1ـ من المقرر أن التزوير فى المحررات والتقليد فى الأختام ، إذا كان ظاهرا بحيث لا يمكن أن ينخدع به أحد ، فلا عقاب عليه لانعدام الضرر إلا أن إثارة ذلك لأول مرة أمام محكمة النقض ، غير جائزة ما لم تكن مدونات الحكم تظاهره ، وإذ خلا محضر الجلسة والحكم من تمسك الطاعن بهذا الدفاع ، كما خلت مدونات الحكم مما يرشح لقيامه ، فإنه لا يقبل منه أن يثير هذا الأمر لأول مرة أمام هذه المحكمة ، لأن تمحيصه يتطلب تحقيقا تنحسر عنه وظيفتها .
( الطعن رقم 5506 لسنة 55 ق - جلسة 1986/01/29 - س 37 ع 1 ص 163ق 34 )
2- لا يشترط لصحة الحكم بالإدانة أن يتحدث صراحة عن ركن الضرر ، ما دام قيامه لازما عن طبيعة التزوير فى المحرر الرسمي ، لأن تغيير الحقيقة فيه بطريق الغش بالوسائل التي نص عليها القانون ، ينتج عنه حتما حصول ضرر بالمصلحة العامة ، لما يترتب على العبث بالورقة الرسمية من غض لقيمتها فى نظر الجمهور بحسبانها ذات حجية ، والأخذ بها وتصديقه واجب بحكم القانون .
( الطعن رقم 5506 لسنة 55 ق - جلسة 1986/01/29 - س 37 ع 1 ص 163 ق 34 )
3- متى كان من المقرر أن محضر الاستدلالات يصلح لأن يحتج به ضد صاحب الإسم المنتحل فيه وأن مجرد تغيير المتهم لإسمه فى هذا المحضر لا يعد وحده تزويراً سواء وقع على المحضر بالإسم المنتحل أو لم يوقع، إلا أن يكون قد انتحل إسم شخص معروف لديه لحقه أو يحتمل أن يلحق به ضرر من جراء انتحال إسمه، ولما كان الحكم المطعون فيه قد أثبت فى حق الطاعن أنه انتحل بمحضر التحقيق إسم شخص معروف لديه كان يعمل معه فى مركب صيد وأنه سرق بطاقته الشخصية بقصد استعمالها فى مثل هذه الأغراض حتى لا ينكشف أمره فإن الحكم يكون قد أثبت فى حقه توافر أركان جريمة التزوير، ويكون النعي على الحكم فى هذا الصدد على غير أساس من القانون .
( الطعن رقم 11 لسنة 49 ق - جلسة 1979/04/26 - س 30 ع 1 ص 502 ق 106 )
4ـ لا يشترط فى التزوير المعاقب عليه أن يكون قد تم خفية أو من يستلزم لكشفه دراية خاصة بل يستوى فى توفر صفة الجريمة فى التزوير أن يكون التزوير واضحاً لا يستلزم جهداً فى كشفه أو أنه متقن ما دام أن تغيير الحقيقة فى كلا الحالين يجوز أن ينخدع به بعض الناس . ولما كان يبين من الأوراق أن التزوير الذى إرتكبه المطعون ضده فى رخصة القيادة قد إنخدع به صاحب السيارة التى كان المطعون ضده يعمل سائقاً لها إذ قرر أنه إطلع على هذه الرخصة فلم يلحظ ما بها من تزوير ، كما أن الضابط الذى ضبط الواقعة لم يقطع بحصول تزوير فى الرخصة بل إشتبه فقط فى أمرها فأرسلها إلى قلم المرور للتأكد من صحة البيانات المدونة فيها - فإن القرار المطعون فيه إذ إنتهى إلى الأمر بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى على المتهم إستناداً إلى إفتضاح التزوير يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون بما يعيبه ويوجب نقضه وإعادة القضية إلى مستشار الإحالة لإحالتها إلى محكمة الجنايات .
( الطعن رقم 1233 لسنة 34 ق - جلسة 1964/12/28 - س 15 ع 3 ص 873 ق 171 )
5- إنه وإن كان من المقرر أن محضر البوليس يصلح لأن يحتج به ضد صاحب الإسم المنتحل فيه، إلا أن مجرد تغيير المتهم لإسمه فى هذا المحضر لا يعد وحده تزويراً سواء وقع على المحضر بالإسم المنتحل أو لم يوقع، إلا أن يكون قد انتحل اسم شخص معروف لديه لحق أو يحتمل أن يلحق به ضرر من جراء انتحال اسمه. فإذا كان الجاني لم يقصد انتحال إسم شخص معين معروف لديه بل قصد مجرد التسمي باسم شخص وهمي أمتنع القول بأنه كان يعلم أن عمله من شأنه أن يلحق ضرراً بالغير ما دام لا وجود لهذا الغير فى اعتقاده - ذلك بأنه يجب لتوافر القصد الجنائي فى جريمة التزوير أن ينصب على كافة أركان الجريمة ومنها الضرر حالا أو محتمل الوقوع .
( الطعن رقم 763 لسنة 31 ق - جلسة 1962/05/22 - س13 ع 2 ص 489 ق 125 )
6- نصوص المواد الأولى والسادسة والسابعة والثانية عشر والثالثة عشر من القانون رقم 130 لسنة 1946 المعدل بالقانونين 637 لسنة 1953 ، 123 لسنة 1957 الخاص بالمواليد والوفيات يؤخذ منها مجتمعة أن دفاتر المواليد ليست معدة لقيد واقعة الولادة مجردة عن شخصية المولود واسمى الوالدين المنتسب إليهما حقيقة ، ذلك بأن مجرد إثبات الميلاد دون بيان اسم المولود ووالديه لا يمكن أن يجزئ فى بيان واقعة الميلاد على وجه واضح لا تعتريه شبهة وحتى يكون صالحاً للاستشهاد به فى مقام إثبات النسب فإذا تعمد المبلغ تغيير الحقيقة فى شيء مما هو مطلوب منه وأجرى القيد على خلاف الحقيقة بناء على ما بلغ به ، فإنه يعد مرتكبا لجناية التزوير فى محرر رسمى .
( الطعن رقم 1084 لسنة 29 ق - جلسة 1959/10/26 - س 10 ع 3 ص 806 ق 172 )
7ـ يجب لإعتبار المحرر مزوراً أن يقع التغيير فى نفس المحرر مباشرة وبإحدى الطرق المبينة على سبيل الحصر فى قانون العقوبات . فإذا وضع شخص صورته الشمسية على رخصة رسمية ليست له ، محل صورة صاحب الرخصة الحقيقى فهذا الفعل - وإن كان يترتب عليه تغيير ضمنى فى معنى الرخصة - إلا أنه تغيير غير مباشر لم يقع على نفس المسطور ولم يحصل بإحدى الطرق المبينة فى القانون للتزوير المادى ، إذ أن المتهم لم يمس كتابة الرخصة ولم يدخل عليها أى تغيير مادى ، فهو إذن تغيير من نوع خاص بعيد عما رسمه القانون فى باب التزوير ، و لذلك لا يمكن إعتباره تزويراً جنائياً ، لعدم جواز التوسع فى تأويل أحكام قانون العقوبات . ولا يصح أن يقاس التغيير الذى يحصل بوضع صورة شمسية مكان أخرى بالتغيير الذى يحصل فى علامة واردة بالمحرر أو فى رقم أو ترقيم فيه ، إذ العلامات والأرقام والترقيم ليست إلاأجزاء من المحرر ، أما الصورة الشمسية فلا يمكن إعتبارها جزءاً من المحرر لأنها ليست من نوع الكتابة المعروفة ، ولا يمكن إدخالها تحت نص من نصوص التزوير .
( الطعن رقم 189 لسنة 4 ق - جلسة 1934/01/15 - س ع ع 3 ص 256 ق 187 )
تنص المادة 212 من قانون العقوبات على أن : (كل شخص ليس من أرباب الوظائف العمومية ارتكب تزويراً مما هو مبين في المادة السابقة يعاقب بالسجن المشدد أو بالسجن مدة أكثرها عشر سنين)، وعليه فإنه إذا وقعت جريمة التزوير بالمفهوم والمعنى المبينين بالمادة السابقة (211) من شخص ليس من أرباب الوظائف العامة فإنه يُعاقب بالسجن المشدد أو بالسجن مدة لا تزيد على عشر سنوات، وذلك على التفصيل التالي :
1- تغيير المحررات أو الأختام أو الإمضاءات أوزيادة كلمات
ماهية هذه الطريقة : تعنى هذه الطريقة كل أساليب التشويه المادي التي تتصور بالنسبة للمحرر بعد الفراغ من تحريره . ويستهدف المزور بهذه الطريقة الإيهام بأن المحرر كان له منذ تحريره المظهر والفحوى اللذان صاراً له بعد التغيير، أي الإيهام بأن كاتب المحرر قد أدخل عليه هذه التعديلات لحظة كتابته . وأهم ما تفترضه هذه الطريقة أن الفعل الذي تقوم به قد ارتكب في وقت لاحق على تدوين المحرر . ويترتب على ذلك أن التغيير الذي يصدر عن كاتب المحرر وقت كتابته لا تقوم به هذه الطريقة، وإنما يعتبر تزوير معنوياً .
وتفترض هذه الطريقة تشويهاً في معنى المحرر بنسبة بيانات إلى الموقعين عليه لم تصدر عنهم . ومؤدى ذلك أنه إذا كان التغيير لا يتعارض مع إرادات الموقعين على المحرر، فلا يقوم بذلك التزوير : فإذا أدخل المتهم على المحرر تغييراً مادياً بإتفاق الموقعين عليه، فلا يعد ذلك تزویراً وإذا أدخل شخص على محرر، تعديلاً مادياً لا يمس معناه كما لو وضع خطاً تحت أحد بياناته أو أضاف لفظ « مصری » عقب لفظ « جنيه »، فلا يعد الفعل تزویراً وإذا أدخل على محرر تغيير شوه معناه، فأزال المتهم هذا التغيير ورد معنى المحرر إلى أصله، فلا يعتبر فعله تزویراً . ولكن إذا كانت للتصحيح قواعد قانونية فلم يتبعها المتهم، فإن فعله يتضمن تغييراً للحقيقة، باعتباره ينطوي ضمناً على إدعاء بمراعاة هذه القواعد، وهو ما يخالف الحقيقة .
وتفترض هذه الطريقة أن المتهم قد أبقى للمحرر معنى، ولكنه معنی يخالف الحقيقة . أما إذا كان من شأن فعله أن تجرد المحرر من المعني بحيث فقد كل دلالة، فليس الفعل تزویراً، وإنما تقوم به جريمة إتلاف السندات (المادة 365 من قانون العقوبات) . وتطبيقاً لذلك فإن إعدام المحرر كله هو إتلاف، أما إعدامه جزئياً بحيث بقيت فيه بعض بیانات ذات دلالة تخالف الدلالة التي كانت تستنتج منه في مجموعة فهو تزوير بهذه الطريقة، ويجوز أن يرد التزوير بهذه الطريقة على محرر سبق التغيير فيه، فسبق تزوير المحرر يبقى له مع ذلك صلاحيته لتزوير تال .
صور هذه الطريقة : لهذه الطريقة صور ثلاث : الحذف والإبدال والإضافة . وفي جميع هذه الصور يجوز أن ينصرف التشويه إلى صلب المحرر أو إلى الإمضاءات أو الأختام . وفيما يلي بيان هذه الصور : يرتكب التزوير بهذه الطريقة من يحذف كلمة أو عبارة أو رقماً، فيغير بذلك من معنى المحرر . وتستوي وسائل الحذف : فلا فرق بين كشط وطمس وإزالة بمادة كيميائية . ويرتكب التزوير بهذه الطريقة من يبدل كلمة بكلمة أو رقماً برقم أو إمضاء بإمضاء، ويفترض ذلك حذف بيان وإثبات آخر محله ويرتكب التزوير في هذه الصورة من ينتزع إمضاء صحيحاً موقعاً به علی محرر ويلصقه بمحرر آخر « لأنه بفعلته إنما ينسب إلى صاحب الإمضاء واقعة مكذوبة هي توقيعه على المحرر الثاني » ويرتكب التزوير بهذه الطريقة من يضيف إلى المحرر كلمة أو عبارة أو رقماً أو إمضاء أو ختماً فيغير بذلك من دلالة المحرر وسواء لدى القانون الموضع الذي تخيره المتهم للإضافة : سواء وضعت في فراغ ترك خالياً أو بين السطور أو في الهامش . ولا يشترط أن تكون الإضافة موقعاً عليها .
2- وضع أسماء أو صور أشخاص آخرين مزورة
تقسیم : تنطوي هذه الطريقة - في الواقع - على طريقتين :وضع أسماء أشخاص آخرين مزورة، ووضع صور أشخاص آخرين مزورة .
وضع أسماء أشخاص آخرين مزورة : بريد الشارع بهذه الطريقة « تغيير الحقيقة في شأن الشخصية » إذا نمت عنه آثار مادية في المحرر ولهذا التغيير صورتان : « إنتحال الشخصية »، ومحله أن يدعى المتهم لنفسه شخصية غيره؛ « وإبدال الشخصية »، ومحله أن ينسب المتهم لشخص معين شخصية آخر، أي شخصية مختلفة عن شخصيته الحقيقية . وسواء في الحالتين أن تكون الشخصية المنتحلة أو المبدلة شخصية ذات وجود في بيئة المتهم أو أن تكون شخصية خيالية وأهم أمثلة لتزوير بهذه الطريقة أن يذكر مدون المحرر حضور أشخاص لم يحضروا تدوينه وينسب إليهم صدور بعض بياناته عنهم .
وتفترض هذه الطريقة أن المحرر يتضمن آثاراً مادية تكشف عن الإنتحال أو الإبدال، وهذه الآثار هي من قبيل توقيع المتهم بإمضاء من انتحل شخصيته، أو محوه إسم شخص ووضعه إسم آخر . أما إذا لم تكن في المحرر آثار مادية تدل على التزوير، كان التزوير معنوياً، كما لو انتحل المتهم شخصية غيره، وتقدم إلى موظف عام، وأدلى أمامه بأقوال نسبها إلى هذا الشخص في المحرر الذي دونه .
وضع صور أشخاص آخرين مزورة : تعنى هذه الطريقة أن يضع المتهم صورة « فوتوغرافية » الشخص في محرر غير صورة الشخص التي كان يجب أن توضع فيه، سواء أكانت هذه الصورة للمتهم نفسه، أم كانت الشخص آخر، ويستوي كذلك أن يكون موضع الصورة في المحرر خالياً فيضع فيه المتهم صورة غير الصورة التي كان يجب أن توضع فيه، أو أن تكون الصورة الصحيحة في موضعها فينتزعها المتهم ويضع مكانها صورة لشخص آخر وتفترض هذه الطريقة أن المحرر يجب أن يحمل من بين بياناته صورة لشخص، مثال ذلك البطاقة الشخصية أو العائلية أو جواز السفر أو ترخیص حمل السلاح أو ترخيص قيادة السيارة أو بطاقة قيد الطالب في إحدى الكليات أو المعاهد .
وجه الشبه بين هذه الطريقة وبين وضع أسماء أشخاص آخرين مزورة أنه في الحالتين يتحقق إنتحال الشخصية أو إبدال الشخصية : فإذا وضع المتهم صورته محل صورة الشخص التي كان يجب أن توضع في المحرر، فقد انتحل شخصيته . وإذا وضع المتهم صورة شخص محل صورة الشخص الذي كان يجب أن توضع صورته في المحرر، فقد أبدل شخصيته بأخرى . وهذا التزوير مادی، إذ تدل عليه آثار مادية تتمثل في أن المحرر قد صار يحمل صورة لم يكن يحملها من قبل، أو أن الصورة التي كان يحملها قد انتزعت ووضعت مكانها صورة أخرى .
