مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء السادس ، الصفحة : 483
مذكرة المشروع التمهيدي :
1- إذا ثبتت الحيازة تكون قرينة على الملكية، فيفرض أن الحائز مالك حتى يقيم المدعي الدليل على العكس، لذلك كان الحائز مدعى عليه دائماً في دعاوى الملكية، مع أن الحيازة نفسها قد تكون محل شك في ثبوتها، لذلك يقتضى الأمر إيجاد قرينة أخرى هي الحيازة المادية، التي توافرت شروطها من هدوء واستمرار وظهور ووضوح، فمن أثبت أن عنده هذه الحيازة المادية، تمسك بذلك قرينة على الحيازة القانونية، وعلى من ينازعه أن يثبت أنه هو الحائز وأن الحيازة المادية هذه إنما كانت لحسابه مثلاً، أو كانت غير مقترنة بالعنصر المعنوي، ويتبين من ذلك أن من يستطيع إثبات الحيازة المادية لنفسه له أن يتخذ منها قرينة على الحيازة القانونية ثم يتخذ من هذه قرينة على الملكية ذاتها، وفي هذا تيسير کبير لإثبات الملكية.
2 - ويلاحظ أن الحيازة إنما تكون قرينة على الملكية، إذا لم تكن هناك علاقة استخلاف بين مدعي الملكية والحائز، أما إذا كان هذا خلفاً لذلك، فلا يجوز أن يحتج الخلف على السلف إلا بالاتفاق الذي انتقلت بمقتضاه الحيازة، فالمستأجر مثلاً لا يستطيع أن يتخذ من الحيازة المادية قبل المؤجر، قرينة على الحيازة القانونية ثم من هذه قرينة على الملكية، بل إن عقد الإيجار هو الذي يحدد العلاقة فيما بين المؤجر والمستأجر بالنسبة للحيازة، فيكون المستأجر بناء على هذا العقد حائزاً لا لحق الملكية بل لحق شخصي هو حقه كمستأجر .
1- الحيازة المادية قرينة على الحيازة القانونية ما لم يثبت خصم الحائز عكس ذلك .
(الطعن رقم 489 لسنة 52 جلسة 1983/01/06 س 34 ع 1 ص 130 ق 37)
2- يشترط فى التقادم المكسب - وفقا لما تقضى به المادتان 968 و 969 من القانون المدنى - أن تتوافر لدى الحائز الحيازة بعنصريها حتى تكون حيازة قانونية صحيحة ومن ثم فإن وضع اليد لا ينهض بمجرده سببا للتمالك ولا يصلح أساسا للتقادم إلا إذا كان مقروناً بنية التملك و كان مستمراً هادئاً ظاهراً غير غامض .
(الطعن رقم 305 لسنة 35 جلسة 1969/06/10 س 20 ع 2 ص 903 ق 143)
الحيازة المادية قرينة على الحيازة القانونية :
أقام المشرع من الحيازة قرينة على الملكية، فيعتبر الحائز مالكاً حتى يثبت ما يخالف ذلك، كما أقام المشرع بموجب المادة 963 قرينة أخرى، بمثابة الخطة الأولى في إثبات الملكية، بمقتضاها أن من له الحيازة المادية على العقار الخالية من عيوب الخفاء والغموض والإكراه وعدم الاستمرار تكون قرينة على توافر العنصر المعنوي أي نية التملك وبذلك تعتبر الحيازة المادية قرينة على توفر الحيازة القانونية بعنصريها المادي والمعنوي، ويكون لمن يدعي الحيازة المادية أن يثبتها بكافة طرق الاثبات بما في ذلك البينة كما يثبت خلوها من العيوب، وهذه القرينة قابلة لإثبات العكس فيثبت مدعي الملكية انتفاء العنصر المعنوي أو أن الحيازة كانت على سبيل التسامح فينتفي القصد ويشترط لقيام هذه القرينة ألا يكون الحائز خلفاً المدعي الملكية إذ يحكم العلاقة في هذه الحالة العقد المبرم بينهما، فالمستأجر حيازته عارضة ينوب فيها عن المؤجر ومن ثم ليس له الإدعاء بالحيازة القانونية.(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الثالث عشر الصفحة/ 690)
تنص المادة 963 مدنى على ما يأتي :
" إذا تنازع أشخاص متعددون على حيازة حق واحد ، اعتبر بصفة مؤقتة أن حائزة هو من له الحيازة المادية ، إلا إذا ظهر أنه قد حصل على هذه الحيازة بطريقة معينـة " .
ويخلص من هذا النص أن الحيازة، وهى تتكون من عنصرين عنصر الحيازة المادية وعنصر القصد، يكفى فى إثباتها مبدئياً العنصر الأول وهو عنصر الحيازة المادية، ولما كانت الحيازة المادية هى واقعة مادية، فإنه يجوز لمن يتمسك بأنه حائز لحق معين أن يثبت هذه الحيازة بجميع طرق الإثبات، ويدخل فى ذلك البينة، فيجوز للقاضى أن يحيل الدعوى على التحقيق، ليثبت من يدعي الحيازة حيازته بالبينة، ويجوز أيضاً أن يقبل القاضي طريقاً آخر للإثبات غير البنية، فيستخلص من وقائع الدعوى والأوراق والمعاينة ثبوت الحيازة المادية أو عدم ثبوتها، وعلى مدعى الحيازة أن يثبت أيضاً خلوها من العيوب، وأنها حيازة مستمرة علنية هادئة غير غامضة فإذا ظهر أنها حيازة معيبة، كأن ثبت أن الحائز قد حصل عليها بالإكراه أو فى خفاء، فإنها لا تصلح أن تكون قرينة على وجود الحيازة القانونية.
أما إذا أثبت الحائز الحيازة المادية على الوجه المتقدم الذكر ، قامت هذه الحيازة وحدها قرينة على وجود الحيازة القانونية كاملة، أي الحيازة مقترنة بعنصر القصد، فعنصر القصد، أي أن الحائز يحوز لحساب نفسه لا لحساب غيره، هو إذن يفترض بثبوت الحيازة المادية، ولكن هذه القرينة القانونية قابلة لإثبات العكس، فيجوز للخصم الآخر أن يدحضها بأن يثبت أن عنصر القصد غير موجود، وأن الحائز بالرغم من ثبوت الحيازة المادية لديه إنما يحوز لحساب غيره لا لحساب نفسه، كذلك يجوز للخصم أن يثبت أن الحائز إنما تقوم حيازته على عمل من أعمال التسامح، فينتفي بذلك عنصر القصد.(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ التاسع المجلد/ الثاني الصفحة/ 1305)
تعالج هذه المادة حالة تنازع أشخاص متعددين على حيازة حق واحد، كحيازة حق انتفاع أو سکني دار معينة، وجعلت من الحيازة المادية قرينة على الحيازة القانونية، فمن يحوز منهم الحق افترض أنه يحوزه لحسابه ولنفسه، وبعبارة أخرى فإن الركن المعنوي في الحيازة مفترض بمجرد وجود الركن المادي، فما على الحائز إلا أن يثبت أنه حائز للحق حيازة مادية، ومتى أثبت هذا قامت الحيازة المادية قرينة على العنصر المعنوي، وعلى من ينازعه أن يثبت أنه هو الحائز وأن الحيازة المادية هذه إنما كانت لحسابه مثلاً، أو كانت غير مقترنة بالعنصر المعنوي.
والمقصود بالحيازة المادية، تلك التي استوفت شروطها القانونية من هدوء وظهور ووضوح.
وواضح من المادة أن الحائز المادي يكون حائزاً للحق بصفة مؤقتة حتى يبت في أمر الحيازة.(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الثالث عشر الصفحة/ 614 )
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثامن عشر ، الصفحة / 278
أَنْوَاعُ الْحِيَازَةِ:
7 - الْحِيَازَةُ تَكُونُ بِنَوْعٍ مِنَ الأْنْوَاعِ الآْتِيَةِ:
(أ) فِي الْعَقَارِ: السُّكْنَى، الاِزْدِرَاعُ وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَفِي الْمَنْقُولِ: الرُّكُوبُ فِي الدَّوَابِّ. اللُّبْسُ فِي الثِّيَابِ. الاِنْتِفَاعُ فِي الأْوَانِي وَنَحْوُ ذَلِكَ.
(ب) النَّوْعُ الْمُتَوَسِّطُ فِي الْعَقَارِ: الْهَدْمُ وَالْبِنَاءُ فِيمَا لاَ يُحْتَاجُ إِلَيْهِ لِبَقَاءِ الأْصْلِ، وَالْغَرْسُ لِلأْشْجَارِ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَفِي الْمَنْقُولِ الاِسْتِغْلاَلُ وَهُوَ إِيجَارُ الدَّوَابِّ، وَالثِّيَابِ، وَقَبْضُ الأْجْرَةِ وَنَحْوُ ذَلِكَ.
(ج) النَّوْعُ الأْقْوَى: التَّفْوِيتُ بِالْبَيْعِ، وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ، وَالنُّحْلِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا لاَ يَفْعَلُهُ الرَّجُلُ إِلاَّ فِي مَالِهِ.
أَثَرُ الْحِيَازَةِ:
8 - يَقُولُ ابْنُ رُشْدٍ: إِنَّ مُجَرَّدَ الْحِيَازَةِ لاَ تَنْقُلُ الْمِلْكَ عَنِ الْمَحُوزِ عَلَيْهِ إِلَى الْحَائِزِ، وَلَكِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ كَإِرْخَاءِ السُّتُورِ، وَمَعْرِفَةِ الْعِفَاصِ وَالْوِكَاءِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الأْشْيَاءِ. مَعْنَى هَذَا أَنَّ الْحَائِزَ لاَ يَنْتَفِعُ بِالْحِيَازَةِ إِلاَّ إِذَا جَهِلَ الْوَجْهَ الَّذِي حَازَ بِهِ أَوِ ادَّعَى شِرَاءً، وَأَمَّا إِذَا عَرَفَ وَجْهَ دُخُولِهِ فِي حَوْزِهِ كَكِرَاءٍ، أَوْ عُمْرَى، أَوْ إِسْكَانٍ، أَوْ إِرْفَاقٍ، أَوْ إِجَارَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنَّ طُولَ الْحَوْزِ لاَ يَنْقُلُ الْمِلْكَ.
شُرُوطُ الْحِيَازَةِ بَيْنَ الأْجَانِبِ غَيْرِ الشُّرَكَاءِ:
9 - يَقُولُ خَلِيلٌ: إِنْ حَازَ أَجْنَبِيٌّ غَيْرُ شَرِيكٍ وَتَصَرَّفَ ثُمَّ ادَّعَى حَاضِرٌ سَاكِتٌ بِلاَ مَانِعٍ عَشْرَ سِنِينَ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ، وَلاَ بَيِّنَتُهُ إِلاَّ بِإِسْكَانٍ وَنَحْوِهِ.
فَالْحَوْزُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يَكُونُ دَالًّا عَلَى مِلْكِ الْحَائِزِ إِذَا تَوَفَّرَ مَا يَلِي:
أَوَّلاً: أَنْ يَتَصَرَّفَ الْحَائِزُ: وَالتَّصَرُّفُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ هُوَ مَا كَانَ كَالْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ فِيمَا لاَ ضَرُورَةَ دَاعِيَةٌ إِلَيْهِ. أَمَّا السُّكْنَى وَنَحْوُهَا، فَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهَا وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ حِيَازَةٌ. يَقُولُ ابْنُ رُشْدٍ: وَأَمَّا حِيَازَةُ الأْجْنَبِيِّينَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِيمَا لاَ شَرِكَةَ بَيْنَهُمْ فِيهِ، فَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الْحِيَازَةَ تَكُونُ بَيْنَهُمْ فِي الْعَشَرَةِ أَعْوَامٍ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَدْمٌ وَلاَ بُنْيَانٌ، وَفِي كِتَابِ الْجِدَارِ لاِبْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا لاَ تَكُونُ حِيَازَةً إِلاَّ مَعَ الْهَدْمِ وَالْبُنْيَانِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي رِوَايَةِ حَسَنِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْهُ، وَيَشْهَدُ لِهَذَا الْقَوْلِ مَا أَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ بَلاَغًا (أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ تَكَارَى أَرْضًا. فَلَمْ تَزَلْ فِي يَدَيْهِ بِكِرَاءٍ حَتَّى قَالَ ابْنُهُ وَهُوَ أَبُو سَلَمَةَ أَوْ حُمَيْدٌ: فَمَا كُنْتُ أَرَاهَا إِلاَّ لَنَا مِنْ طُولِ مَا مَكَثَتْ فِي يَدَيْهِ حَتَّى ذَكَرَهَا لَنَا عِنْدَ مَوْتِهِ فَأَمَرَ بِقَضَاءِ شَيْءٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ كِرَائِهَا ذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ).
10 - ثَانِيًا: أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعِي حَاضِرًا عَالِمًا، فَلَوْ كَانَ الْمُدَّعِي غَائِبًا غَيْبَةً بَعِيدَةً فَهُوَ بَاقٍ عَلَى حَقِّهِ وَيَخْتَلِفُ تَقْدِيرُ الْغَيْبَةِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، وَالْبُعْدِ وَالْقُرْبِ، وَتَقْدِيرُ الْغَيْبَةِ عِنْدَ فُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ هُوَ بِالْمَرَاحِلِ.
فَإِذَا كَانَ الْمُدَّعِي عَلَى سَبْعَةِ مَرَاحِلَ فَأَكْثَرَ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى حُجَّتِهِ وَلَوْ طَالَ أَمَدُ غِيَابِهِ مَا طَالَ، فَالْغَائِبُ فِي مِثْلِ هَذَا الْبُعْدِ مَعْذُورٌ، سَوَاءٌ أَكَانَ رَجُلاً أَمِ امْرَأَةً، وَإِذَا كَانَ عَلَى ثَلاَثِ أَوْ أَرْبَعِ مَرَاحِلَ فَالْمَرْأَةُ مَعْذُورَةٌ بِلاَ خِلاَفٍ، وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ إِنْ أَبْدَى عُذْرَهُ فِي عَدَمِ الْقِيَامِ، وَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ عُذْرُهُ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: هُوَ عَلَى حَقِّهِ لَهُ الْقِيَامُ مُعَلِّلاً بِأَنَّهُ كَمْ مِمَّنْ لاَ يَتَبَيَّنُ عُذْرُهُ لِلنَّاسِ وَهُوَ مَعْذُورٌ. وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: مَنْ كَانَ عَلَى ثَلاَثِ مَرَاحِلَ لاَ قِيَامَ لَهُ بَعْدَ الأْجَلِ إِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ عُذْرُهُ، فَابْنُ الْقَاسِمِ جَعَلَهُ مَعْذُورًا: وَابْنُ حَبِيبٍ جَعَلَهُ غَيْرَ مَعْذُورٍ حَتَّى يَثْبُتَ خِلاَفُ ذَلِكَ.
وَحَدَّدَ ابْنُ عَرَفَةَ مَوْطِنَ الْخِلاَفِ قَائِلاً: الْخِلاَفُ فِي الْقَرِيبِ هُوَ إِذَا عَلِمَ، وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَعْلَمْ فَلاَ حِيَازَةَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا، غَيْرَ أَنَّهُ فِي الْغَالِبِ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْعِلْمِ حَتَّى يَثْبُتَ عِلْمُهُ، وَفِي الْحَاضِرِ مَحْمُولٌ عَلَى الْعِلْمِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ.
