مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء السادس، الصفحة : 530
حق الانتفاع وحق الاستعمال وحق السكنى
المذكرة الإيضاحية :
نظرة عامة :
أدخل المشروع على حق الانتفاع وما يلحق به من حق استعمال وحق سكنی تعديلات من الوجوه الآتية :
1- حذف نصوصاً متعلقة بالوقف وردت في التقنين الحالي وهي إما نصوص قد بطل تطبيقها (م 18/ 27 و م 35 - 36 و 48 من التقنين المختلط ) وإما نصوص قد أوردت أحكامة خاطئة في الوقف (م 17 / 34 ) أنظر نقض مدني 21 يونية سنة 1934 ملحق مجلة القانون والاقتصاد 4 رقم 18 وقد جاء في هذا الحكم أن النص يحلل للجهة الخيرية أن تبيع حق الرقبة و أن تبيع الملاك التام عند أيلولته إليها بعد انقراض ذرية الموصى لهم وهذا مخالف لأصول الوقف كل المخالفة ) .
2- رتب الموضوع ترتيب منطقية ففصل حق الاستعمال وحق السكن عن حق الانتفاع وبسط قواعد هذا الحق موزعة على مسائل ثلاث فقرر کیف یكسب الحق ثم ماذا يترتب على كسبه ثم كيف ينقضي .
3- أضاف نصوصاً من شأنها أن تزيد الموضوع وضوحاً فبين الأسباب التي يكسب بها حق الانتفاع وحدد حقوق المنتفع وهي حقوق تنصب مباشرة على العين ولا تتعلق بذمة مالك الرقبة أما التزامات المنتفع فتتعلق بذمته لأنه مسئول عن سلامة الرقبة في يده وعدد المشروع بعد ذلك الأسباب التي ينقضي بها حق الانتفاع .
أما حق الاستعمال والسكن فقد أشار إليهما التقنين الحالي إشارة موجزة في المادة 14 / 30 يقابلها في المشروع المواد 1071 - 1073 وقد حددت هذه المواد نطاق هذين الحقين بالحاجات الشخصية لصاحب الحق وعالجت بنوع خاص مسألة عملية هي جواز النزول عن حق السكن إذا وجد مبرر قوي لذلك.
مذكرة المشروع التمهيدي :
1- حدد هذا النص الطرق التي يكسب بها حق الانتفاع وهي نفس الطرق التي يكسب بها حق الملكية بعد استبعاد ما لا ينطبق منها على حق الانتفاع فيكسب حق الانتفاع بالعمل القانوني ويشمل العقد والوصية ويكسب أيضاً بالشفعة والتقادم ويخرج الميراث لأن حق الانتفاع لا يورث بل ينتهي حتماً بموت صاحبه ويخرج أيضاً الاستيلاء والالتصاق لأنهما لا ينطبقان على طبيعة حق الانتفاع .
2 - وقد أجاز المشروع أن يوصي بحق الانتفاع لأشخاص متعاقبين أي لواحد بعد الآخر ولكن حتى لا يشتبه ذلك بالوقف اشترط أن يتعين الأشخاص الموصي لهم وقت الوصية أما الوقف فلا يتعين وقت إنشائه إلا الطبقة الأولى من المستحقين فيه .
1- المنتفع وإن جاز له فى القانون أن يحمى حيازته لحق الانتفاع بدعاوى الحيازة إلا أنه يتعين بداءة أن يثبت أن العقار المطلوب دفع العدوان عن حيازته مثقل بحق عينى اكتسبه رافع الدعوى بسبب من الأسباب المقررة بالمادة 985 من القانون المدنىلإكتساب حق الانتفاع ، لما كان الثابت من تقرير الخبير المندوب فى الدعوى أن الأرض محل النزاع كانت ملك الحكومة وقد اشتراها الطاعن فى عام 1954 على أقساط سنوية إلا أنه لم يسجل عقد شرائه إلا فى عام 1981 فإن ملكيتها لم تنتقل إليه إلا من تاريخ تسجيل هذا العقد ، وإذ كانت المشارطة المؤرخة 28 / 4 / 1945 والتى بموجبها رتب الطاعن حق الانتفاع لمورثى المطعون ضدهم بما يضعان اليد عليه منها لم يقدم المطعون ضدهم لمحكمة الموضوع دليلاً يفيد حصول تصرف من الحكومة فى تلك الأرض قبل انتقال ملكيتها إلى الطاعن اكتسب بمقتضاها مورثا المطعون ضدهم حقا عينياً بالانتفاع ومن ثم فإنه لم لينشأ لهما هذا الحق طبقاً للقانون وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى بتمكين المطعون ضدهم من أرض النزاع على سند من أن الطاعن وقت شرائه لتلك الأرض كان يعلم بأحقية مورثى المطعون ضدهم فى الانتفاع بما يضعان اليد عليه منها لأنه هو الذى قسم الانتفاع بها وفقا للمشارطة المؤرخة 28 / 4 / 1945 يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون .
(الطعن رقم 1878 لسنة 64 جلسة 2003/05/06 س 54 ع 1 ص 755 ق 129)
2- إذ كان عقد شراء المطعون ضده لحصة والده زوج الطاعنة فى العقار ( والتي تشمل شقة النزاع ) لم يسجل كما لم يسجل العقد الذي رتب به ( لوالده زوج الطاعنة ) حق الانتفاع على شقة النزاع فإن ملكية هذه الحصة لم تنتقل إلى المطعون ضده كما لم ينشأ على عين التداعي حق انتفاع طبقا للقانون ويكون الحكم المطعون فيه إذ أقام قضاءه - مع ذلك - على أن دعوى المطعون ضده (بطرد الطاعنة من شقة النزاع بقالة ملكيته لها وانتهاء حق الانتفاع الذي قرره لوالده زوج الطاعنة عليها بوفاته) من دعاوى الاستحقاق الناشئة عن انتهاء حق الانتفاع بوفاة المنتفع يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون أدى به إلى عدم تحقيق سند حيازة الطاعنة للشقة والتي تمسكت بها استمرار لحيازة سلفها والد المطعون ضده.
(الطعن رقم 1691 لسنة 68 جلسة 1999/06/17 س 50 ع 2 ص 874 ق 172)
3- حق الانتفاع يتقرر للمنتفع من صاحب حق الملكية ومن ثم فهو حق عيني فى الانتفاع بشيء مملوك للغير بشرط الاحتفاظ بذات الشيء لرده إلى صاحبه عند نهاية حق الانتفاع الذي يجب أن ينتهي حتما بموت المنتفع بما لازمه أن يكون المنتفع شخصا أخر غير مالك الرقبة ولا يقال لمن يملك المال ملكية كاملة انه يملك كلا من الرقبة وحق الانتفاع بل أن انتفاعه بالمال لا يتغير مباشرة لحق الانتفاع وإنما هو مباشرة لحق الملكية الكاملة.
(الطعن رقم 8583 لسنة 66 جلسة 1998/04/15 س 49 ع 1 ص 322 ق 81)
4- البين من استعراض نصوص القانون المدنى فى المواد 985 إلى 995 منه أنه اعتبر حق الإنتفاع من الحقوق العينية وذلك بإدراجه فى باب الحقوق المتفرعة عن حق الملكية، وهو فى نظر القانون المصرى حق مالى قائم بذاته ولا يعتبر من القيود الواردة على حق الملكية، ومن ثم فإن حق الإنتفاع باعتباره من الحقوق العينية يخول صاحبة استعمال الشىء واستغلاله بنفسه أو بواسطة غيره دون قيود بشرط ألا يتجاوز حق الرقبة .
(الطعن رقم 2627 لسنة 60 جلسة 1994/11/03 س 45 ع 2 ص 1328 ق 250)
5- المنتفع وإن جاز له فى القانون أن يحمى حيازته لحق الإنتفاع بدعاوى الحيازة ، إلا أنه يتعين أن يثبت بداءة أن العقار المطلوب دفع العدوان عن حيازته مثقل بحق عينى أكتسبه رافع الدعوى بسبب من الأسباب المقررة بالمادة 985 من القانون المدنى لأكتساب حق الإنتفاع ، لما كان ذلك وكان البين من الأوراق ومدونات الحكم المطعون فيه أن الأرض محل التداعى من أملاك الدولة الخاصة التى تزرع خفية وأثبت الخبير فى تقريره أن الطاعن ليس إلا مجرد واضع يد عليها وقيد أسمه بسجلات مصلحة الأملاك بإعتباره مستغلا للأرض بطريق الخفية ، وكان الطاعن لم يقدم إلى محكمة الموضوع ثمة دليل يفيد حصول تصرف من الحكومة فى أرضها أكتسب بمقتضاه حقاً عينياً بالإنتفاع ، فإنه لا يكون صحيحاً ما يثيره فى النعى من الإدعاء بحيازتها على سند من قيام هذا الحق .
(الطعن رقم 452 لسنة 54 جلسة 1987/11/26 س 38 ع 2 ص 1007 ق 213)
6- تقضى المادة 934 من القانون المدنى بأنه فى المواد العقارية لا تنتقل الملكية ولا الحقوق العينية الأخرى سواء أكان ذلك فيما بين المتعاقدين أم كان فى حق الغير إلاإذا روعيت الأحكام المبينة فى قانون تنظيم الشهر العقارى وأن هذا القانون هو الذى يبين التصرفات والأحكام والسندات التى يجب شهرها سواء أكانت ناقلة للملكية أم غير ناقلة ويقرر الأحكام المتعلقة بهذا الشهر ، وتوجب المادة التاسعة من القانون رقم 114 لسنة 1946 بتنظيم الشهر العقارى أن تشهر بطريق التسجيل جميع التصرفات التى من شأنها إنشاء حق من الحقوق العينية الأصلية أونقله أوتغييره أوزواله ، و كذلك الأحكام النهائية المثبتة لشىء من ذلك ويدخل فى هذه التصرفات الوقف والوصية ، ولما كانت الملكية لا تنتقل إلى الموصى له إلا بالتسجيل ، وكانت الوصية غير المسجلة بمجرد وفاة الموصى ترتب وطبقاً للمادتين الرابعة من قانون المواريث رقم 77 لسنة 1943 ، 37 من قانون الوصية رقم 71 لسنة 1946 فى ذمة الورثة بإعتبارهم ممثلين للتركة إلتزامات شخصية منها الإلتزام بإتخاذ الإجراءات الضرورية لنقل ملكية العقار أوالحق العينى إلى الموصى له عن طريق التسجيل وفقاً للقانون ، ومن ثم تكون للموصى له الذى قبل الوصية ولم يردها أن يطالب بتنفيذ الإلتزامات الشخصية المترتبة عليها قبل الورثة ، فإذا إمتنعوا عن ذلك كان له أن يلجأ إلى القضاء للحصول على حكم بصحة ونفاذ الوصية يكون من شأنه بعد تسجيله أن ينقل الملكية إليه تطبيقاً للمادتين 1/203 ، 210 من القانون المدنى .
(الطعن رقم 35 لسنة 47 جلسة 1987/03/17 س 38 ع 1 ص 399 ق 90)
7- التحقق من أحقية المورث فى الإنتفاع بالعين المتصرف فيها مدى حياته لحساب نفسه إستنادا إلى حق لا يستطيع المتصرف إليه حرمانه منه لثبوت قيام القرينة القانونية المنصوص عليها فى المادة 917 من القانون المدنى ، هو من سلطة محكمة الموضوع بغير معقب من محكمة النقض متى كان إستخلاصها سائغا .
(الطعن رقم 974 لسنة 53 جلسة 1984/01/05 س 35 ع 1 ص 146 ق 31)
8- ولئن كان لمحكمة الموضوع السلطة التامة فى تحصيل فهم الواقع فى الدعوى إلا أنها تخضع لرقابة محكمة النقض فى تكييف هذا الفهم وفى تطبيق ما ينبغى تطبيقه من أحكام القانون وكان من المقرر أيضاً أن طلب إعادة الدعوى إلى المرافعة وإن كان أمره متروكاً لمحكمة الموضوع بحيث تستقل بتقدير مدى الجد فيه و يكون لها الحق فى أن تستجيب له أو تقضى برفضه إلا أنها مع ذلك تلتزم إذا ما تناولته فى حكمها بقضاء صريح أن تورد فى أسبابه ما يبرر هذا القضاء وإذ كانت عبارات العقد المسجل برقم 6212 فى 27-9-1973 - والمختلف على تفسيره - صريحة فى أن الطاعنة إشترت لولديها القاصرين . . . و . . . حق الرقبة بالنسبة لحصة فى العقار موضوع النزاع ، متبرعة لهما بالثمن من مالها الخاص ، فإعتبرت المحكمة أن ذلك العقد ينطوى على وصية وكان سندها فى ذلك أن شروط العقد تتضمن أن ملكية الرقبة فقط للقاصرين بينما حق الإنتفاع للطاعنة مدى حياتها ، وأن القاصرين ممنوعان من التصرف فى حق الملكية طوال حياة والدتهما الطاعنة ، وأن هذه الأسباب التى أقام عليها الحكم المطعون فيه قضاءه لا تبرر قانوناً التكييف الذى كيفت به ذلك العقد بأنه وصية ، لأن شراء الطاعنة حق الإنتفاع لها و منع قاصريها من التصرف فى حق الرقبة مدى حياتها لا يمنع من إعتبار التصرف بيعاً صحيحاً ناقلاً لملكية الرقبة فوراً للقاصرين ، وإذ كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه يكون مشوباً بمخالفة القانون ويتعين نقضه .
(الطعن رقم 246 لسنة 48 جلسة 1981/06/10 س 32 ع 2 ص 1770 ق 318)
9- مفاد المادة 917 من القانون المدنى وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة أن القرينة التى تضمنتها لا تقوم إلا بإجتماع شرطين أولهما هو إحتفاظ المتصرف بحيازة العين المتصرف فيها ، وثانيهما إحتفاظه بحقه فى الإنتفاع بها على أن يكون ذلك له مدى حياته،وتلك القرينة القانونية متى توافرت عناصرها من شأنها إعفاء من يطعن فى التصرف بأنه ينطوى على وصية من إثبات هذا الطعن ونقل عبء الإثبات على عاتق المتصرف إليه ،ولقاضى الموضوع سلطة التحقق من توافر هذين الشرطين للتعرف على حقيقة العقد المتنازع عليه والتحرى عن قصد المتصرف من تصرفه وذلك فى ضوء ظروف الدعوى طالما يبرر قوله فى ذلك بما يؤدى إليه .
(الطعن رقم 908 لسنة 47 جلسة 1981/02/17 س 32 ع 1 ص 539 ق 103)
10- النص فى المادة 985 من القانون المدنى على أن " حق الإنتفاع يكسب بعمل قانونى أو بالشفعة أو بالتقادم و يجوز أن يوصى بحق الإنتفاع لأشخاص متعاقبين إذا كانوا موجودين على قيد الحياة وقت الوصية كما يجوز للحمل المستكن " والنص فى المادة 993 من ذات القانون على أن " ينتهى حق الإنتفاع بإنقضاء الأجل المعين فإن لم يعين له أجل عد مقرراً لحياة المنتفع وهو ينتهى على أى حال بموت المنتفع حتى قبل إنقضاء الأجل المعين" يدل علىأن حق الإنتفاع لا يكتسب عن طريق الميراث وأنه حق موقوت ينقضى بإنقضاء أقرب الأجلين المدة المقررة له أو وفاة المنتفع ، وكان القانون رقم 142 سنة 1944 بفرض رسم أيلولة على التركات قد خلا من النص صراحة على إخضاع حق الإنتفاع الذى ينقضى بوفاة صاحبه لرسم الأيلولة على التركات على حين أخضع هذا القانون بصريح الإستحقاق فى الوقف والوصية والهبة وعقود التأمين والتأمينات التى إستحق سدادها بسبب وفاة المورث إلى رسم الأيلولة ، وكان ذلك منه إستثناء من القاعدة الأصلية وهى أن الرسم لا يستحق أصلاً إلا على الأموال التى تنتقل بطريق الميراث ، ولما كان الإستثناء لا يجوز القياس عليه و لو أراد المشرع إخضاع حق الإنتفاع الذى ينقضى بوفاة صاحبه لرسم الأيلولة على التركات لنص على ذلك صراحة كما نص على غيره من التصرفات التى أخضعها لهذا الرسم وكان حق الإنتفاع موضوع النزاع لم ينتقل من ذمة المتوفاة إلى ذمة المطعون عليها المشترية بل إنقضى بسبب وفاة صاحبته فإنه لا يكون خاضعاً لأحكام القانون 142 لسنة 1944 ولا يستحق عليه بالتالى أيه رسوم أيلولة أو ضريبة تركات ، ولا محل للتحدى بنص المادة 4/36 من هذا القانون التى بينت أساس تقدير حق الإنتفاع ذلك أن حق الإنتفاع يجوز أن يوصى به لأشخاص متعاقبين موجودين على قيد الحياة وقت الوصية كما يجوز للحمل المستكن وفقاً لما تنص عليه المادة 985 مدنى وتكون الوفاة هى الواقعة المنشئة لإستحقاق الرسم لأن المال قد آل إلى الموصى له بسببها وفى هذه الحالة يستحق رسم أيلولة طبقاً للقاعدة العامة التى نصت عليها المادة الثالثة من القانون رقم 142 لسنة 1944 من أن الأموال التى تنتقل بطريق الوصية يكون حكمها حكم الأموال التى تنتقل بطريق الإرث ويحصل عليها الرسم وإذ إنتهى الحكم المطعون عليه إلى عدم خضوع حق الإنتفاع موضوع النزاع لرسم الأيلولة فإنه يكون قد إلتزم صحيح القانون .
(الطعن رقم 186 لسنة 47 جلسة 1981/02/16 س 32 ع 1 ص 523 ق 100)
11- مفاد نص المادتين 936 ، 937 من القانون المدنى أن المشرع قرر حق الشفعة لمالك الرقبة - فى بيع حق الإنتفاع لحكمة توخاها هى جمع شتات الملكية برد حق الإنتفاع إلى مالك الرقبة إذ بدون هذا النص الصريح ما كان لمالك الرقبة أن يشفع فى بيع حق الإنتفاع إذ هو ليس شريكاً مشتاعاً ولا جاراً مالكاً - وتحقيقاً لذات الحكمة فقد فضل المشرع مالك الرقبة على سائر الشفعاء عند مزاحمتهم له فى الشفعة فى بيع حق الإنتفاع الملابس للرقبة التى يملكها وذلك على ما جرى به نص المادة 937 من القانون المدنى المشار إليها - وإذ قرر المشرع الأفضلية لمالك الرقبة على باقى الشفعاء عند مزاحمتهم له وفق ما جرى به هذا النص فقد تصور أن يزاحم الشفعاء الآخرين مالك الرقبة فى بيع حق الإنتفاع فتكون الأفضلية للأخير مؤكداً بذلك أن الشفعة فى حق الإنتفاع مقررة لسائر الشفعاء وذلك لتوفر الحكمة فى تقرير الشفعة وهى منع المضار - لما كان ما تقدم فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بثبوت حق الشفعة للجار المالك " المطعون ضدها الأولى " يكون قد أصاب فى النتيجة التى إنتهى إليها .
(الطعن رقم 103 لسنة 48 جلسة 1979/12/13 س 30 ع 3 ص 261 ق 387)
تنص المادة 985 مدني على ما يأتي :
1 - حق الانتفاع يكسب بعمل قانوني أو بالشفعة أو بالتقادم .
2 - ويجوز أن يوصي بحق الانتفاع لأشخاص متعاقبين إذا كانوا موجودين على قيد الحياة وقت الوصية كما يجوز للحمل المستكن.
كسب حق الانتفاع ابتداء وكسبه انتقالاً : وحق الانتفاع كحق الملكية يمكن كسبه ابتداء وكسبه انتقالاً بل أن حق الانتفاع في هذا الصدد يتميز عن حق الملكية في أن الغالب فيه أن يكسب ابتداء لا انتقالاً في حين أن الغالب في حق الملكية أن يكسب انتقالاً ولا يكسب ؟؟؟ إلا بالاستيلاء .
فحق الانتفاع يكسب ابتداء الوصية ويكسب انتقالاً بالشفعة ويكسب ابتداء وانتقالاً بالعقد والتقادم .
أما أن حق الانتفاع لا يكسب بالوصية إلا ابتداء فذلك لأنه لا يمكن الإيصاء بحق انتفاع ينتقل إلى الموصى له بموت الموصي فإن حق الانتفاع ينتهي حتماً بموت المنتفع فلا يجوز للمنتفع أن يوصي بحق الانتفاع لأن هذا الحق يكون قد انتهى بموته وعلى ذلك لا يكسب حق الانتفاع انتقالاً بالوصية .
وإنما يمكن بالوصية إنشاء حق الانتفاع ابتداء فيوصي المالك ملكية كاملة للعين بحق الانتفاع بها وبذلك ينشئ ابتداء بالوصية حق الانتفاع ولا ينقله .
وإما أن حق الانتفاع لا يكسب بالشفعة إلا انتقالاً فذلك لأن الشفعة إنما تنقل للشفيع حق انتفاع قد تم إنشاؤه قبل أخذه بالشفعة .
فأخذ حق الانتفاع بالشفعة إنما ينقل هذا الحق للشفيع ولا ينشئه .
والعقد تارة ينشئ حق الانتفاع وهو الغالب وطورا ينقل هذا الحق فالمالك ملكية كاملة للعين ينشئ حق انتفاع على العين لمصلحة شخص آخر فيكون العقد في هذه الحالة منشئاً لحق الانتفاع ابتداء ومتى أنشئ حق الانتفاع بأي سبب من أسباب إنشائه جاز للمنتفع أن ينقل حقه للغير ببيع أو مقايضة أو هبة فيكون العقد في هذه الحالة ناقلاً لحق الانتفاع لا منشئاً له .
والتقادم كذلك تارة ينشئ حق الانتفاع وهو الغالب وطوراً ينقل هذا الحق فقد ينشئ شخص على عقار غير مملوك له حق انتفاع لشخص آخر ثم يضع هذا الأخير يده على حق الانتفاع معتقداً بحسن نية أنه تعامل مع المالك فيستطيع أن يكسب حق الانتفاع إذا ظل حائزاً إياه خمس سنوات بالتقادم المكسب القصير ويكون التقادم في هذه الحالة قد أنشأ حق الانتفاع ابتداء وقد يكون هناك حق انتفاع ثم إنشاؤه ويؤجر المنتفع العين المنتفع بها ثم يغير المستأجر صفة حيازته من حيازة عرضية إلى حيازة أصيلة بنية تملك حق الانتفاع فيتملكه بالتقادم المكسب الطويل فيكون التقادم هنا ناقلاً لحق الانتفاع لا منشئاً له ويقوم مقام التقادم المكسب القصير في العقار الحيازة بحسن نية في المنقول وسيأتي بيان ذلك عند الكلام في التقادم باعتبار سبباً لكسب حق الانتفاع .
ويخلص مما قدمناه أن هناك أسباباً أربعة لكسب حق الانتفاع : العقد والوصية والشفعة والتقادم ويضاف إلى التقادم الحيازة في المنقول .
السبب الأول – العقد :
يكون العقد سبباً لكسب حق الانتفاع فى حالات ثلاث :
(الحالة الأولى ) يكسب العقد فيها حق الانتفاع بطريق الإنشاء، وهذا طريق مباشر.
فيترتب مالك العين عقاراً كانت العين أو منقولاً حق انتفاع على العين لمصلحة شخص آخر ويكون ذلك بعقد منشئ للحق العيني وأكثر ما يكون هذا العقد بيعاً أو هبة وقد يكون مقايضة أو وفاء بمقابل أما البيع فنادر إذ يصعب تقدير قيمة حق الانتفاع وهى موقوفة على حياة المنتفع كما قدمنا فيصعب تبعاً لذلك تقدير الثمن وأما المقايضة فأنذر ولكن يمكن تصور ذلك إذا تقايض شخصان على عينين فيكون لكل منهما حق الانتفاع في العين المملوكة للآخر والهبة أقرب تصوراً فيهب شخص لآخر حق الانتفاع في عقار أو منقول مملوك للأول ليجد المنتفع بذلك مورداً للعيش فإن كان الهبة واقعة على عقار وجب أن تكون بورقة رسمية ما لم تكن مستترة تحت إسم عقد آخر وإن كانت واقعة على منقول وجب أيضاً أن تكون بورقة رسمية ما لم يقبض المنتفع المنقول أو تكن الهبة مستترة تحت اسم عقد آخر وأياً كان العقد بيعاً أو هبة أو مقايضة أو غير ذلك فإنه يجب تسجيله إذا رتب حق الانتفاع على عقار ولا ينشأ حق الانتفاع لا بالنسبة إلى الغير ولا فيما بين المتعاقدين إلا إذا سجل العقد طبقاً للقواعد المقررة في التسجيل .
ويحدد العقد مدة لحق الانتفاع وينهي حق الانتفاع حتماً بموت المنتفع حتى قبل انقضاء المدة المحددة فإذا لم يحدد العقد مدة عد حق الانتفاع مقرراً مدى حياة المنتفع م 993 / 1 مدني وإذا كان حق الانتفاع مرتباً لمصلحة شخص معنوي فقد ورد في هذا الشأن نص في التقنين المدني الفرنسي إذ تقضي المادة 619 من هذا التقنين بأن المدة لا يجوز أن تزيد في هذه الحالة على ثلاثين سنة .( وورد في كل من التقنين المدني السوري م 936 ) وقانون الملكية العقارية اللبناني ( م 32 أنه لا يجوز إنشاء حق الانتفاع لصالح أشخاص معنويين ) ولما كان التقنين المدني المصري لا يشتمل على مثل هذه النصوص وجب القول من جهة إن حق الانتفاع يجوز ترتيبه لصالح شخص معنوي ومن جهة أخرى إنه لا يوجد حد أقصى لمدة حق الانتفاع في هذه الحالة وعلى ذلك يجوز في القانون المصري ترتيب حق الانتفاع لصالح شخص معنوي ولكن ينتهي حق الانتفاع حتماً بانحلال الشخص المعنوي حتى قبل انقضاء المدة المحددة في العقد .
والعقد الذي أنشأ حق الانتفاع هو الذي يقرر حقوق المنتفع والتزاماته وغير ذلك من الشروط على أن يستكمل كل ذلك بالأحكام الواردة في القانون وسيأتى بيانها م 986 مدني ويصح أن ينشئ العقد حق الانتفاع منجزاً كما يصح أن يعلقه على شرط فاسخ أو على شرط واقف أو أن يقرنه بأجل واقف فلا يبدأ حق الانتفاع إلا في وقت معين ويجب أن يكون حق الانتفاع دائماً مقترناً بأجل فاسخ فإن لم يحدد العقد هذا الأجل كان الأجل الفاسخ هو مدة حياة المنتفع كما سبق القول ويجوز أن يقترن العقد بشروط وتكاليف وبوجه خاص يجوز جعل حق الانتفاع غير قابل للنزول عنه ولا للحجز عليه فيكون حق الانتفاع كحق الملكية مقترناً بشرط مانع من التصرف ويراعي في ذلك نفس الأحكام التي سبق تفصيلها في حق الملكية ( م 823 – 824 مدني ) .