وقد إعتبر الشارع بذلك الصورة في ذاتها أحد بيانات المحرر، بإعتبار أن لها موضعاً فيه، ولها دلالتها على شخصية صاحب المحرر، ولها صلتها بسائر بياناته، إذ تسهم معها في تحديد المعنى الإجمالي المستفاد منه . ومن ثم فإن التشوية الذي ينالها يعد منصباً على أحد بيانات المحرر، بما يعد تغييراً للحقيقة فيه .
3 - التقليد
ماهية التقليد : التقليد في مدلوله العام هو صناعة شيء على مثال شيء آخر، والتقليد في مجال التزوير يراد به تحرير المتهم كتابة بخط يشتبه خط شخص آخر، وهو يسعى بذلك إلى أن ينسب إلى هذا الأخير البيانات التي تضمنتها الكتابة، وليس من عناصر التقليد أن يكون متقناً، بل يكفي أن يكون من شأنه خداع الشخص المعتاد وإيهامه بصدور الكتابة ممن يراد نسبتها إليه .
وقد ينصب التقليد على المحرر بأكمله، وقد يقتصر على عبارة أو كلمة أو رقم أو إمضاء، ولا فرق بين الحالتين . وقد يقترن التقليد بطريقة أخرى من طرق التزوير المادي، وقد يقتصر المتهم عليه وحده : فتقليد إمضاء الغير يتضمن الجمع بين الطريقة الأولى والتقليد، وتقليد خط الغير في كلمة أو جملة يضيفها الجاني إلى محرر معد من قبل يتضمن الجمع بين الطريقة الثانية والتقليد . وأمثلة الحالات التي يقتصر فيها الجاني على التقليد وحده هي : تقليد خط الغير في محرر موقع على بياض، وتقليد تذاكر السكك الحديدية وأوراق اليانصيب .
4- الاصطناع
ماهية الاصطناع : الاصطناع هو خلق محرر بأكمله ونسبته إلى غير محرره والفرق بين الاصطناع والتقليد أنه في حالة الاصطناع لا يهتم المتهم بالتشابه بين خطه وخط الغير، في حين أنه يهتم بذلك في حالة التقليد ؛ وبالإضافة إلى ذلك، فالاصطناع ينصب على المحرر كله، في حين أن التقليد قد يقتصر على جزء منه . وفي الغالب يصطحب الاصطناع بوضع إمضاء مزور، وذلك كي يحمل المحرر التوقيع الذي يستمد منه قيمته القانونية . ولكن الجمع بين الطريقتين غير مطلوب : فالاصطناع طريقة مستقلة للتزوير، فيقوم بها ولو لم يكن ثمة إمضاء مزور، مثال ذلك أن يصطنع شخص صلب محرر ثم يتوصل بالاحتيال إلى الحصول على الإمضاء الصحيح للمجني عليه، أو أن يصطنع شخص مخالصة على ظهر سند دین .
تطبيقات الاصطناع : للاصطناع تطبيقات كثيرة، وخاصة في مجال المحررات الرسمية : فاصطناع محرر على مثال محرر رسمي يعتبر تزويراً في محرر رسمي، ويعاقب عليه بهذا الوصف ولو كان فحواه مطابقاً للحقيقة، إذ التغيير متحقق بنسبته زوراً إلى سلطة لم يصدر عنها، ويعاقب عليه كذلك ولو كان يحمل الإمضاء الصحيح للموظف أو الختم الصحيح للسلطة المنسوب إليها، إذا كان التوصل إلى وضع الإمضاء أو الختم قد تم عن طريق الإحتيال . وللاصطناع صورتان : أن يخلق المتهم محرراً لم يكن موجوداً من قبل ؛ أو أن يخلق محرراً ليحل محل محرر آخر بعد التعديل من شروطه أو بدون تعديل منها، ومثال هذه الحالة أن يصطنع دائن سنداً ثانياً للدين، وعند الوفاء يسلم مدينه السند المصطنع ثم يظهر السند الصحيح ويدفع به للتعامل ويدخل في تعريف الاصطناع حالة جمع المتهم بين أجزاء سند ممزق ولصق بعضها ببعض بحيث يعود السند إلى حالته الأولى، ذلك أن تمزيق السند قد أعدمه، فالجمع بين أجزائه خلق له من جدید ويسأل عن تزوير باصطناع - للعلة السابقة - من يمحو من سند أبطل العبارة الدالة على إبطاله، کی يستعمله فيما كان معداً له .
الضرر :
أهمية الضرر في البنيان القانوني لجرائم التزوير : رجحنا - فيما تقدم - الرأي الذي يذهب إلى اعتبار الضرر ركناً على حدة من أركان التزوير، فإذا ثبت تخلف الضرر إنتفى التزوير، ولو توافرت سائر أركانه ويترتب على ذلك إلتزام قاضي الموضوع بأن يثبت في قضائه بالإدانة توافر هذا الركن، وإلا كان حكمه قاصر التسبيب .
وتقتضي دراسة الضرر في التزوير تفصيل موضوعات ثلاثة : ماهية الضرر وأنواعه ؛ وضابط الضرر، ومدى توافره في المحررات الباطلة .
ماهية الضرر وأنواعه
تعريف الضرر :
الضرر هو إهدار حق، أي إخلال بمصلحة مشروعة، ومن ثم يعترف بها القانون ويكفل لها حمايته .
وليس من عناصر فكرة الضرر أن يحل بشخص معين، فالناس سواء من حيث جدارتهم بالحماية إزاء أضرار التزوير . وتطبيقاً لذلك، فإنه إذا إستهدف المتهم أن ينال الضرر شخصاً معيناً، فنال شخصاً آخر قام التزوير على الرغم من ذلك، بل يقوم التزوير ولو حقق للمجني عليه کسباً . ولا تقتضي فكرة الضرر أن يمثل جسامة معينة، فأقل الأضرار جسامة يقوم به التزوير .
انتفاء الضرر :
إذا ثبت انتفاء الضرر انتفى التزوير حتماً. وحالات انتفاء الضرر لا تدخل تحت حصر، ونعرض فيما يلي أهم هذه الحالات :
لما كانت المصلحة أو الحق الذي يهدره التزوير يقرره القانون لشخص، ويقابله بالضرورة التزام مفروض على شخص، فإنه إذا لم يوجد شخص يقرر له القانون الحق وآخر يفرض عليه الالتزام، فلا وجود للمجال الذي يمكن أن يتحقق فيه الضرر : وتطبيقاً لذلك، فإنه إذا إصطنع شخص محرراً يدعى فيه لنفسه أو لغيره حقاً في ذمة شخص خيالي ليس له وجود حقيقي ووضع عليه إمضاء نسبة إلى هذا الشخص فهو غير مسئول عن تزوير، لأن المحرر مجرد من القيمة القانونية، ولا وجود لمصلحة أو حق يمسهما . ويمكن أن نستخلص من ذلك قاعدة عامة مؤداها أنه إذا عرض للمحرر سبب يفقده تماماً قيمته القانونية، وينفي عنه في صورة قاطعة أن يكون مقرراً لحق أو سنداً لحماية مصلحة، فإن العبث الذي يمتد إليه يستحيل أن ينشأ عنه ضرر، لأنه لا يتصور أن يكون من شأنه المساس بحق أو مصلحة . ومن تطبيقات هذه القاعدة أنه إذا كان التزوير ظاهراً مفضوحاً بحيث لا يمكن أن يخدع به أحد فلا يتصور أن يقوم به ضرر .
وينتفى الضرر كذلك إذا إستهداف المتهم بالتزوير إنشاء سند الإثبات مرکز قانونی حقیقی، بشرط أن يكون الحق المتولد من هذا المركز ثابتاً وقت الفعل على نحو قاطع خالياً من النزاع ومستحق الأداء، إذ لن يترتب على إنشاء هذا السند تغيير في المراكز القانونية القائمة وقت ارتكاب الفعل، ولن يضار بذلك أحد . وتطبيقاً لذلك، فإنه إذا أوفي المدين بدينه كاملاً ولم يحصل على مخالصة تثبت هذا الوفاء، فإصطنع وارثه مخالصة تثبت الوفاء ووضع عليها إمضاء مزوراً نسبه إلى دائنه السابق، فلا تقوم بفعله جريمة التزوير، إذ قد إنقضى حق الدائن، ولم يعد ثمة مجال للقول بمساس بحق أو مصلحة له على نحو يقوم به الضرر .
وقت تقدير الضرر : تطبق على جريمة التزوير القاعدة العامة القاضية بأن العبرة في تحديد ما إذا كانت أركان الجريمة متوافرة أم غير متوافرة هي بوقت ارتكاب الفعل . ولما كان الضرر أحد أركان التزوير، كان الوقت المتعين الاعتداد به لتقديره هو ((لحظة تغيير الحقيقة))، وكان متعیناً تبعاً لذلك صرف النظر عن أي وقت آخر : فإذا كان الضرر في ذلك الوقت محتملاً قام بذلك التزوير، ولا عبرة بأنه قد صار مستحيل التحقق بعد ذلك، والأسباب التي تجعل الضرر مستحيلاً إما أن تكون خارجة عن إرادة الجاني فلا يمكن أن يكون لها أثر في محو جريمته . وإما أن يكون الجاني نفسه هو الذي أراد أن يتلافى الأمر ويحول دون وقوع الضرر أو يصلح ما أفسده بسابق فعله . والمتفق عليه في هذه الصورة أن فعل الجاني اللاحق لا يمكن أن يمحو سابق جرمه، وتطبيقاً لهذه القاعدة فإن تزوير سند الدين بتغيير تاريخ استحقاقه يعاقب عليه ولو سدد الدين بعد ذلك ؛ وتزوير مخالصة يعاقب عليه ولو أوفي المدين بدينه أو سقط بالتقادم قبل أن ترفع في شأنه الدعوى ؛ وتزوير إمضاء شخص في شكوي يعاقب عليه ولو وافق بعد ذلك صاحب الإمضاء على كل ما تضمنته هذه الشكوي، و انتحال المتهم إسم شخص آخر في محضر تحقيق يقوم به التزوير ولو عدل عن الانتحال وذكر إسمه الحقيقي قبل أن ينتهي التحقيق .
أنواع الضرر :
الضرر أنواع عديدة، ويسوى القانون بينها: فلا فرق بین ضرر مادی وضرر معنوی، أو بين ضرر حال وضرر محتمل، أو بين ضرر فردی وضرر اجتماعی .
الضرر المادي : يمس الضرر المادي عناصر الذمة المالية فيترتب عليه الإنقاص من عناصرها الإيجابية، أو الزيادة في عناصرها السلبية، وهو أوضح أنواع الضرر . وأهم تطبيقاته إصطناع سند دین، أو مخالصة من دين ينسبها مدين إلى دائنه زوراً، أو اصطناع عقد بيع أو هبة أو إيجار ونسبته إلى مالك عقار خلافاً للحقيقة . وأي قدر من الضرر المادي - ولو كان ضئيلاً - يكفى لقيام التزوير : فمن أضاف إلى سند دین مدنی عبارة الإذن أو لحامله يرتكب تزويراً، إذ تؤدي هذه الإضافة إلى تحول السند المدني إلى سند إذني أو سند لحامله، ومن شأن ذلك أن تتغير الأحكام القانونية التي يخضع لها، بحيث يصير الدين أكثر عبئاً على المدين، وفي ذلك ما يحقق الضرر المادي الذي يقوم به التزوير ويعد تزویراً كذلك أن يضيف المتهم إلى سند شرطاً يجعله مستحق الوفاء في مكان غير المكان المتفق عليه .
الضرر المعنوي :
يمس الضرر المعنوي الشرف والإعتبار، أي ينال من المكانة الإجتماعية للمزور عليه فيهبط بها، وأي قدر من المساس بهذه المكانة يكفي لتحقق التزوير ومن تطبيقات الضرر المعنوي أن يصطنع شخص محرراً ينسبه إلى شخص ويضمنه اعترافه بارتكاب جريمة أو اقتراف فعل مخل بالأخلاق أو مزر بالكرامة، بل إن الضرر المعنوي يعد متحققاً إذا نسب المتهم إلى غيره خلافاً للحقيقة واقعة تمس حالته الشخصية وإن لم تتضمن إخلالاً بالأخلاق، بالنظر إلى الإرتباط الوثيق بين عناصر الحالة الشخصية والمكانة التي لشخص في المجتمع : فيعد مزوراً من يصطنع محرراً ينسب فيه زوراً إلى رجل أو امرأة قبول الزواج من شخص معين، أو إنهاء العلاقة التي تربطه بزوجه، ويعد مزوراً من يتسمى بإسم غيره في محضر تحقيق جنائي، ومن يضع إمضاء شخص على شكوى بدون إذنه ويتحقق الضرر المعنوي إذا كان من شأن التزوير الإساءة إلى ذكرى شخص میت .
الضرر الاحتمالي : الضرر الاحتمالي هو ضرر لم يتحقق فعلاً، ولكن تحققه منتظر وفق السير العادي للأمور . ففعل المتهم لم يحدث ضرراً حالاً، ولكنه ينطوي على خطر إحداث الضرر، والمرجع إلى تفكير الشخص المعتاد وما إذا كان تحقق الضرر يبدو في تقديره متفقاً مع السير الطبيعي للأمور والدليل على كفاية الضرر الاحتمالي لقيام التزوير مستمد من خطة الشارع في التمييز بين التزوير واستعمال المحرر المزور، فكل منهما جريمة مستقلة عن الأخرى . ولما كان الضرر الفعلي مرتبطاً باستعمال المحرر، فإن معنى ذلك أن جريمة التزوير تكتمل أركانها ولو لم يترتب ضرر فعلی، إكتفاء بالضرر الذي يحتمل أن يترتب عليها إن إستعملت فيما بعد .
ويستخلص إحتمال الضرر من إحتمال استعمال ضار للمحرر المزور، إذ يكفي إحتمال ضرر الاستعمال لكي يوصف التزوير بأنه ضار . وتطبيقاً لذلك، فإنه لا يحول دون توافر الضرر في التزوير أن يكون تحقق الضرر من الاستعمال متوقفاً على ظروف خارجة عن إرادة المزور : مثال ذلك تزوير سند على ناقص الأهلية، إذ تحقق الضرر متوقف على عدم احتجاجه بنقص أهليته وإذا زور شخص سنداً خالقاً به إلتزاماً على آخر لمصلحة ثالث كان مسئولاً عن تزوير ولو لم يتمسك بالسند من اصطنع باسمه، إذ أن عدم تمسكه به « هو أمر خارج عن فعل التزوير الذي تم من جهة المزور ولزمته تبعته ولا يحول دون العقاب على التزوير إتلاف المحرر المزور، أو التنازل البات عن الإحتجاج به وصيرورة الضرر الفعلي غير متصور، إذ يكفي أنه كان محتملاً وقت ارتكاب التزوير . ومن تطبيقات الضرر الاحتمالي تزویر سند للوصول إلى حق ثابت .
تزویر سند من أجل الوصول إلى حق ثابت : أثار هذه التزوير جدلاً فقهياً : وصورته أن يكون الشخص حق في ذمة آخر، ولكنه لا يجوز السند الذي يتيح له إثباته، فيصطنع ذلك السند . ويلاحظ أن هذا الشخص كان يستطيع – دون حاجة إلى التزوير - أن يصل إلى حقه قضاء، ولكن ذلك كان يقتضيه سلوك طرق إثبات عسيرة وتحمل مخاطر العجز عن إقناع القضاء بحقه .
