loading

موسوعة قانون العقوبات​

الأحكام

1- أن قانون العقوبات لم يضع تعريفاً محدداً للورقة الرسمية إلا أنه أورد في المادة 211 منه – وعلى سبيل المثال – بعض أنواع من هذه المحررات ، وقد استقرت أحكام النقض على أن مناط ومعيار رسمية الورقة هو أن يكون محررها موظفاً عاماً مختصاً بمقتضى وظيفته بتحريرها وإعطائها الصيغة الرسمية أو يتدخل في تحريرها أو التأشير عليها وفقاً لما تقضي به القوانين واللوائح أو التعليمات التي تصدر إليه من جهة رسمية ، وبالبناء عليه ولما كان دفتر الحضور والانصراف معد قانوناً ووفقاً لنظام العمل داخل هيئة السكة الحديد والذي فيه يثبت حضور الموظف في المواعيد المقررة طبقاً للوائح العمل المنظمة واستلامه لعمله لمباشرته له والاستمرار فيه حتى لحظة انصرافه وإنجاز مدته المتفق عليها ، وبمقتضى هذا الدفتر والتوقيع فيه يتم تنظيم العمل وتوزيع الاختصاصات والإثابة والعقاب وصرف الراتب والحوافز ، وأن أول ما يبدأ به الموظف عمله هو التوقيع بالحضور وأخر ما يقوم به في نهاية عمله هو التوقيع بالانصراف ، وما بين الحضور والانصراف أعمال تنظمها لوائح التشغيل ، بما يؤكد رسمية هذه الدفاتر ليس فقط كونها صادرة عن هيئة ومؤسسة رسمية حكومية أو أن محررها موظف عام وما يثبت فيها يترتب عليه نتائج قانونية ، بل لكونها مرآة للعمل ونظامه والتزام العاملين بالهيئة لإدارة العمل وتوزيع الاختصاصات وحسن القيام بمتطلبات هذا العمل " ، وكان هذا الذي أورده الحكم على نحو ما تقدم كافياً وسائغاً ويتفق وصحيح القانون وتقره هذه المحكمة ، فإن ما ينعاه الطاعن السابع في هذا الصدد يكون غير سديد . 

( الطعن رقم 7834 لسنة 90 ق - جلسة 6 / 2 / 2021 ) 

2ـ لما كان البين من مطالعة الأوراق أن النيابة العامة كانت قد أسندت إلى المطعون ضده أنه بتاريخ 10/7/1997 وهو ليس من أرباب الوظائف العمومية ارتكب تزويراً فى محرر رسمي هو رخصة القيادة رقم ... الصادرة من إدارة مرور ... باسم ... وذلك بأن نزع صورة صاحبها ووضع صورته بدلاً منها وأحالته إلى محكمة جنايات .... لمعاقبته طبقاً للمادتين 211 ، 212 من قانون العقوبات والمحكمة المذكورة قضت حضورياً ببراءة المتهم مما أسند إليه على سند من أن ما أسند إليه لا يشكل جريمة وغير مجرم . لما كان ذلك ، وكانت المادة 211 من قانون العقوبات المستبدلة بالقانون 9 لسنة 1984 الصادر فى 20/2/1984 والمنشور فى الجريدة الرسمية فى 23/2/1984 - والسارية على واقعة الدعوى - تنص على أن : " كل صاحب وظيفة عمومية ارتكب فى أثناء تأدية وظيفته تزويراً فى أحكام صادرة أو تقارير أو محاضر أو وثائق أو سجلات أو دفاتر أو غيرها من السندات والأوراق الأميرية سواء كان ذلك بوضع إمضاءات أو أختام مزورة أو بتغيير المحررات أو الأختام أو الإمضاءات أو بزيادة كلمات أو بوضع أسماء أو صور أشخاص آخرين مزورة يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن . " ، وكانت المادة 212 من قانون العقوبات تنص على أن : " كل شخص ليس من أرباب الوظائف العمومية ارتكب تزويراً مما هو مبين فى المادة السابقة يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن مدة أكثرها عشر سنين " ، وكانت الدعوى الجنائية قد أقيمت على المطعون ضده فى تاريخ لاحق على العمل بالمادة 211 عقوبات المستبدلة بالقانون رقم 9 لسنة 1984 بوصف أنه وهو ليس من أرباب الوظائف العمومية ارتكب تزويراً فى محرر رسمي – رخصة قيادة – بأن نزع صورة صاحبها ووضع صورته بدلاً منها ثم استعملها مع علمه بتزويرها بأن قدمها لرجل الشرطة ، ومن ثم فإن قيام المطعون ضده بنزع صورة صاحب الرخصة ووضع صورته بدلاً منها يعد – فى واقع الأمر – تزويراً فى محرر رسمي معاقباً عليه وفقاً للتعريف الوارد فى المادتين سالفتي الذكر . لما كان ما تقدم ، وكانت محكمة الجنايات قد قضت بما يخالف هذا النظر فإنها تكون قد أخطأت فى تطبيق القانون مما يعيبه ويوجب نقضه ، ولما كان هذا الخطأ قد حجب المحكمة المطعون فى حكمها عن نظر موضوع الدعوى فإنه يتعين أن يكون مع النقض الإعادة بالنسبة للتهمتين والتهمة الثالثة للارتباط .

( الطعن رقم 444 لسنة 69 ق - جلسة 2007/10/21 - س 58 ص 647 ق 124 )

3ـ لما كان نص المادة 211 من قانون العقوبات قد جرى على أن : " كل صاحب وظيفة عمومية ارتكب فى أثناء تأدية وظيفته تزويراً فى أحكام صادرة أو تقارير أو محاضر أو وثائق أو سجلات أو دفاتر أو غيرها من السندات والأوراق الأميرية سواء كان ذلك بوضع إمضاءات أو أختام مزورة أو بتغيير المحررات أو الأختام أو الإمضاءات أو بزيادة كلمات أو بوضع أسماء أو صور أشخاص آخرين مزورة يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقته أو السجن " ، ثم أعقبتها المادة 212 من ذات القانون بأن : " كل شخص ليس من أرباب الوظائف العمومية ارتكب تزويراً مما هو مبين فى المادة السابقة يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقته أو السجن " . لما كان ذلك ، وكان البين من الأوراق المطروحة أن الاتهام المنسوب إلى الطاعن وعلى ما أفصحت عنه الأوراق هو جناية التزوير فى محرر رسمى وهو الإنذار المقدم منه بالمحضر الإدارى رقم .... لسنة .... إدارى .... واستعماله والمؤثمة بالمواد 211، 212 ، 214 من قانون العقوبات والتى تخرج حسب موضوعها عن اختصاص محكمة الجنح وينعقد الاختصاص فيها لمحكمة الجنايات دون غيرها حسبما أورته الشبهة التى تحملها أوراق الدعوى الراهنة ، وذلك عملاً بالمادة 366 مكرراً من قانون الإجراءات الجنائية ، مما كان يتعين على محكمة الجنح أن تقضى فيها بعدم اختصاصها وإحالتها للنيابة العامة لاتخاذ شئونها فيها ، فضلاً عن ذلك وقد تبين على النحو المار ذكره أن الأوراق وقد تضمنت شبهة جناية التزوير واستعمال المحرر المزور ، فإنه لا يجوز تحريك الدعوى الجنائية بشأنها عن طريق الادعاء المباشر ، وإن تم تحريكها بهذا الطريق ، فإنه يتعين على المحكمة أن تقضى بعدم قبولها ولو لم يدفع بذلك لتعلق الأمر بالنظام العام ، لاتصاله بشرط أصيل لازم لتحريك الدعوى الجنائية ولصحة اتصال المحكمة بالواقعة ويجوز الدفع بعدم قبول الدعوى بشأن ذلك فى أية مرحلة من مراحل الدعوى وأمام محكمة النقض ، إذ أن مقومات ذلك الدفع وعناصره انطوت عليها الأوراق دون ما حاجة إلى إجراء ثمة تحقيق موضوعى تجريه هذه المحكمة . لما كان ذلك ، وكانت محكمة الجنح وقد تعرضت لموضوع الدعوى وفصلت فيها بحكمها المطعون فيه المؤيد للحكم الابتدائى لأسبابه ، رغم انعدام اتصال المحكمة بالواقعة لخروجها عن دائرة اختصاصها بما فى ذلك تحريكها أمامها بالطريق المباشر من المدعية بالحق المدنى ، مما كان يتعين على المحكمة الاستئنافية عند رفع الأمر إليها أن تقصر حكمها على القضاء ببطلان الحكم المستأنف وعدم قبول الدعوى ، أما هى ولم تفعل وخالفت ذلك النظر وتعرضت لموضوع الحكم المستأنف وتأييد ذلك الحكم لأسبابه ، فإن حكمها يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون، بما يوجب نقضه وإلغاء الحكم والقضاء مجدداً بعدم قبول الدعويين الجنائية والمدنية .

( الطعن رقم 291 لسنة 66 ق - جلسة 2005/02/16 - س 56 ص 142 ق 19 )

4ـ لما كان التزوير قد وقع إضافة إلى التوكيل الموثق بمحضر التصديق رقم..... وقع كذلك برخص القيادة أرقام..... بأن اتفقا الطاعن وأخر مع المجهول على تحريرها على غرار رخص القيادة الصحيحة وإمداده بالبيانات اللازمة والصور الفوتوغرافية فقام المجهول بتدوينها ووضع الصور عليها. وكانت المادة 211 من قانون العقوبات قد اعتبرت وضع صور أشخاص آخرين من طرق التزوير المادي. فإن جناية التزوير تكون قد تكاملت أركانها كما هي معرفة به فى القانون. ومن ثم, فلا محل لما ينعاه الطاعن بأن التزوير موضوع الصورة لا عقاب عليه ولا يكون مؤثماً .

( الطعن رقم 31353 لسنة 69 ق - جلسة 2001/11/21 - س 52 ع 1 ص 899 ق 172 )

5- لما كان الشارع قد أضاف بمقتضى القانون رقم 9 لسنة 1984 إلى طرق التزوير التى عددها نص المادة 211 من قانون العقوبات طريقاً آخر هو وضع صورة شخص آخر مزورة على المحرر الرسمى ، وكان من المقرر أن طرق التزوير التى نص عليها القانون تندرج جميعها تحت مطلق التعبير بتغيير الحقيقة التى يعاقب عليها القانون ولم يميز الشارع بين طريقة وأخرى من هذه الطرق بل سوى بينها جميعاً ، وكانت كل طريقة من طرق التزوير تكفى لترتيب المسئولية ولو لم تتوافر الطرق الأخرى ، فإن ما ينعاه الطاعن من أن الحكم المطعون فيه قد إكتفى فى إدانته بلصق صورته على البطاقة بدلاً من صورة صاحبها وإلتفتت عن صور التزوير الأخرى ، يكون غير سديد .

( الطعن رقم 131 لسنة 60 ق - جلسة 1991/02/06 - س 42 ص 261 ق 35 )

6- لما كان الأصل فى القذف الذى يستوجب العقاب قانوناً ، هو الذى يتضمن إسناد فعلاً يعد جريمة يقرر لها القانون عقوبة جنائية ، أو يوجب إحتقار المسند إليه عند أهل وطنه ، ومن حق القاضى أن يستخلص وقائع القذف من عناصر الدعوى ، ولمحكمة النقض أن تراقبه فيما يرتبه من النتائج القانونية لبحث الواقعة محل القذف لتبين مناحيها ومرامى عبارتها ، لإنزال حكم القانون على وجهه الصحيح ، وكان الحكم الغيابى الإستئنافى الذى تبناه لأسباب الحكم المطعون فيه ، قد أورد أن الطاعن نسب إلى المجنى عليهم فى صحيفتى الدعويين المرفوعتين منه قبلهما ، أن أحدهم وهو القاضى الذى حرر مسودة الحكم فى الدعاوى أرقام .......... قد تعمد التزوير فى هذه المسودة وشاركه رئيس وعضو الدائرة وهى عبارات مهينة شائنة تنطوى بذاتها على المساس بكرامة القضاة المذكورين وشرفهم وإعتبارهم ، وتدعو إلى عقابهم قانوناً بجنايتى التزوير فى الأوراق الرسمية والإشتراك فيها المعاقب عليهما بالأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن عملاً بالمادة 211 من قانون العقوبات فضلاً عما فى تلك العبارات من دعوة إلى إحتقارهم بين مخالطيهم ومن يعاشرهم فى الوسط الذى تتوافر به فى حق الطاعن جريمتا القذف والإهانة كما هما معرفتان به فى القانون ، فإن النعى على الحكم فى هذا المعنى يكون غير سديد .

( الطعن رقم 2037 لسنة 53 ق - جلسة 1983/11/30 - س 34 ص 1015 ق 205 )

شرح خبراء القانون

التزوير في المحررات : هو « تغيير الحقيقة في محرر بإحدى الطرق التي نص عليها القانون تغييراً من شأنه إحداث ضرر ومقترن بنية استعمال المحرر المزور فيما أعد له » .

يتضمن هذا التعريف بیان العناصر القانونية التي يفترضها التزوير في المحررات : فثمة تغيير للحقيقة، وهذا التغيير موضوعه محرر؛ ويتعين أن تكون وسيلته هي إحدى الطرق التي حددها القانون على سبيل الحصر؛ وينبغی أن يكون من شأنه إحداث ضرر؛ ويتعين أن يقترن بالقصد الجنائي الخاص التي يفترض نية استعمال المحرر المزور فيما زور .

علة التجريم :

علة تجريم التزوير في المحررات أنه يهدر الثقة العامة فيها، ويخل تبعاً لذلك بالضمان واليقين والإستقرار في المعاملات وسائر مظاهر الحياة القانونية في المجتمع : فالناس يعتمدون على الأوراق المكتوبة لإثبات علاقاتهم، والدولة تعتمد عليها في ممارسة اختصاصاتها المتنوعة؛ وهي وسيلة أساسية لحسم المنازعات قضاء، إذ تقوم بها الأدلة الكتابية التي تعد أهم وسائل الإثبات القانونية . ولا يتاح للكتابة أداء هذا الدور إلا إذا منحها الناس ثقتهم، فآمنوا بصدق البيانات تثبتها، أما إذا كان تعارضها والحقيقة هو الوضع الغالب، فإن ذلك يؤدي إلى رفض الناس الإعتماد عليها دون أن تكون لديهم الوسيلة التي تحل محلها، ويعني ذلك تعثر التعامل وتعقيده، وعرقلة نشاط الدولة واضطرابه ويحمى الشارع بتجريم التزوير هذه الثقة العامة في المحررات .

الركن المادي للتزوير في المحررات :

تقسيم : يقوم الركن المادي للتزوير في المحررات على عنصرين : تغيير الحقيقة، وكون ذلك بإحدى الطرق التي نص عليها القانون فالعنصر الأول هو الفعل أو النشاط الإجرامي، والعنصر الثاني هو وسيلة هذا النشاط ويعني ذلك أن التزوير ينتمي إلى فئة الجرائم التي إعتد فيها الشارع بوسيلة النشاط الإجرامي .

تغيير الحقيقة :

الأهمية القانونية لتغيير الحقيقة : تغيير الحقيقة هو الفعل الإجرامي الذي يقوم به التزوير في المحررات، ومن ثم فإن انتفى تغيير الحقيقة انتفى التزوير، إذ لا قيام الجريمة بغير فعل إجرامي . وتطبيقاً لذلك، فإنه إذا أثبت شخص في محرر بيانات تطابق الحقيقة فلا يقوم بذلك تزوير، ولو كان سيء النية يعتقد أن ما يثبته مخالف للحقيقة، وترتب على فعله ضرر : فلا يسأل عن تزوير من يمسك بيد مريض فيحركها ويعينه على إثبات بيانات تعبر عن إرادته، كإنشاء وصية أو الرجوع عن وصية سابقة، إذ البيانات التي ساعد على إثباتها في المحرر تطابق الحقيقة تماماً، والحقيقة في هذا الفرض هي ما اتجهت إليه إرادة من ينسب إليه المحرر. ولا يسأل عن تزوير من يضع إمضاء شخص برضائه في محرر، إذ ما يعنيه فعله هو نسبة المحرر إلى صاحب الإمضاء، ويطابق ذلك الحقيقة، لأن صاحب الإمضاء قد رضي بأن ينسب المحرر إليه . ولا يسأل عن تزوير من يملى بسوء نية على موظف عام بيانات يقرر فيها وفاة قريب له لكي يحصل على مزية، ويتبين أن قريبه قد مات دون علمه في الوقت الذي کان يملي فيه هذه البيانات بحيث كانت في ذلك الوقت مطابقة للحقيقة . 

 الدلالة القانونية لتغيير الحقيقة : لتغيير الحقيقة دلالته القانونية التي لا تتفق بالضرورة ودلالته اللغوية، والدلالة القانونية لتغيير الحقيقة مستمدة من علة تجريم التزوير ووفقاً لهذه الدلالة، فإنه يكفي أن يكون تغيير الحقيقة جزئياً أو نسبياً ولكن يتعين من ناحية ثانية أن يمس تغيير الحقيقة المركز القانوني للغير دون رضائه . فالقاعدة الأولى توسع من دلالة تغيير الحقيقة، والقاعدة الثانية تضيق من هذه الدلالة .

تغيير الحقيقة الجزئي : لا يعني تغيير الحقيقة كون كل بيانات المحرر كذباً خالصاً، بل إن القانون يكتفي بأقل نصيب من تغيير الحقيقة . فإذا لم يكن في المحرر غیر بیان واحد مخالف للحقيقة وكانت سائر بياناته صحيحة، عد ذلك كافياً لقيام التزوير ؛ ومن باب أولى يتوافر التزوير إذا كان بعض البيانات مغايراً للحقيقة والبعض الآخر مطابقاً لها . وعلة ذلك أن أقل نصيب من تغيير الحقيقة في المحرر يكفي لإهدار كل الثقة التي يمثلها، إذ هو على الأقل يثير الشك حول صدق البيانات الصحيحة . وتطبيقاً لذلك، فإنه إذا عهد شخص إلى آخر بأن يدون محرراً أملاه عليه، فأثبت جميع بياناته على الوجه الذي أملى عليه، عدا تاريخ المحرر الذي غيره، کی يجعله خاضعاً لقانون غير القانون الساری وقت تحريره؛ أو غير مكانه کی يجعل الإختصاص بالنزاع الذي قد يثور في شأنه لمحكمة مختلفة، فإن التزوير يعد محققاً بذلك، على الرغم من مطابقة البيانات الأخرى للحقيقة مطابقة تامة .

تغيير الحقيقة النسبي : يكتفي القانون بتغيير الحقيقة النسبي. ويقود ذلك إلى البحث في المدلول القانوني للحقيقة : ليس المراد بالحقيقة المطابقة الكاملة للواقع، أي الحقيقة الواقعية المطلقة، ولكن المراد بها المطابقة لما كان يتعين إثباته في المحرر وفقاً للقانون، أي الحقيقة القانونية النسبية . وما يتعين إثباته وفقاً للقانون يندرج فيه أمران : ما يتعين إثباته وفقاً لإرادة صاحب الشأن، فهو الذي يعبر المحرر عن إرادته فيتعين لصحته أن يكون مطابقاً لها؛ وما يتعين إثباته وفقاً لقرينة يقررها القانون  فإذا أثبت في المحرر ما يخالف إرادة صاحب الشأن أو ما يخالف القرينة التي قررها القانون تحقق التزوير بذلك، ولو كان ما أثبت فيه مطابقاً للواقع .

وتطبيقاً للأصل الأول، فإنه يرتكب التزوير من يحرر شهادة ميلاد أو شهادة دراسية أو وثيقة زواج ويضمنها بيانات مطابقة للحقيقة، ولكنه ينسبها زوراً إلى الموظف المختص وإلى السلطة التي تصدر عنها، فيقلد إمضاء هذا الموظف ويضع أختام هذه السلطة  ويرتكب التزوير كذلك من يبعث بشكوى ضد موظف عام يثبت فيها وقائع حقيقية، ولكنه في سبيل تدعيمها يضع عليها توقيعات أشخاص لم يوقعوا عليها، ذلك أنه قد نسب إليهم ما لم يصدر عنهم، ولم تتجه إراداتهم إلى تحمل تبعة صدوره عنهم، وفي هذا القدر يرتكب تغيير الحقيقة الذي يقوم التزوير به  .

وتطبيقاً للأصل الثاني، فإنه يرتكب تزويراً من يثبت في محرر بيانات تخالف الحقيقة كما حددتها قرينة قانونية، ولو كانت هذه البيانات تطابق الواقع  وتوضيحاً لذلك نشير إلى أن القانون يتبنى قرينة « الولد للفراش »، فيقرر بناء عليها نسبة المولود لزوج المرأة التي حملت به أثناء الزوجية، وهو بذلك يجعل الحقيقة هي تقرير النسب على هذا النحو، وبناء على ذلك فإذا أثبت شخص في شهادة الميلاد المولود لغير والده - محدداً وفقاً لهذه القرينة - فإنه يرتكب تزویراً، ولو كانت نسبته إلى الشخص الآخر مطابقة للواقع، ذلك أنها مخالفة للحقيقة القانونية النسبية .

مساس تغيير الحقيقة بالمركز القانوني للغير : يجرم الشارع التزوير لأنه عدوان على الثقة العامة في المحررات . والأهمية الإجتماعية المحررات أنها وسيلة إعلان عن الإرادة وأداة لإثبات الحقوق، أو هي في تعبير آخر وسيلة للكشف عن مراكز قانونية واستظهار عناصرها وحدودها . وهذه الأهمية ذات طابع إجتماعي، أي تفترض بالضرورة علاقة بين شخصين أو أكثر، وتنظيماً للحقوق والالتزامات الناشئة عن هذه العلاقة. وإهدار الثقة في المحرر يعني أن من غير الحقيقة فيه قد إعتدى على المركز القانوني الذي يحتله غيره، وتتحدد به علاقاته بمن عداه، وترتبط به حقوقه والتزاماته وصفاته، وذلك دون رضائه، فأثبت فيه بيانات مخالفة للحقيقة تمس هذا المركز وتتناول على نحو مباشر عناصره فتجعل لها وجوداً أو نطاقاً لا يطابق الحقيقة أما إذا كانت البيانات التي أثبتها المتهم لا تتعلق مباشرة بمركز الغير، وإنما تمس مركزه نفسه، وتتناول عناصره بالتعديل المخالف للحقيقة، فلا محل للتزوير، لأن الفعل لا يتضمن تغييراً للحقيقة في مدلوله القانوني . وتطبيقاً لذلك فإن من يقرر في محرر لنفسه حقوقاً ليست له، أو ينكر التزامات ارتبط بها، أو ينسب لنفسه صفات لا يتمتع بها، أو ينفي عن نفسه صفات لصيقة به لا يعد مغيراً للحقيقة ؛ ولكنه إذا نسب ذلك لغيره دون رضائه اعتبر تغيير الحقيقة متوافراً . ومؤدى ذلك أنه إذا نسبه إليه برضائه، فإن تغيير الحقيقة في مدلوله القانوني لا يتحقق بذلك، إذ يعنی ذلك أن الغير تناول مركزه الشخصي بالتعديل عن طريق المتهم، ومن ثم يكون كل منهما متصرفاً في النطاق الذي يسمح له به القانون .

وتترتب نتائج هامة على هذا التحديد لنطاق تغيير الحقيقة، وهذه النتائج نجملها فيما يلي : أولاً، لا تعد الصورية تزويراً . ثانياً، لا يعد تغيير الحقيقة في الإقرارات الفردية - كقاعدة عامة - تزويراً . ثالثاً، لا يعد تزويراً التغيير الذي يأتيه من له الحق في إثبات الواقعة إبتداء .

لا تعد الصورية تزویراً : في الصورية يبطن المتعاقدان في العقد المستتر غير ما يعلنانه في العقد الظاهر : فإذا كان العقد المستتر هو المعبر عن الإرادة الحقيقية للمتعاقدين، فهو تبعا لذلك الذي يمثل الحقيقة ؛ وبمقدار ما يبتعد عنه العقد الظاهر، فهو ينطوى بذلك على ما يخالف الحقيقة . فجوهر الصورية تعارض بين ما اجتمعت عليه إرادتا المتعاقدين وما أظهراه للغير  ومن أمثلة الصورية أن يفرغ المتعاقدان الهبة في صورة بيع تهرباً من الشكلية، أو يرفعا مقدار الثمن في عقد البيع لصرف الشفيع عن طلب الشفعة، أو ينقصا منه لتخفيض رسوم التسجيل، أو يحددا العقار المبيع بغير حدوده الحقيقية فيغفلان ذكر الجزء المجاور لعقار الشفيع تفادياً لطلبه الشفعة .

يبدو للوهلة الأولى أن الصورية تغيير للحقيقة يقوم به التزوير : فالعقد الظاهر يغاير الحقيقة التي يثبتها العقد الباطن، وهذا التغيير بإحدى الطرق التي حددها القانون، وهي « جعل واقعة مزورة فى صورة واقعة صحيحة )) وإعتماد الغير على العقد الظاهر الذي لا وجود له في الحقيقة من شأنه أن يحدث ضرراً، وقد إقترن ذلك بالقصد . وقد قال بذلك بعض الفقهاء، فكانت القاعدة عندهم أن كل صورية تزوير إلا إذا إنتفى أحد أركانه، كما لو ثبت أنه ليس من شأنها إحداث ضرر، أو ثبت إنتفاء القصد. ويخرجون من طائلة العقاب كذلك الحالات التي قرر القانون لها عقوبة خاصة، كالصورية تهرباً من ضريبة أو رسم، إذ يعني ذلك قصد الشارع الإكتفاء بهذه العقوبة دون عقوبات التزوير .

ولكن هذا الرأي ينقضه أن الشارع المدني قد إعترف بالصورية، ورتب على العقد الظاهر (الذي هو في ذاته عقد صوري) آثاراً قانونياً : فالمادة 244 من القانون المدني تنص على أنه « إذا أبرم عقد صوري، فلدائني المتعاقدين وللخلف الخاص، متى كانوا حسني النية، أن يتمسكوا بالعقد الصوري، كما أن لهم أن يتمسكوا بالعقد المستتر ويثبتوا بجميع الوسائل صورية العقد الذي أضر بهم . وإذا تعارضت مصالح ذوي الشأن، فتمسك بعضهم بالعقد الظاهر وتمسك الآخرون بالعقد المستتر، كانت الأفضلية للأولين » . وهذا النص يقرر مشروعية الصورية ويرتب عليها آثاراً، فلا يتصور في المنطق القانوني أن تقوم بها جريمة، إذ النظام القانوني كل متسق لا يجوز أن تتناقض أجزاؤه . بل إن المادة 488 من القانون المدني تنص على أن « تكون الهبة بورقة رسمية، وإلا وقعت باطلة ما لم تتم تحت ستار عقد آخر »، فالشارع لا يقتصر على الإعتراف بمشروعية الصورية، وإنما يرتب عليها الإعفاء من إجراء وإزالة سبب للبطلان، ولا جدال في أنه إذا ستر المتعاقدان عقداً بعقد آخر إبتغاء غرض مشروع  كما لو سترا صلحاً أو قسمة في صورة بيع، فلا تقوم بذلك جريمة، إذ هما يستعملان حقاً قرره القانون . وفي أغلب الحالات التي قرر فيها الشارع للصورية عقوبة مخففة تكشف عباراته عن قصده إستبعاد عقوبات التزوير تطبيقاً لقاعدة « الخاص يقيد العام » وفي حالات عديدة من الصورية تستبعد عقوبة التزوير لانتفاء الضرر أو القصد . وكل ذلك يمهد لوضع قاعدة عامة في شأن التكييف الجنائي للصورية، وأهمية هذه القاعدة في استظهار حكم القانون حين يبدو أن جميع أركان التزوير متوافرة .

القاعدة العامة أن الصورية لا تعتبر تغييراً للحقيقة في المدلول الذي يعنيه الشارع في جريمة التزوير وعلة ذلك أن ما أثبته المتعاقدان قد تعلق بخالص حقوقهما وكان منصرفاً إلى مركزيهما، ولم يكن منصباً على حقوق غيرهما أو مركزه ؛ ولهما أن يتصرفا في حقوقهما وفق ما يريدان، فلهما من باب أولى أن يعلنا تصرفهما أو يستراه كله أو بعضه، وإن فعلاً ذلك في العقد الظاهر فهما في نطاق حقهما، ولا تزوير فيما يفعلان ولا يريد الشارع أن يضع الناس في الحرج بأن يخيرهم بين أمرين : الكشف عما تقتضي مصلحتهم ستره والتعرض بذلك لأضرار قد تكون جسيمة، أو ستر ذلك والتعرض لعقاب التزوير، بل يسمح بصيانة مصلحتهم دون التعرض للعقاب . وتطبيقاً لهذه القاعدة فإنه لا يسأل عن تزوير من حررا عقد بيع عقار، وأغفلا ذكر الجزء المجاور لعقار الشفيع، بنية حرمانه من طلب الشفعة .

ولكن هذه القاعدة يرد عليها تحفظ : فإذا أبرم تصرف قانونی ونشأ به حق للغير، ثم أدخل عليه تغيير صوري من شأنه المساس بهذا الحق قام التزوير بهذا التغيير  وهذا التحفظ لا يناقض القاعدة : فالبيان الصوري لم يقتصر على التصرف في مراكز أطراف الصورية، وإنما مس مرکز شخص سواهما، فتناوله بالتعديل الضار به، فإنتفت بذلك العلة التي خرجت بها الصورية من نطاق التزوير . وشرط قيام التزوير أن تكون الصورية لاحقة على نشوء مركز الغير ومتضمنة المساس الضار به . وتطبيقاً لذلك فإنه إذا غير طرفا عقد بيع عقار فيه بعد إبرامه وتعلق حق الشفيع به تغييراً من شأنه حرمانه من طلب الشفعة، كما لو أعاد تحديده على نحو ينتفى به الجوار بين العقارين كان هذا التغيير تزویراً وإذا غيراً في الثمن بعد ثبوت تاريخ العقد توصلاً إلى الإضرار بحقوق الخزانة العامة بتخفيض رسوم التسجيل كان ذلك تزویراً .

تغيير الحقيقة في الإقرارات الفردية : الإقرار الفردي هو بيان أو مجموعة من البيانات يثبتها شخص في محرر، وتكون متعلقة بمركزه القانوني وحده، غير متضمنة ما يمس مركز غيره : فالمقر يذكر في المحرر أن له حقوقاً أو أنه مرتبط بإلتزامات أو أن له صفات دون أن يجاوز ذلك إلى ذكر شيء متعلق بالمركز القانوني لغيره وأهم أمثلة للإقرارات الفردية إقرار الممول بمقدار دخله ليكون أساساً لتقدير ضريبة الإيراد العام عليه، وإقرار مستورد البضاعة بقيمتها لتحديد الضريبة الجمركية المستحقة عليها، وإقرار شخص بمقدار ما أنفقه في مصلحة آخر کي يطالبه به، و إقرار المدين بما في ذمته قبل دائنه، وأقوال الخصوم في الدعاوى أو المتهم في التحقيق دفاعاً عن مواقفهم القانونية .

القاعدة العامة أن الكذب الذي يتضمنه إقرار فردي لا يعد تغييراً للحقيقة في مدلول جريمة التزوير . وعلة ذلك أن هذا الكذب متعلق بالمركز القانوني للمقر، وله أن يتصرف فيه كما يشاء، فله أن يعلن في شأنه ما يريد ويستر ما يريد، وهو في ذلك لا يجاوز نطاق حقه وبالإضافة إلى ذلك، فالكذب في هذه الإقرارات يندر أن ينشأ عنه ضرر : فليست لها قوة في الإثبات، إذ لا يستطيع شخص أن ينشئ لنفسه سنداً، وهي ليست محل ثقة من تقدم إليه، إذ هي صادرة عمن يحاول التخفف من عبء التزاماته أو الزيادة من حقوقه . وهي في النهاية محل تمحيص من تقدم عليه، وواجبه يفرض عليه ذلك، فإن أغفل فهو مقصر. وقد قضت محكمة النقض تطبيقاً لذلك بأن المدين الذي يحرر على نفسه سنداً بالدين الذي له في ذمة دائنه فيغير من رقمه بالانقاص منه لا يرتكب تزویراً ؛ وقضت كذلك بأن البيان الخاص بمحل إقامة المدعى عليه في عريضة الدعوى هو مما تصدق عليه هذه الأوصاف، فإذا غير فيه المدعي فلا عقاب عليه، طالما لم يقم المحضر بتأييد هذا البيان عالماً أو حسن النية  .

