مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء السادس، الصفحة :507
مذكرة المشروع التمهيدي :
1- هذه النصوص تعرض لقواعد التقادم المكسب بعد أن تقررت مدته وقواعد التقادم المكسب هي نفس قواعد التقادم المسقط فيما يتعلق باحتساب المدة (م 517) وفيما يتعلق بوقف التقادم (م 519 ) إلا أن التقادم المكسب يوقف أياً كانت مدته، أما التقادم المسقط فلا يوقف إذا كانت مدته لا تزيد على خمس سنوات ( م 1425، 519، وانظر المادتين 84 - 85 / 113 - 114 من التقنين الحالي واضطراب العبارة فيهما أمر مشهور ) وفيما يتعلق بانقطاع التقادم (م 520 - 522) إلا أن التقادم المكسب ينقطع انقطاعاً طبيعياً إذا فقد الحائز الحيازة ولم يستردها أو يرفع الدعوى باستردادها في خلال سنة (م 1426 ) ولا يتصور هذا الانقطاع الطبيعي في التقادم المسقط، وفيما يتعلق بالتمسك به أمام القضاء وجواز التنازل عنه والاتفاق على تعديل مدته (م 524 - 525) ألخ.
2 - وتوجد قاعدتان خاصتان بالتقادم المكسب ولا نظير لها في التقادم المسقط، وهما تتلخصان فيما يأتي :
(أ) يكفي أن يثبت الحائز التاريخ الذي بدأت فيه حيازته ثم يثبت أنه حائز في الحال فلا يحتاج بعد ذلك لإثبات أنه استمر حائزاً في المدة ما بين الزمنين، فإن هذا الاستمرار يكون مفروضاً حتى يقوم الدليل على العكس بل إن قيام الحيازة حالاً، إذا كان لدى الحائز سند يعطي الحق في الحيازة، قرينة على قيامها في وقت سابق هو بدء التاريخ الثابت لهذا السند ما لم يقم الدليل على عكس ذلك، ويتبين من هذا أن الحائز إذا قدم لإثبات حيازته عقد بيع مثلاً ثابت التاريخ منذ خمس عشرة سنة، فيكفي هذا العقد قرينة على أنه حاز منذ خمس عشرة سنة، وأنه مستمر في حيازته إلى اليوم، وعلى خصمه أن يثبت العكس إذا ادعاه، وفي هذه القرائن تيسير عظيم لإثبات الحيازة بدءاً واستمراراً .
(ب) إذا كان الحائز بيده سند إيجار مثلاً فهو حائز لحق المستأجر، وليس له بمجرد تغيير نيته أن يحوز حق الملكية إذا لم يقترن ذلك بفعل ظاهر يصدر من الغير أو من الحائز نفسه، كأن يتعرض الغير للحائز فيدعى هذا الملكية أو يعارض الحائز حق المالك بحمل ظاهر، ولا يبدأ سريان التقادم بالنية الجديدة إلا من وقت صدور هذا العمل الظاهر ( أنظر في هذا المعنى م 79/ 106 من التقنين الحالى وعبارتها مشوشة غامضة ).
1- إذا كان المطعون فيه خالف هذا النظر، إذ أقام قضاءه برفض دعوى الطاعنة، على أن تقديم طلب إلى لجنة القسمة الأولى بوزارة الأوقاف لقسمة أعيان الوقف فى سنة...... تنقطع به تلك المدة، وعلى أن إقامتها دعوى بطلب تعيينها حارسة قضائية على هذه الأعيان يعتبر إقرارا صريحاً منها بأن المساحة المتنازع عليها من هذه الأعيان مملوكة لجهة الوقف مما تنقطع به مدة التقادم، دون أن يبين كيف دلت إقامة تلك الدعوى على اتجاه إرادة الطاعنة إلى النزول عن الجزء الذي انقضى من مدة التقادم المكسب قبل رفعها، فإنه فضلاً عن مخالفته القانون وخطئه فى تطبيقه يكون مشوبا بقصور يبطله .
(الطعن رقم 4997 لسنة 62 جلسة 1999/12/28).
2- على المحكمة عند بحث النزاع القائم حول التملك بوضع اليد المدة الطويلة أو القصيرة أن تتحري توافر الشروط اللازمة لكسب الملكية بأي من هذين الطريقين ومنها شرط المدة، ومن ثم يتعين عليها من تلقاء نفسها أن تبحث ما يعترض هذه المدة من وقف أو انقطاع وأن تقرر وقف التقادم أو انقطاعه إذا طالعتها أوراق الدعوى بقيام سبب منهما إذ أن حصول شيء من ذلك يحول دون اكتمال مدة التقادم، وكان النص فى الفقرة الأولى من المادة 382 من القانون المدني يدل وعلى ما ورد بالأعمال التحضيرية للقانون المدني وجرى به قضاء هذه المحكمة على أن المشرع نص بصفة عامة على وقف سريان التقادم إن كان ثمة مانع يستحيل معه على الدائن أن يطالب بحقه فى الوقت المناسب، ولم ير المشرع إيراد الموانع على سبيل الحصر بل عمم الحكم لتمشيه مع ما يقضي به العقل، وكما يكون مرجع المانع أسبابا متعلقة بشخص الدائن فقد يرجع إلى أسباب قانونية يتعذر معها المطالبة بحقه، وكان مؤدى انقطاع التقادم لتحقق سبب من أسبابه بدء تقادم جديد يسري من وقت انتهاء الأثر المترتب على سبب الإنقطاع وتكون مدته هي مدة التقادم الأول على نحو ما جاء بالفقرة الأولى من المادة 385 من القانون المدني وذلك بإعتبار أن قواعد وقف وانقطاع التقادم المسقط تسري فى شأن التقادم المكسب بنوعيه عملاً بحكم المادتين 973، 974 من القانون المدني.
(الطعن رقم 3617 لسنة 67 جلسة 1999/05/25 س 50 ع 1 ص 717 ق 143)
3- تنص المادة382من القانون المدنى فى فقرتها الأولى على أن "لا يسرى التقادم كلما وجد مانع يتعذر معه على الدائن أن يطالب بحقه ولو كان المانع أدبياً وجرى قضاء هذه المحكمة على أن المانع الأدبى الذى يقف به سريان التقادم يمكن أن يقوم على أسباب تتعلق بشخص الدائن أو على ظروف عامة يتعذر فيها عليه المطالبة بحقه، فإذا تحقق وجود مثل هذا المانع فلا يبدأ سريان التقادم إلا منذ زواله رغم وجود نصوص فى التشريع تجيز للدائن لإلتجاء إلى القضاء للمطالبة بحقه، وكان الطاعنون قد تمسكوا أمام محكمة الموضوع أنه لم يكن بوسعهم الإلتجاء إلى القضاء للمطالبة بحقوقهم التى صادرها القانون134لسنة1964منذ نفاذه لأن الظروف السياسية التى كانت تسود البلاد فى هذا التاريخ وما تتبعه السلطات من أساليب قهر لم تكن تسمح لهم برفع دعوى يتمسكون فيها بعدم دستورية هذا القانون الذى صادر أموالهم، وكان الحكم المطعون فيه وإن حصل هذا الدفاع قد اكتفى فى مقام الرد عليه بمجرد القول بأن"حق التقاضى من الحقوق المباحة التى تثبت لكافة وقد كفلته الدساتير المتعاقبة التى صدرت فى البلاد وكان فى مقدور المستأنفين ومورثهم من قبل الطعن على القانون134لسنة1964أمام المحاكم العادية أو القضاء الإدارى" فى حين أن قيام الحق فى الإلتجاء إلى القضاء لا يحول دون قيام المانع الذى يقف به سريان القادم متى تعذر على الدائن المطالبة بحقه، فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون وهو ما حجبه عن تمحيص دفاع الطاعنين.
(الطعن رقم 213 لسنة 58 جلسة 1993/02/16 س 44 ع 1 ص 605 ق 100)
4- النص فى الفقرة الأولى من المادة 382 من القانون المدنى يدل وعلى ما ورد بالأعمال التحضيرية للقانون المدنى ، وجرى به قضاء هذه المحكمة على أن المشرع نص بصفة عامة على وقف سريان التقادم إن كان ثمة مانع يستحيل معه على الدائن أن يطالب بحقه فى الوقت المناسب و لو كان المانع أدبياً ، و لم ير المشرع أيراد الموانع على سبيل الحصر بل عمم الحكم لتمشيه مع ما يقضى به العقل ، المانع من المطالبة الذى يقف به سريان التقادم كما يكون مرجعه أسباب تتعلق بشخص الدائن قد يرجع إلى ظروف عامة يتعذر معها عليه المطالبة بحقه ، وتقرير ذلك مما تستقل به محكمة الموضوع ، ولها أن تقرر قيام المانع و لو تضمن التشريع نصاً يجيز للدائن الإلتجاء إلى القضاء للمطالبة بحقه ما دامت قضاءها بذلك على أسباب سائغة .
(الطعن رقم 577 لسنة 49 جلسة 1983/05/17 س 34 ع 2 ص 1223 ق 246)
5- مفاد نص المادة 84 من القانون المدنى السابق - الذى بدأ التقادم فى ظله - والمادة 974 من القانون المدنى القائم ، والفقرة الثانية من المادة 382 من هذا القانون الواردة فى شان التقادم المسقط والتى تسرى على التقادم المكسب طبقاً للمادة 973 من القانون المذكور ، مفاد هذه النصوص أن القانون المدنى السابق وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة قد وضع قاعدة عامة تقضى بأن التقادم المكسب للملكية بنوعيه لا يسرى فى حق القاصر وتقف المدة بالنسبة إليه حتى يبلغ سن الرشد ولو كان له من يمثله قانوناً ، أما القانون المدنى القائم فإنه يقضى بأن التقادم المكسب أياً كانت مدته يسرى فى حق القاصر إذا كان له نائب يمثله وهو حكم إستحدثه المشرع مراعياً فيه أن وجود النائب ينتفى معه المانع الذى يدعو إلى وقف التقادم ، فإذا لم يكن للقاصر نائب يمثله فإن التقادم لا يسرى فى حقه لأنه فى هذه الحالة يقوم المانع الذى تتعذر معه المطالبة بالحق وهذا الحكم المستحدث ليس له أثر رجعى وإنما يسرى من وقت العمل بالقانون المدنى القائم فى 1949/10/15 وفقاً لما تنص عليه المادة السابعة من هذا القانون . ولما كان الطاعن الأول قد تحدى بأنه كان قاصراً عند شراء الماكينة "ماكينة الطحين والرى " محل النزاع فى سنة1931 وأنه لم يبلغ سن الرشد إلا فى سنة 1944 ,وقضى الحكم المطعون فيه بأن المطعون عليه الأول قد تملك نصيب الطاعن المذكور فى الماكينة بوضع اليد المكسب للملكية بالمدة الطويلة دون أن يعنى بمناقشة هذا الدفاع الجوهرى وبيان أثره على إكتمال مدة التقادم ، لما كان ذلك فإن الحكم يكون معيباً بالقصور فى التسبيب .