قد يقال نفياً للتزوير إنه لم ينل المدين ضرر، فالإلتزام ثابت في ذمته ولم يترتب على فعل دائنه تكليفه بشيء لم يكن مكلفاً به قانوناً، وليست له مصلحة مشروعة في التهرب من التزامه .
ولكن الرأي الراجح هو قيام التزوير لاحتمال الضرر : فإصطناع السند يجرد المدين من حصانة موضوعية وإجرائية تقررها له قواعد الإثبات، ومن حقه أن يظل متمتعاً بها، فلا يحرم منها فيلزم بالدين عن غير الطريق الذي رسمه القانون. ويعني ذلك أن هذه الحصانة تمثل حقاً أهدره الاصطناع على نحو يتحقق به الضرر ؛ وبالإضافة إلى ذلك فإن نشاط المتهم قد رتب ضرراً إجتماعياً، تمثل في الإحتيال على القانون، وخداع القضاء بالوصول إلى الحق عن غير الطريق الذي رسمه القانون . وتصير الأمور أكثر وضوحاً إذا كان الحق متنازعاً فيه، أو غير واجب الأداء فوراً، أو كان المدين قد أفلس، فإصطنع الدائن المحرر الذي يصيره به غير متنازع فيه أو مستحق الأداء في الحال : فثمة ضرر محقق لا شك فيه .
الضرر الاجتماعي : الضرر الاجتماعي هو ما استحالت نسبة أذاه إلى شخص أو أشخاص معينين، لأنه قد إمتد إلى المجتمع في مجموعه : فهو ضرر أصاب المصالح المادية أو المعنوية للدولة بإعتبارها تمثل المجتمع وهو نوعان : مادی و معنوی ومن أهم تطبيقات الضرر الاجتماعي المادي تزوير محرر يستهدف التخلص من ضريبة أو رسم أو غرامة، أو يستهدف إنشاء سند للإستيلاء على مال للدولة، أو إنشاء دين في ذمتها، أو ستر غش من شأنه الإضرار بمصالحها .
أما الضرر الاجتماعي المعنوي فتتصور له تطبيقات عديدة . ولكن أهم هذه التطبيقات يتمثل فيما استقر عليه الفقه والقضاء من اعتبار كل تغيير للحقيقة في محرر رسمي منتجاً بذاته ضرراً إجتماعياً متمثلاً في الإقلال من الثقة التي يجب أن يحظى بها هذا النوع من المحررات : فالأصل في المحررات الرسمية أن تكون موضع ثقة مطلقة وأن تكون جميع بياناتها صادقة، وبغير هذه الثقة تعجز الدولة عن أداء وظائفها وينال المجتمع من جراء ذلك ضرر جسيم، فثمة ثقة مفترضة يهدرها أي عبث ولو كان قليلاً، وهذا الإهدار يلحق بالمجتمع ضرراً في جميع الأحوال، وإن تجرد هذا الضرر من الصبغة المادية فهو معنى على كل حال .
وأهمية هذا المبدأ هي إعفاء قاضي الموضوع - حين يدين المتهم بالتزوير في محرر رسمى - من إثبات تحقق ضرر نال فرداً أو أفراد، أو نال الدولة في مصالحها المادية، مكتفياً بالتثبت من العبث في بيانات المحرر والقول - دون بحث خاص - بتحقق الضرر الإجتماعي المعنوي المتمثل في الإقلال من الثقة في هذه المحررات .
ضابط الضرر :
وجه الحاجة إلى ضابط للضرر : اتضح فيما تقدم أن للضرر مدلولاً متسعاً، وأن الشارع قد سوى بين أنواعه، وإعتد بالضرر المحتمل، فلو ترك الضرر بغير ضابط، لاقتضى ذلك أن يكون الفصل في توافره لمحض تقدير قاضي الموضوع، ولترتب على ذلك الاتساع في نطاقه على نحو قد لا تقتضيه - المصلحة العامة ولذلك اجتهد بعض الفقهاء في صياغة ضابط للضرر يحكم فكرته ويهتدي به القضاء .
مذهب القضاء المصري : يتعين في استقراء مذهب القضاء المصرى التفرقة بين المحررات الرسمية والمحررات العرفية .
المحررات الرسمية : تبنى القضاء المصري منذ البداية « نظرية جارو » في شأن هذه المحررات، بل وتطرف في فهمها، وبالغ في النتائج المستخلصة منها، فتطلب للعقاب على التزوير أن يكون موضوعه بياناً أعد المحرر منذ البداية لإثباته فيه، أي كان الغرض من تدوين المحرر أن يكون حجة على صدق ما تضمنه، فإن لم يكن كذلك فإن تغيير الحقيقة فيه لا يقوم به التزوير وتطبيقاً لذلك قضى بأنه إذا ادعت إمرأة بأنها بكر وتزوجت حالة كونها متزوجة وفي عصمة زوجها فهذا الفعل - لا يعاقب عليه ولا يعد تزويراً في عقد الزواج، لأن ذلك العقد الذي قالت فيه إنها بكر لم يكن من شأنه إثبات حالة بكارتها، بل من شأنه إثبات أنها قبلت الزواج ممن عقدت عليه وأنه قبل أن يتزوجها، وهذا القبول المتبادل حصل حقيقة منهما، فيكون العقد إذن صحيحاً بذاته لا تزوير فيه، ومن ثم فإن القول بأنها غير متزوجة هو كذب لا عقاب عليه وقضى كذلك بأن إثبات سن الزوجين أو أحدهما على غير الحقيقة لإخفاء المانع النظامی المستمد من صغر السن لا يعتبر تزویراً، لأن عقد الزواج لم يعد لإثبات السن، إذ المحرر المعد لذلك هو شهادة الميلاد وقضى بأن إثبات بيانات كاذبة في دفتر المواليد كنسبة طفل إلى غير أمه لا يعد تزويراً، لأن تلك الدفاتر أعدت لإثبات بيانات معينة طبقاً لما يرد على لسان من يبلغها وبصرف النظر عما إذا كانت صحيحة أو كاذبة، فإذا أثبت الموظف المختص هذه البيانات كما أمليت عليه كان معنى ذلك إنتفاء التزوير .
ولكن القضاء عدل بعد ذلك عن هذا التشدد في تحديد ضابط الضرر، فتحلل من اشتراط أن يكون موضوع تغيير الحقيقة بياناً أعد المحرر لإثباته فيه، وصرح بأن التزوير المعاقب عليه « هو التزوير الذي يقع في محرر يمكن أن يوجد عند من يقدم إليه عقيدة مخالفة للحقيقة » وأضاف إلى ذلك أن « القانون لا يشترط أن يكون المحرر قد أعد من وقت تحريره لأن يتخذ سنداً أو حجة بالمعنى القانونى »، وأن التزوير يقوم « مهما يكن مدى حجية المحرر في الإثبات » وقد خلصت محكمة النقض بذلك إلى نتائج تختلف عن تلك التي قالت بها طبقاً لمذهبها القديم : فاعتبرت التزوير متحققاً بإثبات بلوغ أحد الزوجين - على خلاف الحقيقة – السن التي يحددها القانون أو تجاوزها، إذ من شأن ذلك جعل القاضي يجيز سماع الدعوى الناشئة عن عقد الزواج واعتبرت تغيير الحقيقة في إسمي والدي الطفل أو أحدهما تزویراً، كما اعتبرت التزوير متحققاً بتغيير الحقيقة في البيان الخاص بتاریخ وفاة المورث في الإعلام الشرعي، واعتبرته متحققاً كذلك بتغيير الحقيقة في تاريخ المحرر الرسمي، وبتغيير الحقيقة في إثبات خلو أحد الزوجين من الموانع الشرعية فكل عبث يرمي إلى إثبات غير الحقيقة في هذا الصدد يعتبر تزویراً .
نظرية البيانات الجوهرية : يستخلص من دراسة قضاء محكمة النقض أنها تعتمد على فكرة البيانات الجوهرية لتحديد البيان الذي يصلح موضوعاً للتزوير : ففي أغلب أحكامها عللت قيام التزوير بأن موضوع تغيير الحقيقة كان أحد البيانات الجوهرية للمحرر، فسن الزوجين بيان جوهري في عقد الزواج، وتاريخ وفاة المورث في الإعلام الشرعى بیان جوهري، وتاريخ المحرر الرسمي هو أحد بياناته الجوهرية، وخلو الزوجة من الموانع الشرعية هو بيان جوهري في عقد الزواج، وقد وضعت المحكمة مبدأ عاماً قررت فيه أنه لا يكفي للعقاب أن يكون الشخص قد قرر غير الحقيقة في المحرر، بل يجب أن يكون الكذب قد وقع في جزء من أجزاء المحرر الجوهرية التي من أجلها أعد المحرر لإثباته . وفي بعض أحكامها عللت البراءة من التزوير بأن تغيير الحقيقة قد وقع في بيان غير جوهري من بيانات المحرر : فإثبات حالة المطلقة في إشهاد الطلاق من حيث الدخول بها أو عدم الدخول هو بيان غير جوهري إذ هو غير لازم في الإشهاد لأن الطلاق يصح شرعاً بدونه "، والقول عن الزوجة إنها بكر لم يسبق لها الزواج بدلاً من إثبات الحقيقة من أنها مطلقة طلاقاً يحل به العقد الجديد، هذا التغيير لا يقوم به التزوير، لأن إثبات حالة الزوجة من هذه الوجهة لا يعد بياناً جوهرياً من بيانات عقد الزواج .
وقد عرفت محكمة النقض البيان الجوهرى بأنه كل بيان يكون إثباته في المحرر « لازماً لإستكمال شكله القانوني »، أو هو في تعبير آخر « كل بيان واجب الإدراج في المحرر حتى يكون له الشكل الذي تحدده القوانين واللوائح » . ولا يحول دون إعتبار البيان جوهرياً أن يثبت أنه ليس الغرض من تدوين المحرر أن يكون دليل إثباته، أو يثبت أن ورود هذا البيان في المحرر لا يعني حتماً أنه بيان صحیح .
تطبيق ضابط الضرر على انتحال المتهم شخصية غيره في محضر تحقيق جنائي : قد يلجأ المتهم - في سبيل التهرب من التهمة – إلى إخفاء شخصيته، فيستعين على ذلك بانتحاله شخصية غيره : وقد يكون الغير شخصاً معروفاً له فيحاول عن طريق هذا الإنتحال أن يلصق التهمة به، وقد يكون شخصاً خيالياً - أي لا وجود له في بيئة المتهم - فيكون هدفه بالانتحال مجرد تضليل سلطات التحقيق، فهل يعد انتحال الشخصية في هذه الظروف تزويراً .
يبدو أنه يتعين الرد على هذا التساؤل بالإيجاب : ذلك أن انتحال المتهم شخصية غيره هو صورة لتزوير معنوي عن طريق جعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة، وهو تزوير في محرر رسمى، هو محضر التحقيق . ولكن يثير الشك في صواب هذه الإجابة أن محضر التحقيق لم يعد لإثبات شخصية المتهم، وإنما أعد لتلقى أسئلة المحقق وإجابات المتهم كما تصدر عنه، ومحضر التحقيق من هذه الوجهة لم يدخل عليه تحريف، فقد تضمن أسئلة المحقق وإجابات المتهم كما صدرت عنهما ولكن يرد على ذلك، بأنه إذا كان محضر التحقيق لم يعد لإثبات شخصية المتهم، فهو لم يعد لإثبات إجابة أي شخص، وإنما أعد لإثبات إجابة شخص بعينه، هو المتهم الذي يستجوبه المحقق، ومن ثم فإنتحاله شخصية غيره هو تزویر باعتباره ينطوي على نسبة الإجابات إلى شخص غير من صدرت عنه، أي ينطوي على تغيير للحقيقة في هذا الخصوص وبالإضافة إلى ذلك، فإن القول بأن المحضر لم يعد لإثبات شخصية المتهم مرفوض، ذلك أن ضابط الضرر لا يقتضي أن يكون المحرر قد أعد منذ تحريره لإثبات البيان الذي غيرت فيه الحقيقة، وإنما يكفي أن يكون صالحاً لتوليد عقيدة مخالفة للحقيقة لدى الإطلاع عليه، وهو ما يتحقق حينما يتصور المطلع على المحضر أن الإجابة صادرة عن شخص غير من صدرت عنه .
والذي يمكن استخلاصه مما تقدم أن انتحال المتهم شخصية غيره هو تغيير للحقيقة بإحدى طرق التزوير المعنوي التي نص القانون عليها، والضرر - وفقاً لضابطه - لا شك فيه، على الأقل في صورته الإحتمالية ؛ بل إنه يتعين اعتباره ضرراً اجتماعياً معنوياً، بالنظر إلى أن موضوعه محرر رسمى . ومؤدى ذلك اعتبار فعل المتهم تزویراً . ولكن ثمة قاعدة أساسية تحد من إطلاق هذه النتيجة : هذه القاعدة هي حرية المتهم فيما يقوله دفعاً للاتهام عن نفسه، ولو كان سبيله إلى ذلك هو إخفاء شخصيته الحقيقية ؛ ويحرص المجتمع على كفالة احترام هذه القاعدة لأنها ضمان لموضوعية التحقيق وكفالة لحق الدفاع في مواجهة الاتهام . وعلى هذا النحو يبرز الوجه الحقيقي للمشكلة : إذ كيف السبيل إلى التوفيق بين الأصل في إعتبار فعل المتهم تزویراً من ناحية، ووجوب نفي التزوير عن فعله إحتراماً لحقه في الدفاع عن نفسه من ناحية ثانية .
استقر القضاء على حل وسط، مضمونه أنه إذا انتحل المتهم شخصية خيالية لا وجود لها في بيئته، فلا تزوير في فعله، إذ يحميه حقه في الدفاع، وينزل المجتمع عن الضرر المعنوي الإجتماعي في سبيل كفالة هذا الحق أما إذا إنتحل شخصية حقيقية لكي يستتر وراء صاحبها فيوقعه في الاتهام بدلاً منه، اعتبر فعله تزویراً، فثمة ضرر أصاب شخصاً، وليست للمجتمع صفة في النزول عنه، وحق المتهم في الدفاع ينتهي حيث يبدأ المجال الذي يمكن أن ينال فيه الضرر شخصاً، ولو كان ضرراً إحتمالياً .
الضرر والمحررات الباطلة :
وضع المشكلة : إذا ثبت تزوير المحرر فذلك بذاته سبب لبطلانه، ومن ثم ساغ القول بأن كل محرر مزور هو محرر باطل، ولكن ليست هذه هي المشكلة محل البحث، وإنما الفرض أن المحرر (أو في عبارة أدق : العمل القانوني الذي يثبته المحرر) باطل لسبب مستقل عن تزويره، ثم أدخل عليه تغيير الحقيقة، فيثور التساؤل عما إذا كان التزوير يقوم بهذا التغيير . وفي عبارة أخرى : هل يعتبر بطلان المحرر استقلالاً عن تزويره حائلاً دون قيام التزوير ؟ مثال ذلك محرر رسمی باطل لأنه لم يحرره الموظف المختص بذلك، أو لأنه أغفلت في تحريره الإجراءات التي يتطلبها القانون لصحته، أو لعدم تضمنه جميع البيانات الجوهرية التي يشترطها القانون؛ وقد يكون بطلان المحرر الرسمي لاحقاً على تحريره، كما لو أغفل وضع توقيع ذوى الشأن أو توقيع الموظف المختص عليه، أو أغفل وضع خاتم السلطة التي صدر عنها، وقد يعرض البطلان للمحرر العرفي، كما لو صدر عن قاصر - أو غير ذي أهلية كاملة بصفة عامة - أو شاب العمل القانوني الذي يثبته أحد عيوب الرضاء .