وهذه القاعدة يرد عليها تحفظ لا يتعارض مع علتها، وموطن هذا التحفظ أن يحتوى الإقرار الفردي محرر رسمی، وأن يتضمن الإقرار - في صورة ما – نسبة واقعة إلى الغير بحيث تكون حجة عليه . ولذلك صورتان : الصورة الأولى، هي حيث يفرض القانون على المقر أن يلتزم الصدق في إقراره، لأن وضعه أدنى إلى وضع الشاهد، والوقائع التي يدلي بإقراره في شأنها ذات أهمية اجتماعية من ناحية، وذات صلة بالغير من ناحية ثانية، فيقتضي ذلك اعتباره تزویراً . ومثال ذلك ما يقع من كذب في الإقرارات الفردية التي تتضمنها دفاتر قيد المواليد والوفيات وقسائم الزواج والطلاق : فمن يقر كذباً في دفتر المواليد أن طفلاً ولد من إمرأته وهي ليست أمه الحقيقية ؛ أو ينسبه إلى غير أبيه ؛ ومن يقرر أن شخصاً معيناً قد توفي في حين أن المتوفى شخص آخر، ومن يقرر أمام المأذون أنه وكيل الزوجة أو ولى أمرها في حين أنه ليست له بها هذه العلاقة، كل أولئك يسألون عن تزوير . والصورة الثانية موضعها أن يتدخل الموظف العام المختص في المحرر فيؤيد صحة البيان الذي تضمنه الإقرار الفردي مفترضاً صدقه باعتباره صادراً ممن يعلم الحقيقة في شأنه، فيؤدي هذا التدخل إلى أمرين : فمن ناحية يستحيل المحرر العرفي إلى محرر رسمي . ومن ناحية ثانية، يعتبر البيان الذي تضمنه الإقرار الفردي منسوباً إلى الموظف، باعتباره قد تحقق منه، ومتناولاً في الوقت ذاته بالمساس مركز الشخص الذي تعلق به هذا البيان . ومثال البيان الخاص بمحل إقامته المدعى عليه في عريضة الدعوى، فهو في أصله إقرار فردی، والكذب المتعلق به لا يقوم به تزوير ؛ ولكن إذا أيد المحضر هذا البيان الكاذب عالماً أو حسن النية، قام بذلك التزوير في محرر رسمي، وسئل المدعي باعتباره شريكاً فيه .

التغيير الذي يصدر من صاحب الحق في إثبات الواقعة إبتداءً : إذا إعترف القانون لشخص بالحق في تحديد أمر أو إتخاذ قرار ثم إثبات البيانات المتعلقة بما حدده أو قرره في محرر، فإن فعله لا تقوم به جريمة . وهو لا يرتكب من باب أولى جريمة إن غير في البيانات التي أثبتها في هذا الشأن شخص آخر، إذ ليست لغيره صفة في إثبات هذه البيانات، فإن غير فيها، فجعلها على النحو الذي يحقق مصلحته أو يعبر عن إرادته، فهو بذلك يدفع عدواناً على حقه، ويرفض تدخلا من غير ذي صفة، ويستعمل حقه على الوجه الذي قرره له القانون  وبذلك تتضح العلة في انتفاء التزوير : فمن يغير البيانات على الوجه السابق لا ينسب إلى الغير بيانات لم تصدر عنه، وإنما يقرر إبتداء بيانات ينسبها إلى نفسه بإعتباره صاحب الحق في إثباتها، فليس في تصرفه ما يمس مركز غيره . وتطبيقاً لهذه القاعدة، فإنه إذا قدم المدعي عريضة دعواه إلى كاتب المحكمة كي يعلنها، فأشر عليها بتحديد جلسة معينة لنظر الدعوى، فلم يرق هذا التحديد للمدعي، فمحا إشارة الكاتب ووضع بدلاً منها تاريخاً آخر، فلا يسأل عن تزوير « لأن هذا التغيير إنما حصل أخذاً بحق مغموط، إذ كاتب المحكمة ليس من حدوده التحكم على ذوى الشأن في تحديد أيام الجلسات، بل هو إذا صار توسيطه في هذا فعليه أن يحدد تاريخ الجلسة الذي يمليه عليه الطالب »  : فإذا غير المدعي من تأشيرة الكاتب فهو لا ينسب إليه بياناً، وإنما يقرر إبتداء بیاناً ينسبه إلى نفسه ويستعمل بذلك حقاً حاول غيره أن يغتصبه .

ولكن محل تطبيق هذه القاعدة أن يكون للمتهم وحده الحق في إثبات البيانات التي تناولها التغيير بحيث لا يتضمن فعله نسبة بيان إلى الغير أما إذا كان من شأن الغير أن يراجع هذه البيانات، ويتخذها أساساً لتحديد أو قرار، بحيث يعني التغيير في هذه البيانات تشويه الأساس الذي اعتمد عليه الغير في إثبات بياناته، وينسب إليه خلافاً للحقيقة أنه إطلع على هذا التغيير، واستند إليه فيما أثبته، فإن التغيير يعتبر تزویراً، إن توافرت سائر أركانه : فإذا قدم المدعى عريضة دعواه إلى الموظف المختص الذي قدر الرسم المستحق عليها جاعلاً أساس هذا التقدير قيمة الأشياء موضوع الدعوى، ثم غير المدعي في هذه الأشياء تغييراً زاد به من قيمتها، كان مسئولاً عن تزوير وتعليل ذلك أنه إذا كان من حق المدعي أن يحرر عريضة دعواه كما يشاء ويحدد الأشياء التي يرى المطالبة بها على النحو الذي يرتضيه، وكان من حقه أيضاً أن يغير في بياناتها كما يشاء، فإن حقه هذا ترد عليه القيود إذا ما اتخذ الموظف المختص أحد بيانات العريضة أساساً لبيان آخر ؛ وفي هذا الفرض اتخذ الموظف قيمة الأشياء موضوع الدعوى أساساً لتقدير الرسم، فإذا غير المدعي من هذه القيمة، فهو ينسب إلى الموظف أنه إطلع على البيانات بعد تغييرها، واتخذها معدلة أساساً لتقدير رسم الدعوى، في حين أنه لم يعلم بهذا التغيير، ولو كان قد إطلع عليه لقدر الرسم على نحو اخر .

طرق التزوير :

حصر الشارع طرق التزوير : حدد الشارع طرق التزوير على سبيل الحصر، ومن ثم فلا قيام للتزوير إلا إذا كان تغيير الحقيقة بإحدى هذه الطرق . وعلة هذا الحصر هي الحرص على أن توضع للتزوير الحدود المعقولة التي تقضيها المصلحة الإجتماعية .

وقد نص الشارع على طرق التزوير في المادتين 211، 213 من قانون العقوبات، وطرق التزوير في المحررات العرفية هي بعينها طرق التزوير في المحررات الرسمية، إذ أن الشارع قد أحال في المادة 215 من قانون العقوبات الخاصة بالتزوير في المحررات العرفية على المادتين 211، 213 اللتين بينت فيها طرق التزوير في المحررات الرسمية . وتضاف إلى هذه الطرق طريقتا التقليد (المادتان 206، 2089) والاصطناع المادتان (217، 221)، ذلك أن نصوص التزوير يكمل بعضها بعضاً، وهي في مجموعها تحدد طرق التزوير التي نص الشارع عليها .

التفرقة بين التزوير المادي والتزوير المعنوي : تنقسم طرق التزوير إلى قسمين : طرق التزوير المادي وطرق التزوير المعنوي .

فالتزوير المادي هو ما ترك أثراً مادياً يدل على العبث بالمحرر، وقد يتبين هذا الأثر بالحواس المجردة، وقد لا يتبين إلا بالاستعانة بالخبرة الفنية . وفي عبارة أخرى : التزوير المادي يمكن القطع بارتكابه إذا فحصنا المحرر وتبيناً ما يتضمنه من مظاهر وعلامات مادية، واستخلصنا من فحصها دلالتها على تشويه بيانات المحرر، وهذه المظاهر هي من قبيل الكشط أو المحو أو الطمس أو تقليد خط الغير أو نسبة كتابة أو إمضاء إلى غير صاحبها أو إصطناع المحرر بأكمله .

أما التزوير المعنوي فيتحقق بتشويه المعاني التي كان يجب أن يعبر عنها المحرر وفقاً لإرادة من ينسب إليه بعض بياناته : فالفرض أن شخصاً كان عليه أن يثبت في المحرر بيانات ذات دلالة معينة، فشوه هذه الدلالة بأن أثبت بيانات لها دلالة مختلفة، مثال ذلك أن يطلب شخص من آخر تدوین محرر يتضمن بيانات معينة فيدونه مشتملاً على بيانات مختلفة، أو أن يدون شخص في محرر بيانات ينسبها إلى الغير متضمنة وقائع تخالف الحقيقة . ومن ذلك يتضح أن التزوير المعنوي يفترض أن المحرر تضمن مظاهر مادية يستدل بها على العبث به : ذلك أن عملية تدوينه هي نفسها عملية تشويه فحواه ومضمونه، فمظهر المحرر لا يكشف عن تزوير، وإنما يقتضي التحقق من التزوير معرفة الحقيقة من مصادر أخرى، كالكشف عن إرادة من ينسب إليه المحرر، أو تحرى صدق الوقائع التي تثبتها بياناته، فإن ثبت الإختلاف بين الحقيقة وما تضمنته بيانات المحرر كان ذلك الدليل على التزوير .

أهمية التفرقة بين التزوير المادي والتزوير المعنوي : التزوير المادي أسهل إثباتاً من التزوير المعنوي، ويرجع ذلك إلى ترك التزوير المادي آثاراً مادية تكشف عنه، فتكون الدليل على حصوله في حين لا وجود لمثل هذه الآثار في التزوير المعنوي  والتزوير المادي قد يرتكب أثناء تدوين المحرر وقد يرتكب بعد الفراغ من تدوينه : فإصطناع محرر ونسبته إلى شخص لم يصدر عنه تزوير مادي أثناء تدوين المحرر، ومحو عبارات من محرر دون فعلاً أو إضافة بيان إليه هو تزویر مادی بعد الفراغ من تدوین المحرر أما التزوير المعنوي فلا يتصور ارتكابه إلا أثناء تدوين المحرر، لأنه يفترض تشويه معناه ممن يحرره، وتشويه معنى البيان على هذا النحو لا يأتيه إلا من يثبته .

والأصل أن الشارع لا يفرق من حيث العقاب بين التزوير المادي والتزوير المعنوي : فمن يزور محرراً تزویراً مادياً يعاقب بذات العقوبة التي توقع عليه لو زوره تزويراً معنویاً  ولكن يرد على هذا الأصل تحفظ : ذلك أن الشارع يقرر للتزوير الذي يرتكبه موظف عام فى محرر رسمى عقوبة أشد مما يقرره للفرد العادي إذا ارتكب هذا التزوير ؛ وهذه التفرقة في العقاب غير متصورة إلا إذا كان التزوير مادياً، إذ يجوز أن يسأل فرد عادي باعتباره فاعلاً لتزوير مادي في محرر رسمي، كما لو اصطنعه ونسبه إلى الموظف المختص بتحريره . أما إذا كان التزوير معنوياً في محرر رسمی، فلا يتصور أن يسأل عنه فرد عادي باعتباره فاعلاً له، إذ هذا النوع من التزوير لا يأتيه إلا من يعهد إليه بتدوين المحرر ولا يرتكب إلا أثناء تدوينه ؛ ولا يعهد بتحرير المحرر الرسمي إلا إلى موظف عام، ومن ثم إستحال أن يسأل فرد كفاعل لتزوير معنوي في محرر رسمي، وإنما يتصور أن يسأل بإعتباره شريكاً للموظف في هذا التزوير، والقاعدة أن للشريك عقوبة الجريمة التي ساهم فيها، ومن ثم توقع عليه ذات العقوبة التي يتعرض لها الموظف .

طرق التزوير المادي :

بيان طرق التزوير المادي : نص الشارع على طرق خمس للتزوير المادی، هي : 1- وضع إمضاءات أو أختام أو بصمات مزورة . 2- تغيير المحررات أو الأختام أو الإمضاءات أو زيادة كلمات . 3- وضع أسماء أو صور أشخاص آخرين مزورة. 4- التقليد . 5- الاصطناع .

1- وضع إمضاءات أو أختام أو بصمات مزورة

ماهية هذه الطريقة: جوهر هذه الطريقة أن المزور ينسب المحرر إلى شخص لم يصدر منه، ذلك أن ظهور إمضاء شخص أو ختمه أو بصمته في محرر يعني أن ما يتضمنه قد صدر عنه، إذ الإمضاء وما في حكمه هو رمز الشخصية ودليلها : فالجاني بإلتجائه إلى هذه الطريقة يسند إلى شخص ما لم يصدر عنه . ويرتكب التزوير بهذه الطريقة، ولو كان ما تضمنه المحرر أعلى الإمضاء المزور مطابقاً للحقيقة تمام المطابقة .

الإمضاء المزور : يرتكب التزوير بهذه الطريقة إذا وضع الجاني إمضاء شخص آخر في المحرر، أو في تعبير أدق « إذا وضع إمضاء ليست له في المحرر». ويكتفى القانون بوضع الإمضاء، ولا يتطلب تقليده وإذا قلد الجاني إمضاء المجني عليه، فسواء أن يكون قد أتقن التقليد أو لم يتقنه . ويقع التزوير بهذه الطريقة، ولو كان رسم الإمضاء مخالفاً للرسم المعتاد لإمضاء المجنى عليه، كما يقع ولو كان الإمضاء منسوب إلى شخص لا يقرأ ولم يسبق له أن وقع، أو نسب إلى شخص مجهول، أو لا وجود له، أي شخص وهمي .

الضابط في اعتبار الإمضاء مزوراً : يجمل هذا الضابط في أن إمضاء يعتبر مزوراً إذا لم يكن وضعه في المحرر تعبيراً عن إرادة صحيحة لمن ينسب إليه، وينسب إليه المحرر تبعاً لذلك . وتطبيقا لهذا الضابط يعد الإمضاء مزوراً إذا صدر عن شخص ونسب إلى آخر، أو في تعبير مختلف إذا لم يكن من حق الشخص الذي وضعه أن يوقع به، لأنه ليس له، وليس من حقه أن يوقع به نيابة عن صاحبه . فيعتبر مزوراً إمضاء شخص باسمه العائلي الصحيح بعد أن أضافه إلى إسم شخصی لا يحمله محاولاً بذلك أن ينسب المحرر إلى شخص آخر، أو توقيعه بإسم شخصی صحیح و إضافته إلى إسم عائلي غير صحيح، وتوقيع شخص بإسم سمي له (أي شخص آخر يحمل ذات الإسم) إذا استخلص من ملابسات التوقيع نسبة المحرر إلى ذلك الشخص .

ولكن إذا كان من حق المتهم أن يوقع بإسم غيره، أو على الأقل بإسم غير إسمه الرسمي الذي يحمله، فإن التزوير لا يقوم بذلك، إذا الإمضاء منسوب إلى من صدر عنه : فلا تزوير في توقيع الشريك بإسم الشركة، أو توقيع الزوجة بإسمها الذي كانت تحمله قبل زواجها، أو توقيع شخص بإسم شهرته، أو توقيع شخص بإسم غيره برضائه .

ويعد الإمضاء مزوراً، ولو كان في ذاته صحيحاً صادراً عمن ينسب إليه ؛ ولكن إرادته لم تتجه إلى وضعه في المحرر، كما لو أكره على ذلك أو أخذ منه مباغتة، مثال ذلك أن يدس المحرر بين أوراق ذات فحوى مختلف فيوقعه المجنى عليه دون أن يدرك حقيقته .

الختم المزور : يرتكب التزوير بهذه الطريقة من يضع على المحرر ختم شخص لم تتجه إرادته إلى أن ينسب المحرر إليه، سواء صنع ختماً بإسمه مقلداً ختمه الحقيقي أو غير محاول تقليده ثم وقع به، أو إستعمل الختم الحقيقي للمجني عليه دون علمه أو على الرغم منه، إذ البصمة في هذه الحالة الثانية مزورة، وإن كان الختم في ذاته صحيحاً وسواء أن يكون الختم المزور لشخص حقیقی أو لشخص وهمي .

البصمة المزورة : جعل الشارع للبصمة حكم الإمضاء، فنصت المادة 225 من قانون العقوبات على أن « تعتبر بصمة الإصبع كالإمضاء في تطبيق أحكام هذا الباب »  : فالبصمة هي بديل الإمضاء لدى شخص لا يستطيع التوقيع، وقد اصطلح عرفاً على دلالتها على شخصية صاحبها، وظهورها في محرر يخلع عليه ثقة ويولد إقتناعاً بصدوره عمن تنسب إليه البصمة الموضوعة عليه . ويرتكب التزوير بهذه الطريقة من يضع في محرر بصمته، أو بصمة شخص سواه ثم ينسبها إلى غير صاحبها .

2- تغيير المحررات أو الأختام أو الإمضاءات أوزيادة كلمات

ماهية هذه الطريقة : تعنى هذه الطريقة كل أساليب التشويه المادي التي تتصور بالنسبة للمحرر بعد الفراغ من تحريره . ويستهدف المزور بهذه الطريقة الإيهام بأن المحرر كان له منذ تحريره المظهر والفحوى اللذان صاراً له بعد التغيير، أي الإيهام بأن كاتب المحرر قد أدخل عليه هذه التعديلات لحظة كتابته . وأهم ما تفترضه هذه الطريقة أن الفعل الذي تقوم به قد ارتكب في وقت لاحق على تدوين المحرر . ويترتب على ذلك أن التغيير الذي يصدر عن كاتب المحرر وقت كتابته لا تقوم به هذه الطريقة، وإنما يعتبر تزوير معنوياً .

وتفترض هذه الطريقة تشويهاً في معنى المحرر بنسبة بيانات إلى الموقعين عليه لم تصدر عنهم . ومؤدى ذلك أنه إذا كان التغيير لا يتعارض مع إرادات الموقعين على المحرر، فلا يقوم بذلك التزوير : فإذا أدخل المتهم على المحرر تغييراً مادياً بإتفاق الموقعين عليه، فلا يعد ذلك تزویراً وإذا أدخل شخص على محرر، تعديلاً مادياً لا يمس معناه كما لو وضع خطاً تحت أحد بياناته أو أضاف لفظ « مصری » عقب لفظ « جنيه »، فلا يعد الفعل تزویراً وإذا أدخل على محرر تغيير شوه معناه، فأزال المتهم هذا التغيير ورد معنى المحرر إلى أصله، فلا يعتبر فعله تزویراً . ولكن إذا كانت للتصحيح قواعد قانونية فلم يتبعها المتهم، فإن فعله يتضمن تغييراً للحقيقة، باعتباره ينطوي ضمناً على إدعاء بمراعاة هذه القواعد، وهو ما يخالف الحقيقة .

وتفترض هذه الطريقة أن المتهم قد أبقى للمحرر معنى، ولكنه معنی يخالف الحقيقة . أما إذا كان من شأن فعله أن تجرد المحرر من المعني بحيث فقد كل دلالة، فليس الفعل تزویراً، وإنما تقوم به جريمة إتلاف السندات (المادة 365 من قانون العقوبات) . وتطبيقاً لذلك فإن إعدام المحرر كله هو إتلاف، أما إعدامه جزئياً بحيث بقيت فيه بعض بیانات ذات دلالة تخالف الدلالة التي كانت تستنتج منه في مجموعة فهو تزوير بهذه الطريقة، ويجوز أن يرد التزوير بهذه الطريقة على محرر سبق التغيير فيه، فسبق تزوير المحرر يبقى له مع ذلك صلاحيته لتزوير تال .

صور هذه الطريقة : لهذه الطريقة صور ثلاث : الحذف والإبدال والإضافة . وفي جميع هذه الصور يجوز أن ينصرف التشويه إلى صلب المحرر أو إلى الإمضاءات أو الأختام . وفيما يلي بيان هذه الصور : يرتكب التزوير بهذه الطريقة من يحذف كلمة أو عبارة أو رقماً، فيغير بذلك من معنى المحرر . وتستوي وسائل الحذف : فلا فرق بين كشط وطمس وإزالة بمادة كيميائية . ويرتكب التزوير بهذه الطريقة من يبدل كلمة بكلمة أو رقماً برقم أو إمضاء بإمضاء، ويفترض ذلك حذف بيان وإثبات آخر محله  ويرتكب التزوير في هذه الصورة من ينتزع إمضاء صحيحاً موقعاً به علی محرر ويلصقه بمحرر آخر « لأنه بفعلته إنما ينسب إلى صاحب الإمضاء واقعة مكذوبة هي توقيعه على المحرر الثاني »  ويرتكب التزوير بهذه الطريقة من يضيف إلى المحرر كلمة أو عبارة أو رقماً أو إمضاء أو ختماً فيغير بذلك من دلالة المحرر وسواء لدى القانون الموضع الذي تخيره المتهم للإضافة : سواء وضعت في فراغ ترك خالياً أو بين السطور أو في الهامش . ولا يشترط أن تكون الإضافة موقعاً عليها .

3- وضع أسماء أو صور أشخاص آخرين مزورة

تقسیم : تنطوي هذه الطريقة - في الواقع - على طريقتين :وضع أسماء أشخاص آخرين مزورة، ووضع صور أشخاص آخرين مزورة .

وضع أسماء أشخاص آخرين مزورة : بريد الشارع بهذه الطريقة « تغيير الحقيقة في شأن الشخصية » إذا نمت عنه آثار مادية في المحرر ولهذا التغيير صورتان : « إنتحال الشخصية »، ومحله أن يدعى المتهم لنفسه شخصية غيره؛ « وإبدال الشخصية »، ومحله أن ينسب المتهم لشخص معين شخصية آخر، أي شخصية مختلفة عن شخصيته الحقيقية . وسواء في الحالتين أن تكون الشخصية المنتحلة أو المبدلة شخصية ذات وجود في بيئة المتهم أو أن تكون شخصية خيالية وأهم أمثلة لتزوير بهذه الطريقة أن يذكر مدون المحرر حضور أشخاص لم يحضروا تدوينه وينسب إليهم صدور بعض بياناته عنهم .

وتفترض هذه الطريقة أن المحرر يتضمن آثاراً مادية تكشف عن الإنتحال أو الإبدال، وهذه الآثار هي من قبيل توقيع المتهم بإمضاء من انتحل شخصيته، أو محوه إسم شخص ووضعه إسم آخر . أما إذا لم تكن في المحرر آثار مادية تدل على التزوير، كان التزوير معنوياً، كما لو انتحل المتهم شخصية غيره، وتقدم إلى موظف عام، وأدلى أمامه بأقوال نسبها إلى هذا الشخص في المحرر الذي دونه .

وضع صور أشخاص آخرين مزورة : تعنى هذه الطريقة أن يضع المتهم صورة « فوتوغرافية » الشخص في محرر غير صورة الشخص التي كان يجب أن توضع فيه، سواء أكانت هذه الصورة للمتهم نفسه، أم كانت الشخص آخر، ويستوي كذلك أن يكون موضع الصورة في المحرر خالياً فيضع فيه المتهم صورة غير الصورة التي كان يجب أن توضع فيه، أو أن تكون الصورة الصحيحة في موضعها فينتزعها المتهم ويضع مكانها صورة لشخص آخر  وتفترض هذه الطريقة أن المحرر يجب أن يحمل من بين بياناته صورة لشخص، مثال ذلك البطاقة الشخصية أو العائلية أو جواز السفر أو ترخیص حمل السلاح أو ترخيص قيادة السيارة أو بطاقة قيد الطالب في إحدى الكليات أو المعاهد .

وجه الشبه بين هذه الطريقة وبين  وضع أسماء أشخاص آخرين مزورة  أنه في الحالتين يتحقق إنتحال الشخصية  أو  إبدال الشخصية : فإذا وضع المتهم صورته محل صورة الشخص التي كان يجب أن توضع في المحرر، فقد انتحل شخصيته . وإذا وضع المتهم صورة شخص محل صورة الشخص الذي كان يجب أن توضع صورته في المحرر، فقد أبدل شخصيته بأخرى . وهذا التزوير مادی، إذ تدل عليه آثار مادية تتمثل في أن المحرر قد صار يحمل صورة لم يكن يحملها من قبل، أو أن الصورة التي كان يحملها قد انتزعت ووضعت مكانها صورة أخرى .

وقد إعتبر الشارع بذلك الصورة  في ذاتها أحد بيانات المحرر، بإعتبار أن لها موضعاً فيه، ولها دلالتها على شخصية صاحب المحرر، ولها صلتها بسائر بياناته، إذ تسهم معها في تحديد المعنى الإجمالي المستفاد منه . ومن ثم فإن التشوية الذي ينالها يعد منصباً على أحد بيانات المحرر، بما يعد  تغييراً للحقيقة  فيه .

4 - التقليد

ماهية التقليد : التقليد في مدلوله العام هو صناعة شيء على مثال شيء آخر، والتقليد في مجال التزوير يراد به تحرير المتهم كتابة بخط يشتبه خط شخص آخر، وهو يسعى بذلك إلى أن ينسب إلى هذا الأخير البيانات التي تضمنتها الكتابة، وليس من عناصر التقليد أن يكون متقناً، بل يكفي أن يكون من شأنه خداع الشخص المعتاد وإيهامه بصدور الكتابة ممن يراد نسبتها إليه .

وقد ينصب التقليد على المحرر بأكمله، وقد يقتصر على عبارة أو كلمة أو رقم أو إمضاء، ولا فرق بين الحالتين . وقد يقترن التقليد بطريقة أخرى من طرق التزوير المادي، وقد يقتصر المتهم عليه وحده : فتقليد إمضاء الغير يتضمن الجمع بين الطريقة الأولى والتقليد، وتقليد خط الغير في كلمة أو جملة يضيفها الجاني إلى محرر معد من قبل يتضمن الجمع بين الطريقة الثانية والتقليد . وأمثلة الحالات التي يقتصر فيها الجاني على التقليد وحده هي : تقليد خط الغير في محرر موقع على بياض، وتقليد تذاكر السكك الحديدية وأوراق اليانصيب .

5- الاصطناع

 ماهية الاصطناع : الاصطناع هو خلق محرر بأكمله ونسبته إلى غير محرره والفرق بين الاصطناع والتقليد أنه في حالة الاصطناع لا يهتم المتهم بالتشابه بين خطه وخط الغير، في حين أنه يهتم بذلك في حالة التقليد ؛ وبالإضافة إلى ذلك، فالاصطناع ينصب على المحرر كله، في حين أن التقليد قد يقتصر على جزء منه . وفي الغالب يصطحب الاصطناع بوضع إمضاء مزور، وذلك كي يحمل المحرر التوقيع الذي يستمد منه قيمته القانونية . ولكن الجمع بين الطريقتين غير مطلوب : فالاصطناع طريقة مستقلة للتزوير، فيقوم بها ولو لم يكن ثمة إمضاء مزور، مثال ذلك أن يصطنع شخص صلب محرر ثم يتوصل بالاحتيال إلى الحصول على الإمضاء الصحيح للمجني عليه، أو أن يصطنع شخص مخالصة على ظهر سند دین .

تطبيقات الاصطناع: للاصطناع تطبيقات كثيرة، وخاصة في مجال المحررات الرسمية : فاصطناع محرر على مثال محرر رسمي يعتبر تزويراً في محرر رسمي، ويعاقب عليه بهذا الوصف ولو كان فحواه مطابقاً للحقيقة، إذ التغيير متحقق بنسبته زوراً إلى سلطة لم يصدر عنها، ويعاقب عليه كذلك ولو كان يحمل الإمضاء الصحيح للموظف أو الختم الصحيح للسلطة المنسوب إليها، إذا كان التوصل إلى وضع الإمضاء أو الختم قد تم عن طريق الإحتيال . وللاصطناع صورتان : أن يخلق المتهم محرراً لم يكن موجوداً من قبل ؛ أو أن يخلق محرراً ليحل محل محرر آخر بعد التعديل من شروطه أو بدون تعديل منها، ومثال هذه الحالة أن يصطنع دائن سنداً ثانياً للدين، وعند الوفاء يسلم مدينه السند المصطنع ثم يظهر السند الصحيح ويدفع به للتعامل ويدخل في تعريف الاصطناع حالة جمع المتهم بين أجزاء سند ممزق ولصق بعضها ببعض بحيث يعود السند إلى حالته الأولى، ذلك أن تمزيق السند قد أعدمه، فالجمع بين أجزائه خلق له من جدید ويسأل عن تزوير باصطناع - للعلة السابقة - من يمحو من سند أبطل العبارة الدالة على إبطاله، کی يستعمله فيما كان معداً له .

المحرر

أهمية المحرر في جرائم التزوير المحرر هو موضوع التزوير : فهو موطن الحماية التي يقررها القانون بالعقاب على التزوير، ذلك أن فحواه هو الحقيقة التي يريد حمايتها، وهو الموضوع الذي ينصب عليه فعل تغيير الحقيقة بإحدى طرقه التي حددها القانون .

فإذا انتفى المحرر انتفى التزوير : فلا محل للتزوير مهما أسرف المتهم في تغيير الحقيقة عن طريق القول أو الفعل، فقد جعل الشارع من تغيير الحقيقة بالقول أو الفعل جرائم متميزة عن التزوير : فمن يكذب في قوله ويبتز بالحيلة مال الغير، ومن يغش في البضاعة التي يتجر فيها، أو يغش فی الماركات التي يضبط بها بعض التجار حساباتهم، أو يعبث بعداد المياه أو الكهرباء أو عداد سيارة الأجرة، كل أولئك لا يسألون عن تزوير  .

تعريف المحرر : المحرر مجموعة من العلامات والرموز تعبر إصطلاحاً عن مجموعة مترابطة من الأفكار والمعاني الصادرة عن شخص أو أشخاص معينين . فجوهر المحرر أنه وسيلة تعبير عن فكرة، وله – بناء على ذلك - دور اجتماعي، باعتباره أداة للتفاهم وتبادل الأفكار وللمحرر دور قانونی هام بالنظر إلى صلته الوثيقة بالمعاملات القانونية وقيمة المحرر ليست في مادته وما تحتويه من رموز، فهذه الرموز مجردة من القيمة الذاتية، وإنما تكمن قيمته فيما تعبر عنه رموزه، وفيما لهذا التعبير من دلالة اجتماعية .

عناصر فكرة المحرر : عناصر فكرة المحرر عديدة، وهي جميعاً تصدر عن تعريفه السابق :

أن جوهر فكرة المحرر أنه يتضمن تعبيراً متكاملاً عن مجموعة من المعاني والأفكار المترابطة فيما بينها، إذ بهذا الشرط يمكن أن يكون له صدى على المعاملات القانونية والعلاقات الإجتماعية بوجه عام . وبناء على ذلك فإن صفة المحرر تنتفي عن مجموعة من الألفاظ التي لا تفيد في ذاتها هذه المجموعة من الأفكار، كبطاقة زيارة وتنتفي صفة المحرر كذلك عن الرموز التي لا تتضمن تعبيراً عن فكرة، وإنما يعني وجودها في ذاته دلالة اصطلاحية على أمر معين، فالعلامة التي يضعها تاجر على بضاعة بما يفيد أنها بيعت أو أنها غير معروضة للبيع لا تعتبر محرراً .

وتفترض فكرة المحرر أن دلالة الرموز تستشف بالنظر إليها : فالعين هي حاسة تكشف الفكرة التي يعبر عنها المحرر، ومن ثم فإن الإسطوانة أو شريط التسجيل الذي سجلت عليه عبارات أيا كانت أهميتها القانونية لا يعتبر محرراً، وما يدخل على الصوت الذي يحمله من تشويه لا يعد تزويراً .

ومن عناصر فكرة المحرر اتصاف علاماته ورموزه بثبات نسبی، فالفرض أنها لا تزول تلقائياً، وإنما تبقى طالما لم تتعرض لإتلاف . وعلة هذا العنصر أن وظيفة المحرر في التعامل القانوني أو الإجتماعي بوجه عام تفترض وجوده وإمكان الرجوع إليه، والاستعانة به عند الحاجة إلى ذلك خلال وقت طويل نسبياً  وتطبيقاً لذلك، فإن صفة المحرر تنتفي عن الكتابة التي تختفي بجفاف السائل الذي إستعمل في تدوينها ؛ وعن الكتابة على الرمل أو الجليد، إذ هي بدورها تختفي بحركة الريح أو ارتفاع الحرارة . ويفترض هذا العنصر أن رموز الكتابة تحملها مادة صلبة مستقرة الكيان، كالورق أو الجلد أو القماش أو الحجر .