(الطعن رقم 259 لسنة 42 جلسة 1977/01/04 س 28 ع 1 ص 147 ق 40)
6- لما كان وقف التقادم لمصلحة ناقص الأهلية هو سبب شخصى متعلق به فلا يتعداه إلى غيره من كاملى الأهلية الذين يسرى التقادم فى حقهم ما دام أن محل الإلتزام قابل للإنقسام ، وإذ كان الثابت من مدونات الحكم أن من بين الورثة المطعون ضدهم من كان قاصراً ومنهم من كان بالغاً رشيداً ، وكان موضوع الدعوى تثبيت ملكيتهم لقطعة أرض على الشيوع فإن الطلب بطبيعته قابل للإنقسام والتجزئة ، ومن ثم فإن التقادم المكسب الطويل لا يقف إلا بالنسبة للقاصر منهم و يستمر سارياً بالنسبة للبالغ وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وحجب نفسه عن تحقيق دفاع الطاعنين بتملكهم أرض النزاع بوضع يدهم عليها المدة الطويلة المكسبة للملكية بمقولة أن التقادم يقف بالنسبة لجميعهم يكون قد خالف القانون وأخطأ فى تطبيقه .
(الطعن رقم 275 لسنة 41 جلسة 1975/12/08 س 26 ص 1586 ق 298)
7- النص فى المادة 48/1 من قانون المرافعات السابق على أنه "لا يجوز أن يجمع المدعي فى دعوى الحيازة بينها وبين المطالبة بالحق وإلا سقط ادعاؤه بالحيازة" يدل على أنه لا يجوز للمدعى أن يجمع بين دعوى الحيازة ودعوى أصل الحق ، يستوي فى ذلك أن يطالب فى دعوى الحيازة ذاتها بموضوع الحق أو أن يرفع دعوى الحيازة مستقلة عن دعوى الملكية ، وذلك لإعتبارات قدرها المشرع هي استكمال حماية الحيازة لذاتها مجردة عن أصل الحق ، ويبقى هذا المنع قائماً ما دامت دعوى الحيازة منظورة وإلا سقط حق المدعي فى الإدعاء بالحيازة . لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى أنه كان يتعذر على الشركة المطعون عليها الثانية (المدعية فى دعوى الحيازة) أن ترفع دعوى الملكية طوال المدة التي نظرت فيها دعوى الحيازة بسبب عدم جواز الجمع بين الدعويين مما يعتبر مانعاً يوقف سريان التقادم المكسب للملكية ، عملاً بحكم المادة 382/1 من القانون المدني ، فإنه يكون قد التزم صحيح القانون .
(الطعن رقم 463 لسنة 38 جلسة 1974/11/05 س 25 ع 1 ص 1185 ق 199)
8- إذ كان يبين مما أورده الحكم أن المحكمة فى حدود سلطتها الموضوعية قد إستخلصت من وقائع ثابتة بالأوراق تؤدى إلى النتيجة التى إنتهت إليها أن المطعون عليه الثانى كان يحوز الأرض موضوع النزاع نيابة عن زوجته الطاعنة وأنه كان يمثلها فى دعوى الحيازة التى أقامتها عليه الشركة المطعون عليها الأولى ، ورتب الحكم على ذلك وقف سريان التقادم المكسب للملكية الذى تمسكت به الطاعنة المدعى عليها فى دعوى الملكية أثناء نظر دعوى الحيازة باعتبارها مانعا للشركة من رفع دعوى الملكية ، فإن النعى على الحكم بهذا الوجه يكون فى غير محله .
(الطعن رقم 463 لسنة 38 جلسة 1974/11/05 س 25 ع 1 ص 1185 ق 199)
9- المانع الذى يتعذر معه على الدائن أن يطالب بحقه ، و يكون ناشئا عن تقصيره لا يوقف سريان التقادم . وإذ كان الحكم قد خلص إلى أنه و إن كانت الحطابات قد ردت إلى الشركة - رب العمل - (وهى الخطابات المرسلة للعامل لإستئناف عمله ، ثم بإنذاره بالعودة للعمل ، ثم بإخطاره بفسخ العقد ) لأن الطاعن - العامل - "عزل من مسكنه و لم يترك عنوانه " إلا أن الطاعن هو الذى تسبب بخطئه فى عدم العلم بمضمون هذه الخطابات ، لأنه ترك مسكنه الذى أبلغ به الشركة ، وغادر البلاد ، دون أن يخطرها كتابة بتغييره إلا بعد فسخ العقد ، وإذ أعمل الحكم الأثر القانونى لهذه الإخطارات و رتب على ذلك عدم وقف التقادم المنصوص عليه فى المادة 698 من القانون المدنى ، فإنه يكون قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً .
(الطعن رقم 462 لسنة 35 جلسة 1972/01/19 س 23 ع 1 ص 67 ق 12)
قواعد التقادم الكسب هي نفس قواعد التقادم السقط إلا أن التقادم المكسب يوقف أياً كانت مدته سواء كانت خمس سنوات أو خمس عشرة سنة أما التقادم المسقط فلا يوقف إلا إذا كانت مدته لا تزيد على خمس سنوات عملاً بنص الفقرة الثانية من المادة 982 من القانون المدني فلا يسري التقادم المسقط الذي تزيد مدته على خمس سنوات في حق من لا تتوافر فيه الأهلية أو في حق الغائب أو في حق المحكوم عليه بعقوبة جنائية إذا لم يكن له نائب يمثله قانوناً وبالتالي يسري هذا التقادم في حق هؤلاء إذا كانت مدته لا تزيد على خمس سنوات.
أما التقادم المكسب فإنه يقف أياً كانت مدتة متى وجد سبب لوقفة فإن رجع السبب لنقض أهلية من يجري التقادم في حقه فإنه يقف بالنسبة له سواء كان التقادم طويلاً أو قصيراً إذا لم يكن له نائب يمثله قانوناً فإن كان ناقص الأهلية شريكاً في عقار على الشيوع فإن التقادم يقف بالنسبة له وحده باعتبار أن الملكية في الشيوع تقبل الانقسام فيكتب الحائز ملكية حصص باقي الشركاء دون حصة ناقص الأهلية.
ويظل الوقف سارياً حتى يزول سبب نقص الأهلية ومن هذا الوقت يبدأ التقادم إذ يتوافر المانع بنقص الأهلية وعدم وجود من يتخذ الإجراء القاطع للتقادم.
أنه يجوز لأحد الملاك في المال الشائع أن يضع يده على جزء مفرز من هذا المال وجايه باقي الشركاء منكراً عليهم حقهم في هذا الجزء وبذلك لا تكون حيازته مشوبة بالغموض ومتی استوفت باقي الشروط اللازمة لتملك ذلك الجزء بالتقادم فإنه يتملكه بهذه الحيازة وطالما ظهرت نوايا الحائز وجب على باقي الشركاء مطالبته قضائياً بإلزامه بريع هذا الجزء وهو طلب يتعلق بأصل الحق ويترتب عليه قطع التقادم ثم يرفعون بعد التقدم بهذا الطلب دعوی بقسمة المال الشائع بعد أن حفظوا حقهم أما إن إنحصر طلبهم في إجراء القسمة فإن الدعوى بذلك لا تتعلق بحق الملكية أي بأصل الحق وإنما تنصرف إلى إجراءات لا تؤدي إلى قطع التقادم الكسب حتى لو إتخذت في مواجهة الشريك المغتصب طالما لم يقع نزاع بشأن الملكية .(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الرابع عشر، الصفحة/ 144)
ومعنى هذا أن الوقف يرد على التقادم المكسب الطويل والذي مدته خمس عشرة سنة، والتقادم القصير أي التقادم الخمسي على السواء.
أما القواعد التي تسري على الوقف، فهي ذات القواعد التي تسري على التقادم المسقط بالقدر الذي لا تتعارض فيه هذه القواعد مع طبيعة التقادم المكسب، وذلك عملاً بالمادة 973 مدني، كما رأينا سلفاً.
المقصود بالوقف :
المقصود بوقف التقادم، هو أن يقف مضي المدة المكسبة أو المسقطة للحقوق عامة ردحاً من الزمن بسبب عذر من الأعذار القانونية أو الواقعية ثم يستأنف التقادم سيره بعد زوال ذلك العذر على أن تضاف المدة السابقة على قيام المانع إلى المدة اللاحقة على زواله.
والفارق بين وقف التقادم وبين تأخير سير التقادم، هو أن وقف التقادم يعترض التقادم بعد بدء سريانه أو يقع منذ البداية، أما تأخير سريان التقادم ف لا يقع إلا منذ البداية ولا يتصور وقوعه معترضاً سريان التقادم بعد أن بدأ.