وَاسْتَحَبَّ مُطَرِّفٌ وَأَصْبَغُ لِلْغَائِبِ إِذَا عَلِمَ وَمَنَعَهُ مَانِعٌ مِنَ الْحُضُورِ لِطَلَبِ حَقِّهِ أَنْ يُشْهِدَ أَنَّهُ عَلِمَ، وَأَنَّ سُكُوتَهُ عَنِ الْمُطَالَبَةِ إِنَّمَا هُوَ لأِجْلِ الْعُذْرِ مَعَ تَأْكِيدِهِمَا عَلَى أَنَّهُ إِذَا عَلِمَ وَلَمْ يُشْهِدْ لَمْ يُوهِنْ ذَلِكَ حُجَّتَهُ إِلاَّ أَنْ يَطُولَ الزَّمَانُ جِدًّا، مِثْلَ السَّبْعِينَ وَالثَّمَانِينَ سَنَةً وَمَا قَارَبَهَا، وَيَكُونُ مَعَ ذَلِكَ سَمَاعٌ مُسْتَفِيضٌ بِأَنَّهَا مِلْكٌ لِلَّذِينَ هِيَ بِأَيْدِيهِمْ تَدَاوَلُوهَا هُمْ وَمَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ بِمَا يُحَازُ بِهِ الْمِلْكُ، فَيَكُونُ ذَلِكَ كَالْحِيَازَةِ عَلَى الْحَاضِرِ، وَإِنْ كَانَتِ الْغَيْبَةُ بَعِيدَةً، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَبِقَوْلِهِمَا أَقُولُ.
فَالْغَائِبُ يَكُونُ عَلَى حُجَّتِهِ إِذَا اجْتَمَعَ أَمْرَانِ: أَنْ يَطُولَ ذَلِكَ جِدًّا فِيمَا تَهْلِكُ فِيهِ الْبَيِّنَاتُ، وَتَتَعَاقَبُ الأْجْيَالُ كَالسَّبْعِينَ وَالثَّمَانِينَ، وَأَنْ يَتَأَيَّدَ الْحَوْزُ بِشَهَادَةِ سَمَاعٍ أَنَّ الْحَائِزَ وَمَنْ سَبَقَهُ مَالِكُونَ لِمَا تَحْتَ أَيْدِيهِمْ.
وَإِذَا كَانَتِ الْغَيْبَةُ عَلَى مَسَافَةِ يَوْمٍ فَالرَّجُلُ هُوَ كَالْحَاضِرِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَهِيَ عَلَى حَقِّهَا. قَالَ ابْنُ فَرْحُونَ: فَرْعٌ: وَفِي الطُّرُرِ لاِبْنِ عَاتٍ وَمَغِيبُ الْمَرْأَةِ عَلَى مَسِيرَةِ الْيَوْمِ لاَ يَقْطَعُ حُجَّتَهَا لِقَوْلِهِعليه الصلاة والسلام: «لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ إِلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ عَلَيْهَا».
قَالَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ الْمُتَأَخِّرِينَ.
وَالْمُرَادُ بِالْعِلْمِ هُوَ الْعِلْمُ الشَّامِلُ لأِمْرَيْنِ. الْعِلْمُ بِأَنَّ الْحَائِزَ يَتَصَرَّفُ فِي مِلْكِهِ، وَأَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْمَحُوزَ مِلْكُهُ، فَإِذَا جَهِلَ أَنَّ الْمَحُوزَ مِلْكُهُ فَإِنْ كَانَ وَارِثًا حَلَفَ عَلَى عَدَمِ عِلْمِهِ وَقُضِيَ لَهُ بِبَيِّنَتِهِ، وَإِذَا قَالَ عَلِمْتُ بِالْمِلْكِ وَلَكِنِّي لَمْ أَجِدِ الْوَثِيقَةَ الْمُثْبِتَةَ لِلْمِلْكِ إِلاَّ الآْنَ، فَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ، وَرَجَّحَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ أَنَّهُ غَيْرُ مَعْذُورٍ بِذَلِكَ فَلاَ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ، وَكَذَلِكَ إِذَا ادَّعَى أَنَّ سُكُوتَهُ إِنَّمَا كَانَ مِنْ أَجْلِ عَدَمِ وُجُودِ الْبَيِّنَةِ الَّتِي تَشْهَدُ لَهُ.
ثَالِثًا: أَنْ يَسْكُتَ الْمَحُوزُ عَنْهُ الْحَاضِرُ طِوَالَ الْمُدَّةِ وَلاَ يُطَالِبُ بِحَقِّهِ، فَإِنْ نَازَعَ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ وَلَمْ يَزَلْ يُخَاصِمُ وَيَطْلُبُ فَهُوَ عَلَى حَقِّهِ، وَإِنْ نَازَعَ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ لَمْ يُفِدْهُ، وَيَكُونُ كَمَنْ هُوَ سَاكِتٌ، قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ: فِيمَنْ أَثْبَتَ بَيِّنَةً فِي أَرْضٍ أَنَّهَا لَهُ، وَأَثْبَتَ الَّذِي فِي يَدِهِ أَنَّهُ يَحُوزُهَا عَشْرَ سِنِينَ بِمَحْضَرِ الطَّالِبِ، فَأَقَامَ الطَّالِبُ بَيِّنَةً أَنَّهُ طَلَبَهَا وَنَازَعَ فِيهَا هَذَا، قَالَ: إِنْ قَالُوا إِنَّهُ لَمْ يَزَلْ يُخَاصِمُ وَيَطْلُبُ لَيْسَ أَنْ يُخَاصِمَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ يُمْسِكَ نَفَعَهُ ذَلِكَ، وَإِلاَّ لَمْ يَنْفَعْهُ، وَلاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ الطَّلَبُ عِنْدَ الْحَاكِمِ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الصَّغِيرُ: الطَّلَبُ النَّافِعُ إِنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ الْحَاكِمِ.
11 - رَابِعًا: أَنْ لاَ يَمْنَعَهُ مِنَ الْمُطَالَبَةِ مَانِعٌ: وَالْمَوَانِعُ كَثِيرَةٌ وَمُتَنَوِّعَةٌ لَمْ يَقَعِ اسْتِقْصَاؤُهَا، وَإِنَّمَا وَقَعَ التَّنْبِيهُ عَلَى بَعْضِهَا احْتِيَاطًا لِحَقِّ الْمَالِكِ.
فَمِنَ الْمَوَانِعِ، الْخَوْفُ مِنَ الْحَائِزِ كَمَا إِذَا كَانَ الْحَائِزُ ذَا سُلْطَةٍ وَظَالِمًا. أَوْ كَانَ مُسْتَنِدًا إِلَى سُلْطَانٍ جَائِرٍ وَكَأَنْ يَكُونَ الطَّالِبُ مَدِينًا مُعْسِرًا وَحَلَّ أَجَلُ الدَّيْنِ، وَالْحَائِزُ رَبُّ الدَّيْنِ يَخْشَى إِنْ هُوَ طَالَبَهُ بِالتَّخَلِّي عَنِ الْحَوْزِ أَنْ يُطَالِبَ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ، وَمِثْلُهُ إِذَا كَانَ الْمُدَّعِي سَفِيهًا أَوْ صَغِيرًا أَوْ بِكْرًا لَمْ تُعَنِّسْ مَنْ كَانَ هَذَا حَالُهُ، فَإِنَّ أَجَلَ الْحَوْزِ مُعْتَبَرٌ بَعْدَ ارْتِفَاعِ الْمَانِعِ، وَفِي وَثَائِقِ ابْنِ الْعَطَّارِ لاَ يَقْطَعُ قِيَامُ الْبِكْرِ غَيْرِ الْعَانِسِ وَلاَ قِيَامُ الصَّغِيرِ، وَلاَ قِيَامُ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ فِي رِقَابِ الأْمْلاَكِ، وَلاَ فِي إِحْدَاثِ الاِعْتِمَارِ بِحَضْرَتِهِمْ إِلاَّ أَنْ يَبْلُغَ الصَّغِيرُ وَيَمْلِكَ نَفْسَهُ مِنَ الْوَلِيِّ، وَتُعَنِّسَ الْجَارِيَةُ وَيُحَازَ عَلَيْهِمْ عَشَرَةَ أَعْوَامٍ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَهُمْ عَالِمُونَ بِحُقُوقِهِمْ لاَ يَعْتَرِضُونَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَيَنْقَطِعُ حِينَئِذٍ قِيَامُهُمْ وَمَا لَمْ يَعْرِفُوا لاَ يَنْقَطِعُ قِيَامُهُمْ.
فَأَصْحَابُ الأْعْذَارِ هَؤُلاَءِ يُعْتَبَرُ أَمَدُ السُّكُوتِ الْمُسْقِطِ لِحَقِّهِمْ بَعْدَ حُصُولِ أَمْرَيْنِ. حُصُولِ عِلْمِهِمْ بِأَنَّ الْحَائِزَ يَحُوزُ مِلْكَهُمْ وَسُكُوتَهُمْ بَعْدَ الْعِلْمِ عَشْرَ سِنِينَ بِغَيْرِ عُذْرٍ.
وَمِنَ الأْعْذَارِ الْمَقْبُولَةِ الَّتِي يَبْقَى مَعَهَا الْمُدَّعِي عَلَى حَقِّهِ وَإِنْ طَالَ كَوْنُ الْمَحُوزِ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الثَّرَاءِ وَالْفَضْلِ، مِنْ شَأْنِهِ إِرْفَاقُ النَّاسِ وَالتَّوْسِعَةُ عَلَيْهِمْ، فَقَدْ سُئِلَ أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى السَّرَّاجُ عَنْ أُنَاسٍ لَهُمْ أَمْلاَكٌ عَدِيدَةٌ فِي بِلاَدٍ شَتَّى وَبِكُلِّ مَوْطِنٍ، وَجَرَتْ عَادَتُهُمْ مَعَ النَّاسِ أَنَّهُمْ يَتَفَضَّلُونَ مَعَهُمْ فِي أَمْلاَكِهِمْ بِالْبِنَاءِ وَالْحَرْثِ وَالْغِرَاسَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْعِمَارَةِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ لِكَثْرَةِ ذِمَّتِهِمْ وَغِنَاهُمْ وَعُلُوِّ هِمَّتِهِمْ وَمَحَاسِنِهِمْ مَعَ النَّاسِ، ثُمَّ إِنَّ بَعْضَ السَّاكِنِينَ أَنْكَرُوا الْفَضْلَ وَالإْحْسَانَ وَالْخَيْرَ، وَأَرَادُوا بِزَعْمِهِمْ أَنْ يَمْتَازُوا بِبَعْضِ الأْمْلاَكِ بِسَبَبِ الْعِمَارَةِ وَيَنْسُبُوهَا لأِنْفُسِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ عَلَى ذَلِكَ، فَهَلْ تَجُوزُ الْعِمَارَةُ عَلَى أَصْحَابِ الأْمْلاَكِ أَمْ لاَ تَجُوزُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ إِلاَّ إِذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ بِانْتِقَالِ الأْمْلاَكِ بِبَيْعٍ، أَوْ هِبَةٍ، أَوْ صَدَقَةٍ؟ فَأَجَابَ أَنَّهَا لاَ تَجُوزُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ إِلاَّ إِذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ مَقْبُولَةٌ بِانْتِقَالِ الأَْمْلاَكِ، إِمَّا بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ، أَوْ صَدَقَةٍ، وَأَمَّا مُجَرَّدُ الْعِمَارَةِ الْعَارِيَةِ عَنْ ذَلِكَ فَلَغْوٌ، وَلاَ عِبْرَةَ بِهَا وَلاَ مُعَوَّلَ عَلَيْهَا. وَدَقَّقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْحَائِكُ فَقَالَ: إِنَّ فَتْوَى السَّرَّاجِ هِيَ فِيمَا إِذَا كَانَتِ الأْرْضُ الْمَذْكُورَةُ مَعْرُوفَةً لِلْقَائِمِ وَمَنْسُوبَةً إِلَيْهِ، وَأَمَّا إِذَا لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ فَلاَ تُنْزَعُ مِنْ يَدِ حَائِزِهَا.
12 - خَامِسًا: أَنْ تَسْتَمِرَّ الْحِيَازَةُ عَشْرَ سِنِينَ فَأَكْثَرَ: إِذَا حَازَ الأْجْنَبِيُّ غَيْرُ الشَّرِيكِ عَقَارًا وَتَوَفَّرَتِ الشُّرُوطُ الْمَذْكُورَةُ قَبْلَ هَذَا فَإِنَّهُ لاَ يَنْتَفِعُ بِحِيَازَتِهِ إِلاَّ إِذَا طَالَ أَمَدُ الْحِيَازَةِ.
وَالطُّولُ الْمُعْتَبَرُ دَلِيلاً عَلَى الْمِلْكِيَّةِ قَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَحْدِيدِهِ هَلْ يُؤَقَّتُ بِزَمَنٍ، أَوْ مَرْجِعُ ذَلِكَ إِلَى اقْتِنَاعِ الْحَاكِمِ.
فَفِي الْمُدَوَّنَةِ: مَا سَمِعْتُ مَالِكًا يُحَدِّدُ فِيهِ عَشْرَ سِنِينَ وَلاَ غَيْرَ ذَلِكَ، وَلَكِنْ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى أَنَّ هَذَا قَدْ حَازَهَا دُونَ الآْخَرِ فِيمَا يُكْرَى وَيُهْدَمُ وَيُبْنَى وَيُسْكَنُ.
وَذَهَبَ رَبِيعَةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ الرَّجُلُ حَاضِرًا وَمَالُهُ فِي يَدِ غَيْرِهِ فَمَضَتْ لَهُ عَشْرُ سِنِينَ وَهُوَ عَلَى ذَلِكَ، كَانَ الْمَالُ لِلَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ بِحِيَازَتِهِ إِيَّاهُ عَشْرَ سِنِينَ، إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَ الآْخَرُ بِبَيِّنَةٍ عَلَى أَنَّهُ أَكْرَى، أَوْ أَسْكَنَ، أَوْ أَعَارَ عَارِيَّةً، أَوْ صَنَعَ شَيْئًا مِنْ هَذَا، وَإِلاَّ فَلاَ شَيْءَ لَهُ.
وَعُمْدَةُ التَّقْدِيرِ بِعَشْرِ سِنِينَ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ عُمَرَ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ يَرْفَعُهُ إِلَى الرَّسُولِ صلي الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ حَازَ شَيْئًا عَشْرَ سِنِينَ فَهُوَ لَهُ». قَالَ عَبْدُ الْجَبَّارِ وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُطَّلِبِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ.
وَرَوَاهُ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ مَرْفُوعًا: «مَنِ احْتَازَ شَيْئًا عَشْرَ سِنِينَ فَهُوَ لَهُ». كَمَا ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي بَابِ الأْقْضِيَةِ.
قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَبِالْعَشْرِ سِنِينَ أَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ.
وَلاِبْنِ الْقَاسِمِ كَمَا فِي الْمَوَّازِيَّةِ أَنَّ السَّبْعَ وَالثَّمَانَ وَمَا قَارَبَ الْعَشْرَ مِثْلُ الْعَشَرَةِ.
وَيَقُولُ ابْنُ رُشْدٍ فِي شَرْحِهِ لِكَلاَمِ الْمُسْتَخْرَجَةِ الْعَشْرَ سِنِينَ وَمَا قَارَبَهَا يُرِيدُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَالشَّهْرَيْنِ وَالثَّلاَثَةَ وَمَا قَارَبَ مِنْهَا ثُلُثَ الْعَامِ وَأَقَلَّ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ مَا قَرُبَ مِنَ الْعَشَرَةِ الأْعْوَامِ بِالْعَامِ وَالْعَامَيْنِ حِيَازَةٌ.
قَالَ الْحَطَّابُ: فَتَحَصَّلَ فِي مُدَّةِ الْحِيَازَةِ ثَلاَثَةُ أَقْوَالٍ:
الأْوَّلُ: قَوْلُ مَالِكٍ إِنَّهَا لاَ تُحَدُّ بِسِنِينَ مُقَدَّرَةٍ بَلْ بِاجْتِهَادِ الإْمَامِ.
الثَّانِي: أَنَّ الْمُدَّةَ عَشْرُ سِنِينَ وَهُوَ الْقَوْلُ الْمُعْتَمَدُ بِنَاءً عَلَى الْحَدِيثِ وَوَجَّهَهُ أَيْضًا ابْنُ سَحْنُونٍ بِأَنَّ اللَّهَ لَمَّا أَمَرَ نَبِيَّهُ بِالْقِتَالِ بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ كَانَ أَبْلَغَ فِي الإْعْذَارِ.