وإن جوهر المشكلة هو التساؤل عما إذا كان من شأن البطلان نفی الضرر مما يعني نفي أحد أركان التزوير، أي أن حسم المشكلة إنما يكون على أساس ما بين البطلان واحتمال الضرر من صلة .
الصلة بين البطلان والضرر : الرأي الصحيح هو الذي يقوم على الربط بين بطلان المحرر والضرر کركن في التزوير : فيقوم التزوير حيث لا يحول البطلان دون ترتيب الضرر، وينتفي التزوير حيث يحول البطلان دون الضرر . ولا يقتصر نطاق الضرر على الضرر الفعلي، وإنما يتعداه إلى الضرر المحتمل : فحيث يحتمل أن يترتب على المحرر الباطل ضرر تتوافر أركان التزوير، أما حيث ينتفي هذا الاحتمال فلا تتوافر هذه الأركان. وقد أقر القضاء هذا الرأي، فقد قرر أن « التزوير في الأوراق الرسمية يعاقب عليه ولو كان حاصلاً في محرر باطل شكلاً لإحتمال حصول الضرر منه للغير أو للجميع إذ أن المحرر الباطل وإن جرده القانون من كل أثر فإنه قد تتعلق به ثقة الغير ممن لا يتضح أمامهم ما يشوبه من عيوب ويصح أن يخدع فيه كثير من الناس الذين يفوتهم ملاحظة ما فيه من نقص . وهذا وحده كاف لتوقع حصول الضرر بالغير بسبب هذا المحرر » وتطبيقاً لذلك، قضى بأن تزوير إيصال نسب صدوره إلى قاصر يعاقب عليه لإحتمال الضرر وقضى بأن بطلان المحرر لعدم إختصاص من نسب إليه تحريره لا يحول دون العقاب على تزويره .
وطبقاً لهذا الرأي يقوم التزوير في أغلب حالات تغيير الحقيقة في المحررات الباطلة، إذ من شأن هذا التغيير أن يحدث ضرراً في صورته الاحتمالية على الأقل ويفسر إحتمال الضرر بأمرين : أولهما، خفاء سبب البطلان على الشخص المعتاد؛ وثانيهما، الحاجة إلى إتخاذ إجراءات قضائية لإقامة الدليل على البطلان ويقتضي ذلك أن نسلم بالوجه المقابل لهذه القاعدة، ونجمله على النحو التالي : إذا استحال نشوء الضرر بالنظر إلى وضوح سبب البطلان إلى الحد الذي يجعل في استطاعة أقل الناس ذكاء وخبرة أن يكتشفه، ويجعل تقريره مسلماً وفي غير حاجة إلى إجراءات قضائية تثبته، فإن تغيير الحقيقة لا يقوم به التزوير وليس مرجع ذلك إلى البطلان في ذاته، ولكن مرجعه إلى ما يترتب على البطلان من تأثير على الضرر .
ونضيف إلى القاعدة السابقة قاعدة أخرى مضمونها أنه إذا كان سبب البطلان لاحقاً على تغيير الحقيقة سئل المتهم عن تزوير،، ولو كان من شأن البطلان إستحالة نشوء الضرر، طالما كان محتملاً وقت تغيير الحقيقة . وتفسير ذلك أن القول بتوافر أركان الجريمة أو عدم توافرها، إنما يكون بالنظر إلى وقت ارتكاب الفعل الإجرامي : فإذا ثبت أن الضرر كان محتملاً في هذا الوقت توافرت أركان التزوير، ولو طرأ في وقت لاحق سبب يلحق البطلان بالمحرر، ويجعل نشوء الضرر مستحيلاً .
القصد الجنائي :
تمهيد : جرائم التزوير في المحررات جرائم عمدية، ومن ثم يتخذ ركنها المعنوى صورة القصد الجنائي . وهذا القصد خاص يفترض أن أولاً : توافر القصد العام الذي يقوم بعلم المتهم بأركان جريمته، واتجاه إرادته إلى الفعل المكون لها ونتيجته ؛ ويفترض ثانياً : « نية » يقوم بها القصد الخاص في التزوير .
تعريف القصد الجنائي في التزوير : القصد الجنائي في التزوير هو « تعمد تغيير الحقيقة في محرر تغييراً من شأنه أن يسبب ضرراً، وبنية استعمال المحرر فيما غيرت من أجله الحقيقة ». وقد رجح هذا التعريف في الفقه والقضاء .
القصد العام في التزوير : يتطلب القصد العام في المقام الأول علماً محيطاً بتوافر جميع أركان التزوير، فيجب أن يعلم المتهم أنه يغير الحقيقة، وأن فعله ينصب على محرر، وأنه يرتكب عن طريق إحدى الطرق التي حددها القانون، وأنه يترتب عليه ضرر حال أو احتمالی .
فيجب أن يعلم المتهم أن يغير الحقيقة بفعله، ويقتضي ذلك أن يعلم بالحقيقة وأن يدرك أن فعله ينتج أثراً مناقضاً لها . ويعني ذلك أن مجرد جهل المتهم بالحقيقة غير كاف لاعتبار القصد متوافراً لديه: فالموظف العام الذي يثبت في محرر ما يمليه عليه ذوو الشأن، وهو جاهل ما تتضمنه أقوالهم من مخالفة للحقيقة لا يعد القصد متوافراً لديه، ومثال ذلك المأذون الذي يثبت انتفاء موانع الزواج في حين أنه قد توافر أحدها ؛ أو يثبت للزوج شخصية غير شخصيته الحقيقية غير عالم بذلك . ولا يقوم الإهمال - وإن كان جسيماً – في تحري الحقيقة مقام العلم الفعلي بها، فلا يكفي لإثبات القصد القول بأن المتهم كان في إمكانه تجنب ذكر ما ينافي الحقيقة : وتطبيقاً لذلك فإن الموثق الذي يثبت لمتعاقد - وفقاً لأقواله - شخصية غير شخصيته جاهلاً مخالفة ذلك للحقيقة، لا يسأل عن تزوير، ولو أخل بالواجب المفروض عليه بالتحقق من شخصية المتعاقدين .
وقد يكون للحقيقة طابع قانونی، فيكون العلم بها مفترضاً العلم بقاعدة قانونية، بحيث لو جهل المتهم هذه القاعدة فقد جهل الحقيقة وصار يعتقد أن فعله لا ينطوي على تغييرها : فقد يجهل الزوجان أو شهود الزواج قواعد الشريعة الإسلامية التي تحرم زواج الأخت من الرضاع أو تحرم الجمع بين المرأة وخالتها أو بين المرأة وعمتها .. فيقررون تبعاً لذلك انتفاء موانع الزواج، والحقيقة هي توافر مانع يجهلونه : في هذه الحالات يعد القصد منتفياً .
ويتطلب القصد الجنائي العلم بأن تغيير الحقيقة ينصب على محرر، ويرتكب عن طريق إحدى الوسائل التي حصرها القانون وهذا النوع من العلم لا يثير صعوبات : فالعلم بأن تغيير الحقيقة ينصب على محرر تفترضه طبيعة الأشياء، ويتلازم وتوافر التمييز لدى المتهم والعلم بأن الفعل يرتكب عن طريق إحدى الطرق التي حصرها القانون هو علم تفترضه القواعد العامة في القصد، إذ هو علم بنطاق النهي الذي يتضمنه قانون العقوبات، ذلك أن الشارع لا يجرم تغيير الحقيقة إلا إذا كان عن طريق إحدى هذه الطرق، والعلم بقواعد التجريم مفترض على نحو لا يقبل إثبات العكس .
ويتطلب القصد الجنائي العلم بأن من شأن تغيير الحقيقة « إحداث ضرر بالغير، سواء أكان الضرر حالاً أم محتمل الوقوع »ومن ذلك يتضح أن القانون لا يتطلب علم المتهم بالضرر الذي ترتب فعلاً على تغيير الحقيقة، ولا يتطلب علمه بأن تغيير الحقيقة لابد أن يؤدي إلى حدوث ضرر، ولكنه يكتفي بالعلم بالضرر الاحتمالي . وقد يكون الضرر الذي تحقق غیر الضرر الذي توقعه المتهم، وقد لا يتحقق الضرر الذي كان محتملاً وقت تغيير الحقيقة، وقد لا يتحقق ضرر على الإطلاق، ولكن ذلك لا يحول دون توافر القصد طالما أنه قد ثبت العلم بالضرر الذي كان محتملاً أن يترتب على تغيير الحقيقة .
ويتطلب القصد العام إتجاه إرادة المتهم إلى الفعل المكون للجريمة والنتيجة المترتبة عليه، أي إلى فعل تغيير الحقيقة وإلى أثره المتمثل في اشتمال المحرر على بيانات مخالفة للحقيقة : فمن يريد وضع بيان في محرر ويكون ظهوره عليه غير متضمن تغييراً للحقيقة، ولكنه يضعه خطأ فى محرر آخر يعد اشتماله عليه مشوهاً للحقيقة فيه لا يعد القصد متوافراً لديه، لأن إرادته لم تتجه إلى أن يتضمن المحرر الثاني بياناً مخالفاً للحقيقة ومن تدس علیه ورقة تتضمن بيانات يعلم أنها مخالفة للحقيقة، فيوقع عليها دون أن يقرأها، معتقداً أنها ورقة أخرى لا يتوافر لديه القصد .
القصد الخاص في التزوير : النية التي يقوم بها القصد الخاص في التزوير هي « نية استعمال المحرر المزور فيما زور من أجله »، وفي تعبير آخر « نية استعمال المحرر المزور في الغرض أو الأغراض التي أعد لها »، وهذه الأغراض تتنوع وتختلف من حالة إلى أخرى إختلافاً كبيراً، فليس في الاستطاعة حصرها، وأن أمكن ردها إلى فكرة تحقيق مصلحة للمتهم أو لغيره .
ومن ذلك يتضح أن العلاقة وثيقة في نفسية المتهم بين تزوير المحرر واستعماله مزوراً : فهدفه لا يتحقق بمجرد التزوير، بل لابد لذلك من فعل تال هو إستعمال المحرر بعد تزويره، ولا يعدو التزوير في ذاته أن يكون مرحلة تحضيرية لإدراك هذا الهدف من أجل ذلك أقام القانون علاقة وثيقة بين التزوير والاستعمال، وقدر أن التزوير لا يكون خطراً على المجتمع إلا إذا ارتكب بنية إستعمال المحرر بعد تزويره وهذه العلاقة نفسية ولا تعتمد على علاقة مادية تقابلها بين التزوير والاستعمال : فليس إستعمال المحرر ركناً في التزوير، إذ الشارع قد فصل بين الجريمتين . ولكن نية إستعمال المحرر المزور هي أحد عناصر التزوير، وقد تتوافر هذه النية على الرغم من أن المحرر قد لا يستعمل .
وإذا انتفت نية استعمال المحرر المزور فيما زور من أجله فقد انتفى القصد الخاص . وتنتفي هذه النية إذا اتجهت نية المتهم إلى غاية لا يتطلب تحقيقها إستعمال المحرر المزور، أي غاية تتحقق بمجرد التزوير : مثال ذلك أن يريد المتهم باصطناع كمبيالة مزورة توضيح الشكل الذي يتطلبه القانون في الكمبيالات أو إثبات مهارته في التقليد أو مجرد المزاح، والفرض أن نيته منصرفة عن الإحتجاج بالكمبيالة المزورة على من زورت عليه .
وإستخلاص هذه النية من شأن قاضي الموضوع، وهو يستعين على ذلك بالقرائن التي تحيط بالفعل . ويعد تمزيق المحرر بعد تزويره وجعل إستعماله مستحيلاً من أهم هذه القرائن .
ويجب تحري القصد في ذات وقت إرتكاب فعل تغيير الحقيقة، فالتزوير شأنه شأن سائر الجرائم يخضع لقاعدة وجوب معاصرة القصد للفعل الإجرامي .
ويخضع القصد الجنائي في التزوير للقاعدة العامة التي تقرر أن الباعث ليس من عناصره، وإن كان نبيلاً فلا ينفيه، كمن يزور لتفريج ضائقة أصابت شخصاً أو لتمكين صاحب حق من الوصول إلى حقه عن طريق خلق سند إثبات لم يكن له وفي العادة يكون الباعث على التزوير هو الإثراء غير المشروع، ولكن يتصور أن يكون الإنتقام أو التخلص من إلتزام، ويتوافر القصد من باب أولى إذا أثبت المتهم ما يخالف الحقيقة مدفوعاً بالرغبة في تفادي بعض مشاق العمل أو إقتصاد الوقت : فالمحضر الذي يثبت في عريضة دعوى كلف بإعلانها أنه قد أعلنها بنفسه في حين أن شخصاً آخر هو الذي أعلنها، أو يثبت أنه سلمها إلى المعلن إليه نفسه في حين أنه سلمها إلى شخص آخر، أو يقرر أنه عاين الأشياء المحجوز عليها في حين أنه لم يفعل ذلك، والموثق الذي يثبت حضور شاهدين أثناء توثيق العقد، في حين أنه لم يحضر شهود أو حضر شاهد واحد فقط، كل أولئك يتوافر القصد لديهم .
والقصد أسهل إثباتاً في التزوير المادي منه في التزوير المعنوي .
ولما كان القصد کياناً نفسياً، فإنه يتصور توافره لدى أحد المساهمين في التزوير وإنتفاؤه لدى مساهم آخر فيه .
تعريف المحرر الرسمي : عرفت المادة 10 من قانون الإثبات المحررات الرسمية بأنها « التي يثبت فيها موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عامة ما تم على يديه أو ما تلقاه عن ذوى الشأن، وذلك طبقاً للأوضاع القانونية وفي حدود سلطته وإختصاصه » . وهذا التعريف يصدق على المحرر الرسمي في جريمة التزوير، وقد استقر القضاء على تبنيه : « فمناط رسمية الورقة هو أن يكون محررها موظفاً عاماً مكلفاً بتحريرها بحكم وظيفته وعلى موجب ما تقضى به القوانين واللوائح » ونستطيع تأصيل هذه الفكرة في قولنا : « المحرر الرسمي هو كل ورقة صادرة عن الدولة أو عن شخص معنوی عام مدونة طبقاً للأوضاع التي يحددها القانون بطريق مباشر أو غير مباشر .
عناصر فكرة المحرر الرسمي : إن أهم عناصر فكرة المحرر الرسمي هو صدوره عن الدولة أو عن شخص معنوي عام، فمصدر صفته الرسمية أنه تعبير عن إرادة الدولة في شأن تختص به، وصدوره عن الدولة یعنی صدوره عن شخص يعمل باسمها ولحسابها وله صفة تمثيلها، وهذا الشخص هو الموظف العام ولكن الدولة لا تعطى موظفاً عاماً تفويضاً مطلقاً بأن يحرر باسمها أية ورقة وفي أية صورة شاء، وإنما تحدد الكيفية وترسم الأوضاع التي ينبغي أن يدون المحرر الرسمي وفقاً لها . ومن هذه الوجهة يستخلص العنصر الثاني في فكرة المحرر الرسمى، وهو تدوینه وفقاً للأوضاع التي يحددها القانون بطريق مباشر أو غير مباشر .