ووقف التقادم إجراء تقتضيه العدالة، حيث يقرره القانون لمصلحة أشخاص لا تمكنهم ظروفهم أو حالتهم من اتخاذ إجراء لقطع التقادم الذي يسري ضدهم ، وهذه الفكرة التي تأخذ بها الشرائع المختلفة هي نفسها فكرة العذر الشرعي الذي تأخذ به الشريعة الإسلامية حين تقرر عدم جواز سماع الدعوى على المنكر بعد تركها من غير عذر شرعي، وهي ترتد إلى قاعدة تقليدية قديمة تقضي بأن التقادم لا يسري ضد من يتعذر عليه أن يطالب بحقه.
أسباب وقف التقادم :
أحالت المادة 973 مدني في خصوص وقف، التقادم المكسب على قواعد التقادم المسقط، وذلك مع مراعاة ما نصت عليه المادة 974.
وتنص المادة 382 مدني الواردة في التقادم المسقط على أن : 1- لا يسرى التقادم كلما وجد مانع يتعذر معه على الدائن أن يطالب بحقه ولو كان المانع أدبياً ، وكذلك لا يسرى التقادم فيما بين الأصيل والنائب.
2- ولا يسرى التقادم الذي تزيد مدته على خمس سنوات في حق من لا تتوافر فيه الأهلية أوفي حق الغائب أو في حق المحكوم عليه بعقوبة جناية إذا لم يكن له نائب يمثله قانوناً.
أولاً : أسباب وقف التقادم التي ترجع إلى ظروف خارجية :
تنص الفقرة الأولى من المادة 382 مدني على أنه لا يسرى التقادم كلما وجد مانع يتعذر معه على صاحب الحق أن يطالب بحقه، ولو كان هذا المانع أدبياً.
فإذا وجد مانع يتعذر معه على صاحب الحق العيني محل الحيازة أن يطالب بحقه وقف سريان التقادم ضده أياً كانت طبيعة هذا المانع.
حيث يستوي في هذا الخصوص أن يكون المانع ماديا أو أدبيا، كما يستوى أن يكون المانع قانونياً أو اتفاقياً ، فلم ترد الموانع بالمادة على سبيل الحصر.
وواضح أنه لا يلزم لقيام المانع أن يكون من شأنه استحالة المطالبة بالحق، بل يكفي أن يتعذر ذلك على صاحب الحق ليقف التقادم لصالحه.
والمانع قد يكون مادياً وقد يكون أدبياً :
(أ)- المانع المادي :
قد يكون المانع الذي يقف سريان التقادم مانعاً مادياً يرجع إلى ظروف خارجية اضطرارية مستقلة عن الشخص أو متصلة به فهو مانع، أقرب ما يكون إلى القوة القاهرة، ولكن لا يشترط فيه ما يشترط في القوة القاهرة، إذ أنهما فكرتان متميزتان بحيث يجب فصل إحداهما عن الأخرى.
ومن أمثلة هذا المانع : قيام حرب أو نشوء فتنة أو إعلان الأحكام العرفية إذا ترتب على ذلك منع المحاكم من مباشرة أعمالها، فلم يتمكن صاحب الحق من المطالبة بحقه.
وانقطاع المواصلات حين يؤدي إلى منع صاحب الحق من هذه المطالبة، والوقوع في الأسر، إذ أنه يحول دون هذه المطالبة.
(ب) - المانع الأدبي :
قد يكون المانع من التقاضي أدبياً يرجع إلى ظروف خارجية متصلة بالشخص صاحب الحق، وهي العلاقة القائمة بينه وبين الحائز ، فيستحي مع هذا المانع أن يجابه المالك الحائز بحقه.
ومثل ذلك العلاقة بين الزوجين مادامت الزوجية قائمة. والفرض في هذه الحالة ألا تكون الحيازة مستندة إلى تسامح من جانب صاحب الحق وأن تكون بريئة من عيب اللبس الذي يشوبها عادة في مثل هذه الظروف ، فإذا حاز الزوج عقاراً مملوكاً للزوجة على هذا النحو وظهر عليه بمظهر المالك فإن التقادم يقف سريانه ضد الزوجة طالما كانت الزوجية قائمة، لأن الزوجة يمتنع عليها أدبياً في هذه الحالة أن تطالب الزوج بحقها، إذ يكون من شأن هذه المطالبة أن تعكر الجو الذي يسود الأسرة.
غير أنه يلاحظ أن مثل هذه العلاقة لا تعتبر لذاتها مانعاً أدبياً من المطالبة بالحق، وإنما يجب أن ترقى في ظروف صاحب الحق والحائز إلى مستوى المانع الأدبي ، فهي قد تكون مانعاً أدبياً في حالة، ولا تكون مانعاً في حالة أخرى، تبعاً للظروف وقاضي الموضوع هو الذي عليه أن يتبين في ضوء ظروف كل حالة ما إذا كانت هذه العلاقة تجعل من المتعذر أدبياً على صاحب الحق أن يطالب بحقه، فلو أن خلافاً نشب بين الزوجين مع بقاء الزوجية قائمة، فإن هذا يكون من شأنه أن يزيل المانع الأدبي الذي يقف التقادم، فالمانع الأدبي في هذا الخصوص الذي يتعذر معه على صاحب الحق أن يطالب بحقه فيوقف سريان التقادم، شأنه شأن المانع الأدبي الذي يحول دون الحصول على دليل كتابي فيجيز الإثبات بالبينة فيما كان يجب إثباته بالكتابة (م 63/أ من قانون الإثبات).
ومثل ذلك أيضاً العلاقة ما بين الأصول والفروع، أو علاقة القرابة أياً كانت، مادامت علاقة وثيقة اقترنت بملابسات تؤكد معنى المانع، كالعلاقة ما بين الأشقاء، وعلاقة الأعمام والأخوال بأولاد الأخ أو أولاد الأخت، وهذه مسألة واقع يقدرها قاضى الموضوع.
تقدير المانع مما يخضع لسلطة المحكمة :
تقدير المانع من المطالبة بالحق و الذي يعتبر سبباً لوقف سريان التقادم هو من المسائل الموضوعية التي يستقل بها قاضى الموضوع بغير معقب متى كان ذلك مبنياً على أسباب سائغة.
المانع من المطالبة بالحق والذي يعتبر سببا لوقف التقادم يقوم على عناصر واقعية يجب طرحها على محكمة الموضوع لتقول كلمتها فيها، ولا يجوز التمسك به لأول مرة أمام محكمة النقض.
أسباب وقف التقادم التي ترجع إلى حالة الشخص من والمارة من حيث الأهلية وما يلحق بها من أوضاع :
تنص الفقرة الثانية من المادة 382 مدني على أنه : "ولا يسرى التقادم الذي تزيد مدته على خمس سنوات في حق من لا تتوافر فيه الأهلية أو في حق الغائب أو في حق المحكوم عليه بعقوبة جناية إذا لم يكن له نائب يمثله قانوناً.
أما المادة 974 مدني الواردة في الباب الخاص بالتقادم المكسب فتنص على أنه أياً كانت مدة التقادم المكسب فإنه يقف متى وجد سبب لوقفه.
ويبين من هذين النصين أن هناك فارقاً بين التقادم المسقط والمكسب، ففي التقادم المسقط تسري مدة التقادم التي تزيد على خمس سنوات في حق القصر والمحجور عليهم حتى ولو لم يكن لهم من يمثلهم قانوناً من ولي أو وصي أو قيم ، والحكمة من ذلك أن مدد التقادم التي لاتزيد على خمس سنوات تقوم على اعتبارات يستوي فيها القاصر والبالغ الرشيد، فالديون الدورية المتجددة تتقادم بخمس سنوات حتى لا تتراكم على المدين فترهقه، وهذا الاعتبار قائم بالنسبة للمدين ولا يتأثر بما يتصل بشخص الدائن من أوصاف ولو كان القصر من بينها، وحقوق أصحاب المهن الحرة تتقادم بخمس سنوات والتقادم فيها يقوم على قرينة الوفاء وعدم إرهاق المدين، وهذه الاعتبارات متوافرة أيضاً ولو كان الدائن قاصراً أو محجوراً عليه، وحقوق التجار والصناع وأصحاب الفنادق والعمال والخدم والأجراء تتقادم بسنة واحدة، والتقادم يقوم فيها على قرينة الوفاء، وهذا الاعتبار قائم حتى ولو كان الدائن قاصراً، أما إذا كانت مدة التقادم المسقط تزيد على خمس سنوات فإنه يجب التمييز بين ما إذا كان القاصر أو المحجور عليه له من يمثله قانوناً أم لا، فإذا كان له نائب قانوني يتحدث عنه ففي هذه الحالة لا يقف سريان التقادم، لأن الولي أو الوصي أو القيم ملزم بالمحافظة على حقوق من هم تحت رعايته وعليه أن يقطع مدة التقادم الساری ضدهم وأن يطالب بحقوقهم، فإذا ما قصر في أداء هذا الواجب، كان مسئولاً عن هذا التقصير، أما إذا لم يكن للقاصر من يمثله قانوناً ففي هذه الحالة يقف التقادم ويظل موقوفاً إلى أن يعين له وصي أو قيم أو تكتمل أهليته القانونية.
أما التقادم المكسب فإنه يقوم على الغصب ويترتب عليه تجريد المالك عن ملكيته، ولهذا فقد على الشارع بحماية حقوق القصر والمحجور عليهم بأن نص في المادة 974 مدني على وقف سريان التقادم المكسب أياً كانت مدته، وعلى ذلك يقف سير التقادم الخمسي المنصوص عليه في المادة 999 مدني في حق القصر والمحجور عليهم حتى تعود لهم أهليتهم القانونية، إلا أن ذلك كله مشروط بأن يكون هؤلاء الأشخاص ليس لهم من يمثلهم قانوناً فإذا وجد الولي أو الوصي أو القيم فإن التقادم المكسب يسري في حقهم أياً كانت مدته لأن من واجب ممثلهم القيام بالإجراءات القاطعة التقادم، فإن لم يفعل كان مسئولاً.
