loading

موسوعة قانون العقوبات​

المذكرة الإيضاحية
الأحكام

1ـ لما كان تغيير الحقيقة بجعل واقعة مزورة فى صورة واقعة صحيحة – مع العلم بتزويرها – هي إحدى صور التزوير المؤثمة بمقتضى المادة 213 من قانون العقوبات ، وكان الحكم المطعون فيه فى سياق تدليله على ثبوت الجرائم التي دان الطاعن بها – قد التزم – هذه القواعد واطرح دفاع الطاعن فى هذا الشأن فإنه يكون قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً على واقعة الدعوى ، ولا يغير من ذلك أن يكون ما ارتكبه الطاعن ينطوي على وصف قانوني لجريمة أخرى – كالبلاغ الكاذب – إذ ذلك لا يعدو أن يكون تعدداً معنوياً لأوصاف قانونية لفعل إجرامي واحد – لأنه فى الحالة التي يكون للفعل عدة أوصاف يجب اعتبار الجريمة التي يتمخض عنها الوصف أو التكييف القانوني الأشد للفعل والحكم بعقوبتها وحدها دون غيرها من الجرائم التي تتمخض عنها الأوصاف الأخف ، ومن ثم فإن النعي على الحكم المطعون فيه بأن واقعة الدعوى لا تعدو أن تكون من قبيل الإقرارات الفردية التي لا تقوم بها جريمة التزوير فى أوراق رسمية أو أنها مجرد جنحة تزوير فى محرر عرفي لا يعدو أن يكون منازعة فى سلطة محكمة الموضوع فى استخلاص صورة الواقعة كما ارتسمت فى وجدانها مما تستقل بالفصل فيه بغير معقب ما دام قضاؤها فى ذلك سليماً – كما هو الحال فى الدعوى المطروحة - ولا يجوز مجادلتها فى ذلك أمام محكمة النقض .

( الطعن رقم 6416 لسنة 87 ق - جلسة 2017/10/21 )

2ـ من المقرر أن جعل واقعة مزورة فى صورة واقعة صحيحة مع العلم بتزويرها يدخل ضمن طرق التزوير المؤثمة بالمادة 213 من قانون العقوبات وتشمل هذه الصورة كل تقرير لواقعة على غير حقيقتها فإنه متى كان الحكم المطعون فيه قد أثبت فى حق الطاعن أنه تسمى فى استمارة استخراج بطاقة الرقم القومي باسم آخر هو " ..." وحرر بخطه بيانات هذه الاستمارة ووقعها بالاسم المذكور ثم قرن ذلك بتقديمها للموظف المختص الذي استخرج له البطاقة ثم اتفق مع مجهول على التوجه إلى مكتب الشهر العقاري ب ..... وقدم له البطاقة سالفة الذكر لينتحل بها شخصية صاحبها ويستصدر بموجبها توكيلاً خاصاً للمتهم الثالث المقضي ببراءته وبناء على ذلك التوكيل رقم .... ثم توجه للأخير وسلمه ذلك التوكيل وصورة من البطاقة المزورة وأبلغه أنه سدد لصاحب البطاقة دينه المحرر عنه الجنحة رقم ... قسم ... المقضي فيها نهائياً بحسبه وأن المذكور أصدر له ذلك التوكيل لإنهاء هذه القضية فتقدم ذلك الموكل بطلب إلى النيابة العامة فى الجنحة المار ذكرها ضمنه التصالح بين المجني عليه والمتهم أرفق به التوكيل وصورة من البطاقة المار ذكرهما فأثبت سكرتير التحقيق هذا التصالح فى تحقيقات الجنحة فإن فى هذا ما يكفي لبيان ماهية الأوراق المزورة ومواضع التزوير فيها ويتوافر به أركان جريمة الاشتراك فى ارتكاب تزوير فى محررات رسمية هي البطاقة والتوكيل وتحقيقات النيابة سالفة الذكر التي دين الطاعن بها .

( الطعن رقم 8381 لسنة 79 ق - جلسة 2010/02/04 - س 61 ص 84 ق 13 )

3ـ من المقرر أن جعل واقعة مزورة فى صورة واقعة صحيحة مع العلم بتزويرها يدخل ضمن طرق التزوير المؤثمة بالمادة 213 من قانون العقوبات, وتشمل هذه الصورة كل تقرير لواقعة على غير حقيقتها, فإنه متى كان الحكم المطعون فيه قد أثبت فى حق الطاعن أنه قام بتحرير عريضة الجنحة المباشرة وإعلانها عن طريق الموظف المختص ومثل أمام المحكمة الجنائية وانتحل فى كل ذلك صفة ليست له بادعائه كذبا الوكالة عن المستفيد من الشيك بمقتضى توكيلا صادرا منه وتبين أنه منقطع الصلة تماما بموضوع هذه الدعوى ولا يخوله القيام بتحرير صحيفة الجنحة المباشرة وإعلانها وكذا الحضور أمام المحكمة وتمثيل المستفيد فى هذه الدعوى فأثبت كاتب الجلسة حضوره بتلك الصفة بمحضر الجلسة, فإن هذا ما يكفي لتوافر أركان جريمة الاشتراك فى ارتكاب تزوير فى محررين رسميين هما عريضة الدعوى ومحضر الجلسة واللتان دين الطاعن بهما .

( الطعن رقم 2593 لسنة 71 ق - جلسة 2001/10/16 - س 52 ع 1 ص 724 ق 137 )

4- من المقرر أنه إذا قضت المحكمة المدنية برد وبطلان سند لتزويره ثم رفعت دعوى التزوير إلى المحكمة الجنائية فعلى هذه المحكمة أن تقوم ببحث الأدلة التى تبنى عليها عقيدتها فى الدعوى ، أما إذا هى إكتفت بسرد وقائع الدعوى المدنية وبنت حكمها على ذلك بدون أن تتحرى بنفسها أوجه الإدانة - كما هو الشأن فى الدعوى المطروحة - فإن ذلك يجعل حكمها كأنه غير مسبب ، لما كان ذلك ، وكان يبين من الإطلاع على محاضر الجلسات أن الطاعن قد دفع بجلسة 2 من فبراير سنة 1981 - أمام محكمة ثانى درجة - بإنقضاء الدعوى الجنائية بمضى المدة ، وكان هذا الدفع من الدفوع المتعلقة بالنظام العام والذى من شأنه - لو ثبت - أن تنقضى الدعوى الجنائية ، وكان الحكم المطعون فيه قد دان الطاعن دون أن يعرض لهذا الدفع إيراداً له و رداً عليه فإنه يكون قاصر البيان . لما كان ما تقدم ، فإن الحكم المطعون فيه يكون قد ران عليه القصور مما يعيب بما يوجب نقضه والإحالة .

( الطعن رقم 7149 لسنة 53 ق - جلسة 1984/04/03 - س 35 ص 375 ق 81 )

5- لما كان عدم وجود المحرر المزور لا يترتب عليه حتماً عدم ثبوت جريمة تزويره إذ الأمر فى هذا مرجعه إلى قيام الدليل على حصول التزوير وللمحكمة أن تكون عقيدتها فى ذلك بكل طرق الإثبات طالما أن القانون الجنائي لم يحدد طريق إثبات معينة فى دعاوى التزوير ولها أن تأخذ بالصورة الشمسية كدليل فى الدعوى إذا ما إطمأنت إلى صحتها . ولما كان الحكم قد خلص فى منطق سائغ وتدليل مقبول إلى سابقة وجود عقد الإيجار المزور وإلى أن الطاعنة قد إستعملته مع علمها بتزويره بأن تمسكت به أمام شركة مصر الجديدة للإسكان والتعمير التى قدمته لها ، وكانت الطاعنة لا تمارى فى أن ما أورده الحكم من أدلة لها معينها الصحيح من الأوراق ، فإن ما تثيره لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً حول تقدير محكمة الموضوع للأدلة القائمة فى الدعوى مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض وبالتالى تنحسر عن الحكم قالة الفساد فى الإستدلال ويضحى الطعن برمته على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً .

( الطعن رقم 529 لسنة 51 ق - جلسة 1981/12/03 - س 32 ص 1042 ق 183 )

6ـ من حيث أن الثابت من الحكم المطعون فيه ، أنه دان الطاعنة بتهمتى الإشتراك فى تزوير محرر رسمى وفى إستعماله مع العلم بتزويره إستناداً إلى أنها صاحبة المصلحة الأولى فى تزوير التوقيع المنسوب إلى المجنى عليه ، دون أن يستظهر أركان جريمة الإشتراك فى التزوير ويورد الدليل على أن الطاعنة زورت هذا التوقيع بواسطة غيرها - ما دامت تنكر إرتكابها له ، و خلا تقرير المضاهاة من أنه محرر بخطها - كما لم يعن الحكم بإستظهار علم الطاعنة بالتزوير . لما كان ذلك ، وكان مجرد كون الطاعنة هى صاحبة المصلحة فى التزوير لا يكفى فى ثبوت إشتراكها فيه و العلم به ، فإن الحكم يكون مشوباً بالقصور فى التسبيب والفساد فى الإستدلال .

( الطعن رقم 1207 لسنة 51 ق - جلسة 1981/11/25 - س 32 ص 978 ق 171 )

7- من المقرر أن الطعن بالتزوير من وسائل الدفاع التي تخضع لتقدير محكمة الموضوع فيجوز لها ألا تحقق بنفسها الطعن بالتزوير وألا تحيله إلى النيابة العامة لتحقيقه وألا تقف الفصل فى الدعوى الأصلية إذا قدرت أن الطعن غير جدي وأن الدلائل عليه واهية. ولما كانت محكمة الموضوع هي صاحبة الحق فى تقدير كل دليل يطرح عليها تفصل فيه على الوجه الذي ترتاح إليه على ضوء ما تسمعه من أقوال الخصوم والشهود وما تشاهده بنفسها ، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لدفاع الطاعن فى شأن الطعن بالتزوير على الفاتورة التي قدمها المتهم الآخر وأطرحه استنادا إلى ما قرره هذا الأخير من أنه اشترى عبوات الدخان - موضوع الدعوى - من مصنع الطاعن بالإضافة إلى أن تلك الفاتورة وهذه العبوات تحمل اسم مصنع الطاعن ، وكان ما قاله الحكم فيما تقدم سائغاً ومن شأنه أن يؤدي إلى ما رتب عليه من إطراح طلب الطعن بالتزوير فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الخصوص يكون فى غير محله .

( الطعن رقم 1009 لسنة 43 ق - جلسة 1973/12/10 - س 24 ع 3 ص 1208 ق 245 )

8- يدخل ضمن طرق التزوير المؤثمة بالمادة 213 من قانون العقوبات جعل واقعة مزورة فى صورة واقعة صحيحة ، وتشمل هذه الصورة كل تقرير لواقعة على غير حقيقتها ومن ثم فإنه متى كان الحكم المطعون فيه قد أثبت فى حق الطاعن أنه مثل أمام المحكمة المدنية وإنتحل صفة ليست له بإدعائه كذباً الوكالة عن المدعى عليهم بموجب توكيلات ذكر أرقامها وتبين أنها منقطعة الصلة تماماً بموضوع النزاع ولا تخوله الحضور أمام المحكمة وتمثيلهم فى الدعوى فأثبت كاتب الجلسة حضوره بتلك الصفة بمحضر الجلسة ، فإن فى هذا ما يكفى لتوافر أركان جريمة الإشتراك فى إرتكاب تزوير فى محرر رسمى التى دين بها المتهم .

( الطعن رقم 749 لسنة 37 ق - جلسة 1967/06/12 - س 18 ع 2 ص 781 ق 157 )

9- المادة 210 من قانون العقوبات والتي وردت ضمن مواد الباب السادس عشر " التزوير" الكتاب الثاني من هذا القانون نصت على أنه : " الأشخاص المرتكبون لجنايات التزوير المذكور بالمواد السابقة يعفون من العقوبة إذا أخبروا الحكومة بهذه الجنايات قبل تمامها وقبل الشروع في البحث عنهم وعرفوها بفاعليه الآخرين أو سهلوا القبض عليهم ولو بعد الشروع في البحث المذكور. " ومفاد هذا النص في صريح لفظه وواضح دلالته أن الإعفاء من العقوبة المار بيانه لا يجد سنده التشريعي إلا في جنايات التزوير المنصوص عليها في المادتين 206 ، 206 مكرراً في القانون المذكور على سبيل الحصر فلا يصح التوسع في تفسيرها وكانت النصوص المتعلقة التي ترتد كلها إلى مبدأ جامع هو ممارسة الحق أو القيام بالواجب، وعلى ذلك فلا يجوز للقاضي أن يعفى من العقوبة إلا إذا انطبقت شروط الإعفاء في النص التشريعي على الواقعة المؤثمة انطباقاً تاماً سواء من ناحية كنهها أو ظروفها أو الحكمة التي تغياها المشرع من تقرير الإعفاء وكان التزوير في محرر رسمي واستعماله المنصوص عليهما في المادتين 213 ، 214 والتي دين الطاعن بهما من قانون العقوبات لا يندرجان تحت حالات الإعفاء المشار إليها على سبيل الحصر، ومن ثم فإن منعى الطاعن في هذا الشأن يكون في غير محله. لما كان ذلك ، وكان الحكم قد عاقب الطاعن بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة مع إيقاف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات ولم يقض بعقوبة العزل عملاً بالمادة 27 من قانون العقوبات ، وكان البين من الحكم الغيابي الصادر بتاريخ 15/7/2021 أنه أغفل القضاء بالعزل عملاً بالمادة 27 من قانون العقوبات ، وكان مفاد نص المادة 395 من قانون الإجراءات الجنائية بعد تعديلها بالقانون رقم 95 لسنة 2003 أن محكمة الجنايات تتقيد سلطتها في نطاق العقوبة بما قضي به الحكم الغيابي ، بحيث لا يجوز لها عند إعادة نظر الدعوى تشديد أو تغليظ العقوبة التي قضي بها الحكم الغيابي خلافاً لما كان عليه الحال قبل تعديل المادة سالفة البيان ، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر عند إعادة إجراءات محاكمة الطاعن حضورياً ، فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون. لما كان ما تقدم ، فإن الطعن برمته يضحى على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً .

( الطعن رقم 6006 لسنة 92 ق - جلسة 14 / 11 / 2023 )

 
شرح خبراء القانون

التزوير في المحررات : هو « تغيير الحقيقة في محرر بإحدى الطرق التي نص عليها القانون تغييراً من شأنه إحداث ضرر ومقترن بنية استعمال المحرر المزور فيما أعد له » .

يتضمن هذا التعريف بیان العناصر القانونية التي يفترضها التزوير في المحررات : فثمة تغيير للحقيقة، وهذا التغيير موضوعه محرر؛ ويتعين أن تكون وسيلته هي إحدى الطرق التي حددها القانون على سبيل الحصر؛ وينبغی أن يكون من شأنه إحداث ضرر؛ ويتعين أن يقترن بالقصد الجنائي الخاص التي يفترض نية استعمال المحرر المزور فيما زور .

علة التجريم :

علة تجريم التزوير في المحررات أنه يهدر الثقة العامة فيها، ويخل تبعاً لذلك بالضمان واليقين والإستقرار في المعاملات وسائر مظاهر الحياة القانونية في المجتمع : فالناس يعتمدون على الأوراق المكتوبة لإثبات علاقاتهم، والدولة تعتمد عليها في ممارسة اختصاصاتها المتنوعة؛ وهي وسيلة أساسية لحسم المنازعات قضاء، إذ تقوم بها الأدلة الكتابية التي تعد أهم وسائل الإثبات القانونية . ولا يتاح للكتابة أداء هذا الدور إلا إذا منحها الناس ثقتهم، فآمنوا بصدق البيانات تثبتها، أما إذا كان تعارضها والحقيقة هو الوضع الغالب، فإن ذلك يؤدي إلى رفض الناس الإعتماد عليها دون أن تكون لديهم الوسيلة التي تحل محلها، ويعني ذلك تعثر التعامل وتعقيده، وعرقلة نشاط الدولة واضطرابه ويحمى الشارع بتجريم التزوير هذه الثقة العامة في المحررات .

طرق التزوير :

حصر الشارع طرق التزوير : حدد الشارع طرق التزوير على سبيل الحصر، ومن ثم فلا قيام للتزوير إلا إذا كان تغيير الحقيقة بإحدى هذه الطرق . وعلة هذا الحصر هي الحرص على أن توضع للتزوير الحدود المعقولة التي تقضيها المصلحة الإجتماعية .

وقد نص الشارع على طرق التزوير في المادتين 211، 213 من قانون العقوبات، وطرق التزوير في المحررات العرفية هي بعينها طرق التزوير في المحررات الرسمية، إذ أن الشارع قد أحال في المادة 215 من قانون العقوبات الخاصة بالتزوير في المحررات العرفية على المادتين 211، 213 اللتين بينت فيها طرق التزوير في المحررات الرسمية . وتضاف إلى هذه الطرق طريقتا التقليد (المادتان 206، 2089) والاصطناع المادتان (217، 221)، ذلك أن نصوص التزوير يكمل بعضها بعضاً، وهي في مجموعها تحدد طرق التزوير التي نص الشارع عليها .

التفرقة بين التزوير المادي والتزوير المعنوي : تنقسم طرق التزوير إلى قسمين : طرق التزوير المادي وطرق التزوير المعنوي .

فالتزوير المادي هو ما ترك أثراً مادياً يدل على العبث بالمحرر، وقد يتبين هذا الأثر بالحواس المجردة، وقد لا يتبين إلا بالاستعانة بالخبرة الفنية . وفي عبارة أخرى : التزوير المادي يمكن القطع بارتكابه إذا فحصنا المحرر وتبيناً ما يتضمنه من مظاهر وعلامات مادية، واستخلصنا من فحصها دلالتها على تشويه بيانات المحرر، وهذه المظاهر هي من قبيل الكشط أو المحو أو الطمس أو تقليد خط الغير أو نسبة كتابة أو إمضاء إلى غير صاحبها أو إصطناع المحرر بأكمله .

أما التزوير المعنوي فيتحقق بتشويه المعاني التي كان يجب أن يعبر عنها المحرر وفقاً لإرادة من ينسب إليه بعض بياناته : فالفرض أن شخصاً كان عليه أن يثبت في المحرر بيانات ذات دلالة معينة، فشوه هذه الدلالة بأن أثبت بيانات لها دلالة مختلفة، مثال ذلك أن يطلب شخص من آخر تدوین محرر يتضمن بيانات معينة فيدونه مشتملاً على بيانات مختلفة، أو أن يدون شخص في محرر بيانات ينسبها إلى الغير متضمنة وقائع تخالف الحقيقة . ومن ذلك يتضح أن التزوير المعنوي يفترض أن المحرر تضمن مظاهر مادية يستدل بها على العبث به : ذلك أن عملية تدوينه هي نفسها عملية تشويه فحواه ومضمونه، فمظهر المحرر لا يكشف عن تزوير، وإنما يقتضي التحقق من التزوير معرفة الحقيقة من مصادر أخرى، كالكشف عن إرادة من ينسب إليه المحرر، أو تحرى صدق الوقائع التي تثبتها بياناته، فإن ثبت الإختلاف بين الحقيقة وما تضمنته بيانات المحرر كان ذلك الدليل على التزوير .

أهمية التفرقة بين التزوير المادي والتزوير المعنوي : التزوير المادي أسهل إثباتاً من التزوير المعنوي، ويرجع ذلك إلى ترك التزوير المادي آثاراً مادية تكشف عنه، فتكون الدليل على حصوله في حين لا وجود لمثل هذه الآثار في التزوير المعنوي  والتزوير المادي قد يرتكب أثناء تدوين المحرر وقد يرتكب بعد الفراغ من تدوينه : فإصطناع محرر ونسبته إلى شخص لم يصدر عنه تزوير مادي أثناء تدوين المحرر، ومحو عبارات من محرر دون فعلاً أو إضافة بيان إليه هو تزویر مادی بعد الفراغ من تدوین المحرر أما التزوير المعنوي فلا يتصور ارتكابه إلا أثناء تدوين المحرر، لأنه يفترض تشويه معناه ممن يحرره، وتشويه معنى البيان على هذا النحو لا يأتيه إلا من يثبته .

والأصل أن الشارع لا يفرق من حيث العقاب بين التزوير المادي والتزوير المعنوي : فمن يزور محرراً تزویراً مادياً يعاقب بذات العقوبة التي توقع عليه لو زوره تزويراً معنویاً  ولكن يرد على هذا الأصل تحفظ : ذلك أن الشارع يقرر للتزوير الذي يرتكبه موظف عام فى محرر رسمى عقوبة أشد مما يقرره للفرد العادي إذا ارتكب هذا التزوير ؛ وهذه التفرقة في العقاب غير متصورة إلا إذا كان التزوير مادياً، إذ يجوز أن يسأل فرد عادي باعتباره فاعلاً لتزوير مادي في محرر رسمي، كما لو اصطنعه ونسبه إلى الموظف المختص بتحريره . أما إذا كان التزوير معنوياً في محرر رسمی، فلا يتصور أن يسأل عنه فرد عادي باعتباره فاعلاً له، إذ هذا النوع من التزوير لا يأتيه إلا من يعهد إليه بتدوين المحرر ولا يرتكب إلا أثناء تدوينه ؛ ولا يعهد بتحرير المحرر الرسمي إلا إلى موظف عام، ومن ثم إستحال أن يسأل فرد كفاعل لتزوير معنوي في محرر رسمي، وإنما يتصور أن يسأل بإعتباره شريكاً للموظف في هذا التزوير، والقاعدة أن للشريك عقوبة الجريمة التي ساهم فيها، ومن ثم توقع عليه ذات العقوبة التي يتعرض لها الموظف .

طرق التزوير المعنوي 

بيان طرق التزوير المعنوي : حدد الشارع طرق التزوير المعنوي في المادة 213 من قانون العقوبات، فقرر أن يعد مزوراً « من غير بقصد التزوير موضوع السندات أو أحوالها في حال تحريرها المختص بوظيفته سواء كان ذلك بتغيير إقرار أولى الشأن الذي كان الغرض من تحرير تلك السندات إدراجه بها أو بجعله واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة مع علمه بتزويرها أو بجعله واقعة غير معترف بها في صورة واقعة معترف بها ». ويخلص من هذا النص أن للتزوير المعنوي طريقتين : 1- تغيير إقرار أولي الشأن. 2- جعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة، أو واقعة غير معترف بها في صورة واقعة معترف بها .

1- تغيير إقرار أولي الشأن

ماهية هذه الطريقة : يعني الشارع بهذه الطريقة أن من عهد إليه بتدوين المحرر قد أثبت فيه بيانات تختلف عن تلك التي طلب ذوو الشأن منه إثباتها : فالفرض أن من يدون المحرر لا ينسب إلى نفسه كل ما يتضمنه من بیانات، وإنما ينسب بعضها على الأقل إلى شخص آخر طلب منه إثباتها في المحرر، ثم هو لا يدونها على النحو الذي طلب منه، بل يغير فيها وينسبها مشوهة إلى من طلب منه إثباتها. والتزوير بهذه الطريقة معنوی، إذ لا تنم عنه آثار مادية في المحرر، ولا يتيسر إكتشافه إلا بالرجوع إلى صاحب الشأن، ومعرفة البيانات التي كان يريد إثباتها، ومقارنتها بما أثبته كاتب المحرر .

وخطورة هذه الطريقة أن المزور يسيء استغلال الثقة التي وضعها فيه أصحاب المصلحة، أو يستغل سذاجتهم أو إهمالهم لتشويه الإقرارات التي تصدر عنهم. ولا يحول دون قيام هذا التزوير أن يكون في وسع المجني عليه ملاحظة التغيير الذي أدخل على أقواله ولكنه لم يفعل إهمالاً منه؛ كما لا يحول دون قيامه أن يكون كاتب المحرر قد قرأه على المجني عليه الذي غفل عن ملاحظة ما تضمنه من تشويه لأقواله؛ بل إن توقيعه عليه بما يفيد في الظاهر - دون الحقيقة - موافقته على فحواه لا يحول دون قيام هذا التزوير .