الثَّالِثُ: أَنَّ مُدَّةَ الْحِيَازَةِ سَبْعُ سِنِينَ فَأَكْثَرُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ الثَّانِي.
وَإِذَا كَانَتِ الْحِيَازَةُ فِي إِرْفَاقٍ فَفِي الْمَسَائِلِ الْمَلْقُوطَةِ الْمَنْسُوبَةِ لِوَلَدِ ابْنِ فَرْحُونَ (مَسْأَلَةٌ) فِي قَنَاةٍ تَجْرِي مُنْذُ أَرْبَعِ سِنِينَ فِي أَرْضِ رَجُلٍ، وَالَّذِي تَجْرِي عَلَيْهِ سَاكِتٌ لاَ تَكُونُ السَّنَةُ حِيَازَةً لِلتَّغَافُلِ عَنْ مِثْلِهَا وَسُكُوتُ أَرْبَعِ سِنِينَ طُولٌ.
أَمَّا إِذَا كَانَتِ الْحِيَازَةُ فِي مَنْقُولٍ فَقَالَ أَصْبَغُ: إِنَّ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ فِي الثِّيَابِ حِيَازَةٌ إِذَا كَانَتْ تُلْبَسُ وَتُمْتَهَنُ، وَإِنَّ السَّنَتَيْنِ وَالثَّلاَثَ حِيَازَةٌ فِي الدَّوَابِّ إِذَا كَانَتْ تُرْكَبُ، وَفِي الإْمَاءِ إِذَا كُنَّ يُسْتَخْدَمْنَ، وَفِي الْعَبِيدِ وَالْعُرُوضِ فَوْقَ ذَلِكَ وَلاَ تَبْلُغُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ بَيْنَ الأْجْنَبِيِّينَ إِلَى عَشَرَةِ أَعْوَامٍ كَمَا يَصْنَعُ فِي الأْصُولِ (الْعَقَارِ).
وَجَاءَ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَا ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لاَ فَرْقَ فِي الأْجَلِ بَيْنَ الثِّيَابِ وَالْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ، وَبَيْنَ الدُّورِ، وَنَصُّ الْمُدَوَّنَةِ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الدَّوَابَّ وَالثِّيَابَ وَالْعُرُوضَ كُلَّهَا وَالْحَيَوَانَ كُلَّهُ، هَلْ كَانَ مَالِكٌ يَرَى أَنَّهَا إِذَا حَازَهَا رَجُلٌ بِمَحْضَرٍ مِنْ رَجُلٍ فَادَّعَاهَا الَّذِي حِيزَتْ عَلَيْهِ أَنَّهُ لاَ حَقَّ لَهُ فِيهَا، لأِنَّ هَذَا قَدْ حَازَهَا دُونَهُ، وَهَلْ كَانَ يَقُولُ فِي هَذِهِ الأْشْيَاءِ مِثْلَ مَا يَقُولُهُ فِي الدُّورِ وَالْحِيَازَةِ؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِي هَذَا شَيْئًا إِلاَّ أَنَّ ذَلِكَ عِنْدِي مِثْلُ مَا قَالَ مَالِكٌ فِي الدُّورِ إِذَا كَانَتِ الثِّيَابُ تُلْبَسُ وَتُمْتَهَنُ، وَالدَّوَابُّ تُكْرَى وَتُرْكَبُ.
وَيَجِبُ حَمْلُ نَصِّ الْمُدَوَّنَةِ عَلَى أَنَّ التَّحْدِيدَ لَيْسَ قَارًّا، وَإِنَّمَا هُوَ لاِجْتِهَادِ الْحَاكِمِ يَنْظُرُ فِي الظُّرُوفِ الْمُحِيطَةِ بِالْقَضِيَّةِ وَيُعْطِي لِكُلِّ حَالَةٍ مَا يُنَاسِبُهَا حَسَبَ اخْتِلاَفِ الأْعْرَافِ وَالأْشْخَاصِ.
13 - وَتُضَافُ مُدَّةُ حِيَازَةِ الْوَارِثِ إِلَى مُدَّةِ حِيَازَةِ الْمُوَرِّثِ، فَإِذَا حَازَ الْمُوَرِّثُ الشَّيْءَ خَمْسَ سِنِينَ وَحَازَهُ الْوَارِثُ خَمْسَ سِنِينَ ضُمَّتْ مُدَّةُ هَذَا إِلَى مُدَّةِ ذَاكَ وَسَقَطَ حَقُّ الْقَائِمِ فِي الدَّعْوَى.
14 - سَابِعًا: أَلاَّ يَكُونَ الْمَحُوزُ وَقْفًا: إِذَا كَانَ الْمَحُوزُ حَبْسًا فَإِنَّهُ لاَ تَسْقُطُ الدَّعْوَى وَلَوْ طَالَ الزَّمَانُ، فَفِي نَوَازِلِ ابْنِ رُشْدٍ: سُئِلَ عَنْ جَمَاعَةٍ وَاضِعِينَ أَيْدِيَهُمْ عَلَى أَمْلاَكِهِمْ وَمُوَرِّثِهِمْ وَمُوَرِّثِ مُوَرِّثِهِمْ نَحْوًا مِنْ سَبْعِينَ عَامًا يَتَصَرَّفُونَ فِيهِ بِالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ وَالتَّعْوِيضِ وَالْقِسْمَةِ وَكَثِيرٍ مِنْ وُجُوهِ التَّفْوِيتِ، فَادَّعَى عَلَيْهِمْ بِوَقْفِيَّتِهَا شَخْصٌ حَاضِرٌ عَالِمٌ بِالتَّفْوِيتِ الْمَذْكُورِ وَالتَّصَرُّفِ هُوَ وَمُوَرِّثُهُ مِنْ قَبْلِهِ. فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ: لاَ يَجِبُ الْقَضَاءُ بِالْحَبْسِ إِلاَّ بَعْدَ أَنْ يَثْبُتَ التَّحْبِيسُ وَمِلْكُ الْمُحَبِّسِ لِمَا حَبَسَهُ يَوْمَ التَّحْبِيسِ وَبَعْدَ أَنْ تَتَعَيَّنَ الأْمْلاَكُ الْمُحَبَّسَةُ بِالْحِيَازَةِ لَهَا عَلَى مَا تَصِحُّ فِيهِ الْحِيَازَةُ، فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ كُلُّهُ عَلَى وَجْهِهِ وَأَعْذَرَ إِلَى الْمَقُومِ عَلَيْهِمْ فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ مِنْ تَرْكِ الْقَائِمِ وَأَبِيهِ قَبْلَهُ عَلَيْهِمْ وَطُولِ سُكُوتِهِمَا عَنْ طَلَبِ حَقِّهِمَا مَعَ عِلْمِهِمَا بِتَفْوِيتِ الأْمْلاَكِ فَالْقَضَاءُ بِالْحَبْسِ وَاجِبٌ، وَالْحُكْمُ بِهِ لاَزِمٌ.
وَمِنْ بَابِ أَوْلَى الْحَبْسُ الْعَامُّ بِمَا يَشْمَلُهُ مِنْ مَسْجِدٍ وَطَرِيقٍ وَمَصَالِحَ عَامَّةٍ.
قَالَ الزَّرْقَانِيُّ: وَمِنْ شُرُوطِهَا - أَيِ الْحِيَازَةِ - أَنْ يَدَّعِيَ الْحَائِزُ مِلْكَ الشَّيْءِ الْمَحُوزِ، أَيْ وَلَوْ مَرَّةً، وَأَمَّا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حُجَّةٌ إِلاَّ مُجَرَّدَ الْحَوْزِ فَلاَ يَنْفَعُهُ.
وَلاَ يَنْفَعُ الْحَائِزَ الْمُدَّعِيَ الْمِلْكِيَّةُ بِحِيَازَتِهِ إِلاَّ مَعَ جَهْلِ الْمُدْخَلِ فِي هَذَا الأْصْلِ الْمَحُوزِ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ هَلْ بِعَارِيَّةٍ مَثَلاً أَوْ لاَ؟ أَعْنِي هَلْ دَخَلَ بِوَجْهٍ لاَ يَقْتَضِي نَقْلَ الْمِلْكِ كَالْعَارِيَّةِ وَالإْسْكَانِ وَنَحْوِهِمَا أَمْ لاَ. لأِنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ أَنَّ دُخُولَهُ كَانَ بِشَيْءٍ مِنْهَا مَا نَفَعَتْهُ حِيَازَتُهُ وَلَوْ طَالَتْ.
مَا تُوجِبُهُ الْحِيَازَةُ:
15 - يَقُولُ ابْنُ الْحَاجِبِ: إِنَّ الدَّعْوَى تَنْقَسِمُ إِلَى ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ:
أ - الدَّعْوَى الْمُشَبَّهَةُ: وَهِيَ الدَّعْوَى الَّتِي تُوجِبُ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِهَا مِنْ غَيْرِ إِثْبَاتِ خُلْطَةٍ، وَهِيَ الدَّعْوَى اللاَّئِقَةُ بِالْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ. وَذَلِكَ كَالدَّعَاوَى عَلَى الصُّنَّاعِ الْمُنْتَصِبِينَ لِلصِّنَاعَةِ وَالتِّجَارَةِ فِي الأْسْوَاقِ وَالْمُسَافِرِ عَلَى رُفْقَتِهِ.
ب - الدَّعْوَى الْبَعِيدَةُ: وَهِيَ الَّتِي لاَ تُشْبِهُ فَلاَ تُسْمَعُ وَلاَ يُلْتَفَتُ إِلَيْهَا، كَدَعْوَى دَارٍ بِيَدِ حَائِزٍ يَتَصَرَّفُ فِيهَا بِالْهَدْمِ، وَالْبُنْيَانِ، وَالْعِمَارَةِ مُدَّةً طَوِيلَةً، وَالْمُدَّعِي شَاهِدٌ سَاكِتٌ وَلاَ مَانِعَ مِنْ خَوْفٍ وَلاَ قَرَابَةٍ وَلاَ صِهْرٍ وَشُبْهَةٍ.
ج - الدَّعْوَى الْمُتَوَسِّطَةُ بَيْنَ الْمُشْبِهَةِ وَالْبَعِيدَةِ، فَتُسْمَعُ مِنْ مُدَّعِيهَا، وَيُمَكَّنُ مِنْ إِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي غَيْرِ مَا فِيهِ مَعَرَّةٌ.
وَأَمَّا الدَّعْوَى بِمَا فِيهِ مَعَرَّةٌ عَلَى غَيْرِ لاَئِقٍ بِهِ فَلاَ يَمِينَ فِيهَا.
فَابْنُ الْحَاجِبِ كَمَا يَدُلُّ النَّصُّ أَعْلاَهُ يَعْتَبِرُ الْحِيَازَةَ بِشُرُوطِهَا، كَالشَّهَادَةِ الْقَاطِعَةِ الَّتِي تُثْبِتُ الْحَقَّ لِصَاحِبِهَا بِدُونِ يَمِينٍ، وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ فَدَعْوَى الْقَائِمِ (الْمُدَّعِي) بَاطِلَةٌ مِنْ أَصْلِهَا، وَطُولُ الْمُدَّةِ كَافٍ فِي إِثْبَاتِ الْحَائِزِ لِشَهَادَةِ الْعُرْفِ، وَابْنُ الْحَاجِبِ يَعْتَبِرُ الْعُرْفَ كَشَاهِدَيْنِ.
16 - وَذَهَبَ ابْنُ رُشْدٍ إِلَى التَّفْصِيلِ، فَقَالَ: إِنَّ الدَّعْوَى عَلَى الْحَائِزِ تَنْقَسِمُ إِلَى أَقْسَامٍ، وَلِكُلِّ قِسْمٍ حُكْمُهُ:
1 - أَنْ لاَ تَتَأَيَّدَ دَعْوَى الْمُدَّعِي عَلَى الْحَائِزِ بِبَيِّنَةٍ وَلاَ إِقْرَارٍ مِنَ الْحَائِزِ، وَلَمْ تَتَضَمَّنِ الدَّعْوَى الْوَجْهَ الَّذِي يَتَصَرَّفُ بِهِ الْحَائِزُ، وَكَانَتْ بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ فَهَذِهِ الدَّعْوَى مِنْ أَصْلِهَا لاَ تُوجِبُ سُؤَالَ الْحَائِزِ وَلاَ تَلْزَمُهُ الْيَمِينُ لِرَدِّ دَعْوَى الْمُدَّعِي.
2 - مِثْلُ الصُّورَةِ الأْولَى إِلاَّ أَنَّ الْقَائِمَ يَدَّعِي أَنَّ الْحَائِزَ إِنَّمَا كَانَ يَتَصَرَّفُ فِي الْحَوْزِ كِرَاءً، أَوْ إِسْكَانًا، أَوْ إِعَارَةً، فَتَجِبُ يَمِينُ الْحَائِزِ لِرَدِّ دَعْوَى الْمُدَّعِي.
3 - أَنْ يَقُومَ الْقَائِمُ قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ مُدَّةُ الْحِيَازَةِ وَلَمْ يُؤَيِّدْ دَعْوَاهُ فَتَتَوَجَّهُ الْيَمِينُ عَلَى الْحَائِزِ.
4 - أَنْ تَتَأَيَّدَ دَعْوَى الْمُدَّعِي بِبَيِّنَةٍ، أَوْ بِإِقْرَارِ الْحَائِزِ بَعْدَ أَمَدِ الْحِيَازَةِ، وَهُنَا يُسْأَلُ الْحَائِزُ عَنِ الْوَجْهِ الَّذِي صَارَ بِهِ إِلَيْهِ الْمَحُوزُ، فَإِنْ بَيَّنَ وَجْهًا قُبِلَ مَعَ يَمِينِهِ، وَتَسْقُطُ دَعْوَى الْمُدَّعِي سَوَاءٌ أَذَكَرَ أَنَّهُ صَارَ إِلَيْهِ بِشِرَاءٍ مِنَ الْقَائِمِ، أَوْ مِنْ مُوَرِّثِهِ، أَوْ بِهِبَةٍ، أَوْ بِصَدَقَةٍ مِنْهُ، وَنَقَلَ ابْنُ رُشْدٍ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ يَقُولُ بِالتَّفْرِقَةِ بَيْنَ ادِّعَاءِ الشِّرَاءِ وَادِّعَاءِ التَّبَرُّعِ فَقَدْ سُئِلَ عَنِ الَّذِي يَكُونُ بِيَدِهِ الْمَسْكَنُ أَوِ الأْرْضُ فَيُقِيمُ رَجُلٌ عَلَيْهِ بَيِّنَةً أَنَّهُ مَسْكَنُهُ أَوْ أَرْضُهُ، أَوْ يُقِرُّ لَهُ بِذَلِكَ الَّذِي هُوَ بِيَدِهِ، وَيَدَّعِي الَّذِي هُوَ بِيَدِهِ أَنَّهُ بَاعَهُ مِنْهُ، أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ، أَوْ وَهَبَهُ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَلاَ يَأْتِي بِبَيِّنَةٍ عَلَى شَيْءٍ مِنْ دَعْوَاهُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الْقَوْلُ قَوْلُ الَّذِي هُوَ بِيَدِهِ، إِذَا كَانَ قَدْ حَازَهُ الزَّمَانُ الَّذِي يُعْلَمُ فِي مِثْلِهِ أَنْ قَدْ هَلَكَتِ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْبَيْعِ مَعَ يَمِينِهِ، وَأَمَّا الصَّدَقَةُ وَالْهِبَةُ وَالنُّزُولُ (أَيِ الإْسْكَانُ) فَإِنِّي أَرَى أَنْ يَحْلِفَ صَاحِبُ الْمَنْزِلِ بِاللَّهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ مَا وَهَبَ وَلاَ تَصَدَّقَ وَلاَ أَنْزَلَ وَلاَ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ إِلاَّ عَلَى وَجْهِ الْتِمَاسِ الرِّفْقِ بِهِ. فَيُرَدُّ إِلَيْهِ بَعْدَ أَنْ يَدْفَعَ قِيمَةَ مَا أَحْدَثَ عَلَيْهِ نَقْضًا إِنْ أَحَبَّ، وَإِنْ أَبَى أَسْلَمَ إِلَيْهِ نَقْضَهُ مَقْلُوعًا، وَوَجْهُ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالتَّبَرُّعِ أَنَّ الأْصْلَ فِي نَقْلِ الأْمْلاَكِ هُوَ الْبَيْعُ، وَأَمَّا التَّبَرُّعُ فَنَادِرٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْبَيْعِ فَضَعُفَتْ دَعْوَى مُدَّعِيهِ.