يقتضي العنصر الأول أن يكون المحرر الرسمي موظف عام، ويتعين أن يكون هذا الموظف مختصاً من حيث الموضوع ومن حيث المكان : فهو ليس موظفاً، وليست له صفة إنشاء المحررات الرسمية إلا في حدود اختصاصه ويقتضى هذا العنصر أن تستبعد من نطاق المحررات الرسمية كل الأوراق التي تصدر عن الأفراد أو عن الأشخاص المعنوية الخاصة كالشركات أو الجمعيات، وذلك أيا كانت أهميتها : وتطبيقاً لذلك، فإن الأوراق التجارية ومحررات البنوك على اختلافها هي محررات عرفية . وهذا العنصر ينبغي أن يفسر تفسيراً واسعاً من ناحيتين : فمن ناحية، إذا صدر المحرر عن موظف غير مختص فكان لذلك باطلاً، ولكن سبب عدم اختصاصه هو مما تفوت على الشخص المعتاد ملاحظته، فإن ذلك لا يمس صفته الرسمية تطبيقاً للقاعدة التي سلف تفصيلها في شأن التزوير في المحررات الباطلة ومن ناحية ثانية، فإن إختصاص الموظف لا يتحدد حتماً بقانون، بل يجوز أن يكون تحديده بناء على قانون، ويتسع ذلك لتحديده بناء على لائحة أو قرار إداري، بل إن الموظف يستمد كذلك اختصاصه بتحرير الورقة الرسمية « من أوامر رؤسائه فيما لهم أن يكلفوه به كما قد يستمد المحرر رسميته من ظروف إنشائه أو من جهة مصدره أو بالنظر إلى البيانات التي تدرج به ولزوم تدخل الموظف لإثباتها أو لإقرارها أو طبقاً لمقتضيات العمل » ولا يشترط أن يصدر المحرر عن شخص يمثل الدولة باعتبارها سلطة عامة، وإنما تكفي « صفة تمثيلية أيا كانت » . وتطبيقاً لذلك، فإن القائمين على إدارة مشروع تديره الدولة وفقاً لأساليب القانون الخاص يعتبرون موظفين عامين، وما يصدر عنهم في حدود اختصاصاتهم يعتبر محررات رسمية، فالإيصالات التي تعطيها الدولة لمستأجرى أراضيها والبطاقات التي تثبت شخصية العاملين في مصنع تديره الدولة تعد محررات رسمية .
ويتطلب العنصر الثاني في فكرة المحرر الرسمي أن يكون تدوينه وفقاً للأوضاع والإجراءات التي يحددها القانون مباشرة أو في صورة غير مباشرة عن طريق هيئات فوض إليها ذلك ويعين القانون البيانات الجوهرية التي يتعين أن يتضمنها المحرر، والشكل الذي يتعين أن يفرغ فيه وهذا العنصر ينبغي كذلك التوسع في تفسيره : فإذا كان الأصل أن يثبت الموظف بنفسه جميع بيانات المحرر الرسمي بعد أن يتحقق منها وينسبها إلى نفسه على نحو تكون معه حجة على الكافة وثابتة على نحو لا يجوز معه إثبات عکسها إلا بالطعن فيها بالتزوير، إلا أن ذلك الأصل لا تقوم به قاعدة مطلقة : فقد يكون دور الموظف في تدوين الورقة الرسمية محدوداً دون أن يمس ذلك صفتها الرسمية، فقد يقتصر دور الموظف على إثبات أقوال أصحاب الشأن رواية عنهم ودون أن يقدم من جانبه أي ضمان بصحتها، فهو يثبتها كما صدرت عنهم، فيكون دوره دور الرواية فحسب . بل إن دور الموظف قد يقتصر على مجرد مراجعة البيانات التي أثبتها أصحاب الشأن والتصديق عليها "، فيكون دور الموظف دور المراجع فحسب .
وتأخذ صورة المحرر الرسمي - متى كانت مطابقة له - حكم أصل المحرر، فيعتبر تغيير الحقيقة فيها تزويراً في محرر رسمي .
نشاة المحرر الرسمي : الأصل أن ينشأ المحرر رسمياً منذ بداية تدوينه . ولكن بعض المحررات قد ينشأ عرفياً، إذ قد دونه الأفراد بصفتهم الخاصة ثم إكتسب الصفة الرسمية فيما بعد حينما تدخل الموظف العام في تحريره . وقد يقتصر تدخله على مراجعته أو التصديق عليه، وقد يمتد إلى إضافة بعض البيانات إليه أو القيام بإجراء معين في شأنه كإعلانه مثلاً . فإذا إكتسب المحرر الصفة الرسمية، فإن تغيير الحقيقة فيه يعتبر تزویراً في أوراق رسمية، سواء كان التغيير قبل أن يكتسب المحرر الصفة الرسمية أو بعد أن اكتسبها وغنى عن البيان أن تغيير الحقيقة لا يعد تزويراً فی محرر رسمي إلا إذا اكتسبت الورقة الصفة الرسمية، أما إذا لم تكتسبها فالجريمة تبقى تزويراً في محرر عرفي : فعريضة الدعوى هي ورقة عرفية حينما يحررها المدعى أو وكيله، ولكن إذا قدمت إلى المحضر فأعلنها إكتسبت بذلك صفة رسمية، « لأن العبرة هي بما تؤول إليه، وكان تغيير الحقيقة فيها تزويراً في أوراق رسمية، سواء ارتكب قبل إعلانها أو بعد إعلانها ؛ أما إذا لم تعلن فالجريمة تظل تزويراً في محرر عرفي .
استقلال الصفة الرسمية للمحرر عن قوة بياناته في الإثبات : إذا توافر للمحرر الرسمي عنصراه السابقان كانت لبياناته جميعاً الصفة الرسمية دون أن يكون ذلك متوقفاً على قوتها في الإثبات : وتأويل ذلك أن بيانات المحرر الرسمي - من حيث قوتها في الإثبات - نوعان : نوع ذو حجية « مطلقة » بحيث لا يجوز دحضه إلا عن طريق الطعن بالتزوير، ونوع ذو حجية « مقيدة » يجوز إثبات عكسه دون حاجة إلى الطعن بالتزوير والبيانات ذات الحجية المطلقة هي ما يثبته الموظف العام وينسبه إلى نفسه مقرراً أنه قد تحقق منه، أما البيانات ذات الحجية المقيدة، فهي ما يثبته الموظف رواية عن ذوى الشأن أو ما يثبتونه أنفسهم ويقتصر دور الموظف علی مراجعته وهذه التفرقة تقتصر أهميتها على قوة المحرر في الإثبات، ولكن لا شأن لها بأحكام التزوير، فتغيير الحقيقة في نوعي البيانات تزوير في محرر رسمي، مثال ذلك عقد البيع الرسمي، فقد يثبت الموظف أن المشتري قد دفع الثمن أمامه فيكون دفع الثمن واقعة ثابتة على نحو مطلق بحيث لا يجوز إثبات عكسها إلا عن طريق الطعن بالتزوير، وقد يقتصر الموظف على ذكر أن البائع قرر أمامه أنه تسلم الثمن من المشتري فتكون واقعة دفع الثمن ذات حجية مقيدة يجوز إنكارها دون حاجة إلى الطعن بالتزوير ؛ ولكن تغيير الحقيقة في الحالتين تزوير محرر رسمى . ويعد تغيير الحقيقة في عريضة الدعوى تزويراً في محرر رسمي دون تمييز بين ما إذا كان التغيير قد تعلق بالجزء الذي دونه المدعى أو تعلق بالبيانات التي أثبتها المحضر ونسبها إلى نفسه .
المحرر الرسمي المصطنع : لا يشترط لاعتبار الواقعة تزويراً في محرر رسمي أن يكون موضوع تغيير الحقيقة محرراً صدر فعلاً عن موظف عام وفقاً للأوضاع التي يقررها القانون، بل يكفي أن ينسب إليه زوراً ويخلع عليه الشكل المعتاد لنوع معين من الأوراق الرسمية . فالمحرر الرسمي المصطنع له حكم المحرر الرسمي الصحيح .
أنواع المحررات الرسمية : المحررات الرسمية أنواع أربعة : محررات سياسية كالمعاهدات والاتفاقيات الدولية والقوانين والقرارات الجمهورية ؛ ومحررات إدارية كشهادات الميلاد والوفاة وأوراق الامتحانات والشهادات الدراسية ودفاتر التوفير وإشعارات الضرائب وأوراق البريد والبرق والشهادات الإدارية أيا كانت الواقعة التي تثبتها ؛ ومحررات قضائية، ومثالها الأحكام ومحاضر الجلسات ومحاضر التحقيق وتقارير الخبراء ؛ ومحررات مدنية، ونعني بها كل عمل قانوني يفرغ في الصورة الرسمية سواء أكان ذلك تطبيقاً لنص قانونی آمر كالرهن الرسمي أو الهبة أو عقد الزواج أو قسائم الطلاق، أم كان ذلك لرغبة الأطراف في إضفاء حجية خاصة على ما صدر عنهم كعقد بيع رسمی ولا فرق بين هذه الأنواع من حيث حكم التزوير الذي قد تكون محلاً له.
الأوراق الرسمية الأجنبية : إذا توافرت للورقة عناصر المحرر الرسمي وفقاً لقانون أجنبي، فإن إعتبارها محرراً رسمياً وفقاً للقانون المصري موضع للخلاف الفقهي : فالبعض اعتبر تغيير الحقيقة فيها تزویراً في محرر رسمي لخطورة الآثار التي يمكن أن تترتب عليه وتوثق العلاقات بين الدول إلى الحد الذي يجعل أحياناً لمحرر أجنبي ذات قيمة ودور المحرر الوطني ولكنا نرى أن الفكرة الأساسية في المحرر الرسمي لا تتوافر له : فالفرض في المحرر الرسمي أنه تعبير عن إرادة الدولة في مجال تختص به، ولذلك إشترط صدوره عن شخص له صفة تمثيلها في هذا المجال، والمحرر الأجنبي تعبير عن إرادة دولة أجنبية، فهو بذلك ليس تعبيراً عن إرادة الدولة المصرية، ولذلك نرى اعتبار تغيير الحقيقة فيه تزويراً في محرر عرفي .
التزوير المادي في المحرر الرسمي الذي يرتكبه غير الموظف المختص بتحريره : نصت على هذه الجريمة المادة 212 من قانون العقوبات في قولها « كل شخص ليس من أرباب الوظائف العمومية ارتكب تزويراً مما هو مبين في المادة السابقة يعاقب بالسجن المشدد أو بالسجن مدة أكثرها عشر سنين » .
يتطلب الشارع في هذه الجريمة توافر الأركان العامة للتزوير في المحررات. ويفترض بالإضافة إلى ذلك أن المحرر الذي غيرت فيه الحقيقة محرر رسمی؛ وأن الجاني شخص غير الموظف المختص بإثبات البيانات التي غيرت فيها الحقيقة ، ويعني ذلك أنه قد لا تكون له صفة الموظف العام على الإطلاق، أو يكون موظفاً عاماً، ولكنه غير مختص بإثبات البيانات التي غيرت فيها الحقيقة وأبرز أمثلة لهذا التزوير هي حالات اصطناع الأفراد للمحررات الرسمية، أو إدخالهم التشويه عليها إذا كانت في الأصل صحيحة .
وقد قرر الشارع لهذه الجريمة عقوبة السجن المشدد أو السجن مدة لا تزيد على عشر سنوات . ( شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ محمود نجيب حسني، الطبعة السابعة 2012 دار النهضة العربية، الصفحة : 242 )
الركن المادي
عناصر الركن المادي :
يقوم الركن المادي لجريمة التزوير في المحررات على عدة عناصر: تغيير الحقيقة، وأن يكون ذلك في محرر، عن طريق استعمال وسيلة من الوسائل التي نص عليها القانون، وأخيراً أن يكون من شأن تغيير الحقيقة إحداث ضرر للغير .
المقصود بتغيير الحقيقة ليس تغيير الحقيقة الواقعية المطلقة، وإنما تغيير الحقيقة القانونية النسبية، بمعنى أن جريمة التزوير تقع إذا أثبت أن في المحرر ما يخالف إرادة صاحب الشأن الذي يعبر المحرر عن إرادته، ولو كان ذلك تعبيرا صادقا عن الواقع وتطبيقا لذلك تقع جريمة التزوير إذا حرر عقد بيع لزوجته يوم زواجه ليكون تأميناً للمهر، ثم دفع المهر وأخذ عنه مخالصة، ولكن الزوجة لم تقبل بيع الأطيان إليه ثانية، فحرر عقد بيع منها إليه . إذ يعتبر ذلك تغييراً للحقيقة، حيث نسب الزوج إلى الزوجة أمراً لا يعبر عن إرادتها .
يقتصر نطاق تغيير الحقيقة الذي تقوم به جريمة التزوير في المحررات على التغيير الذي يمس بطريق مباشر حقاً أو مركزاً قانونياً للغير فيجعله غير مطابق للواقع أما إذا كان تغيير الحقيقة لا يمس إلا مركز المتهم أو حقوقه فلا تقع به جريمة التزوير .
المحرر
تحديد معنى المحرر :
لا تقع جريمة التزوير إلا إذا وقع تغيير الحقيقة في محرر، فيخرج من هذا النطاق كل تغيير للحقيقة بالقول أو بالفعل . وإن كان يمكن أن يعتبر جريمة أخرى كشهادة الزور أو النصب أو تزييف المسكوكات .
ويقصد بالمحرر العلامات التي ينتقل بها معنى معين من شخص إلى آخر عند النظر إليها. ويستوي في العلامات أن تكون مكونة من الكلمات والحروف التي تقوم عليها اللغة أو أن تكون مجرد رموز تعبر عن معان مصطلح عليها لدى بعض الناس، كرموز الشفرة أو الاختزال. ويستوي أن يكون المحرر مكتوباً باللغة الوطنية أو بلغة أجنبية، وأن يكون مدوناً بخط اليد أو بالآلة الكاتبة أو بالطباعة، وأن يكون مدونا بالحبر أو بالحفر. كذلك لا عبرة بالمادة التي دون عليها المحرر فقد تكون من الورق أو القماش أو الجلد أو الخشب، ولكن لما كان دور المحرر في التعامل يقتضي أن يكون على قدر من الثبات والدوام حتى يمكن الرجوع إليه كلما اقتضى الأمر ذلك في خلال مدة طويلة نسبياً، فإن من مقتضى ذلك أن تكون المادة التي يدون عليها صالحة لتحقيق هذا الثبات، ويترتب على ذلك أن تنتفي صفة المحرر عن الكتابة التي تدون على الرمال، أو الجليد، أو على قطعة من الحلوى، أو على بخار متكثف على لوح من الزجاج .
طرق التزوير
حصر طرق التزوير :
حدد المشرع طرق التزوير على سبيل الحصر، فلا تقع جريمة التزوير إلا إذا توصل الجاني إلى ارتكابها بإحدى هذه الطرق، ولذلك تلتزم المحكمة عند الحكم بالإدانة، بأن تبين في حكمها الطريقة التي لجأ إليها الجاني في تغيير الحقيقة حتى يتسنى لمحكمة النقض أن تراقب صحة تطبيق القانون . فإن أغفلت المحكمة هذا البيان كان الحكم قاصر التسبيب متعين النقض .
التزوير - وفقاً للطريقة التي يتم بها - نوعان: مادی و معنوی . فالتزوير المادي هو الذي يتم بطريقة مادية تترك في مادة المحرر أثرا يمكن . إدراكه بالحواس . أما التزوير المعنوي فهو يتحقق بتغيير حقيقة معنی المحرر ومضمونه دون المساس بمادته أو شكله، ولذلك فهو لا يترك أثراً يمكن إدراكه بالحواس .
طرق التزوير المادي :
تحديد طرق التزوير المادي :
نص القانون على طرق خمس للتزوير المادي :
1- وضع إمضاءات أو أختام مزورة .
2- تغيير المحررات أو الأختام أو الإمضاءات أو زيادة كلمات .
3- وضع أسماء أو صور أشخاص آخرين مزورين .
4- التقليد .
5- الاصطناع .