ويترتب على ذلك أنه إذا كان للقاصر أو المحجور عليه نائب يمثله ووقف سريان التقادم في ظل القانون المدني الملغي، اعتبر التقادم موقوفاً إلى يوم العمل بالقانون المدني الجديد، وبذلك يزول سبب الوقف ويعود التقادم إلى السريان في حق القاصر أو المحجور عليه من تاريخ العمل بالقانون المدني الجديد، أما إذا وقف التقادم في ظل القانون الملغي ولم يكن للقاصر أو المحجور عليه من يمثله قانوناً يظل التقادم موقوفاً حتى بعد العمل بالقانون المدني الجديد إلى أن يعين للقاصر أو المحجور عليه نائب وعندئذ يعود التقادم إلى السريان حتى ولو كان سبب نقص الأهلية قائماً.
كما كان التقنين المدني السابق يقصر حكمه على الشخص الذي لا تتوافر والمادة فيه الأهلية، ولكن الشارع في التقنين الحالي ساوى في هذا الخصوص بينه وبين الغائب والمحكوم عليه بعقوبة جناية لاتحاد العلة، حيث يقوم بالنسبة إلى أي من هؤلاء جميعاً مانع يتعذر معه عليه أن يطالب بحقه.
ولذلك نجد المادة 78 من المرسوم بقانون رقم 119 لسنة 1952 بأحكام الولاية على المال تنص على أنه : "يسرى على القوامة والوكالة على الغائبين الأحكام المقررة في شأن الوصاية على القصر"، ويسري "على القامة والوكلاء عن الغائبين الأحكام المقررة في شأن الأوصياء"، وذلك يقتضي أن تعامل أموال الغائب كأموال القاصر من حيث وقف التقادم حتى تنتهي الغيبة بزوال سببها أو بموت الغائب أو الحكم باعتباره ميتاً فعنئذ يستأنف التقادم سيره ويستكمل مدته.
كما أن المادة 25 من قانون العقوبات تقضي بحرمان المحكوم عليه بعقوبة جناية من إدارة أمواله مدة سجنه، وبأن يعين لهذه الإدارة قيم تقره المحكمة المدنية التابع لها محل إقامته، وبأنه لا يستطيع التصرف في أمواله إلا بإذن من هذه المحكمة، فمركزه شبيه إلى حد بعيد بمركز المحجور عليه، فضلاً عن كونه في حالة استحالة قانونية تحول بينه وبين المطالبة بحقه، ومن ثم وجب إيقاف مدة التقادم بالنسبة إليه.
وعلى ذلك فإن التقادم يقف بالنسبة للقصر حتى يبلغون سن الرشد.
ويقف بالنسبة للمحجور عليهم حتى يزول سبب الحجر.
ويقف التقادم ولو لم يعلن قرار الحجر، لأنه لا يجوز تعلیق وقف التقادم على إتمام إجراءات لم يفرضها القانون.
وقف التقادم لا يتعدى ناقص الأهلية:
وقف التقادم لمصلحة ناقص الأهلية هو سبب شخصي يتعلق به فلا يتعداه إلى غيره من كاملي الأهلية الذين يسرى التقادم في حقهم ما دام محل الالتزام قابل للانقسام. والمطالبة بتثبيت ملكية أرض على الشيوع هو طلب بطبيعته قابل للانقسام والتجزئة.
صور لبعض الموانع من التقاضي:
(أ) العلاقة ما بين الأصيل والنائب:
رأينا أن الفقرة الأولى من المادة 382 مدني تنص في عجزها على أنه : وكذلك لا يسرى التقادم فيما بين الأصيل والنائب"، فالعلاقة ما بين الأصيل والنائب مانع يقف سريان التقادم بصريح النص، ويدخل في ذلك العلاقة ما بين الموكل والوكيل مادامت الوكالة قائمة، وذلك في حدود أعمال الوكالة، كما يدخل فيها العلاقة ما بين الولي أو الوصي أو القيم وكل من ناقص الأهلية أو المحجور عليه مادام القصر والحجر قائماً، وكذلك تدخل العلاقة ما بين الشخص المعنوي والمدير، مادامت صفة الإدارة قائمة وعلاقة المخدوم بالخادم طوال مدة التعاقد إذ بين كل من أولئك وهؤلاء صلة تبعث على الإحترام أو الثقة أو الرهبة، يتعذر معها على صاحب الحق أدبياً أن يطالب بحقه.
وتقدير وقف سير التقادم في هذا الخصوص مسألة موضوعية يجب فيها ولادة بحث كل حالة على حدتها، فمن واجب القاضي أن يبحث مدى هذه العلاقة وأن يقدر ما إذا كانت مانعة أو غير مانعة من المطالبة بالحق، لأن التقادم إنما شرع المصلحة عامة وهي صيانة الأوضاع المستقرة، وعلى ذلك فإنه يجب مراعاة منتهى الدقة عند الحكم، فلا يقضى به القاضى إلا إذا توافر لديه قيام المانع الأدبي الذي تعذر على الدائن بسببه المطالبة بحقه.
أما بالنسبة لموظفي الحكومة ومستخدميها وهم يؤدون خدمات عامة فلا يمكن أن تكون علاقتهم مع الحكومة سبباً لوقف سريان التقادم لأن الحكومة لا تسيطر على موظفيها السيطرة التي تبعث في أنفسهم الرهبة التي تمنعهم من المطالبة بحقوقهم، هذا فضلاً عن أنه قد أصبح للموظفين العموميين الحق في مقاضاة الحكومة أثناء مدة خدمتهم أمام محكمة القضاء الإداري إذا هي أخلت بالتزاماتها التي توجبها القوانين واللوائح، الأمر الذي يقطع بأن الصلة بين الحكومة وموظفيها لا تقوم على الرهبة أو الطاعة العمياء.
(ب) المانع القانوني من المطالبة بالحق :
قد يكون المانع من المطالبة بالحق قانونياً، ومثل ذلك حالة اتحاد الذمة، فإذا أصبح الحائز مالكاً فترة من الزمن، ثم زالت عنه الملكية بأثر رجعي لسبب من الأسباب، كما لو اشترى العقار من المالك ثم أبطل أو فسخ عقد البيع، فإن التقادم يقف طوال هذه الفترة التي تحقق اتحاد الذمة في خلالها فلا تدخل في حساب مدة التقادم، ولا يعترض على هذا بأن الأثر الرجعي للإبطال أو الفسخ يعني أن الحائز لم يكن مالكاً قط وأن الملكية ظلت للبائع لم تزل عنه، وبالتالي يعتبر اتحاد الذمة أنه لم يتحقق، لأن فكرة الأثر الرجعى افتراض يلجأ إليه الشارع في ضوء ظروف التعاقد والنية المحتملة للمتعاقدين کي ينظم مصير التصرفات التي ترد على الشيء محل العقد أثناء الفترة التي قام العقد خلالها، ومن ثم ينحصر الأخذ بهذه الفكرة في هذا النطاق، فلا ينطبق في خصوص التقادم.
(ج) المانع الاتفاقي :
وهذا المانع الاتفاقي، يتم بناءً على اتفاق بين صاحب الحق والحائز، كأن يتفق الطرفان على مهلة ليقدم صاحب الحق إلى الحائز بعض المستندات التي يبين منها صدق ادعائه.
(د) جهل صاحب الحق بوجود حقه :
إذا كان صاحب الحق يجهل وجود حقه، من غير تقصير منه، فإن مدة التقادم تحسب من تاريخ علمه بوقوع الغصب على ملكه.
فيجب أن تقوم مبررات معقولة تدعو صاحب الحق لأن يجهل حقه جهلاً تاماً، وعندئذ يتحقق المانع من المطالبة.
على أنه يجب التحرز من التوسع في الأخذ بهذه الفكرة كسبب لوقف التقادم، وقد وجه الفقه الفرنسي نقده إلى ما ذهبت إليه محكمة النقض الفرنسية من أن التقادم يقف إذا كان صاحب الحق معذوراً بالواقعة التي تخوله المطالبة بحقه، إذ أن اعتبار هذا الجهل سبباً للوقف يكاد يهدم نظام التقادم، حيث أنه لا يتم التقادم عملاً ضد أشخاص يكونون على بينة من الاعتداء الواقع على حقوقهم وإنما يتم ضد هؤلاء الذين يجهلون مثل هذا الاعتداء، لاسيما وأن أساس التقادم هو استقرار المراكز الواقعية التي ظلت مدة معينة، بصرف النظر عما إذا كان صاحب الحق يعرف الاعتداء الواقع على حقه أم يجهله.
(هـ) مفاوضات الصلح :
استقر الفقه والقضاء على اعتبار مفاوضات الصلح سبباً لوقف سير التقادم، الأن مثل هذه المفاوضات قد تتطلب تبادل المستندات بين الطرفين ثم حجز مستندات كل طرف بمعرفة الطرف الآخر للاطلاع عليها وبحثها أو لعرضها على بعض رجال القانون مما يستلزم بعض الوقت، وقد يعمد المدين في أثناء ذلك إلى المماطلة والتسويف في البحث أو إعطاء رأي حاسم في الموضوع أو في رد المستندات فمن العدل والمنطق أن يوقف سريان مدة التقادم أثناء ذلك.
حالة الإفلاس لا يترتب عليها وقف سريان التقادم بالنسبة لحقوق المفلس ضد الغير أو حقوق الدائنين ضد المفلس، لأن حكم الإفلاس لا يمنع دائني المفلس من اتخاذ الإجراءات القانونية التي تقطع التقادم، فإذا أرادوا الحصول على حقوقهم من أموال المفلس فما عليهم إلا التقديم في التفليسة بديونهم وعرضها على التحقيق، وفي هذه الحالة يعتبر التقديم بالدين بمثابة إقامة الدعوى للمطالبة به ويترتب عليه ذات الآثار وفي مقدمتها قطع التقادم، وسريان الفوائد القانونية غير أن هذه الفوائد لا تسري في مواجهة جماعة الدائنين وإنما في مواجهة المفلس وحده بحيث يجوز للدائنين مطالبته بها بعد قفل التفليسة.
أما دعاوى المفلس ضد مدينيه فيباشرها أمير التفليسة، واجب هذا الأخير المطالبة بحقوق المفلس وقبضها والتخالص عنها.