(الحالة الثانية ) يكسب العقد فيها حق الانتفاع بطريق الاحتفاظ بهذا الحق، وهذا طريق غير مباشر.
فينقل مالك العين بالعقد الرقبة للغير ويحتفظ لنفسه بحق الانتفاع مدى حياته في الغالب ويكون العقد في هذه الحالة منشئاً لحق الرقبة لا لحق الانتفاع وإنما يبرز حق الانتفاع بطريق غير مباشر عن طريق فصل الرقبة عن الملكية الكاملة فيكون حق الانتفاع بعد أن انفصلت عنه الرقبة للمالك الأصلي وتكون الرقبة لمن تصرف له هذا المالك وقد قدمنا أن هذه الصورة هى التي تتحقق عادة في العمل في مصر وأنه يقصد بها غالباً التحايل على أحكام الميراث والوصية ومن أجل ذلك وضعت المادة 917 مدني قرينة قانونية على أن التصرف على هذا النحو يعتبر وصية مستترة ما لم يقم الدليل على العكس فإن قام الدليل على العكس كان الحكم هو ما قدمنا وكان العقد هو الذي أنشأ حق الرقبة وبانفصالها عن الملكية الكاملة برز حق الانتفاع أما إذا لم يقم الدليل على العكس فالتصرف في مجموعة يعتبر وصية ويبقى المتصرف مالكاً للعين ملكية كاملة مدة حياته ويجوز له الرجوع عن التصرف في أي وقت لأن الوصية يجوز الرجوع فيها فإن مات دون أن يرجع عن الوصية آلت العين كاملة للموصى له وتسري سائر أحكام الوصية وعلى هذا النحو لا تنفصل الرقبة عن الملكية الكاملة ولا يبرز حق الانتفاع في أي وقت لا في أثناء حياة المتصرف ولا بعد موته وسواء اعتبر التصرف تصرفاً حال الحياة أو اعتبر وصية مستترة فإنه إذا وقع على عقار وجب تسجيله طبقاً للقواعد المقررة في التسجيل إذ أنه يكون واجب التسجيل في الحالتين.
(الحالة الثالثة ) ينقل العقد فيها حق انتفاع ثم إنشاؤه من قبل ويكون العقد في هذه الحالة ناقلاً لحق الانتفاع لا منشئاً له وسنرى عند الكلام في حقوق المنتفع أن لهذا الأخير أن يتصرف في حق الانتفاع بالبيع والهبة وغير ذلك من أنواع التصرف ولكن ينتهي حق الانتفاع حتماً بموت المنتفع الأصلي أما موت من تصرف له المنتفع الاصلي فلا ينهي الحق بل ينتقل الحق بموت إلى ورثته وهذه صورة خاصة يورث فيها حق الانتفاع ويبقى المنتفع الأصلي بالرغم من نزوله عن حق الانتفاع للغير ملتزماً بجميع التزامات المنتفع ويعد شخصه هو لا شخص من تصرف له محل الاعتبار في انتهاء حق الانتفاع بالموت فإذا مات انتهى حق الانتفاع ولو بقى المتصرف له حياً وسنعود لهذه المسألة عند الكلام في أعمال التصرف التي تصدر من المنتفع.
السبب الثاني – الوصية :
وينشأ حق الانتفاع ابتداء بالوصية وقد قدمنا أن حق الانتفاع لا يكسب بالوصية إلا ابتداء وكسب حق الانتفاع بالوصية أكثر وقوعاً في العمل من كسبه بالعقد ويتم ذلك بأحد طريقين : إما بأن يوصي مالك العين بحق الانتفاع بها لشخص معين فتبقى الرقبة للورثة وهذا يقابل كسب حق الانتفاع بالعقد بطريق الإنشاء أو بأن يوصي مالك العين بالرقبة لشخص معين فيبقى حق الانتفاع للورثة وهذا يقابل كسب حق الانتفاع بطريق الاحتفاظ بهذا الحق .
وتسري أحكام الوصية من حيث الشكل ومن حيث النصاب الجائز الإيصاء به ومن حيث انتقال الحق إلى الموصى له ببقائه حياً بعد موت الموصي ومن حيث وجوب التسجيل إذا كانت الوصية واقعة على عقار ومن حيث سائر أحكام الوصية وتحدد الوصية مدة حق الانتفاع على التفصيل الذي ذكرناه في تحديد المدة بالعقد وتقرر حقوق المنتفع والتزاماته على أن تستكمل ذلك بالأحكام الواردة في القانون ويصح أن تعلق الوصية حق الانتفاع على شرط فاسخ أو على شرط واقف أو تقرنه بأجل واقف كما يصح أن تقرنه بشروط وتكاليف ومها جعله غير قابل للتصرف فيه ولا للحجز عليه وذلك كله على النحو الذي قدمناه فيما إذا كان سبب كسب حق الانتفاع هو العقد.
وتنص الفقرة الثانية من المادة 985 مدني فيما رأينا على ما يأتى : ويجوز أن يوصى بحق الانتفاع لأشخاص متعاقبين إذا كانوا موجودين على قيد الحياة وقت الوصية كما يجوز للحمل المستكن والمفروض أن الموصي يوصي بحق الانتفاع في العين لشخصين أو أكثر على التعاقب بحيث إذا انتهى حق انتفاع الأول بانقضاء مدته أو بموت المنتفع نشأ حق انتفاع جديد لا صلة له بحق الانتفاع الأول ولا يعتبر استمراراً له لمصلحة الشخص الثاني حتى إذا انتهى حق الانتفاع الثاني بانقضاء مدته أو بموت المنتفع الثاني نشأ حق انتفاع ثالث لا صلة له بحق الانتفاع الثاني لمصلحة الشخص الثالث وهكذا وغنى عن البيان أنه كما يمكن الإيصاء بحق الانتفاع لأشخاص متعاقبين على هذا النحو يمكن من باب أول الإيصاء بحق الانتفاع لأشخاص مجتمعين في وقت واحد فيكون حق الانتفاع شائعاً بينهم فإذا كانوا ثلاثة مثلاً وكانت حصصهم متساوية بحسب الوصية كان لكل منهم حق الانتفاع بثلث العين شائعاً في العين كلها وينتهي حق الانتفاع بالنسبة إليهم جميعاً بانقضاء مدته المحددة في الوصية وينتهي حتماً بالنسبة إلى الثلث الشائع من العين إذا مات أحد منهم فتصبح ورثة الموصي مالكه ملكية كاملة لهذا الثلث ولها ملك الرقبة في الثلثين الباقيين .
وفي حالة ما إذا كان الإيصاء لأشخاص متعاقبين فإن الأول منهم يستقل وحده بحق الانتفاع ولا يشاركه الآخرون فيه وذلك إلى أن ينتهي هذا الحق ثم يعقبه حق الانتفاع الثاني فحق الثالث وهكذا كما سبق القول فإذا كان الأشخاص المتعاقبون ثلاثة كان هناك حقوق انتفاع ثلاثة تتوالى وكل منها مستقل عن الحقين الآخرين ويكون كل حق منها مستمداً مباشرة من الوصية التي أنشأته لا من حق الانتفاع الذي سبقه ويترتب على ذلك أن كلا من هؤلاء الأشخاص الثلاثة الموصى لهم يجب أن يكون كما تقول المادة 985 / 2 مدني فيما رأينا موجوداً على قيد الحياة وقت الوصية أو في القليل يجب أن يكون حملاً مستكناً في هذا الوقت إذ تجوز الوصية للحمل المستكن فيكون الموصي قد أوصى بحق الانتفاع مباشرة لكل من هؤلاء الثلاثة وهم موجودون على قيد الحياة وقت أن أوصي فأنشأ بذلك ثلاثة حقوق انتفاع مستقلة بعضها عن بعض الأول منها منجز والثاني مقترن بأجل واقف هو انتهاء الأول والثالث مقترن أيضاً بأجل واقف هو انتهاء الثاني وتكون ورثة الموصي طوال المدة التي تبقى فيها حقوق الانتفاع الثلاثة المتعاقبة مالكين لرقبة العين حتى إذا انتهى حق الانتفاع الثالث والأخير عادت لهم ملكية العين كاملة .
وشروط وجود الموصى لهم على قيد الحياة وقت الوصية شرط أساسي وهو الذي يميز هذا التصرف عن الوقف ففي الوقف ينتقل الانتفاع بالعين الموقوفة من مستحق إلى من يليه من المستحقين دون أن يشترط وجود جميع المستحقين المتعاقبين على قيد الحياة وقت الوقف وهذه هى ميزة يختص بها الوقف كما يختص في إنشائه وفي الآثار التي تترتب عليه بأحكام خاصة قررتها الشريعة الإسلامية أما هنا فنحن في صدد وصية بحق الانتفاع لأشخاص متعاقبين موجودين على قيد الحياة وقت الوصية فتسري عليها أحكام الوصية وأحكام حق الانتفاع لا أحكام الوقف ولو لم يشترط وجود الأشخاص المتعاقبين على قيد الحياة وقت الوصية لأمكن أن تكون هذه الوصية وقفاً ولا يمكن للموصي أن يسلك إلى الوقف عن غير طريقه ولذلك لا يجوز الإيصاء بحق الانتفاع لشخص معين ثم لورثته من بعده دون أن يتعين أشخاص الورثة ودون أن يكونوا موجودين على قيد الحياة وقت الوصية إلا إذا سلك الموصي طريق الوقف لتحقيق هذه الغاية .
السبب الثالث – الشفعة : رأينا عند الكلام في الشفعة أن المادة 936 مدني تنص على ما يأتى : " يثبت الحق في الشفعة : لمالك الرقبة إذا بيع كل حق الانتفاع الملابس لها أو بعضه للشريك في الشيوع إن بيع شىء من العقار الشائع لأجنبي جـ . . . " . ويظهر في وضوح أن الكلام هنا عن حق انتفاع قائم قد تم إنشاؤه فيؤخذ بالشفعة بعد تمام الإنشاء وتكون الشفعة إذن سبباً لكسب حق الانتفاع انتقالاً من المنتفع إلى الشفيع لا سبباً لإنشاء حق الانتفاع ابتداء وقد قدمنا أن حق الانتفاع لا يكسب بالشفعة إلا انتقالاً والشفعة لا تنشئ حق الانتفاع وإنما تنقل حق منتفع إلى منتفع آخر.
السبب الرابع – التقادم : ويقصد بالتقادم هنا التقادم المكسب القصير في العقار وتضاف إليه الحيازة في المنقول وكذلك التقادم المكسب الطويل في العقار والمنقول.
فالتقادم المكسب القصير في العقار يكسب به حق الانتفاع المترتب على عقار ويتحقق ذلك إذا رتب شخص على عقار لا يملكه حق انتفاع لمصلحة شخص آخر حسن النية فإذا بقى هذا الشخص الآخر حائزاً لحق الانتفاع خمس سنوات فإنه يكسب بالتقادم القصير ويكون هذا التقادم إذناً سبباً في كسب حق الانتفاع ابتداء أي في إنشاء حق الانتفاع.
وإذا فرض أن هناك منقولاً بدلاً من العقار ورتب عليه غير المالك حق انتفاع لمصلحة شخص آخر في حيازة هذا الشخص لحق الانتفاع على المنقول بحسن نية يكسبه حق الانتفاع بمجرد الحيازة فتكون الحيازة في هذا الفرض سبباً لكسب حق الانتفاع ابتداء .( الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ التاسع، المجلد / الثاني، الصفحة/ 1638)
الحق قد يكون عينياً عندما يخول صاحبه سلطة على شيء وقد يكون شخصياً عندما ينشئ علاقة دائنية بين شخصين والحق العيني قد يكون أصلياً عندما يتقرر لذاته على شيء وقد يكون تبعياً عدماً يتقرر تبعاً وضماناً لحق آخر فيبقى بقائه ويزول بزواله فيتبعه وجوداً وعدماً كأصل عام .
والحقوق العينية الأصلية يجمعها حق واحد هو حتى الملكية وقد يتفرع عنه حقوق عينة أصلية أخرى وحينئذ تنتقص هذه الحقوق من حق الملكية إذ يتكون هذا الحق من عنصرين أولهما حتى الرقبة وتأتيهما حتى الانتفاع فإذا تعرف المالك في العنصر الثاني فلا يبقى له ولا حتى الرقبة.
وقد يتصرف المالك في حق الإنتفاع تصرفاً جزئياً عندما يقبل مشاركة الغير في الانتفاع على نحو معين بالعقار فينشيء للغير حقاً في الري من ترعة أو الصرف في معرفة أو المرور في جزء معين من عقاره فيقرر للغير حق ارتفاق يشارك بموجبه للمالك في انتفاعه بعقاره وقد يكتسب الغير هذا الحق بالتقادم عندما تتوافر له شروط الحيازة المكسبة للملكية وتستمر مدة خمس عشرة سنة.
حق الانتفاع هو الحق في استغلال الأشياء المملوكة لآخر كما يستغلها الملك نفسه شرط المحافظة على كيانها ويجوز أن يرد حق الانتفاع على كل ما يصلح لأن يكون محلاً لملكية العقارات والسيارات والحيوانات والأسهم والسندات وحق المؤلف وحق المخترع والحقوق الشخصية والإيرادات المرتبة والمجموع من الأموال كالتركة والمتجر والقطيع من الماشية وحق الانتفاع حق عیني يكتسب بالعقد أو بالوصية أو بالشفعة أو بالتقادم وقد يكون العقد بيعاً أو هبة أو مقايضة أو وفاء بمقابل ويتضمن العقد مدة الانتفاع ويجوز أن يتضمن العقد شرطاً مانعاً من التصرف في حق الانتفاع وينتهي حتماً بوفاة المنتفع فتعود العين للمالك أو ورثته.
وحق الانتفاع كحق عیني متفرع عن حق الملكية فهر عقاري أصلي يخول لصاحبه استعمال العين واستغلالها أما بالنسبة للتصرف فيقصر على حق الانتفاع ذاته مستقلاً عن حق الرقبة وكل ذلك مستمد من الحق العيني المقرر على العقار الصاحب حق الانتفاع فإذا استعمل العين أو استغلها فلا يترتب على ذلك مساساً بحق الانتفاع انتقالاً أو تغييراً أو زوالاً ومن ثم لا يتطلب ذلك إشهاراً أما إذا تصرف في هذا الحق ترتب عليه انتقالاً له وهو ما يوجب شهر التصرف عملاً بنص المادة التاسعة من قانون الشهر العقاري .
حق الانتفاع حق عيني ينتهي حتماً بموت المنتفع ويقع على شيء غير قابل للاستهلاك ويكتسب حق الانتفاع بالعقد سواء كان معارضة أو تبرعاً كما يكتسب بالوصية أو بالشفعة أو بالتقادم.
فللمالك أن يبرم عقداً يمنح المنتفع بمقتضاه حق الانتفاع وقد يكون هذا العقد بيعاً يشتري المنتفع بموجبه حق الانتفاع مدى حياته وقد يكون هبة أو مقايضة أو وفاء بمقابل، ويتضمن العقد مدة الإنتفاع وحقوق والتزامات المنتفع على أن تسري أحكام القانون على ما لم يرد به نص ويجوز أن يضمن المالك العقد شرطاً مانعاً من التصرف في حق الإنتفاع أو مانعاً من الحجز عليه كما في حق الملكية «م823 و 824»، فإن لم يتضمن التصرف المنشيء لحق الانتفاع مثل هذا الشرط كان للمنتفع الحق في التصرف فيه وكان لدائن المنتفع الحجز على هذا الحق وبيعه بالمزاد وفي هذه الحالة يظل الحق قائماً وينقضي حتماً بأقرب الأجلين : مدة الانتفاع أو موت صاحب حق الانتفاع الذي تلقاه من مالك الرقبة ويقترب ذلك من عقود الغرر فقد لا يدوم طويلاً حق الانتفاع في حالة التصرف فيه أو التنفيذ عليه وهو ما يكون موضع اعتبار عند تقدير المقابل.
وتخضع إجراءات الحجز لطبيعة محل الحق، فإن كان عقاراً تعيين اتباع إجراءات التنفيذ العقاري.
كما يكتسب حق الانتفاع بالوصية لشخص معين أو لأشخاص متعاقبين إذا كانوا موجودين على قيد الحياة وقت الوصية كما تجوز للحمل المستكن ويجب أن تتوافر في الوصية كافة أحكامها كسبب من أسباب كسب الملكية وتحدد الوصية حقوق والتزامات الموصى له ومدة الانتفاع فإن لم تتضمن الوصية مدة الانتفاع كانت لدي حياة الموصى له فإن كانت الوصية لأشخاص متعددين يشتركون في حق الانتفاع دون أن يقسم بينهم ظل الحق قائماً بالنسبة لهم جميعاً فلا ينقضي بموت أحدهم أو بعضهم وإنما بموت أخر منتفع ولا ينتقل حق الانتفاع بالميراث لأنه ينقضي حتماً بأقرب الأجلين المدة المحددة له أو موت المتنقع أو آخر المنتفعين .
وباعتبار حق الانتفاع حق عيني فإن كان وارداً على عقار فإنه لا يكتسب إلا بتسجيل الوصية وإذا تصرف الموصي قبل وفاته في حق الإنتفاع الموصى به أو في الملكية بعنصریها كان ذلك رجوعاً في الوصية فلا تنفذ في حق المتصرف إليه وإذا توفي الوصي مصراً على وصيته لكن قام الورثة بالتصرف في حق الانتفاع أو في الملكية بعنصريها فإن الأفضلية تثبت للأسبق في تسجيل تصرفه سواء كان هو الوصي له بحق الانتفاع أو من تلقى الملكية أو حق الإنتفاع من الورثة.
الملكية تتكون من حق الرقبة وحق الانتفاع ووفقاً للمادة 993 من القانون المدني ينقضي حق الانتفاع بقوة القانون بوفاة صاحب حق الانتفاع وبالتالي إذا تصرف المالك في حق الرقبة فقط فإنه يكون قد إحتفظ لنفسه بحق الإنتفاع وأن هذا الحق ينقضي حتماً بوفاة صاحبه دون حاجة للنص على انتفاعه مدى حياته بالعقار.
وقد يشتري الوالد عقاراً هو وأولاده ويتضمن العقد أنه يشتري حق الانتفاع به لنفسه ويشتري حق الرقبة لأولاده وحينئذ لا يخضع التصرف للمادة 917 من القانون المدني التي تعتبر التصرف وصية.
لكن إذا تصرف للمورث لأحد ورثته في حق الرقبة واحتفظ لنفسه بحق الإنتفاع واشترط عليه علم التصرف في حق الرقبة مدى حياته فإن المورث بذلك يكون قد إحتفظ بحيازة العين وبحقه في الانتفاع بها مدى حياته وبالتالي توافر قرينة المادة 917 من القانون المدني التي تعتبر التصرف وصية مالم يقم دليل يخالف هذه القرينة البسيطة.
انتفاع مالك الرقبة بالعقار :
يترتب على بيع حق الانتفاع أن يتخلى مالك الرقبة عن العقار تمكيناً لصاحب حق الانتفاع من الانتفاع به فإذا وضع مالك الرقبة يده على العقار وانتفع به رغم معارضة صاحب حق الانتفاع كان ذلك تعرضاً للاخير يجيز له الرجوع على مالك الرقبة لتنفيذ التزاماً عيناً بتمكين المنتفع من الانتفاع بالعقار لكن يجوز لمالك الرقبة إستغلال العقار لحساب صاحب حق الانتفاع بموجب عقد وكالة أو عقد عمل وحينئذ يكون العائد للمنتفع.
فإن تم الشهر انتقل حق الانتفاع منذ تاريخ تسجيل التصرف ومن هذا الوقت ينتقل حق الانتفاع ويستقل عن حق الرقبة ويصبح كل منهما منفصلاً عن الآخر ولشخصين مختلفين ويظل هذا الوضع حتى ينتهي حق الانتفاع فيندمج من جديد مع حق الرقبة في يد واحدة توحيداً لحق الملكية.
وللمالك التصرف في حق الرقبة وحتى الانتفاع كل على انفراد فإن أبرم تصرفاً لاحقاً متضمناً الحقين معاً فإن المفاضلة تكون للأسبق تسجيلاً بحيث إذا ثم تسجيل التصرف المتضمن حق الانتفاع قبل تسجيل التصرف المتضمن الحقين معاً اكتسب صاحب التصرف الأول حق الانتفاع وأصبح التصرف الثاني متعارضاً مع التصرف الأول بالنسبة لحق الانتفاع وحينئذ يخضع لأحكام التصرفات المتعارضة فلا يجوز شهره إلا بعد رفع هذا التعارض بقصر التصرف على حق الرقبة أما إذا كان تسجيل التصرف المتضمن عنصري الملكية هو الأسبق اكتسب صاحبه ملكية العقار وامتنع تسجيل التصرف المتضمن أياً من العنصرين.
ويشهر حق الانتفاع وفقاً للإجراءات المتعلقة بطبيعة السند الذي تضمنه فإن كان هذا السند يتمثل في عقد بیع اتبعت إجراءات الشهر الخاصة به وكذلك إذا كان السند هبة أو وصية أو مقايضة.
يتكون حق الملكية من حق الانتفاع وحق الرقبة وقد يتقرر حق الانتفاع لشخص بينما يظل حق الرقبة للمالك وإذا ثار النزاع بين المالك ومن تقرر له حق الانتفاع ولجأ أي منهما للقضاء لتقرير الحق أو إنهائه قدرت الدعوى بنصف قيمة العقار بعد احتساب قيمته وفقاً للبند الأول من المادة 37 من قانون المرافعات .
أما إذا رجع مالك الرقبة على صاحب حق الانتفاع لاخلاله بتنفيذ التزاماته أو رجع الأخير على الأول لذات السبب قدرت الدعوى بقيمة المطلوب سواء كان تعويضاً نقدياً أو مطالبة بالثمار أو غير ذلك من الحقوق والالتزامات المتبادلة.(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الرابع عشر، الصفحة/، 206)
يتميز حق الانتفاع بعدة خصائص أهمها:
(أ) الانتفاع حق عيني:
فحق الانتفاع حق عيني وليس حقاً شخصياً.
وهذه الخاصية كفيلة بتمييز المنتفع عن المستأجر الذي له بمقتضى عقد الإيجار حق شخصي في الانتفاع بالعين المؤجرة يلتزم به المؤجر فبالرغم من أن المستأجر يعد دائناً للمؤجر إلا أنه لا يستطيع الانتفاع بالعين المؤجرة إلا بواسطة المؤجر الذي يلتزم بتمكينه من الانتفاع أما المنتفع فحقه يرد مباشرة على الشيء وبالتالي يستطيع مباشرته دون وساطة أحد فلا يقع على المالك التزام بتمكين المنتفع من الانتفاع وإنما حسبه أن يتركه ينتفع ولايتعرض له ولا يلتزم إزاءه بشئ وحق الانتفاع إذا ورد على عقار فإنه يعد مالاً عقارياً (مادة 83 / 1 مدني) على ذلك يخضع للشهر وجاز لذلك أن يكون محلاً لحق رهن رسمي أو الحق اختصاص ووجب أن يشهر السند الذي يقرره سواء كان بيعاً أو هبة أو وصية أما حق المستأجر فهو مال منقول حتى لو كان وارداً على عقار (م 83 / 1 ) ولذلك لم يجز رهنه رسمياً، ولا يلزم شهره إلا استثناء.
ونزول المنتفع عن حقه يعد نزولاً عن حق عيني لا يقتضي تدخل المالك وذلك بخلاف حق المستأجر.
ولما كان الانتفاع حقاً عينياً فإن لصاحبه حماية حقه بإحدى وسيلتين شأنه في ذلك شأن المالك تماماً فله دعوی عينية لحماية حقه أسوة بدعوى الاستحقاق، وتسمى عادة دعوى الاعتراف وهذه الدعوى يصح أن ترفع على الكافة لكونها من الدعاوي العينية ثم إن للمنتفع أيضاً حماية يده على المال بدعوى الحيازة ذلك أن المنتفع وإن لم يعتبر حائزاً بالنسبة لملكية الشيء إلا أنه حائز لحق الانتفاع وله بناء على ذلك الحق في حماية حيازته هذه.
وحق الانتفاع يخول لصاحبه سلطتي الاستعمال والاستغلال ومن ثم يظل المالك الشيء أهم عناصر الملكية وهو التصرف وذلك لأنه يظل مالكاً للرقبة فتقرير حق الانتفاع يؤدي إلى تجزئة عناصر الملكية فيكون للمالك مالك الرقبة - حق التصرف في الشيء أما المنتفع فيكون له الاستعمال والاستغلال فقط دون التصرف ولهذا يختلف حق المنتفع عن حق الشريك في الشيوع الذي تكون له كل عناصر الملكية في حدود حصنه فصاحب حق الانتفاع لا يوجد بينه وبين مالك الرقبة شيوع.
(ب) الانتفاع يرد على شيء مملوك للغير:
حق الانتفاع يرد على شئ مملوك للغير فهو حق ارتفاق حقيقي ولذلك يطلق عليه أحياناً حق الارتفاق الشخصي لتمييزه عن حق الارتفاق العيني الذي يرتب على عقار لمصلحة عقار آخر مهما كان مالكه لا لمصلحة شخص معين كما هو الحال في حق الانتفاع.
وعلى ذلك فاستعمال المالك للشيء المملوك له واستغلاله لا يعتبر مباشرة لحق انتفاع وإنما هو مباشرة لحق الملكية ولذلك لا يجوز للمالك ملكية تامة أن يرهن حق الانتفاع مستقلاً عن ملكية الرقبة.
وإذا تقرر حق انتفاع لشخص على ملك غيره كان الشيء محملاً بحقين مختلفین المضمون.
ولذلك فليس هناك شيوع بين المنتفع ومالك الرقبة وبالتالي فلا تتصور القسمة بينهما غير أن حق الانتفاع ذاته قد يتقرر شائعاً بين عدة أشخاص فالشيوع لا يقتصر على حق الملكية وإن كان الشيوع فيها هو الغالب.
(ج) الانتفاع حق مؤقت:
حق الانتفاع مؤقت وقد نصت المادة 993 مدني - كما سنرى- على أن حق الانتفاع ينتهي بانقضاء الأجل المعين فإذا لم يعين له أجل عد مقرراً لحياة المنتفع وهو ينتهي على أي حال بموت المنتفع حتى قبل انقضاء الأجل.
وصفة التأقيت هذه راجعة إلى طبيعة حق الانتفاع ذاته فهو حق متفرع عن حق الملكية تتجزأ فيه عناصر الملكية وتقرير حق انتفاع لشخص على شيء مملوك لغيره يوجد وضعاً غير مرغوب فيه من الناحية الاقتصادية إذ يترتب عليه فرض قيود على استغلال الشيء فليس للمنتفع حرية مطلقة في الاستغلال كما سنرى أما مالك الرقبة فليس له الاستغلال أصلاً ولذلك يندر أن يجد مالك الرقبة مشترياً لحقه وبذلك يؤدي حق الانتفاع إلى تعطيل تداول الأموال.
وتفريعاً على ذلك فإن حق الانتفاع يسقط بعدم الاستعمال مدة خمس عشرة سنة (م 995) كما سنرى.
3- الأموال التي يرد عليها حق الانتفاع :
يرد حق الانتفاع على جميع الأموال عقارية أو منقولة أو موضوعها أشياء غير مادية متى كانت تخول لحائزها ميزات مادية أو معنوية.