أولاً : وضع إمضاءات أو أختام مزور
يقع التزوير بوضع إمضاء مزور إذا وقع الجاني على محرر بإمضاء ليس له، سواء في ذلك أن يكون الإمضاء لشخص حقیقی أو لشخص خيالي لا وجود له، وإذا كان الإمضاء لشخص حقیقی فإنه لا يشترط أن يقلد المزور الإمضاء الحقيقي للمزور عليه، فالتقليد طريقة أخرى للتزوير، وإنما يكفي الوقوع الجريمة أن يكتب إسم المزور عليه، ولو كان الأخير أمياً لا يعرف الكتابة، إذا كان من شأن ذلك الإيهام بصدور المحرر عن المزور عليه .
ثانياً : تغيير المحررات أو الأختام أو الإمضاءات أو زيادة كلمات :
يقصد بتغيير المحررات أو الأختام أو الإمضاءات كل ما يمكن إجراؤه من تغيير مادي لصلب المحرر أو للإمضاء أو للختم الموضوع عليه لتغيير معناه . وواضح من هذا التحديد أنه يدخل في نطاقه زيادة كلمات على المحرر، وكان المشرع في غنى عن ذكر عبارة «أو زيادة كلمات» إذ أن لفظ التغيير يشملها . والتغيير في هذا المعنى هو الذي يجريه الجاني بعد تمام المحرر والتوقيع عليه، أما التغيير الذي يحدث أثناء التحرير فهو تزوير معنوی .
ثالثاً : وضع أسماء أو صور أشخاص آخرين مزورة :
هذه الطريقة للتزوير المادي تثير التساؤل عن مقصود المشرع منها؟ فوضع إسم شخص آخر مزور لا يخرج عن أن يكون وضعاً لإمضاء أو ختم شخص آخر، وعندئذ يدخل في نطاق الطريقة الأولى . أو أن يكون وضعاً لإسم شخص آخر في صلب المحرر أو تغييراً الإسم وارد فيه بإسم شخص آخر أو إضافة إسم للإمضاء، وحينئذ تتوافر الطريقة الثانية التزوير المادی .
ومقتضى ذلك القول بأن هذه الطريقة ليست طريقة مستقلة بذاتها .ولعل المشرع قد أراد أن يخص بهذه الطريقة حالة تزوير الشخصية، إما في صورة انتحالها أو في صورة إبدالها، إذا كان لذلك أثر مادي في المحرر، لأننا بصدد طريقة من طرق التزوير المادي. ويتحقق التزوير المادي بانتحال الجاني شخصية غيره في محرر إذا وقع عليه بإمضاء شخص آخر، كما يتحقق بإبدال شخصية الغير إذا محا إمضاء أو إسماً لشخص له صفة في المحرر ووضع بدلاً منه إمضاء أو إسماً لشخص لا شأن له بالمحرر . وهو في الحالتين يمكن أن يندرج كما سلف البيان تحت إحدى الطريقتين السابقتين للتزوير المادي .
وقد تقدم القول بأن المشرع تدخل سنة 1984 بتعديل المادة 211 ع التي نصت على هذه الوسائل بحيث تصبح هذه الوسيلة: «وضع أسماء أو صور أشخاص آخرين مزورة» وفي ظل هذا التعديل تقع جريمة التزوير إذا نزع شخص صورة صاحب البطاقة الشخصية ووضع بدلاً منها صورته، الأمر الذي عجز القضاء - في ظل النص قبل تعديله - عن اعتباره تزويراً .
رابعاً : التقليد
يقصد بالتقليد في مجال التزوير تدوين الجاني محرراً أو جزءاً من محرر بخط يشبه خط شخص آخر ابتغاء نسبته إليه ولا يشترط في التقليد أن يكون متقناً، وإنما يكفي أن يكون من شأنه إيهام الشخص المعتاد بصدوره عمن نسب إليه .
خامساً : الاصطناع
يقصد بالاصطناع إنشاء الجاني محرراً برمته ونسبته إلى شخص آخر، يستوي في ذلك أن يقلد الجاني خط من ينسب إليه المحرر أو ألا يقلده، وأن يضع عليه إمضاء من ينسب إليه أو ألا يضع إمضاء، أو أن يحصل بالاحتيال على الإمضاء أو الختم الصحيح لمن ينسب إليه المحرر كما يستوي أيضاً أن يكون إنشاء المحرر على غرار محرر موجود فعلاً أو أن يكون إنشاؤه على غير مثال سابق .
وقد يقع الاصطناع في محرر رسمي كمن يصطنع صورة حكم وينسب صدوره لمحكمة معينة .
تحديد الضرر في جريمة التزوير :
يقصد بالضرر في نطاق جريمة التزوير كل إخلال أو احتمال للإخلال بمصلحة يحميها القانون .
فإذا تحقق هذا المعنى توافر عنصر الضرر، وإذا انتفى انهارت الجريمة .
ويستوي في نظر القانون أن يكون الضرر كبيراً أو ضئيلاً، فعلياً أو محتملاً، مادياً أو أدبياً، خاصاً أو عاماً .
الضرر الفعلي والضرر الاحتمالي :
لا يشترط لتحقق الضرر أن يكون واقعاً فعلاً، وإنما يكفي أن يكون محتمل الوقوع، وهذا التحديد مستخلص من كون المشرع لم يعلق العقاب عن جريمة التزوير على استعمال المحرر المزور، وإنما يعاقب الجاني ولو لم يستعمل المحرر المزور، وبالتالى لم يترتب عليه أي ضرر فعلی .
يستوي في توافر عنصر الضرر أن يكون ضرراً مادياً أو أدبياً .
والضرر المادي هو الذي ينال الذمة المالية للمضرور بإنقاص عناصرها الإيجابية، أي بإسقاط حق لها، أو بزيادة عناصرها السلبية، أي بتحميلها بالتزام، وهو أكثر أنواع الضرر ترتباً على جريمة التزوير وحيث يستهدف الجاني بالتزوير سلب ثروة المجنى عليه من أمثلة ذلك تزوير عقد بيع أو سند دين أو مخالصة، وتقوم جريمة التزوير مهما ضؤل قدر الضرر المادي .
أما الضرر الأدبي فهو الذي ينال شرف المضرور أو اعتباره أو عرضه أو كرامته، أو بعبارة أخرى هو الضرر الذي ينال مصلحة ليست ذات قيمة مادية من ذلك أن يصطنع شخص خطاباً يذكر فيه أموراً تمس شرف من ينسب إليه هذا الخطاب .
تقوم جريمة التزوير سواء كان الضرر خاصاً أو عاماً. ويقصد بالضرر الخاص أو الفردى الضرر الذي ينال فرداً معيناً أو أفراداً معينين أو هيئة خاصة، ومن أمثلته أن يزور محصل بإحدى الشركات في أوراق الشركة لسلب بعض مالها أما الضرر العام أي الضرر الاجتماعي فهو الذي ينال مصلحة للمجتمع وإن لم ينل فرداً معيناً والضرر الاجتماعي قد يكون مادياً وقد يكون أدبياً، من أمثلة الضرر الاجتماعي المادي أن يزور شخص إيصالاً بسداد رسوم مستحقة عليه للحكومة، أو أن يزور صراف في جهة حكومية في الدفاتر الرسمية لإخفاء المبلغ الذي اختلسه من أموال الحكومة، أو أن يغير المدعي قيمة الدعوى بالزيادة بعد أن أشر عليها الكاتب المختص بسداد الرسوم المستحقة ومن أمثلة الضرر الاجتماعي الأدبي أن يزور شخص إحدى الشهادات اللازمة للالتحاق بإحدى الوظائف العامة .
وقد استقر القضاء المصري على اعتبار الضرر الاجتماعي متحققا في كل تزوير في محرر رسمى ولو لم يترتب عليه ضرر بالفعل لشخص معين أو احتمال وقوعه، ذلك أن تغيير الحقيقة فيه يزعزع الثقة الواجبة في الأوراق الرسمية بوجه عام .
نقض 20 يونية سنة 1938 مجموعة القواعد القانونية ج4 رقم 243 ص 272 ؛ ونقض 29 .
أبريل سنة 1979 مجموعة أحكام محكمة النقض س 30 رقم 107 ص 506 ؛ ونقض 6 فبراير سنة 1991 س 42، رقم 35 ص 261 ؛ ونقض 13 فبراير سنة 2006 س 57 رقم 27 ص 209 .
الضرر والمحررات الباطلة :
قد يكون المحرر الذي يقع فيه تغيير الحقيقة باطلاً سواء كان محرراً رسمياً أو عرفياً، من أمثلة المحرر الرسمي الباطل أن يكون قد حرره موظف غير مختص بتحريره، أو لم تتبع في تحريره الإجراءات التي حددها القانون .
ومن أمثلة المحرر العرفي الباطل أن يكون من حرره قد تخلفت لديه الأهلية الكاملة كما لو صدر عن قاصر، أو أن يشوب التصرف القانوني الذي يثبته عيب من عيوب الرضاء فإذا عمد شخص إلى تغيير الحقيقة في محرر باطل فإنه يثور التساؤل عما إذا كان هذا الفعل تقع به جريمة التزوير؟ أم أن بطلان المحرر ينفي احتمال الضرر وبالتالي يتخلف هذا العنصر فلا تقوم جريمة التزوير؟
على الرغم من الخلاف الفقهي الذي ثار في هذا الشأن، فإن الرأي السائد فقها يذهب إلى القول بأن المشكلة تتعلق بالواقع ولا تتعلق بالقانون فالفيصل في حسمها ليس في كون المحرر الذي وقع فيه تغيير الحقيقة باطلاً أو غير باطل، وإنما في كون المحرر الباطل - شأنه في ذلك شأن المحرر الصحيح - يحتمل أن يترتب على تغيير الحقيقة فيه ضرر أو لا يحتمل ذلك، فإذا تبين احتمال الضرر وقع التزوير وتفسير ذلك أن المحرر الباطل وإن كان القانون يجرده من الأثر القانوني إلا أنه من حيث الواقع قد لا يكون ظاهر البطلان فينخدع به الناس ويودعون فيه ثقتهم وهذا وحده يكفي لتوافر احتمال وقوع الضرر إذا وقع في هذا المحرر تغيير للحقيقة ولا ينتفي احتمال الضرر إلا إذا كان المحرر ظاهر البطلان بحيث لا يمكن أن يخدع فيه أحد فحينئذ فقط لا تقع بتغيير الحقيقة جريمة التزوير .
وقد استقر القضاء المصري بعد تردد على الأخذ بهذه الوجهة سواء في المحررات الباطلة أو القابلة للإبطال من ذلك ما قضى به من أن «التزوير في الأوراق الرسمية يعاقب عليه ولو كان حاصلاً في محرر باطل شكلاً لاحتمال حصول الضرر منه للغير أو للمجتمع، إذ أن المحرر الباطل شكلاً يصح أن ينخدع فيه كثير من الناس الذين يفوتهم ملاحظة ما فيه من نقص، وهذا وحده كاف لتوقع حصول الضرر بالغير بسبب ذلك المحرر، على أنه يكفي في جرائم التزوير في الأوراق الرسمية مجرد احتمال حصول ضرر اجتماعي، ومجرد تغيير الحقيقة في هذه المحررات الرسمية يترتب عليه حتماً حصول ضرر بالمصلحة العامة أو احتمال حصوله، ذلك بأن العبث بالأوراق الرسمية يهدم الثقة بهذه الأوراق ويضيع قيمتها» .
نقض 22 أكتوبر سنة 1951 مجموعة أحكام محكمة النقض س 3 رقم 36 ص 88 ؛ ونقض 6 مايو سنة 1968 س 19 رقم 105 ص 536 الذي قضى بأنه: « إذا كان البطلان اللاحق بالمحرر بسبب عدم اختصاص من نسب إليه تحريره مما تفوت ملاحظته على كثير من الناس، و فإن العقاب على التزوير واجب في هذه الصورة لأن مجرد الإخلال بالثقة اللازمة للورقة الرسمية يترتب عليه ضرر، وتغيير الحقيقة فيها من شأنه أن يزعزع هذه الثقة». وفي نفس المعنى نقض 10 يونية سنة 1968 س 19 رقم 137 ص 673 .
القصد الجنائي
جريمة التزوير في المحررات جريمة عمدية يتخذ ركنها المعنوي صورة القصد الجنائي، ولا يكفي لتوافر الركن المعنوي في هذه الجريمة أن يتحقق القصد العام وإنما يجب أن يقوم إلى جانبه قصد خاص، وعلى ذلك فالقصد الجنائي في التزوير يتحقق بتعمد تغيير الحقيقة في محرر تغييراً من شأنه أن يسبب ضرراً، وبنية استعمال المحرر فيما غيرت الحقيقة فيه .
القصد العام :
يقوم القصد العام على عنصري العلم والإرادة، فيجب أن تتجه إرادة الجاني إلى ارتكاب فعل تغيير الحقيقة في محرر، وإلى تحقيق نتيجته وهي اشتمال المحرر على بيانات تخالف الحقيقة، ويجب أن يحيط علم الجاني بعناصر الجريمة، فيجب أن يكون عالماً وقت ارتكاب الفعل بأنه يغير الحقيقة، فإذا كان يجهل ذلك انتفى لديه القصد الجنائي، ولو كان جهله بالحقيقة راجعاً إلى إهماله في تحريها وعلى ذلك فإن الموظف المختص الذي يثبت في المحرر ما يمليه عليه ذوو الشأن من بيانات جاهلاً أنها مخالفة للحقيقة، ينتفي لديه القصد الجنائي، ولذلك لا تقع الجريمة من المأذون الذي يثبت في عقد الزواج انتفاء الموانع الشرعية من الزواج وهو غير عالم بمخالفة ذلك للحقيقة، ولا من شيخ البلد إذا أثبت في شهادة إدارية تاريخاً مختلفاً للوفاة جاهلاً التاريخ الحقيقي ولذلك يجب على المحكمة إذا قضت بالإدانة عن جريمة التزوير أن تثبت علم المتهم على وجه اليقين بأنه يغير الحقيقة، فإن لم تفعل كان حكمها مشوباً بالقصور .
ويأخذ الجهل بقاعدة مقررة في قانون آخر غير قانون العقوبات حكم الجهل بالواقع، فينتفى به القصد الجنائي، وعلى ذلك فإذا أثبت الزوجان في عقد الزواج، خلافا للحقيقة، عدم توافر مانع شرعي من الزواج وكان ذلك نتيجة جهلهما بقواعد الشريعة الإسلامية، كالقاعدة التي تقضي بتحريم الزواج بين الأخوة من الرضاع، فإن هذا الجهل ينفي القصد الجنائي .
ويجب أن يتوافر لدى الجاني العلم بأن تغيير الحقيقة يقع في محرر، وبأنه يتم بإحدى الوسائل التي نص عليها القانون حصراً وهذا العلم مفترض فلا يكون للمتهم أن يعتذر بجهله بأي من هذين الأمرين إذ لا يعذر أحد لجهله القانون .
ويجب أخيراً أن يعلم الجاني وقت تغيير الحقيقة أن من شأنه فعله - إذا استعمل المحرر المزور - أن يرتب ضرراً مادياً أو معنوياً، حالاً أو محتملاً، عاماً أو خاصاً فإذا انتفى هذا العلم، بأن كان الجاني يجهل احتمال ترتب الضرر على فعله، فإن القصد الجنائي ينتفي ولا يصلح في هذا المجال ما ذهب إليه جانب من الفقه من أن إمكان علم الجاني بالضرر يعدل العلم الفعلي به وتطبيقاً لذلك قضى بأنه إذا كان المتهم لم يقصد - في محضر البوليس - انتحال إسم شخص معين معروف لديه، بل قصد مجرد التسمي بإسم وهمي، امتنع القول بأنه كان يعلم أن عمله من شأنه أن يلحق ضرراً بالغير، مادام لا وجود لهذا الغير في اعتقاده .