تطبيقات للتزوير بهذه الطريقة : التزوير بهذه الطريقة متصور في المحررات الرسمية والمحررات العرفية على السواء. فإن كان محله محرراً رسمياً ففاعله موظف عام دائماً : ومن أمثلته أن يطلب متعاقدان من الموثق تحرير عقد بيع فيحرر عقد هبة، أو يحرر عقد البيع ولكن يضمنه شروطاً غير ما اتفقا عليه ؛ أو أن يثبت المأذون في عقد الزواج مهراً أقل أو أكثر مما طلب الزوجان منه إثباته، أو يثبت في إشهاد الطلاق أنه بائن في حين أن الزوج طلب منه تحرير إشهاد طلاق رجعي ومن تطبيقات التزوير بهذه الطريقة في المحررات العرفية أن يكلف دائن مدينه بتحرير إيصال بمبلغ قبضه الدائن منه، فيغير في هذا الإقرار، ويثبت الوفاء بمبلغ يزيد عما دفعه أو يثبت الوفاء بكل الدين  ومن تطبيقاتها كذلك أن يطلب شخص من آخر أن يحرر رسالة، فيكتب على لسانه سنداً بدين عليه، أو عقد بيع عقار يملكه ؛ أو أن يطلب شخص من آخر ترجمة محرر فيغير من فحواه .

2- جعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة  أو واقعة غير معترف بها  في صورة واقعة معترف بها 

تمهيد : هذه الطريقة هي أشمل طرق التزوير، وتتسع للطريقة الأولى من طرق التزوير المعنوي، إذ أن إقرار أولى الشأن لا يعدو أن يكون واقعة، فالتغيير فيه هو جعل الواقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة .

جعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة : يعنى الشارع بذلك كل إثبات لواقعة على غير حقيقتها : فكل تشويه أو تحريف أيا كان يدخله كاتب المحرر على الوقائع التي يثبتها فيه - حين تدوينه إياه - يعد تزویراً معنوياً بهذه الطريقة. والتزوير بهذه الطريقة قد يقع في محرر رسمي وقد يقع في محرر عرفي. فإذا كان المحرر رسمياً ففاعل التزوير هو دائماً الموظف المختص بتدوين المحرر؛ ومن تطبيقاته أن يذكر الموظف للمحرر تاريخاً غير تاريخه الحقيقي؛ أو يقرر أنه حرره في مكان غير مكان تحريره؛ أو يذكر حضور شهود في حين لم يحضر تحريره شهود ؛ أو أن يثبت المحضر خلافاً للحقيقة في محضر للحجز عدم وجود منقولات في مسكن الشخص المطلوب الحجز عليه؛ أو أن يقرر المحقق في محضر التحقيق أنه لم يعثر في مسكن المتهم على أشياء تجدي في إثبات الجريمة، في حين أنه قد عثر على هذه الأشياء؛ أو أن يثبت المأذون خلو الزوجة من الموانع الشرعية، في حين أن أحد هذه الموانع متوافر، ومن أمثلة التزوير بهذه الطريقة في المحررات العرفية أن يثبت محصل شركة المبالغ التي حصلها لحسابها بأقل من مقدارها الحقيقي أو البضائع التي سلمها عمالها بأقل من كميتها الحقيقية، أو أن يحرر دائن لمدينه مخالصة عن دين غير الذي سدده .

جعل واقعة غير معترف بها في صورة واقعة معترف بها : جعل واقعة غير معترف بها في صورة واقعة معترف بها يدخل في مدلول « جعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة »، لأنه إذا أثبت كاتب المحرر إعتراف شخص بواقعة معينة، في حين أنه لم يعترف بها، فإن ذلك يعني أنه أعطى الإعتراف - وهو واقعة لم تحصل - صورة الواقعة التي حصلت : فالإعتراف واقعة مزورة أعطيت صورة الواقعة الصحيحة. ومن أمثلة ذلك أن يثبت المحقق أن المتهم إعترف بالجريمة في حين أنه لم يعترف بها؛ أو أن يثبت الموثق أن البائع أقر أنه قبض الثمن في حين أنه لم يقر بذلك .

وأهم تطبيقات التزوير المعنوي بجعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة هي انتحال شخصية الغير، والتزوير بالترك .

انتحال شخصية الغير : انتحال شخصية الغير - إذا لم يترك في المحرر أثراً مادياً يدل عليه - « هو صورة من صور التزوير المعنوي الذي يقع بجعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة »، والواقعة التي انصب عليها التغيير هي شخصية الغير التي انتحلها المتهم أو أبدلها بشخصية أخرى. وسواء أن ينتحل المتهم شخصية خيالية أو شخصية من له وجود فعلي في بيئته . 

وهذه الصورة للتزوير أغلب حدوثاً في المحررات الرسمية، وتطبيقها أن يثبت الموظف في محرره إسم شخص غير من حضر أمامه : فمن حضر ينتحل شخصية من لم يحضر  وسواء أكان الموظف حسن النية أم كان سيئها. وإن لم يوقع عليه في الحالة الأولى عقاب. ومن أمثلة التزوير بهذه الطريقة أن يتسمى مسیحی بإسم مسلم ويوثق زواجه من مسلمة ؛ أو أن يتسمى شخص بإسم وهمي ويطلب إعلان عريضة دعوی بهذا الإسم ؛ أو أن يتقدم شخص أمام القضاء بصفة شاهد ويتسمى بإسم آخر، ويدلي بشهادته في محضر الجلسة بالإسم المنتحل ؛ أو أن يتسمی أحد الخصوم لدى القضاء بإسم غير اسمه الحقيقي. ومن تطبيقات هذا التزوير كذلك أن ينتحل المتهم شخصية الزوج ويملي على المأذون إشهاد طلاق الزوجة ؛ أو يتسمى بإسم محكوم عليه بعقوبة سالبة للحرية وثبت ذلك في دفاتر السجن وينفذ العقوبة بدلاً منه ؛ أو يتسمى بإسم مجند ويتقدم للتجنيد بدلاً منه ؛ أو يتسمى بإسم طالب ويتقدم للامتحان بدلاً منه .

ويتصور التزوير بهذه الطريقة في المحررات العرفية، ومن تطبيقاته في هذه المحررات أن ينتحل المتهم شخصية الدائن ويملى مخالصة من الدين، أو شخصية المالك ويملي عقد بيع أو هبة. والفرض أن المتهم لم يوقع على المحرر الذي انتحل فيه شخصية غيره، إذ لو وقع لصار التزوير مادياً .

 التزوير بالترك : إذا امتنع المتهم عن إثبات بیان كان يتعين عليه إثباته في المحرر، فترتب على امتناعه تغيير في معناه الإجمالي، فهل يقوم بذلك التزوير ؟ مثال ذلك أن يمتنع الموظف المختلس عن إثبات بعض المبالغ التي تسلمها لحساب الدولة كي يخفي بذلك إختلاسه، أو أن يمتنع المدين - وهو يحرر سند الدين بناء على تكليف من الدائن - عن إدراج الشرط الخاص بأداء الفوائد .

إن موضع الصعوبة في إعتبار التزوير متحققاً بالترك أن المحرر خال من أي بيان مخالف للحقيقة، إذ الصمت لا يمكن اعتباره كذباً ومن ناحية ثانية، فالمبدأ المقرر هو «حصر الشارع طرق التزوير »، وليس الامتناع من بين ما نص عليه الشارع من طرق وهذا القول صحيح بالنسبة للتزوير المادي، فجميع طرقه تفترض عملاً إيجابياً يدخل به المتهم التغيير المادي الملموس على بيانات المحرر. ولكن هذا القول غير صحيح بالنسبة للتزوير المعنوي : ذلك أنه إذا نظر إلى المحرر في مجموعة لتبين أنه قد ترتب على الإمتناع عن إثبات أحد البيانات التي كان يجب أن يتضمنها تغيير في معناه الإجمالي: فالمعنى المستفاد من المحرر بعد هذا الإمتناع مختلف عن المعنى الذي كان يستفاد منه لو حرر على النحو الصحيح، ومن شأن ذلك تشويه المعنى الذي يجب أن يعبر عنه، ويعد ذلك جعلاً لواقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة أو تغييراً لإقرار أولى الشأن. « فيجب ألا يقتصر النظر على الجزء الذي حصل ترکه، بل ينظر إلى ما كان يجب أن يتضمنه المحرر في مجموعه. فإذا ترتب على الترك تغيير في مؤدي هذا المجموع إعتبر الترك تغييراً للحقيقة » .

والرأي الذي نخلص إليه بذلك أن التزوير بالترك هو صورة للتزوير المعنوي في إحدى طريقتيه، ومن ثم لا يجوز أن يثير العقاب عليه شكاً .

المحرر

أهمية المحرر في جرائم التزوير المحرر هو موضوع التزوير : فهو موطن الحماية التي يقررها القانون بالعقاب على التزوير، ذلك أن فحواه هو الحقيقة التي يريد حمايتها، وهو الموضوع الذي ينصب عليه فعل تغيير الحقيقة بإحدى طرقه التي حددها القانون .

فإذا انتفى المحرر انتفى التزوير : فلا محل للتزوير مهما أسرف المتهم في تغيير الحقيقة عن طريق القول أو الفعل، فقد جعل الشارع من تغيير الحقيقة بالقول أو الفعل جرائم متميزة عن التزوير : فمن يكذب في قوله ويبتز بالحيلة مال الغير، ومن يغش في البضاعة التي يتجر فيها، أو يغش فی الماركات التي يضبط بها بعض التجار حساباتهم، أو يعبث بعداد المياه أو الكهرباء أو عداد سيارة الأجرة، كل أولئك لا يسألون عن تزوير  .

تعريف المحرر : المحرر مجموعة من العلامات والرموز تعبر إصطلاحاً عن مجموعة مترابطة من الأفكار والمعاني الصادرة عن شخص أو أشخاص معينين . فجوهر المحرر أنه وسيلة تعبير عن فكرة، وله – بناء على ذلك - دور اجتماعي، باعتباره أداة للتفاهم وتبادل الأفكار وللمحرر دور قانونی هام بالنظر إلى صلته الوثيقة بالمعاملات القانونية وقيمة المحرر ليست في مادته وما تحتويه من رموز، فهذه الرموز مجردة من القيمة الذاتية، وإنما تكمن قيمته فيما تعبر عنه رموزه، وفيما لهذا التعبير من دلالة اجتماعية .

عناصر فكرة المحرر : عناصر فكرة المحرر عديدة، وهي جميعاً تصدر عن تعريفه السابق :

أن جوهر فكرة المحرر أنه يتضمن تعبيراً متكاملاً عن مجموعة من المعاني والأفكار المترابطة فيما بينها، إذ بهذا الشرط يمكن أن يكون له صدى على المعاملات القانونية والعلاقات الإجتماعية بوجه عام . وبناء على ذلك فإن صفة المحرر تنتفي عن مجموعة من الألفاظ التي لا تفيد في ذاتها هذه المجموعة من الأفكار، كبطاقة زيارة وتنتفي صفة المحرر كذلك عن الرموز التي لا تتضمن تعبيراً عن فكرة، وإنما يعني وجودها في ذاته دلالة اصطلاحية على أمر معين، فالعلامة التي يضعها تاجر على بضاعة بما يفيد أنها بيعت أو أنها غير معروضة للبيع لا تعتبر محرراً .

وتفترض فكرة المحرر أن دلالة الرموز تستشف بالنظر إليها : فالعين هي حاسة تكشف الفكرة التي يعبر عنها المحرر، ومن ثم فإن الإسطوانة أو شريط التسجيل الذي سجلت عليه عبارات أيا كانت أهميتها القانونية لا يعتبر محرراً، وما يدخل على الصوت الذي يحمله من تشويه لا يعد تزويراً .

ومن عناصر فكرة المحرر اتصاف علاماته ورموزه بثبات نسبی، فالفرض أنها لا تزول تلقائياً، وإنما تبقى طالما لم تتعرض لإتلاف . وعلة هذا العنصر أن وظيفة المحرر في التعامل القانوني أو الإجتماعي بوجه عام تفترض وجوده وإمكان الرجوع إليه، والاستعانة به عند الحاجة إلى ذلك خلال وقت طويل نسبياً  وتطبيقاً لذلك، فإن صفة المحرر تنتفي عن الكتابة التي تختفي بجفاف السائل الذي إستعمل في تدوينها ؛ وعن الكتابة على الرمل أو الجليد، إذ هي بدورها تختفي بحركة الريح أو ارتفاع الحرارة . ويفترض هذا العنصر أن رموز الكتابة تحملها مادة صلبة مستقرة الكيان، كالورق أو الجلد أو القماش أو الحجر .

وتفترض فكرة المحرر أنه يكشف عن شخصية محرره . فالمعنى الذي يكشف عنه هو بالضرورة صادر عن شخص أو أشخاص معينين، ويفيد ارتباطهم بما يدل عليه  ويتصل هذا العنصر بالوظيفة الاجتماعية للمحرر، وكونها التعبير عن علاقة إجتماعية أو إقامة الدليل عليها وما يقتضيه ذلك من ظهور أطراف هذه العلاقة، أو على الأقل إمكان التعرف عليهم عن طريق المحرر . وصاحب المحرر ليس بالضرورة من دونه بيده، وإنما من اتجهت إرادته إلى الإرتباط بمضمونه، ونتيجة لذلك فإنه إذا أملي المحرر شخص ودونه آخر، فصاحب المحرر هو الأول دون الثاني؛ وإذا كان مملى المحرر نائباً عن غيره فصاحب المحرر هو الأصيل دون النائب .

ما لا يعد من عناصر المحرر : ليس من عناصر فكرة المحرر أن يدون بلغة البلاد، فلا فرق بين محرر دون باللغة العربية وآخر دون بلغة أجنبية أيا كانت، ولو كانت لغة بدائية . بل إنه ليس بشرط أن تحسب رموز المحرر بين كلمات لغة من اللغات : فالرموز الاصطلاحية المتعارف عليها لدى فئة من الناس كرموز الشفرة أو علامات الإختزال يمكن أن يتكون بها المحرر وتطبيقاً لذلك تعتبر « الصورة الفوتوغرافية » التي يحملها المحرر أحد « بياناته »، إذ هي « رمز » دال على شخصية من ينسب المحرر إليه، وهي تسهم مع سائر بياناته في تحديد المعنى الإجمالي المستفاد منه.

وليس من عناصر فكرة المحرر أن تحمل رموزه مادة من نوع معين : فإذا كانت هذه المادة في الغالب ورقاً، فإنها قد تكون أحياناً خشباً أو قماشاً أو جلداً أو نحاساً أو أية مادة يتصور أن تستعمل لذلك ..

وليس من عناصر فكرة المحرر وضوح معانيه : فإذا كانت غامضة أو كان تعبيرها ضمنياً، فإن فكرة المحرر لا تنتفي بذلك . وإذا لم يكن فهم الدلالة الكاملة للرموز ممكناً بغير الاستعانة بشيء خارج عن كيانها . وكان الإطلاع على ذلك الشيء متاحاً للناظر إلى هذه الرموز، فإن فكرة المحرر لا تنتفي بذلك . وتطبيقاً لذلك، فإن الإمضاء الموقع به على لوحة فنية يعد في ذاته محرراً، إذ يعني الربط بينه وبين الرسم أو الصورة التي تحملها اللوحة، والشهادة أو التقرير بصدورها عن صاحب الإمضاء، كما يعني إعطاء مشتريها الضمان القانوني بذلك .

أنواع المحررات :

تعبير المحرر ينصرف للوهلة الأولى إلى المخطوط، وتغيير الحقيقة فيه هو من غير شك أوضح حالات التزوير. ولكن ليس من عناصر المحرر أن يكون مخطوطاً؛ فقد يكون المحرر مطبوعاً، ولذلك صورتان : فقد يكون أغلب المحرر مطبوعاً وتركت فيه أجزاء على بياض، کی تملأ بخط اليد كعقود الإيجار المطبوعة  وقد يكون مطبوعاً كله كالأسهم والسندات وأوراق اليانصيب وتذاكر السكك الحديدية . والتزوير متصور في الحالتين : فمن يدخل التحريف على البيانات المدونة بخط اليد، ومن يصطنع محرراً مطبوعاً بأكمله يرتكبان تزويراً .

وقد يستعان بالتليفون على تزوير المحرر : فمن يتصل بأخر تليفونياً ويملي عليه بيانات مخالفة للحقيقة ويأمره بتدوينها - أو يكون عالماً بأنه سيدونها - يسأل عن تزوير ومن المتصور أن يكون التلغراف وسيلة للتزوير في المحرر : فمن يقدم لمكتب الإرسال برقية ينسبها زوراً إلى شخص لم تصدر عنه ؛ والموظف بمكتب الإرسال الذي يرسل برقية ناسباً إياها إلى شخص لم تصدر عنه، أو يحرف في البرقية التي سلمت إليه کی يرسلها؛ والموظف بمكتب الإستقبال الذي يشوه برقية تلقاها ويبلغها محرفة، كل هؤلاء يرتكبون التزوير : فهم إما قد دونوا المحرر أو أملوه - مستعينين بجهاز التلغراف - على شخص آخر، هو الموظف في مكتب الاستقبال .

الضرر :

أهمية الضرر في البنيان القانوني لجرائم التزوير : رجحنا - فيما تقدم - الرأي الذي يذهب إلى اعتبار الضرر ركناً على حدة من أركان التزوير، فإذا ثبت تخلف الضرر إنتفى التزوير، ولو توافرت سائر أركانه ويترتب على ذلك إلتزام قاضي الموضوع بأن يثبت في قضائه بالإدانة توافر هذا الركن، وإلا كان حكمه قاصر التسبيب .

وتقتضي دراسة الضرر في التزوير تفصيل موضوعات ثلاثة : ماهية الضرر وأنواعه ؛ وضابط الضرر، ومدى توافره في المحررات الباطلة .

 ماهية الضرر وأنواعه

تعريف الضرر :

الضرر هو إهدار حق، أي إخلال بمصلحة مشروعة، ومن ثم يعترف بها القانون ويكفل لها حمايته .

وليس من عناصر فكرة الضرر أن يحل بشخص معين، فالناس سواء من حيث جدارتهم بالحماية إزاء أضرار التزوير . وتطبيقاً لذلك، فإنه إذا إستهدف المتهم أن ينال الضرر شخصاً معيناً، فنال شخصاً آخر قام التزوير على الرغم من ذلك، بل يقوم التزوير ولو حقق للمجني عليه کسباً . ولا تقتضي فكرة الضرر أن يمثل جسامة معينة، فأقل الأضرار جسامة يقوم به التزوير .

انتفاء الضرر :

إذا ثبت انتفاء الضرر انتفى التزوير حتماً. وحالات انتفاء الضرر لا تدخل تحت حصر، ونعرض فيما يلي أهم هذه الحالات :

لما كانت المصلحة أو الحق الذي يهدره التزوير يقرره القانون لشخص، ويقابله بالضرورة التزام مفروض على شخص، فإنه إذا لم يوجد شخص يقرر له القانون الحق وآخر يفرض عليه الالتزام، فلا وجود للمجال الذي يمكن أن يتحقق فيه الضرر : وتطبيقاً لذلك، فإنه إذا إصطنع شخص محرراً يدعى فيه لنفسه أو لغيره حقاً في ذمة شخص خيالي ليس له وجود حقيقي ووضع عليه إمضاء نسبة إلى هذا الشخص فهو غير مسئول عن تزوير، لأن المحرر مجرد من القيمة القانونية، ولا وجود لمصلحة أو حق يمسهما . ويمكن أن نستخلص من ذلك قاعدة عامة مؤداها أنه إذا عرض للمحرر سبب يفقده تماماً قيمته القانونية، وينفي عنه في صورة قاطعة أن يكون مقرراً لحق أو سنداً لحماية مصلحة، فإن العبث الذي يمتد إليه يستحيل أن ينشأ عنه ضرر، لأنه لا يتصور أن يكون من شأنه المساس بحق أو مصلحة  . ومن تطبيقات هذه القاعدة أنه إذا كان التزوير ظاهراً مفضوحاً بحيث لا يمكن أن يخدع به أحد فلا يتصور أن يقوم به ضرر .

وينتفى الضرر كذلك إذا إستهداف المتهم بالتزوير إنشاء سند الإثبات مرکز قانونی حقیقی، بشرط أن يكون الحق المتولد من هذا المركز ثابتاً وقت الفعل على نحو قاطع خالياً من النزاع ومستحق الأداء، إذ لن يترتب على إنشاء هذا السند تغيير في المراكز القانونية القائمة وقت ارتكاب الفعل، ولن يضار بذلك أحد . وتطبيقاً لذلك، فإنه إذا أوفي المدين بدينه كاملاً ولم يحصل على مخالصة تثبت هذا الوفاء، فإصطنع وارثه مخالصة تثبت الوفاء ووضع عليها إمضاء مزوراً نسبه إلى دائنه السابق، فلا تقوم بفعله جريمة التزوير، إذ قد إنقضى حق الدائن، ولم يعد ثمة مجال للقول بمساس بحق أو مصلحة له على نحو يقوم به الضرر .

وقت تقدير الضرر : تطبق على جريمة التزوير القاعدة العامة القاضية بأن العبرة في تحديد ما إذا كانت أركان الجريمة متوافرة أم غير متوافرة هي بوقت ارتكاب الفعل . ولما كان الضرر أحد أركان التزوير، كان الوقت المتعين الاعتداد به لتقديره هو  ((لحظة تغيير الحقيقة))، وكان متعیناً تبعاً لذلك صرف النظر عن أي وقت آخر : فإذا كان الضرر في ذلك الوقت محتملاً قام بذلك التزوير، ولا عبرة بأنه قد صار مستحيل التحقق بعد ذلك، والأسباب التي تجعل الضرر مستحيلاً إما أن تكون  خارجة عن إرادة الجاني فلا يمكن أن يكون لها أثر في محو جريمته . وإما أن يكون الجاني نفسه هو الذي أراد أن يتلافى الأمر ويحول دون وقوع الضرر أو يصلح ما أفسده بسابق فعله . والمتفق عليه في هذه الصورة أن فعل الجاني اللاحق لا يمكن أن يمحو سابق جرمه، وتطبيقاً لهذه القاعدة فإن تزوير سند الدين بتغيير تاريخ استحقاقه يعاقب عليه ولو سدد الدين بعد ذلك ؛ وتزوير مخالصة يعاقب عليه ولو أوفي المدين بدينه أو سقط بالتقادم قبل أن ترفع في شأنه الدعوى ؛ وتزوير إمضاء شخص في شكوي يعاقب عليه ولو وافق بعد ذلك صاحب الإمضاء على كل ما تضمنته هذه الشكوي، و انتحال المتهم إسم شخص آخر في محضر تحقيق يقوم به التزوير ولو عدل عن الانتحال وذكر إسمه الحقيقي قبل أن ينتهي التحقيق  .

أنواع الضرر :

الضرر أنواع عديدة، ويسوى القانون بينها: فلا فرق بین ضرر مادی وضرر معنوی، أو بين ضرر حال وضرر محتمل، أو بين ضرر فردی وضرر اجتماعی .