فيجوز أن يكون العقار محلاً لحق الانتفاع كالدور أو الأراضي الزراعية والحق العيني على عقار.
وكذلك يجوز أن يكون المنقول المعنوي كحق المؤلف وحق المخترع والأسهم والسندات وسائر القيم المنقولة التي ليست لحاملها.
كما يرد حق الانتفاع على مجموعات الأموال سواء كانت قانونية كالتركات أم فعلية كالمحلات التجارية وقد سبق أن ذكرنا أن محكمة النقض اعتبرت المحل التجاري منقولاً معنوياً.
ويفترض حق الانتفاع إمكان الانتفاع بالشيء الذي يرد عليه مع بقاء عينه لأن المنتفع ليس له استهلاكه أو التصرف فيه ومن ثم لا يرد حق الانتفاع على الأشياء القابلة للاستهلاك وهي التي ينحصر استعمالها بحسب ما أعدت لاستعمالها أو إنفاقها كالأطعمة والأشربة والنقود ولكننا سنرى أنه يرد عليها ما يسمى بشبه حق الانتفاع.
ويصلح حق الانتفاع نفسه أن يكون محلاً لحق انتفاع يترتب عليه فيكون المنتفع بحق الانتفاع غلة هذا الحق وثماره وكذلك يصلح أن يكون محلاً لحق الانتفاع حق الارتفاق بشرط أن يشمل حق الانتفاع العقار المرتفق وحق الارتفاق معاً فلا يترتب حق انتفاع على حق الارتفاق مستقلاً عن العقار المرتفق.
وإذا رتب حق الانتفاع على دين فإنه يكون للمنتفع الحق في الحصول على فوائد هذا الدين وينقضي الحق بزوال الدين.
ولكن إذا دفع الدين قبل الميعاد المعين للوفاء فإنه يكون للمنتفع الحق في الانتفاع لغاية انتهاء الميعاد المعين.
4- شبه حق الانتفاع:
ذكرنا سلفاً أنه من المتصور أن يرد حق الانتفاع على الأشياء التي تستهلك بالاستعمال فقد يحدث أن يوصي شخص لآخر بحق الانتفاع بأموال تركته أو بجزء منها وقد تشمل التركة على أشياء قابلة للاستهلاك.
فيباشر المنتفع حق الانتفاع على أموال التركة بما فيها الأشياء القابلة للاستهلاك.
كما نص عليه أيضاً التقنين المدني الجديد في المادة 992 / 2 كما سنرى - حيث قررت أن للمنتفع الذي قدم الكفالة أن يستعمل الأشياء القابلة للاستهلاك وإنما عليه أن يرد بدلها عند انتهاء حقه في الانتفاع.
ويبين من ذلك أن شبه حق الانتفاع لا يترتب على شئ مستقل بذاته فهو لا ينشأ وحده وإنما يترتب تبعاً لحق انتفاع أوسع نطاقاً يرد على مجموع من الأموال وفي شبه حق الانتفاع فإن الذي ينتقل إلى المنتفع في الشيء القابل للاستهلاك ليس هو مجرد الانتفاع إنما هو حق ملكية تامة تبيح للمنتفع استهلاك الشيء على أن يرد مثله أو قيمته عند انتهاء حق الانتفاع وعلى ذلك يختلف شبه الانتفاع عن حق الانتفاع ففي الأخير يحتفظ المالك بالرقبة أما في شبه الانتفاع فتنتقل ملكية الشيء رقبة ومنفعة إلى المنتفع ويصبح المالك مجرد دائن بمثل الشيء أو قيمته.
ويلاحظ أن شبه حق الانتفاع وإن كان يتقارب مع حق المقترض في عارية الاستهلاك حيث يحصل في كل منهما تسليم الشيء مقابل الالتزام برد شئ مماثل له أو قيمته إلا أنهما يختلفان فيما وراء ذلك فعارية الاستهلاك يكون مصدرها دائماً العقد أما شبه حق الانتفاع فقد يتم بعقد أو وصية وهذا هو الغالب.
وفي العارية يكون التزام المستعير بالرد موصوفاً بأجل معين لا يحل بوفاته إذ تنتقل حقوق المستعير إلى ورثته على خلاف الأمر في شبه حق الانتفاع ثم إن صاحب حق الانتفاع لا يمكنه استعمال الأشياء القابلة للاستهلاك إلا إذا قدم كفالة (م 992 / 2 ) على خلاف الحال بالنسبة للمستعير .
5- الأشياء التي تتلف بالاستعمال :
رأينا أن الأشياء التي تهلك بمجرد الاستعمال يمكن أن يرد عليها شبه الانتفاع فتخضع لتنظيمه القانوني بحيث يستطيع المنتفع التصرف فيها ولايلزم إلا برد مثلها.
غير أنه توجد أشياء وإن كنت لا تستهلك بالاستعمال إلا أنها تتلف به كالملابس والأثاث والسيارات فهذه الأشياء تخضع لحق انتفاع بالمعنى الحقيقي لا لشبه حق الانتفاع ويستطيع المنتفع أن يستعملها في الغرض الذي خصصت له ويلتزم بردها بعد انتهاء مدة الانتفاع بالحالة التي تكون عليها.
ومن المتفق عليه بين الشراح أنه من الجائز الاتفاق على إلحاق الأشياء التي تبلى بطول الاستعمال بالأشياء التي تستهلك فوراً بالاستعمال فتنتقل ملكية الأشياء التي تبلى بطول الإستعمال إلى المنتفع ويكون له حق التصرف فيها واستهلاكها ولا يلزم إلا برد قيمتها أو مثلها عند نهاية حق الانتفاع فيتحول حق الانتفاع بهذا الشرط إلى شبه حق انتفاع.
وقد يكون الشرط ضمنياً فيستفاد مثلاً من تقويم الأشياء التي يشملها حق الانتفاع إذ التقويم قد يفهم منه أن المالك لا يعلق أهمية كبيرة على أن يسترد الأشياء بذواتها وبحسبه أن يسترد قيمتها فيقوم التقويم هنا مقام البيع وهذه على كل حال قرينة قضائية قابلة لإثبات العكس فيجوز للمالك أن يثبت أنه قد عول على استرداد الشيء بذاته لا بقيمته وذلك بالرغم من تقويمه في سند حق الانتفاع.
6- وعلى ذلك يكسب حق الانتفاع بإحدى طرق ثلاثه:
1 - عمل قانوني.
2- الشفعة.
3- التقادم.
وهذه الطرق هي نفس الطرق التي يكسب بها حق الملكية بعد استبعاد ما لا ينطبق منها على حق الانتفاع كالميراث والاستيلاء والالتصاق.
ونعرض لأسباب كسب حق الانتفاع تفصيلاً فيما يلى.
7- مضمون أسباب کسب حق الانتفاع:
السبب الأول :
العمل القانونية
يجوز ترتيب حق الانتفاع بالعمل القانوني والعمل القانوني قد يكون وصية أو عقداً.
ونعرض أولاً للوصية ثم نعرض بعد ذلك للعقد.
(أ) الوصية :
يجوز ترتيب حق الانتفاع عن طريق الوصية.
وقد نصت الفقرة الثانية من المادة على أنه:
يجوز أن يوصي بحق الانتفاع الأشخاص متعاقبين إذا كانوا موجودين على قيد الحياة وقت الوصية كما يجوز الحمل المستكن.
ومثال ترتيب حق الانتفاع عن طريق الوصية أن يوصي مالك الشيء الآخر بحق انتفاع على هذا الشيء فإذا توفى المالك انتقلت ملكية الرقبة إلى ورثته ونشأ حق انتفاع للموصى له.
وقد يكون العكس بأن يوصي بالأعيان لشخص على أن تكون المنفعة للورثة.
وتسري أحكام الوصية من حيث الشكل ومن حيث النصاب الجائز الإيصاء به ومن حيث انتقال الحق إلى الموصى له ببقائه حياً بعد موت الموصي.
ومن حيث وجوب التسجيل إذا كانت الوصية واردة على عقار ومن حيث سائر أحكام الوصية وتحدد الوصية مدة حق الانتفاع وحقوق المنتفع والتزاماته على أن يستكمل ذلك بالأحكام الواردة في القانون ويصح أن تعلق الوصية بحق الانتفاع على شرط فاسخ أو على شرط واقف أو تقترن بأجل واقف كما يصح أن تقرن بشروط وتكاليف ومنها جعله غير قابل للتصرف فيه ولا للحجز عليه.
وتنص الفقرة الثانية من المادة على أن:
ويجوز أن يوصي بحق الانتفاع لأشخاص متعاقبين إذا كانوا موجودين على قيد الحياة وقت الوصية كما يجوز للحمل المستكن .
فقد أجاز النص أن يوصي بحق الانتفاع لأشخاص متعاقبين ويكون ذلك بأن يوصي شخص بحق الانتفاع لواحد بعد الآخر بحيث إذا انتهى حق انتفاع الأول بانقضاء مدته أو بموته نشأ حق انتفاع جديد لا صلة له بالانتفاع الأول الصالح المنتفع الثاني وهكذا.... الخ.
ولا يتضمن النص أي استثناء من قاعدة انتهاء حق الانتفاع حتماً بوفاة المنتفع إذ أن كلا من المنتفعين المتعاقبين لا يتلقى حقه من المنتفع السابق وإنما من الموصي مباشرة فحق كل منهم مستقل عن الآخر كل ما في الأمر هو أن حق الموصى له الثاني قد أضيف إلى أجل واقف هو وفاة المنتفع الأول أو انتهاء مدة الانتفاع وهكذا... وحتى لا يشتبه ذلك بالوقف اشترط النص أن يكون الموصي لهم جميعاً موجودين على قيد الحياة وقت الوصية.
وكما يجوز الإيصاء بحق الانتفاع لأشخاص متعاقبين فإنه يصح من باب أولى الإيصاء بحق الانتفاع الأشخاص مجتمعين في وقت واحد فيكون حق الانتفاع شائعاً بينهم وبنسبة حصة كل منهم.
وقد حرص المشرع على النص على جواز الوصية بالانتفاع للحمل المستكن وذلك رفعاً للشبهة التي أثارها نص المادة 16 من التقنين المدني القديم والذي كان يشترط أن يكون المقرر له الانتفاع موجوداً على قيد الحياة (مولوداً) .
وقت إنشاء هذا الحق فالوصية بالانتفاع كالوصية بالملكية جائزة للحمل المستكن.
(ب) العقد:
يجوز ترتيب حق الانتفاع بالعقد ويحصل ذلك بثلاثة طرق:
(1) الطريق المباشر
بموجب هذا الطريق يتم إنشاء حق الانتفاع، بأن يقرر المالك حق انتفاع على عقار أو منقول لمصلحة شخص آخر أو أشخاص آخرين ويحتفظ لنفسه بملكية الرقبة.
وقد يكون ذلك بيعاً أو هبة أو مقايضة أو وفاء بمقابل.
ويحدد العقد مدة حق الانتفاع وحقوق المنتفع والتزاماته فإذا خلا العقد من ذلك استكمل بالأحكام الواردة بالقانون.
وكثيراً ما كان يتبع هذا الطريق للتحايل على قاعدة تحريم الإيصاء للوارث قبل صدور قانون الوصية رقم 71 لسنة 1946 الذي أباح الوصية للوارث فيما لا يزيد على الثلث.
غير أنه مازال يتبع الآن للتحايل على مقدار الوصية الجائزة ولذلك نصت المادة 917 مدني على أنه: إذا تصرف شخص لأحد ورثته واحتفظ بأية طريقة كانت بحيازة العين التي تصرف فيها وبحقه في الانتفاع بها مدى حياته اعتبر التصرف مضافاً إلى ما بعد الموت وتسري عليه أحكام الوصية ومن شأن هذا النص أن يقلل من حالات حق الانتفاع في العمل.
(2) الطريق غير المباشر:
وذلك بأن ينقل المالك ملكية الرقبة للغير ويحتفظ لنفسه بحق الانتفاع كأن يهب المالك الشيء للغير ثم يحتفظ لنفسه على الشيء بحق الانتفاع مدى حياته غالباً فعندئذ ينشأ حق الانتفاع بمناسبة نقل الملكية للغير.
وبالتالي يكون العقد هنا منشئ لحق الرقبة لا حق الانتفاع وإنما تم ظهور حق الانتفاع بطريق غير مباشر عن طريق هذا الفصل بين الرقبة والانتفاع .
يجوز لمن تقرر له حق الانتفاع أن ينزل عن حقه للغير بمقابل كالبيع أو بدون مقابل کالهبة إلا إذا كان السند المنشئ لحق الانتفاع قد تضمن شرطاً مانعاً من التصرف.
ويخضع حق الانتفاع بعد انتقاله إلى المنتفع الجديد لنفس الأحكام التي كان يخضع لها بين يدي المنتفع الأصلي فإذا توفي المنتفع الأصلي انقضى حق الانتفاع. أما إذا توفي المنتفع الجديد قبل وفاة المنتفع الأصلي وقبل انقضاء الأجل المعين للانتفاع فإن الحق ينتقل إلى ورثة المنتفع الجديد وهذه هي الحالة الوحيدة التي ينتقل فيها حق الانتفاع بالميراث وينقضي حق الانتفاع في هذه الحالة بين يدي الورثة بوفاة المنتفع الأصلي أو بانقضاء الأجل المعين.
ويلاحظ أن النزول عن حق الانتفاع لمنتفع جديد لا يترتب عليه انقضاء التزامات المنتفع الأصلي قبل مالك الرقبة فيبقى مسئولاً إلى حين انتهاء حق الانتفاع كما يظل الكفيل في الانتفاع بالمنقول - ضامناً لالتزامات المنتفع الأصلي وذلك طبقاً للرأي السائد.
وإذا كان حق الانتفاع وارداً على عقار وجدي تسجيله عملاً بالمادة التاسعة من القانون رقم 114 لسنة 1946 بتنظيم الشهر العقاري.
السبب الثاني:
الشفعة :
يكتسب حق الانتفاع بالشفعة وقد رأينا عند دراسة الشفعة أن المادة 936 مدني تنص على أن:
يثبت الحق في الشفعة:
(أ) لمالك الرقبة إذا بيع كل حق الانتفاع الملابس لها أو بعضه.
(ب) للشريك فى الشيوع إذا بيع شيء من العقار الشائع إلى أجنبى.
(ج) .............
وبناء على ذلك إذا بيع حق الانتفاع الملابس للرقبة كله أو بعضه حق لمالك الرقبة أن يأخذ حق الانتفاع كله أو بعضه بالشفعة فيكتسبه هنا انتقالاً من المنتفع وطالما اجتمعت لديه ملكية الرقبة والمنفعة فإن حق الانتفاع ينقضي باتحاد الذمة وقد يكون حق الانتفاع شائعاً بين شخصين وباع أحدهما حصته الشائعة لأجنبي في حق للشريك الآخر أخذها بالشفعة ما لم يتقدم عليه في الأخذ مالك الرقبة.
السبب الثالث:
التقادم :
يكسب حق الانتفاع بالتقادم فيكسب بالتقادم الخمسي في العقار عملاً بالمادة 969 مدني التي تجري على أن: إذا وقعت الحيازة على عقار أو على حق عيني عقاري وكانت مقترنة بحسن النية ومستندة فى الوقت ذاته إلى سبب صحيح فإن مدة التقادم المكسب تكون خمس سنوات.
كما يكسب على المنقول بمجرد الحيازة بحسن نية فإذا رتب غير مالك المنقول لآخر حق انتفاع على المنقول فحيازة هذا الشخص لحق الانتفاع بحسن نية يكسبه حق الانتفاع بمجرد الحيازة.
كما يكسب حق الانتفاع على العقار والمنقول بالتقادم الطويل عملاً بالمادة 969 مدني التي تجري على أن: من حاز منقولاً أو عقاراً دون أن يكون مالكاً له أو حاز حقاً عينياً على منقول أو عقار دون أن يكون هذا الحق خاصاً به كان له أن يكسب ملكية الشيء أو الحق العيني إذا استمرت حيازته دون انقطاع خمس عشرة سنة .
وإذا كان من الصعب تصور کسب حق الانتفاع بالتقادم الطويل لأن الحائز سئ النية الذي يستمر واضعاً يده على عقار أو منقول خمس عشرة سنة يكسب ملكيته ولا يكون من السذاجة بحيث يقرر أنه لم يضع يده إلا بصفة منتفع إلا أنه مع ذلك يمكن تصوره في بعض الحالات كما إذا كان للمنتفع سند رتب بمقتضاه حق الانتفاع ولكنه كان سيئ النية أي كان يعلم أنه يتعامل مع غير المالك فالتقادم الذي يكسب به الحق في هذه الحالة هو التقادم الطويل لا القصير ويكسب به واضع اليد حق الانتفاع فقط لا حق الملكية الكامل.(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الرابع عشر، الصفحة/ 4)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السادس ، الصفحة / 298
انْتفاعٌ
التّعْريف:
1 - الانْتفاع مصْدر: انْتفع من النّفْع، وهو ضدّ الضّرّ، وهو ما يتوصّل به الإْنْسان إلى مطْلوبه.
فالانْتفاع: الْوصول إلى الْمنْفعة، يقال انْتفع بالشّيْء: إذا وصل به إلى منْفعةٍ
ولا يخْرج اسْتعْمال الْفقهاء لهذا اللّفْظ عنْ هذا الْمعْنى اللّغويّ. وذكر الشّيْخ محمّد قدْري باشا في مرْشد الْحيْران أنّ (الانْتفاع الْجائز هو حقّ الْمنْتفع في اسْتعْمال الْعيْن واسْتغْلالها ما دامتْ قائمةً على حالها، وإنْ لمْ تكنْ رقبتها ممْلوكةً)
2 - واسْتعْمل هذا اللّفْظ غالبًا مع كلمة (حقٍّ) فيقال: حقّ الانْتفاع، ويراد به الْحقّ الْخاصّ بشخْص الْمنْتفع غيْر الْقابل للانْتقال للْغيْر. وقدْ يسْتعْمل مع كلمتيْ (ملْكٌ وتمْليكٌ) فيقال: ملْك الانْتفاع، وتمْليك الانْتفاع. ولعلّ الْمراد بالْملْك والتّمْليك أيْضًا - حقّ الصّرْف الشّخْصيّ الّذي يباشر الإْنْسان بنفْسه فقطْ
مقارنةٌ بيْن حقّ الانْتفاع وملْك الْمنْفعة:
3 - يفرّق الْفقهاء بيْن حقّ الانْتفاع وملْك الْمنْفعة منْ ناحية الْمنْشأ والْمفْهوم والآْثار. وخلاصة ما قيل في الْفرْق بيْنهما وجْهان:
الأْوّل: سبب حقّ الانْتفاع أعمّ منْ سبب ملْك الْمنْفعة، لأنّه كما يثْبت ببعْض الْعقود كالإْجارة والإْعارة مثلاً، كذلك يثْبت بالإْباحة الأْصْليّة، كالانْتفاع من الطّرق الْعامّة والْمساجد ومواقع النّسك، ويثْبت أيْضًا بالإْذْن منْ مالكٍ خاصٍّ. كما لوْ أباح شخْصٌ لآخر أكْل طعامٍ ممْلوكٍ له، أو اسْتعْمال بعْض ما يمْلك
أمّا الْمنْفعة فلا تمْلك إلاّ بأسْبابٍ خاصّةٍ، وهي الإْجارة والإْعارة والْوصيّة بالْمنْفعة والْوقْف، على تفْصيلٍ وخلافٍ سيأْتي.
وعلى ذلك، فكلّ منْ يمْلك الْمنْفعة يسوغ له الانْتفاع، ولا عكْس، فليْس كلّ منْ له الانْتفاع يمْلك الْمنْفعة، كما في الإْباحة مثلاً.
الثّاني: أنّ الانْتفاع الْمحْض حقٌّ ضعيفٌ بالنّسْبة لملْك الْمنْفعة؛ لأنّ صاحب الْمنْفعة يمْلكها ويتصرّف فيها تصرّف الْملاّك في الْحدود الشّرْعيّة، بخلاف حقّ الانْتفاع الْمجرّد، لأنّه رخْصةٌ لا يتجاوز شخْص الْمنْتفع.
وعلى هذا فمنْ ملك منْفعة شيْءٍ يمْلك أنْ يتصرّف فيه بنفْسه، أوْ أنْ ينْقلها إلى غيْره، ومنْ ملك الانْتفاع بالشّيْء لا يمْلك أنْ ينْقله إلى غيْره. فالْمنْفعة أعمّ أثرًا من الانْتفاع، يقول الْقرافيّ: تمْليك الانْتفاع نريد به أنْ يباشره هو بنفْسه فقطْ، وتمْليك الْمنْفعة هو أعمّ وأشْمل، فيباشر بنفْسه، ويمكّن غيْره من الانْتفاع بعوضٍ كالإْجارة وبغيْر عوضٍ كالْعاريّة.
مثال الأْوّل: سكْنى الْمدارس، والرّباطات والْمجالس، في الْجوامع، والْمساجد، والأْسْواق، ومواضع النّسك، كالْمطاف والْمسْعى ونحْو ذلك، فله أنْ ينْتفع بنفْسه فقطْ. ولوْ حاول أنْ يؤاجر بيْت الْمدْرسة أوْ يسْكن غيْره أوْ يعاوض عليْه بطريقٍ منْ طرق الْمعاوضات امْتنع ذلك. وكذلك بقيّة النّظائر الْمذْكورة معه.
وأمّا مالك الْمنْفعة، فكمن اسْتأْجر دارًا أو اسْتعارها، فله أنْ يؤاجرها منْ غيْره أوْ يسْكنه بغيْر عوضٍ، ويتصرّف في هذه الْمنْفعة تصرّف الْملاّك في أمْلاكهمْ على جرْي الْعادة، على الْوجْه الّذي ملكه
ومثْله ما ذكره ابْن نجيْمٍ من الْحنفيّة منْ أنّ الْموصى له يمْلك الْمنْفعة، وله حقّ الإْعارة، والْمسْتأْجر يمْكنه الإْعارة والإْجارة للْغيْر فيما لا يخْتلف باخْتلاف الْمسْتعْملين. ويمْلك الْمسْتعير والْموْقوف عليْه السّكْنى الْمنْفعة، فيمْكن لهما نقْل الْمنْفعة إلى الْغيْر بدون عوضٍ، لكنّ الْحنفيّة والشّافعيّة والْحنابلة لا يجيزون للْمسْتعير أنْ يؤجّر الْمسْتعار للْغيْر، خلافًا للْمالكيّة
4 - وملْك الْمنْفعة قدْ يكون حقًّا شخْصيًّا غيْر تابعٍ للْعيْن الْممْلوكة، كما هو ثابتٌ للْمسْتعير والْمسْتأْجر في الإْعارة والإْجارة، وقدْ يكون حقًّا عيْنيًّا تابعًا للْعيْن الْممْلوكة منْتقلاً منْ مالكٍ إلى مالكٍ بالتّبع ضمْن انْتقال الْملْكيّة، ولا يكون إلاّ في الْعقار، وهذا ما يسمّى بحقّ الارْتفاق. وتفْصيله في مصْطلح (ارْتفاق).
حكْمه التّكْليفيّ:
5 - الانْتفاع إمّا أنْ يكون واجبًا أوْ حرامًا أوْ جائزًا، وذلك باعْتبار متعلّقه وهو الْعيْن الْمنْتفع بها، ونظرًا للشّروط الْمتعلّقة بالْعيْن وبالشّخْص الْمنْتفع بها، وفيما يلي أمْثلةٌ للانْتفاع الْواجب والْحرام والْجائز باخْتصارٍ.
أ - الانْتفاع الْواجب:
6 - لا خلاف في أنّ الانْتفاع يكون واجبًا بأكْل الْمباح، إذا خاف الإْنْسان على نفْسه الْهلاك؛ لأنّ الامْتناع منْه إلْقاءٌ بالنّفْس إلى التّهْلكة، وهو منْهيٌّ عنْه بقوْله تعالى: ولا تلْقوا بأيْديكمْ إلى التّهْلكة حتّى إنّ الْجمْهور أوْجبوا الأْكْل والشّرْب في حالة الاضْطرار، ولوْ كانت الْعيْن الْمنْتفع بها محرّمةً
ب - الانْتفاع الْمحرّم:
7 - قدْ يكون الانْتفاع بالشّيْء محرّمًا، إذا كانت الْعيْن الْمنْتفع بها محرّمةً شرْعًا، كالْميْتة والدّم ولحْم الْخنْزير والْحيوانات والطّيور الْمحرّمة وأمْثال ذلك في غيْر حالة الاضْطرار.
وقدْ يكون الانْتفاع بعيْنٍ من الأْعْيان الْمباحة محرّمًا - سبب وصْفٍ قائمٍ بشخْص الْمنْتفع، كالانْتفاع بلحْم الصّيْد للْمحْرم، وكانْتفاع باللّقطة للْغنيّ عنْد الْحنفيّة. فإذا زال هذا الْوصْف حلّ الانْتفاع عملاً بالْقاعدة الْعامّة: (إذا زال الْمانع عاد الْممْنوع).
وقدْ يكون الانْتفاع بالشّيْء محرّمًا، إذا كان فيه اعْتداءٌ على ملْك الْغيْر وعدم إذْن الْمالك، فيوجب الضّمان والْعقاب، كالانْتفاع بالأْمْوال الْمغْصوبة والْمسْروقة كما هو مبيّنٌ في موْضعه.
ج - الانْتفاع الْجائز:
8 - أمّا الانْتفاع الْجائز فهو إذا كانت الْعيْن الْمنْتفع بها مباحةً، كالانْتفاع بالأْطْعمة والأْشْربة الْمباحة إلى حدّ الشّبع، والانْتفاع بالْمنافع الْمشْتركة كالشّوارع وضوْء الشّمْس والْهواء، والانْتفاع بالأْمْوال الْممْلوكة بإذْن الْمالك، كالإْباحة، أوْ بواسطة الْعقْد كالانْتفاع بالْمسْتعار والْمأْجور والْموْقوف والْموصى به حسب الإْذْن والشّروط الْمتّفق عليْها.
أسْباب الانْتفاع
9 - الْمراد بأسْباب الانْتفاع ما يشْمل الْمنْفعة الّتي يمْكن نقْلها إلى الْغيْر، وما هو خاصٌّ بشخْص الْمنْتفع ولا يقْبل التّحْويل للْغيْر، وسواءٌ كانت الْعيْن الْمنْتفع بها ممّا يجوز الانْتفاع بها ابْتداءً، أمْ كانتْ محرّمةً ينْتفع بها بشروطٍ خاصّةٍ، فأسْباب الانْتفاع بهذا الْمعْنى عبارةٌ عن الإْباحة، والضّرورة، والْعقْد.
أوّلاً: الإْباحة
10 - الإْباحة: هي الإْذْن بإتْيان الْفعْل كيْف شاء الْفاعل
ويعرّفها بعْض الْفقهاء بأنّها: الإْطْلاق في مقابلة الْحظْر الّذي هو الْمنْع. وهي بهذا الْمعْنى تشْمل:
أ - الإْباحة الأْصْليّة:
وهي الّتي لمْ يردْ فيها نصٌّ خاصٌّ من الشّرْع، لكنْ ورد بصفةٍ عامّةٍ أنّه يباح الانْتفاع بناءً على الإْباحة الأْصْليّة، حينما تكون الأْعْيان والْحقوق الْمتعلّقة بها مخصّصةً لمنْفعة الْكافّة، ولا يمْلكها واحدٌ من النّاس، كالأْنْهر الْعامّة، والْهواء، والطّرق غيْر الْممْلوكة.