ويلاحظ أن توافر العلم لدى الجاني باحتمال الضرر يكفى لقيام القصد الجنائي، فلا يشترط بعد ذلك أن تكون إرادته قد اتجهت إلى وقوع الضرر فعلاً، فالقصد يتوافر بالعلم بالضرر سواء أراد الجاني وقوعه أو لم يرد ذلك .
القصد الخاص :
يتمثل القصد الخاص اللازم لقيام جريمة التزوير في اتجاه نية الجاني وقت ارتكاب الفعل إلى استعمال المحرر المزور فيما زور من أجله .
وتحديد القصد الخاص على هذا النحو هو الذي يبرر العقاب على التزوير، فالخطورة لا تكمن في تغيير الحقيقة في ذاته، وإنما في استهداف المزور به استعمال المحرر المزور، وانتفاء هذه النية ينفي القصد الجنائي فلا تقوم جريمة التزوير مثال ذلك أن يصطنع شخص كمبيالة ويضع عليها إمضاء صديق له ليبين للحاضرين طريقة كتابة الكمبيالة دون أن تتجه نیته إلى استعمالها .
ويلاحظ أن نية استعمال المحرر المزور فيما زور من أجله تكفى لتوافر القصد وقيام جريمة التزوير بصرف النظر عن كون المحرر قد استعمل فعلاً أو لم يستعمل - فالعقاب على التزوير لا يتوقف على استعمال المحرر المزور، ذلك أن كلا من جريمة التزوير واستعمال المحرر المزور مستقلة عن الأخرى تماماً .
وإذا توافر القصد الجنائي على النحو السابق تحديده فإن ذلك يكفي الاكتمال أركان الجريمة، ولا عبرة بعد ذلك بالباعث الذي دفع الجاني إلى ارتكابها فيستوي أن يكون الباعث هو الإثراء غير المشروع أو دفع ضرر أو الإضرار بالغير أو تحقيق مصلحة الغير .
والقصد الجنائي من المسائل المتعلقة بوقائع الدعوى التى تفصل فيها محكمة الموضوع في ضوء الظروف المطروحة عليها، ولا يشترط أن يتحدث الحكم عنه استقلالاً مادام قد أورد من الوقائع ما يدل عليه .
جريمة التزوير في محرر رسمي التى تقع من غير موظف عام
غير الموظف العام :
عبر المشرع عن غير الموظف العام بقوله « كل شخص ليس من أرباب الوظائف العمومية » ويفيد ظاهر النص أن الجريمة لا تقع إلا من فرد عادي ليست له صفة الموظف العام ، والواقع أن المشرع قصد وقوع الجريمة في غير حالة وقوعها من موظف عام أثناء تأدية وظيفته ، ولذلك يدخل في نطاق المادة 212 حالة وقوع الجريمة من فرد عادي ، وحالة وقوعها من موظف عام لم يوجد المحرر بين يديه بمقتضى وظيفته ، كما لو كان قد حصل عليه بطريق غير مشروع أو بطريق ودي لا تقتضيه الوظيفة ، إذ يكون شأن الموظف بالنسبة لهذا المحرر كشأن الفرد العادي .
التزوير المادي من غير الموظف العام :
تحيل المادة 212 الخاصة بتجريم التزوير في محرر رسمي من غير موظف عام على المادة 211 من حيث نوع التزوير، والمادة 211 خاصة بالتزوير المادي مما يعني أن المشرع يجرم في المادة 212 التزوير المادي الذي يقع من غير موظف عام وأوضح أمثلته إحداث تغيير في المحرر الرسمي ، أو اصطناع محرر ونسبته زوراً إلى الموظف العام المختص بتدوينه .
هل يقع التزوير المعنوي في محرر رسمي من غير الموظف العام؟
الواقع أن التزوير المعنوي في المحرر الرسمي لا يقع - وفقاً للمادة 213 - إلا من موظف عام مختص بتدوين المحرر حين يغير الحقيقة في المحرر بإثبات بيانات غير تلك التي كان يجب عليه إثباتها . أما غير الموظف فلا يتصور أن يكون له دور في تدوين المحرر الرسمي إلا في نطاق إملاء البيانات على الموظف المختص بتدوينها . ولا يخرج وضعه عن أحد فرضين: الأول ، أن يملى بيانات صادقة أو يعتقد صدقها ، فيغير الموظف في البيانات عند إثباتها ، وحينئذ إذا كان الموظف قد توافر لديه القصد الجنائي في التزوير يسأل باعتباره فاعلاً لجريمة التزوير المعنوي في محرر رسمي ، بينما لا يسأل غير الموظف لانتفاء القصد لديه . الثاني : أن يملی بيانات مخالفة للحقيقة وهو عالم بذلك فيدونها الموظف كما أمليت عليه ، وحينئذ يسأل الموظف كفاعل للتزوير المعنوي إذا كان عالماً بمخالفة البيانات للحقيقة ، أما غير الموظف فيعتبر شريكاً معه في هذه الجريمة فتوقع عليه عقوبتها . أما إذا كان الموظف حسن النية يجهل أن البيانات التي تملى عليه مخالفة للحقيقة فإنه لا يسأل لانتفاء القصد الجنائي لديه بينما يسأل غير الموظف باعتباره شريكاً لفاعل تخلف لديه القصد الجنائي وفقاً للمادة 42 من قانون العقوبات .
العقوبة :
يعاقب غير الموظف العام الذي يرتكب تزویراً مادياً فى محرر رسمی بالسجن المشدد أو السجن مدة لا تزيد على عشر سنوات ، أما فيما يتعلق بالتزوير المعنوي فقد رأينا أن غير الموظف العام لا يكون فاعلاً فيه وإنما يمكن أن يكون شريكاً للموظف العام في جريمة التزوير المعنوي في محرر رسمي، وحينئذ توقع عليه عقوبتها تطبيقاً للمادة 41 من قانون العقوبات التي تنص على أن من اشترك في جريمة فعلية عقوبتها إلا ما استثنى قانوناً بنص خاص ويعني ذلك أن عقوبة الشخص العادي إذا كان فاعلاً في تزوير في محرر رسمي تكون أقل من عقوبته إذا كان شريكاً الموظف عام في تزوير في محرر رسمي . ( شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتورة/ فوزية عبد الستار، الطبعة الرابعة 2017 دار النهضة العربية، الصفحة : 260 )
التزوير الواقع من غير موظف عام فى محرر رسمى
غير الموظف العام :
ينطبق مدلول غير الموظف العام على كل فرد من آحاد الناس لا تتوافر فيه صفة الموظف العام، أو من توافرت لديه هذه الصفة إلا أنه لم يرتكب التزوير في أثناء تأدية وظيفته، كما إذا ارتكب الموظف تزويراً في محرر غير مختص بتحريره أو لم يصل إليه بحكم وظيفته .
وقوع التزوير بإحدى الطرق المادية :
من المستقر عليه فقهاً أنه لا يتصور أن يقع التزوير من غير موظف عام إلا بإحدى طرق التزوير المادي. بخلاف التزوير المعنوي، فإنه لا يتصور وقوعه إلا من موظف عام مختص. وقد يكون الموظف العام حسن النية حين يدلي إليه الشخص ببیانات مزورة لإثباتها في محرر رسمي يختص بتحريره، وفي هذه الحالة يكون غير الموظف العام شريكاً في جريمة التزوير التي إرتكبها الموظف العام حسن النية .
العقوبة :
نصت المادة 212 عقوبات على معاقبة فاعل هذه الجريمة بالسجن المشدد أو السجن لمدة أكثر من عشر سنين. ويترتب على ذلك أن من يرتكب من الأفراد تزويراً في محرر رسمي بوصفه فاعلاً أصلياً تكون عقوبته أقل ممن يرتكب هذا التزوير بوصفه شريكاً لموظف عام؛ إذ في هذه الحالة الأخيرة تكون العقوبة السجن المشدد أو السجن، تطبيقاً للمادة 213 عقوبات والمادة 41 عقوبات التي تنص على أن كل من إشترك في جريمة فعلية عقوباتها إلا ما استثني بنص خاص .
التزوير في المحررات الالكترونية
الحماية القانونية للمحررات الالكترونية :
بينا فيما تقدم أن الثقة في المحرر الإلكتروني تتوقف على اعتراف القانون به . وقد صدر القانون رقم 15 لسنة 2004 بتنظيم التوقيع الالكتروني وبإنشاء هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات فاعترف بالمحرر الالكتروني وأعطاه في نطاق المعاملات المدنية والتجارية والإدارية ذات الحجية المقررة للمحررات الرسمية والعرفية في أحكام قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية، متى استوفت الشروط المنصوص عليها في هذا القانون وفقاً للضوابط الفنية والتقنية التي تحددها لائحته التنفيذية (المادة 15) .
وتأكد هذا الإعتراف القانوني بالمحرر الإلكتروني فيما نصت عليه المادة 16 من القانون المذكور من أن الصورة المنسوخة على الورق من المحرر الإلكتروني الرسمي حجة على الكافة بالقدر الذي تكون فيه مطابقة لأصل هذا المحرر، وذلك مادام المحرر الإلكتروني الرسمي والتوقيع الالكتروني موجودين على الدعامة الالكترونية .
كما نصت المادة 17 من القانون نفسه على أن تسري في شأن إثبات صحة المحررات الالكترونية الرسمية والعرفية والتوقيع الالكتروني والكتابة الالكترونية - فيما لم يرد بشأنه نص في هذا القانون أو في لائحته التنفيذية - الأحكام المنصوص عليها في قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية .
على أن هذه الأحكام تفيد في بحث مدى حجية المحرر في الإثبات، أما طرق التزوير فهي مسألة تخضع لقواعد الإثبات في قانون الإجراءات الجنائية، بما فيها الاقتناع الذاتي للقاضي الجنائي .
أحكام التزوير في المحررات الإلكترونية :
بينا فيما تقدم أن القانون رقم 15 لسنة 2004 قد شمل المحررات الالكترونية بالحماية القانونية التي تتمتع بها المحررات الرسمية والعرفية من حيث الحجية المقررة لهذه المحررات في أحكام قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية متى استوفت الشروط التي يتطلبها القانون واستوفت الضوابط الفنية والتقنية التي تحددها لائحته التنفيذية .
وبناء على استيفاء المحررات الالكترونية للمظهر المادي والقانوني للمحررات المحمية قانوناً، فإن جميع أحكام التزوير تنطبق عليها، بما فيها سريان الأحكام المتعلقة بجرائم التزوير في المحررات الرسمية والعرفية .
وبالإضافة إلى ذلك، فقد نصت المادة 23 من القانون رقم 15 لسنة 2004 على معاقبة من زور توقيعاً أو وسيطاً أو محرراً الكترونياً بطريق الاصطناع أو التعديل أو التحوير أو بأي طريق آخر، بالحبس وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين. ولما كانت عقوبة التزوير في المحررات الرسمية والمحررات العرفية أشد من ذلك، فقد نصت هذه المادة على أن هذه العقوبة لا تخل بأية عقوبة أشد منصوص عليها في قانون العقوبات أو في أي قانون آخر . ( الوسيط في قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ أحمد فتحي سرور، الطبعة السادسة الكتاب الأول 2016، الصفحة : 912 )
وواضح من النص السابق أنه يعالج التزوير المادي من غير الموظف العام في ورقة رسمية. فإشارة المادة 212 إلى المادة 211 عقوبات يفيد ذلك ، فضلاً عن أنه من غير المتصور أن يكون غير الموظف فاعلاً أصلياً في تزوير معنوي منصب على ورقة رسمية. ولذلك فإنه في محيط التزوير المعنوي يكون دائماً الفاعل هو الموظف العام المختص بتحرير الورقة ، وغير الموظف مجرد شريك. وتتحدد مسئولية كل منهما وفقاً لقصده . فقد ينتفي القصد الجنائي لدى الموظف الفاعل، ويعاقب الشريك إذا كان الموظف حسن النية ، وقد يحدث العكس أما في محيط التزوير المادي بالطرق المنصوص عليها في المادة 211 فيمكن أن يتحقق بمعرفة الموظف العام، وهو ما عالجته المادة 211، ويمكن أن يتحقق من غير الموظف العام وهو ما عالجته المادة 212.
ويلاحظ على نص المادة 212 أن المشرع لم يستلزم صفة خاصة في الفاعل وقد استخدم في سبيل ذلك تعبير «كل شخص ليس من أرباب الوظائف العمومية» ، وهو تعبير قد يثير بعض اللبس ولا يفصح عن المدلول الحقيقي للنص. ذلك أن الفاعل في الجريمة التي نحن بصددها كما يمكن أن يكون فرداً عادياً ، فإنه قد يكون موظفاً حكومياً ولكنه غير مختص بالورقة أو المستند بحكم وظيفته . فالموظف غير المختص يعتبر في حكم الفرد العادي بالنسبة للتزوير وهذا مستفاد من نص المادة 211 التي تستلزم للعقاب على التزوير المادي من الموظف العام أن يكون ذلك التزوير قد وقع أثناء تأديته لأعمال وظيفته. ولذلك إذا انتفى هذا الشرط استبعد تطبيق المادة 211. ومن غير المتصور أن يكون المشرع قد قصد استبعاد تزوير المحرر الرسمي من موظف غير مختص من مجال التجريم والعقاب، وعليه فعبارة المشرع المستخدمة في المادة 212 للدلالة على الفاعل من أنه ليس من أرباب الوظائف العمومية إنما تنصرف إلى كل من هو ليس مختصاً بالورقة أو المستند بحكم وظيفته. ويندرج تحت هذا الشمول ، الأفراد العاديون والموظفون العموميون ، الذين ليس لهم اختصاص وظيفي يتعلق بالورقة المزورة .
ويلزم لقيام الجريمة في ركنها المادي أن يقع التزوير بإحدى الطرق المنصوص عليها في المادة 211 عقوبات وهي وضع إمضاءات أو أختام مزورة أو بتغيير المحررات أو الأختام أو الإمضاءات أو بزيادة كلمات خاصة بوضع أسماء أشخاص آخرين مزورة ، وباصطناع محرر بأكمله على غرار أصل موجود أو خلق محرر على غير مثال سابق ، مادام المحرر في أي الحالين متضمناً لواقعة تترتب عليها آثار قانونية وصالحاً لأن يحتج به في إثباتها .
ويجب أن ينصب التزوير على محرر له صفة الرسمية سواء ثبتت له تلك الصفة ابتداء أم بتدخل لاحق من موظف مختص سواء بكتابة بعض بياناته أو بالتأشير عليه. ويستوي أن يكون التزوير قد وقع قبل تدخل الموظف المختص أم بعد ذلك، إذ باكتساب المحرر الصفة الرسمية بتدخل الموظف فإن رسميته تنسحب على ما سبق ذلك من إجراءات. ولا يشترط فى التزوير في الأوراق الرسمية بطريق الاصطناع أن تكون الورقة قد صدرت فعلاً من الموظف المختص بتحريرها، بل يكفي لتحقيق الجريمة، أن تعطي الورقة المصطنعة شكل الأوراق الرسمية ومظهرها، ولو نسب صدورها زوراً إلى موظف عام للإيهام برسميتها. ويكفي في هذا المقام أن تحتوي الورقة على ما يفيد تدخل الموظف المختص في تحريرها ، بما يوهم أنه هو الذي باشر الإجراءات في حدود اختصاصه. ومثال ذلك: اصطناع الشهادات العلمية واصطناع شهادات الإعفاء من التجنيد وشهادات الإعفاءات الجمركية .