وتفترض فكرة المحرر أنه يكشف عن شخصية محرره . فالمعنى الذي يكشف عنه هو بالضرورة صادر عن شخص أو أشخاص معينين، ويفيد ارتباطهم بما يدل عليه  ويتصل هذا العنصر بالوظيفة الاجتماعية للمحرر، وكونها التعبير عن علاقة إجتماعية أو إقامة الدليل عليها وما يقتضيه ذلك من ظهور أطراف هذه العلاقة، أو على الأقل إمكان التعرف عليهم عن طريق المحرر . وصاحب المحرر ليس بالضرورة من دونه بيده، وإنما من اتجهت إرادته إلى الإرتباط بمضمونه، ونتيجة لذلك فإنه إذا أملي المحرر شخص ودونه آخر، فصاحب المحرر هو الأول دون الثاني؛ وإذا كان مملى المحرر نائباً عن غيره فصاحب المحرر هو الأصيل دون النائب .

ما لا يعد من عناصر المحرر : ليس من عناصر فكرة المحرر أن يدون بلغة البلاد، فلا فرق بين محرر دون باللغة العربية وآخر دون بلغة أجنبية أيا كانت، ولو كانت لغة بدائية . بل إنه ليس بشرط أن تحسب رموز المحرر بين كلمات لغة من اللغات : فالرموز الاصطلاحية المتعارف عليها لدى فئة من الناس كرموز الشفرة أو علامات الإختزال يمكن أن يتكون بها المحرر وتطبيقاً لذلك تعتبر « الصورة الفوتوغرافية » التي يحملها المحرر أحد « بياناته »، إذ هي « رمز » دال على شخصية من ينسب المحرر إليه، وهي تسهم مع سائر بياناته في تحديد المعنى الإجمالي المستفاد منه.

وليس من عناصر فكرة المحرر أن تحمل رموزه مادة من نوع معين : فإذا كانت هذه المادة في الغالب ورقاً، فإنها قد تكون أحياناً خشباً أو قماشاً أو جلداً أو نحاساً أو أية مادة يتصور أن تستعمل لذلك ..

وليس من عناصر فكرة المحرر وضوح معانيه : فإذا كانت غامضة أو كان تعبيرها ضمنياً، فإن فكرة المحرر لا تنتفي بذلك . وإذا لم يكن فهم الدلالة الكاملة للرموز ممكناً بغير الاستعانة بشيء خارج عن كيانها . وكان الإطلاع على ذلك الشيء متاحاً للناظر إلى هذه الرموز، فإن فكرة المحرر لا تنتفي بذلك . وتطبيقاً لذلك، فإن الإمضاء الموقع به على لوحة فنية يعد في ذاته محرراً، إذ يعني الربط بينه وبين الرسم أو الصورة التي تحملها اللوحة، والشهادة أو التقرير بصدورها عن صاحب الإمضاء، كما يعني إعطاء مشتريها الضمان القانوني بذلك .

أنواع المحررات :

تعبير المحرر ينصرف للوهلة الأولى إلى المخطوط، وتغيير الحقيقة فيه هو من غير شك أوضح حالات التزوير. ولكن ليس من عناصر المحرر أن يكون مخطوطاً؛ فقد يكون المحرر مطبوعاً، ولذلك صورتان : فقد يكون أغلب المحرر مطبوعاً وتركت فيه أجزاء على بياض، کی تملأ بخط اليد كعقود الإيجار المطبوعة  وقد يكون مطبوعاً كله كالأسهم والسندات وأوراق اليانصيب وتذاكر السكك الحديدية . والتزوير متصور في الحالتين : فمن يدخل التحريف على البيانات المدونة بخط اليد، ومن يصطنع محرراً مطبوعاً بأكمله يرتكبان تزويراً .

وقد يستعان بالتليفون على تزوير المحرر : فمن يتصل بأخر تليفونياً ويملي عليه بيانات مخالفة للحقيقة ويأمره بتدوينها - أو يكون عالماً بأنه سيدونها - يسأل عن تزوير ومن المتصور أن يكون التلغراف وسيلة للتزوير في المحرر : فمن يقدم لمكتب الإرسال برقية ينسبها زوراً إلى شخص لم تصدر عنه ؛ والموظف بمكتب الإرسال الذي يرسل برقية ناسباً إياها إلى شخص لم تصدر عنه، أو يحرف في البرقية التي سلمت إليه کی يرسلها؛ والموظف بمكتب الإستقبال الذي يشوه برقية تلقاها ويبلغها محرفة، كل هؤلاء يرتكبون التزوير : فهم إما قد دونوا المحرر أو أملوه - مستعينين بجهاز التلغراف - على شخص آخر، هو الموظف في مكتب الاستقبال .

الضرر :

أهمية الضرر في البنيان القانوني لجرائم التزوير : رجحنا - فيما تقدم - الرأي الذي يذهب إلى اعتبار الضرر ركناً على حدة من أركان التزوير، فإذا ثبت تخلف الضرر إنتفى التزوير، ولو توافرت سائر أركانه ويترتب على ذلك إلتزام قاضي الموضوع بأن يثبت في قضائه بالإدانة توافر هذا الركن، وإلا كان حكمه قاصر التسبيب .

وتقتضي دراسة الضرر في التزوير تفصيل موضوعات ثلاثة : ماهية الضرر وأنواعه ؛ وضابط الضرر، ومدى توافره في المحررات الباطلة .

 ماهية الضرر وأنواعه

تعريف الضرر :

الضرر هو إهدار حق، أي إخلال بمصلحة مشروعة، ومن ثم يعترف بها القانون ويكفل لها حمايته .

وليس من عناصر فكرة الضرر أن يحل بشخص معين، فالناس سواء من حيث جدارتهم بالحماية إزاء أضرار التزوير . وتطبيقاً لذلك، فإنه إذا إستهدف المتهم أن ينال الضرر شخصاً معيناً، فنال شخصاً آخر قام التزوير على الرغم من ذلك، بل يقوم التزوير ولو حقق للمجني عليه کسباً . ولا تقتضي فكرة الضرر أن يمثل جسامة معينة، فأقل الأضرار جسامة يقوم به التزوير .

انتفاء الضرر :

إذا ثبت انتفاء الضرر انتفى التزوير حتماً. وحالات انتفاء الضرر لا تدخل تحت حصر، ونعرض فيما يلي أهم هذه الحالات :

لما كانت المصلحة أو الحق الذي يهدره التزوير يقرره القانون لشخص، ويقابله بالضرورة التزام مفروض على شخص، فإنه إذا لم يوجد شخص يقرر له القانون الحق وآخر يفرض عليه الالتزام، فلا وجود للمجال الذي يمكن أن يتحقق فيه الضرر : وتطبيقاً لذلك، فإنه إذا إصطنع شخص محرراً يدعى فيه لنفسه أو لغيره حقاً في ذمة شخص خيالي ليس له وجود حقيقي ووضع عليه إمضاء نسبة إلى هذا الشخص فهو غير مسئول عن تزوير، لأن المحرر مجرد من القيمة القانونية، ولا وجود لمصلحة أو حق يمسهما . ويمكن أن نستخلص من ذلك قاعدة عامة مؤداها أنه إذا عرض للمحرر سبب يفقده تماماً قيمته القانونية، وينفي عنه في صورة قاطعة أن يكون مقرراً لحق أو سنداً لحماية مصلحة، فإن العبث الذي يمتد إليه يستحيل أن ينشأ عنه ضرر، لأنه لا يتصور أن يكون من شأنه المساس بحق أو مصلحة  . ومن تطبيقات هذه القاعدة أنه إذا كان التزوير ظاهراً مفضوحاً بحيث لا يمكن أن يخدع به أحد فلا يتصور أن يقوم به ضرر .

وينتفى الضرر كذلك إذا إستهداف المتهم بالتزوير إنشاء سند الإثبات مرکز قانونی حقیقی، بشرط أن يكون الحق المتولد من هذا المركز ثابتاً وقت الفعل على نحو قاطع خالياً من النزاع ومستحق الأداء، إذ لن يترتب على إنشاء هذا السند تغيير في المراكز القانونية القائمة وقت ارتكاب الفعل، ولن يضار بذلك أحد . وتطبيقاً لذلك، فإنه إذا أوفي المدين بدينه كاملاً ولم يحصل على مخالصة تثبت هذا الوفاء، فإصطنع وارثه مخالصة تثبت الوفاء ووضع عليها إمضاء مزوراً نسبه إلى دائنه السابق، فلا تقوم بفعله جريمة التزوير، إذ قد إنقضى حق الدائن، ولم يعد ثمة مجال للقول بمساس بحق أو مصلحة له على نحو يقوم به الضرر .

وقت تقدير الضرر : تطبق على جريمة التزوير القاعدة العامة القاضية بأن العبرة في تحديد ما إذا كانت أركان الجريمة متوافرة أم غير متوافرة هي بوقت ارتكاب الفعل . ولما كان الضرر أحد أركان التزوير، كان الوقت المتعين الاعتداد به لتقديره هو  ((لحظة تغيير الحقيقة))، وكان متعیناً تبعاً لذلك صرف النظر عن أي وقت آخر : فإذا كان الضرر في ذلك الوقت محتملاً قام بذلك التزوير، ولا عبرة بأنه قد صار مستحيل التحقق بعد ذلك، والأسباب التي تجعل الضرر مستحيلاً إما أن تكون  خارجة عن إرادة الجاني فلا يمكن أن يكون لها أثر في محو جريمته . وإما أن يكون الجاني نفسه هو الذي أراد أن يتلافى الأمر ويحول دون وقوع الضرر أو يصلح ما أفسده بسابق فعله . والمتفق عليه في هذه الصورة أن فعل الجاني اللاحق لا يمكن أن يمحو سابق جرمه، وتطبيقاً لهذه القاعدة فإن تزوير سند الدين بتغيير تاريخ استحقاقه يعاقب عليه ولو سدد الدين بعد ذلك ؛ وتزوير مخالصة يعاقب عليه ولو أوفي المدين بدينه أو سقط بالتقادم قبل أن ترفع في شأنه الدعوى ؛ وتزوير إمضاء شخص في شكوي يعاقب عليه ولو وافق بعد ذلك صاحب الإمضاء على كل ما تضمنته هذه الشكوي، و انتحال المتهم إسم شخص آخر في محضر تحقيق يقوم به التزوير ولو عدل عن الانتحال وذكر إسمه الحقيقي قبل أن ينتهي التحقيق  .

أنواع الضرر :

الضرر أنواع عديدة، ويسوى القانون بينها: فلا فرق بین ضرر مادی وضرر معنوی، أو بين ضرر حال وضرر محتمل، أو بين ضرر فردی وضرر اجتماعی .

الضرر المادي : يمس الضرر المادي عناصر الذمة المالية فيترتب عليه الإنقاص من عناصرها الإيجابية، أو الزيادة في عناصرها السلبية، وهو أوضح أنواع الضرر . وأهم تطبيقاته إصطناع سند دین، أو مخالصة من دين ينسبها مدين إلى دائنه زوراً، أو اصطناع عقد بيع أو هبة أو إيجار ونسبته إلى مالك عقار خلافاً للحقيقة . وأي قدر من الضرر المادي - ولو كان ضئيلاً - يكفى لقيام التزوير : فمن أضاف إلى سند دین مدنی عبارة  الإذن  أو لحامله  يرتكب تزويراً، إذ تؤدي هذه الإضافة إلى تحول السند المدني إلى سند إذني أو سند لحامله، ومن شأن ذلك أن تتغير الأحكام القانونية التي يخضع لها، بحيث يصير الدين أكثر عبئاً على المدين، وفي ذلك ما يحقق الضرر المادي الذي يقوم به التزوير ويعد تزویراً كذلك أن يضيف المتهم إلى سند شرطاً يجعله مستحق الوفاء في مكان غير المكان المتفق عليه .

الضرر المعنوي :

يمس الضرر المعنوي الشرف والإعتبار، أي ينال من المكانة الإجتماعية للمزور عليه فيهبط بها، وأي قدر من المساس بهذه المكانة يكفي لتحقق التزوير  ومن تطبيقات الضرر المعنوي أن يصطنع شخص محرراً ينسبه إلى شخص ويضمنه اعترافه بارتكاب جريمة أو اقتراف فعل مخل بالأخلاق أو مزر بالكرامة، بل إن الضرر المعنوي يعد متحققاً إذا نسب المتهم إلى غيره خلافاً للحقيقة واقعة تمس حالته الشخصية وإن لم تتضمن إخلالاً بالأخلاق، بالنظر إلى الإرتباط الوثيق بين عناصر الحالة الشخصية والمكانة التي لشخص في المجتمع : فيعد مزوراً من يصطنع محرراً ينسب فيه زوراً إلى رجل أو امرأة قبول الزواج من شخص معين، أو إنهاء العلاقة التي تربطه بزوجه، ويعد مزوراً من يتسمى بإسم غيره في محضر تحقيق جنائي، ومن يضع إمضاء شخص على شكوى بدون إذنه ويتحقق الضرر المعنوي إذا كان من شأن التزوير الإساءة إلى ذكرى شخص میت .

الضرر الاحتمالي : الضرر الاحتمالي هو ضرر لم يتحقق فعلاً، ولكن تحققه منتظر وفق السير العادي للأمور . ففعل المتهم لم يحدث ضرراً حالاً، ولكنه ينطوي على خطر إحداث الضرر، والمرجع إلى تفكير الشخص المعتاد وما إذا كان تحقق الضرر يبدو في تقديره متفقاً مع السير الطبيعي للأمور والدليل على كفاية الضرر الاحتمالي لقيام التزوير مستمد من خطة الشارع في التمييز بين التزوير واستعمال المحرر المزور، فكل منهما جريمة مستقلة عن الأخرى . ولما كان الضرر الفعلي مرتبطاً باستعمال المحرر، فإن معنى ذلك أن جريمة التزوير تكتمل أركانها ولو لم يترتب ضرر فعلی، إكتفاء بالضرر الذي يحتمل أن يترتب عليها إن إستعملت فيما بعد .

ويستخلص إحتمال الضرر من إحتمال استعمال ضار للمحرر المزور، إذ يكفي إحتمال ضرر الاستعمال لكي يوصف التزوير بأنه ضار . وتطبيقاً لذلك، فإنه لا يحول دون توافر الضرر في التزوير أن يكون تحقق الضرر من الاستعمال متوقفاً على ظروف خارجة عن إرادة المزور : مثال ذلك تزوير سند على ناقص الأهلية، إذ تحقق الضرر متوقف على عدم احتجاجه بنقص أهليته  وإذا زور شخص سنداً خالقاً به إلتزاماً على آخر لمصلحة ثالث كان مسئولاً عن تزوير ولو لم يتمسك بالسند من اصطنع باسمه، إذ أن عدم تمسكه به « هو أمر خارج عن فعل التزوير الذي تم من جهة المزور ولزمته تبعته ولا يحول دون العقاب على التزوير إتلاف المحرر المزور، أو التنازل البات عن الإحتجاج به وصيرورة الضرر الفعلي غير متصور، إذ يكفي أنه كان محتملاً وقت ارتكاب التزوير . ومن تطبيقات الضرر الاحتمالي تزویر سند للوصول إلى حق ثابت .

تزویر سند من أجل الوصول إلى حق ثابت : أثار هذه التزوير جدلاً فقهياً : وصورته أن يكون الشخص حق في ذمة آخر، ولكنه لا يجوز السند الذي يتيح له إثباته، فيصطنع ذلك السند . ويلاحظ أن هذا الشخص كان يستطيع – دون حاجة إلى التزوير - أن يصل إلى حقه قضاء، ولكن ذلك كان يقتضيه سلوك طرق إثبات عسيرة وتحمل مخاطر العجز عن إقناع القضاء بحقه .

قد يقال نفياً للتزوير إنه لم ينل المدين ضرر، فالإلتزام ثابت في ذمته ولم يترتب على فعل دائنه تكليفه بشيء لم يكن مكلفاً به قانوناً، وليست له مصلحة مشروعة في التهرب من التزامه  .

ولكن الرأي الراجح هو قيام التزوير لاحتمال الضرر : فإصطناع السند يجرد المدين من حصانة موضوعية وإجرائية تقررها له قواعد الإثبات، ومن حقه أن يظل متمتعاً بها، فلا يحرم منها فيلزم بالدين عن غير الطريق الذي رسمه القانون. ويعني ذلك أن هذه الحصانة تمثل حقاً أهدره الاصطناع على نحو يتحقق به الضرر ؛ وبالإضافة إلى ذلك فإن نشاط المتهم قد رتب ضرراً إجتماعياً، تمثل في الإحتيال على القانون، وخداع القضاء بالوصول إلى الحق عن غير الطريق الذي رسمه القانون  . وتصير الأمور أكثر وضوحاً إذا كان الحق متنازعاً فيه، أو غير واجب الأداء فوراً، أو كان المدين قد أفلس، فإصطنع الدائن المحرر الذي يصيره به غير متنازع فيه أو مستحق الأداء في الحال : فثمة ضرر محقق لا شك فيه .

الضرر الاجتماعي : الضرر الاجتماعي هو ما استحالت نسبة أذاه إلى شخص أو أشخاص معينين، لأنه قد إمتد إلى المجتمع في مجموعه : فهو ضرر أصاب المصالح المادية أو المعنوية للدولة بإعتبارها تمثل المجتمع  وهو نوعان : مادی و معنوی ومن أهم تطبيقات الضرر الاجتماعي المادي تزوير محرر يستهدف التخلص من ضريبة أو رسم أو غرامة، أو يستهدف إنشاء سند للإستيلاء على مال للدولة، أو إنشاء دين في ذمتها، أو ستر غش من شأنه الإضرار بمصالحها .

أما الضرر الاجتماعي المعنوي فتتصور له تطبيقات عديدة . ولكن أهم هذه التطبيقات يتمثل فيما استقر عليه الفقه والقضاء من اعتبار كل تغيير للحقيقة في محرر رسمي منتجاً بذاته ضرراً إجتماعياً متمثلاً في الإقلال من الثقة التي يجب أن يحظى بها هذا النوع من المحررات : فالأصل في المحررات الرسمية أن تكون موضع ثقة مطلقة وأن تكون جميع بياناتها صادقة، وبغير هذه الثقة تعجز الدولة عن أداء وظائفها وينال المجتمع من جراء ذلك ضرر جسيم، فثمة ثقة مفترضة يهدرها أي عبث ولو كان قليلاً، وهذا الإهدار يلحق بالمجتمع ضرراً في جميع الأحوال، وإن تجرد هذا الضرر من الصبغة المادية فهو معنى على كل حال .

وأهمية هذا المبدأ هي إعفاء قاضي الموضوع - حين يدين المتهم بالتزوير في محرر رسمى - من إثبات تحقق ضرر نال فرداً أو أفراد، أو نال الدولة في مصالحها المادية، مكتفياً بالتثبت من العبث في بيانات المحرر والقول - دون بحث خاص - بتحقق الضرر الإجتماعي المعنوي المتمثل في الإقلال من الثقة في هذه المحررات .

ضابط الضرر :

وجه الحاجة إلى ضابط للضرر : اتضح فيما تقدم أن للضرر مدلولاً متسعاً، وأن الشارع قد سوى بين أنواعه، وإعتد بالضرر المحتمل، فلو ترك الضرر بغير ضابط، لاقتضى ذلك أن يكون الفصل في توافره لمحض تقدير قاضي الموضوع، ولترتب على ذلك الاتساع في نطاقه على نحو قد لا تقتضيه - المصلحة العامة ولذلك اجتهد بعض الفقهاء في صياغة ضابط للضرر يحكم فكرته ويهتدي به القضاء .

مذهب القضاء المصري : يتعين في استقراء مذهب القضاء المصرى التفرقة بين المحررات الرسمية والمحررات العرفية .

المحررات الرسمية : تبنى القضاء المصري منذ البداية « نظرية جارو » في شأن هذه المحررات، بل وتطرف في فهمها، وبالغ في النتائج المستخلصة منها، فتطلب للعقاب على التزوير أن يكون موضوعه بياناً أعد المحرر منذ البداية لإثباته فيه، أي كان الغرض من تدوين المحرر أن يكون حجة على صدق ما تضمنه، فإن لم يكن كذلك فإن تغيير الحقيقة فيه لا يقوم به التزوير وتطبيقاً لذلك قضى بأنه إذا ادعت إمرأة بأنها بكر وتزوجت حالة كونها متزوجة وفي عصمة زوجها فهذا الفعل - لا يعاقب عليه ولا يعد تزويراً في عقد الزواج، لأن ذلك العقد الذي قالت فيه إنها بكر لم يكن من شأنه إثبات حالة بكارتها، بل من شأنه إثبات أنها قبلت الزواج ممن عقدت عليه وأنه قبل أن يتزوجها، وهذا القبول المتبادل حصل حقيقة منهما، فيكون العقد إذن صحيحاً بذاته لا تزوير فيه، ومن ثم فإن القول بأنها غير متزوجة هو كذب لا عقاب عليه  وقضى كذلك بأن إثبات سن الزوجين أو أحدهما على غير الحقيقة لإخفاء المانع النظامی المستمد من صغر السن لا يعتبر تزویراً، لأن عقد الزواج لم يعد لإثبات السن، إذ المحرر المعد لذلك هو شهادة الميلاد وقضى بأن إثبات بيانات كاذبة في دفتر المواليد كنسبة طفل إلى غير أمه لا يعد تزويراً، لأن تلك الدفاتر أعدت لإثبات بيانات معينة طبقاً لما يرد على لسان من يبلغها وبصرف النظر عما إذا كانت صحيحة أو كاذبة، فإذا أثبت الموظف المختص هذه البيانات كما أمليت عليه كان معنى ذلك إنتفاء التزوير .

ولكن القضاء عدل بعد ذلك عن هذا التشدد في تحديد ضابط الضرر، فتحلل من اشتراط أن يكون موضوع تغيير الحقيقة بياناً أعد المحرر لإثباته فيه، وصرح بأن التزوير المعاقب عليه « هو التزوير الذي يقع في محرر يمكن أن يوجد عند من يقدم إليه عقيدة مخالفة للحقيقة » وأضاف إلى ذلك أن « القانون لا يشترط أن يكون المحرر قد أعد من وقت تحريره لأن يتخذ سنداً أو حجة بالمعنى القانونى »، وأن التزوير يقوم « مهما يكن مدى حجية المحرر في الإثبات » وقد خلصت محكمة النقض بذلك إلى نتائج تختلف عن تلك التي قالت بها طبقاً لمذهبها القديم : فاعتبرت التزوير متحققاً بإثبات بلوغ أحد الزوجين - على خلاف الحقيقة – السن التي يحددها القانون أو تجاوزها، إذ من شأن ذلك جعل القاضي يجيز سماع الدعوى الناشئة عن عقد الزواج  واعتبرت تغيير الحقيقة في إسمي والدي الطفل أو أحدهما تزویراً، كما اعتبرت التزوير متحققاً بتغيير الحقيقة في البيان الخاص بتاریخ وفاة المورث في الإعلام الشرعي، واعتبرته متحققاً كذلك بتغيير الحقيقة في تاريخ المحرر الرسمي، وبتغيير الحقيقة في إثبات خلو أحد الزوجين من الموانع الشرعية  فكل عبث يرمي إلى إثبات غير الحقيقة في هذا الصدد يعتبر تزویراً .

نظرية البيانات الجوهرية : يستخلص من دراسة قضاء محكمة النقض أنها تعتمد على فكرة  البيانات الجوهرية  لتحديد البيان الذي يصلح موضوعاً للتزوير  : ففي أغلب أحكامها عللت قيام التزوير بأن موضوع تغيير الحقيقة كان أحد البيانات الجوهرية للمحرر، فسن الزوجين بيان جوهري في عقد الزواج، وتاريخ وفاة المورث في الإعلام الشرعى بیان جوهري، وتاريخ المحرر الرسمي هو أحد بياناته الجوهرية، وخلو الزوجة من الموانع الشرعية هو بيان جوهري في عقد الزواج، وقد وضعت المحكمة مبدأ عاماً قررت فيه أنه لا يكفي للعقاب أن يكون الشخص قد قرر غير الحقيقة في المحرر، بل يجب أن يكون الكذب قد وقع في جزء من أجزاء المحرر الجوهرية التي من أجلها أعد المحرر لإثباته . وفي بعض أحكامها عللت البراءة من التزوير بأن تغيير الحقيقة قد وقع في بيان غير جوهري من بيانات المحرر : فإثبات حالة المطلقة في إشهاد الطلاق من حيث الدخول بها أو عدم الدخول هو بيان غير جوهري إذ هو  غير لازم في الإشهاد لأن الطلاق يصح شرعاً بدونه "، والقول عن الزوجة إنها بكر لم يسبق لها الزواج بدلاً من إثبات الحقيقة من أنها مطلقة طلاقاً يحل به العقد الجديد، هذا التغيير لا يقوم به التزوير، لأن إثبات حالة الزوجة من هذه الوجهة لا يعد بياناً جوهرياً من بيانات عقد الزواج .

وقد عرفت محكمة النقض البيان الجوهرى بأنه كل بيان يكون إثباته في المحرر « لازماً لإستكمال شكله القانوني »، أو هو في تعبير آخر « كل بيان واجب الإدراج في المحرر حتى يكون له الشكل الذي تحدده القوانين واللوائح » . ولا يحول دون إعتبار البيان جوهرياً أن يثبت أنه ليس الغرض من تدوين المحرر أن يكون دليل إثباته، أو يثبت أن ورود هذا البيان في المحرر لا يعني حتماً أنه بيان صحیح .

تطبيق ضابط الضرر على انتحال المتهم شخصية غيره في محضر تحقيق جنائي : قد يلجأ المتهم - في سبيل التهرب من التهمة – إلى إخفاء شخصيته، فيستعين على ذلك بانتحاله شخصية غيره : وقد يكون الغير شخصاً معروفاً له فيحاول عن طريق هذا الإنتحال أن يلصق التهمة به، وقد يكون شخصاً خيالياً - أي لا وجود له في بيئة المتهم - فيكون هدفه بالانتحال مجرد تضليل سلطات التحقيق، فهل يعد انتحال الشخصية في هذه الظروف تزويراً .

يبدو أنه يتعين الرد على هذا التساؤل بالإيجاب : ذلك أن انتحال المتهم شخصية غيره هو صورة لتزوير معنوي عن طريق جعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة، وهو تزوير في محرر رسمى، هو محضر التحقيق . ولكن يثير الشك في صواب هذه الإجابة أن محضر التحقيق لم يعد لإثبات شخصية المتهم، وإنما أعد لتلقى أسئلة المحقق وإجابات المتهم كما تصدر عنه، ومحضر التحقيق من هذه الوجهة لم يدخل عليه تحريف، فقد تضمن أسئلة المحقق وإجابات المتهم كما صدرت عنهما  ولكن يرد على ذلك، بأنه إذا كان محضر التحقيق لم يعد لإثبات شخصية المتهم، فهو لم يعد لإثبات إجابة أي شخص، وإنما أعد لإثبات إجابة شخص بعينه، هو المتهم الذي يستجوبه المحقق، ومن ثم فإنتحاله شخصية غيره هو تزویر باعتباره ينطوي على نسبة الإجابات إلى شخص غير من صدرت عنه، أي ينطوي على تغيير للحقيقة في هذا الخصوص وبالإضافة إلى ذلك، فإن القول بأن المحضر لم يعد لإثبات شخصية المتهم مرفوض، ذلك أن ضابط الضرر لا يقتضي أن يكون المحرر قد أعد منذ تحريره لإثبات البيان الذي غيرت فيه الحقيقة، وإنما يكفي أن يكون صالحاً لتوليد عقيدة مخالفة للحقيقة لدى الإطلاع عليه، وهو ما يتحقق حينما يتصور المطلع على المحضر أن الإجابة صادرة عن شخص غير من صدرت عنه .

والذي يمكن استخلاصه مما تقدم أن انتحال المتهم شخصية غيره هو تغيير للحقيقة بإحدى طرق التزوير المعنوي التي نص القانون عليها، والضرر - وفقاً لضابطه - لا شك فيه، على الأقل في صورته الإحتمالية ؛ بل إنه يتعين اعتباره ضرراً اجتماعياً معنوياً، بالنظر إلى أن موضوعه محرر رسمى . ومؤدى ذلك اعتبار فعل المتهم تزویراً . ولكن ثمة قاعدة أساسية تحد من إطلاق هذه النتيجة : هذه القاعدة هي حرية المتهم فيما يقوله دفعاً للاتهام عن نفسه، ولو كان سبيله إلى ذلك هو إخفاء شخصيته الحقيقية ؛ ويحرص المجتمع على كفالة احترام هذه القاعدة لأنها ضمان لموضوعية التحقيق وكفالة لحق الدفاع في مواجهة الاتهام . وعلى هذا النحو يبرز الوجه الحقيقي للمشكلة : إذ كيف السبيل إلى التوفيق بين الأصل في إعتبار فعل المتهم تزویراً من ناحية، ووجوب نفي التزوير عن فعله إحتراماً لحقه في الدفاع عن نفسه من ناحية ثانية .

استقر القضاء على حل وسط، مضمونه أنه إذا انتحل المتهم شخصية خيالية لا وجود لها في بيئته، فلا تزوير في فعله، إذ يحميه حقه في الدفاع، وينزل المجتمع عن الضرر المعنوي الإجتماعي في سبيل كفالة هذا الحق أما إذا إنتحل شخصية حقيقية لكي يستتر وراء صاحبها فيوقعه في الاتهام بدلاً منه، اعتبر فعله تزویراً، فثمة ضرر أصاب شخصاً، وليست للمجتمع صفة في النزول عنه، وحق المتهم في الدفاع ينتهي حيث يبدأ المجال الذي يمكن أن ينال فيه الضرر شخصاً، ولو كان ضرراً إحتمالياً .

الضرر والمحررات الباطلة :

وضع المشكلة : إذا ثبت تزوير المحرر فذلك بذاته سبب لبطلانه، ومن ثم ساغ القول بأن كل محرر مزور هو محرر باطل، ولكن ليست هذه هي المشكلة محل البحث، وإنما الفرض أن المحرر (أو في عبارة أدق : العمل القانوني الذي يثبته المحرر) باطل لسبب مستقل عن تزويره، ثم أدخل عليه تغيير الحقيقة، فيثور التساؤل عما إذا كان التزوير يقوم بهذا التغيير . وفي عبارة أخرى : هل يعتبر بطلان المحرر استقلالاً عن تزويره حائلاً دون قيام التزوير ؟ مثال ذلك محرر رسمی باطل لأنه لم يحرره الموظف المختص بذلك، أو لأنه أغفلت في تحريره الإجراءات التي يتطلبها القانون لصحته، أو لعدم تضمنه جميع البيانات الجوهرية التي يشترطها القانون؛ وقد يكون بطلان المحرر الرسمي لاحقاً على تحريره، كما لو أغفل وضع توقيع ذوى الشأن أو توقيع الموظف المختص عليه، أو أغفل وضع خاتم السلطة التي صدر عنها، وقد يعرض البطلان للمحرر العرفي، كما لو صدر عن قاصر - أو غير ذي أهلية كاملة بصفة عامة - أو شاب العمل القانوني الذي يثبته أحد عيوب الرضاء .

وإن جوهر المشكلة هو التساؤل عما إذا كان من شأن البطلان نفی الضرر مما يعني نفي أحد أركان التزوير، أي أن حسم المشكلة إنما يكون على أساس ما بين البطلان واحتمال الضرر من صلة .

الصلة بين البطلان والضرر : الرأي الصحيح هو الذي يقوم على الربط بين بطلان المحرر والضرر کركن في التزوير : فيقوم التزوير حيث لا يحول البطلان دون ترتيب الضرر، وينتفي التزوير حيث يحول البطلان دون الضرر . ولا يقتصر نطاق الضرر على الضرر الفعلي، وإنما يتعداه إلى الضرر المحتمل : فحيث يحتمل أن يترتب على المحرر الباطل ضرر تتوافر أركان التزوير، أما حيث ينتفي هذا الاحتمال فلا تتوافر هذه الأركان. وقد أقر القضاء هذا الرأي، فقد قرر أن « التزوير في الأوراق الرسمية يعاقب عليه ولو كان حاصلاً في محرر باطل شكلاً لإحتمال حصول الضرر منه للغير أو للجميع إذ أن المحرر الباطل وإن جرده القانون من كل أثر فإنه قد تتعلق به ثقة الغير ممن لا يتضح أمامهم ما يشوبه من عيوب ويصح أن يخدع فيه كثير من الناس الذين يفوتهم ملاحظة ما فيه من نقص . وهذا وحده كاف لتوقع حصول الضرر بالغير بسبب هذا المحرر » وتطبيقاً لذلك، قضى بأن تزوير إيصال نسب صدوره إلى قاصر يعاقب عليه لإحتمال الضرر وقضى بأن بطلان المحرر لعدم إختصاص من نسب إليه تحريره لا يحول دون العقاب على تزويره .