فالانْتفاع من الأْنْهر الْعامّة مباحٌ لا لحقّ الشّفة (شرْب الإْنْسان والْحيوان) فحسْب، بلْ لسقْي الأْراضي أيْضًا كما يقول ابْن عابدين: لكلٍّ أنْ يسْقي أرْضه منْ بحْرٍ أوْ نهْرٍ عظيمٍ كدجْلة والْفرات إنْ لمْ يضرّ بالْعامّة
وكذلك الانْتفاع بالْمرور في الشّوارع والطّرق غيْر الْممْلوكة ثابتٌ للنّاس جميعًا بالإْباحة الأْصْليّة، ويجوز الْجلوس فيها للاسْتراحة والتّعامل ونحْوهما، إذا لمْ يضيّقْ على الْمارّة وله تظْليل مجْلسه بما لا يضرّ الْمارّة عرْفًا
ومثْله الانْتفاع بشمْسٍ وقمرٍ وهواءٍ إذا لمْ يضرّ بأحدٍ لأنّ هواء الطّريق كأصْل الطّريق حقّ الْمارّة جميعًا. والنّاس في الْمرور في الطّريق شركاء
ب - الإْباحة الشّرْعيّة.
11 - الإْباحة الشّرْعيّة: هي الّتي ورد فيها نصٌّ خاصٌّ يدلّ على حلّ الانْتفاع بها، وذلك إمّا أنْ يكون بلفْظ الْحلّ، كما في قوله تعالي أحلّ لكمْ ليْلة الصّيام الرّفث إلى نسائكمْ أوْ بالأْمْر بعْد النّهْي، كما في قوْلهتعالى «كنْت نهيْتكمْ عن ادّخار لحوم الأْضاحيّ، فكلوا وادّخروا» أوْ بالاسْتثْناء من التّحْريم كما في قوله تعالى وما أكل السّبع إلاّ ما ذكّيْتمْ (أوْ بنفْي الْجناح أو الإْثْم، أوْ بغيْر ذلك منْ صيغ الإْباحة كما بيّنه الأْصوليّون.
ج - الإْباحة بإذْن الْمالك:
12 - هذه الإْباحة تثْبت منْ مالكٍ خاصٍّ لغيْره بالانْتفاع بعيْنٍ من الأْعْيان الْممْلوكة: إمّا بالاسْتهْلاك، كإباحة الطّعام والشّراب في الْولائم والضّيافات، أوْ بالاسْتعْمال كما لوْ أباح إنْسانٌ لآخر اسْتعْمال ما يشاء منْ أمْلاكه الْخاصّة
فالانْتفاع في هذه الْحالات لا يتجاوز الشّخْص الْمباح له، وهو لا يمْلك الشّيْء الْمنْتفع به، فليْس له أنْ يبيحه لغيْره، كما نصّ عليْه في الْفتاوى الْهنْديّة
وذكر الْمالكيّة والشّافعيّة والْحنابلة مثْل ذلك، فقال الْبجيْرميّ في شرْحه على الْخطيب: إنّ منْ أبيح له الطّعام بالْوليمة أو الضّيافة يحْرم عليْه أنْ ينْقله إلى غيْره، أوْ بإطْعام نحْو هرّةٍ منْه، ولا يطْعم منْه سائلاً إلاّ إذا علم الرّضا.
وكذلك منْ أبيح له الانْتفاع بعيْنٍ من الأْعْيان الْممْلوكة بإذْن الْمالك، كالإْذْن بسكْنى داره، أوْ ركوب سيّارته، أو اسْتعْمال كتبه، أوْ ملابسه الْخاصّة، فليْس للْمباح له أنْ يأْذن لغيْره بالانْتفاع بها، وإلاّ كان ضامنًا
توْريث الانْتفاع:
31 - إذا كان سبب الانْتفاع الإْجارة أو الْوصيّة، فقدْ ذهب جمْهور الْفقهاء الْمالكيّة والشّافعيّة
والْحنابلة) إلى أنّه يقْبل التّوْريث. فالإْجارة لا تنْفسخ بموْت الشّخْص الْمسْتأْجر، ويقوم وارثه مقامه في الانْتفاع بها إلى أنْ تنْتهي الْمدّة، أوْ تفْسخ الإْجارة بأسْبابٍ أخْرى؛ لأنّ الإْجارة عقْدٌ لازمٌ، فلا تنْفسخ بموْت الْعاقد مع سلامة الْمعْقود عليْه إلاّ أنّ الْحنابلة قالوا: إنْ مات الْمكْتري، ولمْ يكنْ له وارثٌ تنْفسخ الإْجارة فيما بقي من الْمدّة
وكذلك الْوصيّة بالْمنْفعة لا تنْتهي بموْت الْموصى له، لأنّها تمْليكٌ وليْستْ إباحةً للزومها بالْقبول، فيجوز لورثته أنْ ينْتفعوا بها بالْمدّة الْباقية، لأنّه مات عنْ حقٍّ، فهو لورثته
32 - أمّا إذا كان سبب الانْتفاع الْعاريّة، فقدْ صرّح الشّافعيّة والْحنابلة بعدم توْريث الانْتفاع بها، لأنّها عقْدٌ غيْر لازمٍ، تنْفسخ بموْت الْعاقديْن. ولأنّ الْعاريّة إباحة الانْتفاع عنْدهمْ، فلا تصْلح أنْ تنْتقل إلى الْغيْر حتّى في حياة الْمسْتعير
وذهب الْحنفيّة إلى أنّ الانْتفاع لا يقْبل التّوْريث مطْلقًا. فالْوصيّة بالْمنْفعة تبْطل بموْت الْموصى له، وليْس لورثته الانْتفاع بها، كما تبْطل الْعاريّة بموْت الْمسْتعير، والإْجارة بموْت الْمسْتأْجر؛ لأنّ الْمنافع لا تحْتمل الإْرْث، لأنّها تحْدث شيْئًا فشيْئًا، والّتي تحْدث بعْد الْموْت ليْستْ موْجودةً حين الْموْت، حتّى تكون تركةً على ملْك الْمتوفّى فتورث.
وعلى ذلك يعود ملْك الْمنْفعة بعْد وفاة الْموصى له بالْمنْفعة إلى الْموصى له بالرّقبة، إنْ كان قدْ أوْصى بالرّقبة إلى آخر، وإنْ لمْ يكنْ قدْ أوْصى بها عاد ملْك الْمنْفعة إلى ورثة الْموصي، كما صرّح به الْكاسانيّ .
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثامن عشر ، الصفحة / 28
الْمَنَافِعُ:
25 - الْمَنَافِعُ كَذَلِكَ يَجُوزُ إِسْقَاطُهَا، سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُسْقِطُ مَالِكًا لِلرَّقَبَةِ وَالْمَنْفَعَةِ، أَمْ كَانَ مَالِكًا لِلْمَنْفَعَةِ فَقَطْ بِمُقْتَضَى عَقْدٍ، كَالإْجَارَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَالْوَصِيَّةِ بِالْمَنْفَعَةِ، أَمْ بِغَيْرِ عَقْدٍ كَتَحْجِيرِ الْمَوَاتِ لإِحْيَائِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ الاِخْتِصَاصُ بِمَقَاعِدِ الأْسْوَاقِ وَمَا شَابَهَ ذَلِكَ، فَالْمَنَافِعُ تَقْبَلُ الإْسْقَاطَ بِإِسْقَاطِ مُسْتَحِقِّ الْمَنْفَعَةِ مَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَانِعٌ.
وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِسُكْنَى دَارِهِ فَمَاتَ الْمُوصِي وَبَاعَ الْوَارِثُ الدَّارَ وَرَضِيَ الْمُوصَى لَهُ جَازَ الْبَيْعُ وَبَطَلَتْ سُكْنَاهُ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَبِعِ الْوَارِثُ الدَّارَ وَلَكِنْ قَالَ الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ: أَسْقَطْتُ حَقِّي سَقَطَ حَقُّهُ بِالإْسْقَاطِ.
وَأَمَاكِنُ الْجُلُوسِ فِي الْمَسَاجِدِ وَالأْسْوَاقِ يَجُوزُ لِلْمُنْتَفِعِ بِهَا إِسْقَاطُ الْحَقِّ فِيهَا. هَذَا بِالنِّسْبَةِ لإِسْقَاطِهَا بِدُونِ عِوَضٍ، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لإِسْقَاطِهَا بِعِوَضٍ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إِلَى قَاعِدَةِ التَّفْرِيقِ بَيْنَ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ وَمِلْكِ الاِنْتِفَاعِ، فَمَنْ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ مَلَكَ الْمُعَاوَضَةَ عَلَيْهَا، وَمَنْ مَلَكَ الاِنْتِفَاعَ فَقَطْ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ الإْسْقَاطَ وَلَكِنْ لاَ يَجُوزُ الْمُعَاوَضَةُ عَلَيْهِ، وَهَذَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ - الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ - أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَلَهُمْ بَعْضُ الْقُيُودِ فَإِنَّ الاِعْتِيَاضَ عَنِ الْمَنَافِعِ عِنْدَهُمْ لاَ يَجُوزُ إِلاَّ لِمَالِكِ الرَّقَبَةِ وَالْمَنْفَعَةِ، أَوْ لِمَالِكِ الْمَنْفَعَةِ بِعِوَضٍ، أَمَّا مَالِكُ الْمَنْفَعَةِ بِدُونِ عِوَضٍ فَلاَ يَجُوزُ الاِعْتِيَاضُ عَنْهَا. وَالْمَنَافِعُ عِنْدَهُمْ لَيْسَتْ بِأَمْوَالٍ. كَمَا لاَ يَجُوزُ عِنْدَهُمْ إِفْرَادُ حُقُوقِ الاِرْتِفَاقِ بِعَقْدِ مُعَاوَضَةٍ عَلَى الأْصَحِّ وَإِنَّمَا يَجُوزُ تَبَعًا.
وَمِنْ أَمْثِلَةِ الْمُعَاوَضَةِ عَلَى الْمَنْفَعَةِ مَا لَوْ أَوْصَى شَخْصٌ لِرَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا بِعَيْنِ الدَّارِ وَالثَّانِي بِسُكْنَاهَا، وَصَالَحَ الأْوَّلُ الثَّانِيَ لأِنَّ الْمُوصَى لَهُ بِعَيْنِ الدَّارِ صَالَحَ الْمُوصَى لَهُ بِسُكْنَاهَا بِدَرَاهِمَ أَوْ بِمَنْفَعَةِ عَيْنٍ أُخْرَى لِتَسْلَمَ الدَّارُ لَهُ جَازَ.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / التاسع والثلاوثون ، الصفحة / 101
مَنْفَعَةٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْمَنْفَعَةُ فِي اللُّغَةِ:
كُلُّ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَالْجَمْعُ مَنَافِعُ .
وَالْمَنْفَعَةُ فِي الاِصْطِلاَحِ هِيَ: الْفَائِدَةُ الَّتِي تَحْصُلُ بِاسْتِعْمَالِ الْعَيْنِ فَكَمَا أَنَّ الْمَنْفَعَةَ تُسْتَحْصَلُ مِنَ الدَّارِ بِسُكْنَاهَا تُسْتَحْصَلُ مِنَ الدَّابَّةِ بِرُكُوبِهَا .
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْغَلَّةُ:
2 - الْغَلَّةُ فِي اللُّغَةِ: كُلُّ شَيْءٍ يَحْصُلُ مِنْ رِيعِ الأْرْضِ أَوْ أُجْرَتِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ وَالْجَمْعُ غِلاَلٌ وَغَلاَّتٌ .
وَيَسْتَعْمِلُ الْفُقَهَاءُ هَذَا اللَّفْظَ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ نَفْسِهِ.
فَقَدْ فَسَّرَ الْبَعْلِيُّ الْغَلَّةَ بِالثَّمَرَةِ وَالْكَسْبِ وَنَحْوِهِمَا .
وَفِي مُرْشِدِ الْحَيْرَانِ: الْمُرَادُ بِالْغَلَّةِ كُلُّ مَا يَحْصُلُ مِنْ رِيعِ الأْرْضِ وَكِرَائِهَا وَثَمَرَةِ الْبُسْتَانِ .
وَيُؤْخَذُ مِنْ عِبَارَاتِ الْقَلْيُوبِيِّ أَنَّ الْغَلَّةَ: هِيَ الْفَائِدَةُ الْعَيْنِيَّةُ الْحَاصِلَةُ عَنْ شَيْءٍ مَا فِي حِينِ أَنَّ الْمَنْفَعَةَ: هِيَ الْفَائِدَةُ غَيْرُ الْعَيْنِيَّةِ .
وَقَالَ السُّبْكِيُّ فِي الصِّلَةِ بَيْنَ الْمَنْفَعَةِ وَالْغَلَّةِ: الْمَنَافِعُ وَالْغَلَّةُ مُتَقَارِبَانِ وَكُلُّ عَيْنٍ فِيهَا مَنْفَعَةٌ فَقَدْ يَحْصُلُ مِنْهَا شَيْءٌ غَيْرُ تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ إِمَّا بِفِعْلِهِ كَالاِسْتِغْلاَلِ أَوْ بِعِوَضٍ عَنْ فِعْلِ غَيْرِهِ أَوْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَذَلِكَ الشَّيْءُ يُسَمَّى غَلَّةً .
ب - الْعَيْنُ:
3 - الْعَيْنُ لَهَا عِدَّةُ مَعَانٍ فِي اللُّغَةِ مِنْهَا مَا ضُرِبَ مِنَ الدَّنَانِيرِ وَالنَّقْدِ وَعَيْنُ الْمَاءِ وَالْعَيْنُ الْبَاصِرَةُ وَالْجَاسُوسُ. وَعَيْنُ الشَّيْءِ: نَفْسُهُ.
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: الْمَقْصُودُ بِالْعَيْنِ هُنَا هِيَ الشَّيْءُ الْمُعَيَّنُ الْمُشَخَّصُ كَبَيْتٍ وَحِصَانٍ .
وَالصِّلَةُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْعَيْنَ أَصْلٌ لِلْمَنْفَعَةِ.
ج - الاِنْتِفَاعُ:
4 - الاِنْتِفَاعُ لُغَةً: مَصْدَرُ انْتَفَعَ مِنَ النَّفْعِ وَهُوَ الْخَيْرُ وَهُوَ مَا يَتَوَصَّلُ بِهِ الإْنْسَانُ إِلَى مَطْلُوبِهِ وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الْمُرَادُ بِالنَّفْعِ الْمَكِنَةُ أَوْ مَا يَكُونُ وَسِيلَةً إِلَيْهَا .
وَالاِنْتِفَاعُ فِي الاِصْطِلاَحِ: هُوَ حَقُّ الْمُنْتَفِعِ فِي اسْتِعْمَالِ الْعَيْنِ وَاسْتِغْلاَلِهَا مَا دَامَتْ قَائِمَةً عَلَى حَالِهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ رَقَبَتُهَا مَمْلُوكَةً .
وَأَمَّا الصِّلَةُ بَيْنَ الْمَنْفَعَةِ وَالاِنْتِفَاعِ فَقَدْ قَالَ الْقَرَافِيُّ عِنْدَ بَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَ قَاعِدَةِ تَمْلِيكِ الاِنْتِفَاعِ وَقَاعِدَةِ تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ: تَمْلِيكُ الاِنْتِفَاعِ نُرِيدُ بِهِ أَنْ يُبَاشِرَ هُوَ بِنَفْسِهِ فَقَطْ وَتَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ هُوَ أَعَمُّ وَأَشْمَلُ فَيُبَاشِرُ بِنَفْسِهِ وَيُمَكِّنُ غَيْرَهُ مِنَ الاِنْتِفَاعِ بِعِوَضٍ كَالإْجَارَةِ وَبِغَيْرِ عِوَضٍ كَالْعَارِيَةِ .
(ر: انْتِفَاعٌ ف 3).
مَالِيَّةُ الْمَنْفَعَةِ
5 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مَالِيَّةِ الْمَنْفَعَةِ فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْمَذْهَبِ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْمَنَافِعَ أَمْوَالٌ مُتَقَوِّمَةٌ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ أَمْوَالاً مُتَقَوِّمَةً فِي حَدِّ ذَاتِهَا إِلاَّ إِذَا وَرَدَ عَلَيْهَا الْعَقْدُ.
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (مَالٌ ف 2).
الآْثَارُ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى الاِخْتِلاَفِ فِي مَالِيَّةِ الْمَنْفَعَةِ:
يَتَرَتَّبُ عَلَى اخْتِلاَفِ الْفُقَهَاءِ فِي مَالِيَّةِ الْمَنْفَعَةِ اخْتِلاَفُهُمْ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ مِنْهَا:
أ - ضَمَانُ الْمَنَافِعِ
6 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْمَنَافِعَ تُضْمَنُ بِالإْتْلاَفِ وَالْغَصْبِ كَمَا تُضْمَنُ الأْعْيَانُ.
وَقَدِ اسْتَدَلُّوا بِأَدِلَّةٍ مِنْهَا: أَنَّ الشَّارِعَ أَجَازَ أَنْ تَكُونَ مَهْرًا فِي النِّكَاحِ وَلأِنَّ الْمَالَ اسْمٌ لِمَا هُوَ مَخْلُوقٌ لإِِقَامَةِ مَصَالِحِ الْعِبَادِ بِهِ وَالْمَنَافِعُ يَصْدُقُ عَلَيْهَا ذَلِكَ وَلأِنَّ الْمَنْفَعَةَ مُبَاحَةٌ مُتَقَوِّمَةٌ فَتُجْبَرُ فِي الْعُقُودِ الصَّحِيحَةِ وَالْفَاسِدَةِ .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمَنَافِعَ لاَ تُضْمَنُ لاَ بِالْغَصْبِ وَلاَ بِالإْتْلاَفِ وَإِنَّمَا تُضْمَنُ بِالْعَقْدِ أَوْ شُبْهَةِ الْعَقْدِ.
أَمَّا عَدَمُ ضَمَانِ الْمَنَافِعِ بِالْغَصْبِ فَلأِنَّ هَا حَدَثَتْ بِفِعْلِ الْغَاصِبِ وَكَسْبِهِ وَالْكَسْبُ لِلْكَاسِبِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: «مَنْ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ عِنْدَ رَجُلٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» فَلاَ يَضْمَنُ مِلْكَهُ وَلأِنَّ الْغَصْبَ إِزَالَةُ يَدِ الْمَالِكِ بِإِثْبَاتِ الْيَدِ الْعَادِيَّةِ وَلاَ يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي الْغَصْبِ لأِنَّ الْمَنَافِعَ أَعْرَاضٌ لاَ تَبْقَى زَمَانَيْنِ فَيَسْتَحِيلُ غَصْبُهَا.
وَأَمَّا عَدَمُ ضَمَانِ الْمَنَافِعِ بِالإْتْلاَفِ فَلأِنَّ هَا لاَ تَخْلُو إِمَّا أَنْ يَرِدَ عَلَيْهَا الإْتْلاَفُ قَبْلَ وُجُودِهَا أَوْ حَالَ وُجُودِهَا أَوْ بَعْدَ وُجُودِهَا وَكُلُّ ذَلِكَ مُحَالٌ، أَمَّا قَبْلَ وُجُودِهَا فَلأِنَّ إِتْلاَفَ الْمَعْدُومِ لاَ يُمْكِنُ، وَأَمَّا حَالَ وُجُودِهَا فَلأِنَّ الإْتْلاَفَ إِذَا طَرَأَ عَلَى الْوُجُودِ رَفَعَهُ فَإِذَا قَارَنَهُ مَنَعَهُ، وَأَمَّا بَعْدَ وُجُودِهَا فَلأِنَّ هَا تَنْعَدِمُ كُلَّمَا وُجِدَتْ فَلاَ يُتَصَوَّرُ إِتْلاَفُ الْمَعْدُومِ .
وَقَدِ اسْتَثْنَى الْحَنَفِيَّةُ مِنْ أَصْلِ عَدَمِ تَضْمِينِ الْمَنَافِعِ ثَلاَثَةَ مَسَائِلَ وَهِيَ: مَالَ الْيَتِيمِ وَمَالَ الْوَقْفِ وَالْمُعَدَّ لِلاِسْتِغْلاَلِ .
(ر: ضَمَانٌ ف 22 وَغَصْبٌ ف 18).
ب - جَعْلُ الْمَنْفَعَةِ صَدَاقًا
7 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْمَنْفَعَةُ صَدَاقًا جَرْيًا عَلَى أَصْلِهِمْ مِنْ أَنَّ كُلَّ مَا يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ يَصِحُّ تَسْمِيَتُهُ صَدَاقًا وَالْمَنَافِعُ يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهَا فَتَصِحُّ تَسْمِيَتُهَا صَدَاقًا .
وَلِلْحَنَفِيَّةِ فِي الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلٌ: فَقَدْ جَاءَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: الْمَهْرُ إِنَّمَا يَصِحُّ بِكُلِّ مَا هُوَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ وَالْمَنَافِعُ تَصْلُحُ مَهْرًا غَيْرَ أَنَّ الزَّوْجَ إِذَا كَانَ حُرًّا وَقَدْ تَزَوَّجَهَا عَلَى خِدْمَتِهِ إِيَّاهَا جَازَ النِّكَاحُ وَيُقْضَى لَهَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ .
وَقَالَ الْكَاسَانِيُّ فِي مَعْرِضِ الاِسْتِدْلاَلِ لِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّيْخَانِ: إِنَّ الْمَنَافِعَ لَيْسَتْ بِأَمْوَالٍ مُتَقَوِّمَةٍ عَلَى أَصْلِ أَصْحَابِنَا وَلِهَذَا لَمْ تَكُنْ مَضْمُونَةً بِالْغَصْبِ وَالإْتْلاَفِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لَهَا حُكْمُ التَّقَوُّمِ فِي سَائِرِ الْعُقُودِ شَرْعًا ضَرُورَةً دَفْعًا لِلْحَاجَةِ بِهَا وَلاَ يُمْكِنُ فِي دَفْعِ الْحَاجَةِ بِهَا هَاهُنَا لأِنَّ الْحَاجَةَ لاَ تَنْدَفِعُ إِلاَّ بِالتَّسْلِيمِ وَأَنَّهُ مَمْنُوعٌ عَنْهُ شَرْعًا لأِنَّ اسْتِخْدَامَ الْحُرَّةِ زَوْجَهَا الْحُرَّ حَرَامٌ لِكَوْنِهِ اسْتِهَانَةً وَإِذْلاَلاً وَهَذَا لاَ يَجُوزُ.
وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَنَافِعِ سَائِرِ الأْعْيَانِ مِنْ سُكْنَى دَارِهِ وَخِدْمَةِ عَبِيدِهِ وَرُكُوبِ دَابَّتِهِ وَالْحَمْلِ عَلَيْهَا وَزِرَاعَةِ أَرْضِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ مَنَافِعِ الأْعْيَانِ مُدَّةً مَعْلُومَةً صَحَّتِ التَّسْمِيَةُ لأِنَّ هَذِهِ الْمَنَافِعَ أَمْوَالٌ أَوِ الْتُحِقَتْ بِالأْمْوَالِ شَرْعًا فِي سَائِرِ الْعُقُودِ لِمَكَانِ الْحَاجَةِ، وَالْحَاجَةُ فِي النِّكَاحِ مُتَحَقَّقَةٌ، وَإِمْكَانُ الدَّفْعِ بِالتَّسْلِيمِ ثَابِتٌ بِتَسْلِيمِ مَحَالِّهَا إِذْ لَيْسَ فِيهِ اسْتِخْدَامُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا فَجُعِلَتْ أَمْوَالاً وَالْتُحِقَتْ بِالأْعْيَانِ فَصَحَّتْ تَسْمِيَتُهَا .
ج - ثُبُوتُ الشُّفْعَةِ عِنْدَ مُعَاوَضَةِ الْمَشْفُوعِ فِيهِ بِمَنْفَعَةٍ
8 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ عِنْدَ مُعَاوَضَةِ الْمَشْفُوعِ فِيهِ بِمَنْفَعَةٍ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ تَجِبُ الشُّفْعَةُ فِي مُعَاوَضَةِ عَيْنِ الْمَالِ بِمَا لَيْسَ بِعَيْنِ الْمَالِ لأِنَّ الشَّفِيعَ يَتَمَلَّكُ بِمَا يَتَمَلَّكُ بِهِ الْمُشْتَرِي وَتَمَلُّكُ الشَّفِيعِ بِمَا تَمَلَّكَهُ بِهِ الْمُشْتَرِي هُنَا غَيْرُ مُمْكِنٍ وَالتَّمَلُّكُ بِعَيْنِ الْمَالِ لَيْسَ تَمَلُّكًا بِمَا تَمَلَّكَ بِهِ الْمُشْتَرِي فَامْتَنَعَ أَصْلاً، وَلاَ تَكُونُ الشُّفْعَةُ فِيهَا مَشْرُوعَةً وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إِذَا جَعَلَ الدَّارَ مَهْرًا: بِأَنْ تَزَوَّجَ عَلَى دَارٍ، أَوْ جَعَلَهَا بَدَلَ الْخُلْعِ بِأَنْ خَالَعَ امْرَأَتَهُ عَلَى دَارٍ أَوْ جَعَلَهَا أُجْرَةً فِي الإْجَارَاتِ بِأَنِ اسْتَأْجَرَ بِدَارٍ لأِنَّ هَذَا مُعَاوَضَةَ الْمَالِ بِالْمَنْفَعَةِ لأِنَّ حُكْمَ الإْجَارَةِ ثَبَتَ فِي الْمَنْفَعَةِ وَكَذَا حُكْمُ النِّكَاحِ وَالْمَنْفَعَةِ - كَمَا صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ - لَيْسَ بِمَالٍ إِذِ الْمَنَافِعُ فِي الأْصْلِ لاَ قِيمَةَ لَهَا وَالأْصْلُ فِيهَا أَنْ لاَ تَكُونَ مَضْمُونَةً لأِنَّ الشَّيْءَ يُضْمَنُ بِمِثْلِهِ فِي الأْصْلِ وَالْعَرَضُ لاَ يُمَاثِلُ الْعَيْنَ، وَلِهَذَا لاَ تُضْمَنُ بِالْغَصْبِ وَالإْتْلاَفِ إِلاَّ أَنَّهَا تَتَقَوَّمُ بِالْعَقْدِ بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ وَلِحَاجَةِ النَّاسِ، فَبَقِيَ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ عَلَى الأْصْلِ فَلاَ يَظْهَرُ تَقَوُّمُهَا فِي حَقِّ الشَّفِيعِ .