الأثر الذي يترتب على وقف التقادم:
1- ضم المدة السابقة على الوقف إلى المدة اللاحقة له:
يترتب على وقف التقادم، أن المدة التي وقف التقادم خلالها لا تحسب ضمن مدة التقادم، وإنما تحسب المدة السابقة والمدة اللاحقة، فالمدة السابقة على الوقف تبقى معلقة حتى يزول سببه، فإذا زال يعود سريان المدة، وتضاف المدة السابقة إلى المدة اللاحقة، فلو فرضنا أن مدة التقادم هي خمس عشرة سنة وترك المالك عقاره في يد الحائز دون أن يطالب به مدة عشر سنوات ثم توفي، وورثه قاصر لم يعين له وصي، وقف سريان التقادم من تاريخ وفاة المورث حتى تاريخ بلوغ القاصر سن الرشد، فإذا بلغ القاصر سن الرشد، بعد سنتين من وفاة المورث، فإن مدة وقف التقادم تكون منحصرة في هذه الفترة، وبانقضائها يبقى أمام الوارث خمس سنوات، يستطيع أن يطالب في خلالها بحقه، فإذا انقضت دون مطالبة، اكتسب الحائز ملكية العقار بالتقادم".
لا يتمسك بوقف سير التقادم إلا الشخص الذي تقرر الوقف لصالحه، كما لا يسرى الوقف إلا على الأشخاص الذين خول القانون التمسك ضدهم به.
وعلى ذلك لا يجوز لأحد الشركاء على الشيوع أن يتمسك بوقف التقادم السبب خاص يتعلق بالشريك الآخر وكذلك إذا تقرر وقف التقادم لصالح صاحب حق الانتفاع فلا يستفيد من ذلك مالك الرقبة.
وإذا وقف سير التقادم لصالح أحد الدائنين المتضامنين بأن كان مثلاً ناقص الأهلية وليس له من يمثله قانوناً، فإن التقادم يقف بالنسبة إليه وحده دون باقی الدائنين المتضامنين ممن لا يقوم بهم سبب لوقف التقادم، لأن أسباب وقف التقادم تقوم على اعتبارات ذاتية، وعلى ذلك فيقتصر الأثر على من قام بشخصه سبب الوقف.
ولا يستفيد خلفاء من لا أهلية له من وقف التقادم الحاصل لمصلحته.
حالة عدم قابلية الحق للانقسام :
إذا تعدد المدينون في التزام غير قابل للانقسام، فإن طبيعة عدم تجزئة، المحل تقتضي أنه إذا وقف التقادم بالنسبة إلى أحد المدينين في التزام غير قابل التجزئة أن يقف التقادم بالنسبة إلى الآخرين.
وكذلك أيضاً فإنه لما كان حق الإرتفاق غير قابل للتجزئة فقد نصت المادة 20/1027 مدني على أنه إذا ملك العقار المرتفق به عدة شركاء على الشيوع فإنتفاع أحدهم بالارتفاق يقطع التقادم لمصلحة الباقين، كما أن وقف التقادم لمصلحة أحد الشركاء يجعله موقوفاً لمصلحة سائرهم.(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء : الثالث عشر ، الصفحة : 789)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثالث عشر ، الصفحة / 118
تَقَادُمٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - التَّقَادُمُ لُغَةً: مَصْدَرُ تَقَادَمَ يُقَالُ: تَقَادَمَ الشَّيْءُ أَيْ: صَارَ قَدِيمًا . وَقَدْ عَبَّرَتْ مَجَلَّةُ الأْحْكَامِ الْعَدْلِيَّةُ عَنِ التَّقَادُمِ بِمُرُورِ الزَّمَانِ . وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ فِي الْجُمْلَةِ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ. التَّقَادُمُ الْمَانِعُ مِنْ سَمَاعِ الدَّعْوَى:
2 - لِوَلِيِّ الأْمْرِ مَنْعُ الْقُضَاةِ مِنْ سَمَاعِ الدَّعْوَى فِي أَحْوَالٍ بِشُرُوطٍ مَخْصُوصَةٍ، وَمِنْ ذَلِكَ مَنْعُ سَمَاعِ الدَّعْوَى فِي بَعْضِ الْحَالاَتِ بَعْدَ مُدَّةٍ مُحَدَّدَةٍ مَعْلُومَةٍ، وَمَعَ أَنَّ الْحَقَّ لاَ يَسْقُطُ بِتَقَادُمِ الزَّمَانِ، إِلاَّ أَنَّ وَجْهَ هَذَا الْمَنْعِ هُوَ تَلاَفِي التَّزْوِيرِ وَالتَّحَايُلِ؛ لأِنَّ تَرْكَ الدَّعْوَى زَمَانًا مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ إِقَامَتِهَا، يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْحَقِّ ظَاهِرًا.
وَعَدَمُ سَمَاعِ الدَّعْوَى بَعْدَ الْمُدَّةِ الْمُحَدَّدَةِ لَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى سُقُوطِ الْحَقِّ فِي ذَاتِهِ وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ مَنْعِ الْقُضَاةِ عَنْ سَمَاعِ الدَّعْوَى مَعَ بَقَاءِ الْحَقِّ لِصَاحِبِهِ حَتَّى لَوْ أَقَرَّ الْخَصْمُ يَلْزَمُهُ، وَلَوْ كَانَ التَّقَادُمُ مُسْقِطًا لِلْحَقِّ لَمْ يَلْزَمْهُ
مُدَّةُ التَّقَادُمِ الْمَانِعِ مِنْ سَمَاعِ الدَّعْوَى:
3 - فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ مُخْتَلِفُونَ فِي تَعْيِينِ الْمُدَّةِ الَّتِي لاَ تُسْمَعُ بَعْدَهَا الدَّعْوَى فِي الْوَقْفِ وَمَالِ الْيَتِيمِ وَالْغَائِبِ وَالإْرْثِ، فَجَعَلَهَا بَعْضُهُمْ سِتًّا وَثَلاَثِينَ سَنَةً، وَبَعْضُهُمْ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَبَعْضُهُمْ ثَلاَثِينَ فَقَطْ، إِلاَّ أَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْمُدَدُ طَوِيلَةً اسْتَحْسَنَ أَحَدُ السَّلاَطِينِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ جَعْلَهَا خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَقَطْ، وَحَيْثُ كَانَ الْقَضَاءُ يَتَخَصَّصُ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْخُصُومَةِ، وَيَقْبَلُ التَّقْيِيدَ وَالتَّعْلِيقَ، فَقَدْ نُهِيَ قُضَاةُ ذَلِكَ السُّلْطَانِ عَنْ سَمَاعِ دَعْوَى تَرَكَهَا الْمُدَّعِي خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً بِلاَ عُذْرٍ، لَكِنَّهُ اسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْمَنْعِ بَعْضَ مَسَائِلَ، وَعَلَى هَذَا النَّهْيِ اسْتَقَرَّ خُلَفَاؤُهُ فِي الدَّوْلَةِ الْعُثْمَانِيَّةِ، لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ، وَمِنْ ذَلِكَ يَظْهَرُ أَنَّ التَّقَادُمَ بِمُرُورِ الزَّمَانِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَمْرَيْنِ:
الأْوَّلُ: حُكْمٌ اجْتِهَادِيٌّ، نَصَّ عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ.
وَالثَّانِي: أَمْرٌ سُلْطَانِيٌّ يَجِبُ عَلَى الْقُضَاةِ فِي زَمَنِهِ اتِّبَاعُهُ، لأِنَّ هُمْ بِمُقْتَضَاهُ مَعْزُولُونَ عَنْ سَمَاعِ دَعْوَى مَضَى عَلَيْهَا خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً بِدُونِ عُذْرٍ، وَالْقَاضِي وَكِيلٌ عَنِ السُّلْطَانِ، وَالْوَكِيلُ يَسْتَمِدُّ التَّصَرُّفَ مِنْ مُوَكِّلِهِ، فَإِذَا خَصَّصَ لَهُ تَخَصَّصَ، وَإِذَا عَمَّمَ تَعَمَّمَ، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْفَتَاوَى الْخَيْرِيَّةِ وَغَيْرِهَا.
وَقَدْ فَرَّقَ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ بَيْنَ هَذَيْنِ الأْمْرَيْنِ بِأَنَّ مَنْعَ سَمَاعِ الدَّعْوَى بَعْدَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً مَبْنِيٌّ عَلَى النَّهْيِ السُّلْطَانِيِّ، فَمَنْ نَهَى عَنْ سَمَاعِ الدَّعْوَى لَهُ أَنْ يَأْمُرَ بِسَمَاعِهَا، وَأَمَّا عَدَمُ سَمَاعِ الدَّعْوَى بَعْدَ ثَلاَثِينَ سَنَةً فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَنْعِ الْفُقَهَاءِ، فَلَيْسَ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَنْقُضَهُ، لأِنَّ أَمْرَ السُّلْطَانِ إِنَّمَا يَنْفُذُ إِذَا وَافَقَ الشَّرْعَ وَإِلاَّ فَلاَ.
وَدَعَاوَى الدَّيْنِ الْوَدِيعَةِ وَالْعَقَارِ الْمَمْلُوكِ وَالْمِيرَاثِ وَمَا لاَ يَعُودُ مِنَ الدَّعَاوَى إِلَى الْعَامَّةِ وَلاَ إِلَى أَصْلِ الْوَقْفِ فِي الْعَقَارَاتِ الْمَوْقُوفَةِ بَعْدَ أَنْ تُرِكَتْ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً بِلاَ عُذْرٍ لاَ تُسْمَعُ، وَأَمَّا إِذَا كَانَتِ الدَّعْوَى تَعُودُ إِلَى أَصْلِ الْوَقْفِ فَتُسْمَعُ، وَلَوْ تُرِكَتِ الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ بِلاَ عُذْرٍ.