وطبقاً لهذا الرأي يقوم التزوير في أغلب حالات تغيير الحقيقة في المحررات الباطلة، إذ من شأن هذا التغيير أن يحدث ضرراً في صورته الاحتمالية على الأقل ويفسر إحتمال الضرر بأمرين : أولهما، خفاء سبب البطلان على الشخص المعتاد؛ وثانيهما، الحاجة إلى إتخاذ إجراءات قضائية لإقامة الدليل على البطلان  ويقتضي ذلك أن نسلم بالوجه المقابل لهذه القاعدة، ونجمله على النحو التالي : إذا استحال نشوء الضرر بالنظر إلى وضوح سبب البطلان إلى الحد الذي يجعل في استطاعة أقل الناس ذكاء وخبرة أن يكتشفه، ويجعل تقريره مسلماً وفي غير حاجة إلى إجراءات قضائية تثبته، فإن تغيير الحقيقة لا يقوم به التزوير وليس مرجع ذلك إلى البطلان في ذاته، ولكن مرجعه إلى ما يترتب على البطلان من تأثير على الضرر .

ونضيف إلى القاعدة السابقة قاعدة أخرى مضمونها أنه إذا كان سبب البطلان لاحقاً على تغيير الحقيقة سئل المتهم عن تزوير،، ولو كان من شأن البطلان إستحالة نشوء الضرر، طالما كان محتملاً وقت تغيير الحقيقة . وتفسير ذلك أن القول بتوافر أركان الجريمة أو عدم توافرها، إنما يكون بالنظر إلى وقت ارتكاب الفعل الإجرامي : فإذا ثبت أن الضرر كان محتملاً في هذا الوقت توافرت أركان التزوير، ولو طرأ في وقت لاحق سبب يلحق البطلان بالمحرر، ويجعل نشوء الضرر مستحيلاً .

القصد الجنائي : 

تمهيد : جرائم التزوير في المحررات جرائم عمدية، ومن ثم يتخذ ركنها المعنوى صورة القصد الجنائي . وهذا القصد خاص يفترض أن أولاً : توافر القصد العام الذي يقوم بعلم المتهم بأركان جريمته، واتجاه إرادته إلى الفعل المكون لها ونتيجته ؛ ويفترض ثانياً : « نية » يقوم بها  القصد الخاص في التزوير .

تعريف القصد الجنائي في التزوير : القصد الجنائي في التزوير هو « تعمد تغيير الحقيقة في محرر تغييراً من شأنه أن يسبب ضرراً، وبنية استعمال المحرر فيما غيرت من أجله الحقيقة ». وقد رجح هذا التعريف في الفقه والقضاء .

القصد العام في التزوير : يتطلب القصد العام في المقام الأول علماً محيطاً بتوافر جميع أركان التزوير، فيجب أن يعلم المتهم أنه يغير الحقيقة، وأن فعله ينصب على محرر، وأنه يرتكب عن طريق إحدى الطرق التي حددها القانون، وأنه يترتب عليه ضرر حال أو احتمالی .

فيجب أن يعلم المتهم أن يغير الحقيقة بفعله، ويقتضي ذلك أن يعلم بالحقيقة وأن يدرك أن فعله ينتج أثراً مناقضاً لها . ويعني ذلك أن مجرد جهل المتهم بالحقيقة غير كاف لاعتبار القصد متوافراً لديه: فالموظف العام الذي يثبت في محرر ما يمليه عليه ذوو الشأن، وهو جاهل ما تتضمنه أقوالهم من مخالفة للحقيقة لا يعد القصد متوافراً لديه، ومثال ذلك المأذون الذي يثبت انتفاء موانع الزواج في حين أنه قد توافر أحدها ؛ أو يثبت للزوج شخصية غير شخصيته الحقيقية غير عالم بذلك . ولا يقوم الإهمال - وإن كان جسيماً – في تحري الحقيقة مقام العلم الفعلي بها، فلا يكفي لإثبات القصد القول بأن المتهم كان في إمكانه تجنب ذكر ما ينافي الحقيقة  : وتطبيقاً لذلك فإن الموثق الذي يثبت لمتعاقد - وفقاً لأقواله - شخصية غير شخصيته جاهلاً مخالفة ذلك للحقيقة، لا يسأل عن تزوير، ولو أخل بالواجب المفروض عليه بالتحقق من شخصية المتعاقدين .

وقد يكون للحقيقة طابع قانونی، فيكون العلم بها مفترضاً العلم بقاعدة قانونية، بحيث لو جهل المتهم هذه القاعدة فقد جهل الحقيقة وصار يعتقد أن فعله لا ينطوي على تغييرها : فقد يجهل الزوجان أو شهود الزواج قواعد الشريعة الإسلامية التي تحرم زواج الأخت من الرضاع أو تحرم الجمع بين المرأة وخالتها أو بين المرأة وعمتها .. فيقررون تبعاً لذلك انتفاء موانع الزواج، والحقيقة هي توافر مانع يجهلونه : في هذه الحالات يعد القصد منتفياً .

ويتطلب القصد الجنائي العلم بأن تغيير الحقيقة ينصب على محرر، ويرتكب عن طريق إحدى الوسائل التي حصرها القانون وهذا النوع من العلم لا يثير صعوبات : فالعلم بأن تغيير الحقيقة ينصب على محرر تفترضه طبيعة الأشياء، ويتلازم وتوافر التمييز لدى المتهم  والعلم بأن الفعل يرتكب عن طريق إحدى الطرق التي حصرها القانون هو علم تفترضه القواعد العامة في القصد، إذ هو علم بنطاق النهي الذي يتضمنه قانون العقوبات، ذلك أن الشارع لا يجرم تغيير الحقيقة إلا إذا كان عن طريق إحدى هذه الطرق، والعلم بقواعد التجريم مفترض على نحو لا يقبل إثبات العكس .

ويتطلب القصد الجنائي العلم بأن من شأن تغيير الحقيقة « إحداث ضرر بالغير، سواء أكان الضرر حالاً أم محتمل الوقوع »ومن ذلك يتضح أن القانون لا يتطلب علم المتهم بالضرر الذي ترتب فعلاً على تغيير الحقيقة، ولا يتطلب علمه بأن تغيير الحقيقة لابد أن يؤدي إلى حدوث ضرر، ولكنه يكتفي بالعلم بالضرر الاحتمالي . وقد يكون الضرر الذي تحقق غیر الضرر الذي توقعه المتهم، وقد لا يتحقق الضرر الذي كان محتملاً وقت تغيير الحقيقة، وقد لا يتحقق ضرر على الإطلاق، ولكن ذلك لا يحول دون توافر القصد طالما أنه قد ثبت العلم بالضرر الذي كان محتملاً أن يترتب على تغيير الحقيقة .

ويتطلب القصد العام إتجاه إرادة المتهم إلى الفعل المكون للجريمة والنتيجة المترتبة عليه، أي إلى فعل تغيير الحقيقة وإلى أثره المتمثل في اشتمال المحرر على بيانات مخالفة للحقيقة : فمن يريد وضع بيان في محرر ويكون ظهوره عليه غير متضمن تغييراً للحقيقة، ولكنه يضعه خطأ فى محرر آخر يعد اشتماله عليه مشوهاً للحقيقة فيه لا يعد القصد متوافراً لديه، لأن إرادته لم تتجه إلى أن يتضمن المحرر الثاني بياناً مخالفاً للحقيقة ومن تدس علیه ورقة تتضمن بيانات يعلم أنها مخالفة للحقيقة، فيوقع عليها دون أن يقرأها، معتقداً أنها ورقة أخرى لا يتوافر لديه القصد .

القصد الخاص في التزوير : النية التي يقوم بها القصد الخاص في التزوير هي « نية استعمال المحرر المزور فيما زور من أجله »، وفي تعبير آخر « نية استعمال المحرر المزور في الغرض أو الأغراض التي أعد لها »، وهذه الأغراض تتنوع وتختلف من حالة إلى أخرى إختلافاً كبيراً، فليس في الاستطاعة حصرها، وأن أمكن ردها إلى فكرة تحقيق مصلحة للمتهم أو لغيره .

ومن ذلك يتضح أن العلاقة وثيقة في نفسية المتهم بين تزوير المحرر واستعماله مزوراً : فهدفه لا يتحقق بمجرد التزوير، بل لابد لذلك من فعل تال هو إستعمال المحرر بعد تزويره، ولا يعدو التزوير في ذاته أن يكون مرحلة تحضيرية لإدراك هذا الهدف من أجل ذلك أقام القانون علاقة وثيقة بين التزوير والاستعمال، وقدر أن التزوير لا يكون خطراً على المجتمع إلا إذا ارتكب بنية إستعمال المحرر بعد تزويره وهذه العلاقة نفسية ولا تعتمد على علاقة مادية تقابلها بين التزوير والاستعمال : فليس إستعمال المحرر ركناً في التزوير، إذ الشارع قد فصل بين الجريمتين . ولكن نية إستعمال المحرر المزور هي أحد عناصر التزوير، وقد تتوافر هذه النية على الرغم من أن المحرر قد لا يستعمل .

وإذا انتفت نية استعمال المحرر المزور فيما زور من أجله فقد انتفى القصد الخاص . وتنتفي هذه النية إذا اتجهت نية المتهم إلى غاية لا يتطلب تحقيقها إستعمال المحرر المزور، أي غاية تتحقق بمجرد التزوير : مثال ذلك أن يريد المتهم باصطناع كمبيالة مزورة توضيح الشكل الذي يتطلبه القانون في الكمبيالات أو إثبات مهارته في التقليد أو مجرد المزاح، والفرض أن نيته منصرفة عن الإحتجاج بالكمبيالة المزورة على من زورت عليه .

وإستخلاص هذه النية من شأن قاضي الموضوع، وهو يستعين على ذلك بالقرائن التي تحيط بالفعل . ويعد تمزيق المحرر بعد تزويره وجعل إستعماله مستحيلاً من أهم هذه القرائن .

ويجب تحري القصد في ذات وقت إرتكاب فعل تغيير الحقيقة، فالتزوير شأنه شأن سائر الجرائم يخضع لقاعدة وجوب معاصرة القصد للفعل الإجرامي .

ويخضع القصد الجنائي في التزوير للقاعدة العامة التي تقرر أن الباعث ليس من عناصره، وإن كان نبيلاً فلا ينفيه، كمن يزور لتفريج ضائقة أصابت شخصاً أو لتمكين صاحب حق من الوصول إلى حقه عن طريق خلق سند إثبات لم يكن له  وفي العادة يكون الباعث على التزوير هو الإثراء غير المشروع، ولكن يتصور أن يكون الإنتقام أو التخلص من إلتزام، ويتوافر القصد من باب أولى إذا أثبت المتهم ما يخالف الحقيقة مدفوعاً بالرغبة في تفادي بعض مشاق العمل أو إقتصاد الوقت : فالمحضر الذي يثبت في عريضة دعوى كلف بإعلانها أنه قد أعلنها بنفسه في حين أن شخصاً آخر هو الذي أعلنها، أو يثبت أنه سلمها إلى المعلن إليه نفسه في حين أنه سلمها إلى شخص آخر، أو يقرر أنه عاين الأشياء المحجوز عليها في حين أنه لم يفعل ذلك، والموثق الذي يثبت حضور شاهدين أثناء توثيق العقد، في حين أنه لم يحضر شهود أو حضر شاهد واحد فقط، كل أولئك يتوافر القصد لديهم .

والقصد أسهل إثباتاً في التزوير المادي منه في التزوير المعنوي .

ولما كان القصد کياناً نفسياً، فإنه يتصور توافره لدى أحد المساهمين في التزوير وإنتفاؤه لدى مساهم آخر فيه .

تعريف المحرر الرسمي : عرفت المادة 10 من قانون الإثبات المحررات الرسمية بأنها « التي يثبت فيها موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عامة ما تم على يديه أو ما تلقاه عن ذوى الشأن، وذلك طبقاً للأوضاع القانونية وفي حدود سلطته وإختصاصه » . وهذا التعريف يصدق على المحرر الرسمي في جريمة التزوير، وقد استقر القضاء على تبنيه : « فمناط رسمية الورقة هو أن يكون محررها موظفاً عاماً مكلفاً بتحريرها بحكم وظيفته وعلى موجب ما تقضى به القوانين واللوائح » ونستطيع تأصيل هذه الفكرة في قولنا : « المحرر الرسمي هو كل ورقة صادرة عن الدولة أو عن شخص معنوی عام مدونة طبقاً للأوضاع التي يحددها القانون بطريق مباشر أو غير مباشر .

عناصر فكرة المحرر الرسمي : إن أهم عناصر فكرة المحرر الرسمي هو صدوره عن الدولة أو عن شخص معنوي عام، فمصدر صفته الرسمية أنه تعبير عن إرادة الدولة في شأن تختص به، وصدوره عن الدولة یعنی صدوره عن شخص يعمل باسمها ولحسابها وله صفة تمثيلها، وهذا الشخص هو الموظف العام  ولكن الدولة لا تعطى موظفاً عاماً تفويضاً مطلقاً بأن يحرر باسمها أية ورقة وفي أية صورة شاء، وإنما تحدد الكيفية وترسم الأوضاع التي ينبغي أن يدون المحرر الرسمي وفقاً لها . ومن هذه الوجهة يستخلص العنصر الثاني في فكرة المحرر الرسمى، وهو تدوینه وفقاً للأوضاع التي يحددها القانون بطريق مباشر أو غير مباشر .

يقتضي العنصر الأول أن يكون المحرر الرسمي موظف عام، ويتعين أن يكون هذا الموظف مختصاً من حيث الموضوع ومن حيث المكان : فهو ليس موظفاً، وليست له صفة إنشاء المحررات الرسمية إلا في حدود اختصاصه ويقتضى هذا العنصر أن تستبعد من نطاق المحررات الرسمية كل الأوراق التي تصدر عن الأفراد أو عن الأشخاص المعنوية الخاصة كالشركات أو الجمعيات، وذلك أيا كانت أهميتها : وتطبيقاً لذلك، فإن الأوراق التجارية ومحررات البنوك على اختلافها هي محررات عرفية . وهذا العنصر ينبغي أن يفسر تفسيراً واسعاً من ناحيتين : فمن ناحية، إذا صدر المحرر عن موظف غير مختص فكان لذلك باطلاً، ولكن سبب عدم اختصاصه هو مما تفوت على الشخص المعتاد ملاحظته، فإن ذلك لا يمس صفته الرسمية تطبيقاً للقاعدة التي سلف تفصيلها في شأن التزوير في المحررات الباطلة  ومن ناحية ثانية، فإن إختصاص الموظف لا يتحدد حتماً بقانون، بل يجوز أن يكون تحديده بناء على قانون، ويتسع ذلك لتحديده بناء على لائحة أو قرار إداري، بل إن الموظف يستمد كذلك اختصاصه بتحرير الورقة الرسمية « من أوامر رؤسائه فيما لهم أن يكلفوه به كما قد يستمد المحرر رسميته من ظروف إنشائه أو من جهة مصدره أو بالنظر إلى البيانات التي تدرج به ولزوم تدخل الموظف لإثباتها أو لإقرارها أو طبقاً لمقتضيات العمل » ولا يشترط أن يصدر المحرر عن شخص يمثل الدولة باعتبارها سلطة عامة، وإنما تكفي « صفة تمثيلية أيا كانت » . وتطبيقاً لذلك، فإن القائمين على إدارة مشروع تديره الدولة وفقاً لأساليب القانون الخاص يعتبرون موظفين عامين، وما يصدر عنهم في حدود اختصاصاتهم يعتبر محررات رسمية، فالإيصالات التي تعطيها الدولة لمستأجرى أراضيها والبطاقات التي تثبت شخصية العاملين في مصنع تديره الدولة تعد محررات رسمية .

ويتطلب العنصر الثاني في فكرة المحرر الرسمي أن يكون تدوينه وفقاً للأوضاع والإجراءات التي يحددها القانون مباشرة أو في صورة غير مباشرة عن طريق هيئات فوض إليها ذلك ويعين القانون البيانات الجوهرية التي يتعين أن يتضمنها المحرر، والشكل الذي يتعين أن يفرغ فيه وهذا العنصر ينبغي كذلك التوسع في تفسيره : فإذا كان الأصل أن يثبت الموظف بنفسه جميع بيانات المحرر الرسمي بعد أن يتحقق منها وينسبها إلى نفسه على نحو تكون معه حجة على الكافة وثابتة على نحو لا يجوز معه إثبات عکسها إلا بالطعن فيها بالتزوير، إلا أن ذلك الأصل لا تقوم به قاعدة مطلقة : فقد يكون دور الموظف في تدوين الورقة الرسمية محدوداً دون أن يمس ذلك صفتها الرسمية، فقد يقتصر دور الموظف على إثبات أقوال أصحاب الشأن رواية عنهم ودون أن يقدم من جانبه أي ضمان بصحتها، فهو يثبتها كما صدرت عنهم، فيكون دوره دور الرواية فحسب . بل إن دور الموظف قد يقتصر على مجرد مراجعة البيانات التي أثبتها أصحاب الشأن والتصديق عليها "، فيكون دور الموظف دور المراجع فحسب .

وتأخذ صورة المحرر الرسمي - متى كانت مطابقة له - حكم أصل المحرر، فيعتبر تغيير الحقيقة فيها تزويراً في محرر رسمي .

نشاة المحرر الرسمي : الأصل أن ينشأ المحرر رسمياً منذ بداية تدوينه . ولكن بعض المحررات قد ينشأ عرفياً، إذ قد دونه الأفراد بصفتهم الخاصة ثم إكتسب الصفة الرسمية فيما بعد حينما تدخل الموظف العام في تحريره . وقد يقتصر تدخله على مراجعته أو التصديق عليه، وقد يمتد إلى إضافة بعض البيانات إليه أو القيام بإجراء معين في شأنه كإعلانه مثلاً . فإذا إكتسب المحرر الصفة الرسمية، فإن تغيير الحقيقة فيه يعتبر تزویراً في أوراق رسمية، سواء كان التغيير قبل أن يكتسب المحرر الصفة الرسمية أو بعد أن اكتسبها  وغنى عن البيان أن تغيير الحقيقة لا يعد تزويراً فی محرر رسمي إلا إذا اكتسبت الورقة الصفة الرسمية، أما إذا لم تكتسبها فالجريمة تبقى تزويراً في محرر عرفي : فعريضة الدعوى هي ورقة عرفية حينما يحررها المدعى أو وكيله، ولكن إذا قدمت إلى المحضر فأعلنها إكتسبت بذلك صفة رسمية، « لأن العبرة هي بما تؤول إليه، وكان تغيير الحقيقة فيها تزويراً في أوراق رسمية، سواء ارتكب قبل إعلانها أو بعد إعلانها ؛ أما إذا لم تعلن فالجريمة تظل تزويراً في محرر عرفي .

استقلال الصفة الرسمية للمحرر عن قوة بياناته في الإثبات : إذا توافر للمحرر الرسمي عنصراه السابقان كانت لبياناته جميعاً الصفة الرسمية دون أن يكون ذلك متوقفاً على قوتها في الإثبات : وتأويل ذلك أن بيانات المحرر الرسمي - من حيث قوتها في الإثبات - نوعان : نوع ذو حجية « مطلقة » بحيث لا يجوز دحضه إلا عن طريق الطعن بالتزوير، ونوع ذو حجية « مقيدة » يجوز إثبات عكسه دون حاجة إلى الطعن بالتزوير والبيانات ذات الحجية المطلقة هي ما يثبته الموظف العام وينسبه إلى نفسه مقرراً أنه قد تحقق منه، أما البيانات ذات الحجية المقيدة، فهي ما يثبته الموظف رواية عن ذوى الشأن أو ما يثبتونه أنفسهم ويقتصر دور الموظف علی مراجعته وهذه التفرقة تقتصر أهميتها على قوة المحرر في الإثبات، ولكن لا شأن لها بأحكام التزوير، فتغيير الحقيقة في نوعي البيانات تزوير في محرر رسمي، مثال ذلك عقد البيع الرسمي، فقد يثبت الموظف أن المشتري قد دفع الثمن أمامه فيكون دفع الثمن واقعة ثابتة على نحو مطلق بحيث لا يجوز إثبات عكسها إلا عن طريق الطعن بالتزوير، وقد يقتصر الموظف على ذكر أن البائع قرر أمامه أنه تسلم الثمن من المشتري فتكون واقعة دفع الثمن ذات حجية مقيدة يجوز إنكارها دون حاجة إلى الطعن بالتزوير ؛ ولكن تغيير الحقيقة في الحالتين تزوير محرر رسمى . ويعد تغيير الحقيقة في عريضة الدعوى تزويراً في محرر رسمي دون تمييز بين ما إذا كان التغيير قد تعلق بالجزء الذي دونه المدعى أو تعلق بالبيانات التي أثبتها المحضر ونسبها إلى نفسه .

المحرر الرسمي المصطنع : لا يشترط لاعتبار الواقعة تزويراً في محرر رسمي أن يكون موضوع تغيير الحقيقة محرراً صدر فعلاً عن موظف عام وفقاً للأوضاع التي يقررها القانون، بل يكفي أن ينسب إليه زوراً ويخلع عليه الشكل المعتاد لنوع معين من الأوراق الرسمية . فالمحرر الرسمي المصطنع له حكم المحرر الرسمي الصحيح .

أنواع المحررات الرسمية : المحررات الرسمية أنواع أربعة : محررات سياسية كالمعاهدات والاتفاقيات الدولية والقوانين والقرارات الجمهورية ؛ ومحررات إدارية كشهادات الميلاد والوفاة وأوراق الامتحانات والشهادات الدراسية ودفاتر التوفير وإشعارات الضرائب وأوراق البريد والبرق والشهادات الإدارية أيا كانت الواقعة التي تثبتها ؛ ومحررات قضائية، ومثالها الأحكام ومحاضر الجلسات ومحاضر التحقيق وتقارير الخبراء ؛ ومحررات مدنية، ونعني بها كل عمل قانوني يفرغ في الصورة الرسمية سواء أكان ذلك تطبيقاً لنص قانونی آمر كالرهن الرسمي أو الهبة أو عقد الزواج أو قسائم الطلاق، أم كان ذلك لرغبة الأطراف في إضفاء حجية خاصة على ما صدر عنهم كعقد بيع رسمی ولا فرق بين هذه الأنواع من حيث حكم التزوير الذي قد تكون محلاً له.

الأوراق الرسمية الأجنبية : إذا توافرت للورقة عناصر المحرر الرسمي وفقاً لقانون أجنبي، فإن إعتبارها محرراً رسمياً وفقاً للقانون المصري موضع للخلاف الفقهي : فالبعض اعتبر تغيير الحقيقة فيها تزویراً في محرر رسمي لخطورة الآثار التي يمكن أن تترتب عليه وتوثق العلاقات بين الدول إلى الحد الذي يجعل أحياناً لمحرر أجنبي ذات قيمة ودور المحرر الوطني  ولكنا نرى أن الفكرة الأساسية في المحرر الرسمي لا تتوافر له : فالفرض في المحرر الرسمي أنه تعبير عن إرادة الدولة في مجال تختص به، ولذلك إشترط صدوره عن شخص له صفة تمثيلها في هذا المجال، والمحرر الأجنبي تعبير عن إرادة دولة أجنبية، فهو بذلك ليس تعبيراً عن إرادة الدولة المصرية، ولذلك نرى اعتبار تغيير الحقيقة فيه تزويراً في محرر عرفي .

الموظف العام

تعريف الموظف العام في جرائم التزوير في المحررات : الموظف العام في جرائم التزوير في المحررات هو كل شخص عهد إليه القانون - بطريق مباشر أو غير مباشر - بإثبات كل أو بعض البيانات التي يتضمنها محرر رسمی وهذا التعريف مستمد من الصلة المنطقية بين فكرة المحرر الرسمي وفكرة الموظف العام . فإذا كان المحرر الرسمي تعبيراً عن إرادة الدولة باعتباره صادراً عن شخص يعمل باسمها وله صفة تمثيلها في إرادتها، فإن الموظف العام هو ذلك الشخص الذي خول سلطة التعبير عن إرادة الدولة في مجال معين، وخول تبعاً لذلك صفة إصدار محررات تتضمن تعبيراً عن هذه الإرادة، وتلتزم الدولة بما ورد فيها. ويخول الشخص صفة تمثيل الدولة والتعبير عن إرادتها في شأن تختص به بناء على قانون، فليس بشرط أن يستند ذلك إلى القانون مباشرة، فقد يستند إلى عمل تنظیمی کلائحة أو قرار إداري عام أو عمل فردي كقرار يصدر بتكليف شخص معين بتحرير نوع من المحررات الرسمية ؛ ويعد ذلك تخويلاً بناء على القانون، إذ المرجع في النهاية إلى تفويض القانون سلطة إدارية أن تعهد إلى شخص بتدوين المحرر الرسمی .

ولكن إذا تطلب القانون توافر شروط معينة ليكون الشخص صفة إثبات بيانات المحرر الرسمي كحلف يمين مثلاً، فإنه لا يعد موظفاً عاماً إلا إذا توافرت له هذه الشروط .

المكلف بخدمة عامة : لم تعترف محكمة النقض بالصفة الرسمية للمحررات التي تصدر عن المكلف بخدمة عامة، بل وأنكرت عليه صفة الموظف العام وقد إحتجت لذلك بحجتين : أولاهما، أنه لو أراد الشارع المساواة بين الموظف والمكلف بخدمة عامة في باب التزوير لنص على ذلك صراحة كما فعل في المادتين 111، 119 من قانون العقوبات ؛ وثانيهما، أنه لا محل للاحتجاج بالمادة 390 من القانون المدني المادة 10 من قانون الإثبات التي سوت بينهما لأنها وردت في الفصل الخاص بإثبات الإلتزام بالكتابة .

ونحن لا نرى صواب ما ذهبت إليه محكمة النقض : فليس الشارع ملزماً بأن ينص صراحة على كل حكم يريد تقريره إذا كان هذا الحكم واضحاً بذاته وسائغاً استخلاصه من علة التجريم . وفكرة الموظف العام في التزوير واضحة من الربط بينها وبين فكرة المحرر الرسمي : فطالما كانت الفكرة في هذا المحرر أنه تعبير عن إرادة الدولة، فإن كل شخص يخول - في مجال ما - صفة التعبير عن هذه الإرادة يجب أن يعتبر موظفاً عاماً ؛ وليس من شأن تأقيت هذه الصفة أو حصر مجالها أن يمس مبدأ وجودها، والأمر في هذا الصدد من الوضوح بحيث لم يجد الشارع ضرورة للنص عليه صراحة . أما جرائم الرشوة والإختلاس فإن الأصل فيمن يرتكبها أن يكون موظفاً عاماً - فی المدلول الجنائي الذي سلف توضيحه – فهو الذي تنعكس تصرفاته على نزاهة الدولة أو حقوقها المالية، ومن ثم كان إمتداد نطاق مرتكبيها إلى غير الموظفين أمرا ذا طابع إستثنائي ويحتاج إلى نص صریح يقرره . ولا يجوز إغفال قيمة الحجة المستمدة من المادة 390 من القانون المدني (المادة 10 من قانون الإثبات) : فهذا النص يعرف بوجه عام المحرر الرسمي ويحدد عناصره، ومن غير المنطقي أن تتعدد ضوابط المحرر الرسمي بتعدد فروع القانون : فيعد المحرر رسمياً في القانون المدني ويعد عرفياً في القانون الجنائي، فالنظام القانوني العام للدولة تتكامل قواعده ولا يجوز أن يكون بينها تناقض، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بتحديد ما يعد معبراً عن إرادة الدولة . وإذا كانت المادة 390 من القانون المدني قد وردت في باب الإثبات بالكتابة، فهي قد عرفت المحرر الرسمي بوجه عام قبل أن تتطرق نصوص تالية لها إلى تحديد مدى حجية بيانات المحرر الرسمي من حيث الإثبات . بل إن بعض أحكام القضاء - ومن بينها أحكام حديثة لمحكمة النقض - قد إعترف بالصفة الرسمية للمحررات التي تصدر عن المكلف بخدمة عامة .

الوقت الذي يتعين أن تتوافر فيه صفة الموظف العام : يتعين أن تتوافر للمتهم صفة الموظف العام وقت تدوينه المحرر أو إثباته البيانات التي من شأنه إثباتها : فإذا لم تتوافر الصفة في هذا الوقت انتفت عن المحرر الصفة الرسمية، أو إنتفى عن التزوير صدوره عن موظف عام، ولا يغير من هذا الحكم أن هذه الصفة كانت للمتهم فيما مضى، أي قبل تدوين المحرر أو إثبات بعض بياناته، ثم زالت عنه لعزله من وظيفته أو إنتهاء تكليف القانون له أو زوال الشروط التي يتطلبها القانون لتكون له هذه الصفة ولا يغير من الحكم كذلك أن يكتسب المتهم هذه الصفة في وقت لاحق ولا عبرة بجعل المتهم تاريخ المحرر معاصراً للوقت الذي كانت له - أو صارت له - فيه صفة الموظف، إذ أن وضعه هو وضع من يصطنع محرراً وينتحل لنفسه فيه صفة الموظف العام : فلا فرق بين من ينتحل صفة لم تكن له قط، ومن ينتحل صفة كانت له ثم زالت عنه، أو لم تكن له ثم توافرت لديه .

التزوير المادي الذي يرتكبه موظف عام في محرر رسمي أثناء تأدية وظيفته : نصت على هذه الجريمة المادة 211 من قانون العقوبات في قولها « کل صاحب وظيفة عمومية ارتكب في أثناء تأدية وظيفته تزويراً في أحكام صادرة أو تقارير أو محاضر أو وثائق أو سجلات أو دفاتر أو غيرها من السندات والأوراق الأميرية سواء كان ذلك بوضع إمضاءات أو أختام مزورة أو تغيير المحررات أو الأختام أو الإمضاءات أو بزيادة كلمات أو بوضع أسماء أو صور أشخاص آخرين مزورة يعاقب بالسجن المشدد أو السجن .

تتطلب هذه الجريمة توافر الأركان العامة للتزوير في المحررات : فلابد من تغيير الحقيقة في محرر بإحدى طرق التزوير المادي التي حددها القانون، ولابد من ضرر، وقصد جنائي ويتعين بالإضافة إلى ذلك أن تتوافر للمحرر الصفة الرسمية، وللمتهم صفة الموظف العام .

ويتطلب الشارع - بالإضافة إلى الأركان العامة للتزوير وأركان التزوير في المحررات الرسمية - أن يرتكب المتهم تزويره « في أثناء تأدية وظيفته ». ويعني هذا الركن أن المتهم مختص بتحرير الورقة الرسمية التي ارتكب التزوير فيها، وفي عبارة أخرى أنه مكلف طبقاً لواجبات وظيفته بإثبات البيانات التي غير الحقيقة فيها  وعلى هذا النحو، فإنه لا يكفي مجرد كون المتهم موظفاً عاماً حتى يرتكب هذه الجريمة إذ من المتصور أن يكون موظفاً ويرتكب التزوير في محرر رسمي يختص بتحريره موظف آخر فلا يسأل عندئذ عن تزوير ارتكبه موظف عام في محرر رسمي أثناء تأدية وظيفته، وإنما يسأل عن تزوير ارتكبه فرد عادي في محرر رسمي .

ولا يتغير الحكم إذا ارتكب الموظف تزويراً في بيان ليس من اختصاصه إثباته ولو كان المحرر نفسه يتضمن بيانات من اختصاصه إثباتها : فالكاتب المختص بالتصديق على الإمضاءات في المحرر الرسمي إذا زور فی التأشيرة الدالة على سداد الرسوم المستحقة، وهي تأشيرة يختص بإثباتها موظف آخر لا يعد تزويره واقعاً من موظف عام، لأنه غير مختص بإثبات البيان الذي غير الحقيقة فيه . وعلة هذا الركن أن الجريمة تفترض إساءة إستغلال الوظيفة لا مجرد توافر الوظيفة، وعلة العقوبة المغلظة لا تتوافر إلا إذا ثبتت خيانة الموظف الثقة التي وضعت فيه حينما عهد إليه بإثبات بيانات المحرر، ومحل هذه الثقة أن يكون مختصاً بإثبات البيان الذي غيرت فيه الحقيقة .

ويقرر القانون لهذه الجريمة عقوبة السجن المشدد أو السجن . ( شرح قانون الخاص، القسم العام، الدكتور/ محمود نجيب حسني، الطبعة السابعة 2012 دار النهضة العربية،  الصفحة : 242 )

الركن المادي

عناصر الركن المادي :

يقوم الركن المادي لجريمة التزوير في المحررات على عدة عناصر: تغيير الحقيقة، وأن يكون ذلك في محرر، عن طريق استعمال وسيلة من الوسائل التي نص عليها القانون، وأخيراً أن يكون من شأن تغيير الحقيقة إحداث ضرر للغير .