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ إِذَا كَانَتِ الْمُعَاوَضَةُ بِشَيْءٍ غَيْرِ مُتَمَوَّلٍ كَمَنْ جَعَلَ الشِّقْصَ صَدَاقًا أَوْ عِوَضَ خُلْعٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ صُلْحٍ عَنْ دَمٍ فِي جِنَايَةِ الْعَمْدِ ثَبَتَتِ الشُّفْعَةُ فِي كُلِّ ذَلِكَ وَيَأْخُذُهُ الشَّفِيعُ بِقِيمَةِ الشِّقْصِ .
وَلِلتَّفْصِيلِ (ر: شُفْعَةٌ ف 55).
د - وِرَاثَةُ الْمَنَافِعِ
9 - يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْمَنَافِعَ تُورَثُ مِثْلَ بَقِيَّةِ الأْمْوَالِ الْمَمْلُوكَةِ جَرْيًا عَلَى أَصْلِهِمْ مِنْ أَنَّ الْمَنَافِعَ أَمْوَالٌ مُتَقَوِّمَةٌ.
وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْمَنَافِعَ بِانْفِرَادِهَا لاَ تَحْتَمِلُ الإْرْثَ وَإِنْ كَانَ الْمُوَرِّثُ تَمَلَّكَهَا بِعِوَضٍ .
(ر: حَقٌّ ف 42 وَإِرْثٌ ف 6).
الْعُقُودُ الْوَارِدَةُ عَلَى الْمَنَافِعِ
10 - الْمَنَافِعُ تُمْلَكُ بِطَرِيقَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ تَابِعَةً لِمِلْكِ الرَّقَبَةِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ وَرَدَ عَلَيْهَا عَقْدٌ وَحْدَهَا .
وَالْعُقُودُ الْوَارِدَةُ عَلَى الْمَنَافِعِ ثَلاَثَةُ أَقْسَامٍ: مِنْهَا: مَا هُوَ بِعِوَضٍ وَهُوَ الإْجَارَةُ وَالْجَعَالَةُ وَالْقِرَاضُ وَالْمُسَاقَاةُ وَالْمُزَارَعَةُ.
وَمِنْهَا: مَا هُوَ بِغَيْرِ عِوَضٍ كَالْوَقْفِ وَالشَّرِكَةِ وَالْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَةِ وَحِفْظِ اللَّقِيطِ.
وَمِنْهَا: نَوْعَانِ مُتَرَدِّدَانِ بَيْنَ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ وَهُمَا: الْوَكَالَةُ وَالْقِيَامُ عَلَى الأْطْفَالِ فَإِنَّهُ تَارَةً يَكُونُ بِعِوَضٍ وَتَارَةً بِغَيْرِ عِوَضٍ.
وَمِنْهُ: الْمُسَابَقَةُ وَالْمُنَاضَلَةُ وَهِيَ قِسْمٌ مُفْرَدٌ إِذِ الْمُرَادُ تَمْلِيكُ مَنْفَعَتِهِ .
وَلِلتَّفْصِيلِ فِي أَحْكَامِ هَذِهِ الْعُقُودِ وَمَعْرِفَةِ مَوْقِعِ عُنْصُرِ الْمَنْفَعَةِ فِيهَا تُنْظَرُ الْمُصْطَلَحَاتُ الْخَاصَّةُ بِهَذِهِ الْعُقُودِ.
حُكْمُ اشْتِرَاطِ مَنْفَعَةٍ فِي الْقَرْضِ
11 - مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الْقَرْضِ أَنْ لاَ يَكُونَ فِيهِ جَرُّ مَنْفَعَةٍ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَجُزْ، نَحْوَ مَا إِذَا أَقْرَضَهُ وَشَرَطَ شَرْطًا لَهُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ أَوْ أَقْرَضَهُ دَرَاهِمَ غَلَّةً عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ صِحَاحًا لِمَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّه صلي الله عليه وسلم قَالَ: «كُلُّ قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً فَهُوَ رِبًا» هَذَا إِذَا كَانَتِ الزِّيَادَةُ مَشْرُوطَةً فِي الْقَرْضِ أَوْ مَلْحُوظَةً أَوْ مَعْرُوفَةً وَأَمَّا إِذَا لَمْ تَكُنْ فَلاَ بَأْسَ بِذَلِكَ .
وَلِلتَّفْصِيلِ يُنْظَرُ (قَرْضٌ ف 28).
رَهْنُ الْمَنْفَعَةِ
12 - الأْصْلُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ أَنَّ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ يَجُوزُ رَهْنُهُ وَمَا لاَ يَجُوزُ بَيْعُهُ لاَ يَجُوزُ رَهْنُهُ .
بِنَاءً عَلَى هَذَا الأْصْلِ لاَ يَجُوزُ رَهْنُ الْمَنَافِعِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لِعَدَمِ جَوَازِ بَيْعِهَا إِذِ الْمَنَافِعُ لَيْسَتْ بِمَالٍ عِنْدَهُمْ .
أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فَإِنَّهُمْ وَإِنْ كَانُوا يُجِيزُونَ بَيْعَ الْمَنَافِعِ لَكِنَّهُمْ صَرَّحُوا بِعَدَمِ جَوَازِ رَهْنِ الْمَنَافِعِ لأِنَّ مَقْصُودَ الرَّاهِنِ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْ ثَمَنِ الرَّهْنِ وَالْمَنَافِعُ تَهْلَكُ إِلَى حُلُولِ الْحَقِّ فَلاَ يَحْصُلُ بِهَا الاِسْتِيثَاقُ .
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فِي جَوَازِ رَهْنِ الْمَنْفَعَةِ قَوْلاَنِ:
جَاءَ فِي جَوَاهِرِ الإْكْلِيلِ فِيمَا يَجُوزُ رَهْنُهُ قَالَ: كَظُهُورِ حَبْسِ دَارٍ رُهِنَتْ عَلَى أَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ فَثَبَتَ تَحْبِيسُهَا عَلَى رَاهِنِهَا فَقِيلَ: يَبْطُلُ رَهْنُهَا وَلاَ يَنْتَقِلُ الرَّهْنُ إِلَى مَنْفَعَتِهَا، وَقِيلَ يَصِحُّ رَهْنُهَا وَيَنْتَقِلُ إِلَيْهَا لِجَوَازِ بَيْعِ الْمَنْفَعَةِ وَرَهْنِهَا فَلاَ يَبْطُلُ رَهْنُهَا بِبُطْلاَنِ رَهْنِ الدَّارِ .
قِسْمَةُ الْمَنَافِعِ
13 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي جَوَازِ قِسْمَةِ الْمَنَافِعِ إِذَا تَرَاضَى الشُّرَكَاءُ عَلَيْهَا (وَهِيَ الْمُهَايَأَةُ).
كَمَا لاَ خِلاَفَ بَيْنَهُمْ فِي أَنَّهُ إِذَا طَلَبَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ قِسْمَةَ الأْعْيَانِ وَالآْخَرُ قِسْمَةَ الْمَنَافِعِ يَقْسِمُ الْقَاضِي الأْعْيَانَ لأِنَّهُ أَبْلَغُ فِي التَّكْمِيلِ .
وَلِلْفُقَهَاءِ فِي إِجْبَارِ الشَّرِيكِ الْمُمْتَنِعِ عَنْ قِسْمَةِ الْمَنَافِعِ وَصِفَةِ قِسْمَةِ الْمَنَافِعِ مِنْ حَيْثُ اللُّزُومُ وَعَدَمُهُ وَأَنْوَاعِ قِسْمَةِ الْمَنَافِعِ وَمَحَلِّهَا وَفِيمَا تَصِحُّ فِيهِ هَذِهِ الْقِسْمَةُ وَمَا لاَ تَصِحُّ خِلاَفٌ وَتَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي (قِسْمَةٌ ف 55 وَمَا بَعْدَهَا).
مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ
14 - الْمِلْكُ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ: مِلْكُ عَيْنٍ وَمَنْفَعَةٍ وَمِلْكُ عَيْنٍ بِلاَ مَنْفَعَةٍ وَمِلْكُ مَنْفَعَةٍ بِلاَ عَيْنٍ وَمِلْكُ انْتِفَاعٍ مِنْ غَيْرِ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ .
إِسْقَاطُ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ وَالاِعْتِيَاضُ عَنْهُ:
15 - الأْصْلُ فِي الْمَنَافِعِ أَنَّهَا تَقْبَلُ الإْسْقَاطَ مِنْ مَالِكِ الْعَيْنِ الْمُنْتَفِعِ بِهَا أَوْ مُسْتَحِقِّ مَنْفَعَتِهَا إِذْ كُلُّ جَائِزِ التَّصَرُّفِ لاَ يَمْنَعُ مِنْ إِسْقَاطِ حَقِّهِ فِي الْمَنْفَعَةِ بِدُونِ عِوَضٍ مَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَانِعٌ مِنْ ذَلِكَ وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ.
أَمَّا إِسْقَاطُهُ بِعِوَضٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ.
أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَإِنَّ الاِعْتِيَاضَ عَنِ الْمَنَافِعِ عِنْدَهُمْ لاَ يَجُوزُ إِلاَّ لِمَالِكِ الرَّقَبَةِ وَالْمَنْفَعَةِ أَوْ لِمَالِكِ الْمَنْفَعَةِ بِعِوَضٍ.
وَلِلتَّفْصِيلِ يُنْظَرُ (إِسْقَاطٌ ف 35 - 36 وَحَقٌّ ف 25).
انْتِهَاءُ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ
16 - تَنْتَهِي مِلْكِيَّةُ الْمَنْفَعَةِ بِأُمُورٍ مِنْهَا:
أ - هَلاَكُ مَحَلِّ الْمَنْفَعَةِ حَيْثُ تَنْفَسِخُ الإْجَارَةُ وَالإْعَارَةُ وَالْوَصِيَّةُ بِهَلاَكِ الْعَيْنِ الْمُنْتَفَعِ بِهَا أَوْ تَلَفِهَا.
ب - انْتِهَاءُ الْمُدَّةِ الْمُحَدِّدَةِ لَهَا.
ج - وَفَاةُ الْمُنْتَفِعِ عَلَى خِلاَفٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ.
وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحَاتِهَا وَانْظُرْ (إِذْنٌ ف65).
الْوَصِيَّةُ بِالْمَنْفَعَةِ
17 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى جَوَازِ الْوَصِيَّةِ بِالْمَنَافِعِ لأِنَّ الْمُوصِيَ لَمَّا مَلَكَ تَمْلِيكَ الْمَنَافِعِ حَالَ حَيَاتِهِ بِعَقْدِ الإْجَارَةِ وَالإْعَارَةِ فَلأِنْ يُمَلِّكَهَا بِعَقْدِ الْوَصِيَّةِ أَوْلَى لأِنَّهُ أَوْسَعُ الْعُقُودِ؛ أَلاَ تَرَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَحْتَمِلُ مَا لاَ يَحْتَمِلُهُ سَائِرُ الْعُقُودِ مِنْ عَدَمِ الْمَحَلِّ وَالْخَطَرِ وَالْجَهَالَةِ .
وَيَرَى ابْنُ أَبِي لَيْلَى أَنَّهُ لاَ تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِالْمَنَافِعِ لأِنَّ هَا مَعْدُومَةٌ.
وَلِلتَّفْصِيلِ فِي الأْحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْوَصِيَّةِ بِالْمَنْفَعَةِ (ر: وَصِيَّةٌ).
وَقْفُ الْمَنْفَعَةِ
18 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ وَقْفِ الْمَنْفَعَةِ.
فَيَرَى الْجُمْهُورُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ عَدَمَ جَوَازِ وَقْفِ الْمَنْفَعَةِ.
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ جَوَازَ وَقْفِهَا.
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (وَقْفٌ).
الاِخْتِصَاصُ بِالْمَنَافِعِ
19 - قَالَ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ: الاِخْتِصَاصُ بِالْمَنَافِعِ أَنْوَاعٌ:
أَحَدُهَا: الاِخْتِصَاصُ بِإِحْيَاءِ الْمَوَاتِ بِالتَّحَجُّرِ وَالإْقْطَاعِ.
الثَّانِي: الاِخْتِصَاصُ بِالسَّبْقِ إِلَى بَعْضِ الْمُبَاحَاتِ.
الثَّالِثُ: الاِخْتِصَاصُ بِالسَّبْقِ إِلَى مَقَاعِدِ الأْسْوَاقِ.
الرَّابِعُ: الاِخْتِصَاصُ بِمَقَاعِدِ الْمَسَاجِدِ لِلصَّلاَةِ وَالْعُزْلَةِ وَالاِعْتِكَافِ.
الْخَامِسُ: الاِخْتِصَاصُ بِالسَّبْقِ إِلَى الْمَدَارِسِ وَالرُّبُطِ وَالأْوْقَافِ.
السَّادِسُ: الاِخْتِصَاصُ بِمَوَاقِعِ النُّسُكِ كَالْمَطَافِ وَالْمَسْعَى وَعَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ وَمِنًى وَمَرْمَى الْجِمَارِ.
السَّابِعُ: الاِخْتِصَاصُ بِالْخَانَاتِ الْمُسَبَّلَةِ فِي الطُّرُقَاتِ.
الثَّامِنُ: الاِخْتِصَاصُ بِالْكِلاَبِ وَالْمُحْتَرَمِ مِنَ الْخُمُورِ .
وَلِلتَّفْصِيلِ يُنْظَرُ (إِحْيَاءُ الْمَوَاتِ ف 20 وَاسْتِيلاَءٌ ف 19 وَمَا بَعْدَهَا وَطَرِيقٌ ف9 وَمَا بَعْدَهَا وَمَجْلِسٌ ف 7 وَاخْتِصَاصٌ ف 64 وَمَا بَعْدَهَا وَتَحْجِيرٌ ف 1).
تَعْطِيلُ الإْنْسَانِ عَنْ مَنَافِعِهِ
20 - لاَ يَجُوزُ تَعْطِيلُ الإْنْسَانِ عَنْ مَنَافِعِهِ وَأَشْغَالِهِ وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ تَعْطِيلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِذَا اسْتَدْعَاهُ الْحَاكِمُ بِطَلَبِ خَصْمِهِ لإِحْضَارِهِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ، وَكَذَلِكَ تَعْطِيلُ الشُّهُودِ إِذَا اسْتُحْضِرُوا لِمَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِمْ أَدَاؤُهُ وَكَذَلِكَ اسْتِحْضَارُهُمْ لِمَا لاَ يَتِمُّ إِلاَّ بِالشَّهَادَةِ كَالنِّكَاحِ لأِنَّ هَا حُقُوقٌ وَاجِبَةٌ فَصَارَ كَتَعْطِيلِهِمْ فِيمَا لاَ يَتِمُّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ إِلاَّ بِالتَّعْطِيلِ كَالْغَزَوَاتِ وَالْجُمُعَاتِ وَتَغْيِيرِ الْمُنْكَرَاتِ .
إِذْهَابُ مَنَافِعِ أَعْضَاءِ الإْنْسَانِ
21 - الْجِنَايَةُ الْمُؤَدِّيَةُ إِلَى إِذْهَابِ مَنْفَعَةِ الْعُضْوِ إِمَّا أَنْ تَكُونَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً.
فَإِذَا كَانَتِ الْجِنَايَةُ الْمُؤَدِّيَةُ إِلَى إِذْهَابِ مَنْفَعَةِ الْعُضْوِ عَمْدًا فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِيهَا.
وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي (جِنَايَةٌ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ ف 35).
أَمَّا إِذَا كَانَتِ الْجِنَايَةُ الْمُؤَدِّيَةُ إِلَى فَوْتِ مَنْفَعَةِ الْعُضْوِ خَطَأً فَلِلْفُقَهَاءِ فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي (دِيَاتٌ ف 55 - 62).
الأْصْلُ فِي الْمَنَافِعِ الإْذْنُ
22 - قَالَ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيُّ: الأْصْلُ فِي الْمَنَافِعِ الإْذْنُ وَفِي الْمَضَارِّ الْمَنْعُ بِأَدِلَّةِ الشَّرْعِ فَإِنَّ ذَيْنَكَ أَصْلاَنِ نَافِعَانِ فِي الشَّرْعِ.
أَمَّا الأْصْلُ الأْوَّلُ (الأْصْلُ فِي الْمَنَافِعِ الإْذْنُ) فَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ وُجُوهٌ:
الْمَسْلَكُ الأْوَّلُ: التَّمَسُّكُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأْرْضِ جَمِيعًا) وَ «اللاَّمُ» تَقْتَضِي الاِخْتِصَاصَ بِجِهَةِ الاِنْتِفَاعِ .
الْمَسْلَكُ الثَّانِي:قوله تعالي : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ) أَنْكَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ فَوَجَبَ أَنْ لاَ تَثْبُتَ حُرْمَةُ زِينَةِ اللَّهِ وَإِذَا لَمْ تَثْبُتْ حُرْمَةُ زِينَةِ اللَّهِ امْتَنَعَ ثُبُوتُ الْحُرْمَةِ فِي كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ زِينَةِ اللَّهِ لأِنَّ الْمُطْلَقَ جُزْءٌ مِنَ الْمُقَيَّدِ فَلَوْ ثَبَتَتِ الْحُرْمَةُ فِي فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ زِينَةِ اللَّهِ لَثَبَتَتِ الْحُرْمَةُ فِي زِينَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَذَلِكَ عَلَى خِلاَفِ الأْصْلِ وَإِذَا انْتَفَتِ الْحُرْمَةُ بِالْكُلِّيَّةِ ثَبَتَتِ الإْبَاحَةُ.
الْمَسْلَكُ الثَّالِثُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : (أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ) وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنَ الطَّيِّبِ الْحَلاَلَ وَإِلاَّ لَزِمَ التَّكْرَارُ فَوَجَبَ تَفْسِيرُهُ بِمَا يُسْتَطَابُ وَذَلِكَ يَقْتَضِي حِلَّ الْمَنَافِعِ بِأَسْرِهَا.
الْمَسْلَكُ الرَّابِعُ: الْقِيَاسُ: وَهُوَ أَنَّهُ انْتِفَاعٌ بِمَا لاَ ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْمَالِكِ قَطْعًا وَعَلَى الْمُنْتَفِعِ ظَاهِرًا فَوَجَبَ أَنْ لاَ يُمْنَعَ كَالاِسْتِضَاءَةِ بِضَوْءِ سِرَاجِ الْغَيْرِ وَالاِسْتِظْلاَلِ بِظِلِّ جِدَارِهِ.
إِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّهُ لاَ ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْمَالِكِ لأِنَّ الْمَالِكَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَالضَّرَرُ عَلَيْهِ مُحَالٌ.
وَأَمَّا مِلْكُ الْعِبَادِ فَقَدْ كَانَ مَعْدُومًا وَالأْصْلُ بَقَاءُ ذَلِكَ لِعَدَمِ تَرْكِ الْعَمَلِ بِهِ فِيمَا وَقَعَ اتِّفَاقُ الْخَصْمِ عَلَى كَوْنِهِ مَانِعًا فَيَبْقَى فِي غَيْرِهِ عَلَى الأْصْلِ .
الْمَسْلَكُ الْخَامِسُ: وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الأْعْيَانَ إِمَّا لاَ لِحِكْمَةٍ أَوْ لِحِكْمَةٍ وَالأْوَّلُ بَاطِلٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأْرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ) وَقَوْلِهِ : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا) وَلأِنَّ الْفِعْلَ الْخَالِيَ عَنِ الْحِكْمَةِ عَبَثٌ وَالْعَبَثُ لاَ يَلِيقُ بِالْحَكِيمِ.
وَأَمَّا إِنْ كَانَ خَلَقَهَا لِحِكْمَةٍ فَتِلْكَ الْحِكْمَةُ إِمَّا عَوْدُ النَّفْعِ إِلَيْهِ أَوْ إِلَيْنَا.
وَالأْوَّلُ مُحَالٌ لاِسْتِحَالَةِ الاِنْتِفَاعِ عَلَيْهِ فَتَعَيَّنَ أَنَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا خَلَقَهَا لِيَنْتَفِعَ بِهَا الْمُحْتَاجُونَ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ مِنَ الْخَلْقِ نَفْعَ الْمُحْتَاجِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ نَفْعُ الْمُحْتَاجِ مَطْلُوبَ الْحُصُولِ أَيْنَمَا كَانَ.
فَإِنْ مُنِعَ مِنْهُ فَإِنَّمَا يُمْنَعُ لأِنَّهُ بِحَيْثُ يَلْزَمُهُ رُجُوعُ ضَرَرٍ إِلَى مُحْتَاجٍ فَإِذَا نَهَانَا اللَّهُ تَعَالَى عَنْ بَعْضِ الاِنْتِفَاعَاتِ عَلِمْنَا أَنَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا مَنَعَنَا مِنْهَا لِعِلْمِهِ بِاسْتِلْزَامِهَا لِلْمَضَارِّ، إِمَّا فِي الْحَالِ أَوْ فِي الْمَآلِ وَلَكِنَّ ذَلِكَ عَلَى خِلاَفِ الأْصْلِ فَثَبَتَ أَنَّ الأْصْلَ فِي الْمَنَافِعِ الإْبَاحَةُ .
وَأَوْرَدَ الزَّرْكَشِيُّ دَلِيلَ الأْصْلُ فِي الْمَنَافِعِ الإْذْنُ وَفِي الْمَضَارِّ الْمَنْعُ ضِمْنَ الأَْدِلَّةِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا وَذَكَرَ الْخِلاَفَ فِي الاِحْتِجَاجِ بِهِ وَصَرَّحَ بِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمَنَافِعِ هُنَا مُقَابِلَ الأْعْيَانِ بَلْ كُلُّ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ، وَعَدَّ مِنَ الْقَوَاعِدِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى هَذَا الأْصْلِ : الْقَوْلَ بِالْبَرَاءَةِ الأْصْلِ يَّةِ وَاسْتِصْحَابَ حُكْمِ النَّفْيِ فِي كُلِّ دَلِيلٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ حَتَّى يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى الْوُجُوبِ .
وَلِلتَّفْصِيلِ يُنْظَرُ الْمُلْحَقُ الأْصُولِيُّ.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثالث والأربعون ، الصفحة / 262
الْوَصِيَّةُ بِالْمَنَافِعِ:
58 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى جَوَازِ الْوَصِيَّةِ بِالْمَنَافِعِ لأِنَّ هَا كَالأْعْيَانِ فِي تَمَلُّكِهَا بِعِقْدِ الْمُعَاوَضَةُ وَالإْرْثِ، فَصَحَّتِ الْوَصِيَّةُ بِهَا كَالأْعْيَانِ.
وَتُخْرَجُ قِيمَةُ الْمَنَافِعِ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ فَإِنْ لَمْ تُخْرَجْ مِنَ الثُّلُثِ، أُجِيزَ مِنْهَا بِقَدْرِ الثُّلُثِ.
وَالْمَنْفَعَةُ الْمُوصَى بِهَا، سَوَاءٌ أَكَانَتْ مُطْلَقَةً أَمْ مُقَيَّدَةً فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهَا خُرُوجُ الْعَيْنِ الَّتِي أَوْصَى بِمَنْفَعَتِهَا مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ، فَإِنْ خَرَجَتْ مِنَ الثُّلُثِ جَازَتِ الْوَصِيَّةُ فِي جَمِيعِ الْمَنَافِعِ، فَلِلْمُوصَى لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا مَا عَاشَ وَإِذَا لَمْ يُوفِ الثُّلُثُ إِلاَّ بِنِصْفِ الْمَنْفَعَةِ مَثَلاً صَارَ نِصْفُ الْمَنْفَعَةِ لِلْوَارِثِ إِنْ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ مُطْلَقَةً عَنِ الْوَقْتِ.
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا مَاتَ الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ انْتَقَلَتْ إِلَى مِلْكِ صَاحِبِ الْعَيْنِ، لأِنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْمَنْفَعَةِ قَدْ بَطَلَتْ بِمَوْتِ الْمُوصَى لَهُ، لأِنَّ هَا تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ بِغَيْرِ عِوَضٍ كَالإْعَارَةِ فَتَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمَالِكِ إِيَّاهُ، كَمَا تَبْطُلُ الإْعَارَةُ بِمَوْتِ الْمُسْتَعِيرِ، عَلَى أَنَّ الْمَنَافِعَ بِانْفِرَادِهَا لاَ تَحْتَمِلُ الإْرْثَ وَإِنْ كَانَ تَمَلَّكَهَا بِعِوَضٍ كَإِجَارَةٍ، فَلأَنْ لاَ يُحْتَمَلَ فِيمَا هُوَ تَمْلِيكٌ بِغَيْرِ عِوَضٍ أَوْلَى.
وَإِنْ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ مُؤَقَّتَةً فَإِنْ كَانَتِ الْعَيْنُ تُخْرَجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ فَإِنَّ الْمُوصَى لَهُ يَنْتَفِعُ بِهَا إِلَى الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ، فَإِنْ كَانَ الْمَذْكُورُ سَنَةً غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ فَيَنْتَفِعُ بِهَا الْمُوصَى لَهُ سَنَةً كَامِلَةً ثُمَّ يَعُودُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى الْوَرَثَةِ.
وَإِنْ كَانَتْ لاَ تَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ فَبِقَدْرِ مَا يَخْرُجُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ آخَرُ كَانَتِ الْمَنْفَعَةُ بَيْنَ الْمُوصَى لَهُ وَبَيْنَ الْوَرَثَةِ أَثْلاَثًا، يَخْدِمُ الْعَبْدُ -إِذَا كَانَ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ عَبْدًا - يَوْمًا لِلْمُوصَى لَهُ وَيَوْمَيْنِ لِلْوَرَثَةِ فَيَسْتَوْفِي الْمُوصَى لَهُ خِدْمَةَ السَّنَةِ فِي ثَلاَثِ سِنِينَ.
وَإِنْ كَانَتِ الْعَيْنُ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهَا دَارًا يَسْكُنُ الْمُوصَى لَهُ ثُلُثَهَا وَالْوَرَثَةُ ثُلْثَيْهَا يَتَهَايَآنِ مَكَانًا، لأِنَّ التَّهَايُؤَ بِالْمَكَانِ فِي الدَّارِ مُمْكِنٌ وَفِي الْعَبْدِ لاَ يُمْكِنُ، لاِسْتِحَالَةِ خِدْمَةِ الْعَبْدِ بِثُلُثِهِ لأِحَدِهِمَا وَبِثُلُثَيْهِ لِلآْخَرِ فَمَسَّتِ الضَّرُورَةُ إِلَى الْمُهَايِئَاتِ زَمَانًا.
وَإِنْ كَانَ الْمَذْكُورُ مِنَ الْوَقْتِ سَنَةً بِعَيْنِهَا بِأَنْ قَالَ: سَنَةَ كَذَا أَوْ شَهْرَ كَذَا فَإِنْ كَانَ الْمُوصَى بِهِ خِدْمَةَ الْعَبْدِ، فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ يَخْرُجُ مِنَ الثُّلُثِ يَنْتَفِعُ بِهَا تِلْكَ السَّنَةَ أَوِ الشَّهْرَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ آخَرُ فَفِي الْعَبْدِ يَنْتَفِعُ بِهِ الْوَرَثَةُ يَوْمَيْنِ، وَالْمُوصَى لَهُ يَوْمًا وَفِي الدَّارِ يَسْكُنُ الْمُوصَى لَهُ ثُلُثَهَا وَالْوَرَثَةُ ثُلُثَيْهَا عَلَى طَرِيقِ الْمُهَايَأَةِ، فَإِذَا مَضَتْ تِلْكَ السَّنَةُ أَوْ ذَلِكَ الشَّهْرُ عَلَى هَذَا الْحِسَابِ يَحْصُلُ لِلْمُوصَى لَهُ مَنْفَعَةُ السَّنَةِ أَوِ الشَّهْرِ.
وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُكْمِلَ ذَلِكَ مِنْ سَنَةٍ أُخْرَى أَوْ مِنْ شَهْرٍ آخَرَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لأِنَّ الْوَصِيَّةَ أُضِيفَتْ إِلَى تِلْكَ السَّنَةِ أَوْ ذَلِكَ الشَّهْرِ لاَ إِلَى غَيْرِهِمَا.
وَلَوْ عَيَّنَ الشَّهْرَ الَّذِي هُوَ فِيهِ أَوِ السَّنَةَ الَّتِي هُوَ فِيهَا، بِأَنْ قَالَ: هَذَا الشَّهْرَ أَوْ هَذِهِ السَّنَةَ، يُنْظَرُ: إِنْ مَاتَ بَعْدَ مُضِيِّ ذَلِكَ الشَّهْرِ أَوْ تِلْكَ السَّنَةِ بَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ لأِنَّ الْوَصِيَّةَ نَفَاذُهَا عِنْدَ مَوْتِهِ وَقَدْ مَضَى ذَلِكَ الشَّهْرُ أَوْ تِلْكَ السَّنَةُ قَبْلَ مَوْتِهِ فَبَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ.
وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَمْضِيَ ذَلِكَ الشَّهْرُ أَوِ السَّنَةُ، فَإِنْ كَانَتِ الْعَيْنُ تَخْرُجُ مِنَ الثُّلُثِ يَنْتَفِعُ بِهَا فِيمَا بَقِيَ مِنَ الشَّهْرِ أَوِ السَّنَةِ.
وَإِنْ كَانَتْ لاَ تَخْرُجُ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ آخَرُ فَفِي الْعَبْدِ يَنْتَفِعُ بِهَا الْمُوصَى لَهُ يَوْمًا وَالْوَرَثَةُ يَوْمَيْنِ إِلَى أَنْ يَمْضِيَ ذَلِكَ الشَّهْرُ أَوِ السَّنَةُ، وَفِي الدَّارِ يَسْكُنَاهَا أَثْلاَثًا عَلَى طَرِيقِ الْمُهَايَأَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا.
وَلَوْ أَوْصَى بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ لإِنْسَانٍ وَبِرَقَبَتِهِ لآِخَرَ، أَوْ بِسُكْنَى دَارِهِ لإِنْسَانٍ وَبِرَقَبَتِهَا لآِخَرَ، وَالرَّقَبَةُ تَخْرُجُ مِنَ الثُّلُثِ فَالرَّقَبَةُ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ، وَالْخِدْمَةُ كُلُّهَا لِصَاحِبِ الْخِدْمَةِ، لأِنَّ الْمَنْفَعَةَ لَمَّا احْتَمَلَتِ الإْفْرَادَ مِنَ الرَّقَبَةِ بِالْوَصِيَّةِ حَتَّى لاَ تَمْلِكَ الْوَرَثَةُ الرَّقَبَةَ وَالْمُوصَى لَهُ الْمَنْفَعَةَ، فَيَسْتَوِي فِيهَا الإْفْرَادُ بِاسْتِيفَاءِ الرَّقَبَةِ لِنَفْسِهِ وَتَمْلِيكِهَا مِنْ غَيْرِهِ، فَيَكُونُ أَحَدُهُمَا مُوصًى لَهُ بِالرَّقَبَةِ، وَالآْخَرُ بِالْمَنْفَعَةِ، فَإِذَا مَاتَ الْمُوصِي مَلَكَ صَاحِبُ الرَّقَبَةِ الرَّقَبَةَ وَصَاحِبُ الْمَنْفَعَةِ الْمَنْفَعَةَ، وَكَذَلِكَ إِذَا أَوْصَى بِرَقَبَةِ شَجَرَةٍ أَوْ بُسْتَانٍ لإِنْسَانٍ وَبِثَمَرَتِهِ لآِخَرَ، أَوْ بِرَقَبَةِ أَرْضٍ لِرَجُلِ وَبِغَلَّتِهَا لآِخَرَ، لأِنَّ الثَّمَرَ وَالْغَلَّةَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا يَحْتَمِلُ الإْفْرَادَ بِالْوَصِيَّةِ فَلاَ فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَسْتَبْقِيَ الأْصْلَ لِنَفْسِهِ وَبَيْنَ أَنْ يَمْلِكَهُ مِنْ غَيْرِهِ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْمَنْفَعَةِ.
وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُوصَى بِهِ مَوْجُودًا وَقْتَ كَلاَمِ الْوَصِيَّةِ أَوْ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا عِنْدَهُ فَالْوَصِيَّةُ جَائِزَةٌ إِلاَّ إِذَا كَانَ فِي كَلاَمِ الْمُوصِي مَا يَقْتَضِي الْوُجُودَ لِلْحَالِ فَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلاَ مَالَ لَهُ عِنْدَ كَلاَمِ الْوَصِيَّةِ .
وَإِنْ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ بِمَنْفَعَةٍ فِي مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ كَسَنَةٍ مَثَلاً فَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ حُسِبَ مِنَ الثُّلُثِ مَا نَقَصَ مِنْهَا فِي تَقْوِيمِهِ مَسْلُوبَ الْمَنْفَعَةِ تِلْكَ الْمُدَّةَ، فَمَنْ أَوْصَى مَثَلاً بِمَنْفَعَةِ حَيَوَانٍ مُدَّةً مَعْلُومَةً قُوِّمَ الْحَيَوَانُ بِمَنْفَعَتِهِ ثُمَّ قُوِّمَ مَسْلُوبُ الْمَنْفَعَةِ تِلْكَ الْمُدَّةَ وَيُحْسَبُ النَّاقِصُ مِنَ الثُّلُثِ .
وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْمَنَافِعِ خُرُوجُهَا مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ أُجِيزَ مِنْهَا بِقَدْرِ الثُّلُثِ، وَقَالُوا: إِذَا أُرِيدَ تَقْوِيمُهَا فَإِنْ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ مُقَيَّدَةً بِمُدَّةِ قُوِّمَ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ مَسْلُوبَ الْمَنْفَعَةِ تِلْكَ الْمُدَّةَ ثُمَّ تُقَوَّمُ الْمَنْفَعَةُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ فَيُنْظَرُ كَمْ قِيمَتُهَا.
وَإِنْ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ مُطْلَقَةً فِي الزَّمَانِ كُلِّهِ فَقَدْ قِيلَ: تُقَوَّمُ الرَّقَبَةُ بِمَنْفَعَتِهَا جَمِيعًا وَيُعْتَبَرُ خُرُوجُهَا مِنَ الثُّلُثِ لأِنَّ شَجَرًا لاَ ثَمَرَ لَهُ لاَ قِيمَةَ لَهُ غَالِبًا.
وَقِيلَ: تُقَوَّمُ الرَّقَبَةُ عَلَى الْوَرَثَةِ، وَالْمَنْفَعَةُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ، وَصِفَةُ ذَلِكَ أَنْ يَقُومَ الْحَيَوَانُ مَثَلاً بِمَنْفَعَتِهِ فَإِذَا قِيلَ: قِيمَتُهُ مِائَةٌ، قِيلَ: كَمْ قِيمَتُهُ لاَ مَنْفَعَةَ فِيهِ؟ فَإِذَا قِيلَ: عَشَرَةٌ عَلِمْنَا أَنَّ قِيمَةَ الْمَنْفَعَةِ تِسْعُونَ .
قَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ أَوْصَى بِمَنْفَعَةِ مُعَيَّنٍ وَالْمُوصَى لَهُ مُعَيَّنٌ كَأَنْ يُوصِيَ لَهُ بِمَنْفَعَةِ دَارِهِ سِنِينَ أَوْ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ سِنِينَ وَالْحَالُ أَنَّ ثُلُثَ التَّرِكَةِ لاَ يَحْمِلُ ذَلِكَ كُلَّهُ أَيْ لاَ يَحْمِلُ قِيمَةَ رَقَبَةِ الدَّارِ مَثَلاً وَلاَ قِيمَةَ رَقَبَةِ الْعَبْدِ فَإِنَّ الْوَرَثَةَ حِينَئِذٍ يُخَيَّرُونَ بَيْنَ أَنْ يُجِيزُوا وَصِيَّةَ الْمَيِّتِ أَوْ يَدْفَعُوا لِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثَ جَمِيعِ التَّرِكَةِ مِنَ الْمَالِ الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ عَيْنًا كَانَ أَوْ عَرَضًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ.
أَمَّا إِنْ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ بِالْمَنَافِعِ لِغَيْرِ الْمُعَيَّنِ كَالْمَسَاكِينِ، فَإِنَّ الْوَارِثَ يُخَيَّرُ بَيْنَ الإْجَازَةِ وَبَيْنَ الْقَطْعِ لَهُمْ بِالثُّلُثِ قَطْعًا لَكِنْ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ بِعَيْنِهِ لاَ فِي كُلِّ مَتْرُوكِهِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُعَيَّنِ وَغَيْرِ الْمُعَيَّنِ أَنَّ غَيْرَ الْمُعَيَّنِ لاَ يُرْجَى رُجُوعُهُ بِخِلاَفِ الْمُوصَى لَهُ الْمُعَيَّنِ فَإِنَّهُ إِذَا هَلَكَ فَيُرْجَى رُجُوعُ الْمُوصَى بِهِ لِلْوَارِثِ (ر: ف 47).
طَرِيقُ الاِنْتِفَاعِ بِالْمَنْفَعَةِ:
59 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا بِنَفْسِهِ. وَاخْتَلَفُوا فِي إِكْسَابِهَا لِغَيْرِهِ بِالإْجَارَةِ أَوِ الإْعَارَةِ.
فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ إِجَارَتَهَا وَإِعَارَتَهَا، لأِنَّهُ إِذَا مَلَكَ النَّفْعَ جَازَ لَهُ اسْتِيفَاؤُهُ بِنَفْسِهِ، وَبِمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ، بِعِوَضٍ وَبِغَيْرِ عِوَضٍ.
وَهَذَا مَا يُؤْخَذُ مِنْ عِبَارَاتِ الْمَالِكِيَّةِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ لاَ يَمْلِكُ إِجَارَتَهَا، وَقَالَ ابْنُ نُجَيْمٍ: وَيَنْبَغِي أَنَّ لَهُ الإْعَارَةَ .
كَيْفِيَّةُ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ الْمُشْتَرَكَةِ:
60 - إِذَا كَانَتِ الْمَنْفَعَةُ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ الْمُوصَى لَهُ وَبَيْنَ وَرَثَةِ الْمُوصِي، كَالْوَصِيَّةِ بِنِصْفِ مَنْفَعَةِ دَارِهِ، أَوْ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ عَدَدٍ مِنَ الْمُوصَى لَهُمْ، كَالْوَصِيَّةِ بِمَنْفَعَةِ دَارٍ لِثَلاَثَةِ أَشْخَاصٍ، فَتُسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةُ عَنْ طَرِيقِ الْقِسْمَةِ بِإِحْدَى وَسَائِلَ ثَلاَثٍ:
الأْولَى: أَنْ تُقَسَّمَ غَلَّةُ الْمَنْفَعَةِ بَيْنَ الْمُشْتَرِكِينَ: فَتُؤَجَّرَ الدَّارُ أَوْ تُزْرَعَ الأْرْضُ مَثَلاً، وَتُقَسَّمُ الْغَلَّةُ بِنِسْبَةِ حِصَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ.
الثَّانِيَةُ: أَنْ تُقَسَّمَ الْعَيْنُ نَفْسُهَا بَيْنَهُمْ، فَيَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَهْمَهُ فِي الْمَنْفَعَةِ، بِشَرْطِ كَوْنِ تِلْكَ الْعَيْنِ قَابِلَةً لِلْقِسْمَةِ، وَأَنْ لاَ يَتَرَتَّبَ عَلَى قِسْمَتِهَا ضَرَرٌ لِلْوَرَثَةِ، وَلَوْ مَعَ بَقَاءِ الْمَنْفَعَةِ الأْصْلِيَّةِ.
الثَّالِثَةُ: أَنْ تُقَسَّمَ الْعَيْنُ الْمُوصَى بِهَا قِسْمَةً مُهَايَأَةً زَمَانِيَّةً أَوْ مَكَانِيَّةً. فَالزَّمَانِيَّةُ: أَنْ تُعْطَى لأِحَدِ الشُّرَكَاءِ كُلُّ الْعَيْنِ مُدَّةً مِنَ الزَّمَانِ، يَنْتَفِعُ بِهَا، ثُمَّ يَأْخُذُهَا الشَّرِيكُ الآْخَرُ بِقَدْرِ تِلْكَ الْمُدَّةِ، فَيَنْتَفِعُ بِهَا.
وَالْمَكَانِيَّةُ: أَنْ يَأْخُذَ كُلُّ شَرِيكٍ جُزْءًا مِنَ الْعَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ يَنْتَفِعُ بِهَا، ثُمَّ يَتَبَادَلُ الشَّرِيكَانِ كُلَّ جُزْءٍ مَرَّةً أُخْرَى، فَيَحِلُّ كُلُّ وَاحِدٍ مَحَلَّ الآْخَرِ فِيمَا كَانَ يَنْتَفِعُ بِهِ.
وَإِذَا كَانَتِ الْوَصِيَّةُ بِحَقٍّ لاَ يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ وَلاَ الْمُهَايَأَةُ فِيهِ، أَوْ حَدَثَ اخْتِلاَفٌ اجْتَهَدَ الْقَاضِي فِي كَيْفِيَّةِ تَوْزِيعِ الْمَنْفَعَةِ بِحَسَبِ قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ .
(ر: قِسْمَة ف 60 وَمَا بَعْدَهَا) .
مَنْعُ الْمُوصَى لَهُ مِنْ الاِنْتِفَاعِ:
63 - هُنَاكَ حَالاَتٌ قَدْ يَحْدُثُ فِيهَا مَنْعُ الْمُوصَى لَهُ مِنَ الاِنْتِفَاعِ بِالْعَيْنِ الْمُوصَى لَهُ بِمَنْفَعَتِهَا:
قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنْ كَانَ الْمَنْعُ مِنْ أَحَدِ الْوَرَثَةِ، ضَمِنَ لِلْمُوصَى لَهُ بَدَلَ الْمَنْفَعَةِ؛ لأِنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، فَيَضْمَنُ نَتِيجَةَ تَعَدِّيهِ.
وَإِنْ كَانَ الْمَنْعُ مِنْ جَمِيعِ الْوَرَثَةِ، ضَمِنُوا لَهُ بَدَلَ الْمَنْفَعَةِ أَيْضًا، لِوُجُودِ التَّعَدِّي مِنْهُمْ جَمِيعًا. وَلَيْسَ لِلْمُوصَى لَهُ فِي الْحَالَتَيْنِ أَنْ يُطَالِبَ بِمُدَّةٍ أُخْرَى لِلاِنْتِفَاعِ بَعْدَ فَوَاتِ الْمُدَّةِ الْمُحَدَّدَةِ .
وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ مَنْ فَوَّتَ الْمَنْفَعَةَ يَضْمَنُهَا وَإِنْ لَمْ يَسْتَعْمِلْ وَلَمْ يَسْتَغِلَّ .
وَالأْصْلُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: أَنَّ كُلَّ حَقٍّ تَعَلَّقَ بِالْعَيْنِ تَعَلَّقَ بِبَدَلِهَا إِذَا لَمْ يَبْطُلْ سَبَبُ اسْتِحْقَاقِهَا، فَإِنْ قُتِلَ الْحَيَوَانُ الْمُوصَى بِنَفْعِهِ فَوَجَبَتْ قِيمَتُهُ يَشْتَرِي بِهَا مَا يَقُومُ مَقَامَ الْمُوصَى بِهِ.
وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: يُحْتَمَلُ أَنْ تَجِبَ الْقِيمَةُ لِلْوَارِثِ أَوْ مَالِكِ الرَّقَبَةِ وَتَبْطُلَ الْوَصِيَّةُ، لأِنَّ الْقِيمَةَ بَدَلُ الرَّقَبَةِ فَتَكُونُ لِصَاحِبِهَا وَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ بِالْمَنْفَعَةِ كَمَا تَبْطُلُ الإْجَارَةُ.
وَأَضَافَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: أَنَّ الأْمَةَ الْمُوصَى بِنَفْعِهَا إِمَّا أَنْ يَقْتُلَهَا أَجْنَبِيٌّ فَقِيمَتُهَا غَيْرُ مَسْلُوبَةِ الْمَنَافِعِ لِلْوَرَثَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَقْتُلَهَا الْوَارِثُ فَقِيمَةُ مَنْفَعَتِهَا لِلْمُوصَى لَهُ بِنَفْعِهَا، وَإِمَّا أَنْ يَقْتُلَهَا الْمُوصَى لَهُ بِنَفْعِهَا، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الأْجْنَبِيِّ فِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا غَيْرَ مَسْلُوبَةِ الْمَنْفَعَةِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ أَوْصَى لِشَخْصٍ بِمَنْفَعَةِ دَارٍ سَنَةً مَثَلاً ثُمَّ أَجَّرَهُ سَنَةً وَمَاتَ عَقِبَ الإْجَارَةِ بَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ، لأِنَّ الْمُسْتَحَقَّ بِهَا لِلْمُوصَى لَهُ السَّنَةُ الأْولَى الَّتِي تَلِي الْمَوْتَ وَقَدْ صَرَفَ الْمُوصِي مَنْفَعَةَ تِلْكَ السَّنَةِ إِلَى جِهَةٍ أُخْرَى فَبَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ، فَإِنْ مَاتَ الْمُوصِي بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ فِي النِّصْفِ الأْوَّلِ وَاسْتَحَقَّ الْمُوصَى لَهُ الْمَنْفَعَةَ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي.
وَلَوْ حَبَسَ الْوَارِثُ أَوْ غَيْرُهُ الْمَنْفَعَةَ السَّنَةَ بِلاَ عُذْرٍ غَرِمَ لِلْمُوصَى لَهُ أُجْرَةَ مِثْلِ الدَّارِ تِلْكَ الْمُدَّةَ، وَيَشْمَلُ ذَلِكَ مَا لَوْ غُصِبَ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ فَإِنَّ لِلْمُوصَى لَهُ أُجْرَةَ الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَتْ فِي يَدِ الْغَاصِبِ لأِنَّ هَا بَدَلٌ عَنِ الْمَنْفَعَةِ .
نَفَقَةُ الْعَيْنِ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهَا:
64 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي مُقَابِلِ الأْصَحِّ إِلَى أَنَّ مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْعَيْنُ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهَا مِنْ نَفَقَاتٍ، تَكُونُ عَلَى صَاحِبِ الْمَنْفَعَةِ لأِنَّهُ صَاحِبُ الْفَائِدَةِ مِنْهَا، وَالْغُرْمُ بِالْغُنْمِ أَوِ الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ، فَلَهُ نَفْعُهُ، فَكَانَ عَلَيْهِ ضُرُّهُ وَغُرْمُهُ.
وَإِذَا أَهْمَلَ صَاحِبُ الْمَنْفَعَةِ الْقِيَامَ بِمَا يَلْزَمُ لِبَقَاءِ الْعَيْنِ صَالِحَةً لِلاِنْتِفَاعِ بِهَا، فَأَدَّاهَا صَاحِبُ الرَّقَبَةِ، كَانَ مَا دَفَعَهُ حَقًّا لَهُ فِي غَلَّةِ الْعَيْنِ، يَسْتَوْفِيهِ مِنْهَا قَبْلَ الْمُوصَى لَهُ.
أَمَّا إِذَا كَانَتِ الْعَيْنُ غَيْرَ صَالِحَةٍ لِلاِنْتِفَاعِ بِهَا كَأَرْضٍ بُورٍ، فَإِنَّ نَفَقَةَ إِصْلاَحِهَا وَنَوَائِبِهَا عَلَى صَاحِبِ الرَّقَبَةِ .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ نَفَقَةَ الْعَيْنِ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهَا لِمُدَّةٍ مُحَدَّدَةٍ تَكُونُ عَلَى مَالِكِ الرَّقَبَةِ كَالْمَأْجُورِ تَكُونُ نَفَقَاتُهُ عَلَى الْمَالِكِ، وَكَذَا الْعَيْنُ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهَا مُؤَبَّدًا تَكُونُ عَلَى مَالِكِ الرَّقَبَةِ فِي الأْصَحِّ .
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ فِي وَجْهٍ: نَفَقَةُ الْعَيْنِ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهَا عَلَى مَالِكِ الرَّقَبَةِ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ مَذْهَبًا لأِحْمَدَ، وَبِهِ قَطَعَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي رُؤُوسِ الْمَسَائِلِ .
الْوَصِيَّةُ بِالْحُقُوقِ:
65 - تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِحُقُوقِ الاِرْتِفَاقِ الَّتِي تَنْتَقِلُ بِالإْرْثِ، كَحَقِّ الشُّرْبِ وَالْمَسِيلِ وَالْمَجْرَى، وَالتَّعَلِّي، وَحَقِّ الْخُلُوِّ وَنَحْوِهَا .
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (ارْتِفَاق ف 7 وَمَا بَعْدَهَا).
ز- الْوَصِيَّةُ بِمَا يَتَضَمَّنُ قِسْمَةَ التَّرِكَةِ:
66 - إِذَا أَوْصَى شَخْصٌ بِوَصِيَّةٍ تَتَضَمَّنُ قِسْمَةَ التَّرِكَةِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ، فَلِلْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ:
فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِكُلِّ وَارِثٍ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ شَائِعًا مِنْ نِصْفٍ أَوْ غَيْرِهِ كَأَنْ أَوْصَى لِكُلٍّ مِنْ بَنِيهِ الثَّلاَثَةِ بِثُلُثِ مَالِهِ فَتَكُونُ الْوَصِيَّةُ لَغْوًا، لأِنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ بِغَيْرِ الْوَصِيَّةِ.
وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ لِكُلِّ وَارِثٍ بِعَيْنٍ هِيَ قَدْرُ حِصَّتِهِ كَأَنْ أَوْصَى لأِحَدِ ابْنَيْهِ بِدَارٍ قِيمَتُهَا أَلْفٌ وَلِلآْخَرِ بِبُسْتَانٍ قِيمَتُهُ أَلْفٌ وَهُمَا كُلُّ مَا يَمْلِكُهُ فَصَحِيحَةٌ وَلَكِنْ تَفْتَقِرُ إِلَى الإْجَازَةِ فِي الأْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لاِخْتِلاَفِ الأْغْرَاضِ بِالأْعْيَانِ وَمَنَافِعِهَا، وَهَذَا هُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الْحَنَابِلَةِ.
وَمُقَابِلُ الأْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لاَ يَفْتَقِرُ إِلَى إِجَازَةِ الْوَرَثَةِ، لأِنَّ حُقُوقَهُمْ فِي قِيمَةِ التَّرِكَةِ لاَ فِي عَيْنِهَا .
ثُبُوتُ مِلْكِيَّةِ الْمُوصَى بِهِ وَوَقْتُ الثُّبُوتِ:
67 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ عَلَى أَقْوَالٍ بَيَانُهَا فِيمَا يَلِي:
ذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي قَوْلٍ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ كَذَلِكَ إِلَى أَنَّ الْمُوصَى لَهُ الْمُعَيَّنَ لاَ يَمْلِكُ الْمُوصَى بِهِ إِلاَّ بِالْقَبُولِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، فَإِذَا قَبِلَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي ثَبَتَ الْمِلْكُ لَهُ مِنْ حِينِ الْقَبُولِ.
وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ النَّمَاءَ الْمُنْفَصِلَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصَى وَقَبْلَ الْقَبُولِ كَالثَّمَرَةِ وَالنِّتَاجِ وَالْكَسْبِ يَكُونُ لِلْوَرَثَةِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي الرَّاجِحِ وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَوَجْهٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ الْمُوصَى لَهُ إِذَا قَبِلَ الْوَصِيَّةَ يَمْلِكُ الْمُوصَى بِهِ مِنْ وَقْتِ مَوْتِ الْمُوصِي.
وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ النَّمَاءَ الْمُنْفَصِلَ الْحَاصِلَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي يَكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأْظْهَرِ إِلَى أَنَّ ثُبُوتَ الْمِلْكِ فِي الْمُوصَى بِهِ يَكُونُ مَوْقُوفًا عَلَى قَبُولِ الْمُوصَى لَهُ الْوَصِيَّةَ أَوْ رَدِّهَا.
فَإِنْ قَبِلَ الْمُوصَى لَهُ بَانَ أَنَّهُ مَلَكَ الْوَصِيَّةَ بِالْمَوْتِ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَانَ أَنَّهَا لِلْوَارِثِ.
وَلَوْ رَدَّ الْمُوصَى لَهُ الْوَصِيَّةَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي فَعَلَى الْقَوْلِ الأْظْهَرِ لَهُ الثَّمَرَةُ وَعَلَيْهِ النَّفَقَةُ، وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ الآْخَرَيْنِ لاَ ثَمَرَةَ لَهُ وَلاَ نَفَقَةَ عَلَيْهِ .
مَا يُعْتَبَرُ مِنَ الثُّلُثِ:
68 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ التَّبَرُّعَاتِ الَّتِي أَوْصَى بِهَا الشَّخْصُ قَبْلَ مَوْتِهِ، وَمِنْهَا الْوَصَايَا، تَنْفُذُ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ الْبَاقِي بَعْدَ أَدَاءِ نَفَقَاتِ التَّكْفِينِ وَالتَّجْهِيزِ، وَوَفَاءِ دُيُونِ الْعِبَادِ كَالدِّيَةِ وَالْقَرْضِ، لاَ مِنْ ثُلُثِ أَصْلِ الْمَالِ.
أَمَّا دُيُونُ اللَّهِ تَعَالَى كَنَفَقَةِ حَجَّةِ الْفَرِيضَةِ وَزَكَاةٍ وَنَذْرٍ وَكَفَّارَةٍ، فَتُخْرَجُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ فَقَطْ، وَتُؤَدَّى عِنْدَ الْجُمْهُورِ مِنْ رَأْسِ مَالِ التَّرِكَةِ، لاَ مِنَ الثُّلُثِ فَقَطْ .
وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (إِرْث ف 7 وَمَا بَعْدَهَا)
مُبْطِلاَتُ الْوَصِيَّةِ:
تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ بِمَا يَأْتِي:
أ - زَوَالُ أَهْلِيَّةِ الْمُوصِي بِالْجُنُونِ الْمُطْبِقِ وَنَحْوِهِ:
69 - تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ بِالْجُنُونِ الْمُطْبِقِ وَنَحْوِهِ كَالْعَتَهِ الطَّارِئِ عَلَى الْمُوصِي، سَوَاءٌ اتَّصَلَ بِالْمَوْتِ أَوْ لَمْ يَتَّصِلْ بِأَنْ أَفَاقَ قَبْلَ الْمَوْتِ، لأِنَّ الْوَصِيَّةَ عَقْدٌ غَيْرُ لاَزِمٍ كَالْوَكَالَةِ، فَيَكُونُ لِبَقَائِهِ حُكْمُ الإْنْشَاءِ كَالْوَكَالَةِ فَتُعْتَبَرُ أَهْلِيَّةُ الْعَقْدِ إِلَى وَقْتِ الْمَوْتِ، كَمَا تُعْتَبَرُ أَهْلِيَّةُ الآْمِرِ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ، وَلَمَّا كَانَ الْمَجْنُونُ غَيْرَ أَهْلٍ لإِنْشَاءِ الْوَصِيَّةِ فِي الاِبْتِدَاءِ؛ لأِنَّ قَوْلَهُ غَيْرُ مُلْزِمٍ، كَانَ طُرُوءُ الْجُنُونِ الْمُطْبِقِ مُبْطِلاً لَهُ.
وَالْجُنُونُ الْمُطْبِقُ: مَا دَامَ شَهْرًا فَأَكْثَرَ، وَهُوَ رَأْيُ أَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ: هُوَ مَا امْتَدَّ سَنَةً.
فَإِنْ لَمْ يُطْبِقِ الْجُنُونُ لاَ تَبْطُلِ الْوَصِيَّةُ؛ لأِنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يُشْبِهُ الإْغْمَاءَ ، وَلَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ لاَ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ، لأِنَّ الإْغْمَاءَ لاَ يُزِيلُ الْعَقْلَ.
وَيُؤْخَذُ مِنْ عِبَارَاتِ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَنَّ طُرُوءَ الْجُنُونِ الطَّارِئِ غَيْرِ الْمُمْتَدِّ عَلَى الْمُوصِي لاَ يُبْطِلُ الْوَصِيَّةَ.
قَالَ ابْنُ جُزَيٍّ: لاَ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ مِنَ الْمَجْنُونِ إِلاَّ حَالَ إِفَاقَتِهِ.
وَقَالَ الْبُهُوتِيُّ: تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ فِي إِفَاقَةِ مَنْ يُخْنَقُ فِي بَعْضِ الأْحْيَانِ، لأِنَّهُ فِي إِفَاقَتِهِ عَاقِلٌ .
وَقَالَ ابْنُ النَّجَّارِ بَعْدَ أَنْ أَوْضَحَ أَنَّ الْمُبَرْسَمَ لاَ تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ، لَكِنْ إِنْ كَانَ يُفِيقُ أَحْيَانًا فَأَوْصَى حَالَ إِفَاقَتِهِ فَإِنَّهَا تَصِحُّ لأِنَّهُ حِينَئِذٍ فِي حُكْمِ الْعُقَلاَءِ فِي شَهَادَتِهِ وَوُجُوبِ الْعِبَادَةِ عَلَيْهِ .
وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ طُرُوءَ الْجُنُونِ عَلَى الْمُوصِي لاَ يُبْطِلُ الْوَصِيَّةَ، لأِنَّ هَا إِذَا لَمْ تَبْطُلْ بِالْمَوْتِ فَأَوْلَى أَنْ لاَ تَبْطُلَ بِمَا دُونَهُ .
ب - رِدَّةُ الْمُوصِي:
70 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَبْطُلُ بِرِدَّةِ الْمُوصِي.
وَأَضَافَ الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ الْمُوصِيَ إِذَا رَجَعَ لِلإْسْلاَمِ بَعْدَ رِدَّتِهِ إِنْ كَانَتْ وَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةً جَازَتْ وَإِلاَّ فَلاَ .
ج - رِدَّةُ الْمُوصَى لَهُ:
71 - يَرَى الشَّافِعِيَّةُ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لاَ تَبْطُلُ بِرِدَّةِ الْمُوصَى لَهُ. وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَذْهَبِ إِلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَبْطُلُ بِرِدَّةِ الْمُوصَى لَهُ .
د - الرُّجُوعُ عَنِ الْوَصِيَّةِ:
72 - تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ بِالرُّجُوعِ عَنْهَا، لأِنَّ هَا عَقْدٌ غَيْرُ لاَزِمٍ، فَيَجُوزُ لِلْمُوصِي الرُّجُوعُ فِيهَا مَتَى شَاءَ؛ لأِنَّ الَّذِي وُجِدَ مِنْهُ الإْيجَابُ فَقَطْ، وَلأِنَّ هَا عَقْدٌ لاَ يَثْبُتُ حُكْمُهُ إِلاَّ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، فَلاَ يَتَرَتَّبُ عَلَى الإْيجَابِ أَيُّ حَقٍّ لِلْمُوصَى لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ، فَيَكُونُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الإْمْضَاءِ وَالرُّجُوعِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: «يُغَيِّرُ الرَّجُلُ مَا شَاءَ مِنْ وَصِيَّتِهِ». وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَالزُّهْرِيُّ وَقَتَادَةُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَابْنُ سِيرِينَ وَابْنُ شُبْرُمَةَ وَالنَّخَعِيُّ: يُغَيِّرُ مِنْهَا مَا شَاءَ إِلاَّ الْعِتْقَ لأِنَّهُ إِعْتَاقٌ بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَمْ يَمْلِكْ تَغْيِيرَهُ كَالتَّدْبِيرِ .
وَالرُّجُوعُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ صَرِيحًا أَوْ دَلاَلَةً.
فَالرُّجُوعُ الصَّرِيحُ: مَا كَانَ بِلَفْظٍ هُوَ نَصٌّ فِي الرُّجُوعِ، مِثْلُ قَوْلِ الْمُوصِي: رَجَعْتُ عَنْ وَصِيَّتِي لِفُلاَنٍ، أَوْ تَرَكْتُهَا، أَوْ أَبْطَلْتُهَا، أَوْ نَقَضْتُهَا، أَوْ مَا أَوْصَيْتُ بِهِ لِفُلاَنٍ هُوَ لِوَرَثَتِي وَنَحْوُهُ. وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛ لأِنَّهُ صَرِيحٌ فِي عُدُولِ الْمُوصِي عَنْ وَصِيَّتِهِ، وَهُوَ يَمْلِكُ الْعُدُولَ مَتَى شَاءَ .
وَالرُّجُوعُ دَلاَلَةً: كُلُّ تَصَرُّفٍ أَوْ فِعْلٍ فِي الْمُوصَى بِهِ يُفِيدُ رُجُوعَهُ عَنِ الْوَصِيَّةِ، وَهُوَ يَشْمَلُ مَا يَأْتِي:
أَوَّلاً: كُلُّ تَصَرُّفٍ قَوْلِيٍّ يُخْرِجُ الْعَيْنَ عَنْ مِلْكِ الْمُوصِي يُعَدُّ رُجُوعًا، كَأَنْ يَبِيعَ الشَّيْءَ الْمُوصَى بِهِ أَوْ يَهَبَهُ أَوْ يَتَصَدَّقَ بِهِ، أَوْ يَجْعَلَهُ مَهْرًا أَوْ وَقْفًا، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ثَانِيًا: كُلُّ فِعْلٍ فِي الْعَيْنِ الْمُوصَى بِهَا يَدُلُّ عَلَى الرُّجُوعِ عَنِ الْوَصِيَّةِ، كَذَبْحِ الشَّاةِ الْمُوصَى بِهَا، وَغَزْلِ الْقُطْنِ الْمُوصَى بِهِ، وَنَسْجِ الْغَزْلِ .
أَمَّا لَوْ تَصَرَّفَ الْمُوصِي فِي الْمُوصَى بِهِ تَصَرُّفًا يُزِيلُ اسْمَهُ فَيُعَدُّ رُجُوعًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.
كَمَا لَوْ قَالَ: أَوْصَيْتُ لِزَيْدٍ بِهَذِهِ الْغِرَارَةِ الْحِنْطَةِ فَطَحَنَهَا فَصَارَ اسْمُهَا دَقِيقًا، أَوْ وَصَّى لإِنْسَانٍ بِشَيْءٍ مِنْ غَزْلٍ فَنَسَجَ الْغَزَلَ فَصَارَ يُسَمَّى ثَوْبًا، أَوْ بَنَى الْحَجَرَ أَوِ الآْجُرَّ الْمُوصَى بِهِ فَصَارَ حَائِطًا أَوْ دَارًا، أَوْ غَرَسَ نَوًى مُوصًى بِهِ فَصَارَ شَجَرًا، أَوْ نَجَرَ الْخَشَبَةَ الْمُوصَى بِهَا فَصَارَتْ بَابًا، أَوْ أَعَادَ دَارًا انْهَدَمَتْ، أَوْ جَعَلَهَا حَمَّامًا، أَوْ كَانَ سَفِينَةً فَتَكَسَّرَتْ وَصَارَ اسْمُهَا خَشَبًا فَرُجُوعٌ فِي الْجَمِيعِ .
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ فِي مَعْرِضِ الْكَلاَمِ عَنِ الرُّجُوعِ دَلاَلَةً: كُلُّ فِعْلٍ لَوْ فَعَلَهُ الإْنْسَانُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الْمَالِكِ، فَإِذَا فَعَلَهُ الْمُوصِي كَانَ رُجُوعًا، وَكَذَا كُلُّ فِعْلٍ يُوجِبُ زِيَادَةً فِي الْمُوصَى بِهِ لاَ يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ إِلاَّ بِهَا فَهُوَ رُجُوعٌ إِذَا فَعَلَهُ، وَكَذَا كُلُّ تَصَرُّفٍ أَوْجَبَ زَوَالَ مِلْكِ الْمُوصِي فَهُوَ رُجُوعٌ .
هـ - رَدُّ الْوَصِيَّةِ:
73 - تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ إِذَا رَدَّهَا الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ وَفَاةِ الْمُوصِي، كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ الْكَلاَمِ عَنْ صِيغَةِ الْوَصِيَّةِ (ر: ف9 - 11).
و - مَوْتُ الْمُوصَى لَهُ الْمُعَيَّنِ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي:
74 - تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ بِمَوْتِ الْمُوصَى لَهُ الْمُعَيَّنِ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ سَوَاءٌ عَلِمَ الْمُوصِي بِمَوْتِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، لأِنَّ الْوَصِيَّةَ لاَ تَلْزَمُ إِلاَّ بِوَفَاةِ الْمُوصِي وَقَبُولِ الْمُوصَى لَهُ.
وَكَذَلِكَ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ إِذَا مَاتَ الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي قَبْلَ الْقَبُولِ. وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: لاَ تَبْطُلُ؛ لأِنَّ الْقَبُولَ مَعْنَاهُ عِنْدَهُمْ عَدَمُ الرَّدِّ.
(ر: ف9)
ز - قَتْلُ الْمُوصَى لَهُ الْمُوصِيَ:
75 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي بُطْلاَنِ الْوَصِيَّةِ بِقَتْلِ الْمُوصَى لَهُ الْمُوصِيَ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى بُطْلاَنِهَا، وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى عَدَمِ الْبُطْلاَنِ وَذَلِكَ عَلَى تَفْصِيلٍ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي شُرُوطِ الْمُوصَى لَهُ.
(ر: ف 37)
ح - هَلاَكُ الْمُوصَى بِهِ الْمُعَيَّنِ أَوِ اسْتِحْقَاقُهُ:
76 - تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ إِذَا كَانَ الْمُوصَى بِهِ مُعَيَّنًا بِالذَّاتِ، وَهَلَكَ قَبْلَ قَبُولِ الْمُوصَى لَهُ؛ لِفَوَاتِ مَحَلِّ حُكْمِ الْوَصِيَّةِ، وَيَسْتَحِيلُ ثُبُوتُ حُكْمِ التَّصَرُّفِ أَوْ بَقَاؤُهُ بِدُونِ وُجُودِ مَحَلِّهِ أَوْ بَقَائِهِ، كَمَا لَوْ أَوْصَى بِهَذِهِ الشَّاةِ، فَهَلَكَتْ، تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ؛ لأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَعَلَّقَتْ بِعَيْنٍ قَائِمَةٍ وَقْتَ الإْيصَاءِ ، وَقَدْ فَاتَتْ بَعْدَئِذٍ، فَفَاتَ مَحَلُّ الْوَصِيَّةِ.
وَكَذَلِكَ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ إِذَا كَانَ بِجُزْءٍ شَائِعٍ فِي شَيْءٍ بِذَاتِهِ أَوْ مِنْ نَوْعٍ مُعَيَّنٍ مِنْ أَمْوَالِهِ، كَأَنْ يُوصِيَ بِنِصْفِ هَذِهِ الدَّارِ، أَوْ يُوصِيَ بِفَرَسٍ مِنْ أَفْرَاسِهِ الْعَشَرَةِ الْمَعْلُومَةِ، فَهَلَكَتْ، أَوْ بِنِصْفِ دُورِهِ فَهُدِمَتْ، فَلاَ شَيْءَ لِلْمُوصَى لَهُ، لِفَوَاتِ مَحَلِّ الْوَصِيَّةِ.
وَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ أَيْضًا بِاسْتِحْقَاقِ الْعَيْنِ الْمُوصَى بِهَا، سَوَاءٌ أَكَانَ الاِسْتِحْقَاقُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي أَمْ بَعْدَهُ؛ لأِنَّ بِالاِسْتِحْقَاقِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ كَانَتْ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ، فَتَبْطُلُ .
(ر: اسْتِحْقَاق ف 32)
ط - الْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ:
77 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي بُطْلاَنِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ عَلَى تَفْصِيلٍ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَحْكَامٍ تَتَعَلَّقُ بِالْمُوصَى لَهُ.
(ر: ف 35 – 36)
الْمُحَاصَّةُ فِي الْوَصِيَّةِ:
78 - الأْصْلُ فِي الْوَصِيَّةِ أَنَّهَا لاَ تَجُوزُ بِأَزْيَدَ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ إِنْ كَانَ هُنَاكَ وَارِثٌ، فَإِنْ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ بِأَزْيَدَ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ فَإِنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الثُّلُثِ تَتَوَقَّفُ عَلَى إِجَازَةِ الْوَرَثَةِ، فَإِنْ أَجَازُوا جَازَتِ الْوَصِيَّةُ، وَإِنْ لَمْ يُجِيزُوا بَطَلَتْ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ .
وَعَلَى ذَلِكَ فَمَنْ أَوْصَى بِوَصَايَا تَزِيدُ عَلَى ثُلُثِ مَالِهِ وَلَمْ يُجِزِ الْوَرَثَةُ تِلْكَ الزِّيَادَةَ وَكَانَ الثُّلُثُ يَضِيقُ بِالْوَصَايَا فَإِنَّ الْمُوصَى لَهُمْ يَتَحَاصُّونَ فِي مِقْدَارِ ثُلُثِ التَّرِكَةِ بِنِسْبَةِ مَا لِكُلٍّ مِنْهُمْ فَيَدْخُلُ النَّقْصُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ بِقَدْرِ وَصِيَّتِهِ، فَمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلآِخَرَ بِالسُّدُسِ وَلَمْ تُجِزِ الْوَرَثَةُ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا أَثْلاَثًا فَيَقْتَسِمَانِهِ عَلَى قَدْرِ حَقَّيْهِمَا كَمَا فِي أَصْحَابِ الدُّيُونِ الَّذِينَ يَتَحَاصُّونَ مَالَ الْمُفْلِسِ، وَهَذَا أَصْلٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ .
إِلاَّ أَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمْ تَفْصِيلاً بَيَانُهُ كَمَا يَلِي:
79 - قَالَ الْحَنَفِيَّةُ إِذَا اجْتَمَعَ الْوَصَايَا فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ كُلُّهَا لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلْعِبَادِ أَوْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا وَأَنَّ اعْتِبَارَ التَّقْدِيمِ مُخْتَصٌّ بِحُقُوقِهِ تَعَالَى لِكَوْنِ صَاحِبِ الْحَقِّ وَاحِدًا، وَأَمَّا إِذَا تَعَدَّدَ فَلاَ يُعْتَبَرُ.
فَمَا لِلْعِبَادِ خَاصَّةً لاَ يُعْتَبَرُ فِيهَا التَّقْدِيمُ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ لإِنْسَانٍ ثُمَّ بِهِ لآِخَرَ إِلاَّ أَنْ يَنُصَّ عَلَى التَّقْدِيمِ، أَوْ يَكُونَ الْبَعْضُ عِتْقًا أَوْ مُحَابَاةً.
وَمَا لِلَّهِ تَعَالَى فَإِنْ كَانَ كُلُّهُ فَرَائِضَ كَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ أَوْ وَاجِبَاتٍ كَالْكَفَّارَاتِ وَالنُّذُورِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ أَوْ تَطَوُّعَاتٍ كَالْحَجِّ التَّطَوُّعِ وَالصَّدَقَةِ لِلْفُقَرَاءِ يَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ بِهِ الْمَيِّتُ.
وَإِنِ اخْتَلَطَتْ يَبْدَأْ بِالْفَرَائِضِ قَدَّمَهَا الْمُوصِي أَوْ أَخَّرَهَا، ثُمَّ بِالْوَاجِبَاتِ وَمَا جُمِعَ فِيهِ بَيْنَ حَقِّهِ تَعَالَى وَحَقِّ الْعِبَادِ، فَإِنَّهُ يَقْسِمُ الثُّلُثَ عَلَى جَمِيعِهَا وَيَجْعَلُ كُلَّ جِهَةٍ مِنْ جِهَاتِ الْقُرَبِ مُفْرَدَةً بِالضَّرْبِ وَلاَ يَجْعَلُ كُلَّهَا جِهَةً وَاحِدَةً، لأِنَّهُ وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ بِجَمِيعِهَا وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى فَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا فِي نَفْسِهَا مَقْصُودَةٌ فَتَنْفَرِدُ كَوَصَايَا الآْدَمِيِّينَ ثُمَّ تُجْمَعُ فَيُقَدَّمُ فِيهَا الأْهَمُّ فَالأْهَمُّ . فَلَوْ قَالَ: ثُلُثُ مَالِي فِي الْحَجِّ وَالزَّكَاةِ وَلِزَيْدٍ وَالْكَفَّارَاتِ قُسِّمَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ وَلاَ يُقَدَّمُ الْفَرْضُ عَلَى حَقِّ الآْدَمِيِّ لِحَاجَتِهِ، وَإِنْ كَانَ الآْدَمِيُّ غَيْرَ مُعَيَّنٍ بِأَنْ أَوْصَى بِالصَّدَقَةِ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَلاَ يُقَسَّمُ بَلْ يُقَدَّمُ الأْقْوَى فَالأْقْوَى لأِنَّ الْكُلَّ يَبْقَى حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى إِذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مُسْتَحِقٌّ مُعَيَّنٌ.
هَذَا إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْوَصِيَّةِ عِتْقٌ مُنْفَذٌ فِي الْمَرَضِ، أَوْ مُعَلَّقٌ بِالْمَوْتِ كَالتَّدْبِيرِ وَلاَ مُحَابَاةٌ مُنْجَزَةٌ فِي الْمَرَضِ، فَإِنْ كَانَ بُدِئَ بِهِمَا ثُمَّ يُصْرَفُ الْبَاقِي إِلَى سَائِرِ الْوَصَايَا، وَإِنْ تَسَاوَتْ قُوَّةً قُدِّمَ مَا قَدَّمَ إِذَا ضَاقَ الثُّلُثُ عَنْهَا .
وَقَالُوا: إِنْ كَانَتِ الْوَصَايَا أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ التَّرِكَةِ وَلَمْ يُجِزِ الْوَرَثَةُ فَإِنَّ الْمُوصَى لَهُمْ يَتَحَاصُّونَ فِي ثُلُثِ التَّرِكَةِ فَيَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ بِنِسْبَةِ وَصِيَّتِهِ، وَهَذَا بِاتِّفَاقِ فُقَهَاءِ الْمَذْهَبِ إِذَا كَانَتِ الْوَصِيَّةُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُوصَى لَهُمْ لاَ تَزِيدُ عَلَى ثُلُثِ التَّرِكَةِ، قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: إِذَا لَمْ تَزِدْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْوَصَايَا عَلَى الثُّلُثِ كَثُلُثٍ لِوَاحِدٍ وَسُدُسٍ لآِخَرَ وَرُبُعٍ لآِخَرَ وَلَمْ تُجِزِ الْوَرَثَةُ فَإِنَّهُ يُضْرَبُ فِي الثُّلُثِ وَلاَ يُقَسَّمُ الثُّلُثُ سَوِيَّةً بَيْنَهُمُ اتِّفَاقًا مَا لَمْ يَسْتَوِيَا فِي سَبَبِ الاِسْتِحْقَاقِ كَمَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِزَيْدٍ وَلآِخَرَ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلَمْ تُجِزِ الْوَرَثَةُ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ اتِّفَاقًا .
قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا: لأِنَّهُ يَضِيقُ الثُّلُثُ عَنْ حَقِّهِمَا إِذْ لاَ يُزَادُ عَلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ الإْجَازَةِ وَقَدْ تَسَاوَيَا فِي سَبَبِ الاِسْتِحْقَاقِ فَيَسْتَوِيَانِ فِي الاِسْتِحْقَاقِ، وَالْمَحَلُّ يَقْبَلُ الشَّرِكَةَ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا .
وَإِنْ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ لأِحَدِ الْمُوصَى لَهُمْ أَزْيَدَ مِنَ الثُّلُثِ كَمَنْ أَوْصَى لِشَخْصٍ بِجَمِيعِ مَالِهِ وَلِلآْخَرِ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلَمْ تُجِزِ الْوَرَثَةُ فَفِي ذَلِكَ خِلاَفٌ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: الْمُوصَى لَهُ بِأَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ لاَ يَضْرِبُ فِي الثُّلُثِ بِأَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ مِنْ غَيْرِ إِجَازَةِ الْوَرَثَةِ إِلاَّ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ الْمُسْتَثْنَاةِ، فَفِي هَذَا الْمِثَالِ - وَهُوَ الْوَصِيَّةُ بِجَمِيعِ الْمَالِ لِرَجُلٍ وَبِثُلُثِهِ لِرَجُلٍ آخَرَ مَعَ عَدَمِ إِجَازَةِ الْوَرَثَةِ - يَكُونُ ثُلُثُ التَّرِكَةِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، لأِنَّ الْمُوصِيَ قَصَدَ شَيْئَيْنِ: الاِسْتِحْقَاقَ عَلَى الْوَرَثَةِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَتَفْضِيلَ بَعْضِ أَهْلِ الْوَصَايَا عَلَى بَعْضٍ، وَالثَّانِي - وَهُوَ التَّفْضِيلُ - ثَبَتَ فِي ضِمْنِ الأْوَّلِ، وَلَمَّا بَطَلَ الأْوَّلُ وَهُوَ الزَّائِدُ عَلَى الثُّلُثِ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ وَعَدَمِ إِجَازَتِهِمْ بَطَلَ مَا فِي ضِمْنِهِ وَهُوَ التَّفْضِيلُ، فَصَارَ كَأَنَّهُ أَوْصَى لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِالثُّلُثِ فَيُنَصَّفُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَتَحَاصُّ الْمُوصَى لَهُمْ فِي الثُّلُثِ بِنِسْبَةِ مَا لِكُلٍّ مِنْهُمْ فَيَكُونُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ، لِلْمُوصَى لَهُ بِالْكُلِّ ثَلاَثَةُ أَسْهُمٍ وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ سَهْمٌ، لأِنَّ الْبَاطِلَ هُوَ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَهُوَ أَحَدُ الشَّيْئَيْنِ اللَّذَيْنِ قَصَدَهُمَا الْمُوصِي وَهُوَ اسْتِحْقَاقُ الزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ، وَهَذَا قَدْ بَطَلَ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ، وَأَمَّا الشَّيْءُ الآْخَرُ وَهُوَ قَصْدُ الْمُوصِي تَفْضِيلَ أَحَدِهِمَا عَلَى الآْخَرِ فَلاَ مَانِعَ مِنْهُ فَقَدْ جُعِلَ الْمُوصَى لِصَاحِبِ الْكُلِّ - وَهُوَ مَنْ أَوْصَى لَهُ بِجَمِيعِ مَالِهِ - ثَلاَثَةَ أَمْثَالِ مَا جَعَلَهُ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ فَيَأْخُذُ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ بِحِصَّةِ ذَلِكَ الزَّائِدِ بِأَنْ يُقَسَّمَ أَرْبَاعًا، ثَلاَثَةٌ مِنْهَا لِصَاحِبِ الْكُلِّ وَوَاحِدٌ لِلآْخَرِ.
قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الإْمَامِ كَمَا فِي تَصْحِيحِ الْعَلاَّمَةِ قَاسِمٍ وَالدُّرِّ الْمُنْتَقَى عَنِ الْمُضْمَرَاتِ وَغَيْرِهِ .
80 - وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ مِنَ الْوَصَايَا مَا يُقَدَّمُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ إِذَا ضَاقَ الثُّلُثُ عَنْهَا كَفَكِّ الأْسِيرِ، ثُمَّ الْمُدَبَّرِ فِي الصِّحَّةِ، ثُمَّ زَكَاةِ مَالٍ أَوْصَى بِهَا، ثُمَّ زَكَاةِ فِطْرٍ، ثُمَّ كَفَّارَةِ ظِهَارٍ وَقَتْلٍ، ثُمَّ كَفَّارَةِ يَمِينٍ ثُمَّ النَّذْرِ الَّذِي لَزِمَهُ. ثُمَّ ذَكَرُوا بَعْدَ ذَلِكَ مَا يُعْتَبَرُ فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ، وَمِنْ ذَلِكَ مَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ ثُمَّ أَوْصَى بِالْحَجِّ عَنْهُ، فَإِنْ كَانَ الْحَجُّ عَنْ حَجَّةِ الإْسْلاَمِ فَإِنَّهُمَا يَتَحَاصَّانِ فِي الثُّلُثِ وَلاَ يُقَدَّمُ أَحَدُهُمَا عَلَى الآْخَرِ .
جَاءَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إِنْ أَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ حَجَّةَ الإْسْلاَمِ وَأَوْصَى أَنْ يُعْتَقَ عَنْهُ رَقَبَةٌ قَالَ: قَالَ لِي مَالِكٌ: الرَّقَبَةُ مُبْدَأَةٌ عَلَى الْحَجِّ لأِنَّ الْحَجَّ لَيْسَ عِنْدَنَا أَمْرًا مَعْمُولاً بِهِ، وَقَدْ قَالَ أَيْضًا: أَنَّهُمَا يَتَحَاصَّانِ، وَإِذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمَالٍ، وَأَوْصَى بِعِتْقِ رَقَبَةٍ تَحَاصَّا، وَإِذَا أَوْصَى بِمَالٍ وَأَوْصَى بِالْحَجِّ تَحَاصَّا .
