loading

موسوعة قانون العقوبات​

الأحكام

1ـ لما كان الحكم وقد دان الطاعن بتهمتي الاشتراك فى التزوير واستعمال المحرر المزور لم يدلل تدليلاً سائغاً على أنه قد اشترك مع المتهم الآخر المجهول بطريق من طرق الاشتراك المنصوص عليها فى المادة 40 من قانون العقوبات فى تزوير المحرر ولم يورد الدليل على علمه بتزويره ذلك إنه لا يكفي فى هذا الصدد أن يكون الطاعن هو الذي قدم الخطاب المزور إلى البنك لأنه ليس من شأن ذلك حتماً أن تتوفر به جريمة استعمال المحرر المزور مع العلم بتزويره، ما دام الحاصل أن الحكم لم يقم الدليل على أن الطاعن قد اشترك فى ارتكاب تزوير المحرر، فإن الحكم المطعون فيه يكون معيباً بما يبطله مما يوجب نقضه والإعادة دون حاجة إلى بحث باقي أوجه الطعن، ولا محل للقول أنه لا جدوى من النعي على الحكم بذلك الوجه اعتباراً بأن العقوبة المقضي بها مقررة قانوناً لجريمة تقليد ختم لأحد البنوك، ما دام الطاعن ينازع فى طعنه فى الواقعة بأكملها التي اعتنقها الحكم وقوامها تزوير خطاب تخفيض الضمان ووضع بصمة الختم المقلد عليه وهو ما كان دليلاً على تزويره وبالتالي ينحسر التبرير عن العقوبة المقضي بها .

( الطعن رقم 14623 لسنة 59 ق - جلسة 1990/01/17 - س 41 ع 1 ص 164 ق 23 )

2-  إن مجرد التمسك بالورقة المزورة لا يكفى فى ثبوت العلم بالتزوير و هو ركن جوهرى من أركان جريمة إستعمال الأوراق المزورة المنصوص عليها فى المادة 215 من قانون العقوبات لا تقوم تلك الجريمة إلا بثبوته ، وإذن فإذا كان الحكم قد إستظهر حصول التزوير ونفى عن المتهم أنه هو مرتكبه ، ثم دانه بجريمة إستعمال سند مزور مفترضاً علمه بالتزوير من مجرد تقديم السند فى القضية المدنية التى رفعها على المجنى عليه وتمسكه به ، دون أن يبين الحكم الدليل على توفر ركن العلم بالتزوير لديه ، فإنه يكون قاصر البيان متعيناً نقضه .

( الطعن رقم 1127 لسنة 24 ق - جلسة 1954/11/23 - س 6 ع 1 ص 216 ق 72 )

3ـ إن جريمة استعمال الورقة المزورة لا تقوم إلا بثبوت علم من استعملها بأنها مزورة، ولا يكفي فى ذلك مجرد تمسكه بها أمام المحكمة ما دام لم يثبت أنه هو الذي قام بتزويرها. فإذا كان الحكم حين أدان الطاعن فى هذه الجريمة لم يعتمد فى ذلك إلا على ما قاله من أنه استعمل الورقة المزورة مع علمه بتزويرها دون أن يقيم الدليل على هذا العلم فإنه يكون قاصراً فى بيان عناصر الجريمة متعيناً نقضه .

( الطعن رقم 442 لسنة 23 ق - جلسة 1953/05/12 - س 4 ع 3 ص 792 ق 288 ) 

4- المادة 210 من قانون العقوبات والتي وردت ضمن مواد الباب السادس عشر " التزوير" الكتاب الثاني من هذا القانون نصت على أنه : " الأشخاص المرتكبون لجنايات التزوير المذكور بالمواد السابقة يعفون من العقوبة إذا أخبروا الحكومة بهذه الجنايات قبل تمامها وقبل الشروع في البحث عنهم وعرفوها بفاعليه الآخرين أو سهلوا القبض عليهم ولو بعد الشروع في البحث المذكور. " ومفاد هذا النص في صريح لفظه وواضح دلالته أن الإعفاء من العقوبة المار بيانه لا يجد سنده التشريعي إلا في جنايات التزوير المنصوص عليها في المادتين 206 ، 206 مكرراً في القانون المذكور على سبيل الحصر فلا يصح التوسع في تفسيرها وكانت النصوص المتعلقة التي ترتد كلها إلى مبدأ جامع هو ممارسة الحق أو القيام بالواجب، وعلى ذلك فلا يجوز للقاضي أن يعفى من العقوبة إلا إذا انطبقت شروط الإعفاء في النص التشريعي على الواقعة المؤثمة انطباقاً تاماً سواء من ناحية كنهها أو ظروفها أو الحكمة التي تغياها المشرع من تقرير الإعفاء وكان التزوير في محرر رسمي واستعماله المنصوص عليهما في المادتين 213 ، 214 والتي دين الطاعن بهما من قانون العقوبات لا يندرجان تحت حالات الإعفاء المشار إليها على سبيل الحصر، ومن ثم فإن منعى الطاعن في هذا الشأن يكون في غير محله. لما كان ذلك ، وكان الحكم قد عاقب الطاعن بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة مع إيقاف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات ولم يقض بعقوبة العزل عملاً بالمادة 27 من قانون العقوبات ، وكان البين من الحكم الغيابي الصادر بتاريخ 15/7/2021 أنه أغفل القضاء بالعزل عملاً بالمادة 27 من قانون العقوبات ، وكان مفاد نص المادة 395 من قانون الإجراءات الجنائية بعد تعديلها بالقانون رقم 95 لسنة 2003 أن محكمة الجنايات تتقيد سلطتها في نطاق العقوبة بما قضي به الحكم الغيابي ، بحيث لا يجوز لها عند إعادة نظر الدعوى تشديد أو تغليظ العقوبة التي قضي بها الحكم الغيابي خلافاً لما كان عليه الحال قبل تعديل المادة سالفة البيان ، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر عند إعادة إجراءات محاكمة الطاعن حضورياً ، فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون. لما كان ما تقدم ، فإن الطعن برمته يضحى على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً .

( الطعن رقم 6006 لسنة 92 ق - جلسة 14 / 11 / 2023 )

شرح خبراء القانون

خصص الشارع لاستعمال المحررات المزورة نصين : أولها ، المادة 214 من قانون العقوبات التي قضت بأن «من استعمل الأوراق المذكورة في المواد الثلاث السابقة وهو يعلم بتزويرها يعاقب بالسجن المشدد أو بالسجن من ثلاث سنين إلى عشر»، وهذا النص خاص باستعمال المحررات الرسمية المزورة، أما النص الثاني، فهو المادة 215 من قانون العقوبات التي جمع فيها الشارع بين تجريم تزوير المحررات العرفية واستعمالها وهي مزورة وفرض لهما ذات العقوبة، وقد أشار الشارع إلى تجريم الاستعمال في المادة 214 مكرراً من قانون العقوبات بالنسبة للمحررات التي نصت على تزويرها .

واستعمال المحرر المزور هو دفعه إلى التعامل لتحقيق غرض من شأنه تحقيقه مع العلم بتزويره .

وتقتضي دراسة جريمة استعمال المحررات المزورة تفصيل خطة الشارع في تجريمها، ونوع الصلة التي تربط بينها وبين التزوير، ثم تحديد طبيعتها القانونية، وتتطلب الدراسة بعد ذلك استظهار أركان هذه الجريمة، وتفصيل الأحكام التي تخضع لها .

خطة الشارع في تجريم استعمال المحررات المزورة : جوهر هذه الخطة هو استقلال تجريم تزوير المحرر عن تجريم استعماله وهو مزور، فليس الاستعمال ركناً في التزوير، وليس فعلاً لاحقاً بحيث يعد من ذيوله الطبيعية فلا يوقع من أجله عقاب، وإنما هو جريمة مستقلة عن التزوير : فيعاقب عليه ولو امتنع العقاب على التزوير، كما يعاقب على التزوير ولو لم يعقبه استعمال، أو امتنع لسبب ما العقاب عليه، وقد دفع الشارع إلى تجريم التزوير ولو لم يعقبه استعمال أن التزوير هو المرحلة الصعبة في المشروع الإجرامي، ومن ثم يجب أن يعاقب عليه استقلالاً، ودفع الشارع إلى العقاب على الاستعمال ولو لم يعاقب على التزوير، أن الاستعمال هو المرحلة الأخيرة في المشروع الإجرامي التي يتبلور فيها ضرره، ومن ثم ينبغي أن يعاقب عليه طالما توافرت أركانه .

والنتائج التي تترتب على التمييز بين تجريم التزوير وتجريم الاستعمال يمكن تأصيلها بردها إلى أمرين : الأمر الأول ، أنه يعاقب المزور على تزويره، ولو لم يستعمل المحرر المزور ولم يصل بذلك إلى تحقيق مصلحة له أو لغيره بل إن عدول المزور اختياراً عن استعمال المحرر بعد تزويره لا يجديه، إذ هو عدول جاء بعد تمام الجريمة واستيفائها أركانها كافة، ويعاقب المزور ولو استعمل المحرر شخص آخر لا تربطه به صلة، وكان استعمالاً معارضاً لمصلحته ولا يحول دون العقاب علی التزوير أن الاستعمال قد صار مستحيلاً لإتلاف المحرر المزور، أو ضياعه، أو علم المجني عليه بالتزوير واستحالة استعماله في مواجهته، والأمر الثاني، أنه يسأل من استعمل المحرر المزور عن جريمته، ولو كان مرتكب التزوير شخصاً آخر لا علاقة له به، ولا يتوقف عقاب المستعمل على عقاب المزور : فقد لا يوقع العقاب من أجل التزوير لإنتفاء القصد، أو وفاة مرتكبه، أو عدم كفاية الأدلة ضده، أو إنقضاء الدعوى الجنائية بالتقادم، ولكن ذلك لا يحول دون توقيع العقاب على المتهم بالاستعمال إذا توافرت أركان جريمته وإذا كان التزوير غير خاضع للقانون المصري لوقوعه من أجنبي في خارج البلاد، ثم ارتكب الاستعمال حيث يخضع لهذا القانون، كما لو وقع في مصر، أو صدر عن مصري في الخارج تعین توقيع العقاب من أجله .

تعدد العقوبات عند صدور التزوير والاستعمال عن شخص واحد : المبدأ الأساسي الذي تبناه الشارع هو تعدد العقوبات بتعدد الجرائم ( المادة 32 من قانون العقوبات ) وما بعدها فإذا كانت خطة الشارع هي اعتبار من زور محرراً ثم استعمله مرتكباً جريمتين، فإن تطبيق هذا المبدأ يعني توقيع عقوبتين عليه، ولكن هذه النتيجة لا يجوز أن تطبق في صورة مطلقة : فالمبدأ الذي قرره الشارع ترد عليه بعض التحفظات .

فإذا لم يرتكب المتهم غیر فعل واحد تحقق به التزوير والاستعمال فهذه حالة تعدد معنوي (المادة 32 من قانون العقوبات، الفقرة الأولى، إذا الفعل وصفان فتوقع العقوبة المقررة لأشدهما، ومثال ذلك أن يوقع المتهم بإمضاء مزور على حوالة بريد ويتسلم قيمتها، فالتوقيع بالإمضاء المزور تزوير واستعمال في الوقت ذاته، وإذا كان فعل الاستعمال متميزاً عن فعل التزوير، ولكنهما ارتكبا لغرض واحد وارتبطا على نحو لا يقبل التجزئة وقعت على الجاني بالعقوبة المقررة لأشدهما ( المادة 32 من قانون العقوبات، الفقرة الثانية ) ومثال ذلك أن يزور الجاني لغاية معينة، كمن يصطنع سنداً لتقديمه في دعوى مطروحة على القضاء ثم يقدمه فعلاً : فالتزوير استهدف غاية تحققت بالاستعمال، ومن ثم تجمع بين الفعلين وحدة الغاية ويرتبطان ارتباطاً لا يقبل التجزئة .

ولكن إذا استعمل الجاني المحرر المزور لتحقيق أغراض لم تكن قائمة في ذهنه وقت أن ارتكب التزوير، فإنعدمت بذلك الرابطة التي تجمع بين الجريمتين لم يكن بد من أن تتعدد العقوبات: فإذا اصطنع شخص بطاقة إثبات شخصية لاستعمالها في قبض مبلغ حوالة بريد، ولكنه استعملها في أغراض أخرى، كقبض مبالغ حوالات أخرى، أو قبض مرتب أو مكافأة مستحقة لمن انتحل شخصيته، فإن كل استعمال لتحقيق غرض لم يكن قائماً في ذهن المزور وقت اصطناع البطاقة يعد جريمة مستقلة، وتوقع عليه عقوبتها إلى جانب عقوبة التزوير .

الطبيعة القانونية لجريمة استعمال المحررات المزورة : يدور البحث في تحديد الطبيعة القانونية لجريمة استعمال المحررات المزورة حول التساؤل عما إذا كانت جريمة وقتية أو مستمرة، ومن المقرر فقهاً أن معیار التمييز بين نوعي الجرائم متعلق بالوقت الذي يستغرقه تحقق عناصر الجريمة : فإن لم يستغرق غير برهة يسيرة فالجريمة وقتية ، أما إذا امتد خلال وقت طويل نسبياً فالجريمة مستمرة، وهذا التقسيم نسبي : ذلك أنه طالما كانت العبرة في تطبيق معياره بالزمن الذي يستغرقه تنفيذ الجريمة، فلا مفر من الاعتداد بالظروف الواقعية التي تعاصر تنفيذ كل جريمة ،ولقاضي الموضوع سلطة تقديرية في القول بما إذا كان الزمن الذي استغرقته الجريمة قصيراً أم طويلاً: ووفقاً لهذا المعيار فإن جريمة التزوير في أغلب حالاتها جريمة وقتية، إذ أن ارتكاب فعل تغيير الحقيقة وتحقق نتيجته المتمثلة في صيرورة البيان المثبت في المحرر مغايراً للحقيقة، كل ذلك لا يستغرق غير وقت قصير أما جريمة استعمال المحررات المزورة، فهي - في أغلب حالاتها - جريمة مستمرة : ذلك أن غرض المتهم لا يتحقق إلا إذا أودع المحرر المزور في يد الغير أو بقى تحت نظره فترة كافية من الزمن، فتعد الجريمة مستمرة طالما بقي المتهم يحتج بالمحرر لتحقيق الغرض الذي من أجله أبرزه و أودعه لدى الغير، وتنتهي حالة الاستمرار إذا تحقق غرض المتهم، أو نزل عن الاحتجاج بالمحرر، أو اكتشف تزويره فصار غير صالح لأن يحتج به، فتقديم مستند مزور للاحتجاج به لدى القضاء هو استعمال لهذا المحرر المزور، وتظل حالة الاستمرار قائمة حتى يحكم في الدعوى، أو ينزل المتهم عن الاحتجاج بالمحرر، أو تقضي المحكمة بتزويره وتترتب على اعتبار جريمة استعمال المحررات المزورة جريمة مستمرة نتيجتان .

النتيجة الأولى موضوعية ، مضمونها أنه إذا لم يكن القصد متوافراً لحظة بدء الاستعمال ، لأن المتهم كان يجهل تزوير المحرر الذي يحتج به، ثم توافر القصد لديه بعد ذلك باكتشافه تزوير المحرر فظل على الرغم من ذلك يحتج به، فإن أركان جريمة الاستعمال تتوافر في حقه .

والنتيجة الثانية إجرائية ، ومؤداها أن مدة تقادم الدعوى الجنائية لا يبدأ سريانها إلا إذا انتهت حالة الاستمرار، وقد يؤدي ذلك إلى سقوط الدعوى الناشئة عن التزوير دون أن يقترن بذلك سقوط الدعوى الناشئة عن الاستعمال، وذلك بالنظر إلى اختلاف مبدأ سريان تقادم كل منهما.

ويلاحظ أن نزول المتهم عن الاحتجاج بالمحرر المزور بعد تقديمه لا ينجيه من العقاب: فقد ارتكب فعل الاستعمال بتقديم المحرر، فتمت بذلك الجريمة ولو لم تتحقق للمتهم غايته، فإن عدل عن مشروعه كان عدوله متأخراً غير ذي أثر على أركان جريمة قد توافرت فعلاً .

ولكن جريمة استعمال المحررات المزورة تعد وقتية حين لا يتطلب تحقيق الغرض الذي يستهدفه المتهم غير مجرد إبراز المحرر المزور، إذا لا يظل في يد الغير أو تحت نظره غير برهة يسيرة من الزمن، ومثال ذلك تقديم المتهم بطاقة إثبات شخصية مزورة کی يوهم رجل الشرطة أنه غير الشخص المطلوب القبض عليه، وتتجدد الجريمة بتجدد الاستعمال إذا تنوعت أغراض المتهم، وكان تحقيق كل غرض متطلباً إبراز المحرر المزور، إذ يعد كل فعل يبرز به المتهم المحرر جريمة استعمال قائمة بذاتها .

أركان جريمة استعمال المحرر المزور : تتطلب هذه الجريمة ركناً مادياً قوامه فعل الاستعمال، وينصب هذا الفعل على موضوع هو المحرر المزور، وتتطلب في النهاية توافر القصد الجنائي .

فعل الاستعمال : الاستعمال هو كل نشاط يدفع به المحرر إلى تحقيق غرض من شأنه تحقيقه، وفي تعبير آخر هو فعل يخرج به المتهم المحرر المزور من حالة السكون والسلبية إلى مجال التعامل والاحتجاج وأمثلة أفعال الاستعمال عديدة تكاد لا تقبل حصراً، ولقاضي الموضوع سلطة الفصل فيما إذا كان الفعل يعتبر استعمالاً أم لا يعتبر كذلك : فيتحقق الاستعمال بتقديم الشهادة الدراسية المزورة إلى هيئة يريد المتهم أن يحصل على وظيفة فيها، أو السند المزور إلى شخص لإبتزاز ماله، أو العقد المزور إلى مكتب الشهر العقاري لتسجيله، أو السند المزور إلى القضاء لتدعيم موقف إتخذ لديه، أو إذن البريد المزور إلى مكتب البريد لصرف قيمته .

واعتبار الفعل استعمالاً مرتهن بتوافر شروط :

فيتعين أن تتوافر له صفة إرادية، فلا يعد استعمالاً أن يكره شخص على إبراز محرر مزور، فإذا ضبط المحرر المزور في حوزة المتهم فادعى صحته أثناء التحقيق معه فلا يعد ذلك استعمالاً، ولا يتحقق الاستعمال كذلك بتقديم المحرر المزور استجابة لأمر القاضي أو المحقق .

وتفترض فكرة الاستعمال إبراز المحرر المزور، إذ هي تعني الاستعانة بالبيانات التي يتضمنها للتأثير على الغير وحمله على التصرف علی نحو معين، أما إذا لم يبرز المتهم المحرر، وإنما اقتصر على ذكره والإشارة إلى أنه يدعم موقفه، فلا يعد ذلك استعمالاً، وتطبيقاً لذلك، فإن من يضع يده على عقار مستنداً إلى عقد مزور، اقتصر على ذكره دون أن يبرزه أو يقدمه لأحد، لا يسأل عن استعمال محرر مزور، ولا يسأل عن استعماله كذلك من اقتصر على الإشارة إلى المحرر المزور في عريضة دعوی .

وتتطلب فكرة الاستعمال الاحتجاج بالمحرر على أنه صحيح، أما إذا قدمه المتهم إلى الغير على أنه مزور فليس ذلك استعمالاً، وإنما يسأل المتهم كشريك في استعمال هذا المحرر إذا احتج به المقدم إليه في مواجهة شخص ثالث حسن النية، ولا يكفي لتحقق الاستعمال مجرد تقديم المحرر، بل يتعين الاحتجاج والتمسك به لتحقيق غرض معين .

ولكن ليس من عناصر فكرة الاستعمال أن يحتج بالمحرر مقدمه، فقد يحتج شخص بمحرر زوره غيره، وليس من عناصرها كذلك أن يحتج المتهم بالمحرر لتحقيق الغرض الذي من أجله زوره، فقد يستخدمه لتحقيق غرض لم يكن قائماً في ذهنه وقت التزوير، وسواء أكان هذا الغرض جلب منفعة للمتهم أو غيره أو إلحاق ضرر بشخص .

ويتم الركن المادي للجريمة بمجرد الاحتجاج بالمحرر المزور، ومن ثم لا يمس كيانها أن يعدل المتهم عن التمسك بالمحرر، أو ألا يتحقق له غرضه من الإحتجاج به .

المحرر المزور :

لا تقوم جريمة استعمال المحرر المزور إلا إذا ثبت تزوير المحرر الذي استعمله المتهم، ويقتضي ذلك أن تتوافر إبتداءً أركان التزوير، ولكن لا يشترط أن يتوافر ركنه المعنوي فإذا لم يتضمن المحرر تغييراً للحقيقة، أو كان هذا التغيير بطريقة لم ينص القانون عليها، أو لم يكن من شأنه إحداث ضرر كما لو كانت الورقة مجردة من قوة الإثبات، فلا عقاب على استعمال هذا المحرر وتصلح صورة المحرر أن تكون موضوعاً للاستعمال، إذ البيانات الواردة بها والمحتج بها هي بيانات مزورة  ويجوز أن يكون موضوع الاستعمال محرراً باطلاً ويصلح المحرر الأجنبي المزور موضوعاً للاستعمال كذلك .

ولا يتطلب القانون لاستكمال جريمة استعمال المحررات المزورة أركانها توافر القصد الجنائي لدى المزور: فإذا لم يتوافر هذا القصد ثم ارتكب فعل الاستعمال واقترن به القصد المتطلب في جريمة الاستعمال عوقب المستعمل على الرغم من تبرئة المزور، مثال ذلك أن يصطنع شخص كمبيالة لمجرد توضيح الشكل الذي يتطلبه القانون فيها أو لإثبات براءته في تقليد إمضاء المسحوب عليه وتكون نيته منصرفة عن استعمالها، ولكنها تؤول بعد ذلك إلى حيازة من يستعملها مع علمه تزويرها وتفسير ذلك أن إجرام المزور مستقل عن إجرام المستعمل الذي يستمده من قصده لا من قصد المزور .

القصد الجنائي :

جريمة استعمال المحررات المزورة جريمة عمدية، ولذلك يتخذ ركنها المعنوي صورة القصد الجنائي، وقوام هذا القصد علم المستعمل بتزوير المحرر واتجاه إرادته إلى دفعه لتحقيق غرض من شأنه أن يحققه، ويجب أن يثبت العلم اليقيني لديه بالتزوير، فلا يغني عنه مجرد تمسكه بالورقة المزورة واحتجاجه بها، إذ من المتصور التمسك بها على الرغم من الجهل بتزويرها ولكن إذا كان المستعمل هو المزور نفسه، وثبت توافر قصد التزوير لديه، فإن منطق الأمور يفيد بالضرورة علمه بتزوير المحرر وتوافر القصد المتطلب في جريمة الاستعمال، ومن ثم فلا حاجة إلى النص في الحكم على توافر هذا القصد لديه فإن انتفى العلم بالتزوير لدى المستعمل فقد انتفى القصد لديه، وإذا لم تتجه إرادته إلى استعماله لتحقيق غرض، إذ كان محتفظاً به منصرفاً عن إبرازه، ولكنه سرق منه واستعمله سارقه، فلا ينسب إليه القصد .

والقصد المتطلب في جريمة استعمال المحررات المزورة قصد عام، ولا عبرة بالبواعث التي دفعت المتهم إلى الاستعمال، فإن كانت غير شائنة، كإعانة صاحب حق على اقتضاء حقه فلا يحول ذلك دون توافر القصد لديه .

عقوبة الجريمة : قرر القانون لاستعمال المحررات الرسمية المزورة عقوبة السجن المشدد أو السجن من ثلاث سنين إلى عشر سنين (المادة 214 من قانون العقوبات)، وقرر استعمال المحررات العرفية المزورة عقوبة الحبس مع الشغل (المادة 215 من قانون العقوبات)، وقرر لاستعمال محررات القطاع العام المزورة عقوبة السجن مدة لا تزيد على عشر سنوات، ولاستعمال المحررات المزورة الصادرة عن إحدى الشركات المساهمة أو الجمعيات التعاونية أو النقابات المنشأة طبقاً للأوضاع المقررة قانوناً أو المؤسسات أو الجمعيات المعتبرة قانوناً ذات نفع عام عقوبة السجن مدة لا تزيد على خمس سنوات المادة 214 مكرراً من قانون العقوبات .

يلاحظ أن القانون قد جعل عقوبة استعمال المحررات العرفية المزورة هي ذات عقوبة تزوير هذه المحررات، واتبع هذه الخطة كذلك بالنسبة لتزوير واستعمال المحررات التي نصت عليها المادة 214 مكرراً من قانون العقوبات في فقرتيها، ولكنه جعل عقوبة استعمال المحررات الرسمية المزورة هي ذات عقوبة التزوير في هذه المحررات إذا ارتكبه غير الموظف المختص بتحريرها، وهي أقل من العقوبة المقررة للتزوير في هذه المحررات إذا ارتكبه الموظف المختص بتحريرها .

مذهب القضاء المصري : يتعين في استقراء مذهب القضاء المصرى التفرقة بين المحررات الرسمية والمحررات العرفية .

المحررات الرسمية : تبنى القضاء المصري منذ البداية « نظرية جارو » في شأن هذه المحررات، بل وتطرف في فهمها، وبالغ في النتائج المستخلصة منها، فتطلب للعقاب على التزوير أن يكون موضوعه بياناً أعد المحرر منذ البداية لإثباته فيه، أي كان الغرض من تدوين المحرر أن يكون حجة على صدق ما تضمنه، فإن لم يكن كذلك فإن تغيير الحقيقة فيه لا يقوم به التزوير وتطبيقاً لذلك قضى بأنه إذا ادعت إمرأة بأنها بكر وتزوجت حالة كونها متزوجة وفي عصمة زوجها فهذا الفعل - لا يعاقب عليه ولا يعد تزويراً في عقد الزواج، لأن ذلك العقد الذي قالت فيه إنها بكر لم يكن من شأنه إثبات حالة بكارتها، بل من شأنه إثبات أنها قبلت الزواج ممن عقدت عليه وأنه قبل أن يتزوجها، وهذا القبول المتبادل حصل حقيقة منهما، فيكون العقد إذن صحيحاً بذاته لا تزوير فيه، ومن ثم فإن القول بأنها غير متزوجة هو كذب لا عقاب عليه  وقضى كذلك بأن إثبات سن الزوجين أو أحدهما على غير الحقيقة لإخفاء المانع النظامی المستمد من صغر السن لا يعتبر تزویراً، لأن عقد الزواج لم يعد لإثبات السن، إذ المحرر المعد لذلك هو شهادة الميلاد وقضى بأن إثبات بيانات كاذبة في دفتر المواليد كنسبة طفل إلى غير أمه لا يعد تزويراً، لأن تلك الدفاتر أعدت لإثبات بيانات معينة طبقاً لما يرد على لسان من يبلغها وبصرف النظر عما إذا كانت صحيحة أو كاذبة، فإذا أثبت الموظف المختص هذه البيانات كما أمليت عليه كان معنى ذلك إنتفاء التزوير .

ولكن القضاء عدل بعد ذلك عن هذا التشدد في تحديد ضابط الضرر، فتحلل من اشتراط أن يكون موضوع تغيير الحقيقة بياناً أعد المحرر لإثباته فيه، وصرح بأن التزوير المعاقب عليه « هو التزوير الذي يقع في محرر يمكن أن يوجد عند من يقدم إليه عقيدة مخالفة للحقيقة » وأضاف إلى ذلك أن « القانون لا يشترط أن يكون المحرر قد أعد من وقت تحريره لأن يتخذ سنداً أو حجة بالمعنى القانونى »، وأن التزوير يقوم « مهما يكن مدى حجية المحرر في الإثبات » وقد خلصت محكمة النقض بذلك إلى نتائج تختلف عن تلك التي قالت بها طبقاً لمذهبها القديم : فاعتبرت التزوير متحققاً بإثبات بلوغ أحد الزوجين - على خلاف الحقيقة – السن التي يحددها القانون أو تجاوزها، إذ من شأن ذلك جعل القاضي يجيز سماع الدعوى الناشئة عن عقد الزواج  واعتبرت تغيير الحقيقة في إسمي والدي الطفل أو أحدهما تزویراً، كما اعتبرت التزوير متحققاً بتغيير الحقيقة في البيان الخاص بتاریخ وفاة المورث في الإعلام الشرعي، واعتبرته متحققاً كذلك بتغيير الحقيقة في تاريخ المحرر الرسمي، وبتغيير الحقيقة في إثبات خلو أحد الزوجين من الموانع الشرعية  فكل عبث يرمي إلى إثبات غير الحقيقة في هذا الصدد يعتبر تزویراً .

نظرية البيانات الجوهرية : يستخلص من دراسة قضاء محكمة النقض أنها تعتمد على فكرة  البيانات الجوهرية  لتحديد البيان الذي يصلح موضوعاً للتزوير  : ففي أغلب أحكامها عللت قيام التزوير بأن موضوع تغيير الحقيقة كان أحد البيانات الجوهرية للمحرر، فسن الزوجين بيان جوهري في عقد الزواج، وتاريخ وفاة المورث في الإعلام الشرعى بیان جوهري، وتاريخ المحرر الرسمي هو أحد بياناته الجوهرية، وخلو الزوجة من الموانع الشرعية هو بيان جوهري في عقد الزواج، وقد وضعت المحكمة مبدأ عاماً قررت فيه أنه لا يكفي للعقاب أن يكون الشخص قد قرر غير الحقيقة في المحرر، بل يجب أن يكون الكذب قد وقع في جزء من أجزاء المحرر الجوهرية التي من أجلها أعد المحرر لإثباته . وفي بعض أحكامها عللت البراءة من التزوير بأن تغيير الحقيقة قد وقع في بيان غير جوهري من بيانات المحرر : فإثبات حالة المطلقة في إشهاد الطلاق من حيث الدخول بها أو عدم الدخول هو بيان غير جوهري إذ هو  غير لازم في الإشهاد لأن الطلاق يصح شرعاً بدونه "، والقول عن الزوجة إنها بكر لم يسبق لها الزواج بدلاً من إثبات الحقيقة من أنها مطلقة طلاقاً يحل به العقد الجديد، هذا التغيير لا يقوم به التزوير، لأن إثبات حالة الزوجة من هذه الوجهة لا يعد بياناً جوهرياً من بيانات عقد الزواج .

وقد عرفت محكمة النقض البيان الجوهرى بأنه كل بيان يكون إثباته في المحرر « لازماً لإستكمال شكله القانوني »، أو هو في تعبير آخر « كل بيان واجب الإدراج في المحرر حتى يكون له الشكل الذي تحدده القوانين واللوائح » . ولا يحول دون إعتبار البيان جوهرياً أن يثبت أنه ليس الغرض من تدوين المحرر أن يكون دليل إثباته، أو يثبت أن ورود هذا البيان في المحرر لا يعني حتماً أنه بيان صحیح .

تطبيق ضابط الضرر على انتحال المتهم شخصية غيره في محضر تحقيق جنائي : قد يلجأ المتهم - في سبيل التهرب من التهمة – إلى إخفاء شخصيته، فيستعين على ذلك بانتحاله شخصية غيره : وقد يكون الغير شخصاً معروفاً له فيحاول عن طريق هذا الإنتحال أن يلصق التهمة به، وقد يكون شخصاً خيالياً - أي لا وجود له في بيئة المتهم - فيكون هدفه بالانتحال مجرد تضليل سلطات التحقيق، فهل يعد انتحال الشخصية في هذه الظروف تزويراً .

يبدو أنه يتعين الرد على هذا التساؤل بالإيجاب : ذلك أن انتحال المتهم شخصية غيره هو صورة لتزوير معنوي عن طريق جعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة، وهو تزوير في محرر رسمى، هو محضر التحقيق . ولكن يثير الشك في صواب هذه الإجابة أن محضر التحقيق لم يعد لإثبات شخصية المتهم، وإنما أعد لتلقى أسئلة المحقق وإجابات المتهم كما تصدر عنه، ومحضر التحقيق من هذه الوجهة لم يدخل عليه تحريف، فقد تضمن أسئلة المحقق وإجابات المتهم كما صدرت عنهما  ولكن يرد على ذلك، بأنه إذا كان محضر التحقيق لم يعد لإثبات شخصية المتهم، فهو لم يعد لإثبات إجابة أي شخص، وإنما أعد لإثبات إجابة شخص بعينه، هو المتهم الذي يستجوبه المحقق، ومن ثم فإنتحاله شخصية غيره هو تزویر باعتباره ينطوي على نسبة الإجابات إلى شخص غير من صدرت عنه، أي ينطوي على تغيير للحقيقة في هذا الخصوص وبالإضافة إلى ذلك، فإن القول بأن المحضر لم يعد لإثبات شخصية المتهم مرفوض، ذلك أن ضابط الضرر لا يقتضي أن يكون المحرر قد أعد منذ تحريره لإثبات البيان الذي غيرت فيه الحقيقة، وإنما يكفي أن يكون صالحاً لتوليد عقيدة مخالفة للحقيقة لدى الإطلاع عليه، وهو ما يتحقق حينما يتصور المطلع على المحضر أن الإجابة صادرة عن شخص غير من صدرت عنه .

والذي يمكن استخلاصه مما تقدم أن انتحال المتهم شخصية غيره هو تغيير للحقيقة بإحدى طرق التزوير المعنوي التي نص القانون عليها، والضرر - وفقاً لضابطه - لا شك فيه، على الأقل في صورته الإحتمالية ؛ بل إنه يتعين اعتباره ضرراً اجتماعياً معنوياً، بالنظر إلى أن موضوعه محرر رسمى . ومؤدى ذلك اعتبار فعل المتهم تزویراً . ولكن ثمة قاعدة أساسية تحد من إطلاق هذه النتيجة : هذه القاعدة هي حرية المتهم فيما يقوله دفعاً للاتهام عن نفسه، ولو كان سبيله إلى ذلك هو إخفاء شخصيته الحقيقية ؛ ويحرص المجتمع على كفالة احترام هذه القاعدة لأنها ضمان لموضوعية التحقيق وكفالة لحق الدفاع في مواجهة الاتهام . وعلى هذا النحو يبرز الوجه الحقيقي للمشكلة : إذ كيف السبيل إلى التوفيق بين الأصل في إعتبار فعل المتهم تزویراً من ناحية، ووجوب نفي التزوير عن فعله إحتراماً لحقه في الدفاع عن نفسه من ناحية ثانية .

استقر القضاء على حل وسط، مضمونه أنه إذا انتحل المتهم شخصية خيالية لا وجود لها في بيئته، فلا تزوير في فعله، إذ يحميه حقه في الدفاع، وينزل المجتمع عن الضرر المعنوي الإجتماعي في سبيل كفالة هذا الحق أما إذا إنتحل شخصية حقيقية لكي يستتر وراء صاحبها فيوقعه في الاتهام بدلاً منه، اعتبر فعله تزویراً، فثمة ضرر أصاب شخصاً، وليست للمجتمع صفة في النزول عنه، وحق المتهم في الدفاع ينتهي حيث يبدأ المجال الذي يمكن أن ينال فيه الضرر شخصاً، ولو كان ضرراً إحتمالياً .

الضرر والمحررات الباطلة :

وضع المشكلة : إذا ثبت تزوير المحرر فذلك بذاته سبب لبطلانه، ومن ثم ساغ القول بأن كل محرر مزور هو محرر باطل، ولكن ليست هذه هي المشكلة محل البحث، وإنما الفرض أن المحرر (أو في عبارة أدق : العمل القانوني الذي يثبته المحرر) باطل لسبب مستقل عن تزويره، ثم أدخل عليه تغيير الحقيقة، فيثور التساؤل عما إذا كان التزوير يقوم بهذا التغيير . وفي عبارة أخرى : هل يعتبر بطلان المحرر استقلالاً عن تزويره حائلاً دون قيام التزوير ؟ مثال ذلك محرر رسمی باطل لأنه لم يحرره الموظف المختص بذلك، أو لأنه أغفلت في تحريره الإجراءات التي يتطلبها القانون لصحته، أو لعدم تضمنه جميع البيانات الجوهرية التي يشترطها القانون؛ وقد يكون بطلان المحرر الرسمي لاحقاً على تحريره، كما لو أغفل وضع توقيع ذوى الشأن أو توقيع الموظف المختص عليه، أو أغفل وضع خاتم السلطة التي صدر عنها، وقد يعرض البطلان للمحرر العرفي، كما لو صدر عن قاصر - أو غير ذي أهلية كاملة بصفة عامة - أو شاب العمل القانوني الذي يثبته أحد عيوب الرضاء .

وإن جوهر المشكلة هو التساؤل عما إذا كان من شأن البطلان نفی الضرر مما يعني نفي أحد أركان التزوير، أي أن حسم المشكلة إنما يكون على أساس ما بين البطلان واحتمال الضرر من صلة .

الصلة بين البطلان والضرر : الرأي الصحيح هو الذي يقوم على الربط بين بطلان المحرر والضرر کركن في التزوير : فيقوم التزوير حيث لا يحول البطلان دون ترتيب الضرر، وينتفي التزوير حيث يحول البطلان دون الضرر . ولا يقتصر نطاق الضرر على الضرر الفعلي، وإنما يتعداه إلى الضرر المحتمل : فحيث يحتمل أن يترتب على المحرر الباطل ضرر تتوافر أركان التزوير، أما حيث ينتفي هذا الاحتمال فلا تتوافر هذه الأركان. وقد أقر القضاء هذا الرأي، فقد قرر أن « التزوير في الأوراق الرسمية يعاقب عليه ولو كان حاصلاً في محرر باطل شكلاً لإحتمال حصول الضرر منه للغير أو للجميع إذ أن المحرر الباطل وإن جرده القانون من كل أثر فإنه قد تتعلق به ثقة الغير ممن لا يتضح أمامهم ما يشوبه من عيوب ويصح أن يخدع فيه كثير من الناس الذين يفوتهم ملاحظة ما فيه من نقص . وهذا وحده كاف لتوقع حصول الضرر بالغير بسبب هذا المحرر » وتطبيقاً لذلك، قضى بأن تزوير إيصال نسب صدوره إلى قاصر يعاقب عليه لإحتمال الضرر وقضى بأن بطلان المحرر لعدم إختصاص من نسب إليه تحريره لا يحول دون العقاب على تزويره .

وطبقاً لهذا الرأي يقوم التزوير في أغلب حالات تغيير الحقيقة في المحررات الباطلة، إذ من شأن هذا التغيير أن يحدث ضرراً في صورته الاحتمالية على الأقل ويفسر إحتمال الضرر بأمرين : أولهما، خفاء سبب البطلان على الشخص المعتاد؛ وثانيهما، الحاجة إلى إتخاذ إجراءات قضائية لإقامة الدليل على البطلان  ويقتضي ذلك أن نسلم بالوجه المقابل لهذه القاعدة، ونجمله على النحو التالي : إذا استحال نشوء الضرر بالنظر إلى وضوح سبب البطلان إلى الحد الذي يجعل في استطاعة أقل الناس ذكاء وخبرة أن يكتشفه، ويجعل تقريره مسلماً وفي غير حاجة إلى إجراءات قضائية تثبته، فإن تغيير الحقيقة لا يقوم به التزوير وليس مرجع ذلك إلى البطلان في ذاته، ولكن مرجعه إلى ما يترتب على البطلان من تأثير على الضرر .

ونضيف إلى القاعدة السابقة قاعدة أخرى مضمونها أنه إذا كان سبب البطلان لاحقاً على تغيير الحقيقة سئل المتهم عن تزوير،، ولو كان من شأن البطلان إستحالة نشوء الضرر، طالما كان محتملاً وقت تغيير الحقيقة . وتفسير ذلك أن القول بتوافر أركان الجريمة أو عدم توافرها، إنما يكون بالنظر إلى وقت ارتكاب الفعل الإجرامي : فإذا ثبت أن الضرر كان محتملاً في هذا الوقت توافرت أركان التزوير، ولو طرأ في وقت لاحق سبب يلحق البطلان بالمحرر، ويجعل نشوء الضرر مستحيلاً .

القصد الجنائي : 

تمهيد : جرائم التزوير في المحررات جرائم عمدية، ومن ثم يتخذ ركنها المعنوى صورة القصد الجنائي . وهذا القصد خاص يفترض أن أولاً : توافر القصد العام الذي يقوم بعلم المتهم بأركان جريمته، واتجاه إرادته إلى الفعل المكون لها ونتيجته ؛ ويفترض ثانياً : « نية » يقوم بها  القصد الخاص في التزوير .

تعريف القصد الجنائي في التزوير : القصد الجنائي في التزوير هو « تعمد تغيير الحقيقة في محرر تغييراً من شأنه أن يسبب ضرراً، وبنية استعمال المحرر فيما غيرت من أجله الحقيقة ». وقد رجح هذا التعريف في الفقه والقضاء .

القصد العام في التزوير : يتطلب القصد العام في المقام الأول علماً محيطاً بتوافر جميع أركان التزوير، فيجب أن يعلم المتهم أنه يغير الحقيقة، وأن فعله ينصب على محرر، وأنه يرتكب عن طريق إحدى الطرق التي حددها القانون، وأنه يترتب عليه ضرر حال أو احتمالی .

فيجب أن يعلم المتهم أن يغير الحقيقة بفعله، ويقتضي ذلك أن يعلم بالحقيقة وأن يدرك أن فعله ينتج أثراً مناقضاً لها . ويعني ذلك أن مجرد جهل المتهم بالحقيقة غير كاف لاعتبار القصد متوافراً لديه: فالموظف العام الذي يثبت في محرر ما يمليه عليه ذوو الشأن، وهو جاهل ما تتضمنه أقوالهم من مخالفة للحقيقة لا يعد القصد متوافراً لديه، ومثال ذلك المأذون الذي يثبت انتفاء موانع الزواج في حين أنه قد توافر أحدها ؛ أو يثبت للزوج شخصية غير شخصيته الحقيقية غير عالم بذلك . ولا يقوم الإهمال - وإن كان جسيماً – في تحري الحقيقة مقام العلم الفعلي بها، فلا يكفي لإثبات القصد القول بأن المتهم كان في إمكانه تجنب ذكر ما ينافي الحقيقة  : وتطبيقاً لذلك فإن الموثق الذي يثبت لمتعاقد - وفقاً لأقواله - شخصية غير شخصيته جاهلاً مخالفة ذلك للحقيقة، لا يسأل عن تزوير، ولو أخل بالواجب المفروض عليه بالتحقق من شخصية المتعاقدين .

وقد يكون للحقيقة طابع قانونی، فيكون العلم بها مفترضاً العلم بقاعدة قانونية، بحيث لو جهل المتهم هذه القاعدة فقد جهل الحقيقة وصار يعتقد أن فعله لا ينطوي على تغييرها : فقد يجهل الزوجان أو شهود الزواج قواعد الشريعة الإسلامية التي تحرم زواج الأخت من الرضاع أو تحرم الجمع بين المرأة وخالتها أو بين المرأة وعمتها .. فيقررون تبعاً لذلك انتفاء موانع الزواج، والحقيقة هي توافر مانع يجهلونه : في هذه الحالات يعد القصد منتفياً .

ويتطلب القصد الجنائي العلم بأن تغيير الحقيقة ينصب على محرر، ويرتكب عن طريق إحدى الوسائل التي حصرها القانون وهذا النوع من العلم لا يثير صعوبات : فالعلم بأن تغيير الحقيقة ينصب على محرر تفترضه طبيعة الأشياء، ويتلازم وتوافر التمييز لدى المتهم  والعلم بأن الفعل يرتكب عن طريق إحدى الطرق التي حصرها القانون هو علم تفترضه القواعد العامة في القصد، إذ هو علم بنطاق النهي الذي يتضمنه قانون العقوبات، ذلك أن الشارع لا يجرم تغيير الحقيقة إلا إذا كان عن طريق إحدى هذه الطرق، والعلم بقواعد التجريم مفترض على نحو لا يقبل إثبات العكس .

ويتطلب القصد الجنائي العلم بأن من شأن تغيير الحقيقة « إحداث ضرر بالغير، سواء أكان الضرر حالاً أم محتمل الوقوع »ومن ذلك يتضح أن القانون لا يتطلب علم المتهم بالضرر الذي ترتب فعلاً على تغيير الحقيقة، ولا يتطلب علمه بأن تغيير الحقيقة لابد أن يؤدي إلى حدوث ضرر، ولكنه يكتفي بالعلم بالضرر الاحتمالي . وقد يكون الضرر الذي تحقق غیر الضرر الذي توقعه المتهم، وقد لا يتحقق الضرر الذي كان محتملاً وقت تغيير الحقيقة، وقد لا يتحقق ضرر على الإطلاق، ولكن ذلك لا يحول دون توافر القصد طالما أنه قد ثبت العلم بالضرر الذي كان محتملاً أن يترتب على تغيير الحقيقة .

ويتطلب القصد العام إتجاه إرادة المتهم إلى الفعل المكون للجريمة والنتيجة المترتبة عليه، أي إلى فعل تغيير الحقيقة وإلى أثره المتمثل في اشتمال المحرر على بيانات مخالفة للحقيقة : فمن يريد وضع بيان في محرر ويكون ظهوره عليه غير متضمن تغييراً للحقيقة، ولكنه يضعه خطأ فى محرر آخر يعد اشتماله عليه مشوهاً للحقيقة فيه لا يعد القصد متوافراً لديه، لأن إرادته لم تتجه إلى أن يتضمن المحرر الثاني بياناً مخالفاً للحقيقة ومن تدس علیه ورقة تتضمن بيانات يعلم أنها مخالفة للحقيقة، فيوقع عليها دون أن يقرأها، معتقداً أنها ورقة أخرى لا يتوافر لديه القصد .

القصد الخاص في التزوير : النية التي يقوم بها القصد الخاص في التزوير هي « نية استعمال المحرر المزور فيما زور من أجله »، وفي تعبير آخر « نية استعمال المحرر المزور في الغرض أو الأغراض التي أعد لها »، وهذه الأغراض تتنوع وتختلف من حالة إلى أخرى إختلافاً كبيراً، فليس في الاستطاعة حصرها، وأن أمكن ردها إلى فكرة تحقيق مصلحة للمتهم أو لغيره .

ومن ذلك يتضح أن العلاقة وثيقة في نفسية المتهم بين تزوير المحرر واستعماله مزوراً : فهدفه لا يتحقق بمجرد التزوير، بل لابد لذلك من فعل تال هو إستعمال المحرر بعد تزويره، ولا يعدو التزوير في ذاته أن يكون مرحلة تحضيرية لإدراك هذا الهدف من أجل ذلك أقام القانون علاقة وثيقة بين التزوير والاستعمال، وقدر أن التزوير لا يكون خطراً على المجتمع إلا إذا ارتكب بنية إستعمال المحرر بعد تزويره وهذه العلاقة نفسية ولا تعتمد على علاقة مادية تقابلها بين التزوير والاستعمال : فليس إستعمال المحرر ركناً في التزوير، إذ الشارع قد فصل بين الجريمتين . ولكن نية إستعمال المحرر المزور هي أحد عناصر التزوير، وقد تتوافر هذه النية على الرغم من أن المحرر قد لا يستعمل .

وإذا انتفت نية استعمال المحرر المزور فيما زور من أجله فقد انتفى القصد الخاص . وتنتفي هذه النية إذا اتجهت نية المتهم إلى غاية لا يتطلب تحقيقها إستعمال المحرر المزور، أي غاية تتحقق بمجرد التزوير : مثال ذلك أن يريد المتهم باصطناع كمبيالة مزورة توضيح الشكل الذي يتطلبه القانون في الكمبيالات أو إثبات مهارته في التقليد أو مجرد المزاح، والفرض أن نيته منصرفة عن الإحتجاج بالكمبيالة المزورة على من زورت عليه .

وإستخلاص هذه النية من شأن قاضي الموضوع، وهو يستعين على ذلك بالقرائن التي تحيط بالفعل . ويعد تمزيق المحرر بعد تزويره وجعل إستعماله مستحيلاً من أهم هذه القرائن .

ويجب تحري القصد في ذات وقت إرتكاب فعل تغيير الحقيقة، فالتزوير شأنه شأن سائر الجرائم يخضع لقاعدة وجوب معاصرة القصد للفعل الإجرامي .

ويخضع القصد الجنائي في التزوير للقاعدة العامة التي تقرر أن الباعث ليس من عناصره، وإن كان نبيلاً فلا ينفيه، كمن يزور لتفريج ضائقة أصابت شخصاً أو لتمكين صاحب حق من الوصول إلى حقه عن طريق خلق سند إثبات لم يكن له  وفي العادة يكون الباعث على التزوير هو الإثراء غير المشروع، ولكن يتصور أن يكون الإنتقام أو التخلص من إلتزام، ويتوافر القصد من باب أولى إذا أثبت المتهم ما يخالف الحقيقة مدفوعاً بالرغبة في تفادي بعض مشاق العمل أو إقتصاد الوقت : فالمحضر الذي يثبت في عريضة دعوى كلف بإعلانها أنه قد أعلنها بنفسه في حين أن شخصاً آخر هو الذي أعلنها، أو يثبت أنه سلمها إلى المعلن إليه نفسه في حين أنه سلمها إلى شخص آخر، أو يقرر أنه عاين الأشياء المحجوز عليها في حين أنه لم يفعل ذلك، والموثق الذي يثبت حضور شاهدين أثناء توثيق العقد، في حين أنه لم يحضر شهود أو حضر شاهد واحد فقط، كل أولئك يتوافر القصد لديهم .

والقصد أسهل إثباتاً في التزوير المادي منه في التزوير المعنوي .

ولما كان القصد کياناً نفسياً، فإنه يتصور توافره لدى أحد المساهمين في التزوير وإنتفاؤه لدى مساهم آخر فيه . ( شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ محمود نجيب حسني، الطبعة السابعة 2012 دار النهضة العربية،  الصفحة :  347 )

أركان الجريمة :

تقوم جريمة استعمال المحررات المزورة على أركان ثلاثة: الأول ، فعل الاستعمال ، والثاني ، محل الجريمة وهو المحرر المزور، والثالث ، القصد الجنائي .

فعل الاستعمال :

لم يحدد المشرع معنى الاستعمال المعاقب عليه، ولم يقيده بطرق أو بأغراض معينة ، ولذلك فإن تحديد ما إذا كان الفعل يعتبر استعمالاً أو لا يعتبر يترك لتقدير القاضي ويمكن القول بأن الاستعمال هو التمسك بالمحرر المزور والاحتجاج به بعد تقديمه إلى فرد معين أو إلى جهة معينة من أمثلة ذلك تقديم شهادة دراسية مزورة إلى الجهة التي يريد الجاني أن يعين في إحدى وظائفها، أو تقديم عقد مزور إلى مكتب الشهر العقاري لتسجيله، أو تقديم إذن بريد مزور إلى مكتب البريد لصرف قيمته، أو تمسك المتهم بالبطاقة المزورة إثر ضبطه في سرقة .

يستوى في ذلك أن يكون هذا الاستعمال قد بوشر مع جهة رسمية أو مع موظف عام أو كان حاصلاً في معاملات الأفراد، فالاستعمال يفترض أمرين: تقديم المحرر المزور، والاحتجاج به ويجب أن يتوافر هذان الأمران ليتحقق معنى الاستعمال .

وعلى ذلك لا يتحقق الاستعمال إذا كانت الورقة لم تقدم، فإذا اقتصر نشاط المتهم على الإشارة إلى المحرر في عريضة دعوى، أو أبدى رغبته أمام المحكمة في الاستعانة بالمحرر، لا يعتبر فعله استعمالاً يقوم به الركن المادي للجريمة، وإنما مجرد عمل تحضيري لا عقاب عليه .

كذلك لا يتحقق الاستعمال إذا اقتصر نشاط المتهم على تقديم المحرر المزور دون أن يحتج به على أنه صحيح، كما لو قدمه للغير على أنه مزور، أو قدمه دون أن يتمسك به لتحقيق غرض معين، ولكن لا يشترط لتحقق الاستعمال أن يكون مقدم المحرر هو نفسه الذي يحتج به، فيكفى لقيام الركن المادي أن يحتج الجاني بمحرر مزور قدمه شخص آخر .

المحرر المزور :

لا تتحقق جريمة الاستعمال إلا إذا كان محلها محرراً ثبت تزويره، ولذلك فإن الاستناد في الإدانة من أجل استعمال على جريمة تزوير لم تثبت قانوناً يعتبر استناداً مشوباً بالقصور .

وتوافر الركن المادي في التزوير يكفي لاعتبار المحرر المزور محلاً لجريمة الاستعمال، فلا يشترط أن يتوافر الركن المعنوي، فانتفاء القصد لدى المزور لا يحول دون وقوع الاستعمال، فيعاقب المستعمل دون المزور، من ذلك أن يصطنع شخص كمبيالة ليبين للحاضرين شكلها ويضع عليها إمضاء صديق له دون أن تتجه نيته إلى استعمالها، فإذا انتقلت الورقة إلى حوزة شخص آخر فاستعملها توقع العقوبة على الأخير دون الأول، وتفسير ذلك استقلال إجرام المزور عن إجرام المستعمل .

وتقع جريمة الاستعمال سواء كان محلها المحرر المزور نفسه أو صورته .

القصد الجنائي :

 هذه الجريمة عمدية يتخذ ركنها المعنوي صورة القصد الجنائي ، وهو يتمثل في اتجاه إرادة الجاني إلى استعمال المحرر مع العلم بتزويره، ولا يكفي للقول بتوافر العلم أن يتمسك الجاني بالورقة المزورة، إذ قد يتمسك بها على الرغم من جهله بتزويرها، وإنما يجب أن يثبت علم الجاني اليقيني بتزوير الورقة، على أنه إذا كان المستعمل هو نفسه المزور وثبت توافر قصد التزوير لديه فإن ذلك يلزم عنه أن يتوافر في حقه رکن العلم بتزوير المحرر الذي أسند إليه استعماله، فلا تلتزم المحكمة أن تتحدث عنه استقلالاً إذا قضت بالإدانة .

وإذا انتفى العلم بتزوير المحرر انتفى القصد الجنائي لدى المستعمل فلا تقع منه الجريمة ، ولو كان جهله بالتزوير راجعاً إلى إهماله في تحري الحقيقة، كذلك ينتفي القصد إذا كانت إرادة المتهم لم تتجه إلى استعمال المحرر، فإذا سرق منه واستعمله السارق لا يسأل المسروق منه عن جريمة الاستعمال .

وقد يستعمل شخص محرراً دون أن يكون عالماً بتزويره، ثم يعلم بعد ذلك بحقيقة أمره، ومع ذلك يستمر في التمسك به، فحينئذٍ تقع منه الجريمة نظراً لأن جريمة الاستعمال جريمة مستمرة .

ولا يعتبر الباعث عنصراً من عناصر القصد، فالجريمة تقع بتوافر القصد الجنائي أيا كان الباعث على ارتكابها، فتقع الجريمة ولو كان الباعث على ارتكابها الوصول إلى حق ثابت شرعاً .

العقوبة :

إذا كان المحرر المزور الذي استعمله الجاني محرراً رسمياً أو محرراً عرفياً، فيقرر لاستعمال المحرر الرسمي المزور عقوبة السجن المشدد أو السجن من ثلاث إلى عشر سنين (المادة 214 ع) وهي ذات العقوبة المقررة لجريمة التزوير في المحرر الرسمي الذي يقع من غير موظف عام . ( شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتورة/ فوزية عبد الستار، الطبعة الرابعة 2017 دار النهضة العربية،  الصفحة :  349 )

الشرط المفترض ( المحرر المزور ) :

تفترض هذه الجريمة أن ترد على محرر مزور، ويتعين في هذا المحرر أن يكون قد استوفى مظهره القانوني الذي يتعين توافره للعقاب على تزويره، وتطبيقاً لذلك فلا عقاب على استعمال الإقرارات الفردية الكاذبة طالما أن هذا الكذب لا يعد تزويراً، وقد حكم بأنه لا عقاب على تقديم فواتير أثبت فيها الجاني بيانات كاذبة عن البضائع التي كان يخلص عليها وقيمة ما صرفه في هذا الشأن، وأنه لا تتوافر جريمة الاستعمال بالنسبة إلى محرر عرفي لا يصلح أساساً لدعوى أو حق .

ويكفي مجرد تغيير الحقيقة في المحرر بإحدى الطرق المقررة في القانون لاعتباره مزوراً في نظر القانون، ولا يحول دون ذلك ألا يتوافر القصد الجنائي لدى المزور، فالضابط في وصف المحرر بأنه مزور هو ضابط موضوعي بحت، أي لا يقتضي غير البحث في مدى توافر الركن المادي في جريمة التزوير، فضلاً عن شرطها المفترض وعلة ذلك أنه بتوافر الركن المادي يتحقق الاعتداء على الثقة العامة، وهي المصلحة التي يحميها القانون، فيكون من الواجب حمايتها من خطر الاستعمال .

الركن المادي ( الاستعمال ) :

يتحقق الاستعمال بدفع المحرر المزور بفعل إيجابي في وجه من أوجه الإستفادة به بإعتباره صحيحاً في غرض من الأغراض التي زور المحرر من أجلها، فلا يكفي مجرد تقديم المحرر المزور للإستعمال ما لم يكن الجاني يدعي صحته، فلا استعمال إذا كان الجاني قد قدم المحرر المزور بوصفه مزوراً، كالذي يحصل على وثائق مزورة تمس أحد الأشخاص، ويبيعها له بعد أن يفهمه أنها مزورة .

ويتطلب الاستعمال إظهار المحرر المزور ودفعه في التعامل تحقيق هذا الغرض فلا يكفي مجرد الاستناد إليه دون تقديمه، كأن يستند أحد الخصوم في دفاعه إلى مستند معين يدعي أنه في حيازته دون أن يقدمه، كما لا يكفي مجرد إظهار المحرر في مناقشة ما دون تقديمه للاستناد إليه .

ويلاحظ أن تقديم الجاني المحرر المزور لأحد معارفه أو شركائه أو لمحاميه لاستعماله في غرض معين، لا يعد وحده استعمالاً، وإنما يسأل الجاني بوصفه شریكاً في جريمة الاستعمال إذا تمت بواسطة من سلم إليه المحرر المزور بناء على تعليماته، وعلة ذلك أن الاستعمال الذي يجرمه القانون هو الذي يتم في وجه من أوجه الإستفادة بالمحرر المزور، على أن استعمال الوكيل للمحرر المزور لا ينفي عنه جريمة الاستعمال، لأن هذه الوكالة لا تنفي أنه هو الذي قارف الجريمة، وهي الاستعمال .

ومن أمثلة الاستعمال ما حكم به من أن تقديم صورة فوتوغرافية أو مسودة الكربون المحرر مزور يكون وحده جريمة الاستعمال «ما دام الدليل في المواد التجارية يمكن الحصول عليه من مجرد القرينة».

ولا يتوقف الاستعمال على قبول المحرر المزور، بل يتم وينتهي بمجرد تقديمه للإستفادة به في غرض معين، ولو لم يتحقق هذا الغرض، أو تنازل عنه الجاني بعد تقديمه، على أنه متى وقع الاستعمال فإن التنازل عن المحرر المزور بعد التمسك به لا أثر له على وقوع الجريمة .

ولما كان الإستعمال لا يقع بمجرد الاحتجاج بالمحرر المزور إنما يتطلب فوق ذلك أن يقدم الجاني هذا المحرر، فإنه إذا ضمت المحكمة ملفاً معيناً يتضمن محرراً مزوراً استند إليه المدعي في دعواه رغم علمه بتزويره أو قدمه شخص ثالث ثم استند هو إليه، فإن فعله هذا لا يكون جريمة الاستعمال مادام لم يصدر منه فعل إيجابي للتمسك به والاستفادة منه .

وقد تكون هذه الجريمة وقتية حين لا يتطلب تحقيق الغرض الذي يستهدفه الجاني غير مجرد تقديم المحرر المزور، مثال ذلك تقديم الجاني بطاقة إثبات شخصية مزورة إلى رجال الشرطة، ولما كانت جريمة التزوير جريمة وقتية، بخلاف جريمة الاستعمال التي تعد جريمة مستمرة، فإنه لا تلازم بين تاريخ بدء التقادم في الدعوى الجنائية الخاصة بكل من الجريمتين .

الركن المعنوي ( القصد الجنائي ) :

هذه جريمة عمدية، يتعين لتوافرها تحقق القصد الجنائي العام، وهو إرادة تقديم المحرر المزور في وجه من أوجه الاستفادة به مع العلم بتزويره .

ومتى توافر هذا العلم وقعت الجريمة بغض النظر عن الباعث من وراء هذا الاستعمال، فهذه الجريمة تختلف تماماً عن جريمة النصب التي تقتضي توافر نية سلب مال الغير بطريق الاحتيال .

ولا يشترط أن يتحدث الحكم صراحة عن توافر العلم في جريمة استعمال محرر مزور، ما دامت مدوناته تدل على قيام هذا الركن .

ولا جريمة إذا جهل الجاني بأمر تزوير المحرر، ولو كان هذا الجهل راجعاً إلى إهماله، فإذا علم بأمر تزوير المحرر بعد تقديمه بحسن نية، وجب عليه أن يتنازل عنه عند توافر هذا العلم، وإلا اعتبر مرتكباً لجريمة الاستعمال منذ تاريخ تمسكه بالمحرر المزور رغم علمه بتزويره .

العقوبة :

ميز المشرع بين جرائم التزوير وفقاً لطبيعة المحرر المزور على الوجه الآتي :

(1) إذا كان المحرر رسمياً، يعاقب على استعماله بالسجن المشدد أو السجن من ثلاث سنين إلى عشر (المادة 214 عقوبات) .

(2) إذا كان المحرر عرفياً، فإن عقوبة استعماله تختلف وفقاً للجهة الصادر منها المحرر كما يأتي :

(أ) إذا صدر المحرر من إحدى الشركات العامة وما إليها تكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على عشر سنوات (المادة 214 مكرراً/  2 عقوبات) .

(ب) إذا صدر المحرر من إحدى الشركات المساهمة وما إليها تكون العقوبة مدة لا تزيد على خمس سنين (المادة 214 مكرراً / 1 عقوبات) .

(ج) إذا صدر المحرر من فرد من آحاد الناس تكون العقوبة الحبس مع الشغل (المادة 215 عقوبات) .

وبالنسبة إلى استعمال المحررات الالكترونية المزورة، فإن عقوبتها هي ذات العقوبة المقررة للجرائم سالفة البيان متى توافرت أركانها، ويلاحظ أن الفقرة (ج) من المادة 23 من القانون رقم 15 لسنة 2004 قد نصت على معاقبة من استعمل توقيعاً أو وسيطاً أو محرراً الكترونياً مزوراً مع علمه بذلك، بالحبس وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، ولكن ذلك لا يخل بأية عقوبة أشد منصوص عليها في قانون العقوبات أو في أي قانون آخر، وهو ما أكدته المادة المذكورة، وهو ما يرد على العقوبات المقررة لاستعمال المحررات الرسمية، والعرفية بجميع أنواعها (المواد 214 و 214 مكرراً/ 2 و 214 مكرراً/ 2 و 215 عقوبات) . ( الوسيط في قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ أحمد فتحي سرور، الطبعة السادسة  الكتاب الأول 2016،  الصفحة : 922 )

الأركان المكونة لجريمة استعمال المحرر المزور :

أولاً - الركن المادي :

يقوم الركن المادي على الاستعمال لمحرر مزور، وقد اختلف الرأي في مفهوم الاستعمال فذهب البعض إلى أن الاستعمال هو سلوك ينصرف إلى استخدام الورقة المزورة بوصفها وسيلة إثبات، وبعبارة أخرى يقصد بالاستعمال الاحتجاج بالورقة المزورة في غرض من الأغراض التي تستخدم فيها الورقة أو المستند الصحيح، وسواء كان هذا الاستخدام في مجال رسمي قضائي أو إداري أو في مجال التعامل بين الأفراد، بينما ذهب اتجاه آخر بحيث تنشأ علاقة يترتب عليها آثار قانونية استناداً إلى هذا السلوك، فإيداع المستند المزور لدى الموظف العام على سبيل الحراسة يعتبر استعمالاً للمحرر المزور، وتقديم المحرر المزور للتسجيل أو اعتماد الإمضاء ، يشكل استعمالاً للمحرر المزور، وتسليم الورقة إلى وكيل لتقديمها إلى ذوي الشأن .

والرأي الثاني يعطى للاستعمال مفهوماً أوسع من الرأي الأول، فما يعد استعمالاً في الأمثلة السابقة وفقاً للرأي الثاني يعتبر بالنسبة للرأي الأول مجرد أعمال تحضيرية لفعل الاستعمال الذي ينصرف إلى الاحتجاج بالورقة المزورة كوسيلة إثبات . 

والواقع أن قصر سلوك الاستعمال على أفعال الاحتجاج بالورقة كوسيلة إثبات فيه تضييق من نطاق الأفعال المندرجة تحت نصوص تجريم الاستعمال، فالتزوير في المحررات لا يشكل اعتداء فقط على قوة المحررات في الإثبات وإنما أيضاً على الثقة العامة فيما أثبت بها، ولما كان هناك تلازم بين التزوير بالاستعمال من حيث الاعتداء على المصالح استخدام الأوراق المزورة استخداماً يخل أو يهدد الثقة العامة في المحررات ، ولذلك فإننا نرى أن الاستعمال هو أي فعل استخدام للورقة المزورة من شأنه أن يرتب آثاراً قانونياً أو أن يوهم الغير بصحة الورقة المزورة لترتيب آثار قانونية معينة .

والاستعمال كما قد يقع بفعل إيجابي يمكن أن يتحقق بسلوك سلبي، فمن يتقدم بمستند على أنه صحيح ويقبل منه ثم يعلم بعد ذلك أنه مزور ولا يتقدم لسحبه مبقياً على آثاره بتزويره، ومع ذلك فهناك أحكام المحكمة النقض عرفت الاستعمال بأنه سلوك إيجابي .

ويجب أن ينصب الاستعمال على ورقة مزورة توافرت فيها جميع العناصر المتطلبة لقيام الركن المادي في التزوير بما فيها عنصر الضرر المحقق أو المحتمل، فإذا كان التزوير الواقع على الورقة لا يعتد به قانوناً لانعدام الضرر، سواء لكونه منصباً على بيان غير جوهري، أو لكونه تزویراً مفضوحاً لا يمكن أن ينخدع به الغير، فإن الاستعمال المنصب على مثل تلك الورقة لا تتحقق به أركان جريمة استعمال المحررات المزورة، فهذه الجريمة تقترض توافر أركان التزوير المعاقب عليه في الورقة موضوع الاستعمال .

 وجريمة الاستعمال تقع كاملة في الزمان والمكان اللذين يتم فيهما استخدام الورقة المزورة دون تطلب حدوث ضرر فعلي، وهي عادة من الجرائم المستمرة التي يستمر فيها السلوك الإجرامي طالما أن الجاني متمسك بالورقة المزورة، ولا تنتهي حالة الاستمرار إلا بتنازل الجاني عن التمسك بها أو بصدور حكم بالإدانة، ومن هذا التاريخ تحسب مدة سقوط الجريمة التقادم، وذاك على عكس جريمة التزوير التي هي بطبيعتها جريمة وقتية، ومع ذلك يمكن أن تقع جريمة الاستعمال وقتية إذا وقع الاستعمال وانتهى في وقت واحد .

ويلاحظ أن الورقة المزورة موضوع الاستعمال كما تنصرف إلی أصل الورقة، تنصرف أيضاً إلى الصور المستخرجة منها، ولذلك تتوافر جراء الاستعمال إذا انصب الاستعمال على صور مطابقة لأصل عقد مزور ليس في ملفات الشهر العقاري لأن استعمال الصورة هو استعمال للأصل .

وتطبيقاً لكل ما سبق قضت محكمة النقض بأن استعمال المحرر له معنى عام يندرج فيه كل فعل إيجابي يستخدم به المحرر المزور والاستناد إلى ما دون فيه، يستوي في ذلك أن يكون هذا الاستعمال قد بوشر مع جهة رسمية أو مع موظف عام، أو كان حاصلاً في معاملات الأفراد، كما قضى بأن العنصر المادي لجريمة استعمال المحرر المزور يقوم ويتم باستعمال المحرر فيما زور من أجله بغض النظر عن النتيجة المرجوة، فإذا كانت الواقعة التي استخلصها الحكم المطعون فيه في خصوص جريمة الاستعمال أن الطاعن قدم لموظفي مكتب البريد التوكيل المزور لكنهم اشتبهوا في أمره ولم يصرفوا له المبلغ موضوع التوكيل، فإن العنصر المادي للجريمة يكون قد تم بالفعل، أما الحصول على المبلغ فهو أثر من آثار الاستعمال لا يلزم تحققه لتمام الجريمة وإنما قد يشكل جريمة أخرى هي جريمة النصب المنصوص عليها في المادة 336 عقوبات .

وقضى أيضاً بأن جريمة التزوير بطبيعتها جريمة وقتية بعكس جريمة استعمال المحرر المزور فإنها مستمرة تبدأ بتقديم تلك الورقة لأية جهة من جهات التعامل والتمسك بها، وتظل قائمة مادام مقدم الورقة متمسكاً بها، فإذا كان المتمسك بالورقة قد استأنف الحكم الابتدائي الذي قضى بردها وبطلانها طالبة إلغاءه والحكم بصحتها فإن الجريمة تظل مستمرة حتى يتنازل عن التمسك بالورقة أو يقضي نهائياً بتزويرها ولا تبدأ مدة انقضاء الدعوى إلا من هذا التاريخ .

ثانياً - الركن المعنوي ، القصد الجنائي :

جريمة استعمال المحرر المزور هي جريمة عمومية تقوم على القصد الجنائي بعنصريه العلم والإرادة، فيجب أن يكون الجاني عالماً بأن الورقة التي يستخدمها أو يتقدم بها هي ورقة مزورة وأنه يريد استعمالها في أغراض الورقة الصحيحة، فإذا انتفى ذلك العلم فإن القصد الجنائي ينتفي، كذلك أيضاً إذا توافر العلم ولم تتوافر الإرادة فلا يتوافر القصد الجنائي .

ومثال ذلك تقديم الورقة المزورة لإثبات تزويرها، فهنا ينتفي القصد الجنائي لانتفاء إرادة استخدام الورقة المزورة كما لو كانت صحيحة .

ولا يكفي مجرد التمسك بالورقة المزورة أمام الجهة التي قدمت إليها الثبوت علم مقدمها بتزويرها .

عقوبة جريمة استعمال المحررات المزورة :

فرق المشرع في العقوبة بين استعمال المحررات الرسمية المزورة ومحررات الشركات المساهمة ومنشآت القطاع العام وما في حكمها والمحررات العرفية، وذلك على التفصيل الآتي :

أولاً- استعمال المحررات الرسمية المزورة :

نصت المادة 214 عقوبات على العقوبة المقررة لاستعمال الأوراق الرسمية المزورة سواء كان التزوير من موظف عام أو من آحاد الناس، وسواء كان التزوير مادياً أو معنوياً، والعقوبة التي قررتها المادة 214 هي الأشغال الشاقة أو السجن من ثلاث سنين إلى عشر، وإذا تعددت جريمة الاستعمال مع جريمة تزوير المحرر الرسمي تنطبق عقوبة الجريمة الأشد وهي المقررة للتزوير بالتطبيق للمادة 32 عقوبات .

ثانياً - استعمال المحررات المزورة المنسوب صدورها إلى جهة القطاع العام وما في حكمها :

نصت على جريمة استعمال تلك المحررات 214 مكرراً، وقد فرق المشرع بين الجهات التي تساهم فيها الدولة بنصيب ما بأية صفة كانت بين الجهات الأخرى المنصوص عليها فيها .

فإذا وقع الاستعمال في محرر مزور لإحدى الشركات المساهمة أو الجمعيات التعاونية والنقابات المنشأة طبقاً للأوضاع المقررة قانوناً أو المؤسسات أو الجمعيات المعتبرة قانوناً ذات نفع عام، فإن العقوبة المقررة هي السجن مدة لا تزيد على خمس سنين .

وإذا وقع الاستعمال لمحرر مزور لإحدى الشركات أو الجمعيات المنصوص عليها سابقاً أو لأية مؤسسة أو منظمة أو منشأة أخرى إذا كان الدولة أو لإحدى الهيئات العامة نصيب في مالها بأية صفة كانت، فإن العقوبة المقررة للجريمة هي السجن مدة لا تزيد على عشر سنين .

ثالثاً : استعمال المحررات العرفية :

العقوبة المقررة لاستعمال المحررات العرفية هي الحبس مع الشغل وذلك وفقاً لنص المادة 215 عقوبات . ( قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ مأمون محمد سلامة، الطبعة الأولى 2017 الجزء الأول،  الصفحة : 501 )

أولاً : أركان الإستعمال

يتضح من نص المادة التي نحن بصددها أن جريمة استعمال المحرر المزور تتكون من ثلاثة أركان وهي :

(1) وقوع فعل مادي هو الاستعمال .

 (2) أن يكون المحرر مزورة .

 (3) علم المستعمل بالتزوير .

 فعل الاستعمال :

الإستعمال هو استخدام المحرر المزور فيما أعد له، فمجرد حيازته لا تعتبر استعمالاً له، بل لابد من إظهاره والتمسك بقيمته كما لو كان صحيحاً، ولذلك اعتبرت المحاكم استعمالاً للمحرر المزور تقديمه بالفعل إلى القضاء حتى لو حصل تتنازل عنه بعد ذلك أو عدول عن التمسك به، كذلك تقديمه إلى النيابة أثناء تحقيق تجريه، أو تقديمه للتوثيق إبتغاء شهره .

كون المحرر مزوراً :

يشترط أن يقع الاستعمال على محرر مزور بطريقة من الطرق التي رسمها القانون، وإذا كانت الجريمة هي جناية استعمال ورقة رسمية مزورة (المادة التي نحن بصددها) وجب أن تتحقق في هذه الأخيرة العناصر اللازمة لإمكان اعتبارها ورقة رسمية وتقدير كون الورقة مزورة من عدمه متروك لقاضي الموضوع .

القصد الجنائي :

القصد الجنائي في جريمة استعمال محرر مزور هو العلم بتزوير ذلك المحرر، وهذا العلم بالتزوير يدخل في القصد الجنائي العام للجريمة، لأن هذا الأخير هو إرادة ارتكاب الجريمة بأركانها المختلفة .

ويلاحظ أن القصد الجنائي في جريمة الإستعمال مستقل عن القصد الجنائي في جريمة التزوير، وهو نية استعمال المحرر فيما أعد له، ولذلك قد ينعدم قصد الاستعمال لدى المزور بأن يصطنع سنداً من باب التجربة العلمية أو لمضاهاة الخطوط فيقع في يد آخر مصادقة ويستعمله مع العلم بتزويره، فحينئذٍ يتوافر القصد الجنائي لدى المستعمل رغم انتفائه لدى المزور، وعلى العكس من ذلك قد يكون المستعمل غير عالم بتزوير السند ومن ثم ينتفي لديه القصد حتى مع توافره لدى المزور، ويجب إقامة الدليل على علم المستعمل بالتزوير، أما إذا كان هو بنفسه المزور فالعلم مفترض ليس بحاجة إلى إثبات .

ويجب أن يكون العلم بالتزوير سابقاً باستعمال المحرر أو معاصراً له، أما العلم اللاحق فلا أثر له على قيام الجريمة .

ولا عبرة بالباعث ولو كان مشروعاً مثل تزوير سند الإقتضاء حق صحيح قانون، ولكن متنازع عليه، إذ الباعث ليس ركناً في الجريمة طبقاً للقواعد العامة وإن جاز أن يعد ظرفاً قضائياً مخففاً للعقوبة أو مشددة بحسب الأحوال .

العقوبة :

استعمال محرر رسمي مزور مع العلم بتزويره جناية عقوبتها السجن المشدد أو السجن من ثلاث سنين إلى عشر، ويترتب على ذلك أن يكون الشروع فيه معاقباً عليه لأنه شروع في جناية .

 ثانياً : النتائج التي تترتب على اعتبار الاستعمال جريمة مستقلة عن التزوير :

إن قانون العقوبات المصري يعتبر استعمال المحرر المزور جريمة مستقلة عن التزوير، ويترتب على ذلك نتائج متعددة أهمها :

(أ) أن مرتكب الاستعمال قد يكون غير مرتكب التزوير وقد لا تربطه به صلة ما، فمن يستعمل محرراً مزوراً وقع في يده بطريقة أو بأخرى يعاقب علی الاستعمال مادام يعلم بتزويره رغم أنه لم يشترك في التزوير، وكذلك من يزور محرراً بنية استعماله يعاقب على التزوير، ولو عجز بعدئذٍ عن استعماله بالفعل، أو لو فقد منه فاستعمله شخص لا يعرفه أو لم يتفق معه على استعماله .

 (ب) أن دعوى الاستعمال يمكن أن تقام على المستعمل ولو ظل المزور مجهولاً فحفظت الدعوى بالنسبة له، أو لو انقضت دعوى التزوير بوفاة الجاني فيها أو بمضي المدة المسقطة لها، كما يتصور أداة المستعمل ولو حكم ببراءة المزور لسبب غير سبب انعدام التزوير كعدم ثبوت الواقعة على هذا الأخير، أو لانعدام القصد الجنائي لديه .

 (ج) أنه إذا جمع فاعل واحد بين فعلى التزوير والاستعمال معه بوصفه فاعلاً أصلياً أو شريكاً يعد مرتكباً لجريمتين لا لجريمة واحدة، ولذلك فائدة كبرى في العمل، وهي أن التزوير يتم في خفاء ويصعب إثباته في بعض الصور بينما الاستعمال فعل علني ومن ثم كان أسهل منه إثباتاً في المعتاد .

ويلاحظ في هذا الصدد أنه إذا وقع الفعلان لغرض واحد وكانا مرتبطين ارتباطاً لا يقبل التجزئة وجب اعتبارها جريمة واحدة والحكم بالعقوبة المقررة الأشد الجريمتين طبقاً لنص المادة ( 32 / 2 ) عقوبات . ( الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الثالث، الصفحة : 202 )

استقلال التزوير عن الاستعمال :

فصل الشارع المصرى تزوير المحررات عن استعمالها فجعل من كل منها جريمة قائمة بذاتها، وقد نص على استعمال الأوراق الرسمية في المادة 214 وعلى استعمال الأوراق العرفية في المادة 215 ويترتب على الفصل بين التزوير والاستعمال أن مرتكب التزوير يعاقب ولو لم يستعمل الورقة المزورة وأن من يستعمل الورقة المزورة يعاقب على فعله ولو لم يرتكب التزوير أن يشترك فيه فإذا كان من ساهم في التزوير هو الذي استعمل الورقة المزورة فإنه يكون مسئولاً عن الجريمتين وتوقع عليه عقوبة واحدة تطبيقاً للمادة 213 من قانون العقوبات هذه العقوبة هي عقوبة التزوير فيه أن لم تكن أشد من عقوبة الاستعمال في بعض الصور فإنها تتساوى معها .

 أركان جريمة الاستعمال :

يستفاد من نص القانون أن جريمة الاستعمال لا تتم إلا بتوافر ثلاثة أركان هي

فعل الاستعمال .

تزوير المحرر المستعمل .

 علم المستعمل بهذا التزوير وذلك على التفصيل التالي :

1- فعل الاستعمال :

الاستعمال هو استخدام المحرر المزور فيما أعد له فمجرد حيازته لا تعتبر استعمالاً له، بل لابد من إظهاره والتمسك بقيمته كما لو كان صحيحاً ولذلك اعتبرت المحاكم استعمال المحرر المزور تقديمه بالفعل إلى القضاء حتى لو حصل تنازل عنه بعد ذلك أو عدول عن التمسك به كذلك تقديمه إلى النيابة أثناء تحقيق تجريه أو تقديمه للتوثيق ابتغاء شهرة وتقديم أورنيك مزور لامتحان قيادة إلى كاتب الضبط لإرفاقه بطلب استخراج رخصة قيادة، وتقديم رخصة قيادة مزورة لكونستابل المرور ويعتبر استعمال الخطاب مزور نشره في جريدة .

وعلى ذلك فلكي يتحقق معنى الاستعمال لابد من أن يحصل تمسك بالورقة المزورة فمجرد تقديمها دون الاستناد عليها أو الاحتجاج بها لا يفيد معنی الاستعمال ولكن إذا أبدى الشخص رغبته في التمسك بالورقة بعد تقديمها أو تمسك بها غيره فإن ذلك يعني استعمالها فالجريمة ليست إذن تقديم الورقة ولكن في الاحتجاج بها أو الاستناد إليها .

2- تزوير المحرر المستعمل :

لايعاقب على الاستعمال إلا إذا كان التزوير ثابتاً بالنسبة للمحرر المستعمل وأركانه متوافرة ولذلك كان من واجب القاضي قبل الحكم في جريمة الاستعمال أن يتثبت من حصول تزوير المحرر المستعمل وأن هذا التزوير قد وقع بطريقة من الطرق التي يعاقب عليها القانون وأن من شأنه أن يحدث ضرراً ولكن هذا لايصدق إلا على الأركان المادية لجريمة التزوير أما الركن الأدبي فلا يشترط توافره فإذا ارتكب شخص تزويراً في محرر بحسن نية ولم يكن يقصد استعماله ثم وقع هذا المحرر في يد آخر فاستعمله مع علمه بتزويره فإنه يعاقب علی الاستعمال ولو أن المزور نفسه غير معاقب لعدم توافر القصد الجنائي .

3- علم المستعمل بهذا التزوير ( القصد الجنائي) :

لايشترط لتوافر القصد الجنائي سوى أن يكون الجاني عالماً وقت الاستعمال أنه يستخدم محرراً مزوراً ولا عبرة بالأغراض التي يتوخاها الجاني في الاستعمال من غايات لا تدخل في أركان الجريمة فيرتكب الجريمة من يستخدم ورقة مزورة ولو كان يرمي إلى الوصول إلى حق ثابت شرعاًّ، ولما كان استعمال المحرر المزور جريمة مستمرة فإنه إذا تمسك بحقيقتها واستمر في التمسك بها فإن الجريمة تتوافر أركانها من هذا الوقت ويحق عقابه والعلم بتزوير الورقة يجب أن يكون يقيناً تتثبت منه المحكمة وتورد في حكمها دليلها عليه . ( موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الثالث، الصفحة : 127 )

الفقه الإسلامي
قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحات : 228 229  ، 230 

( مادة 465 ) :
 تزوير المحرر هو تغير الحقيقة فيه بإحدى الصور المبينة بعد ، بقصد إستعماله على نحو يوهم بأنه مطابق للحقيقة ، متى كان من شأنه إحداث ضرر ، وكان المحرر صالحاً للإستعمال على هذا النحو . 
وصور التزوير هي : 
1- أي تعديل بالإضافة أو الحذف أو غيرهما في الكتابة أو الأرقام أو المعلومات أو الصور أو العلامات . 
2- وضع إمضاء أو ختم مزور ، أو تغير إمضاء أو ختم صحيح ، أو إساءة إستعمال إمضاء أو ختم أو بصمة . 
3- الحصول غشاً أو مباغتة على إمضاء أو ختم أو بصمة لشخص لا يعلم حقيقة  المحرر . 
4- إصطناع المحرر أو تقليده .
5- إنتحال الشخصية أو إستبدالها فيما أعد لإثباتها . 
6- تغيير الحقيقة في محرر حال تحريره فيها أعد لتدوينه . 
ويعتبر تزویراً إستغلال حسن نية المكلف بكتابة المحرر والإدلاء إليه ببيانات كاذبة ، مع إيهامه بأنها صحيحة ، متى دونها نقلاً عن المدلي بها . 

( مادة 466 ) :
يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على عشر سنوات على التزوير في محرر رسمي . 
ويعاقب بالحبس على التزوير في محرر عرفي . وذلك كله ما لم ينص القانون على خلافه . 

( مادة 467 ) :
المحرر الرسمي هو الذي يختص موظف عام بمقتضى وظيفته بتحريره ، أو بالتدخل في تحريره على أية صورة ، أو بإعطائه الصفة الرسمية . 
ويقصد بالموظف العام من حددته الفقرات من (أ) إلى (د) من المادة (394) من هذا القانون . 
والمحرر العرفي هو ما عدا ذلك ، ويشترط أن يكون موقعاً ممن نسب إليه بإمضائه أو ختمه أو بصمته . 

( مادة 472 ) :
يعاقب بالعقوبة المقررة لجريمة التزوير على حسب الأحوال : 
1- كل من استعمل محرراً مزوراً وهو عالم بتزويره وبالظروف المشددة لجريمة التزوير ، فإن كان يجهل هذه الظروف عوقب كما لو كان التزوير قد وقع بغير توافرها . 
2- كل من استعمل محرراً فقد قوته القانونية لأي سبب كان ، مع علمه بذلك قاصداً الإيهام بأن المحرر لا زال محتفظاً بقوته القانونية .
 3- كل من استعمل محرراً صحيحاً بإسم شخص غيره أو إنتفع به بغير حق . 

تزوير المحررات 
المواد من (465) - (474) : 
تقابل نصوص المشروع بصفة عامة المواد من (206) - (227) من القانون القائم ، مع إضافة ما ارتأى المشروع إضافة إليها من حالات ، فضلاً عن ضبط صياغة النصوص ، وأهم سمات المشروع ما يلي : 
1- المادة (465) من المشروع : حسماً لما قام من خلاف فقهي وقضائي ، ونزولاً على مبدأ شرعية الجريمة ، فقد ارتأى المشروع بیان عناصر جريمة التزوير ، وبيان الأفعال المكونة لها والقصد الملابس لهذه الأفعال ، متى كان من شأن ذلك إحداث ضرر ، وهذا لا يتأتى إلا إذا كان المحرر صالحاً للإستعمال فيها أعد له ، فإن كان ظاهر البطلان ولا ينخدع به الناس عامة ، فقد انحسرت عنه هذه الصلاحية ، ومن هذا المنطلق فقد عرفت المادة (465) من المشروع سالفة البيان ، جريمة التزوير عن طريق بيان أركانها على النحو الذي استقر عليه القضاء والفقه في عمومه ، ثم حددت صور التزوير على نحو قصد به منع اللبس ، ولعل أهم إضافة عني النص بإبرازها وضع الجاني صورته الشمسية على محرر لا يخصه كأوراق المرور وجوازات السفر ورخص القيادة ، وأوراق إثبات الشخصية، وذلك بإستبدال الصورة الأصلية للصادر بإسمه المحرر ووضع صورته بدلاً منها ، وكان القضاء يرفض إعتبار هذه الصور من صور التزوير ، كما أوضح النص أن التعديل فيها تضمنه المحرر من كتابة أو أرقام أو معلومات حذفاً أو إضافة أو غيرهما - يعد من صور التزوير . 
 
كما أن المشروع أفصح عن أن إساءة إستعمال إمضاء أو ختم أو بصمة تدخل في عداد جرائم التزوير ، إذا ما وقعت في محرر ، وذلك قد يكون بتعمد التوقيع بإمضاء تخالف في طريقة الكتابة الإمضاء المعتادة ، أو محاولة تغيير السمات الخطية في الإمضاء ، أو إستعمال خاتم صحيح دون علم صاحبه أو رضائه ، أو إستعمال خاتم ألغي إستعماله ، أو نزع بصمة أو إمضاء من موقعها الصحيح ولصقها على محرر آخر غير ذلك المنزوعة منه ، بغير علم ورضاء صاحب الشأن في ذلك . 
 
كذلك أوضح النص أن الحصول غشاً أو مباغتة على إمضاء أو ختم أو بصمة لشخص لا يعلم حقيقة المحرر ، بأن صور له أن محرراً من نوع معين حال أنه محرر مخالف - كمن يستوقع على ورقة بوصف أنها سند دین أو كمبيالة ، حال أنها شيك أو من يحصل على الإمضاء أو الختم بطريق المباغتة أو التغافل . 
 
والفقرة السادسة من النص تتضمن تغيير الحقيقة في محرر حال تحرير هذا المحرر فيها أعد لتدوينه ، وهي صورة التزوير المعني بجعل واقعة مزورة في صورة واقعة صحيحة أو واقعة غير معترف بها ، ورئي من حسن الصياغة أن تكون على النحو الوارد بالمشروع ؛ لأنها تتسع لهاتين الصورتين وكل صورة التزوير المعنى . 
 
2- المادة (466) من المشروع : جمعت في فقرتيها التزوير في المحرر عرفياً كان أم رسمياً،  مع جعل عقوبة التزوير في المحرر العرفي عقوبة الجنحة،  وكان القانون القائم يفرد نصاً لكل حالة . 
 
3- المادة (467) من المشروع : ارتأى المشروع بغية توضيح معنى المحرر الرسمي والمحرر العرفي أن ينص على تعريف لكل ، والقانون القائم لا يتضمن هذا التعريف ، مما ساعد على إشاعة الإضطراب في هذا الصدد ، وحسماً للأمور ووضعها في موضعها الصحيح ، فقد عرف المشروع المحرر الرسمي بأنه الذي يحرره موظف عام مختص بتحريره ، أو بالتدخل في تحريره على أية صورة، أو بإعطائه الصفة الرسمية ، وذلك كله بمقتضى إختصاصه الوظيفي، ومنعاً للبس أيضاً بين المشروع من هو الموظف العام في حكم هذا الفصل؟ فأحال في بيانه إلى الفقرات الأربع الأولى من المادة (394) من المشروع دون باقی فقراتها ؛ لأن من عدا من نصت عليهم هذه الفقرات لا يعد موظفاً عاماً حقيقة،  بل حكماً ، أما عدا ذلك من المحررات فهي عرفية وقعت ممن نسب إليه المحرر، يستوي في ذلك أن يكون التوقيع بالإمضاء أو بالبصمة أو بالختم . 
 
4 - المادة (261) من المشروع جمعت في نصها حكم المادتين (226)، (227) من القانون القائم،  واتسع حكمها ليشمل إبداء أو تقرير أقوال أو بيانات جوهرية ، يعلم بعدم صحتها ، أو تقديم أوراق بذلك إلى جهة تقرير مساعدات أو تأمينات إجتماعية ، بعد أن كانت نصوص القانون الحالي لا تواجه مثل هذه الصور . 
 
5- المادة (471) من المشروع تقابل المادة (340) من القانون القائم ، وكانت ضمن مواد الباب العاشر من الكتاب الثالث ضمن مواد جريمة النصب وخيانة الأمانة ، وقد ارتأى المشروع أن مكانها الصحيح بين مواد جريمة التزوير ؛ لأنها إليها أقرب وبها ألصق ، إذ تعالج صورة خاصة من التزوير في محرر وقع على بياض ، ثم حرر في البياض بیانات خلافاً للمتفق عليه ، وجعلت المادة ظرفاً مشدداً يترتب عليه مضاعفة العقوبة، إذا كان الجاني غير من اؤتمن على الورقة متى حصل عليها بوسيلة غير مشروعة . 
 
6- المادة (472) من المشروع : تعرض لجريمة إستعمال المحرر المزور رسمياً كان أم غير رسمي ، فنصت الفقرة الأولى منها على عقاب المستعمل للمحرر المزور بذات العقوبة المقررة لجريمة التزوير، متى كان عالماً بالتزوير وبالظروف المشددة للجريمة، فإن كان يجهل هذه الظروف عوقب ، كما لو كان قد وقع التزوير بغير توافرها . 
 
واستحدثت الفقرة الثانية منها حكماً جديداً يعاقب كل من استعمل محرراً فقد قوته القانونية ، أياً كان سبب ذلك الفقدان، عالماً بذلك، متى قصد من هذا الإستعمال الإيهام بأن المحرر لا يزال يحتفظ بقوته القانونية ، فمن يستعمل عقد بیع قضي بفسخه أو إبطاله مع العلم بذلك ، قاصداً الإيهام بأنه لا يزال قائماً لم يفسخ أو يقضي بإبطاله - يسري عليه الحكم المستحدث ، وهو إلى جانب سريان هذا النص عليه ، قد يتحقق قبله جريمة النصب أو الشروع فيها على حسب الأحوال . 
 
كذلك أثم المشروع في الفقرة الثالثة من المادة إستعمال محرر صحيح بإسم الغير فانتفع به بغير حق ، وعلى سبيل المثال إستعمال جوازات السفر أو أوراق المرور أو الرخص . 
 
7- المادة (473) من المشروع ، رأى المشرع أن إنتحال شخص إسم غيره أو إعطاءه بيانات كاذبة عن محل إقامة في مرحلة الإستدلالات أو التحقيق الابتدائي أو النهائي - يدخل في نطاق التجريم ، ولأن محكمة النقض ذهبت إلى أن حق المتهم في الدفاع يبرر له أن يتسمى بإسم خيالي في إعتقاده ، فلا يعد فعله ضرباً من ضروب التزوير ، ومنعاً لأي لبس وضع المشروع النص سالف البيان ليؤثم بعقوبة الجنحة كل من إنتحل إسم غيره ، أعطى بياناً كاذباً عن محل إقامته في مرحلة الإستدلالات أو التحقيق الابتدائي أو النهائي ، والنص من العموم بحيث يشمل إلى جانب المتهم غيره ممن يسأل في تحقيق مما ذكر ، وبذلك يكون البيان في الإسم ومحل الإقامة من البيانات الجوهرية التي يتحتم أن يراعي فيها الشخص الصدق والأمانة ؛ حتى يسهل الإهتداء إليه إذا ما تطلب الأمر ذلك .
 
هذا وقد استتبع تنظيم المشروع لجريمة التزوير أن يسقط بعض النصوص التي تعالج صوراً خاصة من صور التزوير الواردة في المواد (216)، (217)، (218)، (220)، (221)، (223)، (224) من القانون القائم، إكتفاء بما تضمنه المشروع من نصوص ، على أن هذا لا يمنع الشارع في قانون خاص أن يقرر من العقوبات ما يراه ملائماً لصورة خاصة من التزوير . 
 
كما لم يورد المشروع نصاً مقابلاً للمادة (225) من القانون القائم التي تساوي بين التوقيع بالإمضاء والختم وبصمة الإصبع ؛ لأن بيان المشروع لطرق التزوير قد غنى عن ذلك ؛ إذ تضمنها هذا البيان .
 

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الحادي عشر ، الصفحة / 261

صُوَرُ التَّزْوِيرِ فِي الْمُسْتَنَدَاتِ وَطُرُقُ التَّحَرُّزِ مِنْهَا :

جَاءَ فِي تَبْصِرَةِ الْحُكَّامِ: وَمِثْلُهُ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ: يَنْبَغِي لِلْمُوَثِّقِ أَنْ يَتَأَمَّلَ الأْسْمَاءَ الَّتِي تَنْقَلِبُ بِإِصْلاَحٍ يَسِيرٍ، فَيَتَحَفَّظُ فِي تَغْيِيرِهَا، نَحْوُ مُظْفِرٍ فَإِنَّهُ يَنْقَلِبُ إِلَى مُظْهِرٍ، وَنَحْوُ بَكْرٍ فَإِنَّهُ يَنْقَلِبُ إِلَى بُكَيْرٍ، وَنَحْوُ عَائِشَة فَإِنَّهُ يَصْلُحُ عَاتِكَةَ. وَقَدْ يَكُونُ آخِرُ السَّطْرِ بَيَاضًا يُمْكِنُ أَنْ يُزَادَ فِيهِ شَيْءٌ آخَرُ. وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَحْذَرَ مِنْ أَنْ يُتَمِّمَ عَلَيْهِ زِيَادَةَ حَرْفٍ مِنَ الْكِتَابِ مِثْلُ أَنْ يَكْتُبَ فِي الْوَثِيقَةِ: أَقَرَّ أَنَّ لَهُ عِنْدَهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ عَقِبَ الْعَدَدِ بَيَانَ نِصْفِهِ بِأَنْ يَقُولَ: (الَّذِي نِصْفُهُ خَمْسُمِائَةٍ مَثَلاً) أَمْكَنَ زِيَادَةُ أَلْفٍ فَتَصِيرُ (أَلْفَا دِرْهَمٍ) .

وَفِي التَّنْبِيهِ لاِبْنِ الْمُنَاصِفِ: وَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يُنْصَبَ لِكِتَابَةِ الْوَثَائِقِ إِلاَّ الْعُلَمَاءُ الْعُدُولُ، كَمَا قَالَ مَالِكٌ رضي الله عنهلاَ يَكْتُبُ الْكُتُبَ بَيْنَ النَّاسِ إِلاَّ عَارِفٌ بِهَا، عَدْلٌ فِي نَفْسِهِ، مَأْمُونٌ عَلَى مَا يَكْتُبُهُ لقوله تعالى ( وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ) وَأَمَّا مَنْ لاَ يُحْسِنُ وُجُوهَ الْكِتَابَةِ، وَلاَ يَقِفُ عَلَى فِقْهِ الْوَثِيقَةِ، فَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يُمَكَّنَ مِنَ الاِنْتِصَابِ لِذَلِكَ؛ لِئَلاَّ يُفْسِدَ عَلَى النَّاسِ كَثِيرًا مِنْ مُعَامَلاَتِهِمْ. وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ عَالِمًا بِوُجُوهِ الْكِتَابَةِ إِلاَّ أَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي دِينِهِ، فَلاَ يَنْبَغِي تَمْكِينُهُ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ لاَ يَضَعُ اسْمَهُ بِشَهَادَةٍ فِيمَا يَكْتُبُ؛ لأِنَّ مِثْلَ هَذَا يُعَلِّمُ النَّاسَ وُجُوهَ الشَّرِّ وَالْفَسَادِ، وَيُلْهِمُهُمْ تَحْرِيفَ الْمَسَائِلِ لِتَوَجُّهِ الإْشْهَادِ، فَكَثِيرًا مَا يَأْتِي النَّاسُ الْيَوْمَ يَسْتَفْتُونَ فِي نَوَازِلَ مِنَ الْمُعَامَلاَتِ الرِّبَوِيَّةِ وَالْمُشَارَكَةِ الْفَاسِدَةِ وَالأْنْكِحَةِ الْمَفْسُوخَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لاَ يَجُوزُ، فَإِذَا صَرَفَهُمْ عَنْ ذَلِكَ أَهْلُ الدِّيَانَةِ أَتَوْا إِلَى مِثْلِ هَؤُلاَءِ، فَحَرَّفُوا أَلْفَاظَهَا، وَتَحَيَّلُوا لَهَا بِالْعِبَارَةِ الَّتِي ظَاهِرُهَا الْجَوَازُ، وَهِيَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى صَرِيحِ الْفَسَادِ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا. وَتَمَالأَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ عَلَى التَّهَاوُنِ بِحُدُودِ الإْسْلاَمِ، وَالتَّلاَعُبِ فِي طَرِيقِ الْحَرَامِ، (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) .

وَجَاءَ فِي «تَبْصِرَةِ الْحُكَّامِ» أَيْضًا، وَفِي «الْعَالِي الرُّتْبَةِ فِي أَحْكَامِ الْحِسْبَةِ» لأِحْمَدَ بْنِ مُوسَى بْنِ النَّحْوِيِّ الدِّمَشْقِيِّ الشَّافِعِيِّ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُوَثِّقِ مِمَّا لاَ يُخَالِفُ قَوَاعِدَ مَذْهَبِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: فَإِذَا فَرَغَ الْكَاتِبُ مِنْ كِتَابَتِهِ اسْتَوْعَبَهُ (أَيْ كِتَابَتَهُ) وَقَرَأَهُ وَتَمَيَّزَ أَلْفَاظُهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُمَيِّزَ فِي خَطِّهِ بَيْنَ السَّبْعَةِ وَالتِّسْعَةِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مِائَةُ دِرْهَمٍ كَتَبَ بَعْدَهَا (وَاحِدَةً) وَيَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ نِصْفَهَا، فَإِنْ كَانَتْ (أَيِ الدَّرَاهِمُ) أَلْفًا كَتَبَ وَاحِدًا وَذَكَرَ نِصْفَهُ رَفْعًا لِلَّبْسِ، وَإِنْ كَانَتْ خَمْسَةَ آلاَفٍ زَادَ فِيهَا لاَ مَا تُصَيِّرُهَا (آلاَفَ) لِئَلاَّ تُصَلَّحَ الْخَمْسَةُ فَتَصِيرُ خَمْسِينَ أَلْفًا وَيُحْتَرَزُ بِذِكْرِ التَّنْصِيفِ مِمَّا يُمْكِنُ الزِّيَادَةُ فِيهِ كَالْخَمْسَةَ عَشَرَ تَصِيرُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ، وَالسَّبْعِينَ تِسْعِينَ، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرِ الْكَاتِبُ النِّصْفَ مِنَ الْمَبْلَغِ فَيَنْبَغِي لِلشُّهُودِ أَنْ يَذْكُرُوا الْمَبْلَغَ فِي شَهَادَتِهِمْ لِئَلاَّ يَدْخُلَ عَلَيْهِمُ الشَّكُّ لَوْ طَرَأَ فِي الْكِتَابِ تَغْيِيرٌ وَتَبْدِيلٌ، وَإِنْ وَقَعَ فِي الْكِتَابِ إِصْلاَحٌ وَإِلْحَاقٌ نُبِّهَ عَلَيْهِ وَعَلَى مَحَلِّهِ فِي الْكِتَابِ، وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُكْمِلَ أَسْطُرَ الْمَكْتُوبِ جَمِيعَهَا لِئَلاَّ يُلْحَقَ فِي آخِرِ السَّطْرِ مَا يُفْسِدُ بَعْضَ أَحْكَامِ الْمَكْتُوبِ أَوْ يُفْسِدُهُ كُلَّهُ، فَلَوْ كَانَ آخِرُ سَطْرٍ مَثَلاً. (وَجَعَلَ النَّظَرَ فِي الْوَقْفِ الْمَذْكُورِ) وَفِي أَوَّلِ السَّطْرِ الَّذِي يَلِيهِ (لِزَيْدٍ) وَكَانَ فِي آخِرِ السَّطْرِ فُرْجَةٌ أَمْكَنَ أَنْ يُلْحِقَ فِيهَا (لِنَفْسِهِ) ثُمَّ لِزَيْدٍ، فَيَبْطُلُ الْوَقْفُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَإِنِ اتَّفَقَ أَنَّهُ بَقِيَ فِي آخِرِ السَّطْرِ فُرْجَةٌ لاَ تَسَعُ الْكَلِمَةَ الَّتِي يُرِيدُ كِتَابَتَهَا لِطُولِهَا وَكَثْرَةِ حُرُوفِهَا، فَإِنَّهُ يَسُدُّ تِلْكَ الْفُرْجَةَ بِتَكْرَارِهِ تِلْكَ الْكَلِمَةَ الَّتِي وَقَفَ عَلَيْهَا أَوْ كَتَبَ فِيهَا صَحَّ، أَوْ صَادًا مَمْدُودَةً، أَوْ دَائِرَةً مَفْتُوحَةً، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَشْغَلُ بِهِ تِلْكَ الْفُرْجَةَ، وَلاَ يُمْكِنُ إِصْلاَحُهَا بِمَا يُخَالِفُ الْمَكْتُوبَ. وَإِنْ تَرَكَ فُرْجَةً فِي السَّطْرِ الأْخِيرِ كَتَبَ فِيهَا حَسْبِي اللَّهُ أَوِ الْحَمْدُ لِلَّهِ، مُسْتَحْضِرًا لِذِكْرِ اللَّهِ نَاوِيًا لَهُ، أَوْ يَأْمُرُ أَوَّلَ شَاهِدٍ يَضَعُ خَطَّهُ فِي الْمَكْتُوبِ أَنْ يَكْتُبَ فِي تِلْكَ الْفُرْجَةِ. وَإِنْ كَتَبَ فِي وَرَقَةٍ ذَاتِ أَوْصَالٍ كَتَبَ عَلاَمَتَهُ عَلَى كُلِّ وَصْلٍ، وَكَتَبَ عَدَدَ الأْوْصَالِ فِي آخِرِ الْمَكْتُوبِ، وَبَعْضُهُمْ يَكْتُبُ عَدَدَ أَسْطُرِ الْمَكْتُوبِ، وَإِنْ كَانَ لِلْمَكْتُوبِ نُسَخٌ ذَكَرَهَا وَذَكَرَ عُدَّتَهَا، وَأَنَّهَا مُتَّفِقَةٌ، وَهَذَا نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ سَهْلٍ وَابْنُ الْهِنْدِيِّ وَغَيْرُهُمَا .

وَمِثْلُهُ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ أَيْضًا وَقَالَ: إِنَّ ذَلِكَ مِمَّا لاَ يُخَالِفُ قَوَاعِدَ أَبِي حَنِيفَةَ  رضي الله عنه .

وَجَاءَ فِي مَجَلَّةِ الأْحْكَامِ الْعَدْلِيَّةِ (الْمَادَّةُ 1814) وَنَصُّهَا :

يَضَعُ الْقَاضِي فِي الْمَحْكَمَةِ دَفْتَرًا لِلسِّجِلاَّتِ، وَيُقَيِّدُ وَيُحَرِّرُ فِي ذَلِكَ الدَّفْتَرِ الإْعْلاَمَاتِ وَالسَّنَدَاتِ الَّتِي يُعْطِيهَا بِصُورَةٍ مُنْتَظِمَةٍ سَالِمَةٍ عَنِ الْحِيلَةِ وَالْفَسَادِ، وَيَعْتَنِي بِالدِّقَّةِ بِحِفْظِ ذَلِكَ الدَّفْتَرِ، وَإِذَا عُزِلَ سَلَّمَ السِّجِلاَّتِ الْمَذْكُورَةَ إِلَى خَلَفِهِ، إِمَّا بِنَفْسِهِ أَوْ بِوَاسِطَةِ أَمِينِهِ .

إِثْبَاتُ التَّزْوِيرِ :

يَثْبُتُ التَّزْوِيرُ بِإِقْرَارِ الْمُزَوِّرِ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ ظُهُورِ الْكَذِبِ يَقِينًا، كَأَنْ يَشْهَدَ بِقَتْلِ رَجُلٍ وَهُوَ حَيٌّ، أَوْ شَهِدَ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ فَعَلَ شَيْئًا فِي وَقْتٍ، وَقَدْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ، أَوْ لَمْ يُولَدْ إِلاَّ بَعْدَهُ، وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ .

أَمَّا التَّزْوِيرُ فِي الْوَثَائِقِ، فَذَهَبَ اللَّخْمِيُّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَأَبُو اللَّيْثِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: إِلَى أَنَّهُ إِذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ بِمَالٍ فَجَحَدَهُ، فَأَخْرَجَ الْمُدَّعِي صَحِيفَةً مَكْتُوبَةً بِخَطِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ، فَطَلَبَ الْمُدَّعِي أَنْ يُجْبَرَ عَلَى أَنْ يَكْتُبَ بِحَضْرَةِ الْعُدُولِ، وَيُقَابِلَ مَا كَتَبَهُ بِمَا أَظْهَرَهُ الْمُدَّعِي، فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْكِتَابَةِ، وَعَلَى أَنْ يُطَوِّلَ فِيمَا يَكْتُبُ تَطْوِيلاً لاَ يُمْكِنُ مَعَهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَ خَطًّا غَيْرَ خَطِّهِ، فَإِنْ ظَهَرَ بَيْنَ الْخَطَّيْنِ تَشَابُهٌ ظَاهِرٌ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُمَا خَطُّ كَاتِبٍ وَاحِدٍ، فَإِنَّهُ حُجَّةٌ يَقْضِي بِهَا .

وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ: وَبِهِ قَالَ أَئِمَّةُ بُخَارَى.وَقَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ الصَّائِغُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: إِنَّهُ لاَ يُجْبَرُ عَلَيْهِ، كَمَا لاَ يُجْبَرُ عَلَى إِحْضَارِ بَيِّنَةٍ تَشْهَدُ عَلَيْهِ .

وَفَرَّقَ اللَّخْمِيُّ بَيْنَ إِلْزَامِهِ بِالْكِتَابَةِ وَعَدَمِ إِلْزَامِهِ بِإِحْضَارِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَقْطَعُ بِتَكْذِيبِ الْبَيِّنَةِ الَّتِي تَشْهَدُ عَلَيْهِ، فَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يَسْعَى فِي أَمْرٍ يَقْطَعُ بِبُطْلاَنِهِ، أَمَّا خَطُّهُ فَإِنَّهُ صَادِرٌ مِنْهُ بِإِقْرَارِهِ، وَالْعُدُولُ يُقَابِلُونَ بِمَا يَكْتُبُهُ الآْنَ بِمَا أَحْضَرَهُ الْمُدَّعِي، وَيَشْهَدُونَ بِمُوَافَقَتِهِ أَوْ مُخَالَفَتِهِ .

كَمَا نَقَلَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ نَصَّ أَنَّ ذَلِكَ لاَ يَكُونُ حُجَّةً؛ لأِنَّهَا لاَ تَكُونُ أَعْلَى حَالاً مِمَّا لَوْ أَقَرَّ فَقَالَ: هَذَا خَطِّي، وَأَنَا كَتَبْتُهُ، غَيْرَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ عَلَيَّ هَذَا الْمَالُ، كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ .

عُقُوبَةُ التَّزْوِيرِ :

عُقُوبَةُ التَّزْوِيرِ: التَّعْزِيرُ بِمَا يَرَاهُ الْحَاكِمُ. كَأَيِّ جَرِيمَةٍ لَيْسَ لَهَا عُقُوبَةٌ مُقَدَّرَةٌ، إِنْ عَلِمَ أَنَّهُ تَعَمَّدَ التَّزْوِيرَ، فَيُعَزَّرُ بِمَا يَرَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ تَشْهِيرٍ أَوْ ضَرْبٍ أَوْ حَبْسٍ، أَوْ كَشْفِ رَأْسِهِ وَإِهَانَتِهِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ.

وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي: (شَهَادَةٌ، تَعْزِيرٌ، تَشْهِيرٌ).