المقصود بتغيير الحقيقة ليس تغيير الحقيقة الواقعية المطلقة، وإنما تغيير الحقيقة القانونية النسبية، بمعنى أن جريمة التزوير تقع إذا أثبت أن في المحرر ما يخالف إرادة صاحب الشأن الذي يعبر المحرر عن إرادته، ولو كان ذلك تعبيرا صادقا عن الواقع وتطبيقا لذلك تقع جريمة التزوير إذا حرر عقد بيع لزوجته يوم زواجه ليكون تأميناً للمهر، ثم دفع المهر وأخذ عنه مخالصة، ولكن الزوجة لم تقبل بيع الأطيان إليه ثانية، فحرر عقد بيع منها إليه . إذ يعتبر ذلك تغييراً للحقيقة، حيث نسب الزوج إلى الزوجة أمراً لا يعبر عن إرادتها .

يقتصر نطاق تغيير الحقيقة الذي تقوم به جريمة التزوير في المحررات على التغيير الذي يمس بطريق مباشر حقاً أو مركزاً قانونياً للغير فيجعله غير مطابق للواقع  أما إذا كان تغيير الحقيقة لا يمس إلا مركز المتهم أو حقوقه فلا تقع به جريمة التزوير .

المحرر

تحديد معنى المحرر :

لا تقع جريمة التزوير إلا إذا وقع تغيير الحقيقة في محرر، فيخرج من هذا النطاق كل تغيير للحقيقة بالقول أو بالفعل . وإن كان يمكن أن يعتبر جريمة أخرى كشهادة الزور أو النصب أو تزييف المسكوكات .

ويقصد بالمحرر العلامات التي ينتقل بها معنى معين من شخص إلى آخر عند النظر إليها. ويستوي في العلامات أن تكون مكونة من الكلمات والحروف التي تقوم عليها اللغة أو أن تكون مجرد رموز تعبر عن معان مصطلح عليها لدى بعض الناس، كرموز الشفرة أو الاختزال. ويستوي أن يكون المحرر مكتوباً باللغة الوطنية أو بلغة أجنبية، وأن يكون مدوناً بخط اليد أو بالآلة الكاتبة أو بالطباعة، وأن يكون مدونا بالحبر أو بالحفر. كذلك لا عبرة بالمادة التي دون عليها المحرر فقد تكون من الورق أو القماش أو الجلد أو الخشب، ولكن لما كان دور المحرر في التعامل يقتضي أن يكون على قدر من الثبات والدوام حتى يمكن الرجوع إليه كلما اقتضى الأمر ذلك في خلال مدة طويلة نسبياً، فإن من مقتضى ذلك أن تكون المادة التي يدون عليها صالحة لتحقيق هذا الثبات، ويترتب على ذلك أن تنتفي صفة المحرر عن الكتابة التي تدون على الرمال، أو الجليد، أو على قطعة من الحلوى، أو على بخار متكثف على لوح من الزجاج .

طرق التزوير

حصر طرق التزوير :

حدد المشرع طرق التزوير على سبيل الحصر، فلا تقع جريمة التزوير إلا إذا توصل الجاني إلى ارتكابها بإحدى هذه الطرق، ولذلك تلتزم المحكمة عند الحكم بالإدانة، بأن تبين في حكمها الطريقة التي لجأ إليها الجاني في تغيير الحقيقة حتى يتسنى لمحكمة النقض أن تراقب صحة تطبيق القانون . فإن أغفلت المحكمة هذا البيان كان الحكم قاصر التسبيب متعين النقض .

التزوير - وفقاً للطريقة التي يتم بها - نوعان: مادی و معنوی .  فالتزوير المادي هو الذي يتم بطريقة مادية تترك في مادة المحرر أثرا يمكن . إدراكه بالحواس . أما التزوير المعنوي فهو يتحقق بتغيير حقيقة معنی المحرر ومضمونه دون المساس بمادته أو شكله، ولذلك فهو لا يترك أثراً يمكن إدراكه بالحواس .

طرق التزوير المادي :

 تحديد طرق التزوير المادي :

نص القانون على طرق خمس للتزوير المادي :

1- وضع إمضاءات أو أختام مزورة .

2- تغيير المحررات أو الأختام أو الإمضاءات أو زيادة كلمات .

3- وضع أسماء أو صور أشخاص آخرين مزورين .

4- التقليد .

5- الاصطناع .

أولاً : وضع إمضاءات أو أختام مزور

يقع التزوير بوضع إمضاء مزور إذا وقع الجاني على محرر بإمضاء ليس له، سواء في ذلك أن يكون الإمضاء لشخص حقیقی أو لشخص خيالي لا وجود له، وإذا كان الإمضاء لشخص حقیقی فإنه لا يشترط أن يقلد المزور الإمضاء الحقيقي للمزور عليه، فالتقليد طريقة أخرى للتزوير، وإنما يكفي الوقوع الجريمة أن يكتب إسم المزور عليه، ولو كان الأخير أمياً لا يعرف الكتابة، إذا كان من شأن ذلك الإيهام بصدور المحرر عن المزور عليه .

ثانياً : تغيير المحررات أو الأختام أو الإمضاءات أو زيادة كلمات :

يقصد بتغيير المحررات أو الأختام أو الإمضاءات كل ما يمكن إجراؤه من تغيير مادي لصلب المحرر أو للإمضاء أو للختم الموضوع عليه لتغيير معناه . وواضح من هذا التحديد أنه يدخل في نطاقه زيادة كلمات على المحرر، وكان المشرع في غنى عن ذكر عبارة «أو زيادة كلمات» إذ أن لفظ التغيير يشملها . والتغيير في هذا المعنى هو الذي يجريه الجاني بعد تمام المحرر والتوقيع عليه، أما التغيير الذي يحدث أثناء التحرير فهو تزوير معنوی .

ثالثاً : وضع أسماء أو صور أشخاص آخرين مزورة :

هذه الطريقة للتزوير المادي تثير التساؤل عن مقصود المشرع  منها؟ فوضع إسم شخص آخر مزور لا يخرج عن أن يكون وضعاً لإمضاء أو ختم شخص آخر، وعندئذ يدخل في نطاق الطريقة الأولى . أو أن يكون وضعاً لإسم شخص آخر في صلب المحرر أو تغييراً الإسم وارد فيه بإسم شخص آخر أو إضافة إسم للإمضاء، وحينئذ تتوافر الطريقة الثانية التزوير المادی .

ومقتضى ذلك القول بأن هذه الطريقة ليست طريقة مستقلة بذاتها .ولعل المشرع قد أراد أن يخص بهذه الطريقة حالة تزوير الشخصية، إما في صورة انتحالها أو في صورة إبدالها، إذا كان لذلك أثر مادي في المحرر، لأننا بصدد طريقة من طرق التزوير المادي.  ويتحقق التزوير المادي بانتحال الجاني شخصية غيره في محرر إذا وقع عليه بإمضاء شخص آخر، كما يتحقق بإبدال شخصية الغير إذا محا إمضاء أو إسماً لشخص له صفة في المحرر ووضع بدلاً منه إمضاء أو إسماً لشخص لا شأن له بالمحرر . وهو في الحالتين يمكن أن يندرج كما سلف البيان تحت إحدى الطريقتين السابقتين للتزوير المادي .

وقد تقدم القول بأن المشرع تدخل سنة 1984 بتعديل المادة 211 ع التي نصت على هذه الوسائل بحيث تصبح هذه الوسيلة: «وضع أسماء أو صور أشخاص آخرين مزورة» وفي ظل هذا التعديل تقع جريمة التزوير إذا نزع شخص صورة صاحب البطاقة الشخصية ووضع بدلاً منها صورته، الأمر الذي عجز القضاء - في ظل النص قبل تعديله - عن اعتباره تزويراً .

 رابعاً : التقليد

يقصد بالتقليد في مجال التزوير تدوين الجاني محرراً أو جزءاً من محرر بخط يشبه خط شخص آخر ابتغاء نسبته إليه ولا يشترط في التقليد أن يكون متقناً، وإنما يكفي أن يكون من شأنه إيهام الشخص المعتاد بصدوره عمن نسب إليه .

خامساً : الاصطناع

يقصد بالاصطناع إنشاء الجاني محرراً برمته ونسبته إلى شخص آخر، يستوي في ذلك أن يقلد الجاني خط من ينسب إليه المحرر أو ألا يقلده، وأن يضع عليه إمضاء من ينسب إليه أو ألا يضع إمضاء، أو أن يحصل بالاحتيال على الإمضاء أو الختم الصحيح لمن ينسب إليه المحرر كما يستوي أيضاً أن يكون إنشاء المحرر على غرار محرر موجود فعلاً أو أن يكون إنشاؤه على غير مثال سابق .

وقد يقع الاصطناع في محرر رسمي كمن يصطنع صورة حكم وينسب صدوره لمحكمة معينة .

تحديد الضرر في جريمة التزوير :

يقصد بالضرر في نطاق جريمة التزوير كل إخلال أو احتمال للإخلال بمصلحة يحميها القانون .

فإذا تحقق هذا المعنى توافر عنصر الضرر، وإذا انتفى انهارت الجريمة .

ويستوي في نظر القانون أن يكون الضرر كبيراً أو ضئيلاً، فعلياً أو  محتملاً، مادياً أو أدبياً، خاصاً أو عاماً .

الضرر الفعلي والضرر الاحتمالي :

لا يشترط لتحقق الضرر أن يكون واقعاً فعلاً، وإنما يكفي أن يكون محتمل الوقوع، وهذا التحديد مستخلص من كون المشرع لم يعلق العقاب عن جريمة التزوير على استعمال المحرر المزور، وإنما يعاقب الجاني ولو لم يستعمل المحرر المزور، وبالتالى لم يترتب عليه أي ضرر فعلی .

يستوي في توافر عنصر الضرر أن يكون ضرراً مادياً أو أدبياً .

والضرر المادي هو الذي ينال الذمة المالية للمضرور بإنقاص عناصرها الإيجابية، أي بإسقاط حق لها، أو بزيادة عناصرها السلبية، أي بتحميلها بالتزام، وهو أكثر أنواع الضرر ترتباً على جريمة التزوير وحيث يستهدف الجاني بالتزوير سلب ثروة المجنى عليه من أمثلة ذلك تزوير عقد بيع أو سند دين أو مخالصة، وتقوم جريمة التزوير مهما ضؤل قدر الضرر المادي .

أما الضرر الأدبي فهو الذي ينال شرف المضرور أو اعتباره أو عرضه أو كرامته، أو بعبارة أخرى هو الضرر الذي ينال مصلحة ليست ذات قيمة مادية من ذلك أن يصطنع شخص خطاباً يذكر فيه أموراً تمس شرف من ينسب إليه هذا الخطاب .

تقوم جريمة التزوير سواء كان الضرر خاصاً أو عاماً. ويقصد بالضرر الخاص أو الفردى الضرر الذي ينال فرداً معيناً أو أفراداً معينين أو هيئة خاصة، ومن أمثلته أن يزور محصل بإحدى الشركات في أوراق الشركة لسلب بعض مالها أما الضرر العام أي الضرر الاجتماعي فهو الذي ينال مصلحة للمجتمع وإن لم ينل فرداً معيناً والضرر الاجتماعي قد يكون مادياً وقد يكون أدبياً، من أمثلة الضرر الاجتماعي المادي أن يزور شخص إيصالاً بسداد رسوم مستحقة عليه للحكومة، أو أن يزور صراف في جهة حكومية في الدفاتر الرسمية لإخفاء المبلغ الذي اختلسه من أموال الحكومة، أو أن يغير المدعي قيمة الدعوى بالزيادة بعد أن أشر عليها الكاتب المختص بسداد الرسوم المستحقة ومن أمثلة الضرر الاجتماعي الأدبي أن يزور شخص إحدى الشهادات اللازمة للالتحاق بإحدى الوظائف العامة .

وقد استقر القضاء المصري على اعتبار الضرر الاجتماعي متحققا في كل تزوير في محرر رسمى ولو لم يترتب عليه ضرر بالفعل لشخص معين أو احتمال وقوعه، ذلك أن تغيير الحقيقة فيه يزعزع الثقة الواجبة في الأوراق الرسمية بوجه عام .

 نقض 20 يونية سنة 1938 مجموعة القواعد القانونية ج4 رقم 243 ص 272 ؛ ونقض 29 .

أبريل سنة 1979 مجموعة أحكام محكمة النقض س 30 رقم 107 ص 506 ؛ ونقض 6 فبراير سنة 1991 س 42، رقم 35 ص 261 ؛ ونقض 13 فبراير سنة 2006 س 57  رقم 27 ص 209 .

الضرر والمحررات الباطلة :

قد يكون المحرر الذي يقع فيه تغيير الحقيقة باطلاً سواء كان محرراً رسمياً أو عرفياً، من أمثلة المحرر الرسمي الباطل أن يكون قد حرره موظف غير مختص بتحريره، أو لم تتبع في تحريره الإجراءات التي حددها القانون .

ومن أمثلة المحرر العرفي الباطل أن يكون من حرره قد تخلفت لديه الأهلية الكاملة كما لو صدر عن قاصر، أو أن يشوب التصرف القانوني الذي يثبته عيب من عيوب الرضاء فإذا عمد شخص إلى تغيير الحقيقة في محرر باطل فإنه يثور التساؤل عما إذا كان هذا الفعل تقع به جريمة التزوير؟ أم أن بطلان المحرر ينفي احتمال الضرر وبالتالي يتخلف هذا العنصر فلا تقوم جريمة التزوير؟

على الرغم من الخلاف الفقهي الذي ثار في هذا الشأن، فإن الرأي السائد فقها يذهب إلى القول بأن المشكلة تتعلق بالواقع ولا تتعلق بالقانون فالفيصل في حسمها ليس في كون المحرر الذي وقع فيه تغيير الحقيقة باطلاً أو غير باطل، وإنما في كون المحرر الباطل - شأنه في ذلك شأن المحرر الصحيح - يحتمل أن يترتب على تغيير الحقيقة فيه ضرر أو لا يحتمل ذلك، فإذا تبين احتمال الضرر وقع التزوير وتفسير ذلك أن المحرر الباطل وإن كان القانون يجرده من الأثر القانوني إلا أنه من حيث الواقع قد لا يكون ظاهر البطلان فينخدع به الناس ويودعون فيه ثقتهم وهذا وحده يكفي لتوافر احتمال وقوع الضرر إذا وقع في هذا المحرر تغيير للحقيقة ولا ينتفي احتمال الضرر إلا إذا كان المحرر ظاهر البطلان بحيث لا يمكن أن يخدع فيه أحد فحينئذ فقط لا تقع بتغيير الحقيقة جريمة التزوير .

وقد استقر القضاء المصري بعد تردد على الأخذ بهذه الوجهة سواء في المحررات الباطلة أو القابلة للإبطال من ذلك ما قضى به من أن «التزوير في الأوراق الرسمية يعاقب عليه ولو كان حاصلاً في محرر باطل شكلاً لاحتمال حصول الضرر منه للغير أو للمجتمع، إذ أن المحرر الباطل شكلاً يصح أن ينخدع فيه كثير من الناس الذين يفوتهم ملاحظة ما فيه من نقص، وهذا وحده كاف لتوقع حصول الضرر بالغير بسبب ذلك المحرر، على أنه يكفي في جرائم التزوير في الأوراق الرسمية مجرد احتمال حصول ضرر اجتماعي، ومجرد تغيير الحقيقة في هذه المحررات الرسمية يترتب عليه حتماً حصول ضرر بالمصلحة العامة أو احتمال حصوله، ذلك بأن العبث بالأوراق الرسمية يهدم الثقة بهذه الأوراق ويضيع قيمتها» .

نقض 22 أكتوبر سنة 1951 مجموعة أحكام محكمة النقض س 3 رقم 36 ص 88 ؛ ونقض 6 مايو سنة 1968 س 19 رقم 105 ص 536 الذي قضى بأنه: « إذا كان البطلان اللاحق بالمحرر بسبب عدم اختصاص من نسب إليه تحريره مما تفوت ملاحظته على كثير من الناس، و فإن العقاب على التزوير واجب في هذه الصورة لأن مجرد الإخلال بالثقة اللازمة للورقة الرسمية يترتب عليه ضرر، وتغيير الحقيقة فيها من شأنه أن يزعزع هذه الثقة». وفي نفس المعنى نقض 10 يونية سنة 1968 س 19 رقم 137 ص 673 .

القصد الجنائي :

جريمة التزوير في المحررات جريمة عمدية يتخذ ركنها المعنوي صورة القصد الجنائي، ولا يكفي لتوافر الركن المعنوي في هذه الجريمة أن يتحقق القصد العام وإنما يجب أن يقوم إلى جانبه قصد خاص، وعلى ذلك فالقصد الجنائي في التزوير يتحقق بتعمد تغيير الحقيقة في محرر تغييراً من شأنه أن يسبب ضرراً، وبنية استعمال المحرر فيما غيرت الحقيقة فيه .

القصد العام :

يقوم القصد العام على عنصري العلم والإرادة، فيجب أن تتجه إرادة الجاني إلى ارتكاب فعل تغيير الحقيقة في محرر، وإلى تحقيق نتيجته وهي اشتمال المحرر على بيانات تخالف الحقيقة، ويجب أن يحيط علم الجاني بعناصر الجريمة، فيجب أن يكون عالماً وقت ارتكاب الفعل بأنه يغير الحقيقة، فإذا كان يجهل ذلك انتفى لديه القصد الجنائي، ولو كان جهله بالحقيقة راجعاً إلى إهماله في تحريها  وعلى ذلك فإن الموظف المختص الذي يثبت في المحرر ما يمليه عليه ذوو الشأن من بيانات جاهلاً أنها مخالفة للحقيقة، ينتفي لديه القصد الجنائي، ولذلك لا تقع الجريمة من المأذون الذي يثبت في عقد الزواج انتفاء الموانع الشرعية من الزواج وهو غير عالم بمخالفة ذلك للحقيقة، ولا من شيخ البلد إذا أثبت في شهادة إدارية تاريخاً مختلفاً للوفاة جاهلاً التاريخ الحقيقي ولذلك يجب على المحكمة إذا قضت بالإدانة عن جريمة التزوير أن تثبت علم المتهم على وجه اليقين بأنه يغير الحقيقة، فإن لم تفعل كان حكمها مشوباً بالقصور .

ويأخذ الجهل بقاعدة مقررة في قانون آخر غير قانون العقوبات حكم الجهل بالواقع، فينتفى به القصد الجنائي، وعلى ذلك فإذا أثبت الزوجان في عقد الزواج، خلافا للحقيقة، عدم توافر مانع شرعي من الزواج وكان ذلك نتيجة جهلهما بقواعد الشريعة الإسلامية، كالقاعدة التي تقضي بتحريم الزواج بين الأخوة من الرضاع، فإن هذا الجهل ينفي القصد الجنائي .

ويجب أن يتوافر لدى الجاني العلم بأن تغيير الحقيقة يقع في محرر، وبأنه يتم بإحدى الوسائل التي نص عليها القانون حصراً وهذا العلم مفترض فلا يكون للمتهم أن يعتذر بجهله بأي من هذين الأمرين إذ لا يعذر أحد لجهله القانون .

ويجب أخيراً أن يعلم الجاني وقت تغيير الحقيقة أن من شأنه فعله - إذا استعمل المحرر المزور - أن يرتب ضرراً مادياً أو معنوياً، حالاً أو محتملاً، عاماً أو خاصاً فإذا انتفى هذا العلم، بأن كان الجاني يجهل احتمال ترتب الضرر على فعله، فإن القصد الجنائي ينتفي ولا يصلح في هذا المجال ما ذهب إليه جانب من الفقه من أن إمكان علم الجاني بالضرر يعدل العلم الفعلي به وتطبيقاً لذلك قضى بأنه إذا كان المتهم لم يقصد - في محضر البوليس - انتحال إسم شخص معين معروف لديه، بل قصد مجرد التسمي بإسم وهمي، امتنع القول بأنه كان يعلم أن عمله من شأنه أن يلحق ضرراً بالغير، مادام لا وجود لهذا الغير في اعتقاده .

ويلاحظ أن توافر العلم لدى الجاني باحتمال الضرر يكفى لقيام القصد الجنائي، فلا يشترط بعد ذلك أن تكون إرادته قد اتجهت إلى وقوع الضرر فعلاً، فالقصد يتوافر بالعلم بالضرر سواء أراد الجاني وقوعه أو لم يرد ذلك .

 القصد الخاص :

يتمثل القصد الخاص اللازم لقيام جريمة التزوير في اتجاه نية الجاني وقت ارتكاب الفعل إلى استعمال المحرر المزور فيما زور من أجله .

وتحديد القصد الخاص على هذا النحو هو الذي يبرر العقاب على التزوير، فالخطورة لا تكمن في تغيير الحقيقة في ذاته، وإنما في استهداف المزور به استعمال المحرر المزور، وانتفاء هذه النية ينفي القصد الجنائي فلا تقوم جريمة التزوير مثال ذلك أن يصطنع شخص كمبيالة ويضع عليها إمضاء صديق له ليبين للحاضرين طريقة كتابة الكمبيالة دون أن تتجه نیته إلى استعمالها .

ويلاحظ أن نية استعمال المحرر المزور فيما زور من أجله تكفى لتوافر القصد وقيام جريمة التزوير بصرف النظر عن كون المحرر قد استعمل فعلاً أو لم يستعمل - فالعقاب على التزوير لا يتوقف على استعمال المحرر المزور، ذلك أن كلا من جريمة التزوير واستعمال المحرر المزور مستقلة عن الأخرى تماماً .

وإذا توافر القصد الجنائي على النحو السابق تحديده فإن ذلك يكفي الاكتمال أركان الجريمة، ولا عبرة بعد ذلك بالباعث الذي دفع الجاني إلى ارتكابها  فيستوي أن يكون الباعث هو الإثراء غير المشروع أو دفع ضرر أو الإضرار بالغير أو تحقيق مصلحة الغير .

والقصد الجنائي من المسائل المتعلقة بوقائع الدعوى التى تفصل فيها محكمة الموضوع في ضوء الظروف المطروحة عليها، ولا يشترط أن يتحدث الحكم عنه استقلالاً مادام قد أورد من الوقائع ما يدل عليه .

ويمكن في ضوء هذه النصوص تحديد مدلول المحرر الرسمي بأنه المحرر الذي يحرره موظف عام مختص بتحريره وفقاً للأوضاع والإجراءات التي تقضي بها القوانين واللوائح سواء كان اختصاصه بتحرير المحرر مستمداً من القانون مباشرة أو مستمداً من تكليفه بذلك ممن يملك قانوناً هذا التكليف .

ولا يشترط في المحرر الرسمي أن يكون محرراً على نموذج خاص، ذلك أن الصفة إنما يسبغها محررها لا طبعها على نموذج خاص .

صور المحرر الرسمي

أولاً: من حيث السلطة التي تصدره :

إذا توافر في المحرر المفهوم السابق تحديده فإنه يعتبر محرراً رسمياً، يستوي بعد ذلك أن يصدر عن الحكومة المركزية أو عن إحدى هيئات الإدارة المحلية، كذلك يستوي أن يصدر عن الحكومة باعتبارها سلطة عامة أو أن يصدر عنها بصفتها قائمة بإدارة أعمال خاصة، فتعتبر محررات رسمية الإيصالات التي تعطيها الدولة لمستأجرى العقارات المملوكة لها إثباتاً لسدادهم الأجرة .

ويستوي في المحررات التي تصدرها الدولة باعتبارها سلطة عامة أن تكون محررات سياسية تصدرها السلطات العليا في الدولة كالقوانين والقرارات الجمهورية والمعاهدات، أو محررات إدارية تصدرها السلطات الإدارية المختلفة وفروعها، کشهادة الميلاد وشهادة الوفاة والشهادات الدراسية وأوراق الامتحانات، ودفاتر قيد المواليد والوفيات ودفاتر التوفير وحوالات البريد، أو محررات قضائية تصدر عن السلطة القضائية والجهات التي تعاونها كمحضر ضبط الواقعة ومحضر التحقيق وعريضة الدعوى ومحضر الجلسة وتقارير الخبراء والأحكام، أو محررات مدنية تصدر عن مأمور رسمی مختص بتحريرها لإثبات إقرارات أولى الشأن وإعطائها الصفة الرسمية سواء تنفيذا لنص قانونی آمر کوثيقة الزواج أو الطلاق أو عقد الرهن الرسمي أو عقد الهبة، أو تنفيذاً لرغبة أولى الشأن كعقد البيع الرسمي .

ثانياً : من حيث نشأته :

ويستوي في اعتبار المحرر رسمياً أن ينشأ منذ تدوينه رسمية أو أن ينشأ عرفياً ثم يكتسب صفة الرسمية بعد ذلك . فقد يحرر الأفراد محرر عرفية، ثم تسبغ عليه صفة الرسمية بعد ذلك بأن يتدخل موظف عام بإضافة بعض البيانات إليه، بمراجعته والتصديق عليه، أو باتخاذ إجراء معين في شأنه . مثال ذلك عريضة الدعوى المدنية فهي ملك لصاحبها له أن يثبت فيها ويمحو ما يشاء فهي تنشأ ورقة عرفية وتظل لها هذه الصفة إلى أن يكون عليها الموظف المختص بيانات معينة، كالتأشير عليها بقيمة الرسوم المستحقة على الدعوى، أو يتخذ إجراء معيناً كإعلانها، فإذا وقع فيها تغيير في الحقيقة قبل تدخل الموظف العام كوضع إمضاء مزور على عريضة الدعوى قبل إعلانها، تقع بالفعل جريمة التزوير في محرر عرفي، فإذا تدخل الموظف بعد ذلك بإعلان عريضة الدعوى انقلب التزوير الواقع فيها تزويراً في محرر رسمي إذا العبرة في رسمية المحرر هي بما يؤول إليه لا بما كان عليه .

ثالثاً : من حيث نطاق الرسمية :

كذلك يستوي في اعتبار التزوير واقعاً في محرر رسمي أن يقع تغيير الحقيقة في البيانات التي يدونها الموظف أو تلك التي يحررها أصحاب - الشأن طالما أن صفة الرسمية قد انسحبت عليها بتدخل الموظف المختص .

وعلى ذلك يتحقق التزوير في محرر رسمي إذا غير الجاني الحقيقة في عريضة الدعوى - ولو قبل إعلانها – بزيادة قيمة موضوع الدعوى وذلك بعد تقدير الرسوم المقررة والتأشير بذلك على هامش العريضة من الموظف المختص، لأن من شأن هذا التغيير أن يجعل التأشيرة الرسمية التي حررها الموظف العمومي على العريضة منسحبة على قيمة أخرى ما كانت لتنسحب عليها لولا هذا التغيير، وهذا عبث بذات التأثير الرسمي الوارد على العريضة .

 رابعاً : من حيث قوة المحرر في الإثبات :

وإذا تحقق المدلول الذي ذكرناه للمحرر فإنه يكون رسمياً في جميع بياناته دون توقف على قوتها في الإثبات . ذلك أن البيانات التي يشتمل عليها المحرر الرسمي قد تختلف من حيث قوتها في الإثبات، فبعض هذه البيانات يثبته الموظف العام على لسان أصحاب الشأن، وهذه يجوز إثبات عكسها بطرق الإثبات العادية ودون حاجة إلى الطعن فيها بالتزوير، وبعضها يثبته الموظف العام باعتبارها صادرة عنه، وهذه يكون لها حجية مطلقة فلا يجوز إثبات عكسها إلا عن طريق الطعن فيها بالتزوير .

تأخذ صورة المحرر الرسمي حكم هذا المحرر، فيعتبر تغيير الحقيقة فيها تزويراً في محرر رسمي وتطبيقاً لذلك قضى باعتبار التغيير في بعض أرقام الرسوم الموجودة بهامش صورة شمسية لعقد مسجل تزويراً في ورقة رسمية .

نقض 10 يونية سنة 1935 مجموعة القواعد القانونية ج 3 رقم 387  ص 491 . وفي نفس المعنى، فيما يتعلق بتغيير الحقيقة في بيان الرسوم المستحقة على هامش الصورة المستخرجة - من محاضر أعمال الخبير: نقض 10 مايو سنة 1943 جة رقم 185 ص 253 .

جريمة التزوير في محرر رسمى التي تقع من موظف عام أثناء تأدية وظيفته .

صفة الموظف العام :

لم يضع المشرع - فيما يتعلق بجريمة التزوير في المحرر الرسمي أنه من الموظف العام - تحديدا للموظف العام كما فعل فيما يتعلق بجرائم الرشوة (م 111 ع) وجرائم اختلاس المال العام والعدوان عليه والغدر (م 119 مكرراً ع)، ولذلك يقع على الفقه عبء القيام بهذا التحديد . ويذهب جانب من الفقه إلى القول بأن عدم تصدى المشرع لتحديد مدلول الموظف العام في جرائم التزوير لا يعني بالضرورة الالتزام بالمدلول الذي يحدده له القانون الإداري . وإنما يجب أن يحدد هذا المدلول في ضوء علة تشدید عقاب التزوير الذي يقع من الموظف العام، ومن هذا المنطلق يحدد هذا الرأي معنی الموظف العام بأنه كل شخص عهد إليه القانون - بطريق مباشر أو غير مباشر وعلى وجه دائم أو عارض - بإثبات كل أو بعض البيانات التي يتضمنها محرر رسمي أياً كان فيدخل في مدلول الموظف العام بهذا التحديد الشخص المكلف بخدمة عامة إذا عهد إليه بإثبات بيانات محرر رسمى .

ولكنا نرفض هذه الوجهة من النظر، ونميل إلى تأييد الاتجاه الذي يخرج المكلف بخدمة عامة من نطاق معنى الموظف العام مقتصراً، فى تحديد مدلول الموظف العام، على المدلول الذي يحدده له القانون الإداري استناداً إلى ذات الحجة التي احتجت بها محكمة النقض للأخذ بهذه الوجهة في عديد من أحكامها، فبعد أن عرفت، الموظف العام المشار إليه في المادتان 211، 213 من قانون العقوبات بأنه: « كل من يعهد إليه بنصيب من السلطة يزاوله في أداء العمل الذي نيط به أداؤه سواء كان هذا النصيب قد أسبغ عليه من السلطة التشريعية في الدولة أو السلطة التنفيذية أو السلطة القضائية، يستوي في ذلك أن يكون تابعاً مباشرة إلى هذه السلطات أو أن يكون موظفاً بمصلحة تابعة لإحداها» أضافت المحكمة أن المشرع «لم ينص في باب التزوير على الشخص المكلف بخدمة عامة، وهو الذي يكلف ممن يملك التكليف بالقيام بعمل عارض من الأعمال العامة»، وأيدت المحكمة وجهة نظرها بأنه: «لو أراد الشارع التسوية بين القائم بخدمة عامة وبين الموظف العمومي في باب التزوير لنص على ذلك صراحة كما فعل في المادتين 111، 119 (مكرراً) من قانون العقوبات» .

نقض 16 فبراير سنة 1960 مجموعة أحكام محكمة النقض س 11 رقم 33 ص 168،  ونقض 24 أبريل سنة 1967 س 18 رقم 110 ص 559 .

وإذا تحدد معنى الموظف العام على هذا النحو، فإنه يستوي أن يكون اختصاصه مستنداً إلى قانون أو مرسوم أو لائحة أو تعليمات أو بناء على أمر رئيس مختص أو طبقاً لمقتضيات العمل.

وغني عن البيان أن صفة الموظف العام يجب أن تتوافر وقت ارتكاب فعل التزوير .

 يتطلب المشرع لوقوع جريمة التزوير في المحررات الرسمية من الموظف العام أن يتم التزوير أثناء تأدية الموظف وظيفته، ذلك أن المشرع الم يشدد العقاب في هذه الحالة لمجرد توافر صفة الموظف العام في الجاني، وإنما لإساءة استعمال هذه الصفة .

العقوبة :

يعاقب الموظف العام الذي يرتكب تزويراً في محرر رسمي في أثناء تأدية وظيفته، سواء كان التزوير مادياً (م 211) أو معنوياً (م 213) بالسجن المشدد أو السجن . ( شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتورة/ فوزية عبد الستار، الطبعة الرابعة 2017 دار النهضة العربية،  الصفحة : 260 )

أولاً نسبة المحرر إلى غير محرره :

( أ ) - وضع إمضاءات أو أختام مزورة :

الإمضاء المزور : يتحقق التزوير بوضع إمضاء به ينسب الجاني إلى الغير على خلاف الحقيقة توقيعه على المحرر. ويستوي في هذا الغير أن يكون شخصاً حقيقياً أو خيالياً، ولا عبرة بما إذا اقتصر التوقيع على إسم الشخص أو لقبه أو شهرته .

