراضي مع المشتري أو بحكم الحاكم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كتاب مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان فى المعاملات الشرعية على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان لمؤلفه المغفور له  (محمد قدرى باشا) (الطبعة الثانية) بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصرالمحمية سنة1308هجرية  1891 افرنجيه

(مادة 125)
لا يثبت الملك للشفيع في البيع إلا بقضاء القاضي أو بأخذ من المشتري بالتراضي.