4 - وَمُدَّةُ الْمَنْعِ مَعَ سَمَاعِ الدَّعْوَى تُحْسَبُ بِالتَّارِيخِ الْقَمَرِيِّ (الْهِجْرِيِّ) كَمَا قَرَّرَتْ ذَلِكَ جَمْعِيَّةُ الْمَجَلَّةِ اتِّبَاعًا لِلْعُرْفِ الشَّرْعِيِّ إِلاَّ إِذَا اتُّفِقَ عَلَى خِلاَفِهِ وَعَيَّنَا تَارِيخًا شَمْسِيًّا، وَالْمَنْعُ مِنْ سَمَاعِ الدَّعْوَى إِنَّمَا هُوَ لِلْقُضَاةِ، أَمَّا الْمُحَكَّمُونَ فَلاَ يَشْمَلُهُمُ النَّهْيُ، فَلَوْ حَكَّمَ اثْنَانِ شَخْصًا فِي نِزَاعٍ مَضَى عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً وَلَوْ بِلاَ عُذْرٍ فَإِنَّ الْمُحَكَّمَ يَسَعُهُ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمَا وَلاَ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ النَّظَرُ فِي النِّزَاعِ.
وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالنِّزَاعِ فِي أَصْلِ الْوَقْفِ (وَهُوَ كُلُّ مَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّةُ الْوَقْفِ) فَتُسْمَعُ دَعْوَاهُ حَتَّى سِتٍّ وَثَلاَثِينَ سَنَةً، وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالنِّزَاعِ فِي غَيْرِ أَصْلِ الْوَقْفِ كَأُجْرَةِ النَّاظِرِ وَاَلَّذِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْوَقْفِ فَتُسْمَعُ دَعْوَاهُمْ حَتَّى خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَقَطْ.
الأْعْذَارُ الْمُبِيحَةُ لِسَمَاعِ الدَّعْوَى بَعْدَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً:
5 - أَوْرَدَتْ مَجَلَّةُ الأْحْكَامِ الْعَدْلِيَّةِ مِنَ الأْعْذَارِ الَّتِي يُبَاحُ مَعَهَا سَمَاعُ الدَّعْوَى بَعْدَ مُدَّةِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، الصِّغَرُ، وَالْجُنُونُ، وَالْغَيْبَةُ عَنِ الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ مَوْضُوعُ النِّزَاعِ مُدَّةَ السَّفَرِ، أَوْ كَوْنُ خَصْمِهِ مِنَ الْمُتَغَلِّبَةِ، وَفِيمَا يَلِي تَفْصِيلُهَا:
1 - الصِّغَرُ: إِذَا كَانَ صَاحِبُ الْحَقِّ صَغِيرًا وَسَكَتَ عَنِ الدَّعْوَى الْمُدَّةَ الْمُقَرَّرَةَ فَإِنَّ الْمُدَّةَ تُحْسَبُ عَلَيْهِ مِنْ تَارِيخِ بُلُوغِهِ رَشِيدًا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ أَوْ وَصِيٌّ بِاتِّفَاقٍ، وَمَعَ الْخِلاَفِ فِي حَالِ وُجُودِ الْوَلِيِّ أَوِ الْوَصِيِّ، وَرَجَّحَتْ لَجْنَةُ الْمَجَلَّةِ الإْطْلاَقَ لِمَصْلَحَةِ الصَّغِيرِ، وَمَنْ فِي حُكْمِهِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ وَصِيٌّ .
وَمِثْلُ ذَلِكَ الْمَجْنُونُ، فَإِنَّ الْمُدَّةَ لاَ تُحْسَبُ إِلاَّ مِنْ تَارِيخِ إِفَاقَتِهِ، وَكَذَلِكَ الْمَعْتُوهُ، فَإِنَّ الْمُدَّةَ تُحْسَبُ مِنْ تَارِيخِ زَوَالِ الْعَتَهِ.
2 - غَيْبَةُ صَاحِبِ الْحَقِّ عَنِ الْبَلَدِ مُدَّةَ السَّفَرِ وَهِيَ مُدَّةُ الْقَصْرِ.
3 - إِذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنَ الْمُتَغَلِّبَةِ بِأَنْ كَانَ أَمِيرًا جَائِرًا مَثَلاً فَذَلِكَ عُذْرٌ يُبِيحُ لِلْمُدَّعِي السُّكُوتَ عَنْ رَفْعِ الدَّعْوَى، وَلاَ تَبْتَدِئُ الْمُدَّةُ حَتَّى يَزُولَ الْجَوْرُ وَلَوْ طَالَ الزَّمَنُ .
مَتَى تَبْتَدِئُ الْمُطَالَبَةُ بِالْحَقِّ؟
6 - مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ كَمَا جَاءَ فِي مَجَلَّةِ الأْحْكَامِ الْعَدْلِيَّةِ أَنَّهُ يَبْتَدِئُ مُرُورُ الزَّمَانِ مِنْ تَارِيخِ ثُبُوتِ الْحَقِّ لِلْمُدَّعِي بِإِقَامَةِ الدَّعْوَى بِالْمُدَّعَى بِهِ، فَمُرُورُ الزَّمَانِ فِي دَعْوَى دَيْنٍ مُؤَجَّلٍ إِنَّمَا يَبْتَدِئُ مِنْ تَارِيخِ حُلُولِ الأْجَلِ لأِنَّهُ قَبْلَ حُلُولِهِ لاَ يَمْلِكُ الْمُدَّعِي الدَّعْوَى وَالْمُطَالَبَةَ بِذَلِكَ الدَّيْنِ، فَمَثَلاً لَوِ ادَّعَى وَاحِدٌ عَلَى آخَرَ فَقَالَ: لِي عَلَيْكَ كَذَا دَرَاهِمَ مِنْ ثَمَنِ الشَّيْءِ الَّذِي بِعْتُهُ لَكَ قَبْلَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً مُؤَجَّلاً ثَمَنُهُ لِثَلاَثِ سِنِينَ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ لأِنَّهُ يَكُونُ قَدْ مَرَّ اعْتِبَارًا مِنْ حُلُولِ الأْجَلِ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً لاَ غَيْرُ، وَمَثَلاً لَوْ وَقَفَ وَاقِفٌ وَقْفَهُ وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ الاِسْتِحْقَاقُ لِذُرِّيَّتِهِ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ، فَلاَ يَسْتَحِقُّ أَحَدٌ مِنَ الْبَطْنِ الثَّانِي إِلاَّ بَعْدَ انْقِرَاضِ الْبَطْنِ الأْوَّلِ، فَلَوْ وَقَفَ رَجُلٌ عَقَارًا وَشَرَطَ وِلاَيَتَهُ وَغَلَّتَهُ لأِوْلاَدِهِ ثُمَّ لأِحْفَادِهِ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ فَقَامَ أَحَدُ أَوْلاَدِهِ لِصُلْبِهِ «أَيْ مِنَ الْبَطْنِ الأْوَّلِ» وَبَاعَ ذَلِكَ الْعَقَارَ لآِخَرَ وَظَلَّ الآْخَرُ مُتَصَرِّفًا فِيهِ مُدَّةَ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَبَعْدَ هَذِهِ الْمُدَّةِ تُوُفِّيَ الْبَائِعُ فَقَامَ أَحَدُ أَبْنَائِهِ يَدَّعِي ذَلِكَ الْعَقَارَ عَلَى الْمُشْتَرِي اسْتِنَادًا عَلَى شَرْطِ الْوَاقِفِ فَتُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَلاَ يَمْنَعُهُ مُضِيُّ هَذِهِ الْمُدَّةِ، لأِنَّ حَقَّ إِقَامَةِ الدَّعْوَى لاَ يَثْبُتُ لِلْحَفِيدِ إِلاَّ بَعْدَ وَفَاةِ وَالِدِهِ بِمُقْتَضَى شَرْطِ الْوَاقِفِ، فَلاَ يَبْتَدِئُ مُرُورُ الزَّمَانِ بِالنِّسْبَةِ لِحَقِّهِ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ وَفَاةِ أَبِيهِ.
وَمِثْلُ ذَلِكَ لَوْ وَقَفَ وَاقِفٌ عَقَارًا وَشَرَطَ غَلَّتَهُ لأِوْلاَدِهِ الذُّكُورِ وَبَعْدَ انْقِطَاعِهِمْ عَلَى بَنَاتِهِ، فَبَاعَ أَوْلاَدُهُ الذُّكُورُ، ذَلِكَ الْعَقَارَ لِرَجُلٍ وَسَلَّمُوهُ إِيَّاهُ وَبَعْدَ سِتِّينَ سَنَةً مَثَلاً انْقَطَعَتْ ذُرِّيَّةُ الْوَاقِفِ الذُّكُورِ فَقَامَتْ بَنَاتُهُ يَدَّعِينَ ذَلِكَ الْعَقَارَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِحُكْمِ الْوَقْفِ، تُسْمَعُ دَعْوَاهُنَّ وَلاَ يَمْنَعُ مُرُورُ هَذِهِ الْمُدَّةِ مِنْ سَمَاعِ دَعْوَاهُنَّ، لأِنَّ حَقَّ إِقَامَةِ الدَّعْوَى لَمْ يَثْبُتْ لَهُنَّ إِلاَّ بَعْدَ انْقِطَاعِ ذُرِّيَّةِ الْوَاقِفِ الذُّكُورِ.
وَيَبْتَدِئُ مُرُورُ الزَّمَانِ بِالنِّسْبَةِ لِمُؤَجَّلِ الصَّدَاقِ مِنْ وَقْتِ الطَّلاَقِ أَوْ مِنْ تَارِيخِ مَوْتِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ، لأِنَّ الصَّدَاقَ الْمُؤَجَّلَ لاَ يَصِيرُ مُعَجَّلاً إِلاَّ مِنْ تَارِيخِ الطَّلاَقِ الْبَائِنِ أَوِ الْوَفَاةِ.