وَإِذَا أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنَ الْحَائِزِ وَصَادَقَهُ الْحَائِزُ عَلَى ذَلِكَ إِلاَّ أَنَّهُ ادَّعَى الإْقَالَةَ بَعْدَ الْبَيْعِ فَيُصَدَّقُ الْحَائِزُ بِيَمِينِهِ، قَالَ ابْنُ عَاصِمٍ: وَإِذَا أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنَ الْحَائِزِ وَصَادَقَهُ الْحَائِزُ عَلَى ذَلِكَ إِلاَّ أَنَّهُ ادَّعَى الإْقَالَةَ بَعْدَ الْبَيْعِ فَيُصَدَّقُ الْحَائِزُ بِيَمِينِهِ، قَالَ ابْنُ عَاصِمٍ:
وَإِنْ يَكُنْ مُدَّعِيًا إِقَالَةً
فَمَعَ يَمِينِهِ لَهُ الْمَقَالَةُ
الْحِيَازَةُ بَيْنَ الأْجَانِبِ الشُّرَكَاءِ:
17 - حُكْمُ هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ كَحُكْمِ الْمَرْتَبَةِ السَّابِقَةِ فِي كُلِّ التَّفْصِيلاَتِ، إِلاَّ أَنَّ الْحِيَازَةَ لاَ تَكُونُ مُؤَثِّرَةً إِلاَّ إِذَا كَانَتْ مِنَ النَّوْعِ الثَّانِي، أَعْنِي الْغَرْسَ وَالْقَلْعَ فِي الأْشْجَارِ، وَالْبِنَاءَ وَالْهَدْمَ فِي الدُّورِ، وَكِرَاءَ الْحَيَوَانِ وَأَخْذَ أُجْرَةِ ذَلِكَ، أَمَّا لَوْ ضَعُفَتِ الْحِيَازَةُ فَكَانَتْ بِالسُّكْنَى أَوِ الزِّرَاعَةِ أَوِ الاِسْتِخْدَامِ، فَإِنَّ الْمُدَّعِيَ يَبْقَى عَلَى حَقِّهِ وَلَوْ مَضَتِ الْمُدَّةُ.
وَرُوِيَ عَنْ مُطَرِّفٍ أَنَّ الشُّرَكَاءَ الأَْجَانِبَ بِمَنْزِلَةِ غَيْرِ الشُّرَكَاءِ، وَوَهَّنَ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا الْقَوْلَ لأِنَّ إِلْغَاءَ تَأْثِيرِ عَلاَقَةِ الشَّرِكَةِ فِي التَّسَامُحِ بَعِيدٌ، ثُمَّ رَجَّحَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الأْشْرَاكِ الأْجْنَبِيِّينَ حُكْمَ الْقَرَابَةِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمِيرَاثِ الَّذِينَ لَيْسُوا بِأَشْرَاكٍ وَهَذَا الاِخْتِيَارُ يُبَيِّنُهُ الْبَنْدُ التَّالِي.
الْحِيَازَةُ بَيْنَ الأْقَارِبِ غَيْرِ الشُّرَكَاءِ، وَالأْقَارِبِ الشُّرَكَاءِ:
18 - الْحِيَازَةُ بَيْنَ الأْقَارِبِ غَيْرِ الشُّرَكَاءِ، وَالأْقَارِبِ الشُّرَكَاءِ، حَصَّلَ ابْنُ رُشْدٍ فِي هَاتَيْنِ الْمَرْتَبَتَيْنِ ثَلاَثَةَ أَقْوَالٍ:
الأْوَّلُ: أَنَّ الْحِيَازَةَ بَيْنَهُمْ إِذَا كَانَتْ بِالْهَدْمِ وَالْبُنْيَانِ وَاسْتَمَرَّتْ عَشَرَةَ أَعْوَامٍ، فَهِيَ قَاطِعَةٌ لِحُجَّةِ الْقَائِمِ.
الثَّانِي: أَنَّهَا لاَ تَكُونُ حِيَازَةً بَيْنَهُمْ إِلاَّ فِيمَا جَاوَزَ الأْرْبَعِينَ سَنَةً.
الثَّالِثُ: التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الأْقَارِبِ الشُّرَكَاءِ وَغَيْرِ الشُّرَكَاءِ، فَغَيْرُ الشُّرَكَاءِ تَكْفِي مُدَّةُ السَّنَوَاتِ الْعَشْرِ مَعَ الْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ، وَالشُّرَكَاءُ لاَ بُدَّ مِنْ أَرْبَعِينَ سَنَةً.
وَالْمُعْتَمَدُ مِنْ هَذِهِ الأْقْوَالِ هُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي. يَقُولُ الزَّرْقَانِيُّ فِي تَحْلِيلِ قَوْلِ خَلِيلٍ: وَفِي الشَّرِيكِ الْقَرِيبِ مَعَ الْهَدْمِ وَالْبُنْيَانِ وَمَا يَقُومُ مَقَامَ كُلٍّ قَوْلاَنِ، أَحَدُهُمَا: عَشْرُ سِنِينَ، وَالثَّانِي: زِيَادَةٌ عَلَى أَرْبَعِينَ عَامًا مَعَهُمَا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.
وَذَلِكَ إِذَا لَمْ تَكُنْ عَدَاوَةٌ بَيْنَ الأْقَارِبِ شُرَكَاءَ كَانُوا أَوْ لاَ، أَمَّا إِذَا حَصَلَتْ بَيْنَهُمْ عَدَاوَةٌ فَحُكْمُهُمْ حُكْمُ الأْجَانِبِ السَّابِقُ. يَقُولُ ابْنُ عَاصِمٍ. وَذَلِكَ إِذَا لَمْ تَكُنْ عَدَاوَةٌ بَيْنَ الأْقَارِبِ شُرَكَاءَ كَانُوا أَوْ لاَ، أَمَّا إِذَا حَصَلَتْ بَيْنَهُمْ عَدَاوَةٌ فَحُكْمُهُمْ حُكْمُ الأْجَانِبِ السَّابِقُ. يَقُولُ ابْنُ عَاصِمٍ.
وَالأْقْرَبُونَ حَوْزُهُمْ مُخْتَلِفٌ
بِحَسَبِ اعْتِمَارِهِمْ يَخْتَلِفُ
فَإِنْ يَكُنْ بِمِثْلِ سُكْنَى الدَّارِ
وَالزَّرْعِ لِلأْرْضِ وَالاِعْتِمَارِ
فَهُوَ بِمَا يَجُوزُ الأْرْبَعِينَ
وَذُو تَشَاجُرٍ كَالأْبْعَدِينَ
وَمِثْلُهُ مِمَّا إِذَا كَانَ عُرْفُ الْبَلَدِ عَدَمَ التَّسَامُحِ. ذَكَرَهُ ابْنُ سَلَمُونَ فِي وَثَائِقِهِ.
الْحِيَازَةُ بَيْنَ الأْبِ وَابْنِهِ:
19 - بِمَا أَنَّ التَّسَامُحَ بَيْنَ الأْبِ وَابْنِهِ مِمَّا جَرَى بِهِ الْعُرْفُ فِي الأْقْطَارِ الْمُخْتَلِفَةِ، فَإِنَّ حِيَازَةَ أَحَدِهِمَا عَلَى الآْخَرِ إِنْ كَانَتْ مِنَ النَّوْعِ الأْوَّلِ فَهِيَ غَيْرُ مُؤَثِّرَةٍ، وَلِلْقَائِمِ مِنْهُمَا الْحَقُّ فِي الْمُطَالَبَةِ بِدُونِ تَحْدِيدِ أَمَدٍ، وَإِنْ كَانَتْ مِنَ النَّوْعِ الثَّانِي، أَعْنِي الْهَدْمَ، أَوِ الْبِنَاءَ، أَوِ الْغَرْسَ، أَوِ الإْيجَارَ، وَقَبَضَ الأْجْرَةَ فَلاَ تَكُونُ الْحِيَازَةُ مُؤَثِّرَةً إِلاَّ إِذَا طَالَ أَمَدُهَا طُولاً تَهْلِكُ فِيهِ الْبَيِّنَاتُ، وَيَنْقَطِعُ الْعِلْمُ بِحَقِيقَةِ مَا يَدَّعِيهِ كُلٌّ مِنْهُمَا. فَإِذَا بَلَغَتِ الْحِيَازَةُ مِثْلَ هَذَا الطُّولِ، انْقَطَعَتْ حُجَّةُ الْمُدَّعِي وَقُضِيَ لِلْحَائِزِ الْمُدَّعِي الْمِلْكِيَّةَ - وَلَمْ يُحَدِّدِ الزَّرْقَانِيُّ الْمُدَّةَ بِأَجَلٍ وَإِنَّمَا رَبَطَهَا بِسِنِّ الشُّهُودِ - وَنُقِلَ عَنْ مُخْتَصَرِ الْمُتَيْطِيِّ، أَنَّهُ ذَكَرَ فِي مَحَلٍّ عِشْرِينَ سَنَةً، وَفِي مَحَلٍّ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ سَنَةً، ثُمَّ اسْتُشْكِلَ ذَلِكَ بِأَنَّ الأْقَارِبَ بِغَيْرِ عَلاَقَةِ الْبُنُوَّةِ وَالأْبُوَّةِ تَكُونُ الْحِيَازَةُ بَيْنَهُمْ بِمَا يُجَاوِزُ الأْرْبَعِينَ، فَكَيْفَ تَكُونُ بَيْنَ الأْبِ وَابْنِهِ دُونَ ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلِ بِعِشْرِيْنَ سَنَةً، أَوْ كَيْفَ تَكُونُ مُسَاوِيَةً عَلَى الْقَوْلِ بِأَرْبَعِينَ.
وَحَدَّدَ الدَّرْدِيرُ فِي شَرْحِهِ عَلَى خَلِيلٍ أَقَلَّ الْمُدَّةِ بِسِتِّينَ سَنَةً بَيْنَ الاِبْنِ وَأَبِيهِ.
الْحِيَازَةُ بَيْنَ الأْخْتَانِ وَالأْصْهَارِ وَالْمَوَالِي:
20 - وَيَشْمَلُ الْمَوْلَى الأْعْلَى وَالأْسْفَلَ إِذَا لَمْ تَكُنْ بَيْنَهُمْ قَرَابَةٌ، وَاخْتُلِفَ فِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْوَالٍ كُلُّهَا لاِبْنِ الْقَاسِمِ: الأْوَّلُ: أَنَّهُمْ كَالأْقَارِبِ فَلاَ تَحْصُلُ الْحِيَازَةُ بَيْنَهُمْ إِلاَّ مَعَ الطُّولِ جِدًّا، بِأَنْ تَزِيدَ مُدَّتُهَا عَلَى أَرْبَعِينَ سَنَةً سَوَاءٌ كَانَ التَّصَرُّفُ بِالْهَدْمِ وَالْبُنْيَانِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا، أَوْ كَانَ بِالاِسْتِغْلاَلِ بِالْكِرَاءِ، أَوِ الاِنْتِفَاعِ بِنَفْسِهِ بِسُكْنَى أَوِ ازْدِرَاعٍ. وَقِيلَ إِنَّهُمْ كَالأْجَانِبِ غَيْرِ الشُّرَكَاءِ فَيَكْفِي فِي الْحِيَازَةِ عَشْرُ سِنِينَ مَعَ التَّصَرُّفِ مُطْلَقًا، أَيْ سَوَاءٌ كَانَ بِالْهَدْمِ، أَوِ الْبِنَاءِ، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ كُلٍّ مِنْهُمَا، أَوِ بِالإْجَارَةِ أَوْ بِالاِسْتِغْلاَلِ بِنَفْسِهِ بِسُكْنَى أَوِ ازْدِرَاعٍ، وَقِيلَ كَالأْجَانِبِ الشُّرَكَاءِ، فَيَكْفِي فِي الْحِيَازَةِ عَشْرُ سِنِينَ مَعَ التَّصَرُّفِ بِالْهَدْمِ، أَوِ الْبِنَاءِ، وَمَا يَقُومُ مَقَامَ كُلٍّ، لاَ بِاسْتِغْلاَلٍ أَوْ سُكْنَى أَوِ ازْدِرَاعٍ.
وَأَمَّا إِذَا كَانَ بَيْنَ الأْصْهَارِ قَرَابَةٌ يَجْرِي فِيهِمْ مَا يَجْرِي فِي الأْقَارِبِ.
الْحِيَازَةُ فِي غَيْرِ الْعَقَارِ فِي الْمَرَاتِبِ الْخَمْسَةِ.
21 - سَبَقَ أَنَّ الْحِيَازَةَ بَيْنَ الأْجَانِبِ فِي الْمَنْقُولاَتِ أَقَلُّ مُدَّةٍ مِنَ الرِّبَاعِ وَالْعَقَارَاتِ، وَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَإِنَّ حِيَازَةَ الْمَنْقُولاَتِ لاَ تَخْتَلِفُ عَنْ حِيَازَةِ الْعَقَارَاتِ، يَقُولُ خَلِيلٌ: وَإِنَّمَا تَفْتَرِقُ الدَّارُ مِنْ غَيْرِهَا فِي حِيَازَةِ الأْجْنَبِيِّ، وَمَفْهُومُ هَذَا أَنَّ الْحِيَازَةَ بَيْنَ الأْقَارِبِ لاَ تَفْتَرِقُ فِيهَا حِيَازَةُ الْعَقَارِ عَنْ حِيَازَةِ الْمَنْقُولِ فَلاَ بُدَّ مِنَ الزِّيَادَةِ عَلَى أَرْبَعِينَ عَامًا، وَالرَّاجِحُ أَنَّ الْمَنْقُولَ كَالْعُرُوضِ الَّتِي تَطُولُ مُدَّتُهَا كَالنُّحَاسِ وَالْبُسُطِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يُسْتَعْمَلُ، فَيَكْفِي فِيهَا الْعَشْرُ سِنِينَ بِخِلاَفِ مَا لاَ تَطُولُ مُدَّتُهَا كَالثِّيَابِ تُلْبَسُ فَيَنْبَغِي أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ بِالاِجْتِهَادِ.
وَيُوَضِّحُ الزَّرْقَانِيُّ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: لاَ كَثِيَابٍ مَعَ لُبْسٍ فَيَنْبَغِي حِيَازَتُهُ دُونَ تِلْكَ الْمُدَّةِ لِعَدَمِ بَقَائِهِ فِيهَا فَيَبْعُدُ تَحْدِيدُهُ بِذَلِكَ.
التَّصَرُّفُ مِنَ النَّوْعِ الثَّالِثِ:
22 - سَبَقَ أَنَّ التَّصَرُّفَ بِسَبَبِ الْحِيَازَةِ أَنْوَاعٌ: وَأَنَّ أَقْوَى الأْنْوَاعِ هُوَ التَّصَرُّفُ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالنُّحْلِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ الْمُفَوِّتَةِ عَنِ الْمَالِكِ حُقُوقَ الْمِلْكِيَّةِ، وَهَذَا التَّفْوِيتُ مِنَ الْحَائِزِ لاَ يَخْلُو وَضْعُهُ، إِمَّا أَنْ يَفُوتَ الْكُلُّ، أَوِ الْبَعْضُ، فَإِنْ فَوَّتَ الْكُلَّ فَلَهُ أَحْوَالٌ.
أ - الْحَالَةُ الأْولَى: أَنْ يَفُوتُ الْحَائِزُ بِالْبَيْعِ بِحُضُورِ الْمَحُوزِ عَنْهُ فَيَعْتَرِضَ عَلَى الْبَيْعِ فَلاَ يَنْفُذَ الْبَيْعُ.
ب - الثَّانِيَةُ: أَنْ يَسْكُتَ وَقْتَ مَجْلِسِ الْبَيْعِ بِدُونِ عُذْرٍ ثُمَّ يَقُومَ عَقِبَ الْمَجْلِسِ مُطَالِبًا بِحَقِّهِ فَيَنْفُذُ الْبَيْعُ وَيَسْتَحِقُّ الثَّمَنَ، وَإِنْ سَكَتَ حَتَّى مَضَى الْعَامُ وَنَحْوُهُ نَفَذَ الْبَيْعُ وَاسْتَحَقَّ الْبَائِعُ الثَّمَنَ مَعَ يَمِينِهِ فِي بَيَانِ الْوَجْهِ الَّذِي انْفَرَدَ بِهِ مِنْ شِرَاءٍ أَوْ مُقَاسَمَةٍ.
ج - الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ لاَ يَكُونَ حَاضِرًا مَجْلِسَ الْبَيْعِ فَيَعْلَمَ بِهِ بَعْدَ وُقُوعِهِ وَيَقُومَ بِمُجَرَّدِ مَا يَبْلُغُهُ الْخَبَرُ فَهُوَ عَلَى حَقِّهِ، إِنْ شَاءَ أَنْفَذَ الْبَيْعَ وَأَخَذَ الثَّمَنَ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّ الْبَيْعَ.
د - الْحَالَةُ الرَّابِعَةُ: أَنْ لاَ يَكُونَ حَاضِرًا مَجْلِسَ الْعَقْدِ فَيَعْلَمَ بِهِ بَعْدَ وُقُوعِهِ وَلاَ يَقُومَ إِلاَّ بَعْدَ الْعَامِ وَنَحْوِهِ، فَالْبَيْعُ نَافِذٌ وَلَيْسَ لَهُ إِلاَّ الثَّمَنُ.
هـ - الْحَالَةُ الْخَامِسَةُ: أَنْ لاَ يَكُونَ حَاضِرًا وَيَبْلُغُهُ الْخَبَرُ وَيَسْكُتُ حَتَّى تَمْضِيَ مُدَّةُ الْحِيَازَةِ فَلاَ يَسْتَحِقُّ شَيْئًا.
و - الْحَالَةُ السَّادِسَةُ: أَنْ يَقَعَ التَّفْوِيتُ بِالْهِبَةِ أَوِ الصَّدَقَةِ، وَقَدْ كَانَ حَاضِرًا مَجْلِسَ التَّفْوِيتِ وَاعْتَرَضَ فَهُوَ عَلَى حَقِّهِ.
ز - الْحَالَةُ السَّابِعَةُ: مِثْلُ سَابِقَتِهَا إِلاَّ أَنَّهُ سَكَتَ فِي مَجْلِسِ التَّفْوِيتِ، ثُمَّ أَبْدَى اعْتِرَاضَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ شَيْءٌ.
ح - الْحَالَةُ الثَّامِنَةُ: أَنْ يَكُونَ غَائِبًا عَنْ مَجْلِسِ التَّفْوِيتِ فَيَقُومُ بِمُجَرَّدِ مَا يَبْلُغُهُ الْخَبَرُ فَهُوَ عَلَى حَقِّهِ.
ط - الْحَالَةُ التَّاسِعَةُ: أَنْ يَقُومَ بَعْدَ الْعَامِ وَنَحْوِهِ فَالْقَوْلُ لِلْحَائِزِ.
تَفْوِيتُ الْبَعْضِ وَلَهُ أَحْوَالٌ:
وَكَذَلِكَ إِذَا فَوَّتَ الْبَعْضَ لَهُ أَحْوَالٌ:
الْحَالَةُ الأْولَى: إِذَا فَوَّتَ الأْكْثَرَ، فَمَا فَاتَ حُكْمُهُ عَلَى التَّفْصِيلِ السَّابِقِ وَالْقَلِيلُ قَد اخْتُلِفَ فِيهِ، فَرَوَى يَحْيَى عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الأْقَلَّ يَتْبَعُ الأْكْثَرَ يَسْتَحِقُّهُ الْحَائِزُ بِيَمِينِهِ، وَفُهِمَ مِنْ كَلاَمِ سَحْنُونٍ أَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ لاَ يَرَى أَنَّ الأْقَلَّ تَبَعٌ لِلأْكْثَرِ، فَيَكُونُ لِلْمَحُوزِ عَلَيْهِ حَقُّهُ بَعْدَ يَمِينِهِ.
الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: إِذَا فَوَّتَ الأْقَلَّ فَقَدْ رُوِيَ أَيْضًا عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ رِوَايَتَانِ أَنَّ الأْقَلَّ قَدْ تَمَّتْ حِيَازَتُهُ وَيَبْقَى الأْكْثَرُ عَلَى حَالِهِ يُطَبَّقُ فِيهِ مَقَايِيسُ الْحِيَازَةِ السَّابِقَةِ، وَرُوِيَ أَنَّ الأْقَلَّ يَكُونُ تَبَعًا لِلأْكْثَرِ فَلاَ يَرْتَفِعُ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ وَيَأْخُذُ الْمَحُوزُ عَلَيْهِ حَقَّهُ.
وَإِذَا فَوَّتَ النِّصْفَ فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ، وَلاَ يَكُونُ بَعْضُ ذَلِكَ تَبَعًا لِلْبَعْضِ.
تَأَخُّرُ الْحِيَازَةِ عَنْ ثُبُوتِ حَقِّ الْمِلْكِيَّةِ:
23 - إِذَا مَلَكَ شَخْصٌ مَالاً بِوَجْهٍ شَرْعِيٍّ وَتَأَخَّرَ حَوْزُهُ لَهُ فَهَلْ يُعْتَبَرُ هَذَا الْحَوْزُ مُسْقِطًا لِحَقِّهِ؟ أَنَّهُ إِنْ أَعْلَمَ وَجْهَ التَّمَلُّكِ وَتَأَخَّرَ الْحَوْزُ، فَإِنَّ الْمُدَّةَ لاَ تُؤَثِّرُ عَلَى الْمِلْكِيَّةِ لِقَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم : «لاَ يَبْطُلُ حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ وَإِنْ قَدُمَ» وَبِنَاءً عَلَى هَذَا فَإِذَا عَيَّنَ لاِمْرَأَةٍ صَدَاقَهَا حُقُولاً فَقَبَضَتِ الْبَعْضَ مِنْ يَدِ الزَّوْجِ أَوْ وَالِدِهِ، وَبَقِيَ قِسْمٌ لَمْ تَقْبِضْهُ إِلَى أَنْ مَاتَ الْمَالِكُ الأْصْلِيُّ وَالْيَدُ لِلزَّوْجِ فَإِنَّ طُولَ الْمُدَّةِ لاَ يُؤَثِّرُ فِي مُطَالَبَتِهَا بِحَقِّهَا وَتَسْتَحِقُّهُ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهَا فَوَّتَتْ صَدَاقَهَا بِمُفَوِّتٍ. وَكَذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِّ أَنَّ مَنْ قَامَ بِعَقْدِ شِرَاءٍ مِنَ الْمُقَّوَمِ عَلَيْهِ أَوْ مِنْ أَبِيهِ قَبْلَهُ، وَتَارِيخُ الشِّرَاءِ أَكْثَرُ مِنْ عِشْرِينَ سَنَةً، وَقَالَ لَمْ يَعْلَمْ بِشِرَاءِ أَبِيهِ وَلاَ جَدِّهِ إِلَى الآْنَ فَلْيَحْلِفْ عَلَى ذَلِكَ وَيَأْخُذُ الأْمْلاَكَ. ا هـ. عَلَّقَ عَلَيْهِ الرَّهُونِيُّ وَلاَ يَعْتَرِضُ هَذَا مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ رُسُومَ الأْشْرِيَةِ لاَ يُنْزَعُ بِهَا مِنْ يَدِ حَائِزٍ، لأِنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَقْدُ الشِّرَاءِ مِنَ الْمُقَوَّمِ عَلَيْهِ، لأِنَّ عِلَّةَ عَدَمِ الاِنْتِزَاعِ بِعُقُودِ الأْشْريَةِ أَنَّ الإْنْسَانَ قَدْ يَبِيعُ مَا لاَ يَمْلِكُ، وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْعِلَّةُ مُنْتَفِيَةً إِذَا كَانَ الْمُقَوَّمُ عَلَيْهِ هُوَ الْبَائِعَ، كَانَ رَسْمُ الشِّرَاءِ مُؤَيِّدًا لِلْقَائِمِ تَأْيِيدًا يُوجِبُ رَفْعَ يَدِ الْحَائِزِ، وَكَذَلِكَ إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ بِالْحَقِّ وَلَمْ يَحُزِ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ حَقَّهُ، فَإِنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ لاَ يَنْتَفِعُ بِطُولِ الْحِيَازَةِ، وَالْقَائِمُ يَكُونُ عَلَى حَقِّهِ مَتَى قَامَ بِهِ. وَوَرَثَةُ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَتِهِ، وَذَلِكَ لأِنَّ الْحِيَازَةَ لاَ يَنْتَفِعُ بِهَا إِلاَّ مَعَ جَهْلِ أَصْلِ الدُّخُولِ فِيهَا، وَالطُّولُ الْمَذْكُورُ قِيلَ: عِشْرُونَ سَنَةً عَلَى مَا وَقَعَ فِي سَمَاعِ عِيسَى فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ، وَحَدَّهُ ابْنُ حَبِيبٍ خَمْسِينَ سَنَةً وَحَكَاهُ عَنْ مُطَرِّفٍ وَأَصْبَغَ وَدَقَّقَ ابْنُ رُشْدٍ بِأَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إِذَا ادَّعَى الْحَائِزُ بَعْدَ طُولِ الْمُدَّةِ أَنَّهُ صَارَ إِلَيْهِ بَعْدَ الْحُكْمِ بِوَجْهٍ عَيَّنَهُ مِمَّا يَصِحُّ بِهِ انْتِقَالُ الأْمْلاَكِ، وَأَمَّا طُولُ بَقَائِهِ وَحْدَهُ بِيَدِهِ فَلاَ يُعْتَبَرُ نَاقِلاً لِلْمِلْكِ.
الْحِيَازَةُ كَسَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِيَّةِ:
24 - تَكُونُ الْحِيَازَةُ مُفِيدَةً لِلْمِلْكِيَّةِ إِذَا كَانَ مَوْضُوعُهَا الْمَالَ الْمُبَاحَ الَّذِي لَيْسَ فِي مِلْكِ أَحَدٍ وَقْتَ وَضْعِ الْيَدِ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُوجَدْ مَانِعٌ شَرْعِيٌّ يَمْنَعُ مِنْ تَمَلُّكِهِ وَيَشْمَلُ أَنْوَاعًا أَرْبَعَةً:
أ - إِحْيَاءُ الْمَوَاتِ (ر: إِحْيَاءُ الْمَوَاتِ، وَأَرْضٌ).
ب - الاِصْطِيَادُ (ر. صَيْدٌ).
ج - أَخْذُ الْكَلأَ وَنَحْوِهِ (ر: احْتِشَاشٌ، وَكَلأَ).
د - أَخْذُ مَا يُوجَدُ فِي بَاطِنِ الأْرْضِ (ر. مَعَادِنُ، رِكَازٌ).
هَذَا، وَهُنَاكَ مَسَائِلُ أُخْرَى تَتَعَلَّقُ بِالْحِيَازَةِ، كَضَرُورَتِهَا فِي عَقْدِ الْهِبَةِ، وَعَدَمِ تَمَامِ التَّبَرُّعِ بِدُونِهَا، وَأَثَرُهَا فِي عَقْدِ الرَّهْنِ وَتَعْيِينُ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَأَثَرُ شَهَادَةِ السَّمَاعِ عَلَى الْحِيَازَةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ، تُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحَاتِ: (تَبَرُّعٌ، دَعْوَى، رَهْنٌ، شَهَادَةٌ، قَبْضٌ، هِبَةٌ).
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثالث والأربعون ، الصفحة / 301
وَضْعُ الْيَدِ
التَّعْرِيفُ:
1 - مِنْ مَعَانِي الْوَضْعِ فِي اللُّغَةِ: التَّرْكُ، يُقَالُ: وَضَعْتُ الشَّيْءَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَضْعًا تَرَكْتُهُ هُنَاكَ.
وَيَأْتِي بِمَعْنَى الإْسْقَاطِ، يُقَالُ: وَضَعْتُ عَنْهُ دَيْنَهُ أَسْقَطْتُهُ .
وَالْيَدُ فِي اللُّغَةِ مِنَ الْمَنْكِبِ إِلَى أَطْرَافِ الأْصَابِعِ، وَالْجَمْعُ الأْيْدِ، وَالأْيَادِي جَمْعُ الْجَمْعِ.
وَالْيَدُ: النِّعْمَةُ وَالإْحْسَانُ، وَتُطْلَقُ الْيَدُ عَلَى الْقُدْرَةِ، وَيَدُهُ عَلَيْهِ: أَيْ سُلْطَانُهُ، وَالأْمْرُ بِيَدِ فُلاَنٍ: أَيْ فِي تَصَرُّفِهِ .
وَقَالَ الرَّاغِبُ الأْصْفَهَانِيُّ: اسْتُعِيرَ الْيَدُ لِلْحَوْزِ وَالْمِلْكِ مَرَّةً، يُقَالُ: هَذَا فِي يَدِ فُلاَنٍ أَيْ فِي حَوْزِهِ وَمِلْكِهِ، وَلِلْقُوَّةِ مَرَّةً، يُقَالُ: لِفُلاَنٍ يَدٌ عَلَى كَذَا، وَمَالِي بِكَذَا يَدٌ .
وَوَضْعُ الْيَدِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ هُوَ: تَصَرُّفُ ذِي الْيَدِ فِي عَيْنٍ بِالْفِعْلِ، أَوْ ثُبُوتُ تَصَرُّفِهِ فِيهَا تَصَرُّفَ الْمُلاَّكِ .
قَالَ عَلِي حَيْدَر: ذُو الْيَدِ هُوَ وَاضِعُ الْيَدِ عَلَى عَيْنٍ بِالْفِعْلِ، أَوِ الَّذِي يَثْبُتُ تَصَرُّفُهُ فِي عَيْنٍ وَانْتِفَاعُهُ مِنْهَا تَصَرُّفَ الْمُلاَّكِ.
وَيُطْلِقُ الْفُقَهَاءُ وَضْعَ الْيَدِ كَذَلِكَ وَيُرِيدُونَ بِهِ وَضْعَ الْيَدِ الْحِسِّيَّةِ - وَهِيَ الْجَارِحَةُ - عَلَى شَيْءٍ مَا .
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْحِيَازَةُ:
2 - الْحِيَازَةُ فِي اللُّغَةِ: ضَمُّ الشَّيْءِ وَجَمْعُهُ يُقَالُ: حُزْتُ الشَّيْءَ وَأَحُوزُهُ حَوْزًا وَحِيَازَةً: ضَمَمْتُهُ وَجَمَعْتُهُ، وَكُلُّ مَنْ ضَمَّ إِلَى نَفْسِهِ شَيْئًا فَقَدَ حَازَهُ .
وَالْحِيَازَةُ فِي الاِصْطِلاَحِ: هِيَ وَضْعُ الْيَ - دِ عَلَى الشَّيْءِ وَالاِسْتِيلاَءُ عَلَيْهِ .
وَوَضْعُ الْيَدِ أَعَمُّ مِنَ الْحِيَازَةِ.
ب - الْغَصْبُ:
3 - الْغَصْبُ فِي اللُّغَةِ: الأْخْذُ قَهْرًا وَظُلْمًا. يُقَالُ: غَصَبَ الشَّيْءَ غَصْبًا أَخَذَهُ قَهْرًا وَظُلْمًا، وَالاِغْتِصَابُ مِثْلُهُ .
وَالْغَصْبُ فِي الاِصْطِلاَحِ: إِزَالَةُ يَدِ الْمَالِكِ عَنْ مَالِهِ الْمُتَقَوِّمِ عَلَى سَبِيلِ الْمُجَاهَرَةِ وَالْمُغَالَبَةِ بِفِعْلٍ فِي الْمَالِ .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ وَضْعِ الْيَدِ وَالْغَصْبِ أَنَّ وَضْعَ الْيَدِ أَعَمُّ مِنَ الْغَصْبِ.
أَوَّلاً: الأْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِوَضْعِ الْيَدِ بِمَعْنَى التَّصَرُّفِ فِي عَيْنٍ
أ - دَلاَلَةُ وَضْعِ الْيَدِ عَلَى الْمِلْكِيَّةِ:
4 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ فِي الْجُمْلَةِ عَلَى أَنَّ وَضْعَ الْيَدِ دَلِيلُ الْمِلْكِ وَلَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ تَفْصِيلٌ:
قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: وَضْعُ الْيَدِ وَالتَّصَرُّفُ مِنْ أَقْوَى مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْمِلْكِ، وَلِذَا تَصِحُّ الشَّهَادَةُ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ.
قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: إِذَا ادَّعَى وَاضِعُ الْيَدِ عَلَى الأْرْضِ الَّذِي تَلَقَّاهَا شِرَاءً أَوْ إِرْثًا أَوْ غَيْرَهُمَا مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ أَنَّهَا مِلْكُهُ، وَأَنَّهُ يُؤَدِّي خَرَاجَهَا، فَالْقَوْلُ لَهُ، وَعَلَى مَنْ يُخَاصِمُهُ فِي الْمِلْكِ الْبُرْهَانُ إِنْ صَحَّتْ دَعْوَاهُ عَلَيْهِ شَرْعًا وَاسْتُوفِيَتْ شُرُوطُ الدَّعْوَى.
ثُمَّ يَقُولُ: وَقَدْ قَالُوا إِنَّ وَضْعَ الْيَدِ وَالتَّصَرُّفَ مِنْ أَقْوَى مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْمِلْكِ، وَلِذَا تَصِحُّ الشَّهَادَةُ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ.
وَفِي رِسَالَةِ الْخَرَاجِ لأِبِي يُوسُفَ: وَأَيُّمَا قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْخَرَاجِ أَوِ الْحَرْبِ بَادُوا فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ، وَبَقِيَتْ أَرْضُهُمْ مُعَطَّلَةً وَلاَ يُعْرَفُ أَنَّهَا فِي يَدِ أَحَدٍ، وَلاَ أَنَّ أَحَدًا يَدَّعِي فِيهَا دَعْوَى، وَأَخَذَهَا رَجُلٌ فَحَرَثَهَا وَغَرَسَ فِيهَا وَأَدَّى عَنْهَا الْخَرَاجَ أَوِ الْعُشْرَ فَهِيَ لَهُ، وَلَيْسَ لِلإْمَامِ أَنْ يُخْرِجَ شَيْئًا مِنْ يَدِ أَحَدٍ إِلاَّ بِحَقٍّ ثَابِتٍ مَعْرُوفٍ .
وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ وَضْعَ الْيَدِ - أَيِ الْحِيَازَةَ - إِذَا طَالَ وَلَمْ يُوجَدْ مُنَازِعٌ، وَهُوَ يَتَصَرَّفُ تَصَرُّفَ الْمُلاَّكِ دَلَّ عَلَى الْمِلْكِ، وَإِنْ لَمْ تَطُلِ الْحِيَازَةُ لَمْ يَثْبُتِ الْمِلْكُ.
قَالَ سَحْنُونٌ: الشَّهَادَةُ بِالْمِلْكِ أَنْ تَطُولَ الْحِيَازَةُ وَهُوَ يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُ الْمُلاَّكُ لاَ مُنَازِعَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ تَطُلِ الْحِيَازَةُ لَمْ يَثْبُتِ الْمِلْكُ .
وَاخْتَلَفَ فُقَهَاءُ الْمَالِكِيَّةِ فِي سُؤَالِ الْحَائِزِ الأْجْنَبِيِّ مِنْ أَيْنَ صَارَ إِلَيْهِ الْمِلْكُ؟ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: يَخْتَلِفُ الْجَوَابُ فِي ذَلِكَ بِحَسَبِ اخْتِلاَفِ الْوُجُوهِ:
فَوَجْهٌ: لاَ يُسْأَلُ الْحَائِزُ عَمَّا فِي يَدَيْهِ مِنْ أَيْنَ صَارَ إِلَيْهِ، وَتَبْطُلُ دَعْوَى الْمُدَّعَى فِيهِ بِكُلِّ حَالٍ، فَلاَ يُوجِبُ يَمِينًا عَلَى الْحَائِزِ الْمُدَّعَى فِيهِ، إِلاَّ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَعَارَهُ إِيَّاهُ فَتَجِبُ لَهُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ عَلَى ذَلِكَ. وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ إِذَا لَمْ يَثْبُتِ الأْصْلُ لِلْمُدَّعِي وَلاَ أَقَرَّ لَهُ بِهِ الْحَائِزُ الَّذِي حَازَهُ فِي وَجْهِهِ الْعَشَرَةَ الأْعْوَامِ وَنَحْوَهَا، وَلَوِ ادَّعَى عَلَيْهِ مَا فِي يَدَيْهِ أَنَّهُ مَالُهُ وَمِلْكُهُ قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ مُدَّةُ الْحِيَازَةِ عَلَيْهِ فِي وَجْهِهِ لَوَجَبَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ.
وَوَجْهٌ: يُسْأَلُ الْحَائِزُ عَمَّا فِي يَدَيْهِ مِنْ أَيْنَ صَارَ إِلَيْهِ؟ وَلاَ يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ مَعَ يَمِينِهِ وَيُكَلَّفُ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ إِذَا ثَبَتَ الأْصْلُ لِلْمُدَّعِي، أَوْ أَقَرَّ لَهُ بِهِ الْحَائِزُ قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ مُدَّةُ الْحِيَازَةِ عَلَيْهِ، فَيَجِبُ أَنْ يُسْأَلَ مِنْ أَيْنَ صَارَ إِلَيْهِ؟ وَيُكَلَّفُ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ.
وَوَجْهٌ: يُخْتَلَفُ فِيهِ، فَقِيلَ: إِنَّهُ لاَ يَلْزَمُ الْمَطْلُوبَ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُوقَفَ عَلَى الإْقْرَارِ أَوِ الإْنْكَارِ، وَقِيلَ إِنَّهُ يُوقَفُ وَيُسْأَلُ مِنْ أَيْنَ صَارَ إِلَيْهِ؟ وَهُوَ إِذَا ثَبَتَتِ الْمَوَارِيثُ وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهَا لأِبِيهِ أَوْ جَدِّهِ . (ر: حِيَازَة ف 6)
ب - كَيْفِيَّةُ وَضْعِ الْيَدِ:
5 - وَضْعُ الْيَدِ يَكُونُ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبهِ وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلاَفِ مَا تُوضَعُ الْيَدُ عَلَيْهِ.
6 - فَفِي الْعَقَارِ يَحْصُلُ وَضْعُ الْيَدِ عَلَيْهِ بِأَحَدِ أُمُورٍ:
- أَنْ يَسْكُنَ الدَّارَ، وَأَنْ يُحْدِثَ أَبْنِيَةً فِيهَا.
- وَفِي الْعَرْصَةِ حَفْرُ بِئْرٍ أَوْ نَهَرٍ أَوْ قَنَاةٍ، أَوْ غَرْسُ أَشْجَارٍ، أَوْ زَرْعُ مَزْرُوعَاتٍ، أَوْ إِنْشَاءُ أَبْنِيَةٍ أَوْ صُنْعُ لَبِنٍ.
- وَفِي الْحَرَجِ وَالْغَابِ قَطْعُ الأْشْجَارِ مِنْهَا وَبَيْعُهَا، وَبِالاِنْتِفَاعِ مِنْهَا بِوَجْهٍ قَرِيبٍ مِنْ ذَلِكَ.
- وَفِي الْمَرْعَى قَطْعُ الْحَشَائِشِ وَحِفْظُهَا وَبَيْعُهَا، أَوْ رَعْيُ الْحَيَوَانَاتِ فِيهَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ.
أَمَّا وُجُودُ مِفْتَاحِ بَابِ الدَّارِ فِي يَدِ أَحَدٍ فَلاَ يَكُونُ بِمُجَرَّدِ وُجُودِهِ فِي يَدِهِ ذَا يَدٍ، فَلِذَلِكَ إِذَا كَانَ أَحَدٌ سَاكِنًا فِي دَارٍ وَأَشْيَاؤُهُ مَوْضُوعَةٌ فِيهَا، وَكَانَ مِفْتَاحُ تِلْكَ الدَّارِ فِي يَدِ آخَرَ، فَالْوَاضِعُ الْيَدِ عَلَى الدَّارِ هُوَ السَّاكِنُ فِيهَا وَلَيْسَ حَامِلَ مِفْتَاحِ بَابِهَا .
قَالَ أَصْبَغُ: مَا حَازَهُ الأْجْنَبِيُّ عَلَى الأْجْنَبِيِّ بِحَضْرَتِهِ وَعِلْمِهِ أَيَّ الْحِيَازَاتِ كَانَتْ مِنْ سُكْنَى فَقَطْ أَوِ ازْدِرَاعٍ أَوْ هَدْمٍ أَوْ بُنْيَانٍ صَغُرَ شَأْنُهُ أَوْ عَظُمَ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ الْحِيَازَاتِ كُلِّهَا فَذَلِكَ يُوجِبُهُ لِحَائِزِهِ .
7 - أَمَّا وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الْمَنْقُولِ فَيَكُونُ بِكُلِّ مَا يَدُلُّ عَلَى حِيَازَةِ الشَّخْصِ لَهُ، قَالَ مُطَرِّفٌ وَأَصْبَغُ: مَا حَازَهُ الأْجْنَبِيُّ عَلَى الأْجْنَبِيِّ مِنَ الْعَبِيدِ وَالإْمَاءِ وَالدَّوَابِّ وَالْحَيَوَانِ كُلِّهِ وَالْعُرُوضِ كُلِّهَا فَأَقَامَ ذَلِكَ فِي يَدَيْهِ يَخْتَدِمُ الرَّقِيقَ وَيَرْكَبُ الدَّوَابَّ وَيَحْلِبُ الْمَاشِيَةَ وَيَمْتَهِنُ الْعُرُوضَ فَذَلِكَ كُلُّهُ كَالْحَائِزِ .
ج - وَسَائِلُ إِثْبَاتِ وَضْعِ الْيَدِ:
8 - يُفَرِّقُ الْحَنَفِيَّةُ فِي إِثْبَاتِ وَضْعِ الْيَدِ بَيْنَ الْعَقَارِ وَغَيْرِهِ، فَيَلْزَمُ إِثْبَاتُ الْيَدِ بِالْبَيِّنَةِ فِي الْعَقَارِ الْمُنَازَعِ فِيهِ، وَلاَ يُحْكَمُ بِهَا بِتَصَادُقِ الْخَصْمَيْنِ.
وَمَعْنَى هَذَا كَمَا فِي دُرَرِ الْحُكَّامِ: أَنَّهُ لاَ يُحْكَمُ بِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ذُو يَدٍ بِإِقْرَارِهِ عِنْدَ دَعْوَى الْمُدَّعِي، فَإِذَا أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ فِي الْعَقَارِ الْمُنَازَعِ فِيهِ، فَلأِجْلِ صِحَّةِ إِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ يَلْزَمُ إِثْبَاتُ وَضْعِ الْيَدِ بِالْبَيِّنَةِ؛ لأِنَّ دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ هِيَ دَعْوَى إِزَالَةِ الْيَدِ وَتَرْكِ التَّعَرُّضِ؛ وَطَلَبُ إِزَالَةِ الْيَدِ إِنَّمَا يَكُونُ عَلَى ذِي الْيَدِ.
وَلاَ يَثْبُتُ وَضْعُ الْيَدِ بِعِلْمِ الْقَاضِي؛ لأِنَّ عِلْمَ الْقَاضِي لَيْسَ مِنْ أَسْبَابِ الْحُكْمِ.
كَمَا لاَ يَثْبُتُ وَضْعُ الْيَدِ فِي الْعَقَارِ بِتَصَادُقِ الْخَصْمَيْنِ؛ لأِنَّ الْيَدَ فِيهِ غَيْرُ مُشَاهَدَةٍ، فَلَعَلَّهُ فِي يَدِ غَيْرِهِمَا تَوَاضُعًا فِيهِ لِيَكُونَ لَهُمَا ذَرِيعَةً إِلَى أَخْذِهِ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ.
فَإِذَا ثَبَتَ وَضْعُ الْيَدِ بِمُجَرَّدِ الإْقْرَارِ وَثَبَتَتِ الْمِلْكِيَّةُ بِالشُّهُودِ وَحُكِمَ بِهَا لاَ يَنْفُذُ الْحُكْمُ .
9 - وَيُسْتَثْنَى مِنْ لُزُومِ إِثْبَاتِ وَضَاعَةِ الْيَدِ فِي دَعْوَى الْعَقَارِ مَسَائِلُ الشِّرَاءِ وَالْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ. وَهِيَ أَنَّهُ:
إِذَا ادَّعَى الْمُدَّعِي قَائِلاً: إِنَّنِي كُنْتُ اشْتَرَيْتُ مِنْكَ ذَلِكَ الْعَقَارَ، أَوْ كُنْتَ غَصَبْتَهُ مِنِّي فَلاَ حَاجَةَ إِلَى إِثْبَاتِ كَوْنِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ذَا الْيَدِ بِالْبَيِّنَةِ؛ لأِنَّ دَعْوَى الْفِعْلِ كَمَا تَصِحُّ عَلَى ذِي الْيَدِ تَصِحُّ عَلَى غَيْرِهِ، فَعَدَمُ ثُبُوتِ الْيَدِ لاَ يَمْنَعُ صِحَّةَ الدَّعْوَى.
وَإِنَّ الَّذِي يُحْدِثُ يَدَهُ تَغَلُّبًا عَلَى مَالٍ لاَ يُعَدُّ وَاضِعًا الْيَدَ عَلَى ذَلِكَ الْمَالِ فِي نَفْسِ الأْمْرِ، فَعَلَيْهِ إِذَا ثَبَتَ لِلْقَاضِي إِحْدَاثُ يَدِهِ تَغَلُّبًا عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ يُؤْمَرُ بِرَدِّ الْمَالِ الْمَذْكُورِ إِلَى الشَّخْصِ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْهُ، وَيُعَدُّ ذَلِكَ الشَّخْصُ ذَا الْيَدِ.
10 - أَمَّا الْمَنْقُولُ فَذُو الْيَدِ عَلَيْهِ هُوَ مَنْ وُجِدَ فِي يَدِهِ فَلاَ حَاجَةَ فِيهِ إِلَى إِثْبَاتِ الْيَدِ بِالْبَيِّنَةِ.
وَعَلَى هَذَا فَإِذَا وُجِدَ الْمَنْقُولُ فِي يَدِ أَيِّ شَخْصٍ كَانَ فَهُوَ ذُو الْيَدِ؛ لأِنَّ وَضْعَ الْيَدِ فِي الْمَنْقُولِ كَمَا يَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ يَثْبُتُ بِالْمُشَاهَدَةِ وَالْعِيَانِ وَبِالإْقْرَارِ .
وَإِذَا أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وُجُودَ الْمَالِ الْمَنْقُولِ فِي يَدِهِ وَادَّعَى الْمُدَّعِي أَنَّ الْمَالَ الْمَنْقُولَ كَانَ تَحْتَ يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُنْذُ سَنَةٍ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ فِي ذَلِكَ فَتُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ وَيُعْتَبَرُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ذَا الْيَدِ .
د - وَضْعُ الْيَدِ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ:
11 - وَمَنْ أَخَذَ مَالَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ عُدْوَانًا فَهُوَ غَاصِبٌ وَيُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (غَصْب ف 1 وَمَا بَعْدَهَا).
وَإِنْ أَخَذَ مَالَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ خَطَأً كَأَنْ ظَنَّ أَنَّهُ مَلَكَهُ، وَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ؛ لأِنَّهُ حَقُّ الْعَبْدِ فَلاَ يُتَوَقَّفُ عَلَى قَصْدِهِ وَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ؛ لأِنَّ الْخَطَأَ مَرْفُوعُ الْمُؤَاخَذَةِ شَرْعًا بِبَرَكَةِ دُعَاءِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ: «رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا» وَقَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم : «إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» .