وَذَكَرَ الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ الْوَصَايَا الَّتِي لاَ تَبْدِئَةَ فِيهَا وَضَاقَ الثُّلُثُ عَنْهَا فَإِنَّ أَهْلَ الْوَصَايَا يَتَحَاصُّونَ فِيهَا، جَاءَ فِي الْفَوَاكِهِ الدَّوَانِي: إِذَا ضَاقَ الثُّلُثُ أَيْ لَمْ يَسَعْ جَمِيعَ مَا أَوْصَى بِهِ تَحَاصَّ أَهْلُ الْوَصَايَا الَّتِي لاَ تَبْدِئَةَ فِيهَا كَمَا يَتَحَاصُّ غُرَمَاءُ الْمُفْلِسِ فِي الْمَالِ الَّذِي يَتَحَصَّلُ مِنْ أَثْمَانِ مَا بِيعَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ بِنِسْبَةِ دُيُونِهِمْ بَعْضِهَا لِبَعْضٍ، وَالْوَصَايَا الَّتِي لاَ تَبْدِئَةَ فِيهَا هِيَ الَّتِي لَمْ يُرَتِّبْهَا الْمُوصِي وَلاَ الشَّارِعُ كَأَنْ يُوصِيَ لِشَخْصٍ بِنِصْفِ مَالِهِ مَثَلاً، وَلآِخَرَ بِثُلُثِهِ فَإِنْ لَمْ تُجِزِ الْوَرَثَةُ الزَّائِدَ عَلَى الثُّلُثِ اقْتَسَمَا الثُّلُثَ عَلَى النِّصْفِ وَالثُّلُثِ وَهُمَا مُتَبَايِنَانِ، وَمَقَامُهُمَا مِنْ سِتَّةٍ: لِصَاحِبِ النِّصْفِ ثَلاَثَةٌ، وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ اثْنَانِ، وَذَلِكَ خَمْسَةٌ وَهِيَ الْمُحَاصَّةُ فَاجْعَلْهَا ثُلُثَ الْمَالِ يَكُونُ الْمَالُ خَمْسَةَ عَشَرَ: خَمْسَةٌ لِلْمُوصَى لَهُمْ، الْمُوصَى لَهُ بِالنِّصْفِ لَهُ ثَلاَثَةٌ، وَالْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ اثْنَانِ، وَتَبْقَى عَشَرَةٌ لأِهْلِ الْفَرِيضَةِ.
وَإِنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِنِصْفِ مَالِهِ وَلآِخَرَ بِرُبُعِهِ فَإِنَّكَ تَأْخُذُ مَقَامَ النِّصْفِ وَمَقَامَ الرُّبُعِ وَتَنْظُرُ بَيْنَهُمَا فَتَجِدُهُمَا مُتَدَاخِلَيْنِ فَتَكْتَفِي بِالأْرْبَعَةِ فَتَأْخُذُ نِصْفَهَا وَرُبُعَهَا، يَكُونُ الْمَجْمُوعُ ثَلاَثَةً تُقْسَمُ بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلاَثَةِ أَسْهُمٍ، لِصَاحِبِ الرُّبُعِ: سَهْمٌ، وَلِلآْخَرِ سَهْمَانِ.
وَإِنْ أَوْصَى لِشَخْصٍ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلآِخَرَ بِرُبُعِهِ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى سَبْعَةِ أَسْهُمٍ، لِصَاحِبِ الثُّلُثِ أَرْبَعَةٌ وَلِصَاحِبِ الرُّبُعِ ثَلاَثَةٌ، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ، وَحِسَابُ هَذَا عَلَى حِسَابِ عَوْلِ الْفَرَائِضِ سَوَاءٌ .
وَذَكَرَ الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ مِمَّا يَجْرِي فِيهِ التَّحَاصُصُ الْوَصِيَّةَ لِمَجْهُولٍ وَاحِدٍ أَوْ مُتَعَدِّدٍ مَعَ وَصِيَّةٍ لِمَعْلُومٍ كَمَنْ أَوْصَى بِوَقِيدِ مِصْبَاحٍ عَلَى الدَّوَامِ لِطَلَبَةِ الْعِلْمِ مَثَلاً بِدِرْهَمٍ كُلَّ لَيْلَةٍ وَشِرَاءِ خُبْزٍ يُفَرَّقُ عَلَى الْفُقَرَاءِ كُلَّ يَوْمٍ بِدِرْهَمَيْنِ، وَتَسْبِيلِ مَاءٍ عَلَى الدَّوَامِ بِدِرْهَمَيْنِ مَعَ الْوَصِيَّةِ لِمَعْلُومٍ كَالْوَصِيَّةِ لِزَيْدٍ بِكَذَا وَلِعَمْرٍو بِكَذَا فَإِنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يُضْرَبُ لِلْمَجْهُولِ بِالثُّلُثِ أَيْ ثُلُثِ الْمَالِ أَيْ يُجْعَلُ الثُّلُثُ فَرِيضَةً ثُمَّ يُضَمُّ إِلَيْهَا مَا أَوْصَى بِهِ لِلْمَعْلُومِ وَهُوَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو، وَيُجْعَلُ بِمَنْزِلَةِ فَرِيضَةٍ عَالَتْ، فَإِذَا كَانَ ثُلُثُ الْمَالِ ثَلاَثَمِائَةٍ جُعِلَ كُلُّهُ لِلْمَجْهُولِ ثُمَّ يُضَافُ إِلَيْهِ الْمَعْلُومُ، فَإِذَا كَانَ الْمَعْلُومُ مَثَلاً ثَلاَثَمِائَةٍ فَكَأَنَّهَا عَالَتْ بِمِثْلِهَا فَيُعْطَى الْمَعْلُومُ فَأَكْثَرُ نِصْفَ الثَّلاَثِمِائَةِ وَيَبْقَى نِصْفُهَا لِلْمَجْهُولِ، وَلَوْ كَانَ الْمَعْلُومُ مِائَةً زِيدَتْ عَلَى الثَّلاَثِمِائَةِ فَكَأَنَّمَا عَالَتْ بِمِثْلِ رُبُعِهَا فَيُعْطَى الْمَعْلُومُ رُبُعَ الثَّلاَثِمِائَةِ وَيَبْقَى الْبَاقِي لِلْمَجْهُولِ.
ثُمَّ اخْتُلِفَ فِي تَقْسِيمِ مَا حَصَلَ لِلْمَجْهُولِ هَلْ يُقَسَّمُ بِالْحِصَصِ أَوْ بِالتَّسَاوِي؟ قَوْلاَنِ .
وَفِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: إِذَا أَوْصَى رَجُلٌ فَقَالَ: أَوْقِدُوا فِي هَذَا الْمَسْجِدِ مِصْبَاحًا أَقِيمُوهُ لَهُ، وَأَوْصَى مَعَ ذَلِكَ بِوَصَايَا فَإِنَّهُ يُنْظَرُ كَمْ قِيمَةُ ثُلُثِ الْمَيِّتِ وَإِلَى مَا أَوْصَى بِهِ مِنَ الْوَصَايَا ثُمَّ يَتَحَاصُّونَ فِي ثُلُثِ الْمَيِّتِ، يُحَاصُّ لِلْمَسْجِدِ بِقِيمَةِ الثُّلُثِ، وَلِلْوَصَايَا بِمَا سَمَّى لَهُمْ فِي الثُّلُثِ، فَمَا صَارَ لِلْمَسْجِدِ مِنْ ذَلِكَ فِي الْمُحَاصَّةِ أُوقِفَ لَهُ فَيُسْتَصْبَحُ بِهِ فِيهِ حَتَّى يُنْجَزَ.
وَقَالَ سَحْنُونٌ: إِذَا أَوْصَى الْمَيِّتُ بِشَيْءٍ لَهُ غَايَةٌ وَلاَ أَمَدَ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: أَعْطُوا الْمَسَاكِينَ كُلَّ يَوْمٍ خُبْزَةً، أَوْ قَالَ: اسْقُوا كُلَّ يَوْمٍ رَاوِيَةَ مَاءٍ فِي السَّبِيلِ، فَهَذَا كَأَنَّهُ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ فَإِنَّمَا يُحَاصُّ لِهَذَا بِالثُّلُثِ إِذَا كَانَ الْمَيِّتُ قَدْ أَوْصَى مَعَ هَذَا بِوَصَايَا، قَالَ سَحْنُونٌ: وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا كَانَ لِلنَّاسِ بِغَيْرِ أَجَلٍ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: أَعْطُوا الْمَسَاكِينَ دِرْهَمًا كُلَّ يَوْمٍ أَوْ كُلَّ شَهْرٍ وَلَمْ يُؤَجِّلْ فَإِنَّهُمْ يُضْرَبُ لَهُمْ بِالثُّلُثِ إِذَا كَانَ الْمَيِّتُ قَدْ أَوْصَى مَعَهُمْ بِوَصَايَا .
وَمِمَّا يَقَعُ فِيهِ التَّحَاصُصُ أَيْضًا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ النَّذْرُ وَمُبْتَلُ الْمَرِيضِ إِذَا ضَاقَ الثُّلُثُ عَنْ حَمْلِهَا بِخِلاَفِ مَا إِذَا ضَاقَ الثُّلُثُ عَنْ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْقَتْلِ. فَإِنَّهُمَا لاَ تَرْتِيبَ بَيْنَهُمَا وَلَكِنْ لاَ يَتَحَاصَّانِ وَإِنَّمَا يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا لأِنَّ الْكَفَّارَةَ لاَ تَتَبَعَّضُ .
81 - وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِذَا اجْتَمَعَ فِي الْوَصِيَّةِ تَبَرُّعَاتٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمَوْتِ، وَعَجَزَ الثُّلُثُ عَنْهَا وَكَانَتِ الْوَصِيَّةُ بِتَبَرُّعَاتٍ غَيْرِ الْعِتْقِ فَإِنَّ الثُّلُثَ يُقَسَّطُ عَلَى جَمِيعِ التَّبَرُّعَاتِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ أَوِ الْمِقْدَارِ كَمَا تُقَسَّمُ التَّرِكَةُ بَيْنَ أَرْبَابِ الدُّيُونِ، فَلَوْ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِمِائَةٍ وَلِبَكْرٍ بِخَمْسِينَ، وَلِعَمْرٍو بِخَمْسِينَ، وَثُلُثُ مَالِهِ مِائَةٌ، أَعْطَى الأْوَّلَ خَمْسِينَ، وَكُلًّا مِنَ الآْخَرَيْنِ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ، وَلاَ يُقَدَّمُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ بِالسَّبْقِ لأِنَّ الْوَصَايَا إِنَّمَا تُمْلَكُ بِالْمَوْتِ فَاسْتَوَى فِيهِ حُكْمُ الْمُتَقَدِّمِ وَالْمُتَأَخِّرِ.
وَقَاسَهُ الشَّافِعِيُّ عَلَى الْعَوْلِ فِي الْفَرَائِضِ، وَهَذَا عِنْدَ الإْطْلاَقِ، فَلَوْ رَتَّبَ كَأَنْ قَالَ: أَعْطُوا زَيْدًا مِائَةً ثُمَّ عَمْرًا مِائَةً جَرَى عَلَيْهِ حُكْمُ تَرْتِيبِهِ.
وَلَوِ اجْتَمَعَ عِتْقٌ مَعَ تَبَرُّعَاتٍ أُخْرَى فِي الْوَصِيَّةِ، كَمَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ سَالِمٍ وَأَوْصَى لِزَيْدٍ بِمِائَةٍ فَإِنَّ الثُّلُثَ يُقَسَّطُ عَلَيْهِمَا بِالْقِيمَةِ لِلْعَتِيقِ لاِتِّحَادِ وَقْتِ الاِسْتِحْقَاقِ، فَإِذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ مِائَةً وَالثُّلُثُ مِائَةً عُتِقَ نِصْفُهُ، وَأُعْطِيَ لِزَيْدٍ خَمْسُونَ، وَفِي قَوْلٍ يُقَدَّمُ الْعِتْقُ لِقُوَّتِهِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقِّ الآْدَمِيِّ .
وَإِنْ وَكَّلَ الْمُوصِي وَكِيلاً فِي هِبَةٍ وَوَكَّلَ آخَرَ فِي بَيْعٍ بِمُحَابَاةٍ وَوَكَّلَ آخَرَ فِي صَدَقَةٍ، وَتَصَرَّفَ الْوُكَلاَءُ دَفْعَةً وَاحِدَةً، قُسِّطَ الثُّلُثُ عَلَى الْكُلِّ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ كَمَا يُفْعَلُ فِي الدُّيُونِ.
وَإِنْ كَانَ فِي تَصَرُّفِ الْوُكَلاَءِ عِتْقٌ قُسِّطَ الثُّلُثُ عَلَيْهَا أَيْضًا، وَفِي قَوْلٍ يُقَدَّمُ الْعِتْقُ .
وَقَالُوا: إِنْ عَجَزَ الثُّلُثُ عَنِ التَّبَرُّعَاتِ الْمُنْجَزَةِ فِي الْمَرَضِ، فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ التَّبَرُّعَاتُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ نُظِرَتْ: فَإِنْ كَانَتْ فِي هِبَاتٍ أَوْ مُحَابَاةٍ قُسِّمَ الثُّلُثُ بَيْنَ الْجَمِيعِ لِتَسَاوِيهِمَا فِي اللُّزُومِ، فَإِنْ كَانَتْ مُتَفَاضِلَةَ الْمِقْدَارِ قُسِّمَ الثُّلُثُ عَلَيْهَا عَلَى التَّفَاضُلِ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَسَاوِيَةً قُسِّمَ بَيْنَهَا عَلَى التَّسَاوِي كَمَا يُفْعَلُ فِي الدُّيُونِ، وَإِنْ كَانَ عِتْقًا فِي عَبِيدٍ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ.
وَإِنْ وَقَعَتِ التَّبَرُّعَاتُ مُتَفَرِّقَةً قُدِّمَ الأْوَّلُ فَالأْوَّلُ، عِتْقًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، لأِنَّ الأْوَّلَ سَبَقَ فَاسْتُحِقَّ بِهِ الثُّلُثُ فَلَمْ يَجُزْ إِسْقَاطُهُ بِمَا بَعْدَهُ.
وَإِنْ كَانَتِ التَّبَرُّعَاتُ وَصَايَا وَعَجَزَ الثُّلُثُ عَنْهَا لَمْ يُقَدَّمْ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ بِالسَّبْقِ لأِنَّ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ يَلْزَمُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَهُوَ بَعْدَ الْمَوْتِ .
82 - وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سِيرِينَ وَالشَّعْبِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ: مَنْ أَوْصَى بِوَصَايَا وَتَجَاوَزَتِ الْوَصَايَا الثُّلُثَ وَرَدَّ الْوَرَثَةُ الزِّيَادَةَ فَإِنَّ الثُّلُثَ يُقَسَّمُ بَيْنَ الْمُوصَى لَهُمْ عَلَى قَدْرِ وَصَايَاهُمْ، وَيَدْخُلُ النَّقْصُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ بِقَدْرِ مَا لَهُ مِنَ الْوَصِيَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ وَصِيَّةُ بَعْضِهِمْ عِتْقًا، لأِنَّ هُمْ تَسَاوَوْا فِي الأْصْلِ وَتَفَاوَتُوا فِي الْمِقْدَارِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ، فَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلآِخَرَ بِمِائَةٍ وَلآِخَرَ بِمُعَيَّنٍ قِيمَتُهُ خَمْسُونَ وَوَصَّى بِفِدَاءِ أَسِيرٍ بِثَلاَثِينَ وَلِعِمَارَةِ مَسْجِدٍ بِعِشْرِينَ وَثُلُثُ مَالِهِ مِائَةٌ، جَمَعْتَ الْوَصَايَا كُلَّهَا فَوَجَدْتَهَا ثَلاَثَمِائَةٍ وَنَسَبْتَ مِنْهَا الثُّلُثَ فَتَجِدُهُ ثُلُثَهَا فَتُعْطِي كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُلُثَ وَصِيَّتِهِ، فَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ الْمِائَةُ وَكَذَلِكَ لِصَاحِبِ الْمِائَةِ وَيَرْجِعُ صَاحِبُ الْخَمْسِينَ إِلَى ثُلُثِهَا، وَلِفِدَاءِ الأْسِيرِ عَشَرَةٌ وَلِعِمَارَةِ الْمَسْجِدِ سِتَّةٌ وَثُلُثَانِ .
وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ إِذَا اشْتَمَلَتِ الْوَصَايَا عَلَى عِتْقٍ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ الْعِتْقُ، يُبْدَأُ بِهِ وَلَوِ اسْتَوْعَبَ الثُّلُثَ.
وَرُوِيَ هَذَا عَنْ عُمَرَ وَبِهِ يَقُولُ شُرَيْحٌ وَمَسْرُوقٌ وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ وَقَتَادَةُ وَالزُّهْرِيُّ، لأِنَّ فِيهِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى، وَحَقًّا لآِدَمِيٍّ فَكَانَ آكَدَ، وَلأِنَّهُ لاَ يَلْحَقُهُ فَسْخٌ وَيَلْحَقُ غَيْرَهُ ذَلِكَ .
كِتَابَةُ الْوَصِيَّةِ وَالإْشْهَادُ عَلَيْهَا:
83 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمُسْلِمِ إِذَا أَوْصَى أَنْ يَكْتُبَ وَصِيَّتَهُ لِقَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم : «مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ، يَبِيتُ ثَلاَثَ لَيَالٍ إِلاَّ وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ» وَفِي لَفْظٍ: «يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ» . وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُوصِي أَنْ يَبْدَأَهَا بِالْبَسْمَلَةِ، وَالثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالْحَمْدِ وَنَحْوِهِ وَالصَّلاَةِ عَلَى النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم ، ثُمَّ الشَّهَادَتَيْنِ كِتَابَةً أَوْ نُطْقًا، ثُمَّ الإْشْهَادِ عَلَى الْوَصِيَّةِ، لأِجْلِ صِحَّتِهَا وَنَفَاذِهَا، وَمَنْعًا مِنَ احْتِمَالِ جُحُودِهَا وَإِنْكَارِهَا .
رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: كَانُوا يَكْتُبُونَ فِي صُدُورِ وَصَايَاهُمْ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ فُلاَنٌ أَنَّهُ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صلي الله عليه وسلم ، وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لاَ رَيْبَ فِيهَا، وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ، وَأَوْصَى مَنْ تَرَكَ مِنْ أَهْلِهِ أَنْ يَتَّقُوا اللَّهَ وَيُصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِهِمْ، وَيُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ، أَوْصَاهُمْ بِمَا أَوْصَى بِهِ إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ ( إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) .
____________________________________________________________________
المذكرة الإيضاحية للإقتراح بمشروع القانون المدني طبقا لاحكام الشريعة الإسلامية
( مادة ۹۹۷)
الانتفاع حق عینی يخول النتفع سلطة استعمال واستغلال شی غير قابل للاستهلاك أو حق للغير ، وينتهي حتماً بموت المنتفع .
هذه المادة مستحدثة.
وهي تتضمن تعريفاً لحق الانتفاع يشتمل على الخصائص المميزة له. فهو حق عینی ، و بهذا يتميز عن حق المستأجر ويخول المنتفع سلطة الاستعمال وسلطة الاستغلال ، وبهذا يتميز عن حق الملكية . ويرد بحسب الأصل على شيء غير القابل للاستهلاك أو حق للغير ، فاذا ورد على شيء قابل للاستهلاك كان شبه حق انتفاع. وينتهي حتما بموت المنتفع . اذا لم ينته قبل ذلك بحلول الأجل ، وبهذا يتميز عن حق المستأجر *
وفي الفقه الاسلامي عرفت المادة 13 من ارشاد الجيران حق الانتفاع بما یأتی : « الانتفاع الجانز هو حق المنتقم في استعمال العين واستغلالها ما دامت قائمة على حالها ، وان لم تکن رقبتها مملوكة ، ونصت المادة 14 على ماياتي : يصح تملك منافع اعران دون رقمها، سواء كانت عقار او منقولا، ونصت المادة 15 على ما يأتي : وقد تملك المنفعة بعوض وبغير عوض »
( مادة 998) یکسب حق الانتفاع بالتصرف القانوني أو بالشفعة أو بمقتضى الحيازة عند عدم سماع الدعوى *
هذه المادة تقابل المادة 985 من التقنين الحالي التي تنص علی مایا تی : 1- حق الانتفاع يكسب بعمل قانوني أو الشفعة أو بالتقادم • ٢- ويجوز أن يوصي بحق الانتفاع لاشخاص متعاقبي اذا كانوا موجودين على قيد الحياة وقت الوصية ، كما يجوز للحمل المستكن ::
وقد عدلت الفقرة الأولى من هذه المادة : حيث استبدلت عبارة : بالتصرف القابوني ، بعبارة « بعمل قانونی ، لأن المقصود هو التصرف ، واستبدلت عبارة بمقتفي الحيازة عند عدم سماع الادعوی ، بكلمة لا بالتقادم ،، حتى تشمل العبارة حالات عدم السماع الدعوى بشروطها المطلوبة اذ أن مجرد الحوز لايكفي
وحذفت الفقرة الثانية ، لكي تترك الوصية بحق الانتفاع لاحكام الشريعة الاسلامية التي ينص عليها قانون الوصية رقم 71 لسنة 1946 ، وهي تخاننى ما تقضى به الفقرة المحذوقه و أنظر المواد 26-36 من قانون الوصية ) ويلاحظ أنه حتى في ظل التقني الحال ، فان احكام قانون الوصية هي التي تسري ، لان القواعد الواردة في قانون خاص ، كما هو الشأن بالنسبة إلى قانون الوسمية ، الا تلقيها القواعد الواردة في تقنين عام .
والمادة المقترحة تقابل المادة 1250 من التقنين العراقي .
و تقابل المادة 1206 من التقنين الأردنی • و تقابل المادة 944 من التقنين الكويتي -
( مادة ۹۹۹ )
يجوز تقرير الانتفاع لشخص اعتباری ، بشرط الا تزيد مدته على ثلاثين سنة .
هذه المادة مستحدثة •
فيجوز تقرير حق انتفاع المسلحة شخص اعتباری ها وقد ورد في هذا الشأن نص في العقدين المدني الفرنسي ، اذ تنفي المادة 619 من هذا التقني بأن المدة لا يجوز أن تزيد في هذه الحالة على ثلاثين سنة ، وورد في كل من التقنين المدني السوری (م 936 ) وقانون الملكية العقارية اللبناني (م ۳۲ ) أنه لا يجوز انشاء حق الانتفاع لصالح أشخاص اعتباريين ، ويرجع ذلك إلى أنه اذا لم يحدد العقد مدة لحق الانتفاع الذي يترتب لمصلحة الشخص الاعتباری، فانه يظل قائما طوال مدة بقاء هذا الشخص ، وقد يظل باقيا إلى الأن : وذا هو الحكم في ظل التقني الحالي
من أجل ذلك روى أن تقيد مدة حق الانتفاع الذي يتقرر لمصلحة الشخص الاعتباری ، بحيث لا تزيد على ثلاثين سنة ، وهي المدة المقررة كحد أقصى في الايجار (م 557 من المشروع )
والسند الشرعي للمادة المقترحة ان تقييد مدة الانتفاع بما لا يجاوز ثلاثين سنة مما يملكة ولي الأمر تحقيتا مسلحة شرعية معتبرة ، شی المحالة على حقوق كل من المالك والمنتفع "
ويؤيد الفقة الاسلامي هذا التقييد في الايجار : حيث يرى الشافعي ان المالك ليس له أن يؤجر الا لمدة معقولة حددها بعض أصحابه بسنة ، وحددها البعض الآخر بثلاثين سنة ، والحجة في ذلك أن ازاد على هذه المدة لا تدعو اليه الحاجة لاسيما وان الأسماء تتغير من زمن إلى زمن ( راجع المغني لابن قدامة ج 5 ص 324 )۰
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجلة الأحكام العدلية
مادة (1041) عدم قابلية الشفعة للتجزي
الشفعة لا تقبل التجَّزي بناء على ذلك ليس للشفيع حق في اشتراء مقدار من العقار المشفوع وترك باقيه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كتاب مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان فى المعاملات الشرعية على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان لمؤلفه المغفورله (محمد قدرى باشا) (الطبعة الثانية) بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصرالمحمية سنة1308هجرية 1891 افرنجيه
(مادة 13)
الانتفاع الجائز هو حق المنتفع في استعمال العين واستغلالها ما دامت قائمة على حالها وإن لم تكن رقبتها مملوكة.
(مادة 14)
يصح أن تملك منافع الأعيان دون رقبتها سواء كانت عقاراً أو منقولاً.
(مادة 15)
قد تملك المنفعة بعوض وبغير عوض
(مادة 16)
يصح أن يكون تمليك المنفعة قاصراً على الاستغلال أو على السكنى أو شاملاً لهما معاً.
(مادة 17)
يجوز أن تجعل منافع الأعيان الموقوفة لنفس واقفها فينتفع بها إن اشترط ذلك لنفسه مدة حياته ومن بعده تنتقل إلى الجهة التي اشترطها لها.
ويصح أن تجعل تلك المنافع لشخص معين أو لعدة أشخاص معينين سواء كانوا من أولاد الواقف أو من أقاربه أو أجانب منه.
ويجوز جعلها لشخص قبل وجوده بشرط أن يكون آخرها في كل الأحوال لجهة بر لا تنقطع.
(مادة 18)
يجوز أن يوصى بمنفعة العين لشخص معين مع بقاء رقبتها لورثة الموصي كما تجوز الوصية بالرقبة لشخص وبمنفعتها لشخص آخر كلاهما أجنبيان من المتبرع ولا يجوز استثناء منفعة العين من الوصية برقبتها لشخص أجنبي لتبقى المنفعة على ملك الورثة.
(مادة 20)
من استحق بعقد وصية غلة أرض أو بستان فله الغلة القائمة وقت موت الموصي والغلة التي تحدث في المستقبل فينتفع بها مدة حياته إن نص في العقد على الأبد أو أطلق بدون تعيين مدة ولو أوصى بثمرته وأطلق فله الثمرة القائمة فقط دون ما يحدث وإن قيدت بمدة فله الانتفاع بالغلة والثمرة على انقضاء تلك المدة وبعدها ترد الغلة والثمرة إلى من له الرقبة.
والمراد بالغلة كل ما يحصل من ريع الأرض وكرائها وثمرة البستان.
(مادة 21)
المنقولات الموقوفة كالمكيلات والموزونات إذا جرى العرف بوقفها يجوز بيعها ودفع ثمنها مضاربة أو بضاعة كما تدفع النقود الموقوفة لذلك ويعطى نماؤها للموقوف عليه.
(مادة 22)
للمنتفع أن يستهلك ما استعاره من المنقولات التي لا يمكن الانتفاع بها إلا باستهلاك عينها كالنقدين والمكيلات والموزونات ونحوها وعليه رد مثلها أو قيمتها بعد الانتفاع ويكون عليه ضمانها إذا هلكت قبل الانتفاع بها ولو بغير تعدية لكونها قرضاً.
(مادة 23)
إذا مات المنتفع بالمنقولات المتقدم ذكرها قبل أن يردها لصاحبها فعليه ضمان مثلها أو قيمتها في تركته.
(مادة 214)
عقد المعاوضة من الجانبين إذا وقع على منافع الأعيان المالية مستوفياً شرائط الصحة والنفاذ يستوجب التزام المتصرف في العين بتسليمها للمنتفع والتزام المنتفع بتسليم ما استحق من بدل المنفعة لصاحب العين.