ويعد تزويراً أن يضع الجاني إمضاءه الحقيقي موهماً بأنه إمضاء شخص آخر سمي له. ويتحقق التزوير بالحصول على إمضاء صحيح لأحد الأشخاص بقصد الإيهام بأنه توقيع شخص آخر سمي لصاحب الإمضاء. مثال ذلك من يحصل على توقيع إبنته التي تحمل إسماً مماثلاً لإسم زوجته بقصد استعماله وكأنه صدر عن زوجته التي تحمل الإسم ذاته. ويتحقق التزوير أيضاً بإضافة لقب مزور إلى إمضاء الغير للتمويه بانصرافه إلى شخص آخر .

ولا عبرة بما إذا كان تزوير الإمضاء متقناً بحيث يخدع فيه الغير، بل يتحقق التزوير بمجرد كتابة الإسم کاملاً دون محاولة إعطائه رسماً يشبه الإمضاء، ولو كان صاحب هذا الإسم قد إعتاد التوقيع به بطريقة خاصة. وقد قضي أن وضع وكيل المحامي لإسم المحامي في مكان التوقيع على بطاقات مكتبه التي تتضمن تکلیف عملاء المكتب بدفع ما عليهم - يعد تزویراً، ولو لم يكن المتهم قد قلد إمضاء المحامي. ولا عبرة بما إذا كان المنسوب إليه الإمضاء أمياً لا يعرف الكتابة، ولا بما إذا كان تزوير التوقيع قد وقع بخط المتهم أو بخط شخص آخر إستخدمه لذلك .

ولا يقع التزوير إذا كان صاحب الإمضاء قد وكل واضعه بالتوقيع بإسمه مادام قد إستعمل هذا التوقيع في حدود التوكيل ودون مساس بحقوق الغير. كل هذا ما لم يشترط القانون توقيع الشخص بنفسه إثباتاً لحضوره بشخصه، كما هي الحال في توقيع الموظفين إثباتاً لحضورهم في مواعيد العمل الرسمية في الدفاتر المخصصة لذلك. وكذلك الأمر إذا أريد بهذا التوكيل الإضرار بالغير، كما إذا وكل شخص آخر للتوقيع بإسمه على سند دین بقصد التهرب من هذه المديونية. فهنا تكون الوكالة باطلة .

ويلاحظ أنه إذا كان الجاني قد وقع بإسمه الخاص منتحلاً في المحرر أنه وكيل عن شخص آخر اعتبر ذلك تزویراً، لا بوضع إمضاء مزور، وإنما بتغيير المحررات بطريق الإضافة .

ولا يعد تزويراً تحبير إمضاء صحيح مكتوب بالقلم الرصاص، وذلك بإعتبار أن هذا الفعل لا ينطوي على نسبة المحرر زوراً إلى غير من وقعه .

الختم المزور : يشترك الختم مع الإمضاء في مدلول واحد، ومن ثم يسري عليه ما قررناه بشأن الإمضاء المزور .

ويعد استعمال ختم صحيح دون علم صاحبه بمثابة وضع الختم المزور، وذلك بحسب أن الجاني يكون قد نسب إلى صاحبه زوراً أنه بصم بختمه على المحرر. ويستوي أن يكون الجاني قد حصل على الختم بحق أو بدون حق، كما أن استعمال ختم سبق أن ألغي استعماله يعد بمثابة وضع ختم مزور، سواء كان الجاني قد إستعمل هذا الختم في محررات مؤرخة في تاريخ معاصر لوقت استعمال هذا الختم أو في محررات لاحقة على هذا التاريخ، لأن الجاني في الحالتين يكون قد نسب إلى صاحب الختم - على خلاف الحقيقة - توقيعه به .

بصمة الإصبع : كثيراً ما يحدث أن يبصم المزور بإصبعه أو إصبع غيره على ورقة ثم ينسب هذه البصمة إلى شخص آخر. لذا نص قانون العقوبات في المادة 325 على أنه تعتبر بصمة الإصبع كالإمضاء في تطبيق أحكام باب التزوير .

التوقيع بالمباغتة : يتحقق التوقيع بالمباغتة إذا كانت إرادة الموقع لم تتجه إلى وضع إمضائه على المحرر بصورته الراهنة، وإنما حصل عليه الجاني مباغتة، أي في غفلة منه، فهو حصول على التوقيع بطريق الغش . ويعد بمثابة وضع إمضاء مزور أن يتمكن الجاني عن طريق المباغتة من نسبة المحرر إلى شخص لم يصدر عنه، فضلاً عن أنه ليس في القانون ما يحتم أن يضع الجاني الإمضاء المزور بخط يده .

ويستوي أن تكون المباغتة في طبيعة المحرر أو في بعض محتوياته. ومثال النوع الأول من المباغتة أن يكتب شخص ورقة تدل على أن آخر مدين له بمبلغ من النقود ثم يدسها عليه في أوراق أخرى، فيوقع عليها بإمضائه ضمن هذه الأوراق دون أن يتنبه إلى طبيعتها، ومن يضع محرراً عليه ورقة كربون تحت المحرر الذي وقعه صاحب هذا الشأن باختياره حتى يحصل الجاني على توقيعه على هذا المحرر الأخير. ومثال المباغتة في محتويات المحرر أن يطلب من شخص التوقيع على عقد بشروط معينة فيوقعه، ثم يتضح أن محرر العقد أضاف قبل التوقيع شروطا أخرى غير التي ذكرت له .

ولا يتحقق التوقيع بالمباغتة إذا كان الجاني عالماً وقت التوقيع بطبيعة المحرر ومحتوياته، لكنه انساق في توقيعه تحت تأثير بعض المظاهر الخادعة. مثال ذلك أن يطلب أحد الأشخاص من آخر التوقيع على إتفاق موهماً إياه كذباً بأنه سوف يجلب له الربح، فيوقع الأخير عليه تحت تأثير هذا الغش"، الذي قد يكون جريمة النصب .

( ب) وضع أسماء أشخاص آخرين مزورة :

المقصود بهذه العبارة هو إنتحال شخصية الغير، وذلك بأن يدعي الشخص لنفسه إسماً غير إسمه، سواء كان صاحب هذا الإسم شخصاً حقيقياً أو وهمياً ويثبت ذلك في المحرر .

ولا يعد ذلك تزويراً إلا إذا تم بإحدى طرق التزوير الأخرى، كما إذا إقترن بالتوقيع بإمضائه أو ختم مزور للشخص الذي إنتحلت شخصيته أو بمحو إمضائه الحقيقي في المحرر ووضع إمضاء مزور بدلاً منه، وهو ما يعد تزویراً مادياً. ومن قبيل ذلك أيضاً نزع صورة صاحب البطاقة الشخصية الموضوعة عليها ووضع صورة أخرى بدلاً منها وتقدم صاحب هذه الصورة إلى موظف بمصلحة الجوازات والهجرة منتحلاً اسم صاحب البطاقة الشخصية. وقد تقع هذه الطريقة بوصفها تزویراً معنوياً، كأن يتقدم الجاني إلى الموظف المختص منتحلاً شخصية غيره فيثبت الموظف شخصية المزور دون أن يوقع الجاني بالإسم المنتحل، مما يعد تزويراً معنوياً يجعل واقعة مزورة فى صورة واقعة صحيحة .

والخلاصة فإنه يعد تزویراً مادياً إذا كان انتحال شخصية الغير مصحوباً بتغيير مادي في بيانات المحرر. فإذا اقتصر الأمر على إثبات إسم غير حقيقي دون أي عمل مادي يؤيد ذلك اعتبر تزویراً معنوياً .

وبناء على ذلك، فإن النص على هذه الطريقة لا يعدو أن يكون تحصيلاً  لحاصل وتقريراً لواقع. وبالتالي، فإن غيرها من طرق التزوير المادي والمعنوي تغني تماماً عن هذه الطريقة .

( ج ) الاصطناع :

الاصطناع البحت : يتحقق الاصطناع بخلق محرر لم يكن له وجود من قبل ونسبته زوراً إلى غير محرره بشرط أن يكون المحرر المصطنع له مظهر قانوني، أي متضمناً لواقعة تترتب عليها آثار قانونية وصالحة لأن يحتج بها في الإثبات. ولا يشترط فيه أن يتوخى الجاني صدور المحرر مشابهاً لآخر صحيح .

وقد يكون الاصطناع كلياً، كما إذا ورد على المحرر برمته، كالعقد أو الكمبيالة . وقد يكون الاصطناع جزئياً، كما إذا ورد على جزء في المحرر يثبت واقعة قانونية مكملة، كتزوير بيان يفيد تسجيل العقد على أحد العقود، وتزوير تظهير على كمبيالة .

وغالباً ما يقترن الاصطناع بوضع إمضاء أو ختم مزور، وإن كان ذلك لا يعد شرطاً ضرورياً لتوافر الاصطناع، فقد يصطنع الجاني المحرر دون تزوير إمضاء من نسبة إليه، وفي هذه الحالة يثور البحث عن أثر عدم وضع الإمضاء على المحرر في صحته، ومدى وقوع التزوير في هذه الحالة إذا ترتب على ذلك بطلان المحرر، وهو ما عالجناه فيما سبق .

ومن أمثلة الاصطناع في المحررات الرسمية : إصطناع محضر الجلسة، أو حكم، أو شهادة وفاة، أو إخطار بالإعفاء من التجنيد. ومن أمثلة الاصطناع في المحررات العرفية: اصطناع عقد أو سند دين، أو شكوى صادرة من المجني عليه، أو وعد بأمر محرر على بطاقة زيارة .

وقد ثار البحث حول حالة ما إذا حصل شخص على أجزاء من سند ممزق ولصقها بعضها ببعض بحيث أعاد السند إلى سيرته الأولى .

وقد ذهب البعض إلى أن ذلك يعد تزويراً بطريق الاصطناع، بإعتبار أن المحرر قد أصبح غير موجود على أثر إعدامه، وأن جمع قصاصاته الممزقة قد أدى إلى إنشاء محرر جديد. وقضت محكمة النقض الفرنسية أن جمع شخص لأجزاء بعض كوبونات إحدى الشركات التجارية التي كانت قد مزقت على أثر دفع قيمتها، مما أدى إلى إيجاد كوبونات مصطنعة - يعد تزويراً .

وذهب البعض الآخر إلى أن هذا الفعل لا يعد تزويراً، وإن أمكن إعتباره نصباً، وذلك بحسب أن الجاني لم يرد بتجميع أجزاء السند الممزق نسبته إلى صاحبه، بل الإيهام بأن محرره مازال ملتزماً بالتعهد الذي يتضمنه .

ونحن نؤيد الرأي الأول، بحسب أن تجميع أجزاء المحرر الممزق ينطوي على خلق محرر كان معدوماً ونسبته من جديد إلى صاحبه على غير رضائه، وهو ما يتوافر به معنى الاصطناع، وهو ما قضت به محكمة النقض المصرية .

الاصطناع بالتقليد : إذا كان المشرع قد أغفل في المواد الخاصة بتزوير المحررات النص على طريق التقليد، فإن ذلك لا يحول دون اعتباره نوعاً من الاصطناع يشترط توافر تشابه معين بين المحرر المصطنع والمحرر الصحيح. فالتقليد هو نوع من الاصطناع بلا جدال ولكنه اصطناع بالتقليد وليس اصطناعاً مطلقاً لا يحاكي شيئاً موجوداً .

وفي هذه الحالة، لا عبرة بما إذا كان التقليد ماهراً متقناً أو غير متقن، إذ العبرة بأن يكون مظهر المحرر المقلد من شأنه أن يدخل في إعتقاد الغير أن الكتابة المقلدة قد صدرت عمن نسبت إليه .

ويقترن التقليد غالباً بوضع إمضاء أو ختم مزور وبتغيير المحرر، كأن يقلد الجاني خط الغير في عبارة يضيفها إلى المحرر، كما إذا أضاف إلى العقد شروطاً لم يتفق عليها المتعاقدون. وفي هذه الحالة يكون التزوير قد وقع بأكثر من طريقة واحدة للتزوير .

وقد يتصور وقوع التزوير بالتقليد وحده غير مقترن بإحدى طرق التزوير الأخرى، كتقليد إحدى أوراق اليانصيب أو تذاكر السكة الحديد .

(ثانياً) التغيير في مضمون المحرر :

 تغيير المحررات أو الأختام أو الإمضاءات أو زيادة الكلمات :

أراد المشرع بهذه العبارة أن تتسع لجميع صور التغيير الذي يتصور إحداثه في المظهر المادي للمحرر بعد تمامه. فإن حصل التغيير في أثناء كتابته في المعاني التي يتضمنها - اعتبر ذلك تزویراً معنوياً. ويتحقق هذا التغيير بكل مساس مادي بالكتابة موضوع المحرر، كالإضافة، أو الشطب، أو المحو أو التحشير بين السطور أو الحذف، أو طمس الإمضاءات أو الأختام، أو شطبها أو انتزاعها من موضعها ولصقها في محرر آخر. ويستوي حصول هذا التغيير بطريق عادي أو بوسيلة كيميائية .

ويثور البحث في حالة إتلاف جزء من المحرر بقصد تغيير مضمونه ومعناه، عما إذا كان الفعل المذكور بعد إتلافاً أو تزویراً. ولا خلاف في أن إعدام المحرر بعد إتلافه تنطبق عليه المادة 365 من قانون العقوبات. أما في حالة الإتلاف الجزئي، فالراجح أن الفعل يعد تزويراً إذا ترتب عليه تغيير في مضمون المحرر ومعناه، وبعبارة أخرى أن يترتب عليه تشويه وجه الاستعمال الذي أعد المحرر له. مثال ذلك أن يمزق الجاني المخالصة المكتوبة على جزء من ثمن الدين للإيهام بعدم سداد هذا الدين. فإذا ترتب على الإتلاف الجزئي إعدام المعنى الذي ينبعث منه وإعتباره عديم الجدوى، أي لا ينصرف إلى معنى آخر - إعتبر ذلك إتلافاً .

المقصود بالمحرر الرسمى :

يقصد بالمحرر الرسمي المحرر الذي يصدر عن موظف عام مختص، سواء كانت البيانات التي تضمنها تفيد ما تم على يديه من وقائع أو تشير إلى ما تلقاه من ذوي الشأن من بيانات. وقد ساوى القانون المدني بين المحرر الذي يصدر عن الموظف العام والمحرر الذي يصدر عن شخص مکلف بخدمة عامة (المادة 10 من قانون الإثبات)، إلا أنه بالإطلاع على المادتين 211 و 213 من قانون العقوبات يبين أن المشرع الجنائي قد فهم المحرر الرسمي على أنه هو المحرر الصادر من موظف عام، دون أن يتضمن المكلف بخدمة عامة كما سبق أن فعل في المادة 111 بالنسبة إلى جرائم الرشوة والاختلاس والإخلال بواجبات الوظيفة .

وإلى أن المشرع لم ينص صراحة على أن اعتبار الموظف العام المكلف بخدمة عامة او في باب التزوير، خلافاً لما اتبعه في المادتين 111 و 119 عقوبات بشأن جرائم الرشوة واختلاس المال العام والعدوان عليه والغدر .

أما عن الحجة الأولى، فقد أصبحت مردوداً عليها بقانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية الذي عرف الورقة الرسمية في الفصل الخاص بالأوراق الرسمية، فضلاً عن أن العبرة بمضمون النص القانوني لا بالمكان الذي وضع فيه، طالما استهدف قانون العقوبات حماية الورقة الرسمية، وكان المعنى المنبعث منها مصلحة قانونية بحماية قانون الإثبات، فيجب التقيد بمعناه الوارد في هذا القانون، حرصاً على وحدة التعريفات القانونية في فروع النظام القانوني الواحد. وإذا كان المشرع في المادتين 111 و 119 عقوبات قد نص صراحة على المساواة بين الموظف العام والمكلف بخدمة عامة، فذلك لأنه لم يشمل بالحماية مصلحة قانونية سبق أن عرفها قانون آخر، الأمر الذي احتاج منه إلى تحديد نطاق المصلحة التي يشملها بالحماية. ولما كان المحرر الرسمي يعبر عن سلطة الدولة، فإن المشرع في أي قانون يصدره يحدد ما يعد تعبيراً عن إرادة الدولة بشأن المحررات .

ونحن لا نقر المساواة بين نوعي المحررات في الثقة العامة التي تنبعث منها، فالمحررات الرسمية وحدها هي التي تتمتع بحماية خاصة بوصفها معبرة عن سلطة الدولة، وهو ما لا تتمتع به الشركات المملوكة كلياً أو جزئياً للدولة .

ومن ناحية أخرى لا يكفي لإضفاء صفة الرسمية على المحرر أن يكتب ما به بيانات في نموذج رسمي، بل العبرة بصدور هذه البيانات من موظف عام مختص. ومتى توافرت الصفة الرسمية في المحرر، فإنه لا يغير من شأنها عدم توقيع الموظف على المحرر بخاتم الإدارة أو المصلحة التي يعمل بها، كما أنه لا يحول دون رسمية الورقة عدم إثباتها في النموذج المقرر لها أو خلوها من علامة تشير إلى ذلك ما دامت تحمل توقيعاً لموظف عام مختص بتحريرها .

ولا تقتصر الصفة الرسمية للمحرر على ما يثبته الموظف من بيانات تتعلق بما تم بين يديه من وقائع وما قام به، وإنما تمتد كذلك إلى ما يتلقاه من ذوي الشأن من بیانات، حسبما أدلوا بها، لا من حيث مطابقتها للحقيقة. ومن حيث حجية المحرر الرسمي فإن الحجية المنبعثة من المحرر الرسمي في هذه الحالة الأخيرة قاصرة على واقعة إدلاء ذوي الشأن ببيانات معينة أمامه فقد دون أن تمتد إلى صدق هذه البيانات إلا إذا اعتمدها الموظف نفسه .

ولا يوهن من هذه الصفة الرسمية إختلاف هذين النوعين من البيانات في قدر الحجية التي يمنحها إياها القانون المدني، وأن النوع الأول من البيانات وهو الذي يصدر عن الموظف العام المختص له حجية مطلقة إلى حد الطعن بالتزوير، بينما يجوز دحض صحة النوع الثاني من البيانات هو الذي يصدر من ذوي الشأن وإثبات عكسها .

ولا يشترط لتوافر صفة الرسمية في جريمة التزوير في الأوراق الرسمية أن يصدر هذا المحرر فعلاً من الموظف العام المختص بتحريره، بل يكفي أن يعطي هذا المحرر المصطنع شكل المحررات الرسمية ومظهرها، وأن ينسب صدورها كذباً إلى موظف عام مختص للإيهام برسميتها ولو أنها لم تصدر في الحقيقة عنه. ويستوي في هذه الحالة أن يكون الإسم المنسوب لهذا الموظف صحيحاً أو منتحلاً. ويكفي في هذا المقام أن يحتوي المحرر على ما يفيد تدخل الموظف في تحريره بما يوهم أنه هو الذي باشر إجراءاته في حدود اختصاصه بحيث يتوافر له من المظهر والشكل ما يكفي أن يكون من شأنه إنخداع الناس به .

تتطلب هذه الجريمة - فضلاً عن صفة الرسمية في المحرر - شرطاً مفترضاً آخر في الجريمة، هو أن يكون الجاني موظفاً عاماً. كما تقتضي عنصراً إضافياً في الركن المادي للجريمة، وهو أن يقع التزوير في أثناء تأدية الوظيفة .

وقد سبق أن تكلمنا عن المقصود بالرسمية في المحرر، بقي أن نتحدث عما تتميز به هذه الجريمة من صفة في الجاني، ومن كون التزوير واقعاً في أثناء تأدية الوظيفة .

الموظف العام :

عرفنا الموظف العام بمعناه الضيق في باب الرشوة والاختلاس والغدر والإضرار بالمال والإهمال في أداء الوظيفة - بأنه الشخص الذي يعين بصفة مستقرة غير عارضة للمساهمة في عمل دائم في خدمة مرفق عام تديره الدولة أو السلطات الإدارية بالطريق المباشر. ويدخل في معنى الموظف العام الموظف في الحكومة المركزية والموظف في الحكومة اللامركزية بمرافقها المصلحية (الهيئات العامة) أو الإقليمية (القرى والمدن والمحافظات) .

وقد وسعت المادة 111 من قانون العقوبات دائرة من يندرج تحت صفة الموظف العام في البابين سالفي الذكر. ولكن المشرع لم يسلك السبيل ذاته بالنسبة إلى جريمة التزوير، واقتصر في تشديد العقاب على التزوير الذي يقع في المحررات الرسمية على ما يرتكبه الموظف العام بمعناه الضيق، وهو من عبرت عنه المادة 211 بأنه كل صاحب وظيفة عمومية أو محكمة. دون المكلف بخدمة عامة أو الموظف في القطاع العام .

وواقع الأمر أننا إذ نصل إلى هذه النتيجة لا يفوتنا أن ننبه إلى عدم التجانس بين مواد التزوير من جهة وبين مواد الرشوة والاختلاس وغيرها من جرائم الغدر والإضرار بالمال العام والإهمال في الوظيفة من جهة أخرى. ونرى أنه إذا كان قانون العقوبات قد أراد أن يحقق استقلالاً قانونياً في تعريف الموظف العام، فإنه يجب أن يستقر على تعريف واحد له في جميع الأحوال، لأن مقتضيات الوظيفة العامة تملي هذا المسلك الموحد في جميع الجرائم، وإن اختلفت العقوبة حسب الأحوال .

وقد جاء القانون رقم 120 لسنة 1962 فشدد في المادة 214 مكرراً / 2 العقوبة إذا وقع التزوير أو الاستعمال في محرر إحدى المنشآت التي تسهم الحكومة فيها بأي نصيب .

وقوع التزوير أثناء تأدية الوظيفة :

تطلبت كل من المادتين 211 و 212 عقوبات أن يقع التزوير من الموظف أثناء تأدية الوظيفة. ولا صعوبة بالنسبة إلى التزوير المعنوي، إذ يقتضي هذا النوع من التزوير وقوعه في أثناء تحرير الموظف للمحرر في حدود اختصاصه، وهو ما لا يكون إلا في أثناء تأدية الوظيفة. أما التزوير المادي فقد يقع في أثناء التحرير أو بعده، كما يتصور إمكان ارتكابه خارج دائرة العمل. ولذا كان من المتعين تحديد المقصود بعبارة أثناء تأدية الوظيفة كعنصر في الركن المادي لهذا النوع من التزوير. ويتعين على الحكم أن يفصح عن اختصاص الموظف في جناية التزوير في الأوراق الرسمية المنصوص عليها في هاتين المادتين .

والراجح أنه لا يشترط أن يكون من شئون وظيفة الجاني تحرير المحرر الذي ارتكب فيه التزوير، بل يكفي أن يكون المحرر قد وصل إلى الموظف بحكم وظيفته ولو لم يكن مختصاً بتحريره. مثال ذلك: كاتب الأرشيف الذي يزور في إقرار تعيين المرسل إليه لتنفيذه، وكاتب المحكمة الذي يزور في أمر الأداء المسلم إليه لعرضه على القاضي، والموظف الذي تكون من أعمال وظيفته الإحتفاظ ببعض النماذج الرسمية فيملأ بيانها زوراً .

وقد يقع هذا التزوير بالاصطناع، كما إذا صنع موظف محرراً مما يمكن أن يسلم إليه بمقتضى وظيفته .

وفي جميع هذه الأحوال يجب أن يكون وصول المحرر إلى يد الموظف أمراً تقتضيه أعمال وظيفته. ولا يستعاض عن ذلك بمجرد تبادل إنجاز الأعمال بين الزملاء من الموظفين بطريقة ودية ما لم يعتمد ذلك على قرار من الرئيس المختص ويتضح هذا المعنى الواسع لعبارة «أثناء تأدية الوظيفة» من مقارنة المادة 211 بشأن التزوير المادي بالمادة 213 بشأن التزوير المعنوي، إذ بينما اقتصر الأولى على اشتراط وقوع التزوير أثناء تأدية الموظف لوظيفته، اشترطت الثانية أن يقع التزوير في بيان يختص الموظف بتحريره .

العقوبة :

يعاقب الموظف العام الذي يرتكب تزويراً في محرر رسمي في أثناء تأدية وظيفته بالسجن المشدد أو السجن، ولا عبرة بما إذا كان التزوير مادياً أو معنوياً (المادتان 211، 212 عقوبات). وقد عنيت محكمة النقض بتأكيد أن التزوير في محرر رسمي واستعماله المنصوص عليهما في المادتين 211 و 214 من قانون العقوبات لا يندرجان تحت حالات الإعفاء من العقاب المشار إليها في المادة 210 من قانون العقوبات، على أساس أن هذا النص الأخير في صريح لفظه وواضح دلالته يفيد أن الإعفاء من العقوبة المار بيانه لا يجد سنده التشريعي إلا في جنایات التزوير المنصوص عليها في المادتين 206 و 206 مكرراً من قانون العقوبات على سبيل الحصر ولا يصح التوسع في تفسيرها . ( الوسيط في قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ أحمد فتحي سرور، الطبعة السادسة  الكتاب الأول 2016،  الصفحة : 843 )

(أ) وضع إمضاءات أو أختام مزورة : 

يقصد بوضع إمضاءات مزورة أن يقوم الجاني بالتوقيع بإسم شخص آخر ينسب إليه صدور المحرر. ويستوي أن يكون التوقيع مشابهاً لتوقيع الشخص الذي نسب إليه المحرر زوراً أم كان مختلفاً عنه كلية، كما يستوي أن يكون التوقيع في شكل مقروء أم أنه كان غير مقروء ولكن يوحي للغير بأنه صادر من الشخص الذي زور إمضاء. ولذلك تتحقق هذه الطريقة من طرق التزوير إذا اقتصر الفاعل على كتابة الاسم دون محاولة تقليد الإمضاء الحقيقية طالما أن ذلك كان كافياً لإيهام الغير بصدور المحرر ممن نسب إليه الإمضاء. ولذلك يخرج عن نطاق التزوير كتابة الاسم المزور بالآلة الكاتبة وليس بخط اليد، ولكن ليس معنى ذلك أن التوقيع المزور لابد أن يكون بخط اليد. ولكن ليس معنى ذلك أن التوقيع المزور لابد أن يكون بخط اليد. فوضع الأوراق أو المحررات يمكن توقيعها بهذا الطريق، وإن كان التوقيع بالكلاشيه يأخذ حكم الأختام .

وإذا وقع الشخص المحرر بإسم اشتهر به خلاف إسمه الحقيقي فلا تزوير إلى إذا كان ذلك بقصد إيهام الغير بصدور المحرر من شخص آخر يحمل ذات الإسم .

أمام الأختام المزورة فتنصرف إلى الأختام التي تحمل إسم صاحبها كما تنصرف إلى الأختام الدالة على جهة معينة قد تكون حكومية أو خاصة. ولذلك فإن ختم المحرر بخاتم مزور بحيث يوهم بنسبة المحرر إلى شخص معين أو جهة معينة يعتبر تزويراً مادياً بطريقة وضع أختام مزورة. ولكن يلاحظ أن المشرع عاقب استقلالاً على تقليد الأختام الحكومية وغير الحكومية واستعمالها بنصوص المواد 206 وما بعدها .

ولذلك فإن وضع ختم مزور على محرر للإيهام بنسبته إلى جهة معينة يعاقب عليه بمقتضى نصوص المواد 206 وما بعدها وليس بمقتضى نصوص التزوير في المحررات، ولذلك لا يدخل تحت طريق التزوير المادي بوضع أختام مزورة سوى الأختام الخاصة بالأفراد .

ويلاحظ أن التزوير بوضع أختام مزورة يتحقق حتى ولو كان الختم صحيحاً إلا أنه استعمل دون علم صاحبه. ويستوي بعد ذلك أن يكون الجاني قد حصل عليه بطريق مشروع أو بطريق غير مشروع .

وإذا كان الإمضاء أو الختم صحيحاً فلا نكون بصدد تزوير حتى ولو كان الموقع قد وضع إمضاءه أو توقيعه عن جهل منه بمحتويات المحور طالما يعلم ويريد وضع توقيعه الصحيح على المحرر، وذلك على عكس ما يرى البعض من أن التوقيع بطريق المباغتة يعتبر تزويراً. والصورة الوحيدة التي يمكن فيها اعتبار التوقيع مزوراً إذا كانت إرادة الشخص لم تتجه إطلاقاً إلى توقيع المحرر وإنما دس عليه بطريقة احتيالية كما فی حالة وضع المحرر تحت محرر آخر صحيح يوقعه الشخص بحيث تنطبع إمضاءه على المحرر المزور، أما عدم علم الشخص بمحتويات المحرر أو إيهامه بأن ألمحرر يحتوي على بيانات وهمية فقام بالتوقيع فلا يلومن إلا نفسه في هذه الحالة. وعليه فإن توقيع من يجهل القراءة والكتابة يكون صحيحاً حتى ولو أوهمه الجاني بمضمون مختلف عن مضمون المحرر لإقناعه بالتوقيع، وكذلك الحال بالنسبة للتوقيع على محرر بلغة أجنبية يجهلها .

أما بالنسبة لبصمة الإصبع فقد نصت المادة 225 عقوبات على أنها تعتبر كالإمضاء في تطبيق أحكام التزوير. ولذلك فإن وضع بصمة منسوبة على شخص آخر على خلاف الحقيقة للإيهام بصدور المحرر من صاحب البصمة المزورة يعتبر تزويراً مادياً بوضع إمضاءات مزورة. وكانت محكمة النقض قبل ذلك قد ذهبت إلى أن وضع بصمة مزورة في ذاتها ولا في نسبتها لغير باصمها لأنها لو نطقت لما فاهت إلا بإسم صاحبها لا بإسم نسبتها إليه. أي أن محكمة النقض كانت تعتبر التزوير بالبصمة خالياً من أي قيمة قانونية نظراً لاستحالة الإضرار بالغير .

(ب) تغيير المحررات أو الأختام أو الإمضاءات أو زيادة كلمات :

هذه الطريقة من طرق التزوير المادي تفترض أن هناك محرر صحيحاً يقوم الجاني بتغيير محتواه أو الأختام المطبوعة عليه أو الإمضاءات الثابتة عليه أو بزيادة كلمات أو عبارات .

ولذلك فإن تغيير حقيقة المحرر يتم إما بالتعديل أو الإضافة أو الحذف. ويستوي أن يتحقق ذلك بطريق التحشير أو ملء فراغات بالمحرر أو كشط عبارات أو بيانات أو محوها بطريقة غير ظاهرة، كذلك يعتبر تزوير بطريق التغيير إتلاف أو تمزيق جزء من المحرر أو شطبه .

ولكن ينبغي ملاحظة أن الإتلاف أو التمزيق لكي يعتبر تزویراً مادياً ينبغي ألا يكون من شأن إفقاد المحرر مقوماته كوسيلة إثبات. ولذلك إذا كان الإتلاف أو التمزيق لا يحول دون استخدام المحرر لإثبات البيانات المدونة بالجزء المتبقي منه وإيهام الغير بأنه هو المحرر الأصلي فإنه يعد تزويراً معاقباً عليه . أما الإتلاف الكلى سواء بإعدام المحرر كلية أو إفساد صلاحيته لكي يكون محرراً بجعله غير مقروء أو بإخفائه فإننا نكون بصدد جريمة أخرى غير التزوير. وقد عاقب المشرع على الإتلاف أو الحريق للمحرر في باب التخريب والتعييب والإتلاف. ولكن يلاحظ أن إتلاف جزء من المحرر وإن أمكن اعتباره طريقة من طرق التزوير المادي إلا أنه لا ينفي عنه اندراجه تحت نصوص المواد الخاصة بالإتلاف ومن ثم نكون بصدد تعدد معنوی بين الجرائم يطبق في شأنه العقوبة المقررة للجريمة الأشد .

(ج) وضع أسماء آخرين مزورة :

يكاد يجمع الفقه على أن هذه الطريقة من طرق التزوير إنما تنصرف إلى فروض انتحال إسم غير الإسم الحقيقي وإثبات توقيع أو ختم بالإسم إلى فروض انتحال إسم غير الإسم الحقيقي وإثبات توقيع أو ختم بالإسم المزور، كما تشمل أيضاً حالة إثبات حضور شخص أثناء تحرير المحرر حالة كونه غائباً ولذلك يتجه هذا الرأي إلى أن هذه الطريقة من طرق التزوير إما أنها تتداخل في الطريقة الأولى السابق بيانها أو أنها تدخل في صور التزوير المعنوي .