وبالإضافة إلى ما سبق يلزم توافر القصد الجنائي الذي يقوم على العلم بصفة المحرر الرسمية وأن تغيير الحقيقة فيه من شأنه أن يؤدي إلى الإضرار بالثقة العامة في المحرر مع اتجاه الإرادة إلى ذلك التغيير .
ويلاحظ أن عدم وجود المحرر المزور لا يترتب عليه حتماً عدم ثبوت الجريمة ، إذ الأمر في هذا مراجعة إلى إمكان قيام الدليل على حصول التزوير ونسبته إلى المتهم. وللمحكمة أن تكون عقيدتها في ذلك بكل طرق الإثبات ولها أن تأخذ بالصورة الشمسية كدليل في الدعوى إذا ما اطمأنت إلى صحتها .
العقوبة :
العقوبة المقررة للجريمة هي السجن المشدد أو السجن الذي لا يزيد أي منهما على عشر سنوات. هذه العقوبة أخف من العقوبة المقررة للجريمة إذا وقعت من موظف عام مختص أثناء تأديته لوظيفته إذ أن المشرع راعى في هذا الفرض الأخير أن الموظف العام الذي يرتكب تزويراً أثناء تأديته لوظيفته إنما يحقق ضرراً ليس فقط بالثقة العامة في المحرر وإنما أيضاً بحسن سير العمل الوظيفي وبالثقة والأمانة المفروض توافرهما فيه . ( قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ مأمون محمد سلامة، الطبعة الأولى 2017 الجزء الأول، الصفحة : 488 )
التزوير فى المحررات الرسمية من غير الموظف العام
أركان الجريمة :
تفترض هذه الصورة من صور التزوير وقوع التزوير في محرر رسمي .
ويقع التزوير - حسب تعبير النص - من "كل شخص ليس من أرباب الوظائف العمومية". وهذا التعبير ينصرف أولاً إلى كل فرد عادي من آحاد الناس، أي من لا تتوافر فيه صفة الموظف العام على الإطلاق .
كما ينصرف التعبير إلى من كان موظفاً عاماً، لكنه غير مختص بإنشاء المحرر ولم يتصل به بحكم وظيفته، أو من كان موظفاً لكن التزوير لم يقع منه في أثناء تأدية وظيفته، إذا ارتكب أي من هؤلاء تزويراً في المحرر الرسمي، إذ يكون شأن الموظف في علاقته بالمحرر شأن غيره من آحاد الناس. وينصرف التعبير أخيراً إلى المكلف بخدمة عامة أو العامل في القطاع العام الذي لا يعد موظفاً في تطبيق نصوص التزوير .
ولا تثير ماديات التزوير في المحرر الرسمي بمعرفة غير الموظف خصوصيات إلا ما تعلق بطريقة ارتكاب التزوير. فهذا النوع من التزوير لا يتصور وقوعه إلا بإحدى طرق التزوير المادي. ويعني ذلك أنه لا يقطع بطريقة من طرق التزوير المعنوي، لأن طرق التزوير المعنوي لا يمكن إستخدامها إلا من الموظف العام المختص بإنشاء المحرر وأثناء تدوينه .
وتطلب وقوع التزوير فى المحرر الرسمى من غير الموظف بطريقة من طرق التزوير المادى لا يستنتج فقط من طبيعة التزوير المعنوى ، بل إنه يستفاد كذلك من وضع هذه الجريمة فى المادة التى نحن بصددها بين المادة 211 عقوبات الخاصة بجريمة التزوير المادى الواقع من الموظف العام ، والمادة 213 عقوبات الخاصة بجريمة التزوير المعنوى من الموظف العام ، ومن إحالة المادة التى نحن بصددها إلى المادة السابقة عليها ، أى المادة 211 عقوبات التى تبين طرق التزوير المادى الذى يقع من الموظف العام ، فالمادة 212 عقوبات التى نحن بصددها تعاقب من يرتكب « تزويراً مما هو مبين فى المادة السابقة » .
وعلى ذلك لا يقع التزوير في المحرر الرسمي من غير الموظف إلا بطريقة من طرق التزوير المادي، فغير الموظف لا يتصور ارتكابه تزويراً معنوياً في محرر رسمي .
وإنما قد يكون الموظف شريكاً للموظف العام في جريمة التزوير المعنوي في المحرر الرسمي التي يكون الأخير هو فاعلها الأصلي. وفي هذه الحالة يكون غير الموظف شريكاً للموظف في جريمة المادة (213) عقوبات، ولا يمكن اعتباره فاعلاً أصلياً لجريمة المادة التي نحن بصددها .
العقوبة :
قررت المادة (212) عقوبات التي نحن بصددها لجريمة التزوير المادي في المحرر الرسمي من غير الموظف عقوبة السجن المشدد أو السجن مدة لا تزيد على عشر سنوات، فالجريمة جناية دائماً بالنظر إلى طبيعة المحرر. ويعني ذلك أن المشرع خفف من عقاب غير الموظف العام الذي يزور في المحرر الرسمي تقديراً منه لأن الموظف المزور في محرر يختص بإنشائه يعد أشد جرماً من الشخص العادي الذي لا يتصل بحكم وظيفته بالمحرر، فالأول يخون أمانة الوظيفة ويضيء إستغلالها بالإضافة إلى الإخلال بالثقة في المحرر الرسمي، بينما يقتصر الثاني على الإخلال بالثقة بالمحرر . ( الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الثالث، الصفحة : 196 )
الضرر :
لايعد تغيير الحقيقة تزويراً إلا إذا نشأ عنه ضرر أو كان من شأنه إحداث ضرر ولا يشترط القانون وقوع الضرر بالفعل بل يكتفي باحتمال وقوعه وهذا مستنتج بالضرورة من نصوص القانون التي لم تعلق قیام التزوير على استعمال المحرر بالفعل ولا يشترط كذلك أن يحل الضرر بمن زور عليه المحرر بل يتوافر الشرط ولو كان الضرر قد حل أو كان محتمل الحلول بأي شخص آخر ومفهوم أن العبرة في ذلك بوقت وقوع التغيير .
وعلى ذلك فإنه يمكن تعريف الضرر بأنه الإخلال بحق أو بمصلحة يحميها القانون وهو على صور متعددة فمنه المادي والأدبي والمحقق والمحتمل والفردي الاجتماعي وأية صورة منه مني تحققت تكفي لقيام الجريمة وذلك على التفصيل الآتي :
الضرر المادي :
الضرر المادي هو ما يصيب المجني عليه في ماله فتتأثر به ذمته المالية أو تتنقص ثروته مثال ذلك مزور عقد إيجار بأن يثبت فيه أن المالك قد قبض مبلغ الأجرة جميعها مقدماً أو من يمحو عبارة التخالص عن جزء من الدين المؤشر بها على ظهر سند الدين للمطالبة بالدين جميعه أو من يزور على آخر عقد بيع منزل أو أرض ليسلبه ثروته أو جزء منها بغير حق وليس بشرط أن يكون الضرر المادي جسيماً فيكفي لوجود الضرر أن يقع على جزء يسير أو مبلغ طفيف من ثروة المجنى عليه .
الضرر الأدبي :
الضرر الأدبي هو الذي لا يصيب المجني عليه في ذمته المالية وإنما ينال منه عرضه وشرفه وكرامته وهذا النوع من الضرر يكون متصلاً في الغالب بضرر مادي ولكن وجوده يكفي لقيام التزوير ومن أمثلة التزوير شخص عقد زواج عرفي على سيدة بأنها قبلت زواجه وتوقيعه على عقد بإمضاء مزور بإسمها ونسبة طفل لقيط في دفتر المواليد إلى فتاة عذراء ونسبة خطاب زوراً إلى شخص بعد تحرير أمور فيه تخل بشرف من نسب إليه الخطاب والتسمي بإسم الغير في تحقيق جنائي ويلاحظ أنه لا يلزم في الضرر الأدبي أن يكون على درجة معينة من الجسامة .
الضرر المحقق والمحتمل :
يعتبر الضرر متوافراً حتى ولو كان محتملاً غير محقق ولا حال الوقوع ومهما كان احتماله ضعيفاً يتحقق الضرر على وجه يقيني باستعمال السند المزور فعلاً وتنشأ حينئذ جريمة أخرى جديدة قائمة بذاتها هي جريمة الاستعمال ويكون الضرر محتملاً على قدر احتمال استعمال السند المزور مستقبلاً أو بعبارة أدق على قدر احتمال تضرر المجنى عليه منه إذا ما استعمله الجاني لأن الضرر وثيق صلة بفعل الاستعمال دون التزوير .
وعلى ذلك فإنه ليس بشرط أن يحل الضرر بالمجنى عليه فعلاً بل يكفي أن يكون الضرر محتمل للوقوع وقت ارتكاب الجريمة فالمحضر الذي يعلن عريضة دعوى ويسلمها لشخص آخر غير المعلن إليه ويثبت في العريضة أنه سلمها للمعلن إليه نفسه يرتكب تزويراً يحتمل أن يترتب عليه ضرر ويلاحظ أن التزوير لا يسقط بتمزيق المتهم للسند المزور إلا إذا أمكن أن يستفاد من هذا أن المتهم إنما زور السند على سبيل المزاج ولم يكن ذلك بنية الإضرار .
كذلك لا يسقط التزوير بتنازل المتهم عن التمسك بالعقد المزور ولا بتنازل مدعي التزوير عن الخصومة المدنية ولا بتصديق المجنى عليه على الإمضاء المزور بعد تزويره لأن العبرة في تقدير حصول التزوير أو احتمال حصوله إنما تكون بالوقت الذي ارتكب فيه التزوير. كما يلاحظ أخيراً أنه لايجوز بحال أن يخلق الإنسان لنفسه سنداً كتابياً. وعلى ذلك فإن ركن الضرر يعتبر متوافراً فيما لو زور شخص محرراً ابتغاء الحصول على حق كان في استطاعته الوصول إليه بالطرق القانونية .
الضرر الفردي والاجتماعي :
الضرر الفردي أو الخاص هو ذلك الذي يصيب شخصاً أو هيئة معينة بالذات أما الضرر الاجتماعي أو العام فهو ما يصيب الصالح العام في مجموعة وجميع صور الضرر قد تكون فردية كما قد تكون اجتماعية . ويلاحظ أن كل تزوير يضر بمصالح الحكومة الأدبية يقع تحت طائلة العقاب فكل تزوير يرتكبه موظف عمومي أو غيره في محرر رسمي يعاقب عليه ولو لم يترتب عليه ضرر مادي بل ولو كان الضرر الأدبي محتملاً فقط .
الضرر والمحررات الباطلة والقابلة للبطلان :
تتغير الحقيقة في المحررات الباطلة أو القابلة للبطلان يعتبر من قبيل التزوير المعاقب عليه وهذه مسألة موضوعية وليست قانونية فمادام المشرع لم يشترط صفة معينة في المحرر لا يبقى إلا البحث في ترتب الضرر أو احتمال ترتبه ومتى توافر هذا الشرط واقترن بالقصد الجنائي صح العقاب على التزوير ولو كان حاصلاً في محرر باطل متى كان من المحتمل ينخدع فيه الناس ويفوتهم ما به من نقص أن يكون الضرر محتمل الحصول .
القصد الجنائي :
يراد بالقصد الجنائي عادة إقدام المجرم على ارتكاب الفعل وهو عالم بأن القانون يعده جريمة ويعاقب عليه وبعبارة أخرى القصد الجنائي هو علم المجرم بأنه يأتي فعلاً يعده القانون في صورته التي وقع بها جريمة يعاقب عليها فالقصد الجنائي يؤول في النهاية إلى علم المجرم بحرمة الفعل الذي تعمد ارتكابه ويجب أن يشمل هذا العلم جميع أركان الجريمة المرتكبة. ففي جريمة التزوير يكون العلم متلازماً مع بعض أركانها مثلا يفترض على الدوام على الشخص بأن الطريقة التي اتبعها في التزوير هي من الطرق التي نص عليها القانون وحرمها ولا يفيده بعد هذا اعتذاره بجهل القانون كذلك يفترض دائماً علم المزور بأنه يرتكب تزويراً في محرر سواء كان هو المحدث للتغيير بنفسه أو بواسطة غيره وقد يعتذر مثلاً بأنه لم يكن يعلم أن المطبوعات تدخل في معنى المحررات ويمكن اعتذاره هذا يعد من قبيل الجهل بالقانون ولا عبرة به. أما فيما يتعلق بركن تغيير الحقيقة فهذا مما يلزم فيه ثبوت العلم ثبوتاً صريحاً فقد يجهل الشخص الذي كتب المحرر أنه يسطر أكاذيب مغايرة للواقع فقد يجهل مأمور التحريات الرسمية أن ما يميليه عليه المتعاقد أن يتضمن وقائع أو بيانات مزورة وإذن لا يعد مجرماً ولا يستحق عقاباً لعدم توافر القصد الجنائي ولا يغير من ذلك كونه أهمل في تحري الحقيقة وأن كان يستطيع الوصول إلى معرفتها لو بذل شيئاً من الحيطة والدقة في أداء عمله فإن الإهمال وعدم الاحتياط لا يقومان مقام العلم الصريح من الوجهة الجنائية. كذلك الحال فيما يتعلق بركن الضرر فيجب أن يعلم المزور أن تغييره للحقيقة يجوز أن يحدث ضرراً للغير مادياً أو أدبياً حالاً أو محتمل الوقوع .
ويلاحظ أن غالبية الفقه تفضل تعريف قصد التزوير بأنه " نية استعمال المحرر المزور فيما زور من أجله " ويبدو أن قضاء النقض الحديث قد اعتنق هذا التعريف الأخير واستقر عليه بشكل واضح لافرق في ذلك بين نوع وآخر من أنواع المحررات فهو كثيراً ما يردد مثل قوله " أن القصد الجنائي في جريمة التزوير تتحقق بتعمد تغيير الحقيقة في الورقة تغييراً من شأنه أن يسبب ضرراً وبنية استعمالها فيما غير من أجله الحقيقة فيها " وأساس ربط القصد الخاص في تزوير المحررات بنية استعمال المحرر المزور فيما زور من أجله هو النظر إلى جريمة التزوير من حيث علاقتها بجريمة استعمال المحررات المزورة ففعل التزوير بحسب ماهيته لايخرج عن كونه عملاً تحضيرياً لجريمة الاستعمال التي يتصل بها الضرر وهو المقصود الحقيقي بالخطر .
وخلاصة ما تقدم أن القصد في التزوير يتكون من عنصرين أساسيين الأول : هو القصد العام والثاني : هو النية الخاصة - والقصد العام هو العلم بجانب الواقع وجانب الواقع في التزوير تكون من ذات الفعل المادي وهو تغيير الحقيقة في محرر من الأثر الضار الذي ينجم عنه أو يحتمل أن يترتب عليه. والنية الخاصة هو أن تكون نية الجاني من التزوير استعمال المحرر المزور فيما زور من أجله فإذا كانت هذه الغاية استعمال المحرر فيما غيرت الحقيقة من أجله توافر القصد ولو لم يحصل الاستعمال ولا عبرة بالبواعث على التزوير فقد تكون طيبة أو شريرة ولكنها لا تؤثر في وجود قصد التزوير. وتقدير وجود القصد أو عدمه من المسائل المتعلقة بالدعوى وتفصل فيها محكمة الموضوع على ضوء الظروف المطروحة عليها وتقديرها في ذلك نهائي لا معقب عليه لمحكمة النقض إلا إذا أخطأت محكمة الموضوع في فهمها لمعنى القصد أو عناصره أو شاب قضاءها سوء الاستدلال . ( موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الثالث، الصفحة : 86 )