الضرر المادي : يمس الضرر المادي عناصر الذمة المالية فيترتب عليه الإنقاص من عناصرها الإيجابية، أو الزيادة في عناصرها السلبية، وهو أوضح أنواع الضرر . وأهم تطبيقاته إصطناع سند دین، أو مخالصة من دين ينسبها مدين إلى دائنه زوراً، أو اصطناع عقد بيع أو هبة أو إيجار ونسبته إلى مالك عقار خلافاً للحقيقة . وأي قدر من الضرر المادي - ولو كان ضئيلاً - يكفى لقيام التزوير : فمن أضاف إلى سند دین مدنی عبارة  الإذن  أو لحامله  يرتكب تزويراً، إذ تؤدي هذه الإضافة إلى تحول السند المدني إلى سند إذني أو سند لحامله، ومن شأن ذلك أن تتغير الأحكام القانونية التي يخضع لها، بحيث يصير الدين أكثر عبئاً على المدين، وفي ذلك ما يحقق الضرر المادي الذي يقوم به التزوير ويعد تزویراً كذلك أن يضيف المتهم إلى سند شرطاً يجعله مستحق الوفاء في مكان غير المكان المتفق عليه .

الضرر المعنوي :

يمس الضرر المعنوي الشرف والإعتبار، أي ينال من المكانة الإجتماعية للمزور عليه فيهبط بها، وأي قدر من المساس بهذه المكانة يكفي لتحقق التزوير  ومن تطبيقات الضرر المعنوي أن يصطنع شخص محرراً ينسبه إلى شخص ويضمنه اعترافه بارتكاب جريمة أو اقتراف فعل مخل بالأخلاق أو مزر بالكرامة، بل إن الضرر المعنوي يعد متحققاً إذا نسب المتهم إلى غيره خلافاً للحقيقة واقعة تمس حالته الشخصية وإن لم تتضمن إخلالاً بالأخلاق، بالنظر إلى الإرتباط الوثيق بين عناصر الحالة الشخصية والمكانة التي لشخص في المجتمع : فيعد مزوراً من يصطنع محرراً ينسب فيه زوراً إلى رجل أو امرأة قبول الزواج من شخص معين، أو إنهاء العلاقة التي تربطه بزوجه، ويعد مزوراً من يتسمى بإسم غيره في محضر تحقيق جنائي، ومن يضع إمضاء شخص على شكوى بدون إذنه ويتحقق الضرر المعنوي إذا كان من شأن التزوير الإساءة إلى ذكرى شخص میت .

الضرر الاحتمالي : الضرر الاحتمالي هو ضرر لم يتحقق فعلاً، ولكن تحققه منتظر وفق السير العادي للأمور . ففعل المتهم لم يحدث ضرراً حالاً، ولكنه ينطوي على خطر إحداث الضرر، والمرجع إلى تفكير الشخص المعتاد وما إذا كان تحقق الضرر يبدو في تقديره متفقاً مع السير الطبيعي للأمور والدليل على كفاية الضرر الاحتمالي لقيام التزوير مستمد من خطة الشارع في التمييز بين التزوير واستعمال المحرر المزور، فكل منهما جريمة مستقلة عن الأخرى . ولما كان الضرر الفعلي مرتبطاً باستعمال المحرر، فإن معنى ذلك أن جريمة التزوير تكتمل أركانها ولو لم يترتب ضرر فعلی، إكتفاء بالضرر الذي يحتمل أن يترتب عليها إن إستعملت فيما بعد .

ويستخلص إحتمال الضرر من إحتمال استعمال ضار للمحرر المزور، إذ يكفي إحتمال ضرر الاستعمال لكي يوصف التزوير بأنه ضار . وتطبيقاً لذلك، فإنه لا يحول دون توافر الضرر في التزوير أن يكون تحقق الضرر من الاستعمال متوقفاً على ظروف خارجة عن إرادة المزور : مثال ذلك تزوير سند على ناقص الأهلية، إذ تحقق الضرر متوقف على عدم احتجاجه بنقص أهليته  وإذا زور شخص سنداً خالقاً به إلتزاماً على آخر لمصلحة ثالث كان مسئولاً عن تزوير ولو لم يتمسك بالسند من اصطنع باسمه، إذ أن عدم تمسكه به « هو أمر خارج عن فعل التزوير الذي تم من جهة المزور ولزمته تبعته ولا يحول دون العقاب على التزوير إتلاف المحرر المزور، أو التنازل البات عن الإحتجاج به وصيرورة الضرر الفعلي غير متصور، إذ يكفي أنه كان محتملاً وقت ارتكاب التزوير . ومن تطبيقات الضرر الاحتمالي تزویر سند للوصول إلى حق ثابت .

تزویر سند من أجل الوصول إلى حق ثابت : أثار هذه التزوير جدلاً فقهياً : وصورته أن يكون الشخص حق في ذمة آخر، ولكنه لا يجوز السند الذي يتيح له إثباته، فيصطنع ذلك السند . ويلاحظ أن هذا الشخص كان يستطيع – دون حاجة إلى التزوير - أن يصل إلى حقه قضاء، ولكن ذلك كان يقتضيه سلوك طرق إثبات عسيرة وتحمل مخاطر العجز عن إقناع القضاء بحقه .

قد يقال نفياً للتزوير إنه لم ينل المدين ضرر، فالإلتزام ثابت في ذمته ولم يترتب على فعل دائنه تكليفه بشيء لم يكن مكلفاً به قانوناً، وليست له مصلحة مشروعة في التهرب من التزامه  .

ولكن الرأي الراجح هو قيام التزوير لاحتمال الضرر : فإصطناع السند يجرد المدين من حصانة موضوعية وإجرائية تقررها له قواعد الإثبات، ومن حقه أن يظل متمتعاً بها، فلا يحرم منها فيلزم بالدين عن غير الطريق الذي رسمه القانون. ويعني ذلك أن هذه الحصانة تمثل حقاً أهدره الاصطناع على نحو يتحقق به الضرر ؛ وبالإضافة إلى ذلك فإن نشاط المتهم قد رتب ضرراً إجتماعياً، تمثل في الإحتيال على القانون، وخداع القضاء بالوصول إلى الحق عن غير الطريق الذي رسمه القانون  . وتصير الأمور أكثر وضوحاً إذا كان الحق متنازعاً فيه، أو غير واجب الأداء فوراً، أو كان المدين قد أفلس، فإصطنع الدائن المحرر الذي يصيره به غير متنازع فيه أو مستحق الأداء في الحال : فثمة ضرر محقق لا شك فيه .

الضرر الاجتماعي : الضرر الاجتماعي هو ما استحالت نسبة أذاه إلى شخص أو أشخاص معينين، لأنه قد إمتد إلى المجتمع في مجموعه : فهو ضرر أصاب المصالح المادية أو المعنوية للدولة بإعتبارها تمثل المجتمع  وهو نوعان : مادی و معنوی ومن أهم تطبيقات الضرر الاجتماعي المادي تزوير محرر يستهدف التخلص من ضريبة أو رسم أو غرامة، أو يستهدف إنشاء سند للإستيلاء على مال للدولة، أو إنشاء دين في ذمتها، أو ستر غش من شأنه الإضرار بمصالحها .

أما الضرر الاجتماعي المعنوي فتتصور له تطبيقات عديدة . ولكن أهم هذه التطبيقات يتمثل فيما استقر عليه الفقه والقضاء من اعتبار كل تغيير للحقيقة في محرر رسمي منتجاً بذاته ضرراً إجتماعياً متمثلاً في الإقلال من الثقة التي يجب أن يحظى بها هذا النوع من المحررات : فالأصل في المحررات الرسمية أن تكون موضع ثقة مطلقة وأن تكون جميع بياناتها صادقة، وبغير هذه الثقة تعجز الدولة عن أداء وظائفها وينال المجتمع من جراء ذلك ضرر جسيم، فثمة ثقة مفترضة يهدرها أي عبث ولو كان قليلاً، وهذا الإهدار يلحق بالمجتمع ضرراً في جميع الأحوال، وإن تجرد هذا الضرر من الصبغة المادية فهو معنى على كل حال .

وأهمية هذا المبدأ هي إعفاء قاضي الموضوع - حين يدين المتهم بالتزوير في محرر رسمى - من إثبات تحقق ضرر نال فرداً أو أفراد، أو نال الدولة في مصالحها المادية، مكتفياً بالتثبت من العبث في بيانات المحرر والقول - دون بحث خاص - بتحقق الضرر الإجتماعي المعنوي المتمثل في الإقلال من الثقة في هذه المحررات .

ضابط الضرر :

وجه الحاجة إلى ضابط للضرر : اتضح فيما تقدم أن للضرر مدلولاً متسعاً، وأن الشارع قد سوى بين أنواعه، وإعتد بالضرر المحتمل، فلو ترك الضرر بغير ضابط، لاقتضى ذلك أن يكون الفصل في توافره لمحض تقدير قاضي الموضوع، ولترتب على ذلك الاتساع في نطاقه على نحو قد لا تقتضيه - المصلحة العامة ولذلك اجتهد بعض الفقهاء في صياغة ضابط للضرر يحكم فكرته ويهتدي به القضاء .

مذهب القضاء المصري : يتعين في استقراء مذهب القضاء المصرى التفرقة بين المحررات الرسمية والمحررات العرفية .

المحررات الرسمية : تبنى القضاء المصري منذ البداية « نظرية جارو » في شأن هذه المحررات، بل وتطرف في فهمها، وبالغ في النتائج المستخلصة منها، فتطلب للعقاب على التزوير أن يكون موضوعه بياناً أعد المحرر منذ البداية لإثباته فيه، أي كان الغرض من تدوين المحرر أن يكون حجة على صدق ما تضمنه، فإن لم يكن كذلك فإن تغيير الحقيقة فيه لا يقوم به التزوير وتطبيقاً لذلك قضى بأنه إذا ادعت إمرأة بأنها بكر وتزوجت حالة كونها متزوجة وفي عصمة زوجها فهذا الفعل - لا يعاقب عليه ولا يعد تزويراً في عقد الزواج، لأن ذلك العقد الذي قالت فيه إنها بكر لم يكن من شأنه إثبات حالة بكارتها، بل من شأنه إثبات أنها قبلت الزواج ممن عقدت عليه وأنه قبل أن يتزوجها، وهذا القبول المتبادل حصل حقيقة منهما، فيكون العقد إذن صحيحاً بذاته لا تزوير فيه، ومن ثم فإن القول بأنها غير متزوجة هو كذب لا عقاب عليه  وقضى كذلك بأن إثبات سن الزوجين أو أحدهما على غير الحقيقة لإخفاء المانع النظامی المستمد من صغر السن لا يعتبر تزویراً، لأن عقد الزواج لم يعد لإثبات السن، إذ المحرر المعد لذلك هو شهادة الميلاد وقضى بأن إثبات بيانات كاذبة في دفتر المواليد كنسبة طفل إلى غير أمه لا يعد تزويراً، لأن تلك الدفاتر أعدت لإثبات بيانات معينة طبقاً لما يرد على لسان من يبلغها وبصرف النظر عما إذا كانت صحيحة أو كاذبة، فإذا أثبت الموظف المختص هذه البيانات كما أمليت عليه كان معنى ذلك إنتفاء التزوير .

ولكن القضاء عدل بعد ذلك عن هذا التشدد في تحديد ضابط الضرر، فتحلل من اشتراط أن يكون موضوع تغيير الحقيقة بياناً أعد المحرر لإثباته فيه، وصرح بأن التزوير المعاقب عليه « هو التزوير الذي يقع في محرر يمكن أن يوجد عند من يقدم إليه عقيدة مخالفة للحقيقة » وأضاف إلى ذلك أن « القانون لا يشترط أن يكون المحرر قد أعد من وقت تحريره لأن يتخذ سنداً أو حجة بالمعنى القانونى »، وأن التزوير يقوم « مهما يكن مدى حجية المحرر في الإثبات » وقد خلصت محكمة النقض بذلك إلى نتائج تختلف عن تلك التي قالت بها طبقاً لمذهبها القديم : فاعتبرت التزوير متحققاً بإثبات بلوغ أحد الزوجين - على خلاف الحقيقة – السن التي يحددها القانون أو تجاوزها، إذ من شأن ذلك جعل القاضي يجيز سماع الدعوى الناشئة عن عقد الزواج  واعتبرت تغيير الحقيقة في إسمي والدي الطفل أو أحدهما تزویراً، كما اعتبرت التزوير متحققاً بتغيير الحقيقة في البيان الخاص بتاریخ وفاة المورث في الإعلام الشرعي، واعتبرته متحققاً كذلك بتغيير الحقيقة في تاريخ المحرر الرسمي، وبتغيير الحقيقة في إثبات خلو أحد الزوجين من الموانع الشرعية  فكل عبث يرمي إلى إثبات غير الحقيقة في هذا الصدد يعتبر تزویراً .

نظرية البيانات الجوهرية : يستخلص من دراسة قضاء محكمة النقض أنها تعتمد على فكرة  البيانات الجوهرية  لتحديد البيان الذي يصلح موضوعاً للتزوير  : ففي أغلب أحكامها عللت قيام التزوير بأن موضوع تغيير الحقيقة كان أحد البيانات الجوهرية للمحرر، فسن الزوجين بيان جوهري في عقد الزواج، وتاريخ وفاة المورث في الإعلام الشرعى بیان جوهري، وتاريخ المحرر الرسمي هو أحد بياناته الجوهرية، وخلو الزوجة من الموانع الشرعية هو بيان جوهري في عقد الزواج، وقد وضعت المحكمة مبدأ عاماً قررت فيه أنه لا يكفي للعقاب أن يكون الشخص قد قرر غير الحقيقة في المحرر، بل يجب أن يكون الكذب قد وقع في جزء من أجزاء المحرر الجوهرية التي من أجلها أعد المحرر لإثباته . وفي بعض أحكامها عللت البراءة من التزوير بأن تغيير الحقيقة قد وقع في بيان غير جوهري من بيانات المحرر : فإثبات حالة المطلقة في إشهاد الطلاق من حيث الدخول بها أو عدم الدخول هو بيان غير جوهري إذ هو  غير لازم في الإشهاد لأن الطلاق يصح شرعاً بدونه "، والقول عن الزوجة إنها بكر لم يسبق لها الزواج بدلاً من إثبات الحقيقة من أنها مطلقة طلاقاً يحل به العقد الجديد، هذا التغيير لا يقوم به التزوير، لأن إثبات حالة الزوجة من هذه الوجهة لا يعد بياناً جوهرياً من بيانات عقد الزواج .

وقد عرفت محكمة النقض البيان الجوهرى بأنه كل بيان يكون إثباته في المحرر « لازماً لإستكمال شكله القانوني »، أو هو في تعبير آخر « كل بيان واجب الإدراج في المحرر حتى يكون له الشكل الذي تحدده القوانين واللوائح » . ولا يحول دون إعتبار البيان جوهرياً أن يثبت أنه ليس الغرض من تدوين المحرر أن يكون دليل إثباته، أو يثبت أن ورود هذا البيان في المحرر لا يعني حتماً أنه بيان صحیح .

تطبيق ضابط الضرر على انتحال المتهم شخصية غيره في محضر تحقيق جنائي : قد يلجأ المتهم - في سبيل التهرب من التهمة – إلى إخفاء شخصيته، فيستعين على ذلك بانتحاله شخصية غيره : وقد يكون الغير شخصاً معروفاً له فيحاول عن طريق هذا الإنتحال أن يلصق التهمة به، وقد يكون شخصاً خيالياً - أي لا وجود له في بيئة المتهم - فيكون هدفه بالانتحال مجرد تضليل سلطات التحقيق، فهل يعد انتحال الشخصية في هذه الظروف تزويراً .

يبدو أنه يتعين الرد على هذا التساؤل بالإيجاب : ذلك أن انتحال المتهم شخصية غيره هو صورة لتزوير معنوي عن طريق جعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة، وهو تزوير في محرر رسمى، هو محضر التحقيق . ولكن يثير الشك في صواب هذه الإجابة أن محضر التحقيق لم يعد لإثبات شخصية المتهم، وإنما أعد لتلقى أسئلة المحقق وإجابات المتهم كما تصدر عنه، ومحضر التحقيق من هذه الوجهة لم يدخل عليه تحريف، فقد تضمن أسئلة المحقق وإجابات المتهم كما صدرت عنهما  ولكن يرد على ذلك، بأنه إذا كان محضر التحقيق لم يعد لإثبات شخصية المتهم، فهو لم يعد لإثبات إجابة أي شخص، وإنما أعد لإثبات إجابة شخص بعينه، هو المتهم الذي يستجوبه المحقق، ومن ثم فإنتحاله شخصية غيره هو تزویر باعتباره ينطوي على نسبة الإجابات إلى شخص غير من صدرت عنه، أي ينطوي على تغيير للحقيقة في هذا الخصوص وبالإضافة إلى ذلك، فإن القول بأن المحضر لم يعد لإثبات شخصية المتهم مرفوض، ذلك أن ضابط الضرر لا يقتضي أن يكون المحرر قد أعد منذ تحريره لإثبات البيان الذي غيرت فيه الحقيقة، وإنما يكفي أن يكون صالحاً لتوليد عقيدة مخالفة للحقيقة لدى الإطلاع عليه، وهو ما يتحقق حينما يتصور المطلع على المحضر أن الإجابة صادرة عن شخص غير من صدرت عنه .

والذي يمكن استخلاصه مما تقدم أن انتحال المتهم شخصية غيره هو تغيير للحقيقة بإحدى طرق التزوير المعنوي التي نص القانون عليها، والضرر - وفقاً لضابطه - لا شك فيه، على الأقل في صورته الإحتمالية ؛ بل إنه يتعين اعتباره ضرراً اجتماعياً معنوياً، بالنظر إلى أن موضوعه محرر رسمى . ومؤدى ذلك اعتبار فعل المتهم تزویراً . ولكن ثمة قاعدة أساسية تحد من إطلاق هذه النتيجة : هذه القاعدة هي حرية المتهم فيما يقوله دفعاً للاتهام عن نفسه، ولو كان سبيله إلى ذلك هو إخفاء شخصيته الحقيقية ؛ ويحرص المجتمع على كفالة احترام هذه القاعدة لأنها ضمان لموضوعية التحقيق وكفالة لحق الدفاع في مواجهة الاتهام . وعلى هذا النحو يبرز الوجه الحقيقي للمشكلة : إذ كيف السبيل إلى التوفيق بين الأصل في إعتبار فعل المتهم تزویراً من ناحية، ووجوب نفي التزوير عن فعله إحتراماً لحقه في الدفاع عن نفسه من ناحية ثانية .

استقر القضاء على حل وسط، مضمونه أنه إذا انتحل المتهم شخصية خيالية لا وجود لها في بيئته، فلا تزوير في فعله، إذ يحميه حقه في الدفاع، وينزل المجتمع عن الضرر المعنوي الإجتماعي في سبيل كفالة هذا الحق أما إذا إنتحل شخصية حقيقية لكي يستتر وراء صاحبها فيوقعه في الاتهام بدلاً منه، اعتبر فعله تزویراً، فثمة ضرر أصاب شخصاً، وليست للمجتمع صفة في النزول عنه، وحق المتهم في الدفاع ينتهي حيث يبدأ المجال الذي يمكن أن ينال فيه الضرر شخصاً، ولو كان ضرراً إحتمالياً .

الضرر والمحررات الباطلة :

وضع المشكلة : إذا ثبت تزوير المحرر فذلك بذاته سبب لبطلانه، ومن ثم ساغ القول بأن كل محرر مزور هو محرر باطل، ولكن ليست هذه هي المشكلة محل البحث، وإنما الفرض أن المحرر (أو في عبارة أدق : العمل القانوني الذي يثبته المحرر) باطل لسبب مستقل عن تزويره، ثم أدخل عليه تغيير الحقيقة، فيثور التساؤل عما إذا كان التزوير يقوم بهذا التغيير . وفي عبارة أخرى : هل يعتبر بطلان المحرر استقلالاً عن تزويره حائلاً دون قيام التزوير ؟ مثال ذلك محرر رسمی باطل لأنه لم يحرره الموظف المختص بذلك، أو لأنه أغفلت في تحريره الإجراءات التي يتطلبها القانون لصحته، أو لعدم تضمنه جميع البيانات الجوهرية التي يشترطها القانون؛ وقد يكون بطلان المحرر الرسمي لاحقاً على تحريره، كما لو أغفل وضع توقيع ذوى الشأن أو توقيع الموظف المختص عليه، أو أغفل وضع خاتم السلطة التي صدر عنها، وقد يعرض البطلان للمحرر العرفي، كما لو صدر عن قاصر - أو غير ذي أهلية كاملة بصفة عامة - أو شاب العمل القانوني الذي يثبته أحد عيوب الرضاء .

وإن جوهر المشكلة هو التساؤل عما إذا كان من شأن البطلان نفی الضرر مما يعني نفي أحد أركان التزوير، أي أن حسم المشكلة إنما يكون على أساس ما بين البطلان واحتمال الضرر من صلة .

الصلة بين البطلان والضرر : الرأي الصحيح هو الذي يقوم على الربط بين بطلان المحرر والضرر کركن في التزوير : فيقوم التزوير حيث لا يحول البطلان دون ترتيب الضرر، وينتفي التزوير حيث يحول البطلان دون الضرر . ولا يقتصر نطاق الضرر على الضرر الفعلي، وإنما يتعداه إلى الضرر المحتمل : فحيث يحتمل أن يترتب على المحرر الباطل ضرر تتوافر أركان التزوير، أما حيث ينتفي هذا الاحتمال فلا تتوافر هذه الأركان. وقد أقر القضاء هذا الرأي، فقد قرر أن « التزوير في الأوراق الرسمية يعاقب عليه ولو كان حاصلاً في محرر باطل شكلاً لإحتمال حصول الضرر منه للغير أو للجميع إذ أن المحرر الباطل وإن جرده القانون من كل أثر فإنه قد تتعلق به ثقة الغير ممن لا يتضح أمامهم ما يشوبه من عيوب ويصح أن يخدع فيه كثير من الناس الذين يفوتهم ملاحظة ما فيه من نقص . وهذا وحده كاف لتوقع حصول الضرر بالغير بسبب هذا المحرر » وتطبيقاً لذلك، قضى بأن تزوير إيصال نسب صدوره إلى قاصر يعاقب عليه لإحتمال الضرر وقضى بأن بطلان المحرر لعدم إختصاص من نسب إليه تحريره لا يحول دون العقاب على تزويره .

وطبقاً لهذا الرأي يقوم التزوير في أغلب حالات تغيير الحقيقة في المحررات الباطلة، إذ من شأن هذا التغيير أن يحدث ضرراً في صورته الاحتمالية على الأقل ويفسر إحتمال الضرر بأمرين : أولهما، خفاء سبب البطلان على الشخص المعتاد؛ وثانيهما، الحاجة إلى إتخاذ إجراءات قضائية لإقامة الدليل على البطلان  ويقتضي ذلك أن نسلم بالوجه المقابل لهذه القاعدة، ونجمله على النحو التالي : إذا استحال نشوء الضرر بالنظر إلى وضوح سبب البطلان إلى الحد الذي يجعل في استطاعة أقل الناس ذكاء وخبرة أن يكتشفه، ويجعل تقريره مسلماً وفي غير حاجة إلى إجراءات قضائية تثبته، فإن تغيير الحقيقة لا يقوم به التزوير وليس مرجع ذلك إلى البطلان في ذاته، ولكن مرجعه إلى ما يترتب على البطلان من تأثير على الضرر .

ونضيف إلى القاعدة السابقة قاعدة أخرى مضمونها أنه إذا كان سبب البطلان لاحقاً على تغيير الحقيقة سئل المتهم عن تزوير،، ولو كان من شأن البطلان إستحالة نشوء الضرر، طالما كان محتملاً وقت تغيير الحقيقة . وتفسير ذلك أن القول بتوافر أركان الجريمة أو عدم توافرها، إنما يكون بالنظر إلى وقت ارتكاب الفعل الإجرامي : فإذا ثبت أن الضرر كان محتملاً في هذا الوقت توافرت أركان التزوير، ولو طرأ في وقت لاحق سبب يلحق البطلان بالمحرر، ويجعل نشوء الضرر مستحيلاً .

القصد الجنائي : 

تمهيد : جرائم التزوير في المحررات جرائم عمدية، ومن ثم يتخذ ركنها المعنوى صورة القصد الجنائي . وهذا القصد خاص يفترض أن أولاً : توافر القصد العام الذي يقوم بعلم المتهم بأركان جريمته، واتجاه إرادته إلى الفعل المكون لها ونتيجته ؛ ويفترض ثانياً : « نية » يقوم بها  القصد الخاص في التزوير .

تعريف القصد الجنائي في التزوير : القصد الجنائي في التزوير هو « تعمد تغيير الحقيقة في محرر تغييراً من شأنه أن يسبب ضرراً، وبنية استعمال المحرر فيما غيرت من أجله الحقيقة ». وقد رجح هذا التعريف في الفقه والقضاء .

القصد العام في التزوير : يتطلب القصد العام في المقام الأول علماً محيطاً بتوافر جميع أركان التزوير، فيجب أن يعلم المتهم أنه يغير الحقيقة، وأن فعله ينصب على محرر، وأنه يرتكب عن طريق إحدى الطرق التي حددها القانون، وأنه يترتب عليه ضرر حال أو احتمالی .

فيجب أن يعلم المتهم أن يغير الحقيقة بفعله، ويقتضي ذلك أن يعلم بالحقيقة وأن يدرك أن فعله ينتج أثراً مناقضاً لها . ويعني ذلك أن مجرد جهل المتهم بالحقيقة غير كاف لاعتبار القصد متوافراً لديه: فالموظف العام الذي يثبت في محرر ما يمليه عليه ذوو الشأن، وهو جاهل ما تتضمنه أقوالهم من مخالفة للحقيقة لا يعد القصد متوافراً لديه، ومثال ذلك المأذون الذي يثبت انتفاء موانع الزواج في حين أنه قد توافر أحدها ؛ أو يثبت للزوج شخصية غير شخصيته الحقيقية غير عالم بذلك . ولا يقوم الإهمال - وإن كان جسيماً – في تحري الحقيقة مقام العلم الفعلي بها، فلا يكفي لإثبات القصد القول بأن المتهم كان في إمكانه تجنب ذكر ما ينافي الحقيقة  : وتطبيقاً لذلك فإن الموثق الذي يثبت لمتعاقد - وفقاً لأقواله - شخصية غير شخصيته جاهلاً مخالفة ذلك للحقيقة، لا يسأل عن تزوير، ولو أخل بالواجب المفروض عليه بالتحقق من شخصية المتعاقدين .

وقد يكون للحقيقة طابع قانونی، فيكون العلم بها مفترضاً العلم بقاعدة قانونية، بحيث لو جهل المتهم هذه القاعدة فقد جهل الحقيقة وصار يعتقد أن فعله لا ينطوي على تغييرها : فقد يجهل الزوجان أو شهود الزواج قواعد الشريعة الإسلامية التي تحرم زواج الأخت من الرضاع أو تحرم الجمع بين المرأة وخالتها أو بين المرأة وعمتها .. فيقررون تبعاً لذلك انتفاء موانع الزواج، والحقيقة هي توافر مانع يجهلونه : في هذه الحالات يعد القصد منتفياً .

ويتطلب القصد الجنائي العلم بأن تغيير الحقيقة ينصب على محرر، ويرتكب عن طريق إحدى الوسائل التي حصرها القانون وهذا النوع من العلم لا يثير صعوبات : فالعلم بأن تغيير الحقيقة ينصب على محرر تفترضه طبيعة الأشياء، ويتلازم وتوافر التمييز لدى المتهم  والعلم بأن الفعل يرتكب عن طريق إحدى الطرق التي حصرها القانون هو علم تفترضه القواعد العامة في القصد، إذ هو علم بنطاق النهي الذي يتضمنه قانون العقوبات، ذلك أن الشارع لا يجرم تغيير الحقيقة إلا إذا كان عن طريق إحدى هذه الطرق، والعلم بقواعد التجريم مفترض على نحو لا يقبل إثبات العكس .

ويتطلب القصد الجنائي العلم بأن من شأن تغيير الحقيقة « إحداث ضرر بالغير، سواء أكان الضرر حالاً أم محتمل الوقوع »ومن ذلك يتضح أن القانون لا يتطلب علم المتهم بالضرر الذي ترتب فعلاً على تغيير الحقيقة، ولا يتطلب علمه بأن تغيير الحقيقة لابد أن يؤدي إلى حدوث ضرر، ولكنه يكتفي بالعلم بالضرر الاحتمالي . وقد يكون الضرر الذي تحقق غیر الضرر الذي توقعه المتهم، وقد لا يتحقق الضرر الذي كان محتملاً وقت تغيير الحقيقة، وقد لا يتحقق ضرر على الإطلاق، ولكن ذلك لا يحول دون توافر القصد طالما أنه قد ثبت العلم بالضرر الذي كان محتملاً أن يترتب على تغيير الحقيقة .

ويتطلب القصد العام إتجاه إرادة المتهم إلى الفعل المكون للجريمة والنتيجة المترتبة عليه، أي إلى فعل تغيير الحقيقة وإلى أثره المتمثل في اشتمال المحرر على بيانات مخالفة للحقيقة : فمن يريد وضع بيان في محرر ويكون ظهوره عليه غير متضمن تغييراً للحقيقة، ولكنه يضعه خطأ فى محرر آخر يعد اشتماله عليه مشوهاً للحقيقة فيه لا يعد القصد متوافراً لديه، لأن إرادته لم تتجه إلى أن يتضمن المحرر الثاني بياناً مخالفاً للحقيقة ومن تدس علیه ورقة تتضمن بيانات يعلم أنها مخالفة للحقيقة، فيوقع عليها دون أن يقرأها، معتقداً أنها ورقة أخرى لا يتوافر لديه القصد .

القصد الخاص في التزوير : النية التي يقوم بها القصد الخاص في التزوير هي « نية استعمال المحرر المزور فيما زور من أجله »، وفي تعبير آخر « نية استعمال المحرر المزور في الغرض أو الأغراض التي أعد لها »، وهذه الأغراض تتنوع وتختلف من حالة إلى أخرى إختلافاً كبيراً، فليس في الاستطاعة حصرها، وأن أمكن ردها إلى فكرة تحقيق مصلحة للمتهم أو لغيره .

ومن ذلك يتضح أن العلاقة وثيقة في نفسية المتهم بين تزوير المحرر واستعماله مزوراً : فهدفه لا يتحقق بمجرد التزوير، بل لابد لذلك من فعل تال هو إستعمال المحرر بعد تزويره، ولا يعدو التزوير في ذاته أن يكون مرحلة تحضيرية لإدراك هذا الهدف من أجل ذلك أقام القانون علاقة وثيقة بين التزوير والاستعمال، وقدر أن التزوير لا يكون خطراً على المجتمع إلا إذا ارتكب بنية إستعمال المحرر بعد تزويره وهذه العلاقة نفسية ولا تعتمد على علاقة مادية تقابلها بين التزوير والاستعمال : فليس إستعمال المحرر ركناً في التزوير، إذ الشارع قد فصل بين الجريمتين . ولكن نية إستعمال المحرر المزور هي أحد عناصر التزوير، وقد تتوافر هذه النية على الرغم من أن المحرر قد لا يستعمل .

وإذا انتفت نية استعمال المحرر المزور فيما زور من أجله فقد انتفى القصد الخاص . وتنتفي هذه النية إذا اتجهت نية المتهم إلى غاية لا يتطلب تحقيقها إستعمال المحرر المزور، أي غاية تتحقق بمجرد التزوير : مثال ذلك أن يريد المتهم باصطناع كمبيالة مزورة توضيح الشكل الذي يتطلبه القانون في الكمبيالات أو إثبات مهارته في التقليد أو مجرد المزاح، والفرض أن نيته منصرفة عن الإحتجاج بالكمبيالة المزورة على من زورت عليه .

وإستخلاص هذه النية من شأن قاضي الموضوع، وهو يستعين على ذلك بالقرائن التي تحيط بالفعل . ويعد تمزيق المحرر بعد تزويره وجعل إستعماله مستحيلاً من أهم هذه القرائن .

ويجب تحري القصد في ذات وقت إرتكاب فعل تغيير الحقيقة، فالتزوير شأنه شأن سائر الجرائم يخضع لقاعدة وجوب معاصرة القصد للفعل الإجرامي .

ويخضع القصد الجنائي في التزوير للقاعدة العامة التي تقرر أن الباعث ليس من عناصره، وإن كان نبيلاً فلا ينفيه، كمن يزور لتفريج ضائقة أصابت شخصاً أو لتمكين صاحب حق من الوصول إلى حقه عن طريق خلق سند إثبات لم يكن له  وفي العادة يكون الباعث على التزوير هو الإثراء غير المشروع، ولكن يتصور أن يكون الإنتقام أو التخلص من إلتزام، ويتوافر القصد من باب أولى إذا أثبت المتهم ما يخالف الحقيقة مدفوعاً بالرغبة في تفادي بعض مشاق العمل أو إقتصاد الوقت : فالمحضر الذي يثبت في عريضة دعوى كلف بإعلانها أنه قد أعلنها بنفسه في حين أن شخصاً آخر هو الذي أعلنها، أو يثبت أنه سلمها إلى المعلن إليه نفسه في حين أنه سلمها إلى شخص آخر، أو يقرر أنه عاين الأشياء المحجوز عليها في حين أنه لم يفعل ذلك، والموثق الذي يثبت حضور شاهدين أثناء توثيق العقد، في حين أنه لم يحضر شهود أو حضر شاهد واحد فقط، كل أولئك يتوافر القصد لديهم .

والقصد أسهل إثباتاً في التزوير المادي منه في التزوير المعنوي .

ولما كان القصد کياناً نفسياً، فإنه يتصور توافره لدى أحد المساهمين في التزوير وإنتفاؤه لدى مساهم آخر فيه .

تعريف المحرر الرسمي : عرفت المادة 10 من قانون الإثبات المحررات الرسمية بأنها « التي يثبت فيها موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عامة ما تم على يديه أو ما تلقاه عن ذوى الشأن، وذلك طبقاً للأوضاع القانونية وفي حدود سلطته وإختصاصه » . وهذا التعريف يصدق على المحرر الرسمي في جريمة التزوير، وقد استقر القضاء على تبنيه : « فمناط رسمية الورقة هو أن يكون محررها موظفاً عاماً مكلفاً بتحريرها بحكم وظيفته وعلى موجب ما تقضى به القوانين واللوائح » ونستطيع تأصيل هذه الفكرة في قولنا : « المحرر الرسمي هو كل ورقة صادرة عن الدولة أو عن شخص معنوی عام مدونة طبقاً للأوضاع التي يحددها القانون بطريق مباشر أو غير مباشر .

عناصر فكرة المحرر الرسمي : إن أهم عناصر فكرة المحرر الرسمي هو صدوره عن الدولة أو عن شخص معنوي عام، فمصدر صفته الرسمية أنه تعبير عن إرادة الدولة في شأن تختص به، وصدوره عن الدولة یعنی صدوره عن شخص يعمل باسمها ولحسابها وله صفة تمثيلها، وهذا الشخص هو الموظف العام  ولكن الدولة لا تعطى موظفاً عاماً تفويضاً مطلقاً بأن يحرر باسمها أية ورقة وفي أية صورة شاء، وإنما تحدد الكيفية وترسم الأوضاع التي ينبغي أن يدون المحرر الرسمي وفقاً لها . ومن هذه الوجهة يستخلص العنصر الثاني في فكرة المحرر الرسمى، وهو تدوینه وفقاً للأوضاع التي يحددها القانون بطريق مباشر أو غير مباشر .

يقتضي العنصر الأول أن يكون المحرر الرسمي موظف عام، ويتعين أن يكون هذا الموظف مختصاً من حيث الموضوع ومن حيث المكان : فهو ليس موظفاً، وليست له صفة إنشاء المحررات الرسمية إلا في حدود اختصاصه ويقتضى هذا العنصر أن تستبعد من نطاق المحررات الرسمية كل الأوراق التي تصدر عن الأفراد أو عن الأشخاص المعنوية الخاصة كالشركات أو الجمعيات، وذلك أيا كانت أهميتها : وتطبيقاً لذلك، فإن الأوراق التجارية ومحررات البنوك على اختلافها هي محررات عرفية . وهذا العنصر ينبغي أن يفسر تفسيراً واسعاً من ناحيتين : فمن ناحية، إذا صدر المحرر عن موظف غير مختص فكان لذلك باطلاً، ولكن سبب عدم اختصاصه هو مما تفوت على الشخص المعتاد ملاحظته، فإن ذلك لا يمس صفته الرسمية تطبيقاً للقاعدة التي سلف تفصيلها في شأن التزوير في المحررات الباطلة  ومن ناحية ثانية، فإن إختصاص الموظف لا يتحدد حتماً بقانون، بل يجوز أن يكون تحديده بناء على قانون، ويتسع ذلك لتحديده بناء على لائحة أو قرار إداري، بل إن الموظف يستمد كذلك اختصاصه بتحرير الورقة الرسمية « من أوامر رؤسائه فيما لهم أن يكلفوه به كما قد يستمد المحرر رسميته من ظروف إنشائه أو من جهة مصدره أو بالنظر إلى البيانات التي تدرج به ولزوم تدخل الموظف لإثباتها أو لإقرارها أو طبقاً لمقتضيات العمل » ولا يشترط أن يصدر المحرر عن شخص يمثل الدولة باعتبارها سلطة عامة، وإنما تكفي « صفة تمثيلية أيا كانت » . وتطبيقاً لذلك، فإن القائمين على إدارة مشروع تديره الدولة وفقاً لأساليب القانون الخاص يعتبرون موظفين عامين، وما يصدر عنهم في حدود اختصاصاتهم يعتبر محررات رسمية، فالإيصالات التي تعطيها الدولة لمستأجرى أراضيها والبطاقات التي تثبت شخصية العاملين في مصنع تديره الدولة تعد محررات رسمية .

ويتطلب العنصر الثاني في فكرة المحرر الرسمي أن يكون تدوينه وفقاً للأوضاع والإجراءات التي يحددها القانون مباشرة أو في صورة غير مباشرة عن طريق هيئات فوض إليها ذلك ويعين القانون البيانات الجوهرية التي يتعين أن يتضمنها المحرر، والشكل الذي يتعين أن يفرغ فيه وهذا العنصر ينبغي كذلك التوسع في تفسيره : فإذا كان الأصل أن يثبت الموظف بنفسه جميع بيانات المحرر الرسمي بعد أن يتحقق منها وينسبها إلى نفسه على نحو تكون معه حجة على الكافة وثابتة على نحو لا يجوز معه إثبات عکسها إلا بالطعن فيها بالتزوير، إلا أن ذلك الأصل لا تقوم به قاعدة مطلقة : فقد يكون دور الموظف في تدوين الورقة الرسمية محدوداً دون أن يمس ذلك صفتها الرسمية، فقد يقتصر دور الموظف على إثبات أقوال أصحاب الشأن رواية عنهم ودون أن يقدم من جانبه أي ضمان بصحتها، فهو يثبتها كما صدرت عنهم، فيكون دوره دور الرواية فحسب . بل إن دور الموظف قد يقتصر على مجرد مراجعة البيانات التي أثبتها أصحاب الشأن والتصديق عليها "، فيكون دور الموظف دور المراجع فحسب .

وتأخذ صورة المحرر الرسمي - متى كانت مطابقة له - حكم أصل المحرر، فيعتبر تغيير الحقيقة فيها تزويراً في محرر رسمي .

نشاة المحرر الرسمي : الأصل أن ينشأ المحرر رسمياً منذ بداية تدوينه . ولكن بعض المحررات قد ينشأ عرفياً، إذ قد دونه الأفراد بصفتهم الخاصة ثم إكتسب الصفة الرسمية فيما بعد حينما تدخل الموظف العام في تحريره . وقد يقتصر تدخله على مراجعته أو التصديق عليه، وقد يمتد إلى إضافة بعض البيانات إليه أو القيام بإجراء معين في شأنه كإعلانه مثلاً . فإذا إكتسب المحرر الصفة الرسمية، فإن تغيير الحقيقة فيه يعتبر تزویراً في أوراق رسمية، سواء كان التغيير قبل أن يكتسب المحرر الصفة الرسمية أو بعد أن اكتسبها  وغنى عن البيان أن تغيير الحقيقة لا يعد تزويراً فی محرر رسمي إلا إذا اكتسبت الورقة الصفة الرسمية، أما إذا لم تكتسبها فالجريمة تبقى تزويراً في محرر عرفي : فعريضة الدعوى هي ورقة عرفية حينما يحررها المدعى أو وكيله، ولكن إذا قدمت إلى المحضر فأعلنها إكتسبت بذلك صفة رسمية، « لأن العبرة هي بما تؤول إليه، وكان تغيير الحقيقة فيها تزويراً في أوراق رسمية، سواء ارتكب قبل إعلانها أو بعد إعلانها ؛ أما إذا لم تعلن فالجريمة تظل تزويراً في محرر عرفي .

استقلال الصفة الرسمية للمحرر عن قوة بياناته في الإثبات : إذا توافر للمحرر الرسمي عنصراه السابقان كانت لبياناته جميعاً الصفة الرسمية دون أن يكون ذلك متوقفاً على قوتها في الإثبات : وتأويل ذلك أن بيانات المحرر الرسمي - من حيث قوتها في الإثبات - نوعان : نوع ذو حجية « مطلقة » بحيث لا يجوز دحضه إلا عن طريق الطعن بالتزوير، ونوع ذو حجية « مقيدة » يجوز إثبات عكسه دون حاجة إلى الطعن بالتزوير والبيانات ذات الحجية المطلقة هي ما يثبته الموظف العام وينسبه إلى نفسه مقرراً أنه قد تحقق منه، أما البيانات ذات الحجية المقيدة، فهي ما يثبته الموظف رواية عن ذوى الشأن أو ما يثبتونه أنفسهم ويقتصر دور الموظف علی مراجعته وهذه التفرقة تقتصر أهميتها على قوة المحرر في الإثبات، ولكن لا شأن لها بأحكام التزوير، فتغيير الحقيقة في نوعي البيانات تزوير في محرر رسمي، مثال ذلك عقد البيع الرسمي، فقد يثبت الموظف أن المشتري قد دفع الثمن أمامه فيكون دفع الثمن واقعة ثابتة على نحو مطلق بحيث لا يجوز إثبات عكسها إلا عن طريق الطعن بالتزوير، وقد يقتصر الموظف على ذكر أن البائع قرر أمامه أنه تسلم الثمن من المشتري فتكون واقعة دفع الثمن ذات حجية مقيدة يجوز إنكارها دون حاجة إلى الطعن بالتزوير ؛ ولكن تغيير الحقيقة في الحالتين تزوير محرر رسمى . ويعد تغيير الحقيقة في عريضة الدعوى تزويراً في محرر رسمي دون تمييز بين ما إذا كان التغيير قد تعلق بالجزء الذي دونه المدعى أو تعلق بالبيانات التي أثبتها المحضر ونسبها إلى نفسه .

المحرر الرسمي المصطنع : لا يشترط لاعتبار الواقعة تزويراً في محرر رسمي أن يكون موضوع تغيير الحقيقة محرراً صدر فعلاً عن موظف عام وفقاً للأوضاع التي يقررها القانون، بل يكفي أن ينسب إليه زوراً ويخلع عليه الشكل المعتاد لنوع معين من الأوراق الرسمية . فالمحرر الرسمي المصطنع له حكم المحرر الرسمي الصحيح .

أنواع المحررات الرسمية : المحررات الرسمية أنواع أربعة : محررات سياسية كالمعاهدات والاتفاقيات الدولية والقوانين والقرارات الجمهورية ؛ ومحررات إدارية كشهادات الميلاد والوفاة وأوراق الامتحانات والشهادات الدراسية ودفاتر التوفير وإشعارات الضرائب وأوراق البريد والبرق والشهادات الإدارية أيا كانت الواقعة التي تثبتها ؛ ومحررات قضائية، ومثالها الأحكام ومحاضر الجلسات ومحاضر التحقيق وتقارير الخبراء ؛ ومحررات مدنية، ونعني بها كل عمل قانوني يفرغ في الصورة الرسمية سواء أكان ذلك تطبيقاً لنص قانونی آمر كالرهن الرسمي أو الهبة أو عقد الزواج أو قسائم الطلاق، أم كان ذلك لرغبة الأطراف في إضفاء حجية خاصة على ما صدر عنهم كعقد بيع رسمی ولا فرق بين هذه الأنواع من حيث حكم التزوير الذي قد تكون محلاً له.

 

الأوراق الرسمية الأجنبية : إذا توافرت للورقة عناصر المحرر الرسمي وفقاً لقانون أجنبي، فإن إعتبارها محرراً رسمياً وفقاً للقانون المصري موضع للخلاف الفقهي : فالبعض اعتبر تغيير الحقيقة فيها تزویراً في محرر رسمي لخطورة الآثار التي يمكن أن تترتب عليه وتوثق العلاقات بين الدول إلى الحد الذي يجعل أحياناً لمحرر أجنبي ذات قيمة ودور المحرر الوطني  ولكنا نرى أن الفكرة الأساسية في المحرر الرسمي لا تتوافر له : فالفرض في المحرر الرسمي أنه تعبير عن إرادة الدولة في مجال تختص به، ولذلك إشترط صدوره عن شخص له صفة تمثيلها في هذا المجال، والمحرر الأجنبي تعبير عن إرادة دولة أجنبية، فهو بذلك ليس تعبيراً عن إرادة الدولة المصرية، ولذلك نرى اعتبار تغيير الحقيقة فيه تزويراً في محرر عرفي .

التزوير المعنوي في المحرر الرسمى : نصت على هذه الجريمة المادة 213 من قانون العقوبات في قولها « يعاقب أيضاً بالسجن المشدد أو بالسجن كل موظف في مصلحة عمومية أو محكمة غير بقصد التزوير موضوع السندات أو أحوالها في حال تحريرها المختص بوظيفته سواء كان ذلك بتغيير إقرار أولى الشأن الذي كان الغرض من تحرير تلك السندات إدراجه بها أو بجعله واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة مع علمه بتزويرها أو بجعله واقعة غير معترف بها في صورة واقعة معترف بها ».

يتطلب الشارع في هذه الجريمة توافر الأركان العامة للتزوير، ووقوعه عن طريق إحدى وسائل التزوير المعنوي. ويفترض الشارع بالإضافة إلى ذلك أن المحرر الذي غيرت فيه الحقيقة محرر رسمى .

ولا يرتكب هذه الجريمة إلا الموظف العام المختص بتدوين المحرر، إذ أنه يفترض إثبات كاتب المحرر بيانات تختلف عن تلك التي كان يتعين عليه إثباتها، ولا يختص بإثبات بيانات المحرر الرسمي غير موظف عام  وتطبيقاً لذلك، فلا يتصور أن يسأل شخص غير الموظف المختص بتدوين المحرر باعتباره فاعلاً لهذا التزوير، وإنما يتصور أن يسأل بإعتباره شريكاً فيه، فتوقع عليه ذات العقوبة المقررة للجريمة (المادة 41 من قانون العقوبات). ويعني ذلك أن غير الموظف المختص لا يقرر له القانون عقوبة أخف من عقوبة الموظف المختص تماثل العقوبة التي تقررها المادة 212 من قانون العقوبات إذا ارتكب غير الموظف المختص تزویراً مادياً في محرر رسمی .

وقد حدد الشارع عقوبة هذه الجريمة بالسجن المشدد أو السجن . ( شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ محمود نجيب حسني، الطبعة السابعة 2012 دار النهضة العربية، الصفحة : 242 )

يتبين من هذا النص أن المشرع قد حصر طرق التزوير المعنوي في ثلاث :

الأولى : تغيير إقرار أولي الشأن .

 الثانية : جعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة .

الثالثة : جعل واقعة غير معترف بها في صورة واقعة معترف بها .

أولاً : تغيير إقرار أولي الشأن :

يقصد بهذه الطريقة أن يعهد أولو الشأن إلى الجاني بتدوين بيانات معينة في محرر فيثبت فيه بيانات مختلفة. وبذلك تنسب إليهم بيانات غير تلك التي اتجهت إليها إرادتهم .

ويقع التزوير بهذه الطريقة طالما أن صاحب الشأن لم يلحظ التغيير قبل توقيعه على المحرر. ولا يحول دون قيام الجريمة أن يكون في وسع صاحب الشأن مراقبة الجاني ولكنه لم يفعل، أو أن يكون الجاني قد قرأ المحرر على المجنى عليه فلن يتنبه إلى التغيير الذي حدث فيه .

والتزوير بهذه الطريقة قد يقع في المحررات العرفية كما يقع في المحررات الرسمية .

ومن أمثلته في المحررات العرفية أن يسلم الدائن سند الدين إلى المدين ليؤشر على ظهره بسداد المبلغ الذي دفعه من مقدار الدين فيؤشر المدين بمبلغ أكبر مما أراد الدائن التأشير به أو أن يعهد إلى مترجم بترجمة محرر فيثبت في الترجمة بيانات مغايرة لتلك التي وردت في المحرر الأصلى .

ومن أمثلة هذه الطريقة في المحررات الرسمية أن يطلب متعاقدان إلى موثق العقود أن يحرر عقد هبة لصالح شخص معين فيحرره لصالح شخص آخر، أو أن يغير الموظف المختص أقوال شخص تقدم بشكوى في جريمة عند تدوينها في دفتر الأحوال، أو أن يثبت المأذون في إشهاد الطلاق أن الطلاق بائن بينما طلب منه الزوج تحرير إشهاد بطلاق رجعي .

ويتميز التزوير المعنوي في المحرر الرسمي بأن فاعله لا يكون إلا موظفاً عاماً، هو الموظف المختص بتحرير المحرر، حين يملي عليه أولو الشأن بيانات معينة فيدون في المحرر ما يغايرها. ووضعه لا يخرج عن أحد فروض ثلاثة : إما أن يكون سيء النية فيغير ما أملى عليه دون أن يلحظ ذوو الشأن ذلك وحينئذ يسأل وحده باعتباره فاعلاً للجريمة. أو أن يكون متواطئاً مع صاحب الشأن فيدون ما يملى عليه وهو عالم بمخالفته للحقيقة وحينئذ يسأل باعتباره فاعلاً ويسأل صاحب الشأن باعتباره شريكاً معه أو أن يكون حسن النية غير عالم بأن ما يمليه عليه صاحب الشأن مخالف للحقيقة، وفي هذه الحالة يسأل صاحب الشأن وحده دون الموظف باعتباره شريكاً لفاعل تخلف لديه القصد الجنائي وفقاً لنص المادة 42 من قانون العقوبات .

ثانياً : جعل واقعة مزورة فى صورة واقعة صحيحة :

هذه الطريقة هي أكثر طرق التزوير المعنوي وقوعاً ، ويقصد بها إثبات واقعة في محرر على غير حقيقتها، وهي بهذا المعنى يمكن أن يدخل في نطاقها الطريقة السابقة وهي تغيير إقرار أولي الشأن. كما يدخل في هذا النطاق الطريقة الثالثة وهي جعل واقعة غير معترف بها في صورة واقعة معترف بها، إذ تصدق هذه الطريقة على كل إثبات لواقعة في محرر بما يغاير حقيقتها .

والتزوير بهذه الطريقة يقع في المحررات الرسمية كما يقع في المحررات العرفية. ومن أمثلته في المحررات الرسمية أن يثبت المحضر كذباً في محضر الحجز أنه لم يجد منقولات في منزل المدين، أو أن يثبت الموظف للمحرر تاريخاً غير تاريخ تحريره، أو يذكر حضور شهود أثناء التحرير لم يكونوا حاضرين، أو أن يثبت مأمور الضبط القضائي في محضر التحقيق أنه قد عثر عند تفتيش المتهم على مادة مخدرة بينما هو لم يعثر على ذلك أو أن يثبت معاون زراعة في محاضر الإهمال فی مقاومة دودة القطن - خلافاً للحقيقة - أن المتهمين بالإهمال حضروا أمامه ووقعوا ببصمات أصابعهم، أو أن يثبت المأذون خلو الزوجة من الموانع الشرعية بينما يتوافر لديها أحد هذه الموانع، أو أن يدعى الجاني صفة الوكالة عن المدعى عليه في دعوى مدنية خلافاً للحقيقة .

ومن أمثلة التزوير بهذه الطريقة في المحررات العرفية أن يحرر دائن إيصالاً لمدينه بدين غير الذي دفع الدين سداداً له، أو أن يثبت محصل في شركة تجارية المبالغ التي حصلها من عملائها في دفتر القسائم الداخلية بأقل من المبالغ التي قبضها منهم أو أن يثبت وكيل فرع بنك التسليف في استمارة من استمارات البنك، المعدة لإقراض المزارعين نقوداً مقابل رهن محصولاتهم عنده، أنه تسلم من آخر مقداراً من القمح - خلافاً للحقيقة - ليمكنه من قبض سلفة عليه. أو أن يثبت كاتب مصنع حضور عمال لم يحضروا .

 انتحال شخصية الغير :

يعتبر انتحال شخصية الغير صورة من صور التزوير المعنوي الذي يقع بجعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة . وتتميز هذه الصورة بكون الواقعة المزورة تتمثل في اتخاذ الجاني إسم شخص آخر، يستوي أن يكون هذا الشخص خيالياً أو موجوداً في الواقع  ومن أمثلة انتحال الشخصية في محرر رسمي أن يتقدم شخص أمام المحكمة بصفة شاهد ويتسمى بإسم شخص آخر ويدلي بشهادته في محضر الجلسة بالإسم المنتحل، فإذا تسمى الأخ بإسم الغير ليخفى عن القاضي في دعوى شرعية علاقته بأخته المشهود لها تحقق التزوير، لما في ذلك من إدخال الغش على القاضي عند تقديره للقوة التدليلية للشهادة ومن أمثلة انتحال الشخصية في محرر رسمى أيضاً أن يتسمى شخص كذباً بإسم المدعى عليه في دعوى مدنية أمام المحكمة وينتحل شخصيته في محضر الجلسة، وهو من الأوراق الرسمية أو أن ينتحل إسم أخيه المحكوم عليه بالغرامة، ويثبت حضوره في النموذج الرسمي المعد لذلك، للتنفيذ بالشغل نظير الغرامة بدلاً من أخيه أو أن ينتحل شخص إسم الزوج أمام المأذون، أو أن تنتحل امرأة شخصية أخرى أمام الطبيب الشرعي الذي يكشف عليها ويثبت نتيجة الكشف في تقريره أو أن ينتحل شخص إسم طالب ويؤدي الامتحان بدلاً منه أو أن ينتحل شخص مسیحی اسم مسلم ويدعى الإسلام ثم يوثق زواجه من مسلمة وقد يقع التزوير بانتحال الشخصية في محرر عرفي، مثال ذلك أن ينتحل المتهم شخصية الدائن ويملى مخالصة من الدين .

ويلاحظ أنه إذا اقترن انتحال الشخصية بالتوقيع بإمضاء مزور، فإن المحرر حينئذ يتضمن تزويراً مادياً وتزویراً معنوياً في وقت واحد وأكثر ما يكون ذلك وقوعاً في المحررات العرفية، إذ أن المحرر العرفي غالباً ما يكون عديم القيمة إذا كان خالياً من التوقيع، أما المحرر الرسمي فلا يشترط أن يكون انتحال الشخصية فيه مقترناً بالتوقيع، وبالتالي فإن خلوه من التوقيع لا يحول دون قيام الجريمة .

 انتحال الشخصية في تحقيق جنائى :

من المسائل التي يثور فيها البحث حالة انتحال شخصية الغير في تحقيق جنائى ابتغاء الإفلات من العقاب.. لا صعوبة في الأمر إذا كان المتهم قد انتحل شخصية شخص معين، إذ تقع بفعله جريمة التزوير، لأن من شأن هذا الفعل أن يرتب ضرراً للشخص الذي انتحلت شخصيته بإسناد الجريمة إليه ولكن التساؤل يثور عن مدى مسئولية المتهم في حالة انتحاله شخصية خيالية؟؟ استقر الفقه والقضاء على ألا يسأل المتهم عن التزوير في هذه الحالة سواء وقع بالإسم المنتحل أو لم يوقع، لأن فعله وإن كان يترتب عليه ضرر اجتماعی عام يتمثل في الإخلال بالثقة في المحرر الرسمى، إلا أن كفالة حق المتهم في الدفاع عن نفسه تعلو على حق المجتمع في العقاب عن التزوير .

ثالثاً : جعل واقعة غير معترف بها في صورة واقعة معترف بها :

لا تعدو هذه الطريقة من طرق التزوير المعنوي أن تكون صورة من صور الطريقتين السابقتين، ذلك أنها تتحقق إذا أثبت من يدون المحرر إعتراف شخص بواقعة معينة بينما الحقيقة أنه لم يعترف بذلك، مثال ذلك أن يثبت المحقق في محضر التحقيق أن المتهم قد اعترف بارتكاب الجريمة بينما هو لم يعترف بذلك، وتدخل هذه الصورة في نطاق الطريقة السابقة إذ يعتبر ما وقع من المحقق جعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة، ومن الأمثلة على ذلك أيضاً أن يثبت الموثق في عقد البيع أن البائع قد أقر بقبض الثمن بينما هو لم يقر بذلك، ويدخل ذلك في نطاق الطريقة الأولى للتزوير المعنوي وهي تغيير إقرار أولي الشأن .

 التزوير بالترك :

قد يلجأ المتهم في سبيل تغيير الحقيقة في المحرر إلى الامتناع عن إثبات أمر كان يجب عليه إثباته. مثال ذلك المحصل الذي يمتنع عن إثبات بعض المبالغ التي حصلها في دفاتره بقصد اختلاسها، فهل يعتبر ذلك تزويراً على الرغم من أن المتهم لا ينسب إليه إلا مجرد موقف سلبي؟ الواقع أن التزوير بالترك لا يدخل تحت إحدى طرق التزوير المادي، إذ يفترض كل منها عملاً إيجابياً يصدر عن الجاني يتمثل في التغيير المادي الملموس في المحرر، كوضع إمضاء أو ختم مزور، أو تغيير المحررات أو الإمضاءات أو الأختام أو زيادة كلمات، أو وضع أسماء أو صور أشخاص آخرين مزورة... إلخ. ولكن يمكن أن يتحقق بالترك التزوير المعنوي إذا ترتب عليه تغيير في المضمون الكلى لمعنى المحرر عما كان يجب أن يكون عليه. وتطبيقاً لذلك قضى بأنه: «إذا كان المتهم - وهو وكيل مكتب بريد - لكي يستر الاختلاس الواقع منه - لفق في البيانات التي دونها في الأوراق والدفاتر الخاصة بعمليته، فزاد في بيان عدد الطوابع والأذون وأوراق التمغة على ما هو موجود لديه بالفعل منها، ونقص من بيان النقدية المتحصلة ما يقابل تلك الزيادة التي أثبتها، فإنه لا يقبل منه القول بأن عدم إثباته ما باعه هو عمل سلبي لا يقع به تزوير. إذ أنه بما وقع منه جملة يكون قد أثبت في الأوراق والدفاتر الواجب عليه أن يدون بها، واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة، وهذا من طرق التزوير التي نص عليها القانون ».

 

أنظر نقض 31 مايو سنة 1943 مجموعة القواعد القانونية ج 6 رقم 200 ص 274.

تحديد الضرر في جريمة التزوير :

يقصد بالضرر في نطاق جريمة التزوير كل إخلال أو احتمال للإخلال بمصلحة يحميها القانون .

فإذا تحقق هذا المعنى توافر عنصر الضرر، وإذا انتفى انهارت الجريمة .

ويستوي في نظر القانون أن يكون الضرر كبيراً أو ضئيلاً، فعلياً أو  محتملاً، مادياً أو أدبياً، خاصاً أو عاماً .

الضرر الفعلي والضرر الاحتمالي :

لا يشترط لتحقق الضرر أن يكون واقعاً فعلاً، وإنما يكفي أن يكون محتمل الوقوع، وهذا التحديد مستخلص من كون المشرع لم يعلق العقاب عن جريمة التزوير على استعمال المحرر المزور، وإنما يعاقب الجاني ولو لم يستعمل المحرر المزور، وبالتالى لم يترتب عليه أي ضرر فعلی .

يستوي في توافر عنصر الضرر أن يكون ضرراً مادياً أو أدبياً .

والضرر المادي هو الذي ينال الذمة المالية للمضرور بإنقاص عناصرها الإيجابية، أي بإسقاط حق لها، أو بزيادة عناصرها السلبية، أي بتحميلها بالتزام، وهو أكثر أنواع الضرر ترتباً على جريمة التزوير وحيث يستهدف الجاني بالتزوير سلب ثروة المجنى عليه من أمثلة ذلك تزوير عقد بيع أو سند دين أو مخالصة، وتقوم جريمة التزوير مهما ضؤل قدر الضرر المادي .

أما الضرر الأدبي فهو الذي ينال شرف المضرور أو اعتباره أو عرضه أو كرامته، أو بعبارة أخرى هو الضرر الذي ينال مصلحة ليست ذات قيمة مادية من ذلك أن يصطنع شخص خطاباً يذكر فيه أموراً تمس شرف من ينسب إليه هذا الخطاب .

تقوم جريمة التزوير سواء كان الضرر خاصاً أو عاماً. ويقصد بالضرر الخاص أو الفردى الضرر الذي ينال فرداً معيناً أو أفراداً معينين أو هيئة خاصة، ومن أمثلته أن يزور محصل بإحدى الشركات في أوراق الشركة لسلب بعض مالها أما الضرر العام أي الضرر الاجتماعي فهو الذي ينال مصلحة للمجتمع وإن لم ينل فرداً معيناً والضرر الاجتماعي قد يكون مادياً وقد يكون أدبياً، من أمثلة الضرر الاجتماعي المادي أن يزور شخص إيصالاً بسداد رسوم مستحقة عليه للحكومة، أو أن يزور صراف في جهة حكومية في الدفاتر الرسمية لإخفاء المبلغ الذي اختلسه من أموال الحكومة، أو أن يغير المدعي قيمة الدعوى بالزيادة بعد أن أشر عليها الكاتب المختص بسداد الرسوم المستحقة ومن أمثلة الضرر الاجتماعي الأدبي أن يزور شخص إحدى الشهادات اللازمة للالتحاق بإحدى الوظائف العامة .

وقد استقر القضاء المصري على اعتبار الضرر الاجتماعي متحققا في كل تزوير في محرر رسمى ولو لم يترتب عليه ضرر بالفعل لشخص معين أو احتمال وقوعه، ذلك أن تغيير الحقيقة فيه يزعزع الثقة الواجبة في الأوراق الرسمية بوجه عام .

 نقض 20 يونية سنة 1938 مجموعة القواعد القانونية ج4 رقم 243 ص 272 ؛ ونقض 29 .

أبريل سنة 1979 مجموعة أحكام محكمة النقض س 30 رقم 107 ص 506 ؛ ونقض 6 فبراير سنة 1991 س 42، رقم 35 ص 261 ؛ ونقض 13 فبراير سنة 2006 س 57  رقم 27 ص 209 .

الضرر والمحررات الباطلة :

قد يكون المحرر الذي يقع فيه تغيير الحقيقة باطلاً سواء كان محرراً رسمياً أو عرفياً، من أمثلة المحرر الرسمي الباطل أن يكون قد حرره موظف غير مختص بتحريره، أو لم تتبع في تحريره الإجراءات التي حددها القانون .

ومن أمثلة المحرر العرفي الباطل أن يكون من حرره قد تخلفت لديه الأهلية الكاملة كما لو صدر عن قاصر، أو أن يشوب التصرف القانوني الذي يثبته عيب من عيوب الرضاء فإذا عمد شخص إلى تغيير الحقيقة في محرر باطل فإنه يثور التساؤل عما إذا كان هذا الفعل تقع به جريمة التزوير؟ أم أن بطلان المحرر ينفي احتمال الضرر وبالتالي يتخلف هذا العنصر فلا تقوم جريمة التزوير؟

على الرغم من الخلاف الفقهي الذي ثار في هذا الشأن، فإن الرأي السائد فقها يذهب إلى القول بأن المشكلة تتعلق بالواقع ولا تتعلق بالقانون فالفيصل في حسمها ليس في كون المحرر الذي وقع فيه تغيير الحقيقة باطلاً أو غير باطل، وإنما في كون المحرر الباطل - شأنه في ذلك شأن المحرر الصحيح - يحتمل أن يترتب على تغيير الحقيقة فيه ضرر أو لا يحتمل ذلك، فإذا تبين احتمال الضرر وقع التزوير وتفسير ذلك أن المحرر الباطل وإن كان القانون يجرده من الأثر القانوني إلا أنه من حيث الواقع قد لا يكون ظاهر البطلان فينخدع به الناس ويودعون فيه ثقتهم وهذا وحده يكفي لتوافر احتمال وقوع الضرر إذا وقع في هذا المحرر تغيير للحقيقة ولا ينتفي احتمال الضرر إلا إذا كان المحرر ظاهر البطلان بحيث لا يمكن أن يخدع فيه أحد فحينئذ فقط لا تقع بتغيير الحقيقة جريمة التزوير .

وقد استقر القضاء المصري بعد تردد على الأخذ بهذه الوجهة سواء في المحررات الباطلة أو القابلة للإبطال من ذلك ما قضى به من أن «التزوير في الأوراق الرسمية يعاقب عليه ولو كان حاصلاً في محرر باطل شكلاً لاحتمال حصول الضرر منه للغير أو للمجتمع، إذ أن المحرر الباطل شكلاً يصح أن ينخدع فيه كثير من الناس الذين يفوتهم ملاحظة ما فيه من نقص، وهذا وحده كاف لتوقع حصول الضرر بالغير بسبب ذلك المحرر، على أنه يكفي في جرائم التزوير في الأوراق الرسمية مجرد احتمال حصول ضرر اجتماعي، ومجرد تغيير الحقيقة في هذه المحررات الرسمية يترتب عليه حتماً حصول ضرر بالمصلحة العامة أو احتمال حصوله، ذلك بأن العبث بالأوراق الرسمية يهدم الثقة بهذه الأوراق ويضيع قيمتها» .

نقض 22 أكتوبر سنة 1951 مجموعة أحكام محكمة النقض س 3 رقم 36 ص 88 ؛ ونقض 6 مايو سنة 1968 س 19 رقم 105 ص 536 الذي قضى بأنه: « إذا كان البطلان اللاحق بالمحرر بسبب عدم اختصاص من نسب إليه تحريره مما تفوت ملاحظته على كثير من الناس، و فإن العقاب على التزوير واجب في هذه الصورة لأن مجرد الإخلال بالثقة اللازمة للورقة الرسمية يترتب عليه ضرر، وتغيير الحقيقة فيها من شأنه أن يزعزع هذه الثقة». وفي نفس المعنى نقض 10 يونية سنة 1968 س 19 رقم 137 ص 673 .

القصد الجنائي :

جريمة التزوير في المحررات جريمة عمدية يتخذ ركنها المعنوي صورة القصد الجنائي، ولا يكفي لتوافر الركن المعنوي في هذه الجريمة أن يتحقق القصد العام وإنما يجب أن يقوم إلى جانبه قصد خاص، وعلى ذلك فالقصد الجنائي في التزوير يتحقق بتعمد تغيير الحقيقة في محرر تغييراً من شأنه أن يسبب ضرراً، وبنية استعمال المحرر فيما غيرت الحقيقة فيه .

القصد العام :

يقوم القصد العام على عنصري العلم والإرادة، فيجب أن تتجه إرادة الجاني إلى ارتكاب فعل تغيير الحقيقة في محرر، وإلى تحقيق نتيجته وهي اشتمال المحرر على بيانات تخالف الحقيقة، ويجب أن يحيط علم الجاني بعناصر الجريمة، فيجب أن يكون عالماً وقت ارتكاب الفعل بأنه يغير الحقيقة، فإذا كان يجهل ذلك انتفى لديه القصد الجنائي، ولو كان جهله بالحقيقة راجعاً إلى إهماله في تحريها  وعلى ذلك فإن الموظف المختص الذي يثبت في المحرر ما يمليه عليه ذوو الشأن من بيانات جاهلاً أنها مخالفة للحقيقة، ينتفي لديه القصد الجنائي، ولذلك لا تقع الجريمة من المأذون الذي يثبت في عقد الزواج انتفاء الموانع الشرعية من الزواج وهو غير عالم بمخالفة ذلك للحقيقة، ولا من شيخ البلد إذا أثبت في شهادة إدارية تاريخاً مختلفاً للوفاة جاهلاً التاريخ الحقيقي ولذلك يجب على المحكمة إذا قضت بالإدانة عن جريمة التزوير أن تثبت علم المتهم على وجه اليقين بأنه يغير الحقيقة، فإن لم تفعل كان حكمها مشوباً بالقصور .

ويأخذ الجهل بقاعدة مقررة في قانون آخر غير قانون العقوبات حكم الجهل بالواقع، فينتفى به القصد الجنائي، وعلى ذلك فإذا أثبت الزوجان في عقد الزواج، خلافا للحقيقة، عدم توافر مانع شرعي من الزواج وكان ذلك نتيجة جهلهما بقواعد الشريعة الإسلامية، كالقاعدة التي تقضي بتحريم الزواج بين الأخوة من الرضاع، فإن هذا الجهل ينفي القصد الجنائي .

ويجب أن يتوافر لدى الجاني العلم بأن تغيير الحقيقة يقع في محرر، وبأنه يتم بإحدى الوسائل التي نص عليها القانون حصراً وهذا العلم مفترض فلا يكون للمتهم أن يعتذر بجهله بأي من هذين الأمرين إذ لا يعذر أحد لجهله القانون .

ويجب أخيراً أن يعلم الجاني وقت تغيير الحقيقة أن من شأنه فعله - إذا استعمل المحرر المزور - أن يرتب ضرراً مادياً أو معنوياً، حالاً أو محتملاً، عاماً أو خاصاً فإذا انتفى هذا العلم، بأن كان الجاني يجهل احتمال ترتب الضرر على فعله، فإن القصد الجنائي ينتفي ولا يصلح في هذا المجال ما ذهب إليه جانب من الفقه من أن إمكان علم الجاني بالضرر يعدل العلم الفعلي به وتطبيقاً لذلك قضى بأنه إذا كان المتهم لم يقصد - في محضر البوليس - انتحال إسم شخص معين معروف لديه، بل قصد مجرد التسمي بإسم وهمي، امتنع القول بأنه كان يعلم أن عمله من شأنه أن يلحق ضرراً بالغير، مادام لا وجود لهذا الغير في اعتقاده .

ويلاحظ أن توافر العلم لدى الجاني باحتمال الضرر يكفى لقيام القصد الجنائي، فلا يشترط بعد ذلك أن تكون إرادته قد اتجهت إلى وقوع الضرر فعلاً، فالقصد يتوافر بالعلم بالضرر سواء أراد الجاني وقوعه أو لم يرد ذلك .

 القصد الخاص :

يتمثل القصد الخاص اللازم لقيام جريمة التزوير في اتجاه نية الجاني وقت ارتكاب الفعل إلى استعمال المحرر المزور فيما زور من أجله .

وتحديد القصد الخاص على هذا النحو هو الذي يبرر العقاب على التزوير، فالخطورة لا تكمن في تغيير الحقيقة في ذاته، وإنما في استهداف المزور به استعمال المحرر المزور، وانتفاء هذه النية ينفي القصد الجنائي فلا تقوم جريمة التزوير مثال ذلك أن يصطنع شخص كمبيالة ويضع عليها إمضاء صديق له ليبين للحاضرين طريقة كتابة الكمبيالة دون أن تتجه نیته إلى استعمالها .

ويلاحظ أن نية استعمال المحرر المزور فيما زور من أجله تكفى لتوافر القصد وقيام جريمة التزوير بصرف النظر عن كون المحرر قد استعمل فعلاً أو لم يستعمل - فالعقاب على التزوير لا يتوقف على استعمال المحرر المزور، ذلك أن كلا من جريمة التزوير واستعمال المحرر المزور مستقلة عن الأخرى تماماً .

وإذا توافر القصد الجنائي على النحو السابق تحديده فإن ذلك يكفي الاكتمال أركان الجريمة، ولا عبرة بعد ذلك بالباعث الذي دفع الجاني إلى ارتكابها  فيستوي أن يكون الباعث هو الإثراء غير المشروع أو دفع ضرر أو الإضرار بالغير أو تحقيق مصلحة الغير .

والقصد الجنائي من المسائل المتعلقة بوقائع الدعوى التى تفصل فيها محكمة الموضوع في ضوء الظروف المطروحة عليها، ولا يشترط أن يتحدث الحكم عنه استقلالاً مادام قد أورد من الوقائع ما يدل عليه .

ويمكن في ضوء هذه النصوص تحديد مدلول المحرر الرسمي بأنه المحرر الذي يحرره موظف عام مختص بتحريره وفقاً للأوضاع والإجراءات التي تقضي بها القوانين واللوائح سواء كان اختصاصه بتحرير المحرر مستمداً من القانون مباشرة أو مستمداً من تكليفه بذلك ممن يملك قانوناً هذا التكليف .

ولا يشترط في المحرر الرسمي أن يكون محرراً على نموذج خاص، ذلك أن الصفة إنما يسبغها محررها لا طبعها على نموذج خاص .

صور المحرر الرسمي

أولاً: من حيث السلطة التي تصدره :

إذا توافر في المحرر المفهوم السابق تحديده فإنه يعتبر محرراً رسمياً، يستوي بعد ذلك أن يصدر عن الحكومة المركزية أو عن إحدى هيئات الإدارة المحلية، كذلك يستوي أن يصدر عن الحكومة باعتبارها سلطة عامة أو أن يصدر عنها بصفتها قائمة بإدارة أعمال خاصة، فتعتبر محررات رسمية الإيصالات التي تعطيها الدولة لمستأجرى العقارات المملوكة لها إثباتاً لسدادهم الأجرة .

ويستوي في المحررات التي تصدرها الدولة باعتبارها سلطة عامة أن تكون محررات سياسية تصدرها السلطات العليا في الدولة كالقوانين والقرارات الجمهورية والمعاهدات، أو محررات إدارية تصدرها السلطات الإدارية المختلفة وفروعها، کشهادة الميلاد وشهادة الوفاة والشهادات الدراسية وأوراق الامتحانات، ودفاتر قيد المواليد والوفيات ودفاتر التوفير وحوالات البريد، أو محررات قضائية تصدر عن السلطة القضائية والجهات التي تعاونها كمحضر ضبط الواقعة ومحضر التحقيق وعريضة الدعوى ومحضر الجلسة وتقارير الخبراء والأحكام، أو محررات مدنية تصدر عن مأمور رسمی مختص بتحريرها لإثبات إقرارات أولى الشأن وإعطائها الصفة الرسمية سواء تنفيذا لنص قانونی آمر کوثيقة الزواج أو الطلاق أو عقد الرهن الرسمي أو عقد الهبة، أو تنفيذاً لرغبة أولى الشأن كعقد البيع الرسمي .

ثانياً : من حيث نشأته :

ويستوي في اعتبار المحرر رسمياً أن ينشأ منذ تدوينه رسمية أو أن ينشأ عرفياً ثم يكتسب صفة الرسمية بعد ذلك . فقد يحرر الأفراد محرر عرفية، ثم تسبغ عليه صفة الرسمية بعد ذلك بأن يتدخل موظف عام بإضافة بعض البيانات إليه، بمراجعته والتصديق عليه، أو باتخاذ إجراء معين في شأنه . مثال ذلك عريضة الدعوى المدنية فهي ملك لصاحبها له أن يثبت فيها ويمحو ما يشاء فهي تنشأ ورقة عرفية وتظل لها هذه الصفة إلى أن يكون عليها الموظف المختص بيانات معينة، كالتأشير عليها بقيمة الرسوم المستحقة على الدعوى، أو يتخذ إجراء معيناً كإعلانها، فإذا وقع فيها تغيير في الحقيقة قبل تدخل الموظف العام كوضع إمضاء مزور على عريضة الدعوى قبل إعلانها، تقع بالفعل جريمة التزوير في محرر عرفي، فإذا تدخل الموظف بعد ذلك بإعلان عريضة الدعوى انقلب التزوير الواقع فيها تزويراً في محرر رسمي إذا العبرة في رسمية المحرر هي بما يؤول إليه لا بما كان عليه .

ثالثاً : من حيث نطاق الرسمية :

كذلك يستوي في اعتبار التزوير واقعاً في محرر رسمي أن يقع تغيير الحقيقة في البيانات التي يدونها الموظف أو تلك التي يحررها أصحاب - الشأن طالما أن صفة الرسمية قد انسحبت عليها بتدخل الموظف المختص .

وعلى ذلك يتحقق التزوير في محرر رسمي إذا غير الجاني الحقيقة في عريضة الدعوى - ولو قبل إعلانها – بزيادة قيمة موضوع الدعوى وذلك بعد تقدير الرسوم المقررة والتأشير بذلك على هامش العريضة من الموظف المختص، لأن من شأن هذا التغيير أن يجعل التأشيرة الرسمية التي حررها الموظف العمومي على العريضة منسحبة على قيمة أخرى ما كانت لتنسحب عليها لولا هذا التغيير، وهذا عبث بذات التأثير الرسمي الوارد على العريضة .

 رابعاً : من حيث قوة المحرر في الإثبات :

وإذا تحقق المدلول الذي ذكرناه للمحرر فإنه يكون رسمياً في جميع بياناته دون توقف على قوتها في الإثبات . ذلك أن البيانات التي يشتمل عليها المحرر الرسمي قد تختلف من حيث قوتها في الإثبات، فبعض هذه البيانات يثبته الموظف العام على لسان أصحاب الشأن، وهذه يجوز إثبات عكسها بطرق الإثبات العادية ودون حاجة إلى الطعن فيها بالتزوير، وبعضها يثبته الموظف العام باعتبارها صادرة عنه، وهذه يكون لها حجية مطلقة فلا يجوز إثبات عكسها إلا عن طريق الطعن فيها بالتزوير .

تأخذ صورة المحرر الرسمي حكم هذا المحرر، فيعتبر تغيير الحقيقة فيها تزويراً في محرر رسمي وتطبيقاً لذلك قضى باعتبار التغيير في بعض أرقام الرسوم الموجودة بهامش صورة شمسية لعقد مسجل تزويراً في ورقة رسمية .

نقض 10 يونية سنة 1935 مجموعة القواعد القانونية ج 3 رقم 387  ص 491 . وفي نفس المعنى، فيما يتعلق بتغيير الحقيقة في بيان الرسوم المستحقة على هامش الصورة المستخرجة - من محاضر أعمال الخبير: نقض 10 مايو سنة 1943 جة رقم 185 ص 253 .

جريمة التزوير في محرر رسمى التي تقع من موظف عام أثناء تأدية وظيفته .

صفة الموظف العام :

لم يضع المشرع - فيما يتعلق بجريمة التزوير في المحرر الرسمي أنه من الموظف العام - تحديدا للموظف العام كما فعل فيما يتعلق بجرائم الرشوة (م 111 ع) وجرائم اختلاس المال العام والعدوان عليه والغدر (م 119 مكرراً ع)، ولذلك يقع على الفقه عبء القيام بهذا التحديد . ويذهب جانب من الفقه إلى القول بأن عدم تصدى المشرع لتحديد مدلول الموظف العام في جرائم التزوير لا يعني بالضرورة الالتزام بالمدلول الذي يحدده له القانون الإداري . وإنما يجب أن يحدد هذا المدلول في ضوء علة تشدید عقاب التزوير الذي يقع من الموظف العام، ومن هذا المنطلق يحدد هذا الرأي معنی الموظف العام بأنه كل شخص عهد إليه القانون - بطريق مباشر أو غير مباشر وعلى وجه دائم أو عارض - بإثبات كل أو بعض البيانات التي يتضمنها محرر رسمي أياً كان فيدخل في مدلول الموظف العام بهذا التحديد الشخص المكلف بخدمة عامة إذا عهد إليه بإثبات بيانات محرر رسمى .

ولكنا نرفض هذه الوجهة من النظر، ونميل إلى تأييد الاتجاه الذي يخرج المكلف بخدمة عامة من نطاق معنى الموظف العام مقتصراً، فى تحديد مدلول الموظف العام، على المدلول الذي يحدده له القانون الإداري استناداً إلى ذات الحجة التي احتجت بها محكمة النقض للأخذ بهذه الوجهة في عديد من أحكامها، فبعد أن عرفت، الموظف العام المشار إليه في المادتان 211، 213 من قانون العقوبات بأنه: « كل من يعهد إليه بنصيب من السلطة يزاوله في أداء العمل الذي نيط به أداؤه سواء كان هذا النصيب قد أسبغ عليه من السلطة التشريعية في الدولة أو السلطة التنفيذية أو السلطة القضائية، يستوي في ذلك أن يكون تابعاً مباشرة إلى هذه السلطات أو أن يكون موظفاً بمصلحة تابعة لإحداها» أضافت المحكمة أن المشرع «لم ينص في باب التزوير على الشخص المكلف بخدمة عامة، وهو الذي يكلف ممن يملك التكليف بالقيام بعمل عارض من الأعمال العامة»، وأيدت المحكمة وجهة نظرها بأنه: «لو أراد الشارع التسوية بين القائم بخدمة عامة وبين الموظف العمومي في باب التزوير لنص على ذلك صراحة كما فعل في المادتين 111، 119 (مكرراً) من قانون العقوبات» .

نقض 16 فبراير سنة 1960 مجموعة أحكام محكمة النقض س 11 رقم 33 ص 168،  ونقض 24 أبريل سنة 1967 س 18 رقم 110 ص 559 .

وإذا تحدد معنى الموظف العام على هذا النحو، فإنه يستوي أن يكون اختصاصه مستنداً إلى قانون أو مرسوم أو لائحة أو تعليمات أو بناء على أمر رئيس مختص أو طبقاً لمقتضيات العمل.

وغني عن البيان أن صفة الموظف العام يجب أن تتوافر وقت ارتكاب فعل التزوير .

 يتطلب المشرع لوقوع جريمة التزوير في المحررات الرسمية من الموظف العام أن يتم التزوير أثناء تأدية الموظف وظيفته، ذلك أن المشرع الم يشدد العقاب في هذه الحالة لمجرد توافر صفة الموظف العام في الجاني، وإنما لإساءة استعمال هذه الصفة .

العقوبة :

يعاقب الموظف العام الذي يرتكب تزويراً في محرر رسمي في أثناء تأدية وظيفته، سواء كان التزوير مادياً (م 211) أو معنوياً (م 213) بالسجن المشدد أو السجن . ( شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتورة/ فوزية عبد الستار، الطبعة الرابعة 2017 دار النهضة العربية،  الصفحة :  283 )

تغيير إقرارات أولي الشأن التي كان الغرض من تحرير تلك السندات إدراجها بها :

يتحقق التزوير بهذه الطريقة كلما غير كاتب المحرر في الحقيقة التي أدلى بها صاحب الشأن إليه لإثباتها بالمحرر. وقد يقع ذلك من موظف عام في محرر رسمي، أو من فرد من آحاد الناس في محرر عرفي .

ومثال الحالة الأولى أن يغير الموثق في بعض بيانات العقد التي طلب منه أصحاب الشأن إثباتها، أو أن ينقص المأذون من قيمة المهر بقصد الاستيلاء على جزء من الرسوم المستحقة، أو أن يثبت في إشهار الطلاق أنه وقع مكملاً للثلاث لا ثلاثاً بعبارة واحدة كما أقر صاحب الشأن أمامه، أو أن تقرر المتهمة أمام المأذون في عقد الزواج على غير الحقيقة أنها خالية من الموانع الشرعية حال كونها متزوجة، فيثبت المأذون ذلك ويحرر عقد الزواج بذلك، أو أن يثبت كاتب الجلسة أقوالاً محرفة للمتهم أو أحد الشهود. ومثال التزوير في المحررات العرفية: من يكلف بكتابة مخالصة على وجه السند ليسدد جزءاً من الدين فيؤشر بسداد مبلغ أكبر مما سدده .

وقد يتحقق التغيير في الإقرارات بإغفال إدراج ما أقر به صاحب الشأن، سواء كان الإغفال كلياً أو جزئياً، مادام قد ترتب عليه تغيير المعنى الذي أراد صاحب الشأن إثباته، أو بنسبة إقرار إلى صاحب الشأن لم يكن منه على الإطلاق .

ولا يشترط لوقوع التزوير بهذه الوسيلة أن يكون صاحب الشأن حاضراً بنفسه وقت الإدلاء بإقراره، فيعد التغيير الذي يرتكبه عامل التليفون في الإشارة التليفونية تزويراً. وتفترض هذه الطريقة أن يكون الجاني سيئ النية؛ لأنه هو الذي يقوم من جانبه بتغيير الحقيقة في المحرر .

جعل واقعة مزورة فى صورة واقعة صحيحة :

تضم هذه الطريقة جميع صور التزوير المعنوي. ويراد بها إثبات واقعة في محرر على غير حقيقتها. وتتميز عن الطريقة الأولى في أنها لا تستلزم أن يرد التغيير على البيانات التي يريد صاحب الشأن إدراجها بالمحرر، بل تتسع إلى أكثر من ذلك، فتشمل إثبات حصول أو إتمام واقعة معينة في حضوره خلافاً للحقيقة. وبوجه عام إثبات الوقائع التي أعد المحرر لإثباتها على خلاف الحقيقة .

ومن تطبيقات ذلك :

أ - إثبات حصول أو إتمام واقعة معينة في حضوره خلافاً للحقيقة :

ومثال ذلك أن يثبت معاون إحدى محاكم الأحوال الشخصية في محضر إشهار المزاد الخاص ببيع نصيب بعض القصر مقدار قيمة الثمن الذي تسلمه خلافاً لحقيقة ما تسلمه، والمحقق الذي يثبت زوراً في محضره أنه عثر مع المتهم على مخدر أو سلاح أو أنه إعترف بالتهمة .

ب - الإثبات على خلاف الحقيقة لغيرها من الوقائع التي أعد المحرر لإثباتها :

يستوي بشأنه أن يكون الجاني عالماً بكذب ما يدونه أو جاهلاً به معتمداً على ما أدلى به إليه صاحب الشأن. هذا بخلاف الطريقة الأولى، فإنها تفترض سوء نية من قام بإثبات البيان المزور.

ومن أمثلة التزوير في المحررات الرسمية بهذه الطريقة أن يصدر العمدة وشيخ البلد شهادة إدارية تثبت أن شخصاً معيناً توفي في تاريخ معين حالة كونه متوفي في تاريخ سابق، وأن يحرر مدير لإحدى الورش کشفاً بطلب يثبت فيه - خلافاً للحقيقة - أن الورشة في حاجة إلى كمية من ألواح الصاج لتخزينها واستعمالها في أعمال الورشة، أو أن يثبت فيها - خلافاً للحقيقة - أن عملية إصلاح ماكينة الفحم في حاجة إلى كمية معينة من ألواح الصلب، وأن يثبت - على غير الحقيقة - بصفته عمدة أو صرافاً أو من أعضاء لجنة القرية في شهادة يعطيها لأحد الأشخاص بأنه من طبقة الزراع ويزرع بصلاً بالقدر الذي يمكنه من صرف قدر من الخيش من بنك التسليف، وأن يعتمد بيانات الترخيص المؤقت لمنشأة بناء على عقد بإدارة المنشأة يسمح بإصدار ذلك الترخيص في وقت صدوره .

ومن أمثلة التزوير في المحررات العرفية بهذه الطريقة ما حكم به بشأن موظف في أحد البنوك - قبل تأميمه - أثبت في ترخيص إستيراد بضائع من الخارج - على خلاف ما يقضي به التصريح الصادر من المراقبة العامة للإستيراد أنه رخص لأحد الأفراد بإستيراد بضائع معينة لم يضمها التصريح المذكور، وتغيير الحقيقة في دفتر حركة المبيعات الذي تسلمه الجمعية الزراعية إلى وكلائها في البيع، ومن يكلف بترجمة خطاب من لغة إلى أخرى فيغير في بعض بيانات الخطاب بسوء نية .

وقد قلنا إن التزوير بهذه الطريقة قد يتم دون علم من قام بالإثبات بتغيير الحقيقة فيما أثبته. مثال ذلك: من أثبت في صحيفة الدعوى بياناً خاطئاً عن محل إقامة المدعى عليه، ثم جاء المحضر فأيد هذا البيان بحسن نية، ومن يقرر كذباً للمحضر أن الشخص المطلوب إعلانه مقيم معه ويتسلم الإعلان بالنيابة عنه بحجة أنه غائب مؤقتاً عن المنزل، ومن يدعي أمام المأذون أن إبنته وكلته عنها في عقد زواجها بأخر ويعقد الزواج بهذه الصفة زوراً، ومن يبرز حوالة بريدية غير مملوكة له منتحلاً إسم صاحبها . ( الوسيط في قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ أحمد فتحي سرور، الطبعة السادسة  الكتاب الأول 2016،  الصفحة : 853 )

أولاً : تغيير إقرارات أولى الشأن 

اعتبر المشرع تغيير إقرارات أولى الشأن الذي كان الغرض من تحرير المستند إدراجها طريقاً من طرق التزوير المعنوي. ذلك أن الجاني يثبت على خلاف الحقيقة إقرارات لم تصدر عن المقر. ولذلك فإن تغيير الإقرارات هنا تنصرف فقط إلى الإقرارات التي يجب إثباتها عن لسان صاحب الشأن وليس إلى التقريرات التي تأخذ حكم الوقائع التي يتعين على محرر المحضر إثباتها. فإذا أثبت مأمور الضبط القضائي في محضر التفتيش أن المتهم أقر بملكيته للمضبوطات، على خلاف الحقيقة فإن الإقرار هنا يأخذ حكم الواقعة والتغيير فيها يدخل في الطريقة الثانية أو الثالثة للتزوير المعنوي، أما إذا غير في أقوال المتهم في محضر سماع الأقوال فإننا نكون بصدد الطريقة الأولى وهي تغيير إقرارات ذوى الشأن. فتغيير إقرارات ذوي الشأن معناه علم إثبات حقيقة ما طلب ذوي الشأن إثباته .

ويستوي أن يكون التغيير شاملاً الإقرار بأكمله أو كان قاصراً على جزء منه أو على بيان من بياناته، ومثال ذلك أن يثبت الموثق أن البائع أقر بقبضة الثمن كاملاً بينما هو طلب إثبات قبض جزء منه فقط.. ولا يؤثر على قيام التزوير توقيع المقر على المحرر طالما لم يكن قد أحيط علماً بكل ما أثبت بالورقة إما لثقته في كاتبها أو لجهله القراءة والكتابة أو بسبب إهمال منه .

والتزوير بهذه الطريقة يمكن أن ينصب على المحررات الرسمية أو العرفية. وفاعل التزوير في الحالتين هو كاتب الورقة المزورة. ويلاحظ أن التزوير بهذه الطريقة يختلف عن التزوير في الإقرار ذاته من المقر نفسه والذي يثبته كاتب المحرر كما ورد على لسان صاحب الشأن. ففي هذه الحالة نكون بصدد تزوير بالطريقة الثانية من طرق التزوير المعنوي وهي جعل واقعة مزورة فى صورة واقعة صحيحة، وتتوقف مسئولية كاتب المحرر على مدى علمه بالتزوير في الإقرار. فإذا كان عالماً به اعتبر فاعلاً أصلياً في الجريمة واعتبر المقر شريكاً بالمساعدة. أما إذا كان حسن النية فلا يكون مسئولاً لانتفاء القصد الجنائي واعتبر المقر فاعلاً معنوياً لجريمة التزوير، حسب رأى البعض، وشريكاً بالمساعدة مع فاعل حسن النية وفقاً للراجح في الفقه والقضاء .

ثانياً : التزوير يجعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة :

ويقصد بهذه الطريقة إثبات كاتب المحرر لواقعة غير مطابقة للحقيقة والواقع. ولذلك فهي طريقة تتسع لكل طرق التزوير المعنوي. ولكن نظراً لأن المشرع نص على طريقة التزوير بتغيير إقرارات ذوي الشأن والتزوير بطريقة جعل واقعة غير معترف بها في صورة واقعة معترف بها، فإن الطريقة التي نحن بصددها تقتصر على الصور الأخرى من تغير الوقائع بما يخرجه عن الحقيقة والواقع، ومثال ذلك التزوير الذى ينصب على تاريخ المحرر بإثبات تاريخ غير التاريخ الحقيقي، وذلك إذا كان التاريخ يعتبر من البيانات الجوهرية للمحرر، وكذلك إثبات وجود منقولات في محضر الحجز لا وجود لها في الواقع، وإثبات نسبة المولود لشخص معين خلاف الواقع عند استخراج مستخرج رسمى من شهادة الميلاد الأصلية وإثبات صدور قرار لجهة معينة بترقية موظف على خلاف الواقع. والتزوير بهذه الطريقة يشمل حالات التزوير التي تقع في الصور الرسمية التي تستخرج من الأوراق أو المحررات الرسمية إذا غير الموظف في بيان من بياناتها وأثبت في الصورة على خلاف الواقع .

ويخرج من نطاق التزوير الآراء الفنية التي يبديها الخبير في تقريره والمخالفة للحقيقة، ولكن إذا حدث تغيير للحقيقة في الوقائع التي يقوم عليها الرأي الفني فإننا نكون بصدد تزوير بطريقة جعل واقعة مزورة فى صورة واقعة صحيحة، ومثال ذلك أن يثبت الطبيب الشرعي أن بالمجني عليه إصابات من نوع معين لا وجود لها في الوقائع. أما إذا انتهى في رأيه إلى أن الإصابة الموصوفة بالتقرير والمطابقة للواقع من شأنه أن تحدث عاهة مستديمة يستحيل برؤها وذلك على خلاف طبيعة هذا النوع من الإصابات، فإن ذلك لا يعدو تزويراً معاقباً عليه لأن تغيير الحقيقة انصب على الرأي الفني الذي لا يمكن أن يكون محلاً للتزوير، ذلك أن الرأي الذي يبديه الخبير هو تابع لعقيدته، بالإضافة إلى أن العقاب على الرأي الفني من شأنه دفع الخبير إلى التحرج من إبداء الرأي مخافة التعرض للعقوبة، الأمر الذي يؤدي إلى التأثير على العدالة. ويندرج تحت التزوير بجعل واقعة مزورة فى صورة واقعة صحيحة انتحال الشخصية، ويستوي في ذلك أن تكون الشخصية المنتحلة معروفة أو خيالية : ويطلق الفقه على انتحال شخصية معروفة اصطلاح استبدال الأشخاص بينما ينصرف تعبير انتحال الشخصية بالمعنى الدقيق إلى حالات انتحال أسماء وهمية أو خيالية. ويتحقق التزوير بإثبات الشخصية المنتحلة على أنها هي الشخصية الحقيقية، ويستوي بعد ذلك علم كاتب المحرر أو عدم علمه بالحقيقة، إذ أن ذلك يؤثر فقط على توافر القصد الجنائي لديه، أما الشخص الذي انتحل شخصية الغير فيعتبر شريكاً بالمساعدة مع كاتب المحرر حسب الرأي الراجح، أو فاعلاً معنوياً إذا كان كاتب المحرر يجهل الحقيقة. ويستوي أيضاً أن يوقع الجاني المحرر بالاسم المنتحل أو لا يوقع، فإذا تم التوقيع فإننا نكون بصدد نوع آخر من التزوير تم بطريق وضع إمضاءات مزورة، إلى جانب توافر التزوير المعنوي بجعل واقعة مزورة فى صورة واقعة صحيحة. والتزوير بهذه الطريقة قد ينصب على محرر رسمي أو محرر عرفي، وإن كان موقعاً بالاسم المنتحل أو غير موقع طالما أن هناك ضرر قد تحقق أو أن هناك احتمالاً لحدوث ضرر .

ثالثاً : التزوير بجعل واقعة غير معترف بها في صورة واقعة معترف بها :

 ويقصد بهذه الطريقة من طرق التزوير المعنوي إثبات اعتراف شخص بواقعة بما يخالف الحقيقة. والفرض هنا أن الاعتراف بالواقعة المخالف للحقيقة لم يصدر عن المنسوب إليه بصدد إقرار يدلي به لإثباته بالمحرر وإلا كنا بصدد الطريقة الأولى والخاصة بتغيير إقرارات ذوى الشأن .

وإنما تنصرف هذه الطريقة للتزوير إلى الفروض التي يكون فيها كاتب المحرر في دور الشاهد الذي يثبت أو بدون واقعة الاعتراف على آخر ومثال ذلك إثبات أنه بمواجهة المتهم بالمضبوطات اعترف بملكيته لها وذلك على خلاف الواقع، وإثبات كاتب الجلسة بمحضر الجلسة أن المدعى عليه أقر بالدين موضوع النزاع .

التزوير بالترك :

يتحقق التزوير بتغير الحقيقة بعدم إثبات بعض البيانات أو العبارات أو الألفاظ أثناء تحرير الورقة مما يترتب عليه تغيير في مضمون المحرر التزوير بالترك هو شكل من أشكال التزوير المعنوي أو الذهني وهو يختلف عن التزوير المادي بحذف أو محو بعض بيانات المحرر. ذلك أن المقصود بالتزوير بالترك هو تغيير الحقيقة أثناء إعداد المحرر. وهو يتم إما بتغيير في إقرارات ذوي الشأن بعدم إثبات بعض بيانات الإقرار، وإما بجعل واقعة مزورة فى صورة واقعة صحيحة، وإما بجعل واقعة غير معترف بها في صورة واقعة معترف بها .

ولا يلزم أن ينصب الترك على بيان بل يكفي أن ينصب على لفظ أو حرف يؤدي تركه إلى تغيير المعنى المقصود إبرازه في المحرر ويؤدي إلى جعل واقعة مزورة فى صورة واقعة صحيحة .

ومن أمثلة التزوير بالترك إسقاط اسم أخ للمتهم في كشف العائلة بحيث يفيد الكشف أن المتهم وحيد أبويه لإعفائه من التجنيد، وعدم إثبات بعض التعديلات في الدفاتر التجارية مما يظهر رجحان الجانب المدين على الجانب الدائن، وإغفال ذكر شرط من شروط التعاقد .

وغني عن البيان أن إغفال أو ترك بعض العبارات أو الألفاظ لا يعد تزويراً إذا لم يؤد إلى تغيير حقيقة المحرر .

وتقوم هذه الجريمة على العناصر الآتية :

الأول : صفة الجاني : فقد استلزم المشرع أن يكون الفاعل الأصلي موظفاً عمومياً بالتحديد السابق بيانه، ولذلك يخرج عن هذا النطاق المكلفون بخدمة عامة وغيرهم من طوائف الموظفين الذين ساوى المشرع بينهم وبين الموظف العام في جرائم أخرى. كما يلزم أن يكون الموظف العام الذي قام بالتزوير مختصاً بتحرير المستند وفقاً للقواعد السابق بيانها. أما غير الموظف فيكون شريكاً في الجريمة .

ثانياً : أن يقع تغيير بالحقيقة حال تحرير المستند وذلك بإحدى الطرق المقررة للتزوير المعنوي أما بتغيير إقرارات ذوى الشأن أو بجعله واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة أو بجعله واقعة غير معترف بها .

ثالثاً : أن ينصب التزوير على مستند له الصفة الرسمية، بمعنى أن يكون المحرر أو المستند هو من الأوراق التي يختص الموظف بتحريرها بحكم وظيفته طبقاً للقوانين أو اللوائح أو الأنظمة أو القرارات أو الأوامر .

ويجب أن ينصب تغيير الحقيقة على بيان من بيانات المحرر الجوهرية التي أعد المحرر أصلاً لإثباتها والتي يترتب على تغييرها تغيير في الأثر القانوني للمحرر، لأنه في هذه الحالة فقط يمكن أن يتحقق الضرر أو احتمال الضرر سواء بالنسبة للأفراد أو بالنسبة للثقة العامة في المحرر .

رابعاً : أن يتوافر لدى الموظف القصد الجنائي، ويتحقق ذلك بتوافر العلم باختصاصه بتحرير المستند وبأنه يغير الحقيقة فيه مع اتجاه الإرادة  إلى ذلك التغيير مع علمه بما يمكن أن ينشأ عن هذا التغيير من أضرار بالنسبة للأفراد أو بالنسبة للثقة العامة في المحرر .

العقوبة :

 العقوبة المقررة للجريمة هي السجن المشدد أو السجن . ( قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ مأمون محمد سلامة، الطبعة الأولى 2017 الجزء الأول،  الصفحة : 462 )

نصت المادة التي نحن بصددها على التزوير المعنوي فبينت طرقه على سبيل الحصر وهي : تغيير إقرارات أولي الشأن التي كان الغرض من تحرير تلك السندات إدراجها بها، وجعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة، وجعل واقعة غير معترف بها في صورة واقعة معترف بها .

والطريق الثالثة التي نصت عليها المادة التي نحن بصددها لا لزوم لها، فالأمثلة التي يتصور القول بها تطبيقاً لهذه الطريقة تتدرج إما تحت الطريقة الثانية أو الأولى .

ومن الصور الدقيقة للتزوير المعنوي انتحال الشخصية والتزوير بالترك .

تغيير إقرارات أولى الشأن التي كان الغرض من تحرير السندات إدراجها بها :

يتحقق التزوير بهذه الطريقة كلما غير كاتب المحرر في الحقيقة التي أدلى بها صاحب الشأن إليه لإثباتها بالمحرر. ويقع ذلك من موظف عام في محرر رسمي. ومثال ذلك أن يغير الموثق في بعض بيانات العقد التي طلب منه أصحاب الشأن إثباتها، أو أن ينقص المأذون من قيمة المهر بقصد الاستيلاء على جزء من الرسوم المستحقة، أو أن يثبت في إشهار الطلاق أنه وقع مكملاً للثلاث لا ثلاثاً بعبارة واحدة كما أقر صاحب الشأن أمامه. أو أن يثبت كاتب الجلسة أقوالاً محرفة للمتهم أو أحد الشهود .

وقد يتحقق التغيير في الإقرارات بإغفال إدراج ما أقر به صاحب الشأن، سواء كان الإغفال كلياً أو جزئياً، مادام قد ترتب عليه تغييراً لمعنى الذي أراد صاحب الشأن إثباته، أو بنسبة إقرار إلى صاحب الشأن لم يكن منه على الإطلاق .

ولا يشترط لوقوع التزوير بهذه الوسيلة أن يكون صاحب الشأن حاضراً بنفسه وقت الإدلاء بإقراره فيعتبر التغيير الذي يرتكبه عامل التليفون في الإشارة التليفونية تزويراً .

جعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة :

هذه الطريقة هي أعم طرق التزوير المعنوي وأكثرها وقوعاً، إذ يدخل فيها كل إثبات الواقعة في محرر على غير حقيقتها، وهي بهذا المعنى تشمل الطريقة السابقة والتالية .

انتحال شخصية الغير :

انتحال شخصية الغير صورة من صور التزوير المعنوي الذي يقع بجعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة. ومن الأمثلة عليه تقدم شخص أمام المحكمة بصفة شاهد وتسميه بإسم شخص آخر وإدلاؤه بشهادته في محضر الجلسة بالإسم المنتحل، والتقدم بإسم شخص آخر للشغل نظير الغرامة المحكوم بها على هذا الشخص وإثبات حضوره في الأوراق الرسمية المعدة لذلك .

ومما يثار في هذا الصدد حالة تسمى المتهم بغير إسمه في تحقيق جنائي، ولا نزاع في أنه يرتكب التزوير إذا انتحل شخصية آخر معين ومعلوم، فهذا الإنتحال من شأنه أن يضر بذلك الغير بإسناد الفعل الإجرامي إليه، فضلاً عن الضرر العام الذي ينجم عن العبث بالمحرر الرسمي، وسواء أكان الانتحال مصحوباً بتوقيع أم كان غير مصحوب. أما إذا كان المتهم قد انتحل شخصية خيالية في محضر تحقيق جنائي فإن فعله لا يمكن أن يضر بأحد الأفراد وإن كان ينجم عنه ضرر عام يتوافر بكل عبث في المحررات الرسمية. ولكن من المتفق عليه أن المتهم يسأل عن تزوير في هذه الصورة، سواء وقع بالإسم الخيالي أو لم يوقع، فالمجتمع لا يضحي بحقه في سبيل حق الدفاع، مادام المتهم لا يضر أحداً بإخفاء شخصيته .

 جعل واقعة غير معترف بها في صورة واقعة معترف بها :

هذه الطريقة، كما سبق القول، لا تخرج عن أن تكون صورة من صور جعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة. ومن أمثلتها أن يثبت الموثق في عقد بيع - على خلاف الحقيقة - أن المشتري دفع الثمن أمامه، أو يثبت المحقق في محضر التحقيق أن المتهم اعترف بالجريمة وهو لم يعترف. ومن هذه الصور ما تدخل أيضاً في الطريقة الأولى .

 التزوير بالترك :

 

قد يعمد الجاني إلى الإمتناع عن إثبات ما كان يجب عليه إثباته في محرر، كالمحصل الذي يغفل قيد بعض ما يحصله من النقود بقصد اختلاسها، فهل يعد ذلك منه تزويراً؟. ما من شك أن الفاعل لا يرتكب تزویراً مادياً، فهذا يقتضي عملاً إيجابياً له مظهر مادي في المحرر. ولكن يصح التساؤل عما إذا كان ذلك الموقف السلبي يكون تزويراً معنوياً، بجعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة. قد يقال أن الترك لا يعد تغييراً للحقيقة، إذ التغيير يقتضي على كل حال عملاً إيجابياً من جانب مرتكبه، والذي يترك شيئاً كان يجب إثباته لا يأتي عملاً من هذا القبيل. ولكن يجب ألا يقصر النظر على الجزء الذي حصل تركه، وإنما ينظر إلى ما كان يجب أن يتضمنه المحرر في مجموعه، فإذا ترتب على الترك تغيير في مؤدي هذا المجموع اعتبر ذلك تغيير الحقيقة، وبالتالي تزوير، معاقباً عليه .

العقوبة :

السجن المشدد أو بالسجن . ( الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الثالث، الصفحة : 198 )

تعريف التزوير :

يعرف التزوير بأنه تغيير للحقيقة بقصد الغش في محرر بإحدى الطرق المبينة في القانون تغييراً من شأنه أن يسبب ضرراً للغير. فلجريمة التزوير رکنان رکن مادي ويقوم في تغيير الحقيقة في محرر بإحدى الطرق الواردة في القانون تغييراً من شأنه أن يسبب ضرراً للغير. وركن معنوى يتوافر بانصراف نية الجاني إلى ذلك التغيير وإلى استعمال المحرر فيما غيرت الحقيقة من أجله .

التزوير المادي والتزوير المعنوي :

يقع التزوير إهمالاً بإحدى طريقتين إما بتغيير الحقيقة مادياً ويعرف ذلك بالتزوير المادي وإما بتغيير الحقيقة معنوياً ويعرف بالتزوير المعنوي فيوجد التزوير المادي كلما أدخل المزور على محرر تغييراً مادياً سواء كان ذلك بتقليد خط الغير أو بإدخال تحريف على محرر موجود أما بالزيادة أو الحذف أو التعديل أو بإصطناع محرر- ويوجد التزوير المعنوي - كلما أدخل المزور على محرر تغييراً لا في مادته بل في معناه ومضمونه وملابساته .

وخلاصة ذلك أن التزوير المادي هو كل تغيير للحقيقة في محرر بطريقة مادية تترك مشاهداً محسوساً وقد ذكرت المادة 211 عقوبات، طرق التزوير المادي وهي وضع إمضاءات أو أختام مزورة أو بتغيير المحررات أو الأختام أو الإمضاءات أو بزيادة كلمات أو بوضع أسماء أو صور أشخاص آخرين مزورة. ومن المتفق عليه إضافة التقليد والاصطناع إلى الطرق المذكورة في المادة 211 عقوبات .

أما التزوير المعنوي فهو الذي يكون التغيير فيه في مضمون المحرر أو ما يتصل به من ظروف بحيث لا يدركه الحس. وقد بينت المادة 213 عقوبات طرق هذا التزوير فقالت " سواء كان ذلك بتغيير إقرار أولي الشأن الذي كان الغرض من تحرير تلك السندات إدراجه بها أو بجعله واقعة غير معترف بها في صورة واقعة معترف بها .

التزوير المعنوي :

ثلاث طرق :

 واردة في المادة 213 عقوبات وهي :

1- تغيير إقرار أولي الشأن الذي كان الغرض من تحرير السندات إدراجه بها .

2- جعل واقعة مزورة فى صورة واقعة صحيحة . 

3- جعل واقعة غير معترف بها في صورة واقعة معترف بها .

ويقع التزوير المعنوي في المحررات العرفية والرسمية ولكنه إذا وقع في محرر رسمي فإن فاعل التزوير يكون هو الموظف العمومي المختص بتحرير المحرر وبإعطائه الصفة الرسمية وقد يكون فاعلاً حسن النية أما من يدلى بالواقعة المزورة فلا يتصور أن يكون مرتكب التزوير لأن تحرير المحرر ليس من شأنه وإنما يكون شريكاً للموظف المختص بالتحرير أما التزوير المادي فإنه يرتكب في المحررات الرسمية من موظف ومن غيره .

 الطريقة الأولى : تغيير إقرار أولي الشأن :

تغيير الإقرار هو إبدال حقيقة ما طلب صاحب الشأن إثباته بالكتابة سواء تناول التغيير الإقرار بجملته أو بعض بياناته فقط .

وقد يقع ذلك من موظف عمومي في محرر رسمي أو من فرد من الناس في ورقة عرفية. والتزوير المعنوي بتغيير إقرار أولى الشأن نادر الحصول في العمل وإن كان ممكن الحصول أحياناً والسبب في ذلك أن الموظف لا مصلحة له في إثبات غير الحقيقة فيما يحرره من الأوراق الرسمية التي عهد إليه بتحريرها ولأن ما يكتب في هذه المحررات يجب تلاوته على ذوى الشأن بعد الفراغ من تحريره إنما يلاحظ أنه إذا وقعت الجريمة فإنه لا يقبل من مقارف التزوير بهذه الطريقة أن يدفعه عن نفسه بأنه قام بتلاوة المحرر على ذوى الشأن فوقعوه بعد هذه التلاوة. أو بأنه كان في مقدورهم مراقبته أثناء الكتابة مادام الحاصل أنهم لم ينتبهوا إلى هذا التغيير ولم يقبلوه ولم يقروه ضمناً عند توقيعهم على المحرر .

ولا يتصور حصول تزوير معنوی من غير موظف في محرر رسمي بطريقة إقرار أولى الشأن لأن هذه الطريقة لاتقع إلا من وكل إليه تحرير المحرر ولا يوكل تحرير محرر رسمي إلى غير موظف .

ولكن يتصور وقوعه من غير موظف في محرر عرفي فإذا كلف مترجم بترجمة محرر عرفي من لغة إلى أخرى فأثبت في الترجمة بيانات مخالفة لما تضمنه المحرر الأصلي فإن هذا الفعل يعد تزويراً معنوياً بتغيير إقرار أولي الشأن .

ويلاحظ أخيراً أنه يشترط أن يكون التغيير واقعاً على شئ مما كان الغرض من تحرير السند إدراجه به فإذا وصف أحد المتعاقدين بأنه موظف بدلاً من إثباته أنه تاجر وهو الوصف الحقيقي الذي أملاه عليه المتعاقد فلا عقاب لانعدام الضرر .

 الطريقة الثانية : جعل واقعة مزورة فى صورة واقعة صحيحة :

هو كل تقدير بالكتابة لواقعة على غير حقيقتها وقد يقع حال تحرير ورقة رسمية بواسطة موظف عمومي كما قد يقع من غير موظف إذا قرر وقائع كاذبة للموظف وقع أخيراً في ورقة عرفية وهو أوسع طرق التزوير المعنوي وأكثرها شمولاً بل يكاد يغني بذاته عن طرقه الأخرى .

والتزوير بهذه الطريقة قد يقع في محرر رسمي من الموظف المعهود إليه بتحريره ومن أمثلته إثبات المحضر كذباً في محضر الحجز أنه لم يجد منقولات في منزل المدين وإعطاء العمدة شهادة لإمراة يقرر فيها على خلاف الواقع أنها لا تزال بكراً وذلك لتستعين بها على قبض معاشها وتقریر شیخ بلده في شهادة لشخص مطلوب في القرعة أنه وحيد أبويه وهو ليس كذلك. وإثبات معاون زراعة في محاضر الإهمال في مقاومة دودة القطن على خلاف الحقيقة أن المتهمين بالإهمال حضروا أمامه واستجوابهم ووقعوا ببصماتهم .

وقد يقع التزوير بهذه الطريقة في محرر رسمي من غير موظف كأن يدعي شخص أمام مأمور العقود الرسمية أنه وكيل عن البائع أو المدين فيثبت المأمور ذلك في المحرر أو أن يتقدم شخص ويبلغ عن ميلاد طفل خلافاً للحقيقة أو أن يذكر للمأذون حال تحرير عقد الزواج أن الزوجة خالية من موانع الزواج والحال أنها في عصمة زوج أخر أو أن يذكر شخص للمحضر عند الإعلان أن الشخص المطلوب إعلانه مسافر إلى بلده أو توفي وذلك كله على غير الحقيقة وليس بلازم أن يوقع الجاني على هذه البيانات المكذوبة التي ذكرها بل يكتفي أن يثبتها الموظف المختص الذي وقع بإمضاءه على المحرر .

وقد يقع التزوير المعنوي بهذه الطريقة من أحد الأفراد في محررات عرفية فمن ذلك أن يثبت كاتب الحسابات أو التحريرات في محل تجاري عملية من العمليات في دفتر المحل على غير حقيقتها. وأن يثبت المحصل في شركة تجارية المبلغ التي حصلها من عملاء الشركة في دفتر القسيمة الداخلية بأقل من حقيقة ما حصله منهم، وأن يحرر الدائن إيصالاً لمدينه بدين غير المدين الذي دفع المدين المال تسديداً له. ولكن تغيير الحقيقة بهذه الطريقة لا يعد تزویراً معاقباً عليه إلا إذا حصل حين تحرير العقد أو السند فإذا حصل بعده فلا يعد تزويراً بجعل واقعة مزورة فى صورة واقعة صحيحة أو بجعل واقعة غير معترف بها في صورة واقعة معترف بها .

وإبداء الرأي الفني لا يعتبر تزويراً إذا تبين خطأ هذا الرأي أو فساده كالطبيب الذي يبدي برأيه في حالة مريض أو الخبير الذي يقرر التشابه أو التغاير بين الخطوط أو المهندس الذي قرر ضعف بناء أو قوة احتماله فإنه تعذر في هذه الصور وأشباهها اعتبار الاستنتاج الفني محل للتزوير المعاقب عليه لأن المفروض أن هذا الاستنتاج يبنى على قواعد علمية وأصول فنية يتعاون الأشخاص في حذفها والإلمام بها. وتلك القواعد والأصول في تقديم وتطور تبعاً للتقدم العلمي والرقي الفني. وإذا كان العقاب ممتنعاً على إبداء الرأي الفني الباطل فذلك مقصور على الرأي في ذاته أما إذا تغيرت الحقيقة في الوقائع المادية التي لا تحتاج إلى خبرة الفني أو علم العالم كوجود تصدع ظاهر في بناء فيثبت المهندس أن السلم لا أثر فيه للتصدع أو إصابة دامية واضحة للعين فيقرر الطبيب أنه لم يجد إصابات بالمصاب. أو أرض خصبة مزروعة يثبت الخبير أنها بور لا تنبت فهذا وأمثاله تغيير للحقيقة في حقائق مادية يحيطه الغش ومن شأنه الإضرار بأصحاب المصالح والحقوق فهو تزوير معاقب عليه .

 انتحال شخصية الغير :

انتحال شخصية الغير صورة من صور التزوير المعنوي الذي يحصل بجعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة ومن الأمثلة عليه تقدم شخص أمام المحكمة بصفة شاهد وتسميه باسم شخص آخر وأدلاؤه بشهادته في محضر الجلسة بالاسم المنتحل والتقدم باسم شخص آخر للشغل نظير الغرامة المحكومة بها على هذا الشخص وإثبات حضوره في الأوراق الرسمية المعدة لذلك ويقع التزوير بهذه الطريقة سواء كان الاسم المنتحل لشخص معلوم أم اسماً خيالياً كما أنه لا يشترط فيه أن يوقع الجاني بإمضاء أو بختم أو بصمة فإن فعل يكون مرتكباً لتزوير مادي أيضاً .

وتقرير المزور المسمى باسم شخص آخر أنه لا يعرف التوقيع باسمه لجهله الكتابة وإثبات الموظف هذا التقرير في العقد أو الورقة الرسمية كاف في العقاب وكذلك ومن باب أولى إذا وضع المزور علامة لإسمه على أنها إمضاؤه مدعياً كذباً أنه يجهل التوقيع وأنه اعتاد التوقيع بمثل هذه العلامة ومادام الموظف هو الكاتب للوثيقة الرسمية فهو فاعل أصلي دائماً في ما تقدم من الأمثلة سواء كان الموظف قد ارتكب التزوير بقصد جنائي وأثبت الاسم المنتحل مشوباً بالغش أم كان حسن النية خدعه المزور بانتحال شخصية الغير دون أن يعلم الموظف بهذا الغش ويكون منتحل الاسم أو شخصية الغير في هذه الأحوال كلها شريكاً ومعاقباً حتى ولو كان الفاعل الأصلي الموظف العمومي غير معاقب لتخلف سوء القصد عنده .

ولكن هل يمكن تصور وجود تزوير معنوي في محرر عرفي بواسطة انتحال شخصية مكذوبة وبغير توقيع؟ قد يكون هذا نادراً لأن المحرر العرفي الخالي من التوقيع يكون عادة عديم القيمة ولكن وجوده ليس بمستحيل .

 الطريقة الثالثة : جعل واقعة غير معترف بها في صورة واقعة معترف بها :

والمقصود بهذه الطريقة إسناد اعتراف كاذب إلى متهم عن واقعة يتناولها التحقيق في محضر رسمي حال تحريره وهي ليست في الواقع طريقة قائمة بذاتها من طرق التزوير بل أنها صورة من التزوير بتغيير إقرار أولي الشأن الذي كان الغرض من تحرير السندات إدراجه بها، لأن الاعتراف إقرار ولذلك كان ورودها في المادة 213 تزيداً لا داعي له .

وهذا المحضر الرسمي قد يكون محضر استدلال أو تحقیق ابتدائی بالمعنى الضيق أو محضر استجواب أو مواجهة أو جلسة محاكمة كما قد يكون محضراً في النيابة الإدارية أو في تحقيق رسمي آخر .

 التزوير بالترك :

قد يعمد الجاني إلى الامتناع الذي يغفل قيد بعض ما يحمله من نقود بقصد اختلاسها فهل بعد ذلك منه تزویراً ؟ في ذلك أجابت محكمة النقض بأن الرأي القائل بأن التزوير بطريقة الترك لاعقاب عليه لأن الترك لا يعد تغييراً للحقيقة إذا التغيير يقتضي عملاً إيجابياً من جانب مرتكبه والذي يترك شيئاً كان يجب إثباته لا يأتي عملاً إيجابياً - هذا الرأي على إطلاقه غير سديد إذ يجب إلا يقصر النظر على الجزء الذي حصل تركه بل ينظر إلى ما كان يجب أن تضمنه المحرر في مجموعة فإذا ترتب على الترك تغيير في مؤدي هذا المجموع اعتبر الترك تغييراً للحقيقة وبالتالي تزویراً معاقباً عليه .

الضرر :

 لايعد تغيير الحقيقة تزويراً إلا إذا نشأ عنه ضرر أو كان من شأنه إحداث ضرر ولا يشترط القانون وقوع الضرر بالفعل بل يكتفي باحتمال وقوعه وهذا مستنتج بالضرورة من نصوص القانون التي لم تعلق قیام التزوير على استعمال المحرر بالفعل ولا يشترط كذلك أن يحل الضرر بمن زور عليه المحرر بل يتوافر الشرط ولو كان الضرر قد حل أو كان محتمل الحلول بأي شخص آخر ومفهوم أن العبرة في ذلك بوقت وقوع التغيير .

وعلى ذلك فإنه يمكن تعريف الضرر بأنه الإخلال بحق أو بمصلحة يحميها القانون وهو على صور متعددة فمنه المادي والأدبي والمحقق والمحتمل والفردي الاجتماعي وأية صورة منه مني تحققت تكفي لقيام الجريمة وذلك على التفصيل الآتي :

 الضرر المادي :

الضرر المادي هو ما يصيب المجني عليه في ماله فتتأثر به ذمته المالية أو تتنقص ثروته مثال ذلك مزور عقد إيجار بأن يثبت فيه أن المالك قد قبض مبلغ الأجرة جميعها مقدماً أو من يمحو عبارة التخالص عن جزء من الدين المؤشر بها على ظهر سند الدين للمطالبة بالدين جميعه أو من يزور على آخر عقد بيع منزل أو أرض ليسلبه ثروته أو جزء منها بغير حق وليس بشرط أن يكون الضرر المادي جسيماً فيكفي لوجود الضرر أن يقع على جزء يسير أو مبلغ طفيف من ثروة المجنى عليه .

 الضرر الأدبي :

الضرر الأدبي هو الذي لا يصيب المجني عليه في ذمته المالية وإنما ينال منه عرضه وشرفه وكرامته وهذا النوع من الضرر يكون متصلاً في الغالب بضرر مادي ولكن وجوده يكفي لقيام التزوير ومن أمثلة التزوير شخص عقد زواج عرفي على سيدة بأنها قبلت زواجه وتوقيعه على عقد بإمضاء مزور بإسمها ونسبة طفل لقيط في دفتر المواليد إلى فتاة عذراء ونسبة خطاب زوراً إلى شخص بعد تحرير أمور فيه تخل بشرف من نسب إليه الخطاب والتسمي بإسم الغير في تحقيق جنائي ويلاحظ أنه لا يلزم في الضرر الأدبي أن يكون على درجة معينة من الجسامة .

 الضرر المحقق والمحتمل :

يعتبر الضرر متوافراً حتى ولو كان محتملاً غير محقق ولا حال الوقوع ومهما كان احتماله ضعيفاً يتحقق الضرر على وجه يقيني باستعمال السند المزور فعلاً وتنشأ حينئذ جريمة أخرى جديدة قائمة بذاتها هي جريمة الاستعمال ويكون الضرر محتملاً على قدر احتمال استعمال السند المزور مستقبلاً أو بعبارة أدق على قدر احتمال تضرر المجنى عليه منه إذا ما استعمله الجاني لأن الضرر وثيق صلة بفعل الاستعمال دون التزوير .

وعلى ذلك فإنه ليس بشرط أن يحل الضرر بالمجنى عليه فعلاً بل يكفي أن يكون الضرر محتمل للوقوع وقت ارتكاب الجريمة فالمحضر الذي يعلن عريضة دعوى ويسلمها لشخص آخر غير المعلن إليه ويثبت في العريضة أنه سلمها للمعلن إليه نفسه يرتكب تزويراً يحتمل أن يترتب عليه ضرر ويلاحظ أن التزوير لا يسقط بتمزيق المتهم للسند المزور إلا إذا أمكن أن يستفاد من هذا أن المتهم إنما زور السند على سبيل المزاج ولم يكن ذلك بنية الإضرار .

كذلك لا يسقط التزوير بتنازل المتهم عن التمسك بالعقد المزور ولا بتنازل مدعي التزوير عن الخصومة المدنية ولا بتصديق المجنى عليه على الإمضاء المزور بعد تزويره لأن العبرة في تقدير حصول التزوير أو احتمال حصوله إنما تكون بالوقت الذي ارتكب فيه التزوير. كما يلاحظ أخيراً أنه لايجوز بحال أن يخلق الإنسان لنفسه سنداً كتابياً. وعلى ذلك فإن ركن الضرر يعتبر متوافراً فيما لو زور شخص محرراً ابتغاء الحصول على حق كان في استطاعته الوصول إليه بالطرق القانونية .

 الضرر الفردي والاجتماعي :

الضرر الفردي أو الخاص هو ذلك الذي يصيب شخصاً أو هيئة معينة بالذات أما الضرر الاجتماعي أو العام فهو ما يصيب الصالح العام في مجموعة وجميع صور الضرر قد تكون فردية كما قد تكون اجتماعية . ويلاحظ أن كل تزوير يضر بمصالح الحكومة الأدبية يقع تحت طائلة العقاب فكل تزوير يرتكبه موظف عمومي أو غيره في محرر رسمي يعاقب عليه ولو لم يترتب عليه ضرر مادي بل ولو كان الضرر الأدبي محتملاً فقط .

الضرر والمحررات الباطلة والقابلة للبطلان :

تتغير الحقيقة في المحررات الباطلة أو القابلة للبطلان يعتبر من قبيل التزوير المعاقب عليه وهذه مسألة موضوعية وليست قانونية فمادام المشرع لم يشترط صفة معينة في المحرر لا يبقى إلا البحث في ترتب الضرر أو احتمال ترتبه ومتى توافر هذا الشرط واقترن بالقصد الجنائي صح العقاب على التزوير ولو كان حاصلاً في محرر باطل متى كان من المحتمل ينخدع فيه الناس ويفوتهم ما به من نقص أن يكون الضرر محتمل الحصول .

الركن الثالث : القصد الجنائي

 يراد بالقصد الجنائي عادة إقدام المجرم على ارتكاب الفعل وهو عالم بأن القانون يعده جريمة ويعاقب عليه وبعبارة أخرى القصد الجنائي هو علم المجرم بأنه يأتي فعلاً يعده القانون في صورته التي وقع بها جريمة يعاقب عليها فالقصد الجنائي يؤول في النهاية إلى علم المجرم بحرمة الفعل الذي تعمد ارتكابه ويجب أن يشمل هذا العلم جميع أركان الجريمة المرتكبة. ففي جريمة التزوير يكون العلم متلازماً مع بعض أركانها مثلا يفترض على الدوام على الشخص بأن الطريقة التي اتبعها في التزوير هي من الطرق التي نص عليها القانون وحرمها ولا يفيده بعد هذا اعتذاره بجهل القانون كذلك يفترض دائماً علم المزور بأنه يرتكب تزويراً في محرر سواء كان هو المحدث للتغيير بنفسه أو بواسطة غيره وقد يعتذر مثلاً بأنه لم يكن يعلم أن المطبوعات تدخل في معنى المحررات ويمكن اعتذاره هذا يعد من قبيل الجهل بالقانون ولا عبرة به. أما فيما يتعلق بركن تغيير الحقيقة فهذا مما يلزم فيه ثبوت العلم ثبوتاً صريحاً فقد يجهل الشخص الذي كتب المحرر أنه يسطر أكاذيب مغايرة للواقع فقد يجهل مأمور التحريات الرسمية أن ما يميليه عليه المتعاقد أن يتضمن وقائع أو بيانات مزورة وإذن لا يعد مجرماً ولا يستحق عقاباً لعدم توافر القصد الجنائي ولا يغير من ذلك كونه أهمل في تحري الحقيقة وأن كان يستطيع الوصول إلى معرفتها لو بذل شيئاً من الحيطة والدقة في أداء عمله فإن الإهمال وعدم الاحتياط لا يقومان مقام العلم الصريح من الوجهة الجنائية. كذلك الحال فيما يتعلق بركن الضرر فيجب أن يعلم المزور أن تغييره للحقيقة يجوز أن يحدث ضرراً للغير مادياً أو أدبياً حالاً أو محتمل الوقوع .

ويلاحظ أن غالبية الفقه تفضل تعريف قصد التزوير بأنه " نية استعمال المحرر المزور فيما زور من أجله " ويبدو أن قضاء النقض الحديث قد اعتنق هذا التعريف الأخير واستقر عليه بشكل واضح لافرق في ذلك بين نوع وآخر من أنواع المحررات فهو كثيراً ما يردد مثل قوله " أن القصد الجنائي في جريمة التزوير تتحقق بتعمد تغيير الحقيقة في الورقة تغييراً من شأنه أن يسبب ضرراً وبنية استعمالها فيما غير من أجله الحقيقة فيها " وأساس ربط القصد الخاص في تزوير المحررات بنية استعمال المحرر المزور فيما زور من أجله هو النظر إلى جريمة التزوير من حيث علاقتها بجريمة استعمال المحررات المزورة ففعل التزوير بحسب ماهيته لايخرج عن كونه عملاً تحضيرياً لجريمة الاستعمال التي يتصل بها الضرر وهو المقصود الحقيقي بالخطر .

 

وخلاصة ما تقدم أن القصد في التزوير يتكون من عنصرين أساسيين الأول : هو القصد العام والثاني : هو النية الخاصة - والقصد العام هو العلم بجانب الواقع وجانب الواقع في التزوير تكون من ذات الفعل المادي وهو تغيير الحقيقة في محرر من الأثر الضار الذي ينجم عنه أو يحتمل أن يترتب عليه. والنية الخاصة هو أن تكون نية الجاني من التزوير استعمال المحرر المزور فيما زور من أجله فإذا كانت هذه الغاية استعمال المحرر فيما غيرت الحقيقة من أجله توافر القصد ولو لم يحصل الاستعمال ولا عبرة بالبواعث على التزوير فقد تكون طيبة أو شريرة ولكنها لا تؤثر في وجود قصد التزوير. وتقدير وجود القصد أو عدمه من المسائل المتعلقة بالدعوى وتفصل فيها محكمة الموضوع على ضوء الظروف المطروحة عليها وتقديرها في ذلك نهائي لا معقب عليه لمحكمة النقض إلا إذا أخطأت محكمة الموضوع في فهمها لمعنى القصد أو عناصره أو شاب قضاءها سوء الاستدلال . ( موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الثالث، الصفحة : 68 )

الفقه الإسلامي
قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحات : 228 ، 229 ،  230 
 
( مادة 465 ) :
 تزوير المحرر هو تغير الحقيقة فيه بإحدى الصور المبينة بعد ، بقصد إستعماله على نحو يوهم بأنه مطابق للحقيقة ، متى كان من شأنه إحداث ضرر ، وكان المحرر صالحاً للإستعمال على هذا النحو . 
وصور التزوير هي : 
1- أي تعديل بالإضافة أو الحذف أو غيرهما في الكتابة أو الأرقام أو المعلومات أو الصور أو العلامات . 
2- وضع إمضاء أو ختم مزور ، أو تغير إمضاء أو ختم صحيح ، أو إساءة إستعمال إمضاء أو ختم أو بصمة . 
3- الحصول غشاً أو مباغتة على إمضاء أو ختم أو بصمة لشخص لا يعلم حقيقة  المحرر . 
4- إصطناع المحرر أو تقليده .
5- إنتحال الشخصية أو إستبدالها فيما أعد لإثباتها . 
6- تغيير الحقيقة في محرر حال تحريره فيها أعد لتدوينه . 
ويعتبر تزویراً إستغلال حسن نية المكلف بكتابة المحرر والإدلاء إليه ببيانات كاذبة ، مع إيهامه بأنها صحيحة ، متى دونها نقلاً عن المدلي بها . 
 
( مادة 466 ) :
يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على عشر سنوات على التزوير في محرر رسمي . 
ويعاقب بالحبس على التزوير في محرر عرفي . وذلك كله ما لم ينص القانون على خلافه . 
 
( مادة 467 ) :
المحرر الرسمي هو الذي يختص موظف عام بمقتضى وظيفته بتحريره ، أو بالتدخل في تحريره على أية صورة ، أو بإعطائه الصفة الرسمية . 
ويقصد بالموظف العام من حددته الفقرات من (أ) إلى (د) من المادة (394) من هذا القانون . 
والمحرر العرفي هو ما عدا ذلك ، ويشترط أن يكون موقعاً ممن نسب إليه بإمضائه أو ختمه أو بصمته . 
 
( مادة 472 ) :
يعاقب بالعقوبة المقررة لجريمة التزوير على حسب الأحوال : 
1- كل من استعمل محرراً مزوراً وهو عالم بتزويره وبالظروف المشددة لجريمة التزوير ، فإن كان يجهل هذه الظروف عوقب كما لو كان التزوير قد وقع بغير توافرها . 
2- كل من استعمل محرراً فقد قوته القانونية لأي سبب كان ، مع علمه بذلك قاصداً الإيهام بأن المحرر لا زال محتفظاً بقوته القانونية .
 3- كل من استعمل محرراً صحيحاً بإسم شخص غيره أو إنتفع به بغير حق  . 
 
( مادة 473 ) :
 يعاقب بالحبس من إنتحل إسم غيره ، أو أعطى بياناً كاذباً عن محل إقامته في مرحلة الإستدلالات أو التحقيق الإبتدائي أو النهائي .    
 
تزوير المحررات 
المواد من (465) - (474) : 
تقابل نصوص المشروع بصفة عامة المواد من (206) - (227) من القانون القائم ، مع إضافة ما ارتأى المشروع إضافة إليها من حالات ، فضلاً عن ضبط صياغة النصوص ، وأهم سمات المشروع ما يلي : 

1- المادة (465) من المشروع : حسماً لما قام من خلاف فقهي وقضائي ، ونزولاً على مبدأ شرعية الجريمة ، فقد ارتأى المشروع بیان عناصر جريمة التزوير ، وبيان الأفعال المكونة لها والقصد الملابس لهذه الأفعال ، متى كان من شأن ذلك إحداث ضرر ، وهذا لا يتأتى إلا إذا كان المحرر صالحاً للإستعمال فيها أعد له ، فإن كان ظاهر البطلان ولا ينخدع به الناس عامة ، فقد انحسرت عنه هذه الصلاحية ، ومن هذا المنطلق فقد عرفت المادة (465) من المشروع سالفة البيان ، جريمة التزوير عن طريق بيان أركانها على النحو الذي استقر عليه القضاء والفقه في عمومه ، ثم حددت صور التزوير على نحو قصد به منع اللبس ، ولعل أهم إضافة عني النص بإبرازها وضع الجاني صورته الشمسية على محرر لا يخصه كأوراق المرور وجوازات السفر ورخص القيادة ، وأوراق إثبات الشخصية، وذلك بإستبدال الصورة الأصلية للصادر بإسمه المحرر ووضع صورته بدلاً منها ، وكان القضاء يرفض إعتبار هذه الصور من صور التزوير ، كما أوضح النص أن التعديل فيها تضمنه المحرر من كتابة أو أرقام أو معلومات حذفاً أو إضافة أو غيرهما - يعد من صور التزوير . 
 
كما أن المشروع أفصح عن أن إساءة إستعمال إمضاء أو ختم أو بصمة تدخل في عداد جرائم التزوير ، إذا ما وقعت في محرر ، وذلك قد يكون بتعمد التوقيع بإمضاء تخالف في طريقة الكتابة الإمضاء المعتادة ، أو محاولة تغيير السمات الخطية في الإمضاء ، أو إستعمال خاتم صحيح دون علم صاحبه أو رضائه ، أو إستعمال خاتم ألغي إستعماله ، أو نزع بصمة أو إمضاء من موقعها الصحيح ولصقها على محرر آخر غير ذلك المنزوعة منه ، بغير علم ورضاء صاحب الشأن في ذلك . 
 
كذلك أوضح النص أن الحصول غشاً أو مباغتة على إمضاء أو ختم أو بصمة لشخص لا يعلم حقيقة المحرر ، بأن صور له أن محرراً من نوع معين حال أنه محرر مخالف - كمن يستوقع على ورقة بوصف أنها سند دین أو كمبيالة ، حال أنها شيك أو من يحصل على الإمضاء أو الختم بطريق المباغتة أو التغافل . 
 
والفقرة السادسة من النص تتضمن تغيير الحقيقة في محرر حال تحرير هذا المحرر فيها أعد لتدوينه ، وهي صورة التزوير المعني بجعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة أو واقعة غير معترف بها ، ورئي من حسن الصياغة أن تكون على النحو الوارد بالمشروع ؛ لأنها تتسع لهاتين الصورتين وكل صورة التزوير المعنى . 
 
2- المادة (466) من المشروع : جمعت في فقرتيها التزوير في المحرر عرفياً كان أم رسمياً،  مع جعل عقوبة التزوير في المحرر العرفي عقوبة الجنحة،  وكان القانون القائم يفرد نصاً لكل حالة . 
 
3- المادة (467) من المشروع : ارتأى المشروع بغية توضيح معنى المحرر الرسمي والمحرر العرفي أن ينص على تعريف لكل ، والقانون القائم لا يتضمن هذا التعريف ، مما ساعد على إشاعة الإضطراب في هذا الصدد ، وحسماً للأمور ووضعها في موضعها الصحيح ، فقد عرف المشروع المحرر الرسمي بأنه الذي يحرره موظف عام مختص بتحريره ، أو بالتدخل في تحريره على أية صورة، أو بإعطائه الصفة الرسمية ، وذلك كله بمقتضى إختصاصه الوظيفي، ومنعاً للبس أيضاً بين المشروع من هو الموظف العام في حكم هذا الفصل؟ فأحال في بيانه إلى الفقرات الأربع الأولى من المادة (394) من المشروع دون باقی فقراتها ؛ لأن من عدا من نصت عليهم هذه الفقرات لا يعد موظفاً عاماً حقيقة،  بل حكماً ، أما عدا ذلك من المحررات فهي عرفية وقعت ممن نسب إليه المحرر، يستوي في ذلك أن يكون التوقيع بالإمضاء أو بالبصمة أو بالختم . 
 
4 - المادة (261) من المشروع جمعت في نصها حكم المادتين (226)، (227) من القانون القائم،  واتسع حكمها ليشمل إبداء أو تقرير أقوال أو بيانات جوهرية ، يعلم بعدم صحتها ، أو تقديم أوراق بذلك إلى جهة تقرير مساعدات أو تأمينات إجتماعية ، بعد أن كانت نصوص القانون الحالي لا تواجه مثل هذه الصور . 
 
5- المادة (471) من المشروع تقابل المادة (340) من القانون القائم ، وكانت ضمن مواد الباب العاشر من الكتاب الثالث ضمن مواد جريمة النصب وخيانة الأمانة ، وقد ارتأى المشروع أن مكانها الصحيح بين مواد جريمة التزوير ؛ لأنها إليها أقرب وبها ألصق ، إذ تعالج صورة خاصة من التزوير في محرر وقع على بياض ، ثم حرر في البياض بیانات خلافاً للمتفق عليه ، وجعلت المادة ظرفاً مشدداً يترتب عليه مضاعفة العقوبة، إذا كان الجاني غير من اؤتمن على الورقة متى حصل عليها بوسيلة غير مشروعة . 
 
6- المادة (472) من المشروع : تعرض لجريمة إستعمال المحرر المزور رسمياً كان أم غير رسمي ، فنصت الفقرة الأولى منها على عقاب المستعمل للمحرر المزور بذات العقوبة المقررة لجريمة التزوير، متى كان عالماً بالتزوير وبالظروف المشددة للجريمة، فإن كان يجهل هذه الظروف عوقب ، كما لو كان قد وقع التزوير بغير توافرها . 
 
واستحدثت الفقرة الثانية منها حكماً جديداً يعاقب كل من استعمل محرراً فقد قوته القانونية ، أياً كان سبب ذلك الفقدان، عالماً بذلك، متى قصد من هذا الإستعمال الإيهام بأن المحرر لا يزال يحتفظ بقوته القانونية ، فمن يستعمل عقد بیع قضي بفسخه أو إبطاله مع العلم بذلك ، قاصداً الإيهام بأنه لا يزال قائماً لم يفسخ أو يقضي بإبطاله - يسري عليه الحكم المستحدث ، وهو إلى جانب سريان هذا النص عليه ، قد يتحقق قبله جريمة النصب أو الشروع فيها على حسب الأحوال . 
 
كذلك أثم المشروع في الفقرة الثالثة من المادة إستعمال محرر صحيح بإسم الغير فانتفع به بغير حق ، وعلى سبيل المثال إستعمال جوازات السفر أو أوراق المرور أو الرخص . 
 
7- المادة (473) من المشروع ، رأى المشرع أن إنتحال شخص إسم غيره أو إعطاءه بيانات كاذبة عن محل إقامة في مرحلة الإستدلالات أو التحقيق الابتدائي أو النهائي - يدخل في نطاق التجريم ، ولأن محكمة النقض ذهبت إلى أن حق المتهم في الدفاع يبرر له أن يتسمى بإسم خيالي في إعتقاده ، فلا يعد فعله ضرباً من ضروب التزوير ، ومنعاً لأي لبس وضع المشروع النص سالف البيان ليؤثم بعقوبة الجنحة كل من إنتحل إسم غيره ، أعطى بياناً كاذباً عن محل إقامته في مرحلة الإستدلالات أو التحقيق الابتدائي أو النهائي ، والنص من العموم بحيث يشمل إلى جانب المتهم غيره ممن يسأل في تحقيق مما ذكر ، وبذلك يكون البيان في الإسم ومحل الإقامة من البيانات الجوهرية التي يتحتم أن يراعي فيها الشخص الصدق والأمانة ؛ حتى يسهل الإهتداء إليه إذا ما تطلب الأمر ذلك .
 
هذا وقد استتبع تنظيم المشروع لجريمة التزوير أن يسقط بعض النصوص التي تعالج صوراً خاصة من صور التزوير الواردة في المواد (216)، (217)، (218)، (220)، (221)، (223)، (224) من القانون القائم، إكتفاء بما تضمنه المشروع من نصوص ، على أن هذا لا يمنع الشارع في قانون خاص أن يقرر من العقوبات ما يراه ملائماً لصورة خاصة من التزوير . 
 
كما لم يورد المشروع نصاً مقابلاً للمادة (225) من القانون القائم التي تساوي بين التوقيع بالإمضاء والختم وبصمة الإصبع ؛ لأن بيان المشروع لطرق التزوير قد غنى عن ذلك ؛ إذ تضمنها هذا البيان .