فالتزوير المادي يفترض وجود محرر صحيح ينصب عليه التغيير أو التعديل، وإذا كانت الطريقتان سالفتا الذكر تعرضنا لتعديل الإمضاءات أو الأختام ومحتوى أو مضمون المحرر بعد تحريره، فإن الطريقة التي نحن بصددها تتناول الفروض التي يتم فيها تعديل المحرر بإضافة أسماء أو إحلال أسماء مكان الأسماء الواردة بالمحرر الأصلي كبيان من بياناته، وليس على سبيل نسبة المحرر إليهم ونظراً لأن المشرع في الطريقة السابقة تعرض للإمضاءات وزيادة الكلمات وتغيير محتوى المحرر وهي تحرير المحضر دون توقيعهم على المحرر، فقد أراد أن يقطع الشك باليقين واعتبر وضع أسماء مختلفة عن الأسماء الأصلية الواردة بالمحرر الأصلي سواء بالإضافة أو بالإحلال، تزويراً معاقباً عليه .

(د) التقليد :

درج الفقه على اعتبار التقليد من طرق التزوير المادي باعتبار أن التزوير المعنوي يتم بمعرفة محرر المستندات أو الورقة. ويقصد بالتقليد محاولة إتقان الإضافة أو الكلمات أو الإمضاء بحيث تظهر مماثلة أو متقاربة مع الخط الذي حرر به المحرر حتى لا ينكشف التزوير ويسهل خداع الأفراد بصحة المستند المزور. والواقع هو أن التزوير يتحقق بغض النظر عن الإتقان في التقليد من عدمه. ولكن قيمة التقليد تبدو فقط في مدى فاعلية المستند المزور في إيهام الغير بأنه مستنداً صحيحاً، ومن ثم تبدو في محيط عنصر الضرر. فإذا كان التزوير قد تم بشكل لا يمكن أن يخدع به الغير وبحيث ينكشف التزوير لأول وهلة، فإننا نكون بصدد تزوير مفضوح وهو ما درج الفقه والقضاء على عدم العقاب عليه لانتفاء الضرر .

يلزم لتطبيق المادة 211 عقوبات صفة خاصة فى الجانى وهى كونه موظفاً عمومياً ، وأن يقع التزوير بالطرق المنصوص عليها فى محرر رسمى ، وأن يكون ذلك أثناء تأديته لأعمال الوظيفة .

أولاً : صفة الجاني : الموظف العام :

إن الجريمة المنصوص عليها بالمادة 211 هي من جرائم اليد الخاصة التي تتطلب صفة خاصة في الجاني، وهي صفة الموظف العام. ولذلك إذا تعدد المساهمون في الجريمة فيلزم أن يكون الفاعل له صفة الموظف العام. فإذا كان من يصدق علیه وصف الفاعل ليس من الموظفين العموميين استبعد تطبيق المادة 211 حتى ولو كان من بين المساهمين التبعيين من له تلك الصفة .

والموظف العام في جرائم التزوير يختلف مفهومه عن المفهوم الذي أعطاه له المشرع في جرائم الرشوة والعدوان على المال العام. ففي باب التزوير يقصد بالموظف العام كل من يعهد إليه بنصيب من السلطة يزاوله في أداء العمل الذي نيط به أداؤه سواء كان هذا النصيب قد أسبغ عليه من السلطة التشريعية في الدولة أو السلطة التنفيذية أو السلطة القضائية. ويستوى في ذلك أن يكون تابعاً مباشرة إلى هذه السلطات أو أن يكون موظفاً بمصلحة تابعة لإحداها. وعلى ذلك يخرج من نطاق الموظف العام في باب التزوير المكلفون بخدمة عامة والعاملون بمنشآت القطاع العام والمؤسسات والمنظمات والمؤسسات التي تساهم فيها الدولة بنصيب والجمعيات التعاونية والنقابات والجمعيات المعتبرة قانوناً ذات نفع عام .

ثانياً – أن يقع التزوير من الموظف العام فى محرر رسمى :

والمحرر الرسمي هو الورقة التي يحررها موظف عام مختص بمقتضى وظيفته أو يعطيها الصيغة الرسمية أو يتدخل في تحريرها أو التأشير عليها وفقاً لما تقضى به القوانين واللوائح أو التعليمات التي تصدر إليه من جهة رسمية .

وعلى لذلك لا يلزم لإضفاء صفة الرسمية على المحرر أن يكون قد صدر ابتداء من موظف عام. فقد بدأ المحرر عرفياً ثم ينقلب إلى محرر رسمى بعد ذلك بتدخل موظف عام بحكم وظيفته بالتأشير عليه أو بالتدخل في تحرير جزء منه أو إعطائه الصيغة الرسمية، وفي هذه الحالة تنسحب رسمية المحرر على ما سبق تدخل الموظف العام من إجراءات .

ويلزم أن يكون الموظف العام مختصاً بتحرير الورقة أو بالتدخل فيها أو بالتأشير عليها وذلك بمقتضى وظيفته. ولكن لا يشترط أن يكون تحرير الورقة بناء على قانون أو لائحة بل يمكن أن يكون بناء على أمر الرئيس المختص فيما له أن يكلفه به . كما يتحقق هذا الاختصاص بناء على طلب من الجهات الرسمية الأخرى التي تستلزم ممارسة اختصاصه الوظيفي تحقيقاً لهذه الطلبات .

ولا يشترط لتحقيق رسمية المحرر أن يشتمل على توقيع الموظف المختص المنسوب إليه إنشاؤه بل يكفي أن يتضمن ما يفيد تداخله في تحريره وإعداده وأن يحتوي من البيانات ما يوهم بأنه هو الذي باشر إجراءاته في حدود اختصاصه بحيث يتوفر له من المظهر والشكل ما يكفي لأن ينخدع به الناس. ولذلك استقر قضاء النقض على أنه يدخل في حكم المحررات الرسمية فيما يتعلق بجريمة التزوير المحررات المصطنعة التي تنسب زوراً إلى موظف عمومي مختص وتعطي شكل المحررات الرسمية وتذيل بتوقيعات لأشخاص لم يكونوا فعلاً من الموظفين العموميين متى كان الجاني قد قصد أن يوهم بذلك، وكانت الورقة بالصورة التي اتخذتها يمكن أن ينخدع بها الناس وخصوصاً من أريد خداعه. كما قضى بأنه لا يشترط في جريمة التزوير في الأوراق الرسمية أن تصدر فعلاً من الموظف العمومي المختص بتحرير الورقة، بل يكفي أن تعطي هذه الأوراق المصطنعة شكل الأوراق الرسمية ومظهرها ولو نسب صدورها كذباً إلى موظف عام للإيهام برسميتها ولو أنها لم تصدر عنه في الحقيقة .

ويلاحظ أن إطلاق المحررات الرسمية في المادة 211 عقوبات يسمح بأن يندرج تحتها المحررات الرسمية الأجنبية طالما أن لها تلك الصفة وفقاً لقوانين البلاد التي حررت فيها. ومثال ذلك عقود الزواج وشهادات الطلاق وشهادات الوفاة والميلاد. ولا يلزم للاعتداد برسميتها أن تكون معتمدة من جهات مصرية، ولكن يشترط على الأقل أن تكون معترفاً بها من قبل الدولة المصرية، سواء في شكل اتفاقات أو معاهدات أو في شكل قوانين أو لوائح أو أنظمة .

ثالثاً - أن يقع التزوير أثناء تأديته لأعمال وظيفته :

لا تقوم جريمة التزوير المنصوص عليها في المادة 211 إلا إذا كان التزوير قد وقع من الموظف المختص أثناء تأديته لوظيفته. والمقصود بذلك أن يقع التزوير والموظف قائم بالعمل وبمباشرة اختصاصاته الوظيفية التي تسمح له بالاتصال بالمحرر. ولكن معنى ذلك وجوب وقوع التزوير قد وقع من الموظف في غير أوقات العمل الرسمية أو كان الموظف في أجازة، إلا أن المحرر مازال في عهدته، ولكن إذ أوقع التزوير والموظف موقوف عن العمل فإنه يعاقب كالفرد العادي بالتطبيق للمادة 212 عقوبات وليس بالتطبيق للمادة 211 .

العقوبة :

إذا توافرت الشروط الثلاثة السابقة بالإضافة إلى العناصر الأخرى المكونة لجريمة التزوير، فقد قرر المشرع للجريمة عقوبة السجن المشدد أو السجن . ( قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ مأمون محمد سلامة، الطبعة الأولى 2017 الجزء الأول،  الصفحة : 456 )

يعرف التزوير بأنه تغيير للحقيقة بقصد الغش في محرر بإحدى الطرق المبينة في القانون، تغييراً من شأنه أن يسبب ضرر للغير .

وعلى ذلك فإن أركان الجريمة التي نحن بصددها تتمثل في :

رکن مادي : وهو تغيير الحقيقة في محرر رسمي من موظف عام أثناء تأدية وظيفته بإحدى الطرق الواردة في القانون تغييراً من شأنه أن يحدث ضرراً للغير. ورکن معنوي: يتوافر بانصراف نية الجاني إلى ذلك التغيير وإلى استعمال المحرر فيما غيرت الحقيقة من أجله .

 الركن المادي :

يقوم الركن المادي في الجريمة التي نحن بصددها بتوافر العناصر الآتية :

(أولاً) تغيير الحقيقة :

تغيير الحقيقة هو جوهر التزوير إذ لا يتصور وقوعه إلا بإبدال الحقيقة بما يغايرها. فإذا لم يكن هناك تغيير في الحقيقة فلا يقوم التزوير .

ولا يعد تغيير للحقيقة التغيير الذي لا يخرج به فاعله عن حدود حقه، وإن ترتب عليه بطريق غير مباشر ضرر للغير، بل ولو قصد به الإضرار بهذا الغير. مثل التغيير والمحو في عرائض الدعاوى حيث أنها ملك لصاحبها .

 (ثانياً) أن يقع هذا التغيير في محرر رسمي من موظف عمومي أثناء تأدية وظيفته :

التغيير في محرر : لا يعد تغيير الحقيقة تزوير، إلا إذا حصل في محرر فيخرج كل تغيير في الحقيقة بقول أو فعل، وإنما قد يعد ذلك جريمة أخرى كشهادة الزور أو اليمين الكاذبة. ويراد بالمحرر كل مسطور يتضمن علامات ينتقل بها الفكر لدى النظر إليها من شخص إلى آخر. ولا يشترط في المحرر أن يكون مكتوبة بلغة معينة، فيقع التزوير في محرر مكتوب بلغة أجنبية. ولا أهمية لنوع الحروف المستعملة في الكتابة، فيصح التزوير في علامات اصطلاحية تضمنها المحرر، وليس بشرط أن تكون الكتابة بخط اليد، بل يصح أن تكون مطبوعة فيرتكب تزويراً في ورقة رسمية من يغير التاريخ المطبوع على تذكرة السكك الحديدية. ولا يشترط القانون للعقاب على التزوير أن تكون الورقة التي يحصل التغيير فيها سنداً مثبت لحق أو صفة أو حالة قانونية أو أن يكون المحرر قد أعد من وقت تحريره لأن يتخذ سنداً أو حجة بالمعنى القانوني. بل يكفي أن يقع تغيير الحقيقة في محرر يمكن أن يولد عند من يقدم له عقيدة مخالفة للحقيقة .

ولا يشترط للعقاب على التزوير أن يكون المحرر المزور موجوداً، بل يكون الأمر متوقفاً على إمكان إقامة الدليل على حصول التزوير ونسبته إلى متهم معين، ولو كان المحرر المزور قد فقد أو أتلف، ويصح الإثبات بكافة الطرق ومنها شهادة الشهود .

ولتحديد المقصود بالمحرر الرسمي الذي تتطلبه المادة التي نحن بصددها يجدر بنا الوقوف على ماهيته وأنواعه وحكم المحررات الرسمية الأجنبية في مصر وذلك قبل التعرض لمدلول الموظف العام و اشتراط المادة التي نحن بصددها بأن يحرر من الموظف أثناء تأدية وظيفته .

 ماهية المحرر الرسمي :

لم يعرف المشرع المحرر الرسمي في قانون العقوبات، وإنما اكتفي بإعطاء أمثلة لما يعد من المحررات الرسمية عندما ذكر في المادة التي نحن بصددها تعبير أحكام صادرة أو تقارير أو محاضر أو وثائق أو سجلات أو دفاتر أو غيرها من السندات والأوراق الأميرية...".

وفي ضوء هذه الأمثلة التشريعية، يمكن تعريف المحرر الرسمي بأنه كل ورقة يحررها موظف عام أو يتدخل فيها طبقاً للقوانين واللوائح لإعطائها الصفة الرسمية. فمناط الرسمية في المحررات هو صدورها من موظف عام يختص بتحريرها أو يتدخل فيها أثناء تأدية وظيفته، وفقاً لما تقضي به القوانين واللوائح والتعليمات الإدارية، لإضفاء الرسمية عليها .

وتطلب صدور المحرر عن الموظف العام لإسباغ الصفة الرسمية عليه، يثير التساؤل عن طبيعة المحررات التي تصدر عن مكلف بخدمة عامة، وهو ليس موظفاً عاماً بالمدلول الضيق، ويبدو من الإطلاع على المادة التي نحن بصددها أن المشرع الجنائي لا يعني في مجال التزوير سوى المحررات الصادرة عن موظف عام بمعناه الإداري دون غيرها من المحررات الصادرة عن مكلف بخدمة عامة. ويعني ذلك أن المشرع الجنائي لا يمد نطاق الحماية التي يسبغها على المحرر الرسمي إلى المحررات التي تصدر عن المكلف بخدمة عامة، خلافاً لما أخذ به في خصوص جرائم الرشوة والاختلاس .

ولقد حصرت المادة التي نحن بصددها ثلاثة طرق من طرق التزوير المادي وهي :

(1) وضع إمضاءات أو أختام مزورة .

(2) تغيير المحررات أو الأختام أو الإمضاءات أو زيادة كلمات .

(3) وضع أسماء أو صور أشخاص آخرين مزورة .

(4) أن يكون من شأن التغيير تسبيب ضرر للغير .

 ولا يعد تغيير الحقيقة تزويراً إلا إذا نشأ عنه ضرر أو كان من شأنه إحداث ضرر. ولا يشترط القانون وقوع الضرر بالفعل بل يكتفي بإحتمال وقوعه، وهذا مستنتج بالضرورة من نصوص القانون التي لم تعلق قيام التزوير على استعمال المحرر بالفعل .

ولا يشترط كذلك أن يحل الضرر بمن زور عليه المحرر، بل يتوفر شرط الضرر ولو كان قد حل أو كان محتمل الحلول بأي شخص آخر .

ويستوي في هذا المقام أن يكون الضرر مادياً أو أدبياً. فالضرر المادي هو ما يصيب الشخص في ماله وهو أظهر نوعي الضرر وأكثرها ذيوعاً، كتزوير سند  دين أو مخالصة من دين. أما الضرر الأدبي فهو ما يصيب المضرور في شرفه أو اعتباره، کتزوير شكوى في حق إنسان ووضع إمضاء مزور عليها .

ويستوي كذلك أن يكون الضرر خاصاً أو عاماً. والضرر الخاص هو ما يصيب الأفراد أو الهيئات الخاصة. أما الضرر العام فهو ما يلحق مصلحة للمجتمع وإن لم يصب فرداً بعينه، وقد يكون مادياً يصيب الحكومة في مالها، كالتغيير في قيمة الدعوى بالزيادة بعد التأشير عليها من الكاتب المختص بسداد الرسوم المستحقة. وقد يكون الضرر العام أدبياً كالتسمي بإسم خيالي في عريضة دعوى .

توفر الضرر وقت مقارفة التزوير :

طبقاً للقاعدة العامة، التي تقتضي بأنه عند البحث في توافر أركان جريمة معينة يجب أن يقصر النظر على الوقت الذي إرتكبت فيه هذه الجريمة، فيكون توفر الضرر أو احتماله عند ارتكاب التزوير، فإذا رؤى أن الضرر قد كان وقت ارتكاب الجريمة محتمل الوقوع ولم يكن مستحيل التصور، وكانت الأركان الأخرى متوافرة في ذلك الوقت كان فعل التزوير مستحق العقاب مهما طرأ بعد ذلك من الظروف التي يمكن أن تحول دون وقوع الضرر أو تمنع إحتمال وقوعه، لأنها إما أن تكون قد وقعت بأسباب خارجة عن إرادة الجاني فلا يمكن أن يكون لها أثر في محو جريمته، وإما أن يكون الجاني نفسه هو الذي أراد أن يلاقي الأمر ويحول دون وقوع الضرر أو يصلح ما أفسده بسابق فعله، وفعل الجاني اللاحق لا يمكن أن يمحو سابق جرمه .

 ضابط الضرر :

لم يضع المشرع المصري ضابطاً للضرر، بل ترك البحث في توافره وعدمه لمطلق تقدير قاضي الموضوع، وكل ما عليه، لكي يمكن محكمة النقض من رقابتها على بيان الواقعة، أن يوضع في حكمه توفر ركن الضرر، وإن كان لا يلزم أن يذكره صراحة متى كان سياق الحكم دالاً عليه .

 الركن المعنوي :

القصد الجنائي وينحصر في أمرين : الأول - أن يحيط علم الجاني بعناصر الركن المادي، ويطلق عليه القصد العام، والثاني - إقتران هذا العلم بنية الغش، أي نية استعمال المحرر المزور فيما زور من أجله، ويطلق عليه القصد الخاص .

العقوبة :

السجن المشدد أو السجن . ( الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الثالث،  الصفحة : 161 )

تعريف التزوير :

يعرف التزوير بأنه تغيير للحقيقة بقصد الغش في محرر بإحدى الطرق المبينة في القانون تغييراً من شأنه أن يسبب ضرراً للغير. فلجريمة التزوير رکنان رکن مادي ويقوم في تغيير الحقيقة في محرر بإحدى الطرق الواردة في القانون تغييراً من شأنه أن يسبب ضرراً للغير. وركن معنوى يتوافر بانصراف نية الجاني إلى ذلك التغيير وإلى استعمال المحرر فيما غيرت الحقيقة من أجله .

التزوير المادي والتزوير المعنوي :

يقع التزوير إهمالاً بإحدى طريقتين إما بتغيير الحقيقة مادياً ويعرف ذلك بالتزوير المادي وإما بتغيير الحقيقة معنوياً ويعرف بالتزوير المعنوي فيوجد التزوير المادي كلما أدخل المزور على محرر تغييراً مادياً سواء كان ذلك بتقليد خط الغير أو بإدخال تحريف على محرر موجود أما بالزيادة أو الحذف أو التعديل أو بإصطناع محرر- ويوجد التزوير المعنوي - كلما أدخل المزور على محرر تغييراً لا في مادته بل في معناه ومضمونه وملابساته .

وخلاصة ذلك أن التزوير المادي هو كل تغيير للحقيقة في محرر بطريقة مادية تترك مشاهداً محسوساً وقد ذكرت المادة 211 عقوبات، طرق التزوير المادي وهي وضع إمضاءات أو أختام مزورة أو بتغيير المحررات أو الأختام أو الإمضاءات أو بزيادة كلمات أو بوضع أسماء أو صور أشخاص آخرين مزورة. ومن المتفق عليه إضافة التقليد والاصطناع إلى الطرق المذكورة في المادة 211 عقوبات .

 

أما التزوير المعنوي فهو الذي يكون التغيير فيه في مضمون المحرر أو ما يتصل به من ظروف بحيث لا يدركه الحس. وقد بينت المادة 213 عقوبات طرق هذا التزوير فقالت " سواء كان ذلك بتغيير إقرار أولي الشأن الذي كان الغرض من تحرير تلك السندات إدراجه بها أو بجعله واقعة غير معترف بها في صورة واقعة معترف بها .

أركان جريمة التزوير : لجريمة التزوير ثلاثة أركان هي : الركن الأول : تغيير الحقيقة في محرر بطريقة من الطرق التي نص عليها القانون . الركن الثاني : أن يكون من شأن هذا التغيير في الحقيقة أن يحدث ضرراً . الركن الثالث : القصد الجنائي .

الركن الأول : تغيير الحقيقة ( فعل التزوير )

تغيير الحقيقة : تغيير الحقيقة هو عنصر أساسي في التزوير المعاقب عليه فلا عقاب إذا لم يقع هذا التغيير ولم تتبدل الوقائع الثابتة في المحرر أو تتأثر بما دون فيه .

ومن ثم فإن تغيير الحقيقة يعني إبدالها بما يغايرها وبالتالي فلا يعتبر تغييراً لها أي إضافة لمضمون المحرر أو حذف منه طالما ظلت الحقيقة المنبعثة منه بنفس حالتها قبل الإضافة والحذف. وعلى هذا الأساس لاتغيير للحقيقة عند إضافة الرقم الألفي والمئوي لتاريخ تحرير السند إذا كان السند قد دون دونهما ولا عند إضافة لفظ فقط أو لا غير ونفس الأمر عند حذف عبارة مكرر في السند أو إضافة عبارة تزيد المعنى المقصود وضوحاً لأن الحقيقة المدونة في السند لم تزل بحالتها وإنما يكون هناك تغيير في الحقيقة إذا ترتب عليه خلق حقيقة جديدة أو تضخيم الحقيقة التي كانت موجودة أو تحريفها أو تخفيفها أو تدقيقها على نحو تصبح به أكثر حسماً عند الاحتجاج بها أو إسنادها إلى غير مصدرها .

وخلاصة ما تقدم أنه إذا حصل التغيير من صاحب الحق فيه فإنه لايعني الافتئات على الحقيقة بقدر ما هو حرية في التعبير عنها وهو لذلك لا يعد تزويراً فإذا كان المحرر متعلقاً بحقوق الغير أو صفاته فإن الشخص بفقد حريته في إحداث تغيير فيه ومن ثم فإن ما يقع من ذلك يدخل في دائرة التزوير ومما يتصل بهذه الفكرة ويراه البعض من تطبيقاتها ستر حقيقة التصرفات القانونية أو الصورية والكذب في الإقرارات الفردية .

الصورية في العقود : هل الصورية تعتبر تزویراً ؟ موضوع انقسمت فيه آراء الشراح واختلفت فيه أحكام المحاكم ومما لاشك فيه أن الصورية تتضمن إخفاء أو تغييراً للحقيقة لأن العقد الصوري هو العقد الذي يثبت فيه المتعاقدان وقائع تغاير حقيقة ما أراده بهذا العقد ويكون هذا التغيير أو الإخفاء مقصوداً لغرض أو مصلحة خاصة ولكن الذي يشك فيه هو ما إذا كان هذا التغيير يمكن أن يبلغ مبلغ التزوير فيعاقب عليه القانون متى توفرت الأركان الأخرى وليس في القانون ما يرشد إلى حقيقة الرأي الواجب اتباعه فبينما نرى القانون يبيح الصورة في حالة مخصوصة وهي الهبة الموصوفة بصفة عقد آخر ( مادة 48 مدني ) إذا به يعاقب عليها في حالة أخرى وهي المنصوص عليها في المادة 136 تجاری بقوله ( تقديم التواريخ في التحاويل ممنوع وإن حصل يعد تزويراً ) .

والسائد في الفقه المصري هو عدم العقاب على الصورية ولكن بشرط أن يقتصر المتعاقدان على تناول خالص حقهما ومركزهما الشخصي أما إذا تناول التصرف مركز الغير أو حقوقه أو صفاته فإن كل تغيير للحقيقة فيه يكون من قبيل التزوير المعاقب عليه .

ويلاحظ أن الصورية التي لا تعد تزويراً هي تغيير الحقيقة في البيانات التي يتضمنها العقد وقت تحريره أما إذا أحدث المتعاقدان تغييرات مادية في العقد بعد تمامه وبعد تعلق حق الغير به فإن فعلهم يعد تزویراً جنائياً بشرط تحقق ركن الضرر المحقق المحتمل .

ويعد كذلك تزویراً من باب أولى إذا صدر تغيير الحقيقة من أحد المتعاقدين فقط دون رضاء الآخر. ولذا حكم بأنه يعد تزويراً ما عمد إليه مشتری حرر صورة طبق الأصل من عقد بيع حقیقی وخفض الثمن الوارد به ثم وضع إمضاءات مزورة للبائع والشهود بقصد تخفيض رسوم التسجيل لاحتمال حصول ضرر للبائع المسند إليه العقد . ويخلص مما سبق جميعه أن المتفق عليه في مصر فقهاً وقضاءً هو أنه لا عقاب على الصورية إلا إذا وجد نص يعاقب على ذلك . الإقرارات الفردية : الإقرارات الفردية هي التي تصدر من جانب واحد مثل إقرارات الأفراد عن دخولهم إلى مصلحة الضرائب وإقرارات عن بضائعهم الصادرة أو الواردة إلى إدارة الجمارك والقاعدة أن تغيير الحقيقة في هذه الإقرارات لا عقاب عليه لأن الإقرار متعلق بأمر خاص بالمقر وقاصر على مركزه الشخصي وليس من شأنه أن يكسب المقر أو يجعل له سنداً ويمكن دائماً التحرى عن صحته . وهذه القاعدة مطلقة في شأن الإقرارات الفردية التي تضمنها محررات عرفية والعلة في ذلك أنه ليس لما ثبت فيها من الإقرارات الفردية من الأهمية ما يقتضي استعداء القانون على المقر الذي يغير الحقيقة فيها إذ المفروض أنها خاضعة في كل الأحوال لرقابة ذوى الشأن فإذا قصر صاحب الشأن في ذلك فعليه وحده تقع مغبة التقصير ولا يغير من وجه المسألة عجز الدائن عن مراقبة صحة ما سطر المدين أما لجهله القراءة والكتابة وأما لجهله اللغة التي حرر بها السند فإن عليه أن يستعين بغيره صوناً لحقوقه . على أن تغيير الحقيقة في بعض الإقرارات الفردية يعد تزويراً وذلك فيما لو انطوى الإقرار الفردي على نسبة أمر أو فعل أو صفة إلى شخص آخر على خلاف الحقيقة ويكون هذا في بعض المحررات الرسمية التي يكون مركز المقر فيها كمركز الشاهد لأن الحقيقة المراد إثباتها في ذلك المحرر الرسمية لا يمكن إثباتها فيه على وجهها الصحيح إلا من طريق ذلك المقر في مثل هذه الأحوال يفرض القانون على المقر التزام الصدق فيما يكتبه في المحرر الرسمي فإذا غير الحقيقة في إقراره حق عليه العقاب باعتباره مزوراً. وأهم ما يدخل في هذا النوع التقريرات الرسمية التي تحصل في المحررات المتعلقة بأحوال الإنسان كدفاتر قيد المواليد والوفيات وقسائم الزواج والطلاق. ومن هذا القبيل أيضاً انتحال شخصية الغير في الإقرار الفردي بغض النظر عن موضوع الإقرار فإنه يعد تزويراً إذ ينبغي عليه نسبة أمر أو فعل أو صفة إلى شخص آخر على خلاف الحقيقة ومثال ذلك أن يتسمي شخص بإسم آخر في تحقيق قضائی وسواء وقع على المحضر بإمضائه أو لم يوقع . المحرر : يشترط أن يكون تغيير الحقيقة حاصلاً في كتابه أي في محرر موجود من الأصل أو بكتابة بإنشاء محرر بقصد تغيير الحقيقة. أما تغيير الحقيقة الذي يقع بقول أو بفعل لا يعد إلا تزویراً وإنما يعاقب عليه القانون بنصوص خاصة كتغيير الحقيقة بالقول في جرائم البلاغ الكاذب وشهادة الزور واليمين الكاذبة وكتغيير الحقيقة بفعل كالغش الذي يحصل في الأغذية والبضائع وتزييف المسكوكات وصنع الصيغ والمكاييل والمقاييس غير المضبوطة فيعاقب على هذه الجرائم بنصوص خاصة غير نصوص التزوير في المحررات . ويغلب أن يكون المحرر مخطوطاً ولا يهم بعد هذه اللغة المسطر بها ولا نوع الحروف الهجائية المستعملة وقد يقع التزوير حتى في العلامات الاصطلاحية متى كانت متفقاً عليها . ولكنه لا يشترط أن يكون المحرر مخطوطاً بل يجوز أن يكون كله أو بعضه مطبوعاً ويستوي أن يكون المحرر مسطراً على ورق أو خشب أو جلد أو غير ذلك . قد يتضمن تزوير المحرر تغيير الحقيقة باصطناع جزء مطبوع وبالكتابة في وقت واحد كطبع الورقة ثم التوقيع عليها بإمضاء مزور. ويستوي أن يكون المحرر المكتوب باليد أو المطبوع رسمياً يصدر عن موظف مختص أو عرفياً مما يحرره الأفراد تنظيماً لعلاقاتهم وضبطاً لمعاملاتهم وقد بين القانون أحكام التزوير في المحررات الرسمية واستعمالها في المواد (211 - 214) عقوبات وجعل من هذا التزوير جناية كما نص على تزوير الأوراق العرفية في المادة 215 عقوبات واعتبره جنحة . ويلاحظ أنه لايهم نوع المحرر الذي يقع فيه التزوير فيجوز أن يكون عقداً أو مستنداً أو دفتراً أو خطاباً أو عريضة أو غير ذلك . والرسالة التلغرافية التي يحررها المرسل . ويمضيها بيده بأمرها واضح إذا من السهل اعتبارها مزورة إذ توافرت فيها الأركان ولكن هل يمكن ارتكاب تزوير خلال نقل الرسالة؟ لاشك أن عامل مكتب الصادر لا يبعث بالمحرر نفسه بل يملي على عامل الوارد بواسطة الآلة التلغرافية علامات اصطلاحية ثم يترجمها عامل الوارد بعد ذلك كتابة فإذا زور عامل الصادر عند التبليغ وترتب على ذلك أن دون عامل الوارد الرسالة محرفة فيكون عامل الصادر مرتكباً لجريمة التزوير شأنه في ذلك شأن من يملي على موظف عمومی واقعة مزورة فى صورة واقعة صحيحة وكذلك الحال فيما لو اختلق العامل رسالة تلغرافية لا أصل لها . ويمكن أن يتصور وقوع التزوير بواسطة التليفون إذ يكفي أن يفترض أن المزور أملى العبارة المكذوبة على شخص آخر حسن النية بقصد تدوينها في محرر ومثال ذلك أن يتحدث شخص إلى عامل تليفون أحد الأقسام وينتحل شخصية وكيل نيابة ويطلب إلى العامل أن يكتب إشارة على لسان المتحدث بالإفراج عن شخص مقبوض عليه في قضية جنائية فأثبت العامل هذه الإشارة كتابة فلا ريب أن هذا الفعل يعتبر تزوير باصطناع كتاب وإفراج على خلاف الحقيقة ويعاقب الجاني بعقوبة من ارتكب تزويراً في محرر رسمي متى توافرت أركان هذه الجريمة . ولايشترط أن يكتب الجاني المحرر المزور بيده بل يكفي أن يمليه على آخر لإثباته في ورقة ويعتبر المملي في هذه الحالة شريكاً للكاتب الحسن النية. ويظهر في أحوال التزوير في الأوراق الرسمية فالجاني لايكتب بيده صلب المحرر الرسمي وإنما يملى الموظف المختص. وهذا الأخر هو الفاعل الأصلي ولا مسئولية عليه لعدم توافر القصد الجنائي ويعاقب الشريك رغم ذلك (م 42 ع) . ولايتوقف وجود جريمة التزوير على تقديم المحرر المزور فلا يمنع من محاكمة المتهم على التزوير عدم تقديم أصل الورقة المزورة وإدعاء المتهم ضياعها بل يكفي قيام الدليل على أنها كانت موجودة وأنها مزورة لاستحقاق المتهم للعقاب .

طرق التزوير المادى :

بينت المادة 211 عقوبات ثلاث من هذه الطرق وهی (1) وضع إمضاءات أو أختام مزورة (2) تغيير المحررات أو الأختام أو الإمضاءات أو زيادة كلمات (3) وضع أسماء أو صور أشخاص آخرين مزورة ويضاف إلى هذه الطرق الثلاث (4) التقليد وقد ورد النص عليه في المادتين 206، 208 عقوبات (5) الاصطناع وقد نصت عليه المادتان 217، 221 عقوبات .

وفيما يلي تفصيل لازم لكل طريقة من الطرق المتقدم ذكرها .

الطريقة الأولى : وضع إمضاءات أو أختام مزورة :

يقع هذا بأن يوقع المزور على محرر بإمضاء أو ختم لغيره سواء كان هذا الغير شخصاً حقيقياً موجوداً في عالم الحياة أو شخصاً خيالياً لا يوجد له فإذا كان موجوداً فلا يشترط لوجود التزوير أن يكون متشابهاً لإمضاء ذلك الغير بل يقع التزوير ولو أساء المزور التقليد. كذلك وجد التزوير ولو كان المزور قد وقع بإسم شخص لا يعرف الكتابة كما يقع التزوير ولو لم يتعمد المزور التقليد لأن القانون يكتفي بوضع إمضاءات أو أختام مزورة فمتى وقع المزور على محرر بإمضاء غير إمضائه يعد المحرر مزوراً بغض النظر عن التقليد، ويقع التزوير حتى ولو كان الإمضاء متعذر القراءة أو كان غير مقروء بالمرة .