7 - وَتَبْتَدِئُ مُطَالَبَةُ الْمَدِينِ الْمُفْلِسِ مِنْ تَارِيخِ زَوَالِ الإْفْلاَسِ كَأَنْ كَانَ لِدَائِنٍ عَلَى مَدِينٍ مَبْلَغٌ مِنَ الْمَالِ مَثَلاً وَكَانَ الْمَدِينُ مُفْلِسًا مُدَّةَ عَشْرِ سَنَوَاتٍ مَثَلاً فَإِنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ لاَ تَدْخُلُ فِي الزَّمَنِ وَتَبْتَدِئُ مُدَّةُ الْمُطَالَبَةِ مِنْ تَارِيخِ يَسَارِ الْمُفْلِسِ لأِنَّ تَرْكَ الدَّعْوَى بِسَبَبِ إِفْلاَسِ الْمَدِينِ كَانَ بِعُذْرٍ إِذْ لاَ يَتَأَتَّى لَهُ إِقَامَةُ الدَّعْوَى مَا دَامَ الْمَدِينُ مُفْلِسًا.
وَنَصَّتِ الْمَادَّةُ (1669) مِنَ الْمَجَلَّةِ عَلَى أَنَّهُ «إِذَا تَرَكَ وَاحِدٌ دَعْوَاهُ بِلاَ عُذْرٍ وَمَرَّ عَلَيْهَا الزَّمَانُ عَلَى مَا ذُكِرَ آنِفًا فَكَمَا لاَ تُسْمَعُ تِلْكَ الدَّعْوَى فِي حَيَاتِهِ لاَ تُسْمَعُ أَيْضًا مِنْ وَرَثَتِهِ بَعْدَ مَمَاتِهِ».
وَجَاءَ فِي شَرْحِهَا: وَذَلِكَ لأِنَّ الْوَارِثَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، فَمَا يَمْنَعُ سَمَاعَ دَعْوَى الْمُوَرِّثِ يَمْنَعُ سَمَاعَ دَعْوَى الْوَارِثِ. وَلَكِنَّ هَذَا إِذَا ادَّعَى الْوَارِثُ ذَلِكَ الْمِلْكَ بِالإْرْثِ عَنْ مُوَرِّثِهِ، أَمَّا لَوِ ادَّعَاهُ بِسَبَبٍ آخَرَ فَلاَ يَكُونُ تَرْكُ مُوَرِّثِهِ لِلدَّعْوَى مَانِعًا مِنْ سَمَاعِ دَعْوَاهُ، لأِنَّهُ بِهَذِهِ الصُّورَةِ لاَ يَدَّعِي تَلَقِّي الْمِلْكِ مِنْ مُوَرِّثِهِ فَلاَ يَكُونُ قَائِمًا مَقَامَهُ، فَمَثَلاً لَوْ أَوْصَى رَجُلٌ بِعَقَارٍ لاِبْنِ زَيْدٍ الْقَاصِرِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ بِخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً قَامَ ابْنُ زَيْدٍ الَّذِي بَلَغَ رَشِيدًا وَادَّعَى ذَلِكَ الْعَقَارَ بِمُقْتَضَى تِلْكَ الْوَصِيَّةِ عَلَى وَارِثِ الْمُوصِي تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَلاَ يَمْنَعُهُ مِنْهَا تَرْكُ أَبِيهِ ذَلِكَ الْعَقَارَ فِي يَدِ وَارِثِ الْمُوصِي لأِنَّهُ هَاهُنَا لاَ يَدَّعِي الْمِلْكَ بِسَبَبِ الإْرْثِ عَنْ أَبِيهِ بَلْ بِسَبَبِ الْوَصِيَّةِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ وَلَكِنْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ الْمُوصِي قَدْ تَرَكَ الدَّعْوَى بِهَذَا الْعَقَارِ وَهُوَ فِي يَدِ آخَرَ مُدَّةَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً لاَ تُسْمَعُ بِهِ دَعْوَى الْمُوصَى لَهُ لأِنَّ الْمُوصَى لَهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوصِي فَمَا مُنِعَ عَنْهُ الْمُوصِي مُنِعَ عَنْهُ الْمُوصَى لَهُ لأِنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ، وَمِثْلُ الْوَصِيَّةِ بِهَذَا الْمَعْنَى الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ وَالْهِبَةُ.
وَإِذَا تَرَكَ الْمُوَرِّثُ الدَّعْوَى مُدَّةً وَتَرَكَهَا الْوَارِثُ مُدَّةً أُخْرَى وَبَلَغَ مَجْمُوعُ الْمُدَّتَيْنِ حَدَّ مُرُورِ الزَّمَانِ فَلاَ تُسْمَعُ تِلْكَ الدَّعْوَى، لأِنَّهُ حَيْثُ كَانَ الْوَارِثُ قَائِمًا مَقَامَ الْمُوَرِّثِ كَانَا كَشَخْصٍ وَاحِدٍ حُكْمًا، فَلَوْ تَرَكَ الْمُوَرِّثُ الدَّعْوَى ثَمَانِيَ سِنِينَ مَثَلاً وَتَرَكَهَا الْوَارِثُ سَبْعَ سِنِينَ صَارَ كَأَنَّ الْوَارِثَ تَرَكَ الدَّعْوَى خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلاَ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ، وَمِثْلُ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي كَالْمُوصِي وَالْمُوصَى لَهُ، فَلَوْ كَانَ وَاحِدٌ مُتَصَرِّفًا فِي عَرْصَةٍ مُتَّصِلَةٍ بِدَارٍ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَصَاحِبُ الدَّارِ سَاكِتٌ، ثُمَّ أَوْصَى صَاحِبُ الدَّارِ بِدَارِهِ هَذِهِ إِلَى رَجُلٍ، فَقَامَ الْمُوصَى لَهُ يَدَّعِي أَنَّ الْعَرْصَةَ طَرِيقٌ خَاصٌّ لِلدَّارِ الْمُوصَى لَهُ بِهَا لاَ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ.
وَإِذَا مَاتَ أَحَدٌ وَفِي وَرَثَتِهِ بَالِغٌ وَقَاصِرٌ، فَإِنَّ الْبَالِغَ إِذَا تَرَكَ الدَّعْوَى الْمُدَّةَ الْمُقَرَّرَةَ بِلاَ عُذْرٍ فَلاَ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ، وَأَمَّا الْقَاصِرُ فَلاَ يُحْسَبُ عَلَيْهِ مُرُورُ الزَّمَانِ إِلاَّ مِنْ تَارِيخِ بُلُوغِهِ رَشِيدًا، مَعَ مُلاَحَظَةِ الْخِلاَفِ السَّابِقِ فِي وُجُودِ الْوَصِيِّ وَعَدَمِهِ.
8 - وَكُلُّ مَا تَقَدَّمَ بِالنِّسْبَةِ لِعَدَمِ سَمَاعِ الدَّعْوَى لِمُرُورِ الزَّمَانِ إِنَّمَا هُوَ عِنْدَ إِنْكَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَإِذَا اعْتَرَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْحَقِّ لِلْمُدَّعِي تُسْمَعُ دَعْوَى الْمُدَّعِي مَهْمَا طَالَ الزَّمَانُ، وَالْمُرَادُ بِعَدَمِ الإْنْكَارِ إِنَّمَا هُوَ عَدَمُ الإْنْكَارِ أَمَامَ الْقَاضِي فَلاَ يُعْتَبَرُ عَدَمُ الإْنْكَارِ خَارِجَ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ، وَلاَ يَصِحُّ الاِحْتِجَاجُ بِهِ لِوُجُودِ شُبْهَةِ التَّزْوِيرِ، وَلأِنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمَنْعُ مِنْ سَمَاعِ أَصْلِ الدَّعْوَى
فَفَرْعُهَا وَهُوَ ادِّعَاءُ الإْقْرَارِ أَوْلَى بِالْمَنْعِ مِنَ السَّمَاعِ لأِنَّ النَّهْيَ يَشْمَلُهَا، وَلَكِنْ إِذَا كَانَ الإْقْرَارُ الْمُدَّعَى بِهِ قَدْ أُيِّدَ بِسَنَدٍ جَاءَ بِخَطِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ خَتْمِهِ الْمَعْرُوفَيْنِ وَلَمْ تَمُرَّ مُدَّةُ التَّقَادُمِ مِنْ تَارِيخِ السَّنَدِ إِلَى وَقْتِ رَفْعِ الدَّعْوَى فَعِنْدَ ذَلِكَ تُسْمَعُ دَعْوَى الإْقْرَارِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ.
وَالأْحْكَامُ الْمُتَقَدِّمَةُ الْخَاصَّةُ بِمُرُورِ الزَّمَانِ إِنَّمَا هِيَ لِلْحُقُوقِ الْخَاصَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالإْقْرَارِ، أَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالأْمُورِ الْعَامَّةِ كَالطَّرِيقِ وَنَحْوِهَا فَلاَ تَسْرِي عَلَيْهَا أَحْكَامُ مُرُورِ الزَّمَانِ، فَتُسْمَعُ وَإِنْ طَالَتِ الْمُدَّةُ، وَمَا تَقَدَّمَ هُوَ خُلاَصَةُ أَحْكَامِ مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِمُرُورِ الزَّمَانِ.
9 - أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَيُعَبِّرُونَ عَنْ مُرُورِ الزَّمَانِ بِالْحَوْزِ وَالْحِيَازَةِ وَعِنْدَهُمْ أَنَّ هُنَاكَ دَعَاوَى لاَ تُسْمَعُ مُطْلَقًا، وَهِيَ الدَّعَاوَى الَّتِي تُوجِبُ مَعَرَّةً كَالدَّعَاوَى الَّتِي تُرْفَعُ عَلَى مَنْ عُرِفَ بِالاِسْتِقَامَةِ وَالشَّرَفِ فِي الْمُعَامَلَةِ كَأَنْ يَدَّعِي شَخْصٌ مَعْرُوفٌ بِالْفَقْرِ وَالتَّجَنِّي عَلَى النَّاسِ عَلَى شَخْصٍ يُطَالِبُهُ بِعَقَارٍ فِي يَدِهِ.
وَالْحِيَازَةُ عِنْدَهُمْ عَلَى قِسْمَيْنِ:
1 - حِيَازَةٌ مَعَ جَهْلِ أَصْلِ الْمِلْكِ لِمَنْ هُوَ؟.