هـ - التَّنَازُعُ فِي وَضْعِ الْيَدِ:
12 - إِذَا تَنَازَعَ شَخْصَانِ فِي عَقَارٍ وَادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا كَوْنَهُ ذَا الْيَدِ فِي ذَلِكَ الْعَقَارِ تُطْلَبُ أَوَّلاً الْبَيِّنَةُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى كَوْنِهِ ذَا الْيَدِ، فَإِذَا أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ تَثْبُتُ يَدُهُمَا مَعًا عَلَى الْعَقَارِ، وَيَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا مُدَّعًى عَلَيْهِ فِي الْقِسْمِ الْوَاضِعِ الْيَدِ عَلَيْهِ وَمُدَّعِيًا فِي الْقِسْمِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ خَارِجًا؛ لأِنَّ هُمَا مُتَسَاوِيَانِ فِي أَسْبَابِ الثُّبُوتِ إِلاَّ أَنَّهُمَا مَا لَمْ يَثْبُتْ كَوْنُ الْعَقَارِ الْمَذْكُورِ مِلْكَهُمَا الْمُشْتَرَكَ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِالإْقْرَارِ فَلاَ يُقَسَّمُ الْمِلْكُ بَيْنَهُمَا. وَإِذَا أَظْهَرَ أَحَدُهُمَا الْعَجْزَ عَنْ إِثْبَاتِ وَضْعِ يَدِهِ وَأَقَامَ الآْخَرُ الْبَيِّنَةَ عَلَى كَوْنِهِ وَاضِعَ الْيَدِ يُحْكَمُ بِكَوْنِهِ ذَا الْيَدِ مُسْتَقِلًّا وَمُدَّعًى عَلَيْهِ، وَيُعَدُّ الآْخَرُ خَارِجًا وَمُدَّعِيًا .
و - مَرَاتِبُ وَضْعِ الْيَدِ:
13 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ عِنْدَ التَّنَازُعِ فِي وَضْعِ الْيَدِ، وَلاَ بَيِّنَةَ لأِحَدِهِمَا فَإِنَّهُ يُقْضَى لِلأْقْوَى مِنْهُمَا، أَوْ يَشْتَرِكَانِ إِذَا تَسَاوَيَا فِي الْقُوَّةِ.
وَلِلْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ:
فَقَدْ نَصُّ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى مَا يَلِي:
اللاَّبِسُ لِلثَّوْبِ أَحَقُّ مِنْ آخِذِ الْكُمِّ، قَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ: فَيُقْضَى لَهُ قَضَاءُ تَرْكٍ لاَ اسْتِحْقَاقٍ، حَتَّى لَوْ أَقَامَ الآْخَرُ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ ذَلِكَ يُقْضَى لَهُ.
وَالرَّاكِبُ أَحَقُّ مِنْ آخِذِ اللِّجَامِ.
وَمَنْ فِي السَّرْجِ أَحَقُّ مِنْ رَدِيفِهِ (وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ هِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: أَقُولُ لَكِنَّ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُلْتَقَى مِثْلَ الرَّأْيِ الأْوَّلِ) بِخِلاَفِ مَا إِذَا كَانَا رَاكِبَيْنِ فِي السَّرْجِ فَإِنَّهُمَا بَيْنَهُمَا قَوْلاً وَاحِدًا، كَمَا فِي الْغَايَةِ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ اشْتِرَاكُهُمَا إِذَا لَمْ تَكُنْ مُسْرَجَةً.
وَذُو حِمْلِ الدَّابَّةِ أَوْلَى مِمَّنْ عَلَّقَ كُوزَهُ بِهَا؛ لأِنَّهُ أَكْثَرُ تَصَرُّفًا، أَمَّا لَوْ كَانَ لَهُ بَعْضُ حِمْلِهَا؛ كَمَا إِذَا كَانَ لأِحَدِهِمَا مَنٌّ وَالآْخَرِ مِائَةُ مَنٍّ، كَانَتْ بَيْنَهُمَا.
وَالْجَالِسُ عَلَى الْبِسَاطِ، وَالْمُتَعَلِّقُ بِهِ سَوَاءٌ كَجَالِسِيهِ، وَكَرَاكِبِي سَرْجٍ - وَكَذَا مَنْ مَعَهُ ثَوْبٌ وَطَرَفُهُ مَعَ الآْخَرِ - لاَ هُدْبَتُهُ، أَيْ طُرَّتُهُ غَيْرُ الْمَنْسُوجَةِ؛ لأِنَّ هَا لَيْسَتْ بِثَوْبٍ.
أَمَّا جَالِسَا دَارٍ تَنَازَعَا فِيهَا فَإِنَّهُ لاَ يُقْضَى لَهُمَا لاِحْتِمَالِ أَنَّهَا فِي يَدِ غَيْرِهِمَا.
وَنَصُّوا أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْحَائِطَ يَكُونُ لِمَنْ جُذُوعُهُ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ لأِحَدِهِمَا جِذْعٌ أَوْ جِذْعَانِ دُونَ الثَّلاَثَةِ وَلِلآْخَرِ عَلَيْهِ ثَلاَثَةُ أَجْذَاعٍ أَوْ أَكْثَرُ.
ذُكِرَ فِي النَّوَازِلِ أَنَّ الْحَائِطَ يَكُونُ لِصَاحِبِ الثَّلاَثَةِ، وَلِصَاحِبِ مَا دُونَ الثَّلاَثَةِ مَوْضِعُ جِذْعِهِ، قَالَ: وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ آخِرًا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إِنَّ الْقِيَاسَ أَنْ يَكُونَ الْحَائِطُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَبِهِ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه يَقُولُ أَوَّلاً، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الاِسْتِحْسَانِ.
وَكَذَا يَكُونُ الْحَائِطُ لِمَنْ هُوَ مُتَّصِلٌ بِهِ اتِّصَالَ تَرْبِيعٍ - بِأَنْ تَتَدَاخَلَ أَنْصَافُ لَبِنَاتِهِ فِي لَبِنَاتِ الآْخَرِ - وَلَوْ مِنْ خَشَبٍ فَبِأَنْ تَكُونَ الْخَشَبَةُ مُرَكَّبَةً فِي الأْخْرَى لِدَلاَلَتِهِ عَلَى أَنَّهُمَا بُنِيَا مَعًا، وَلِذَا سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لأِنَّهُ حِينَئِذٍ يُبْنَى مُرَبَّعًا؛ وَلاَ يَكُونُ لِمَنْ لَهُ اتِّصَالُ مُلاَزَقَةٍ أَوْ نَقْبٌ وَإِدْخَالٌ (بِأَنْ نَقَبَ وَأَدْخَلَ الْخَشَبَةَ)، أَوْ هَرَادِي (كَقَصَبٍ وَطَبَقٍ يُوضَعُ عَلَى الْجُذُوعِ) وَلاَ يُخَصُّ بِهِ صَاحِبُ الْهَرَادِي، بَلْ صَاحِبُ الْجِذْعِ الْوَاحِدِ أَحَقُّ مِنْهُ.
وَلَوْ لأِحَدِهِمَا جُذُوعٌ وَلِلآْخَرِ اتِّصَالٌ، فَلِذِي الاِتِّصَالِ وَلِلآْخَرِ حَقُّ الْوَضْعِ، وَقِيلَ لِذِي الْجُذُوعِ.
وَذُو بَيْتٍ مِنْ دَارٍ فِيهَا بُيُوتٌ كَثِيرَةٌ كَذِي بُيُوتٍ مِنْهَا فِي حَقِّ سَاحَتِهَا، فَهِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ كَالطَّرِيقِ.
وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّ لِلْيَدِ مَرَاتِبَ مُرَتَّبَةً، فَأَعْظَمُهَا ثِيَابُ الإْنْسَانِ الَّتِي عَلَيْهِ وَمِنْطَقَتُهُ، وَيَلِيهِ الْبِسَاطُ الَّذِي هُوَ جَالِسٌ عَلَيْهِ، وَالدَّابَّةُ الَّتِي هُوَ رَاكِبُهَا، وَيَلِيهِ الدَّابَّةُ الَّتِي هُوَ سَائِقُهَا أَوْ قَائِدُهَا، وَيَلِيهِ الدَّارُ الَّتِي هُوَ سَاكِنُهَا فَهِيَ دُونَ الدَّابَّةِ، لِعَدَمِ اسْتِيلاَئِهِ عَلَى جَمِيعِهَا. قَالَ فِي تَهْذِيبِ الْفُرُوقِ: قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: تُقَدَّمُ أَقْوَى الْيَدَيْنِ عَلَى أَضْعَفِهِمَا، فَرَاكِبُ الدَّابَّةِ يُقَدَّمُ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى السَّائِقِ عِنْدَ تَنَازُعِهِمَا، وَإِذَا تَنَازَعَ السَّاكِنَانِ الدَّارَ سَوَّى بَيْنَهُمَا بَعْدَ أَيْمَانِهِمَا .
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِذَا تَدَاعَيَا دَابَّةً وَلأِحَدِهِمَا عَلَيْهَا حِمْلٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الْحِمْلِ مَعَ يَمِينِهِ لاِنْفِرَادِهِ فِي الاِنْتِفَاعِ بِالدَّابَّةِ، وَلَوْ تَدَاعى ثَلاَثَةٌ دَابَّةً: وَاحِدٌ سَائِقُهَا، وَالآْخَرُ آخِذٌ بِزِمَامِهَا، وَالثَّالِثُ رَاكِبُهَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاكِبِ لِوُجُودِ الاِنْتِفَاعِ فِي حَقِّهِ.
وَلَوْ تَنَازَعَا عَلَى حَيَوَانٍ، وَيَدُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْحَيَوَانِ، وَيَدُ الآْخَرِ عَلَى حِمْلِهِ فَإِنَّهُ لِمَنْ يَدُهُ عَلَى الْحَيَوَانِ، لاَ لِمَنْ يَدُهُ عَلَى حِمْلِهِ.
وَلَوْ تَنَازَعَا فِي ثَوْبٍ، أَحَدُهُمَا لاَبِسُهُ وَالآْخَرُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ يُجَاذِبُهُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ اللاَّبِسِ مِنْهُمَا؛ لأِنَّهُ الْمُنْفَرِدُ بِالاِنْتِفَاعِ.
وَلَوْ تَنَازَعَا فِي سَفِينَةٍ، أَحَدُهُمَا رَاكِبٌ وَالآْخَرُ مُمْسِكُهَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاكِبِ؛ لأِنَّهُ مُتَصَرِّفٌ فِيهَا. وَكَذَا فِي مُمْسِكِ جَنْبِهَا وَمُمْسِكِ رِبَاطِهَا، يُصَدَّقُ مُمْسِكُ الْجَنْبِ .
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: لَوْ تَنَازَعَا دَابَّةً، أَحَدُهُمَا رَكِبَهَا أَوْ لَهُ عَلَيْهَا حِمْلٌ، وَالآْخَرُ آخِذٌ بِزِمَامِهَا أَوْ سَائِقُهَا، فَهِيَ لِلأْوَّلِ بِيَمِينِهِ؛ لأِنَّهُ تَصَرُّفٌ أَقْوَى، وَيَدُهُ آكَدُ.
وَإِنْ تَنَازَعَا ثِيَابَ عَبْدٍ عَلَيْهِ فَهِيَ لِصَاحِبِ الْعَبْدِ.
وَإِنْ تَنَازَعَا قَمِيصًا أَحَدُهُمَا لاَبِسُهُ وَالآْخَرُ آخِذٌ بِكُمِّهِ فَهُوَ لِلأْوَّلِ.
وَلَوْ كَانَتْ دَارٌ فِيهَا أَرْبَعَةُ بُيُوتٍ، فِي أَحَدِهَا سَاكِنٌ وَفِي الثَّلاَثَةِ الأْخْرَى سَاكِنٌ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا هُوَ سَاكِنٌ فِيهِ.
وَإِنْ تَنَازَعَا سَاحَةَ الدَّارِ فَهِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لاِشْتِرَاكِهِمَا فِي ثُبُوتِ الْيَدِ عَلَيْهَا. وَلَوْ كَانَتْ شَاةٌ مَذْبُوحَةٌ مَسْلُوخَةٌ بِيَدِ أَحَدِهِمَا جِلْدُهَا وَرَأْسُهَا وَسَوَاقِطُهَا، وَبِيَدِ الآْخَرِ بَقِيَّتُهَا، وَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كُلَّهَا، وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ بِدَعْوَاهُمَا، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا بِيَدِ صَاحِبِهِ مِنَ الشَّاةِ لأِنَّ بَيِّنَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَارِجَةٌ.
وَإِنْ تَنَازَعَ صَاحِبُ الدَّارِ وَخَيَّاطٌ فِيهَا فِي إِبْرَةٍ وَمِقَصٍّ فَهُمَا لِلْخَيَّاطِ عَمَلاً بِالظَّاهِرِ.
(ر: تَعَارُض ف 4 - 11، تَنَازُع بِالأْيْدِي)
__________________________________________________________________
المذكرة الإيضاحية للإقتراح بمشروع القانون المدني طبقا لاحكام الشريعة الإسلامية
نظرة عامة :
يتصل موضوع الحيازه وأثرها في عدم سماع الدعوى بحق عینی ضد الحائز بما تقدم ذكره في النظرة العامة أو ض وع عدم سماع الدعوى بالالتزام والفقه الاسلامی پرد الموضوعين الى أساس واحد، هو تلك القاعدة الأساسية التي تستند إلى الحديث الشريف الذي يقول : ولا يبطل حق أمري، مسلم وأن قدم . فجوهر الفكرة واحد في الموضوعين . وبناء على ذلك نصبت المجلة على أن الحق لا يسفل بتقادم الزمان ، وانه اذا أقر المدعى عليه بالحق يحكم عليه باقی ره دون اعتبار لمرور الزمان (م 1674 من الجلة ) (انفار الأشياء والنفائز لابن نجیم ص ۸۸ ) وبهذا أخذت جميع المذاهب الفقهية .
الا أن المذهبين المالكي والحنفي ، وان كانا قد أقرا عدم سقوط الحق بالتقادم ، الا انهما اقرا من جهة أخرى عدم س ماع الدعوى بالدين أو الحق العيني بعد مضي مدة معينة . فقد جاء في شرح الحطاب (ج 6 ص ۲۲۸ و229):«... المنسوبة لولد ابن فرحون : الساكت عن طلب الدين ثلاثين سنة . لاقول له ، ويصدق الغريم في دعوى الدفع ، ولا يكلف الغريم ببينة لامكان موتهم أو نسيانهم للشهادة ۰۰۰ وفي كتاب محمد بن ياسين ، في مدعی دین سلف بعد عشرين سنة ، أن المدعى عليه مصدق في القضاء ، اذ الغالب الا يؤخر السلف مثل هذه المدة السرعات ** قال عبد الملك : وقال لي مطرق واسمع ان التالي رجل حقا قديما ، وقام عليه بل کی حقه وذلك القيام بعد العشرين سنة ونحوعا ، أخذه به ، وعلى الآخر البراءة منه وفي مقيد الحكام أن ذكر الحق المشهود له لا يبطل الا يطول الزمان کائثلاثي بينة والأربعين ، و لذلك ونصت الماده 1660 من المجلة على أنه لا تسمع دعوى الدين والوديعة والملك والعقار .. بعد أن تركت خمس عشرة سنة ::
أنظر المبررات التي اسند اليه فتهاء المذهبين المالكي والحنفی فيما راوه من عدم سماع الدعوى وما انتهى اليه المشروع فيما يتعلق بمدة التقادم في النظارة العامة التي تقدم ذكرها في خصوم عدم سماع الدعوى بالالتزام •
1-تعريف الحيازة واركانها
مادة ۹۱۸)
الحيازة سلطة فعلية يباشرها الجائز بنفسه أو بواسطة غيره على شيء مادی ، بحيث تكون في مظهرها الخارجي وفي قصد الحائز مزاولة للملكية أو لحق عینی آخر •
هذه المادة تقابل المادة 1398 من المشروع التمهيدي للتقنين الحالي .
ويتضح من التعريف المقترح ان قوام الحيازة سلطة فعلية يباشرها الحائز على شيء مادي ، سواء كان ذلك بنفسه أو بواسطة غيره ، وسواء كان الشيء عقارا أو منقولا . فالحيازة لا ترد على الأشياء غير المادية کالمصنفات الأدبية ، أو الحقوق الشخصية " وما يقال عن حيازة الحق الشخصي ليس حيازة بالمعنى الفني ، وانما يراد به المطر الذي يتوافر في أوضاع قانونية معينة على غير الحقيقة فيقع في رادع الناس آمد حفیت و اسلام اون بحسن نية على مقتضاه . نحائز ال اين يقتل به الد: أن العاشر ، گالوارث الفلامر بالنسبة إلى ما كان للمتوفی ، من ديون وقات الذكية الايشادية للمادة ۱۳۹۸ من المشروع التمهیدی التنين الحالي في مجموعة الأعمال التحضيرية ج6 ص 450 ).
ولهذا فان حيازة الدين بهذا المعنى لا يترتب عليها ای من ازاز التي تترتب على الحياة الحقيقية ، ويستثنى من ذلك الدين الثابت فی مسند الحاء له . حيته يعتبر الدين انه اندمج في السند ، فيكون جائز السند حائزا الدين الثابت فيه بالمعنى الفني ، ومن ثم تنطبق عليه أحكام الحيازة -
کما يبين من التمرين أن السلطة الفعلية الذي يباشرها الحائز على التي يجب ان تتفق في تلهر ها الخارجي ام مزاولة الحق اللي ترد عليه الحيازة : وهذا هو العنصر المادي للحيازة : فهو عبارة عن مجموع الأعمال المادية التي يباشرها عادة صاحب الحق الذي ترد عليه الحيارة. باشا كان هذا الحق حق مائية ، وجب ان يعاشر الحائز الأعمال المادية التي يباشرها المالك ، واذا كان حقا عينيا أخر تعين ان يقوم الحان بالأعمال المادية التي باشرها صاحب هذا الحق ، أما التصرفات الهادوية. فالبيع والانجاز . فلا تنتهي النهوض باسنتر المادي في الحيازة ، لانها قد تصدر من ش خس لا تتوافر له الحيازة ، اذ شي لا تقتفي أن يكون من صدر منه التصرف سلطة فعلية على الشيء .
كذلك يبين من التعريف أن السلطة الفعلية التي بیا شعرها الحار على التي يجب أن تكون بقصد مزاولة الحق الذي ترد عليه الحيازة • وهذا هو العنصر المعنوي للحيازة ، فهو عبارة عن نية الحائز في أن يظهر بمظي المالك او صاحب الحق العيني الآخر الذي ترد عليه الحيازة * فهو بعبارة أخرى تية أحائز في أن يعمل لحساب نفسه . حيث يباشر الأعمال المادية التي تعتبر از اوله للدني الذي ترد عليه الحياة الحساب نفسه - ابها الشخص الذي لا تتوافر لدية هذه النية ، لانه يعمل لحساب غيره ، فلا يكون حائزا حقيقيا ، بل يعتبر حائزا عرضيا ، كما هي الحال بالتجه الى السابع والمستأجر والمستعير .
على أن مقومات العنصر المعنوي للحيازة لا يقتصر على ذلك ، فلا يكفي التوافرة أن تكون الأعمال التي تصدر من الحائز يقصد بها مزاواة الحق الحاز ، بل يجب فضلا عن ذلك أن يدعى الحائز الحق لنفسه عند المنازعة . وهذا شرط يتطلبه الفقه الاسلامی ، لانه يعتبر الحيازة ومن ثم فلا يكون في عدم سماع الدعوى خروج على
دليلا على الحق القاعدة الأساسية التي جاءت في الحديث الشريف الذي يقول : لا يبطل حق امرى ، مسلم وان قدم ، وفي هذا المعنى عند فقهاء المذهب دالمالکی ، اول الشمس و قی:« وفي شرط حامی، هو ان يدعى الحائز لا يبطل وقت المنازعة ملك الشيء المحاز ، واما اذا لم يان له حجة الا مجرد الجوز فلا تنفعه ، ( حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ج4 ص235 )
وقد راعي المشروع ذلك في نصوصة . حيث يشترط لعدم سماع الدعوى أن ينكر الحائز ما يدعيه المدعي
وقد تعددت تعاريف الحيازة في الفقه الاسلامی ، منها ما جا۔ في المذهب المالكي في الشرح الكبير : يقول الدردير : الحيازة مي وضع اليد عى الشيء والاستيلاء عليه ، والتصرف یکون لواحد من امور سكني او اسكان او زرع او غرس او بيع او هدم او بناء او قطع شجر او عتق ...) حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 4 ص 207
وفي خصوص العنصر المادة للجيازة في المذهب الحنفى يقول الكاساني ( لان اليد على العقار لاتثبت بالكون فيه وانما تثبت بالتصرف فيه ، والبدائع ج 6 ص 256) • وهذا ما يقوله ايضا ابن عابدين نقلا عن اليد، ( حاشية ابن عابدین ج 5 ص 587 ) • پالتصرف ويقول ائر يعلى : وقال الشافعي رحمه , به دلیل الملك اليد مع التتم في وبه قال الحصان لان اليد متنوعة إلى ملك ووديعه وعارية واجارة وزمن ، فلا يمتاز الا بالتصرف ، ( فتح القدير ج 6 ص 24 و25) وفي المذهب المالكي يقول الحطاب : اضعفها السكنى والازدراع ، ويليها الهدم والبنيان والفرس والاستغلال .
والحازة تكون ثلاثة اشياء : ويليها التفويت بالبيع والهية والصدقة والنحلة والعتق وما اشية ذلك ، مما لا يفعله الرجل الا في ماله ، ( شرح الحطاب ج 6 ص۲۲۲) .
وقد عرض محمد بن قيم الجوزية ، وهو من فقهاء المذهب الحنبلي المذهب المالكي في تعريف الحيازة واركتها وآثارها ممتدحا اياه . حيث عقد نصلا في مذهب أهل المدينة في الدعاوى ، فقال فيه : : وهو من أسد المذاهب واهمها ، وهي عندهم على ثلاث مراتب .. واها المرتبة الثالثة فمثالها أن يكون رجل جائزة الدار مته رقا فيها البستی العديدة الليلة بالماء والهدم والادارة والعمارة. ويسمها إلى نفسه ويضيفها إلى ملکه اوانسان حاضر براه و شما بعد أفعاله فیها طول بدبي !هدية وهو مع ذلك لا يعارضه لا يذكر أن له فيا حقا ولا مانع معد من مطالبته من خوف سلطان أو ما أشبه ذلك من الضرر المانع بن المطالبة بالحقوق ، ولا بينه و بين المتصرف في الدان قراية : شركة ني میراث أو ما أشبه ذلك مما يتسامح فيه القرابات والضمير بينهم بل كان عاريا من جميع ذلك ، ثم جاء بعد طول هذه المدة يدعها لنفسه ويزغم انها له ويريد أن يقيم بذك منه ، فدعواه غير مسموعة اصلا فضلا عن بينته ، و تبقى الدار بید جان ما الان کل دعوی بادها العرف وتنة ا العادة فانها مرفوضة غير مسموعة ، قال الله تعالى وامر بالعرف وقد أوجبت الشريعة الرجوع اليه عند الاحتلال في الدعاوی كالفنت والحمولة والسير وفي الأبنية ومعاقد القمل ووضع الحدور على الحائط وغير ذلك ، ( الطرق الحكومية في السياسة الشرعية ، مطبعة الاداب والمؤيد بمقر سنة ۱۳۱۷ هجرية ، ص ۸۸ و ۸۹).
والمادة المقترحة تقابل المادة ۱ / ۱۱۷۱ من التقنين الاردني.
و تقابل الماده 905 من التقنين الكویتی ۰
( مادة ۹۲۰ )
لا تقوم الحياژة على عمل يأتية الشخص على أنه من المباحات أو بعمل يتحمله الغير على سبيل التسامح "
هذه المادة تتفق مع الفقرة الأولى من المادة 949 من التقنين الحالي .
وقد أدخلت على هذا النص تعديلات لفظية وحذفت منه عبارة و مجرد رخصه ، لأن المقصود حق يباح للشخص أن يمارسه اذا اراد كأن يفتح الشخص مطلاً على ملك الجار مع مراعاة المسافة القانونية ، ولا يعتبر حائزاً لحق ارتفاق ، لأنه أتی عملاً مباحاً ليس فيه تعد على أحد.
والمادة المقترحة تطابق المادة 907 من التقنين الكویتی.
وتتفق مع ما جاء في المادة 1145/2 من التقنين العراقي .
و عدم قيام الحيازة بعمل يأتيه الشخص على أنه من المباحات يتفق مع القواعد العامة في الفقه الاسلامي -
أما عدم قيام الحيازة بعمل يتحمله الغير على سبيل التسامح ، فان فقهاء المذهب المالكي قد تحدثوا عنه بمناسبة الحيازة بين الأقارب والتمييز بينهم وبين الأجانب، واحتمال أن تكون اعمال الحيازة بين الأقارب من قبل التسامح و منم في من يحددون مددا للحيازة بين الأقارب تختلف باختلاف أعمال الحيازة ، كما أنهم يميزون بين البلاد التي يتوسع اهلها في أعمال التسامح فيها بين الأقارب . فتطول مدة الحيازة بينهم ، والبلاد التي لا يتوسع الأقارب فيها في أعمال التسامح فيما بعدم فتقصر هذه المدة * ومن أقوالهم ما يقوله المواق: ,۰۰۰ وقل انما يفرق بين القرارات والاجنبيين في البلاد التي يعرف أهلها أنههم توسعون بذاك لقرابتهم . ومن هذا المعنى ما نقله البرزلی من الباحي ان عشر سنين لا تقطع حق القرابة الا ان ثبت ان بين القائم والقوم عليه من عدم المسامحة والتشاح في مالا يترك الحق به هذه المدة . وحكي مثل هذا في الحقوق في غير الأملاك ، ( الحطاب ج6 ص 226 )۰
والی المذهب الحنفی تنص المادة دمين في سد الديران في هذا الصدد على ما يأتي : العم ان يرجع عن اراحته ولا يلزم بالاذن و الرضا . فان لمن لاحي حق المرور في عرضه اخر ومن فيها مدة باذن صاحبها ، فلا يترتب على مروره حق له بل لصاحب العرصة أن بشعة من المرور متى شاء: وفي هذا المعني ايفا ما تنص عليه المادة 1226 من المجلة ،
( مادة ۹۲۳)
اذا اقترنت السيارة باكراه أو حصلت خفية او كان فيها لبس ، فلا يكون لها أثر قيل من وقع عليه الإكراه أو اخفيت عنه الحيازة أو التبس عليه أمرها الا من الوقت الذي تزول فيه هذه العيوب :
هذه المادة تطابق الفقرة الثانية من المادة 949 من التقنين الحالي "
و تطابق المادة 1146 من التقنين العراقي و تطابق المادة ۱۱۷۲ من التقنين الأردنی . و تطابق المادة ۹۱۱ من التقنين الكويتي •
ويتضح من المادة المقترحة أن عيوب الحيازة هي الأكراد والخفاء واللبس أي أن الشروط التي تطلب في الحيازة . لكي تكون صالحة لأن تنتج آثارها ، هي الهدوء والظهور والوضوح ، ويتحدث الفقه الاسلامی عن شرط الهدوء في كلامه عن شرول عدم الاكراه وعن شرط الظهور في شرط حضور للحاز عليه ورؤيته التصرفات وأعمال الحائز ، وعن شرط الوضوح في كلامه عن الحيازة بين الأقارب والشركاء •
انظر : المدونة الكبرى للإمام مالك ص ۳۲ - 46: مختصر خليل ص 263 وما بعدها - الشرح الكبير للدردير على هامش حاشية الدسواتی ج 4 ص ۲۲۳ - شرح الحطاب ج6 ص ۲۲۱ و ۲۲۷ • الطرق الحكمية لابن قيم الجوزية ص ۸۸ و ۸۹ ۲- اثبات الحيازة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجلة الأحكام العدلية
مادة (1226) الرجوع عن الإباحة
للمبيح صلاحية أن يرجع عن إباحته، والضرر لا يكون لازماً بالإذن والرضى فإذا لم يكن لواحد حق المرور في عرصة آخر ومرَّ فيها بمجرد إذن صاحبها مدة فلصاحبها بعد ذلك أن يمنعه من المرور إن شاء.
المذكرة الإيضاحية للإقتراح بمشروع القانون المدني طبقا لاحكام الشريعة الإسلامية
( مادة 925)
اذا تنازع أشخاص متعددون على الحيازة ، افترض أن من يباشر السيطرة المادية هو الحائز على أن يثبت العكس •
هذه المادة تقابل المادة 963 من التقنين الحالي التي تنص على ما يأتي
إذا تنازع أشخاص متعددون على حيازة حق واحد اعتبر بصفة مؤقتة أن حائزه هو من له الحيازة المادية، إلا إذا ظهر أنه قد حصل على هذه الحيازة بطريقة معيبة.
وقد أدخلت على هذه المادة تعديلات لفظية ، وحذفت العبارة الاخيرة منها ، لأن حكمها يدخل في نطاق اثبات العكس
وما تتضمنه المادة المقترحة انما هو افتراضي يتحدد في ضوئه عبء الاثبات ، وليس قرينة قانونية ، فمن تكون له الحيازة المادية يفترض لصالحه أن حيازته صحيحة يتوافر لها العنصر المادي والمعنوي ، وانها بر نية من العيوب ، وعلى من يدعي غير ذلك أن يقيم الدليل على ما يدعيه . فاذا نجح الحائز في اثبات الحيازة المادية ، وهي واقعة مادية يجوز اثباتها بجميع الطرق ، قام هذا الافتراضي لصالحه، ويستطيع المدعي أن ينة هذا الافتراض بأن يقيم الدليل على عدم توافر العنع المعنوي ، أو يقيم الدليل على أن الحيازة مشوبة بعيب •
والمادة المقترحة تطابق العبارة الأولى من المادة ۹۱۳ من التقنين الكویتی
و تقابل المادة ۱ / 1175 من التقنين الأردني التي تتفق مع المادة 963 من التقنين المصري الحالي •
ويقوم حكم الافتراض المنصوص عليه في المادة المقترحة على أساس الغالب الالوف في الواقع العملى : ومن ثم فانه لا يناقض قواعد الفقه الإسلامي في اثبات الحيازة : (انظرم 1755 من المجلة : اذا تنازع شخصان في عقار ، وادعى كل منهما كونه ذا اليد في ذلك العقار فتطلب البيئة من كل واحد منهما على كونة ذا اليد .... ).
مجلة الأحكام العدلية
مادة (1755) التنازع في العقار
إذا تنازع شخصان في عقار وادعى كل منهما كونه ذا اليد في ذلك العقار فتُطلب البينة أولاً من كل واحد منهما على أنه ذا اليد فإذا أقام كلٌّ منهما البينة على ذلك فتثبتُ يدهما معاً على العقار فيشتركان فيه، وإذا أظهر أحدهما العجز عن إثبات وضع يده وأقام الآخر البينة على كونه واضع اليد فيحكم بكونه ذا اليد ويعد الآخر خارجاً. وإن لم يثبت أحدٌ من الخصمين كونهُ ذا اليد يحلف كل منهما بطلب الآخر على عدم كون خصمه ذا اليد في ذلك العقار فإن نكلا عن اليمين يثبت كونهما ذوي اليد في ذلك العقار ويشتركان فيه، وإن نكل أحدهما وحلف الآخر يحكم بكون الحالف ذا اليد مستقلاً بذلك العقار ويعد الآخر خارجاً، وإن حلفاً معاً فلا يحكم لأحد منهما بكونه ذا اليد ويوقف العقار المدعى به إلى ظهور حقيقة الحال.