وقد قيل في ذلك بأن الراجح أنه يجب أن يكون الإمضاء مقروءاً ولو بصعوبة أما إذا حصل التوقيع بعلامة لا يستدل منها على الإسم فلا يعد تزويراً للإمضاء .

وينبغي أن يلاحظ أن التزوير بوضع الإمضاء قد يتحقق ولو كان الإمضاء صحيحاً في ذاته وصادراً ممن ينسب إليه إذا كان الجاني قد حصل عليه بطريق الإكراه أو المباغتة لأن إرادة صاحب الإمضاء لم تتجه إلى وضع إمضائه على المحرر كما لو أكره شخص آخر على وضع إمضائه أو كما لو كتب شخص ورقة تدل على أن آخر مدين له بمبلغ من النقود ثم دسها عليه بين أوراق أخرى فوقع عليها بإمضائه ضمن هذه الأوراق دون أن ينتبه لما فيها فهذه تزوير عن طريق المباغتة للحصول على إمضاء المجنى عليه .

ويرتكب التزوير أيضاً من يضع على المحرر ختم شخص لم تتجه إرادته إلى أن ينسب المحرر إليه سواء صنع ختماً بإسمه مقلداً ختمه الحقيقي أو غير محاول تقليده ثم وقع به أو استعمل الختم الحقيقي للمجني عليه دون علمه أو على الرغم منه إذا البصمة في هذه الحالة الثانية مزورة وإن كان الختم في ذاته صحيحاً وسواء أن يكون الختم المزور لشخص حقیقی أو لشخص وهمي .

وقد يحدث أخيراً أن يوقع بالإمضاء المزور وتكون البيانات الواردة في المحرر صحيحة مطابقة للحقيقة وأكثر ما يكون ذلك في الأوراق الرسمية ولا يمنع صحة البيانات من قيام الجريمة بتزوير الإمضاء خصوصاً وأنه من المبادئ المسلم بها أن العبث بالأوراق الرسمية عن طريق تغيير الحقيقة في جزء منها يخل بالثقة المفروضة فيها .

بصمة الإصبع :

نصت المادة 225 من قانون العقوبات على أن تعتبر بصمة الإصبع كالإمضاء في تطبيق أحكام هذا الباب أي الباب السادس عشر الخاص بالتزوير وعلى ذلك فقد سوى هذا النص بين بصمة الإصبع والإمضاء في تطبيق أحكام التزوير وينطبق ما تقدم بشأن الإمضاء على بصمة الإصبع .

وأخيراً ينبغي ملاحظة أنه لا يعد مزوراً من وقع بإمضاء له حق التوقيع به فللزوجة مثلاً أن توقع بإسمها مقروناً بلقب زوجها أو بلقب أبيها وكذلك لا يعتبر تزويراً معاقباً عليه توقيع شخص بإسم مشهور به ولو أنه غير إسمه الحقيقي إلا إذا حصل ذلك بسوء قصد وتحقق به الضرر .

 الطريقة الثانية :

تغيير المحررات أو الأختام أو الإمضاءات أو زيادة كلمات تنصرف هذه الطريقة إلى كل التغييرات المادية التي يمكن أن تتناول محرراً سواء بالتعديل أم بالحذف أو بالإضافة وتدخل في الإضافة زيادة الكلمات الواردة في المادة ويشترط أن يقع التغيير بالحذف أو الإضافة أو التعديل بعد إتمام المحرر أما التغيير الحاصل أثناء التحرير فهو تزوير معنوي لا مادی ويشترط كذلك أن يقع التغيير بغير علم ذوى الشأن ولا موافقتهم وإلا فلا تزوير كاتفاق المتعاقدين على زيادة عبارات في عقد عرفي أو على حذف شئ منها ولو بعد تحريره والتوقيع عليه منهما .

وحذف بعض الكلمات من المحرر باستعمال الوسائل الكيميائية يعتبر تزويراً مادياً وكذلك طمس معالم كلمة أو أكثر أو جزء من الكتابة بإراقة كمية من المداد ومن مادة ملونة عليها عمداً - أما تغيير الأختام والإمضاءات فيحصل بطريق العبث بها كإضافة حرف إلى بصمة الختم بحيث يتغير بذلك الإسم الثابت أصلاً على المحرر أو حذف جزء منه بقصد الغش أو زيادة إسم ولقب على الإمضاء الصحيحة أو محو الجزء الأول منه أو الأخير وعلى العموم كل تغيير يصبح به الختم أو الإمضاء مغايراً لأصله الصحيح .

ولايعتبر إحراق المحرر أو إتلافه كله تزويراً لأن القانون نص على إحراق وإتلاف السندات في المادة 365 عقوبات. وهي جريمة خاصة ولكن إذا كان الإتلاف واقعاً على جزء فقط من المحرر لإعدام بعض عباراته فيعتبر تزويراً معاقباً عليه لابسه من نية الغش وتغيير الحقيقة .

 الطريقة الثالثة : وضع أسماء أو صور أشخاص مزورة :

المقصود بهذه الطريقة تجريم أمران :

الأول : تقرر بمقتضى القانون رقم 9 لسنة 184 وهو تجريم وضع صور شمسية أو فوتوغرافية على محرر لشخص أو أشخاص حالة كون الصورة - أو الصور  اللازم وضعها على المحرر لغيرهم كوضع صورة لشخص آخر على رخصة القيادة أو بطاقات دخول النوادي أو بطاقات إثبات الشخصية أو المهنة وكذلك تجريم نزع الصورة الأصلية من المحرر واستبدالها بغيرها على نحو يصبح معه المعنى الإجمالي الذي ينبعث من المحرر مختلفاً. أما الثاني فالمقصود منه تجريم الحالات التي يثبت فيها في محرر حضور شخص أو أشخاص لازمين في تحريرها حالة كونهم غائبين لم يحضروا أما باستبدال الأشخاص أو انتحال شخصية الغير أو التسمي بإسمه سواء أكان هذا الغير شخصاً حقيقياً معروفاً لدى الجاني أم كان شخصاً وهمياً لا يعرفه الجاني وجوهر انتحال الشخصية أو التسمي بإسم الغير هو إدعاء الجاني لنفسه شخصية غيره أو إسمه أما إبدال الشخصية فجوهرة أن ينسب الجاني لشخص آخر شخصية أخرى غير شخصيته الحقيقية .

الطريقة الرابعة : التقليد :

التقليد هو وضع كتابة في محرر تشبه كتابة شخص ما في محرر آخر للإيهام بأنها صادرة منه أياً كان مدى إتقانه بل يكفي أن يكون في طريقة التحرير ما يحمل على الاعتقاد بصدور الكتابة من الشخص المسندة إليه كذباً. ولا يشترط إذا كان الإمضاء للشخص حقیقی أن يقلد المزور إمضاء المزور عليه بل يكفي وضع الإسم المزور عليه .

وأكثر ما يكون التقليد كطريقة من طرق التزوير المادي في محررات الأفراد ومن النادر أن يقع تقليد الكتابة من موظف وقد يكون التقليد غير متقن ولا أثر للتقليد المتقن أو غير المتقن في اعتباره تزويراً إنما يشترط في التقليد هو أن يكون مظهره باعثاً على الاعتقاد بأن الكتابة المقلدة سطرت بيد كاتب المحرر وأنها أشبه بخط من زورت عليه أما إذا كانت الإضافة لم يراع المزور فيها تشبيه خطها بالخط المكتوب به المحرر ويمكن أن ينخدع إنسان في أمر هذه الإضافة فلا تزوير ولا عقاب .

ويلاحظ أن هذه الطريقة لم تذكر في المادة 211 عقوبات ولكن الفقه قد أدرجها بين طرق التزوير المادي فقد سبق ذكرها في المادتين 206، 208 .

 الطريقة الخامسة : الاصطناع :

لم يرد ذكر الاصطناع في المادة 211 عقوبات وإنما جاء ذكره بالمادتين 217، 221 عقوبات وهما من مواد التزوير ولذلك فلا خلاف بالفقه أو القضاء في أن الاصطناع طريقة من طرق التزوير المادي .

والاصطناع هو إنشاء محرر برمته ونسبته زوراً إلى شخص لم يكتبه ولا يلزم لوقوع التزوير بهذه الطريقة أن يتوخى الجاني تقليد محرر بعينه أو تقليد خط إنسان معين. ومن أمثلة التزوير بالاصطناع إنشاء سند دين ونسبته زوراً إلى الغير واصطناع شهادة إدارية بالوفاة ونسبتها إلى العمدة واصطناع حكم ونسبته إلى محكمة معينة . واصطناع شهادة علمية وإدعاء صدورها من أحد المعاهد .

ويغلب أن يكون التزوير بالاصطناع مصطحباً بإمضاء مزور سواء أكانت الورقة المصطنعة رسمية أم عرفية إلا أن وجود التوقيع على المحرر ليس شرط لاعتبار الاصطناع تزويراً معاقباً عليه. خصوصاً وأن هذا الشرط لا يتطلبه القانون بالنسبة للأوراق الرسمية بصفة خاصة لما لها من الحجية في إثبات ما تحتويه. فسواء أوجد عليها توقيعات أم لم يوجد فالتزوير قائم مادامت هذه الورقة الرسمية قد استوفت شكلها القانوني ووقع عليها الموظف للدلالة على صدورها على يده فإذا اصطنعت ورقة على مثال الورقة الرسمية كان ذلك تزويراً باصطناع محرر شبيه بالمحرر الرسمي مستوجباً لعقوبة التزوير في المحررات الرسمية. ويلاحظ أن عدم التوقيع على المحرر العرفي يضعف من قيمته إذ الأصل أن كاتب المحرر يقوم عادة بالتوقيع عليه ليصح إسناده ونسبة ما فيه إليه ومع ذلك فاصطناع محرر عرفي خالي من الإمضاء أو الختم يعاقب عليه باعتباره تزويراً لأنه قد يتخذ مبدأ للثبوت بالكتابة عندما تمسك به من زوره وقلد فيه خط من نسبة إليه . ويستعين بالقرائن أو البينات عند ذلك يكون الضرر من التزوير محتملاً ، وقد اختلف الرأي في حالة جمع أجزاء سند ممزق وإعادتها إلى أصلها فيرى البعض اعتبار هذا الفعل تزویراً بالاصطناع ويرى البعض الآخر أن جمع أجزاء السند ليس اصطناعاً بالمعنى الصحيح .

ويعد تزويراً بالاصطناع التزوير بالحصول على الإمضاء مباغتة من المجني عليه وبالحصول منه على ورقة ممضاة أو مختومة على بياض .

والتزوير بطريق الاصطناع يكون في أغلب الأحيان تزويراً معنوياً بجعل واقعة مزورة فى صورة واقعة صحيحة أو جعل واقعة غير معترف بها في صورة واقعة معترف بها .

الركن الثاني : الضرر

 لايعد تغيير الحقيقة تزويراً إلا إذا نشأ عنه ضرر أو كان من شأنه إحداث ضرر ولا يشترط القانون وقوع الضرر بالفعل بل يكتفي باحتمال وقوعه وهذا مستنتج بالضرورة من نصوص القانون التي لم تعلق قیام التزوير على استعمال المحرر بالفعل ولا يشترط كذلك أن يحل الضرر بمن زور عليه المحرر بل يتوافر الشرط ولو كان الضرر قد حل أو كان محتمل الحلول بأي شخص آخر ومفهوم أن العبرة في ذلك بوقت وقوع التغيير .

وعلى ذلك فإنه يمكن تعريف الضرر بأنه الإخلال بحق أو بمصلحة يحميها القانون وهو على صور متعددة فمنه المادي والأدبي والمحقق والمحتمل والفردي الاجتماعي وأية صورة منه مني تحققت تكفي لقيام الجريمة وذلك على التفصيل الآتي :

 الضرر المادي :

الضرر المادي هو ما يصيب المجني عليه في ماله فتتأثر به ذمته المالية أو تتنقص ثروته مثال ذلك مزور عقد إيجار بأن يثبت فيه أن المالك قد قبض مبلغ الأجرة جميعها مقدماً أو من يمحو عبارة التخالص عن جزء من الدين المؤشر بها على ظهر سند الدين للمطالبة بالدين جميعه أو من يزور على آخر عقد بيع منزل أو أرض ليسلبه ثروته أو جزء منها بغير حق وليس بشرط أن يكون الضرر المادي جسيماً فيكفي لوجود الضرر أن يقع على جزء يسير أو مبلغ طفيف من ثروة المجنى عليه .

 الضرر الأدبي :

الضرر الأدبي هو الذي لا يصيب المجني عليه في ذمته المالية وإنما ينال منه عرضه وشرفه وكرامته وهذا النوع من الضرر يكون متصلاً في الغالب بضرر مادي ولكن وجوده يكفي لقيام التزوير ومن أمثلة التزوير شخص عقد زواج عرفي على سيدة بأنها قبلت زواجه وتوقيعه على عقد بإمضاء مزور بإسمها ونسبة طفل لقيط في دفتر المواليد إلى فتاة عذراء ونسبة خطاب زوراً إلى شخص بعد تحرير أمور فيه تخل بشرف من نسب إليه الخطاب والتسمي بإسم الغير في تحقيق جنائي ويلاحظ أنه لا يلزم في الضرر الأدبي أن يكون على درجة معينة من الجسامة .

 الضرر المحقق والمحتمل :

يعتبر الضرر متوافراً حتى ولو كان محتملاً غير محقق ولا حال الوقوع ومهما كان احتماله ضعيفاً يتحقق الضرر على وجه يقيني باستعمال السند المزور فعلاً وتنشأ حينئذ جريمة أخرى جديدة قائمة بذاتها هي جريمة الاستعمال ويكون الضرر محتملاً على قدر احتمال استعمال السند المزور مستقبلاً أو بعبارة أدق على قدر احتمال تضرر المجنى عليه منه إذا ما استعمله الجاني لأن الضرر وثيق صلة بفعل الاستعمال دون التزوير .

وعلى ذلك فإنه ليس بشرط أن يحل الضرر بالمجنى عليه فعلاً بل يكفي أن يكون الضرر محتمل للوقوع وقت ارتكاب الجريمة فالمحضر الذي يعلن عريضة دعوى ويسلمها لشخص آخر غير المعلن إليه ويثبت في العريضة أنه سلمها للمعلن إليه نفسه يرتكب تزويراً يحتمل أن يترتب عليه ضرر ويلاحظ أن التزوير لا يسقط بتمزيق المتهم للسند المزور إلا إذا أمكن أن يستفاد من هذا أن المتهم إنما زور السند على سبيل المزاج ولم يكن ذلك بنية الإضرار .

كذلك لا يسقط التزوير بتنازل المتهم عن التمسك بالعقد المزور ولا بتنازل مدعي التزوير عن الخصومة المدنية ولا بتصديق المجنى عليه على الإمضاء المزور بعد تزويره لأن العبرة في تقدير حصول التزوير أو احتمال حصوله إنما تكون بالوقت الذي ارتكب فيه التزوير. كما يلاحظ أخيراً أنه لايجوز بحال أن يخلق الإنسان لنفسه سنداً كتابياً. وعلى ذلك فإن ركن الضرر يعتبر متوافراً فيما لو زور شخص محرراً ابتغاء الحصول على حق كان في استطاعته الوصول إليه بالطرق القانونية .

 الضرر الفردي والاجتماعي :

الضرر الفردي أو الخاص هو ذلك الذي يصيب شخصاً أو هيئة معينة بالذات أما الضرر الاجتماعي أو العام فهو ما يصيب الصالح العام في مجموعة وجميع صور الضرر قد تكون فردية كما قد تكون اجتماعية . ويلاحظ أن كل تزوير يضر بمصالح الحكومة الأدبية يقع تحت طائلة العقاب فكل تزوير يرتكبه موظف عمومي أو غيره في محرر رسمي يعاقب عليه ولو لم يترتب عليه ضرر مادي بل ولو كان الضرر الأدبي محتملاً فقط .

الضرر والمحررات الباطلة والقابلة للبطلان :

تتغير الحقيقة في المحررات الباطلة أو القابلة للبطلان يعتبر من قبيل التزوير المعاقب عليه وهذه مسألة موضوعية وليست قانونية فمادام المشرع لم يشترط صفة معينة في المحرر لا يبقى إلا البحث في ترتب الضرر أو احتمال ترتبه ومتى توافر هذا الشرط واقترن بالقصد الجنائي صح العقاب على التزوير ولو كان حاصلاً في محرر باطل متى كان من المحتمل ينخدع فيه الناس ويفوتهم ما به من نقص أن يكون الضرر محتمل الحصول .

الركن الثالث : القصد الجنائي

 يراد بالقصد الجنائي عادة إقدام المجرم على ارتكاب الفعل وهو عالم بأن القانون يعده جريمة ويعاقب عليه وبعبارة أخرى القصد الجنائي هو علم المجرم بأنه يأتي فعلاً يعده القانون في صورته التي وقع بها جريمة يعاقب عليها فالقصد الجنائي يؤول في النهاية إلى علم المجرم بحرمة الفعل الذي تعمد ارتكابه ويجب أن يشمل هذا العلم جميع أركان الجريمة المرتكبة. ففي جريمة التزوير يكون العلم متلازماً مع بعض أركانها مثلا يفترض على الدوام على الشخص بأن الطريقة التي اتبعها في التزوير هي من الطرق التي نص عليها القانون وحرمها ولا يفيده بعد هذا اعتذاره بجهل القانون كذلك يفترض دائماً علم المزور بأنه يرتكب تزويراً في محرر سواء كان هو المحدث للتغيير بنفسه أو بواسطة غيره وقد يعتذر مثلاً بأنه لم يكن يعلم أن المطبوعات تدخل في معنى المحررات ويمكن اعتذاره هذا يعد من قبيل الجهل بالقانون ولا عبرة به. أما فيما يتعلق بركن تغيير الحقيقة فهذا مما يلزم فيه ثبوت العلم ثبوتاً صريحاً فقد يجهل الشخص الذي كتب المحرر أنه يسطر أكاذيب مغايرة للواقع فقد يجهل مأمور التحريات الرسمية أن ما يميليه عليه المتعاقد أن يتضمن وقائع أو بيانات مزورة وإذن لا يعد مجرماً ولا يستحق عقاباً لعدم توافر القصد الجنائي ولا يغير من ذلك كونه أهمل في تحري الحقيقة وأن كان يستطيع الوصول إلى معرفتها لو بذل شيئاً من الحيطة والدقة في أداء عمله فإن الإهمال وعدم الاحتياط لا يقومان مقام العلم الصريح من الوجهة الجنائية. كذلك الحال فيما يتعلق بركن الضرر فيجب أن يعلم المزور أن تغييره للحقيقة يجوز أن يحدث ضرراً للغير مادياً أو أدبياً حالاً أو محتمل الوقوع .

ويلاحظ أن غالبية الفقه تفضل تعريف قصد التزوير بأنه " نية استعمال المحرر المزور فيما زور من أجله " ويبدو أن قضاء النقض الحديث قد اعتنق هذا التعريف الأخير واستقر عليه بشكل واضح لافرق في ذلك بين نوع وآخر من أنواع المحررات فهو كثيراً ما يردد مثل قوله " أن القصد الجنائي في جريمة التزوير تتحقق بتعمد تغيير الحقيقة في الورقة تغييراً من شأنه أن يسبب ضرراً وبنية استعمالها فيما غير من أجله الحقيقة فيها " وأساس ربط القصد الخاص في تزوير المحررات بنية استعمال المحرر المزور فيما زور من أجله هو النظر إلى جريمة التزوير من حيث علاقتها بجريمة استعمال المحررات المزورة ففعل التزوير بحسب ماهيته لايخرج عن كونه عملاً تحضيرياً لجريمة الاستعمال التي يتصل بها الضرر وهو المقصود الحقيقي بالخطر .

وخلاصة ما تقدم أن القصد في التزوير يتكون من عنصرين أساسيين الأول : هو القصد العام والثاني : هو النية الخاصة - والقصد العام هو العلم بجانب الواقع وجانب الواقع في التزوير تكون من ذات الفعل المادي وهو تغيير الحقيقة في محرر من الأثر الضار الذي ينجم عنه أو يحتمل أن يترتب عليه. والنية الخاصة هو أن تكون نية الجاني من التزوير استعمال المحرر المزور فيما زور من أجله فإذا كانت هذه الغاية استعمال المحرر فيما غيرت الحقيقة من أجله توافر القصد ولو لم يحصل الاستعمال ولا عبرة بالبواعث على التزوير فقد تكون طيبة أو شريرة ولكنها لا تؤثر في وجود قصد التزوير. وتقدير وجود القصد أو عدمه من المسائل المتعلقة بالدعوى وتفصل فيها محكمة الموضوع على ضوء الظروف المطروحة عليها وتقديرها في ذلك نهائي لا معقب عليه لمحكمة النقض إلا إذا أخطأت محكمة الموضوع في فهمها لمعنى القصد أو عناصره أو شاب قضاءها سوء الاستدلال . ( موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الثالث، الصفحة : 68 )

الفقه الإسلامي
قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحات : 228 ، 229 ، 230  
 
( مادة 465 ) :
 تزوير المحرر هو تغير الحقيقة فيه بإحدى الصور المبينة بعد ، بقصد إستعماله على نحو يوهم بأنه مطابق للحقيقة ، متى كان من شأنه إحداث ضرر ، وكان المحرر صالحاً للإستعمال على هذا النحو . 
وصور التزوير هي : 
1- أي تعديل بالإضافة أو الحذف أو غيرهما في الكتابة أو الأرقام أو المعلومات أو الصور أو العلامات . 
2- وضع إمضاء أو ختم مزور ، أو تغير إمضاء أو ختم صحيح ، أو إساءة إستعمال إمضاء أو ختم أو بصمة . 
3- الحصول غشاً أو مباغتة على إمضاء أو ختم أو بصمة لشخص لا يعلم حقيقة  المحرر . 
4- إصطناع المحرر أو تقليده .
5- إنتحال الشخصية أو إستبدالها فيما أعد لإثباتها . 
6- تغيير الحقيقة في محرر حال تحريره فيها أعد لتدوينه . 
ويعتبر تزویراً إستغلال حسن نية المكلف بكتابة المحرر والإدلاء إليه ببيانات كاذبة ، مع إيهامه بأنها صحيحة ، متى دونها نقلاً عن المدلي بها . 
 
( مادة 466 ) :
يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على عشر سنوات على التزوير في محرر رسمي . 
ويعاقب بالحبس على التزوير في محرر عرفي . وذلك كله ما لم ينص القانون على خلافه . 
 
( مادة 467 ) :
المحرر الرسمي هو الذي يختص موظف عام بمقتضى وظيفته بتحريره ، أو بالتدخل في تحريره على أية صورة ، أو بإعطائه الصفة الرسمية . 
ويقصد بالموظف العام من حددته الفقرات من (أ) إلى (د) من المادة (394) من هذا القانون . 
والمحرر العرفي هو ما عدا ذلك ، ويشترط أن يكون موقعاً ممن نسب إليه بإمضائه أو ختمه أو بصمته . 
 
( مادة 473 ) :
 يعاقب بالحبس من إنتحل إسم غيره ، أو أعطى بياناً كاذباً عن محل إقامته في مرحلة الإستدلالات أو التحقيق الإبتدائي أو النهائي .    
 
تزوير المحررات 
المواد من (465) - (474) : 
تقابل نصوص المشروع بصفة عامة المواد من (206) - (227) من القانون القائم ، مع إضافة ما ارتأى المشروع إضافة إليها من حالات ، فضلاً عن ضبط صياغة النصوص ، وأهم سمات المشروع ما يلي : 
1- المادة (465) من المشروع : حسماً لما قام من خلاف فقهي وقضائي ، ونزولاً على مبدأ شرعية الجريمة ، فقد ارتأى المشروع بیان عناصر جريمة التزوير ، وبيان الأفعال المكونة لها والقصد الملابس لهذه الأفعال ، متى كان من شأن ذلك إحداث ضرر ، وهذا لا يتأتى إلا إذا كان المحرر صالحاً للإستعمال فيها أعد له ، فإن كان ظاهر البطلان ولا ينخدع به الناس عامة ، فقد انحسرت عنه هذه الصلاحية ، ومن هذا المنطلق فقد عرفت المادة (465) من المشروع سالفة البيان ، جريمة التزوير عن طريق بيان أركانها على النحو الذي استقر عليه القضاء والفقه في عمومه ، ثم حددت صور التزوير على نحو قصد به منع اللبس ، ولعل أهم إضافة عني النص بإبرازها وضع الجاني صورته الشمسية على محرر لا يخصه كأوراق المرور وجوازات السفر ورخص القيادة ، وأوراق إثبات الشخصية، وذلك بإستبدال الصورة الأصلية للصادر بإسمه المحرر ووضع صورته بدلاً منها ، وكان القضاء يرفض إعتبار هذه الصور من صور التزوير ، كما أوضح النص أن التعديل فيها تضمنه المحرر من كتابة أو أرقام أو معلومات حذفاً أو إضافة أو غيرهما - يعد من صور التزوير . 
 
كما أن المشروع أفصح عن أن إساءة إستعمال إمضاء أو ختم أو بصمة تدخل في عداد جرائم التزوير ، إذا ما وقعت في محرر ، وذلك قد يكون بتعمد التوقيع بإمضاء تخالف في طريقة الكتابة الإمضاء المعتادة ، أو محاولة تغيير السمات الخطية في الإمضاء ، أو إستعمال خاتم صحيح دون علم صاحبه أو رضائه ، أو إستعمال خاتم ألغي إستعماله ، أو نزع بصمة أو إمضاء من موقعها الصحيح ولصقها على محرر آخر غير ذلك المنزوعة منه ، بغير علم ورضاء صاحب الشأن في ذلك . 
 
كذلك أوضح النص أن الحصول غشاً أو مباغتة على إمضاء أو ختم أو بصمة لشخص لا يعلم حقيقة المحرر ، بأن صور له أن محرراً من نوع معين حال أنه محرر مخالف - كمن يستوقع على ورقة بوصف أنها سند دین أو كمبيالة ، حال أنها شيك أو من يحصل على الإمضاء أو الختم بطريق المباغتة أو التغافل . 
 
والفقرة السادسة من النص تتضمن تغيير الحقيقة في محرر حال تحرير هذا المحرر فيها أعد لتدوينه ، وهي صورة التزوير المعني بجعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة أو واقعة غير معترف بها ، ورئي من حسن الصياغة أن تكون على النحو الوارد بالمشروع ؛ لأنها تتسع لهاتين الصورتين وكل صورة التزوير المعنى . 
 
2- المادة (466) من المشروع : جمعت في فقرتيها التزوير في المحرر عرفياً كان أم رسمياً،  مع جعل عقوبة التزوير في المحرر العرفي عقوبة الجنحة،  وكان القانون القائم يفرد نصاً لكل حالة . 
 
3- المادة (467) من المشروع : ارتأى المشروع بغية توضيح معنى المحرر الرسمي والمحرر العرفي أن ينص على تعريف لكل ، والقانون القائم لا يتضمن هذا التعريف ، مما ساعد على إشاعة الإضطراب في هذا الصدد ، وحسماً للأمور ووضعها في موضعها الصحيح ، فقد عرف المشروع المحرر الرسمي بأنه الذي يحرره موظف عام مختص بتحريره ، أو بالتدخل في تحريره على أية صورة، أو بإعطائه الصفة الرسمية ، وذلك كله بمقتضى إختصاصه الوظيفي، ومنعاً للبس أيضاً بين المشروع من هو الموظف العام في حكم هذا الفصل؟ فأحال في بيانه إلى الفقرات الأربع الأولى من المادة (394) من المشروع دون باقی فقراتها ؛ لأن من عدا من نصت عليهم هذه الفقرات لا يعد موظفاً عاماً حقيقة،  بل حكماً ، أما عدا ذلك من المحررات فهي عرفية وقعت ممن نسب إليه المحرر، يستوي في ذلك أن يكون التوقيع بالإمضاء أو بالبصمة أو بالختم . 
 
4 - المادة (261) من المشروع جمعت في نصها حكم المادتين (226)، (227) من القانون القائم،  واتسع حكمها ليشمل إبداء أو تقرير أقوال أو بيانات جوهرية ، يعلم بعدم صحتها ، أو تقديم أوراق بذلك إلى جهة تقرير مساعدات أو تأمينات إجتماعية ، بعد أن كانت نصوص القانون الحالي لا تواجه مثل هذه الصور . 
 
5- المادة (471) من المشروع تقابل المادة (340) من القانون القائم ، وكانت ضمن مواد الباب العاشر من الكتاب الثالث ضمن مواد جريمة النصب وخيانة الأمانة ، وقد ارتأى المشروع أن مكانها الصحيح بين مواد جريمة التزوير ؛ لأنها إليها أقرب وبها ألصق ، إذ تعالج صورة خاصة من التزوير في محرر وقع على بياض ، ثم حرر في البياض بیانات خلافاً للمتفق عليه ، وجعلت المادة ظرفاً مشدداً يترتب عليه مضاعفة العقوبة، إذا كان الجاني غير من اؤتمن على الورقة متى حصل عليها بوسيلة غير مشروعة . 
 
6- المادة (472) من المشروع : تعرض لجريمة إستعمال المحرر المزور رسمياً كان أم غير رسمي ، فنصت الفقرة الأولى منها على عقاب المستعمل للمحرر المزور بذات العقوبة المقررة لجريمة التزوير، متى كان عالماً بالتزوير وبالظروف المشددة للجريمة، فإن كان يجهل هذه الظروف عوقب ، كما لو كان قد وقع التزوير بغير توافرها . 
 
واستحدثت الفقرة الثانية منها حكماً جديداً يعاقب كل من استعمل محرراً فقد قوته القانونية ، أياً كان سبب ذلك الفقدان، عالماً بذلك، متى قصد من هذا الإستعمال الإيهام بأن المحرر لا يزال يحتفظ بقوته القانونية ، فمن يستعمل عقد بیع قضي بفسخه أو إبطاله مع العلم بذلك ، قاصداً الإيهام بأنه لا يزال قائماً لم يفسخ أو يقضي بإبطاله - يسري عليه الحكم المستحدث ، وهو إلى جانب سريان هذا النص عليه ، قد يتحقق قبله جريمة النصب أو الشروع فيها على حسب الأحوال . 
 
كذلك أثم المشروع في الفقرة الثالثة من المادة إستعمال محرر صحيح بإسم الغير فانتفع به بغير حق ، وعلى سبيل المثال إستعمال جوازات السفر أو أوراق المرور أو الرخص . 
 
7- المادة (473) من المشروع ، رأى المشرع أن إنتحال شخص إسم غيره أو إعطاءه بيانات كاذبة عن محل إقامة في مرحلة الإستدلالات أو التحقيق الابتدائي أو النهائي - يدخل في نطاق التجريم ، ولأن محكمة النقض ذهبت إلى أن حق المتهم في الدفاع يبرر له أن يتسمى بإسم خيالي في إعتقاده ، فلا يعد فعله ضرباً من ضروب التزوير ، ومنعاً لأي لبس وضع المشروع النص سالف البيان ليؤثم بعقوبة الجنحة كل من إنتحل إسم غيره ، أعطى بياناً كاذباً عن محل إقامته في مرحلة الإستدلالات أو التحقيق الابتدائي أو النهائي ، والنص من العموم بحيث يشمل إلى جانب المتهم غيره ممن يسأل في تحقيق مما ذكر ، وبذلك يكون البيان في الإسم ومحل الإقامة من البيانات الجوهرية التي يتحتم أن يراعي فيها الشخص الصدق والأمانة ؛ حتى يسهل الإهتداء إليه إذا ما تطلب الأمر ذلك .
 
هذا وقد استتبع تنظيم المشروع لجريمة التزوير أن يسقط بعض النصوص التي تعالج صوراً خاصة من صور التزوير الواردة في المواد (216)، (217)، (218)، (220)، (221)، (223)، (224) من القانون القائم، إكتفاء بما تضمنه المشروع من نصوص ، على أن هذا لا يمنع الشارع في قانون خاص أن يقرر من العقوبات ما يراه ملائماً لصورة خاصة من التزوير . 
 
كما لم يورد المشروع نصاً مقابلاً للمادة (225) من القانون القائم التي تساوي بين التوقيع بالإمضاء والختم وبصمة الإصبع ؛ لأن بيان المشروع لطرق التزوير قد غنى عن ذلك ؛ إذ تضمنها هذا البيان .