2 - حِيَازَةٌ مَعَ عِلْمِ أَصْلِ الْمِلْكِ لِمَنْ هُوَ؟.
فَالأْولَى تَكْفِي فِيهَا الْحِيَازَةُ الْمَانِعَةُ مِنْ سَمَاعِ الدَّعْوَى لِمُدَّةِ عَشَرَةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَحُوزُ عَقَارًا أَمْ غَيْرَهُ.
وَالثَّانِيَةُ لاَ بُدَّ فِيهَا مِنْ عَشْرِ سِنِينَ فَأَكْثَرَ فِي الْعَقَارِ، أَوْ عَامَيْنِ فِي الدَّوَابِّ وَالثِّيَابِ وَنَحْوِهَا، وَيُشْتَرَطُ لِسَمَاعِ الدَّعْوَى فِي كُلٍّ مِنَ الْحِيَازَتَيْنِ أَنْ تَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ بِذِكْرِ الْيَدِ، وَتَصَرُّفُ الْحَائِزِ تَصَرُّفَ الْمَالِكِ فِي مِلْكِهِ، وَالنِّسْبَةُ، وَعَدَمُ الْمُنَازَعِ، وَطُولُ الْمُدَّةِ عَشْرَةُ أَشْهُرٍ فِي الأْولَى وَعَشَرُ سِنِينَ فِي الثَّانِيَةِ، وَعَدَمُ عِلْمِهِمْ بِمَا يُفَوِّتُ عَلَى الْمَالِكِ الأْصْلِيِّ حَقَّهُ فِي اسْتِرْجَاعِ مِلْكِهِ، فَلاَ تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ مَعَ فَقْدِ هَذِهِ الأْمُورِ أَوْ صِيغَةِ الشَّهَادَةِ الَّتِي تُثْبِتُ الْمِلْكَ لِلْمُدَّعِي، وَهُمْ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الشَّاهِدِ ذِي الْعِلْمِ وَغَيْرِهِ.
10 - وَجُمْهُورُ فُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ يَرَوْنَ أَنَّهُ لاَ يُسْأَلُ عَنْ مَصْدَرِ حِيَازَتِهِ فَلاَ يُقَالُ لَهُ: كَيْفَ حُزْتَ مَا تَضَعُ يَدَكَ عَلَيْهِ؟ خِلاَفًا لاِبْنِ رُشْدٍ، فَإِنَّهُ جَزَمَ بِأَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ سُؤَالِ الْحَائِزِ عَنْ مَصْدَرِ حِيَازَتِهِ، هَلْ هُوَ الْمِيرَاثُ مَثَلاً أَوِ الشِّرَاءُ أَوِ الْهِبَةُ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ؟ وَلاَ بُدَّ أَنْ يُبَيِّنَ ذَلِكَ، فَأَمَّا مُجَرَّدُ دَعْوَى الْمِلْكِ دُونَ أَنْ يَدَّعِيَ شَيْئًا مِنْ هَذَا فَلاَ يُنْتَفَعُ بِهِ مَعَ الْحِيَازَةِ إِذَا ثَبَتَ أَصْلُ الْمِلْكِ لِغَيْرِهِ .
وَرَأَى ابْنُ رُشْدٍ خِلاَفَ رَأْيِ الْجُمْهُورِ، وَرَأْيُ الْجُمْهُورِ هُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ، اللَّهُمَّ إِلاَّ إِذَا كَانَ الْحَائِزُ مَعْرُوفًا بِالتَّسَلُّطِ وَالْغَصْبِ وَالتَّعَدِّي، فَلاَ بُدَّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ أَنْ يُبَيِّنَ بِأَيِّ وَجْهٍ صَارَ إِلَيْهِ وَلاَ يَنْفَعُهُ قَوْلُهُ اشْتَرَيْتُهُ مِنَ الْقَائِمِ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ وَرَثَتِهِ بَلْ لاَ بُدَّ مِنْ إِثْبَاتِهِ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يُثْبِتْهُ فَعَلَيْهِ الْكِرَاءُ فِي جَمِيعِ الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَ بِيَدِهِ بِمَا يَقُولُهُ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ.
وَإِنْ عُرِفَ أَنَّ حِيَازَتَهُ كَانَتْ بِبَاطِلٍ لَمْ يَنْفَعْهُ طُولُ الْحِيَازَةِ وَإِنِ ادَّعَى شِرَاءَهُ، إِلاَّ أَنْ يَطُولَ ذَلِكَ نَحْوَ الْخَمْسِينَ سَنَةً وَنَحْوَهَا وَالْقَائِمُ حَاضِرٌ لاَ يُغَيِّرُ وَلاَ يَدَّعِي شَيْئًا، وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الْحَائِزَ إِذَا حَازَ الْعَقَارَ مُدَّةَ عَشْرِ سِنِينَ مَعَ وُجُودِ الْمُدَّعِي وَسُكُوتِهِ بِلاَ عُذْرٍ فَإِنَّ مُضِيَّ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ يَمْنَعُ سَمَاعَ دَعْوَى الْمُدَّعِي، وَمَا قَارَبَ عَشْرَ سِنِينَ يَأْخُذُ حُكْمَ الْعَشْرِ فَإِذَا نَقَصَتْ شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ أَخَذَتْ حُكْمَ الْعَشْرِ، وَأَمَّا إِذَا قَامَتِ الْخُصُومَةُ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْحَائِزِ أَمَامَ الْقَضَاءِ أَوْ غَيْرِهِ كَالْمُحَكِّمِينَ فَإِنَّ ذَلِكَ يَقْطَعُ الْمُدَّةَ، وَفِي غَيْرِ الْعَقَارِ يَمْنَعُ مِنْ سَمَاعِ الدَّعْوَى مَعَ عَدَمِ الْعُذْرِ مُضِيُّ عَشَرَةِ أَشْهُرٍ، وَهُنَاكَ خِلاَفَاتٌ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ فِي ذَلِكَ، وَالتَّخَاصُمُ يَقْطَعُ مُضِيَّ الْمُدَّةِ وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَاشْتَرَطَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ تَكْرَارَ التَّخَاصُمِ وَهُوَ مَا نَقَلَهُ ابْنُ سَلْمُونٍ عَنْ سَحْنُونٍ، وَإِذَا سَكَتَ بَعْدَ الْمُنَازَعَةِ عَشْرَ سِنِينَ فَإِنَّ سُكُوتَهُ يَمْنَعُ مِنْ سَمَاعِ دَعْوَاهُ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا سَكَتَ الْمُدَّعِي عَنْ مُخَاصَمَةِ الْحَائِزِ عَشْرَ سِنِينَ ثُمَّ رَفَعَ الْمُدَّعِي أَمْرَهُ لِيَقْضِيَ لَهُ وَعَلَّلَ سُكُوتَهُ بِأَنَّ بَيِّنَتَهُ كَانَتْ غَائِبَةً ثُمَّ جَاءَتْ، فَقِيلَ: يُقْبَلُ عُذْرُهُ وَقِيلَ: لاَ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: كُنْتُ فَاقِدًا مُسْتَنَدِي ثُمَّ وَجَدْتُهُ، وَكَذَلِكَ جَهْلُ الْحُكْمِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ جَهْلَهُ أَنَّ الْحِيَازَةُ تَمَلُّكُ الْحَائِزِ لَيْسَ عُذْرًا وَسُكُوتُ الْمُوَرِّثِ ثُمَّ الْوَارِثِ الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ يَمْنَعُ مِنْ سَمَاعِ الدَّعْوَى لأِنَّ هُمَا كَشَخْصٍ وَاحِدٍ، وَقِيلَ تُحْسَبُ مُدَّةُ الْمُوَرِّثِ وَحْدَهَا وَمُدَّةُ الْوَارِثِ وَحْدَهَا فَلاَ يُجْمَعَانِ مَعًا.
11 - وَنَفَقَةُ غَيْرِ الزَّوْجَةِ تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ فَلاَ تَصِيرُ بِفَوْتِهَا دَيْنًا فِي ذِمَّةِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ إِلاَّ بِاقْتِرَاضِ قَاضٍ بِنَفْسِهِ أَوْ مَأْذُونِهِ لِغَيْبَةٍ أَوْ مَنْعٍ فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ تَصِيرُ دَيْنًا عَلَيْهِ بِشَرْطِ أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَهُ احْتِيَاجُ الْفَرْعِ وَغِنَى الأْصْلِ مَثَلاً.
أَمَّا نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ فَلاَ تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ بَلْ تَصِيرُ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ، وَالْمُرَادُ بِالنَّفَقَةِ هُنَا مَا سِوَى الْمَسْكَنِ وَالْخَادِمِ، لأِنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ لِلاِسْتِمْتَاعِ وَالتَّمْكِينِ، وَكَذَلِكَ الْمَهْرُ بَعْدَ الدُّخُولِ فَإِنَّهُ لاَ يَسْقُطُ بِالتَّقَادُمِ، بَلْ يَسْتَقِرُّ فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ وَيُسْتَحَقُّ بِالْمَوْتِ أَوِ الطَّلاَقِ الْبَائِنِ وَيَصِيرُ مَأْمُونًا مِنْ سُقُوطِهِ.
12 - وَيُبَيِّنُ أَيْضًا مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ وَالْمَالِكِيَّةَ يَكَادُونَ يَتَّفِقُونَ عَلَى إِبَاحَةِ سَمَاعِ الدَّعْوَى لِلأْعْذَارِ، وَهِيَ عَلَى الْجُمْلَةِ الصِّغَرُ وَالْغَيْبَةُ الْبَعِيدَةُ وَالْجُنُونُ وَالْعَتَهُ وَكُلُّ عُذْرٍ يَمْنَعُ الْمُدَّعِيَ مِنْ رَفْعِ الدَّعْوَى كَأَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ذَا سَطْوَةٍ وَيُخَافُ مِنْهُ - عَلَى التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ.