1- لما كان ما يثيره الطاعن من جدل حول فقدان محررات البنك صفة الرسمية وأنها مجرد محررات عرفية ينطبق عليها نص المادة 215 من قانون العقوبات فى غير محله ، ذلك بأنه فضلاً عن أنه يكفي لحمل قضاء الحكم بإدانة الطاعن بجريمة التزوير فى الأوراق الرسمية ما ثبت فى حقه من اشتراكه فى تزوير البطاقتين المزورتين ، وهي أوراق لم يعب الطاعن رسميتها فى شيء ، فإن النعي غير مجد ما دام الحكم قد أثبت فى حقه توافر جريمتي استعمال محرر مزور مع علمه بذلك والنصب ، وهما ما لم ينازع فيهما الطاعن وأوقع عليه عقوبة الحبس لمدة سنة واحدة وهي عقوبة مبررة لهاتين الجريمتين .
( الطعن رقم 30230 لسنة 67 ق - جلسة 2006/11/23 - س 57 ص 901 ق 101 )
2- مجرد تغيير الحقيقة فى محرر عرفى بإحدى الطرق المنصوص عليها فى القانون يكفى لتوافر جريمة التزوير متى كان من الممكن أن يترتب عليه فى الوقت الذى وقع فيه تغيير الحقيقة ضرر للغير ، سواء أكان المزور عليه أم أى شخص آخر ، ولو كان هذا الضرر محتملا. ولما كان الثابت من تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير الذى تطمئن المحكمة إلى النتيجة التى انتهى إليها أن التوقيع المنسوب للمدعى بالحقوق المدنية الموقع به أسفل عبارات إيصال الأمانة غير المؤرخ موضوع الطعن هو توقيع صحيح وصادر من يد صاحبه وأن التوقيع المنسوب له وإن كان توقيعاً صحيحاً إلا أنه لم يوقع به أصلا على عبارات هذا الإيصال ، ومن ثم تكون التهمة المسندة للمتهم قد توافرت فى حقه ، إذ توافر ركن الضرر من تزوير إيصال الأمانة سند الاتهام واستعماله بالمطالبة به أمام القضاء وذلك على خلاف الحقيقة لما قد يترتب على ذلك من مساس بحقوق المدعى بالحقوق المدنية المالية ، ومن ثم فإنه يتعين عقابة عملاً بالمادة 215 من قانون العقوبات مع إعمال المادة 32 منه للارتباط بين جريمتى التزوير والاستعمال ، وعملاً بالمادة 304 / 2 من قانون الإجراءات الجنائية ، وذلك على النحو المبين بمنطوق هذا الحكم .
( الطعن رقم 20323 لسنة 64 ق - جلسة 2004/03/04 - س 55 ع 1 ص 229 ق 28 )
3- إذا كان الحكم المطعون فيه قد قضى بمعاقبة الطاعن بالحبس شهراً ، وكانت هذه العقوبة مقررة فى المادة 215 من قانون العقوبات التى طبقتها المحكمة عن التهمة الأولى الخاصة بالتزوير ، فإنه لا مصلحة للطاعن فيما يثيره بشأن عدم توافر ركن الإختلاس فى التهمة الثانية الخاصة بالشروع فى سرقة طالما أن المحكمة قد طبقت المادة 32 من قانون العقوبات وقضت بمعاقبة الطاعن بالعقوبة الأشد وهى العقوبة المقررة للتهمة الأولى .
( الطعن رقم 319 لسنة 34 ق - جلسة 1964/05/25 - س 15 ع 2 ص 434 ق 85 )
4- إذا كان الحكم المطعون فيه لم يبين الواقعة المستوجبة لمعاقبة المتهم أو يشير إلى نص القانون الذي حكم بموجبه، وهو بيان جوهري اقتضته قاعدة شرعية الجرائم والعقوبات وأوجبته المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية، فإنه يكون مشوباً بالبطلان بما يوجب نقضه- ولا يعصم الحكم من هذا العيب أنه أشار فى صدره إلى أن النيابة اتهمت الطاعن باستعمال الأوراق المزورة وطلبت معاقبته بالمادة 215 من قانون العقوبات طالما أنه لم يفصح عن أخذه بها ولم يبين واقعة الاستعمال التي اقترفها المتهم وعلى أي الأوراق أنصبت .
( الطعن رقم 1221 لسنة 30 ق - جلسة 1961/10/16 س 12 ع 3 ص 797 ق 155 )
5ـ لم يذكر قانون العقوبات تعريفاً للورقة الرسمية ولا للموظف العمومى إلا أنه يشترط صراحة لرسمية المحرر فى المادتين 211 ، 213 أن يكون محرر الورقة الرسمية موظفاً عمومياً مختصاً بمقتضى وظيفته بتحريرها أو بالتداخل فى هذا التحرير - فإذا كان يبين من الإطلاع على ترخيص الإستيراد المدعى بتزويره أنه محرر على نموذج خاص ببنك الجمهورية عن ترخيص بإستيراد بضائع من الخارج وموقع عليه تحت عنوان "بنك الجمهورية - المركز الرئيسى" بإمضاءين وعليه ثلاثة أختام بختم بنك القاهرة وليس فيه ما يفيد رسميته أو تداخل موظف عمومى فى تحريره أو إعتماده ، فيكون الترخيص موضوع الإتهام ورقة عرفية يجرى على تغيير الحقيقة فيها حكم المادة 215 من قانون العقوبات .
( الطعن رقم 1189 لسنة 29 ق - جلسة 1960/02/16 - س 11 ع 1 ص 168 ق 33 )
الضرر :
أهمية الضرر في البنيان القانوني لجرائم التزوير : رجحنا - فيما تقدم - الرأي الذي يذهب إلى اعتبار الضرر ركناً على حدة من أركان التزوير، فإذا ثبت تخلف الضرر إنتفى التزوير، ولو توافرت سائر أركانه ويترتب على ذلك إلتزام قاضي الموضوع بأن يثبت في قضائه بالإدانة توافر هذا الركن، وإلا كان حكمه قاصر التسبيب .
وتقتضي دراسة الضرر في التزوير تفصيل موضوعات ثلاثة : ماهية الضرر وأنواعه ؛ وضابط الضرر، ومدى توافره في المحررات الباطلة .
ماهية الضرر وأنواعه
تعريف الضرر :
الضرر هو إهدار حق، أي إخلال بمصلحة مشروعة، ومن ثم يعترف بها القانون ويكفل لها حمايته .
وليس من عناصر فكرة الضرر أن يحل بشخص معين، فالناس سواء من حيث جدارتهم بالحماية إزاء أضرار التزوير . وتطبيقاً لذلك، فإنه إذا إستهدف المتهم أن ينال الضرر شخصاً معيناً، فنال شخصاً آخر قام التزوير على الرغم من ذلك، بل يقوم التزوير ولو حقق للمجني عليه کسباً . ولا تقتضي فكرة الضرر أن يمثل جسامة معينة، فأقل الأضرار جسامة يقوم به التزوير .
انتفاء الضرر :
إذا ثبت انتفاء الضرر انتفى التزوير حتماً. وحالات انتفاء الضرر لا تدخل تحت حصر، ونعرض فيما يلي أهم هذه الحالات :
لما كانت المصلحة أو الحق الذي يهدره التزوير يقرره القانون لشخص، ويقابله بالضرورة التزام مفروض على شخص، فإنه إذا لم يوجد شخص يقرر له القانون الحق وآخر يفرض عليه الالتزام، فلا وجود للمجال الذي يمكن أن يتحقق فيه الضرر : وتطبيقاً لذلك، فإنه إذا إصطنع شخص محرراً يدعى فيه لنفسه أو لغيره حقاً في ذمة شخص خيالي ليس له وجود حقيقي ووضع عليه إمضاء نسبة إلى هذا الشخص فهو غير مسئول عن تزوير، لأن المحرر مجرد من القيمة القانونية، ولا وجود لمصلحة أو حق يمسهما . ويمكن أن نستخلص من ذلك قاعدة عامة مؤداها أنه إذا عرض للمحرر سبب يفقده تماماً قيمته القانونية، وينفي عنه في صورة قاطعة أن يكون مقرراً لحق أو سنداً لحماية مصلحة، فإن العبث الذي يمتد إليه يستحيل أن ينشأ عنه ضرر، لأنه لا يتصور أن يكون من شأنه المساس بحق أو مصلحة . ومن تطبيقات هذه القاعدة أنه إذا كان التزوير ظاهراً مفضوحاً بحيث لا يمكن أن يخدع به أحد فلا يتصور أن يقوم به ضرر .
وينتفى الضرر كذلك إذا إستهداف المتهم بالتزوير إنشاء سند الإثبات مرکز قانونی حقیقی، بشرط أن يكون الحق المتولد من هذا المركز ثابتاً وقت الفعل على نحو قاطع خالياً من النزاع ومستحق الأداء، إذ لن يترتب على إنشاء هذا السند تغيير في المراكز القانونية القائمة وقت ارتكاب الفعل، ولن يضار بذلك أحد . وتطبيقاً لذلك، فإنه إذا أوفي المدين بدينه كاملاً ولم يحصل على مخالصة تثبت هذا الوفاء، فإصطنع وارثه مخالصة تثبت الوفاء ووضع عليها إمضاء مزوراً نسبه إلى دائنه السابق، فلا تقوم بفعله جريمة التزوير، إذ قد إنقضى حق الدائن، ولم يعد ثمة مجال للقول بمساس بحق أو مصلحة له على نحو يقوم به الضرر .
وقت تقدير الضرر : تطبق على جريمة التزوير القاعدة العامة القاضية بأن العبرة في تحديد ما إذا كانت أركان الجريمة متوافرة أم غير متوافرة هي بوقت ارتكاب الفعل . ولما كان الضرر أحد أركان التزوير، كان الوقت المتعين الاعتداد به لتقديره هو ((لحظة تغيير الحقيقة))، وكان متعیناً تبعاً لذلك صرف النظر عن أي وقت آخر : فإذا كان الضرر في ذلك الوقت محتملاً قام بذلك التزوير، ولا عبرة بأنه قد صار مستحيل التحقق بعد ذلك، والأسباب التي تجعل الضرر مستحيلاً إما أن تكون خارجة عن إرادة الجاني فلا يمكن أن يكون لها أثر في محو جريمته . وإما أن يكون الجاني نفسه هو الذي أراد أن يتلافى الأمر ويحول دون وقوع الضرر أو يصلح ما أفسده بسابق فعله . والمتفق عليه في هذه الصورة أن فعل الجاني اللاحق لا يمكن أن يمحو سابق جرمه، وتطبيقاً لهذه القاعدة فإن تزوير سند الدين بتغيير تاريخ استحقاقه يعاقب عليه ولو سدد الدين بعد ذلك ؛ وتزوير مخالصة يعاقب عليه ولو أوفي المدين بدينه أو سقط بالتقادم قبل أن ترفع في شأنه الدعوى ؛ وتزوير إمضاء شخص في شكوي يعاقب عليه ولو وافق بعد ذلك صاحب الإمضاء على كل ما تضمنته هذه الشكوي، و انتحال المتهم إسم شخص آخر في محضر تحقيق يقوم به التزوير ولو عدل عن الانتحال وذكر إسمه الحقيقي قبل أن ينتهي التحقيق .
أنواع الضرر :
الضرر أنواع عديدة، ويسوى القانون بينها: فلا فرق بین ضرر مادی وضرر معنوی، أو بين ضرر حال وضرر محتمل، أو بين ضرر فردی وضرر اجتماعی .
الضرر المادي : يمس الضرر المادي عناصر الذمة المالية فيترتب عليه الإنقاص من عناصرها الإيجابية، أو الزيادة في عناصرها السلبية، وهو أوضح أنواع الضرر . وأهم تطبيقاته إصطناع سند دین، أو مخالصة من دين ينسبها مدين إلى دائنه زوراً، أو اصطناع عقد بيع أو هبة أو إيجار ونسبته إلى مالك عقار خلافاً للحقيقة . وأي قدر من الضرر المادي - ولو كان ضئيلاً - يكفى لقيام التزوير : فمن أضاف إلى سند دین مدنی عبارة الإذن أو لحامله يرتكب تزويراً، إذ تؤدي هذه الإضافة إلى تحول السند المدني إلى سند إذني أو سند لحامله، ومن شأن ذلك أن تتغير الأحكام القانونية التي يخضع لها، بحيث يصير الدين أكثر عبئاً على المدين، وفي ذلك ما يحقق الضرر المادي الذي يقوم به التزوير ويعد تزویراً كذلك أن يضيف المتهم إلى سند شرطاً يجعله مستحق الوفاء في مكان غير المكان المتفق عليه .
الضرر المعنوي :
يمس الضرر المعنوي الشرف والإعتبار، أي ينال من المكانة الإجتماعية للمزور عليه فيهبط بها، وأي قدر من المساس بهذه المكانة يكفي لتحقق التزوير ومن تطبيقات الضرر المعنوي أن يصطنع شخص محرراً ينسبه إلى شخص ويضمنه اعترافه بارتكاب جريمة أو اقتراف فعل مخل بالأخلاق أو مزر بالكرامة، بل إن الضرر المعنوي يعد متحققاً إذا نسب المتهم إلى غيره خلافاً للحقيقة واقعة تمس حالته الشخصية وإن لم تتضمن إخلالاً بالأخلاق، بالنظر إلى الإرتباط الوثيق بين عناصر الحالة الشخصية والمكانة التي لشخص في المجتمع : فيعد مزوراً من يصطنع محرراً ينسب فيه زوراً إلى رجل أو امرأة قبول الزواج من شخص معين، أو إنهاء العلاقة التي تربطه بزوجه، ويعد مزوراً من يتسمى بإسم غيره في محضر تحقيق جنائي، ومن يضع إمضاء شخص على شكوى بدون إذنه ويتحقق الضرر المعنوي إذا كان من شأن التزوير الإساءة إلى ذكرى شخص میت .
الضرر الاحتمالي : الضرر الاحتمالي هو ضرر لم يتحقق فعلاً، ولكن تحققه منتظر وفق السير العادي للأمور . ففعل المتهم لم يحدث ضرراً حالاً، ولكنه ينطوي على خطر إحداث الضرر، والمرجع إلى تفكير الشخص المعتاد وما إذا كان تحقق الضرر يبدو في تقديره متفقاً مع السير الطبيعي للأمور والدليل على كفاية الضرر الاحتمالي لقيام التزوير مستمد من خطة الشارع في التمييز بين التزوير واستعمال المحرر المزور، فكل منهما جريمة مستقلة عن الأخرى . ولما كان الضرر الفعلي مرتبطاً باستعمال المحرر، فإن معنى ذلك أن جريمة التزوير تكتمل أركانها ولو لم يترتب ضرر فعلی، إكتفاء بالضرر الذي يحتمل أن يترتب عليها إن إستعملت فيما بعد .
ويستخلص إحتمال الضرر من إحتمال استعمال ضار للمحرر المزور، إذ يكفي إحتمال ضرر الاستعمال لكي يوصف التزوير بأنه ضار . وتطبيقاً لذلك، فإنه لا يحول دون توافر الضرر في التزوير أن يكون تحقق الضرر من الاستعمال متوقفاً على ظروف خارجة عن إرادة المزور : مثال ذلك تزوير سند على ناقص الأهلية، إذ تحقق الضرر متوقف على عدم احتجاجه بنقص أهليته وإذا زور شخص سنداً خالقاً به إلتزاماً على آخر لمصلحة ثالث كان مسئولاً عن تزوير ولو لم يتمسك بالسند من اصطنع باسمه، إذ أن عدم تمسكه به « هو أمر خارج عن فعل التزوير الذي تم من جهة المزور ولزمته تبعته ولا يحول دون العقاب على التزوير إتلاف المحرر المزور، أو التنازل البات عن الإحتجاج به وصيرورة الضرر الفعلي غير متصور، إذ يكفي أنه كان محتملاً وقت ارتكاب التزوير . ومن تطبيقات الضرر الاحتمالي تزویر سند للوصول إلى حق ثابت .
تزویر سند من أجل الوصول إلى حق ثابت : أثار هذه التزوير جدلاً فقهياً : وصورته أن يكون الشخص حق في ذمة آخر، ولكنه لا يجوز السند الذي يتيح له إثباته، فيصطنع ذلك السند . ويلاحظ أن هذا الشخص كان يستطيع – دون حاجة إلى التزوير - أن يصل إلى حقه قضاء، ولكن ذلك كان يقتضيه سلوك طرق إثبات عسيرة وتحمل مخاطر العجز عن إقناع القضاء بحقه .
قد يقال نفياً للتزوير إنه لم ينل المدين ضرر، فالإلتزام ثابت في ذمته ولم يترتب على فعل دائنه تكليفه بشيء لم يكن مكلفاً به قانوناً، وليست له مصلحة مشروعة في التهرب من التزامه .
ولكن الرأي الراجح هو قيام التزوير لاحتمال الضرر : فإصطناع السند يجرد المدين من حصانة موضوعية وإجرائية تقررها له قواعد الإثبات، ومن حقه أن يظل متمتعاً بها، فلا يحرم منها فيلزم بالدين عن غير الطريق الذي رسمه القانون. ويعني ذلك أن هذه الحصانة تمثل حقاً أهدره الاصطناع على نحو يتحقق به الضرر ؛ وبالإضافة إلى ذلك فإن نشاط المتهم قد رتب ضرراً إجتماعياً، تمثل في الإحتيال على القانون، وخداع القضاء بالوصول إلى الحق عن غير الطريق الذي رسمه القانون . وتصير الأمور أكثر وضوحاً إذا كان الحق متنازعاً فيه، أو غير واجب الأداء فوراً، أو كان المدين قد أفلس، فإصطنع الدائن المحرر الذي يصيره به غير متنازع فيه أو مستحق الأداء في الحال : فثمة ضرر محقق لا شك فيه .
الضرر الاجتماعي : الضرر الاجتماعي هو ما استحالت نسبة أذاه إلى شخص أو أشخاص معينين، لأنه قد إمتد إلى المجتمع في مجموعه : فهو ضرر أصاب المصالح المادية أو المعنوية للدولة بإعتبارها تمثل المجتمع وهو نوعان : مادی و معنوی ومن أهم تطبيقات الضرر الاجتماعي المادي تزوير محرر يستهدف التخلص من ضريبة أو رسم أو غرامة، أو يستهدف إنشاء سند للإستيلاء على مال للدولة، أو إنشاء دين في ذمتها، أو ستر غش من شأنه الإضرار بمصالحها .
أما الضرر الاجتماعي المعنوي فتتصور له تطبيقات عديدة . ولكن أهم هذه التطبيقات يتمثل فيما استقر عليه الفقه والقضاء من اعتبار كل تغيير للحقيقة في محرر رسمي منتجاً بذاته ضرراً إجتماعياً متمثلاً في الإقلال من الثقة التي يجب أن يحظى بها هذا النوع من المحررات : فالأصل في المحررات الرسمية أن تكون موضع ثقة مطلقة وأن تكون جميع بياناتها صادقة، وبغير هذه الثقة تعجز الدولة عن أداء وظائفها وينال المجتمع من جراء ذلك ضرر جسيم، فثمة ثقة مفترضة يهدرها أي عبث ولو كان قليلاً، وهذا الإهدار يلحق بالمجتمع ضرراً في جميع الأحوال، وإن تجرد هذا الضرر من الصبغة المادية فهو معنى على كل حال .
وأهمية هذا المبدأ هي إعفاء قاضي الموضوع - حين يدين المتهم بالتزوير في محرر رسمى - من إثبات تحقق ضرر نال فرداً أو أفراد، أو نال الدولة في مصالحها المادية، مكتفياً بالتثبت من العبث في بيانات المحرر والقول - دون بحث خاص - بتحقق الضرر الإجتماعي المعنوي المتمثل في الإقلال من الثقة في هذه المحررات .
ضابط الضرر :
وجه الحاجة إلى ضابط للضرر : اتضح فيما تقدم أن للضرر مدلولاً متسعاً، وأن الشارع قد سوى بين أنواعه، وإعتد بالضرر المحتمل، فلو ترك الضرر بغير ضابط، لاقتضى ذلك أن يكون الفصل في توافره لمحض تقدير قاضي الموضوع، ولترتب على ذلك الاتساع في نطاقه على نحو قد لا تقتضيه - المصلحة العامة ولذلك اجتهد بعض الفقهاء في صياغة ضابط للضرر يحكم فكرته ويهتدي به القضاء .
مذهب القضاء المصري : يتعين في استقراء مذهب القضاء المصرى التفرقة بين المحررات الرسمية والمحررات العرفية .
المحررات الرسمية : تبنى القضاء المصري منذ البداية « نظرية جارو » في شأن هذه المحررات، بل وتطرف في فهمها، وبالغ في النتائج المستخلصة منها، فتطلب للعقاب على التزوير أن يكون موضوعه بياناً أعد المحرر منذ البداية لإثباته فيه، أي كان الغرض من تدوين المحرر أن يكون حجة على صدق ما تضمنه، فإن لم يكن كذلك فإن تغيير الحقيقة فيه لا يقوم به التزوير وتطبيقاً لذلك قضى بأنه إذا ادعت إمرأة بأنها بكر وتزوجت حالة كونها متزوجة وفي عصمة زوجها فهذا الفعل - لا يعاقب عليه ولا يعد تزويراً في عقد الزواج، لأن ذلك العقد الذي قالت فيه إنها بكر لم يكن من شأنه إثبات حالة بكارتها، بل من شأنه إثبات أنها قبلت الزواج ممن عقدت عليه وأنه قبل أن يتزوجها، وهذا القبول المتبادل حصل حقيقة منهما، فيكون العقد إذن صحيحاً بذاته لا تزوير فيه، ومن ثم فإن القول بأنها غير متزوجة هو كذب لا عقاب عليه وقضى كذلك بأن إثبات سن الزوجين أو أحدهما على غير الحقيقة لإخفاء المانع النظامی المستمد من صغر السن لا يعتبر تزویراً، لأن عقد الزواج لم يعد لإثبات السن، إذ المحرر المعد لذلك هو شهادة الميلاد وقضى بأن إثبات بيانات كاذبة في دفتر المواليد كنسبة طفل إلى غير أمه لا يعد تزويراً، لأن تلك الدفاتر أعدت لإثبات بيانات معينة طبقاً لما يرد على لسان من يبلغها وبصرف النظر عما إذا كانت صحيحة أو كاذبة، فإذا أثبت الموظف المختص هذه البيانات كما أمليت عليه كان معنى ذلك إنتفاء التزوير .
ولكن القضاء عدل بعد ذلك عن هذا التشدد في تحديد ضابط الضرر، فتحلل من اشتراط أن يكون موضوع تغيير الحقيقة بياناً أعد المحرر لإثباته فيه، وصرح بأن التزوير المعاقب عليه « هو التزوير الذي يقع في محرر يمكن أن يوجد عند من يقدم إليه عقيدة مخالفة للحقيقة » وأضاف إلى ذلك أن « القانون لا يشترط أن يكون المحرر قد أعد من وقت تحريره لأن يتخذ سنداً أو حجة بالمعنى القانونى »، وأن التزوير يقوم « مهما يكن مدى حجية المحرر في الإثبات » وقد خلصت محكمة النقض بذلك إلى نتائج تختلف عن تلك التي قالت بها طبقاً لمذهبها القديم : فاعتبرت التزوير متحققاً بإثبات بلوغ أحد الزوجين - على خلاف الحقيقة – السن التي يحددها القانون أو تجاوزها، إذ من شأن ذلك جعل القاضي يجيز سماع الدعوى الناشئة عن عقد الزواج واعتبرت تغيير الحقيقة في إسمي والدي الطفل أو أحدهما تزویراً، كما اعتبرت التزوير متحققاً بتغيير الحقيقة في البيان الخاص بتاریخ وفاة المورث في الإعلام الشرعي، واعتبرته متحققاً كذلك بتغيير الحقيقة في تاريخ المحرر الرسمي، وبتغيير الحقيقة في إثبات خلو أحد الزوجين من الموانع الشرعية فكل عبث يرمي إلى إثبات غير الحقيقة في هذا الصدد يعتبر تزویراً .
نظرية البيانات الجوهرية : يستخلص من دراسة قضاء محكمة النقض أنها تعتمد على فكرة البيانات الجوهرية لتحديد البيان الذي يصلح موضوعاً للتزوير : ففي أغلب أحكامها عللت قيام التزوير بأن موضوع تغيير الحقيقة كان أحد البيانات الجوهرية للمحرر، فسن الزوجين بيان جوهري في عقد الزواج، وتاريخ وفاة المورث في الإعلام الشرعى بیان جوهري، وتاريخ المحرر الرسمي هو أحد بياناته الجوهرية، وخلو الزوجة من الموانع الشرعية هو بيان جوهري في عقد الزواج، وقد وضعت المحكمة مبدأ عاماً قررت فيه أنه لا يكفي للعقاب أن يكون الشخص قد قرر غير الحقيقة في المحرر، بل يجب أن يكون الكذب قد وقع في جزء من أجزاء المحرر الجوهرية التي من أجلها أعد المحرر لإثباته . وفي بعض أحكامها عللت البراءة من التزوير بأن تغيير الحقيقة قد وقع في بيان غير جوهري من بيانات المحرر : فإثبات حالة المطلقة في إشهاد الطلاق من حيث الدخول بها أو عدم الدخول هو بيان غير جوهري إذ هو غير لازم في الإشهاد لأن الطلاق يصح شرعاً بدونه "، والقول عن الزوجة إنها بكر لم يسبق لها الزواج بدلاً من إثبات الحقيقة من أنها مطلقة طلاقاً يحل به العقد الجديد، هذا التغيير لا يقوم به التزوير، لأن إثبات حالة الزوجة من هذه الوجهة لا يعد بياناً جوهرياً من بيانات عقد الزواج .
وقد عرفت محكمة النقض البيان الجوهرى بأنه كل بيان يكون إثباته في المحرر « لازماً لإستكمال شكله القانوني »، أو هو في تعبير آخر « كل بيان واجب الإدراج في المحرر حتى يكون له الشكل الذي تحدده القوانين واللوائح » . ولا يحول دون إعتبار البيان جوهرياً أن يثبت أنه ليس الغرض من تدوين المحرر أن يكون دليل إثباته، أو يثبت أن ورود هذا البيان في المحرر لا يعني حتماً أنه بيان صحیح .
المحررات العرفية :
إذا كان المحرر عرفياً ، فيبدو أن محكمة النقض لا ترى الإرتباط بضابط محدد في تقدير الضرر ، وإنما تترك الأمر لقاضي الموضوع ، لكى يقرر في كل حالة على حدة ما إذا كان الضرر متوافراً أو غير متوافر ، فقد قررت أن « تقدير توافر الضرر في جريمة التزوير في المحرر العرفي متروك لمحكمة الموضوع وحدها حسبما تراه من ظروف كل دعوى » وسبق أن قررت في شأن تزوير في محرر عرفي (( أن القانون لا يشترط للعقاب على التزوير أن تكون الورقة التي يحصل التغيير فيها سنداً مثبتاً لحق أو لصفة أو حالة قانونية ، بل كل ما يشترطه لقيام هذه الجريمة هو أن يحصل تغيير الحقيقة بقصد الغش في محرر من المحررات بإحدى الطرق التي نص عليها ، وأن يكون هذا التغيير من شأنه أن يسبب ضرراً للغير ، فكل محرر تغير الحقيقة فيه يصح أن يكون موضوعاً لجريمة التزوير متى كان التغيير الذي حصل فيه ينشأ عنه ضرر أو إحتمال ضرر للغير )) .
وإذا كانت محكمة النقض قد خلصت - في شأن المحررات العرفية - إلى الإعتراف لقاضي الموضوع بسلطة تقدير الضرر ، فليس ذلك رفضاً لنظرية جارو ، بل إنه بمثابة إحالة لقاضي الموضوع إليها : فمن العسير تصور ضرر ينشأ عن محرر عرفي مجرد من كل قيمة في الإثبات ، فمثل هذا المحرر لا يمكن الإستناد إليه في دعوى ، ولا يصلح لتوليد عقيدة مخالفة للحقيقة ، وهو من ثم متجرد من كل قيمة .
القصد الجنائي :
تمهيد : جرائم التزوير في المحررات جرائم عمدية، ومن ثم يتخذ ركنها المعنوى صورة القصد الجنائي . وهذا القصد خاص يفترض أن أولاً : توافر القصد العام الذي يقوم بعلم المتهم بأركان جريمته، واتجاه إرادته إلى الفعل المكون لها ونتيجته ؛ ويفترض ثانياً : « نية » يقوم بها القصد الخاص في التزوير .
تعريف القصد الجنائي في التزوير : القصد الجنائي في التزوير هو « تعمد تغيير الحقيقة في محرر تغييراً من شأنه أن يسبب ضرراً، وبنية استعمال المحرر فيما غيرت من أجله الحقيقة ». وقد رجح هذا التعريف في الفقه والقضاء .
القصد العام في التزوير : يتطلب القصد العام في المقام الأول علماً محيطاً بتوافر جميع أركان التزوير، فيجب أن يعلم المتهم أنه يغير الحقيقة، وأن فعله ينصب على محرر، وأنه يرتكب عن طريق إحدى الطرق التي حددها القانون، وأنه يترتب عليه ضرر حال أو احتمالی .
فيجب أن يعلم المتهم أن يغير الحقيقة بفعله، ويقتضي ذلك أن يعلم بالحقيقة وأن يدرك أن فعله ينتج أثراً مناقضاً لها . ويعني ذلك أن مجرد جهل المتهم بالحقيقة غير كاف لاعتبار القصد متوافراً لديه: فالموظف العام الذي يثبت في محرر ما يمليه عليه ذوو الشأن، وهو جاهل ما تتضمنه أقوالهم من مخالفة للحقيقة لا يعد القصد متوافراً لديه، ومثال ذلك المأذون الذي يثبت انتفاء موانع الزواج في حين أنه قد توافر أحدها ؛ أو يثبت للزوج شخصية غير شخصيته الحقيقية غير عالم بذلك . ولا يقوم الإهمال - وإن كان جسيماً – في تحري الحقيقة مقام العلم الفعلي بها، فلا يكفي لإثبات القصد القول بأن المتهم كان في إمكانه تجنب ذكر ما ينافي الحقيقة : وتطبيقاً لذلك فإن الموثق الذي يثبت لمتعاقد - وفقاً لأقواله - شخصية غير شخصيته جاهلاً مخالفة ذلك للحقيقة، لا يسأل عن تزوير، ولو أخل بالواجب المفروض عليه بالتحقق من شخصية المتعاقدين .
وقد يكون للحقيقة طابع قانونی، فيكون العلم بها مفترضاً العلم بقاعدة قانونية، بحيث لو جهل المتهم هذه القاعدة فقد جهل الحقيقة وصار يعتقد أن فعله لا ينطوي على تغييرها : فقد يجهل الزوجان أو شهود الزواج قواعد الشريعة الإسلامية التي تحرم زواج الأخت من الرضاع أو تحرم الجمع بين المرأة وخالتها أو بين المرأة وعمتها .. فيقررون تبعاً لذلك انتفاء موانع الزواج، والحقيقة هي توافر مانع يجهلونه : في هذه الحالات يعد القصد منتفياً .
ويتطلب القصد الجنائي العلم بأن تغيير الحقيقة ينصب على محرر، ويرتكب عن طريق إحدى الوسائل التي حصرها القانون وهذا النوع من العلم لا يثير صعوبات : فالعلم بأن تغيير الحقيقة ينصب على محرر تفترضه طبيعة الأشياء، ويتلازم وتوافر التمييز لدى المتهم والعلم بأن الفعل يرتكب عن طريق إحدى الطرق التي حصرها القانون هو علم تفترضه القواعد العامة في القصد، إذ هو علم بنطاق النهي الذي يتضمنه قانون العقوبات، ذلك أن الشارع لا يجرم تغيير الحقيقة إلا إذا كان عن طريق إحدى هذه الطرق، والعلم بقواعد التجريم مفترض على نحو لا يقبل إثبات العكس .
ويتطلب القصد الجنائي العلم بأن من شأن تغيير الحقيقة « إحداث ضرر بالغير، سواء أكان الضرر حالاً أم محتمل الوقوع »ومن ذلك يتضح أن القانون لا يتطلب علم المتهم بالضرر الذي ترتب فعلاً على تغيير الحقيقة، ولا يتطلب علمه بأن تغيير الحقيقة لابد أن يؤدي إلى حدوث ضرر، ولكنه يكتفي بالعلم بالضرر الاحتمالي . وقد يكون الضرر الذي تحقق غیر الضرر الذي توقعه المتهم، وقد لا يتحقق الضرر الذي كان محتملاً وقت تغيير الحقيقة، وقد لا يتحقق ضرر على الإطلاق، ولكن ذلك لا يحول دون توافر القصد طالما أنه قد ثبت العلم بالضرر الذي كان محتملاً أن يترتب على تغيير الحقيقة .
ويتطلب القصد العام إتجاه إرادة المتهم إلى الفعل المكون للجريمة والنتيجة المترتبة عليه، أي إلى فعل تغيير الحقيقة وإلى أثره المتمثل في اشتمال المحرر على بيانات مخالفة للحقيقة : فمن يريد وضع بيان في محرر ويكون ظهوره عليه غير متضمن تغييراً للحقيقة، ولكنه يضعه خطأ فى محرر آخر يعد اشتماله عليه مشوهاً للحقيقة فيه لا يعد القصد متوافراً لديه، لأن إرادته لم تتجه إلى أن يتضمن المحرر الثاني بياناً مخالفاً للحقيقة ومن تدس علیه ورقة تتضمن بيانات يعلم أنها مخالفة للحقيقة، فيوقع عليها دون أن يقرأها، معتقداً أنها ورقة أخرى لا يتوافر لديه القصد .
القصد الخاص في التزوير : النية التي يقوم بها القصد الخاص في التزوير هي « نية استعمال المحرر المزور فيما زور من أجله »، وفي تعبير آخر « نية استعمال المحرر المزور في الغرض أو الأغراض التي أعد لها »، وهذه الأغراض تتنوع وتختلف من حالة إلى أخرى إختلافاً كبيراً، فليس في الاستطاعة حصرها، وأن أمكن ردها إلى فكرة تحقيق مصلحة للمتهم أو لغيره .
ومن ذلك يتضح أن العلاقة وثيقة في نفسية المتهم بين تزوير المحرر واستعماله مزوراً : فهدفه لا يتحقق بمجرد التزوير، بل لابد لذلك من فعل تال هو إستعمال المحرر بعد تزويره، ولا يعدو التزوير في ذاته أن يكون مرحلة تحضيرية لإدراك هذا الهدف من أجل ذلك أقام القانون علاقة وثيقة بين التزوير والاستعمال، وقدر أن التزوير لا يكون خطراً على المجتمع إلا إذا ارتكب بنية إستعمال المحرر بعد تزويره وهذه العلاقة نفسية ولا تعتمد على علاقة مادية تقابلها بين التزوير والاستعمال : فليس إستعمال المحرر ركناً في التزوير، إذ الشارع قد فصل بين الجريمتين . ولكن نية إستعمال المحرر المزور هي أحد عناصر التزوير، وقد تتوافر هذه النية على الرغم من أن المحرر قد لا يستعمل .
وإذا انتفت نية استعمال المحرر المزور فيما زور من أجله فقد انتفى القصد الخاص . وتنتفي هذه النية إذا اتجهت نية المتهم إلى غاية لا يتطلب تحقيقها إستعمال المحرر المزور، أي غاية تتحقق بمجرد التزوير : مثال ذلك أن يريد المتهم باصطناع كمبيالة مزورة توضيح الشكل الذي يتطلبه القانون في الكمبيالات أو إثبات مهارته في التقليد أو مجرد المزاح، والفرض أن نيته منصرفة عن الإحتجاج بالكمبيالة المزورة على من زورت عليه .
وإستخلاص هذه النية من شأن قاضي الموضوع، وهو يستعين على ذلك بالقرائن التي تحيط بالفعل . ويعد تمزيق المحرر بعد تزويره وجعل إستعماله مستحيلاً من أهم هذه القرائن .
ويجب تحري القصد في ذات وقت إرتكاب فعل تغيير الحقيقة، فالتزوير شأنه شأن سائر الجرائم يخضع لقاعدة وجوب معاصرة القصد للفعل الإجرامي .
ويخضع القصد الجنائي في التزوير للقاعدة العامة التي تقرر أن الباعث ليس من عناصره، وإن كان نبيلاً فلا ينفيه، كمن يزور لتفريج ضائقة أصابت شخصاً أو لتمكين صاحب حق من الوصول إلى حقه عن طريق خلق سند إثبات لم يكن له وفي العادة يكون الباعث على التزوير هو الإثراء غير المشروع، ولكن يتصور أن يكون الإنتقام أو التخلص من إلتزام، ويتوافر القصد من باب أولى إذا أثبت المتهم ما يخالف الحقيقة مدفوعاً بالرغبة في تفادي بعض مشاق العمل أو إقتصاد الوقت : فالمحضر الذي يثبت في عريضة دعوى كلف بإعلانها أنه قد أعلنها بنفسه في حين أن شخصاً آخر هو الذي أعلنها، أو يثبت أنه سلمها إلى المعلن إليه نفسه في حين أنه سلمها إلى شخص آخر، أو يقرر أنه عاين الأشياء المحجوز عليها في حين أنه لم يفعل ذلك، والموثق الذي يثبت حضور شاهدين أثناء توثيق العقد، في حين أنه لم يحضر شهود أو حضر شاهد واحد فقط، كل أولئك يتوافر القصد لديهم .
والقصد أسهل إثباتاً في التزوير المادي منه في التزوير المعنوي .
ولما كان القصد کياناً نفسياً، فإنه يتصور توافره لدى أحد المساهمين في التزوير وإنتفاؤه لدى مساهم آخر فيه .
المحرر العرفي :
نصت المادة 10 من قانون الإثبات (في فقرتها الثانية ) على أنه « إذا لم تكتسب هذه الورقة صفة الرسمية ، فلا يكون لها إلا قيمة الورقة العرفية متى كان ذوو الشأن قد وقعوها بإمضاءاتهم أو بأختامهم أو ببصمات أصابعهم »، ويعني هذا النص أن اتصاف الورقة بصفة المحرر المعرفي مرتهن بإنتفاء عناصر المحرر الرسمي كلها أو بعضها ، وذلك ما يسمح بوضع تعريف سلبي للمحرر العرفي بأنه (( كل محرر لا يعد - وفقاً للقانون - محرراً رسمياً )) .
ويعد المحرر عرفياً ولو صدر عن موظف عام إذا كان في غير مجال تعبيره عن إرادة الدولة ، أي حيث تكون صفته التمثيلية منتفية، وتطبيقاً لذلك فإن المحرر الصادر عن موظف عام ومتعلقاً بشؤونه الخاصة ، كعقد إيجار مسكن يؤجره أو يستأجره أو سند دين أو مخالصة ، كل ذلك يعد محرراً عرفياً، بل تعد الورقة محرراً عرفياً إذا صدرت عن موظف فى مجال عمله الرسمي ، ولكنها كانت ناطقة بتصرفه على نقيض صفته التمثيلية للدولة ، فلم يكن سائغاً أن ينسب إليها أنها تعبر عن إرادة الدولة ، مثال ذلك محرر صادر من رئيس إلى مرؤوس له يتضمن تحريضاً علی إرتكاب جريمة ، أو متضمن سؤالاً عماً لا يختص الرئيس بالإستفسار عنه ويجب أن تترك للمرؤوس الحرية في شأنه .
والمحررات العرفية أنواع عديدة ، وأهمها المحررات التي تثبت المعاملات المالية ، كالعقود بأسمائها المختلفة والسندات المثبتة للديون أو الوفاء بها وأوراق الحسابات والفواتير والدفاتر التجارية والدفاتر الخاصة والأوراق التجارية ومحررات البنوك والأوراق المالية التي تصدرها الأشخاص المعنوية الخاصة وليس بشرط أن يكون المحرر مثبتاً حقاً ذا قيمة مالية ، فقد يتجرد المحرر من القيمة المالية تماماً ويصلح مع ذلك محلاً للتزوير ، لما قدمناه من أن الضرر المعنوي كاف لقيام التزوير .
إجتماع المحرر الرسمي والمحرر العرفي في ورقة واحدة :
لا يشترط أن تكون جميع البيانات التي تحملها الورقة ذات صفة واحدة من حيث الرسمية أو العرفية ، فليس في القانون ما يحول دون أن تكون لبعض بياناته الصفة الرسمية ولبعضها الصفة العرفية ، تبعاً لما إذا كانت تتضمن تعبيراً عن إرادة الدولة وتتجمع لها بذلك عناصر فكرة المحرر الرسمي أم لا تتضمن ذلك: وتطبيقاً لذلك ، فقد تلحق بالمحرر الرسمي بيانات تتجرد من الطابع الرسمي ولا يقوم بها غير محرر عرفي : فإذا أثبت المتعاقدان في هامش عقد البيع الرسمي سند دين أو مخالصة من دين لا شأن له بعقد البيع كان السند أو المخالصة محرراً عرفياً، وإذا تضمن المحرر الرسمي توقيعاً لأحد الأفراد في ظروف كان الموظف غير مسئول فيها عن صحة هذا التوقيع كان التزوير الذي يقع في هذا البيان تزويراً في محرر عرفي وفي مقابل ذلك يجوز أن تلحق بالمحرر العرفي بيانات ذات طابع رسمي ، فالبيانات التي يثبتها الموظف المختص متضمنة تقدير رسوم التسجيل على هامش عقد عرفي مقدم للتسجيل تعد في ذاتها محرراً رسمياً ، ومن ثم كان التغيير فيها تزويراً في محرر رسمي .
التزوير في المحررات العرفية :
نصت على هذه الجريمة المادة 215 من قانون العقوبات في قولها ((كل شخص ارتكب تزويراً في محررات أحد الناس بواسطة إحدى الطرق السابق بيانها ... يعاقب بالحبس مع الشغل )) .
والتزوير في المحررات العرفية هو أبسط أنواع التزوير ، إذ يقوم على الأركان العامة للتزوير فحسب ، ويتجرد من الأركان الإضافية التي تضفي على التزوير مزيداً من الخطورة وتفترض هذه الجريمة أن المحرر قد تجرد من الصفة الرسمية وغير ذي أهمية أن يكون الجاني موظفاً عاماً أو ألا تكون له هذه الصفة ، فالقانون لا يعتد بصفة الموظف العام إلا إذا كان المحرر رسمياً ، وكان المتهم مختصاً بإثبات البيانات التي غيرت فيها الحقيقة ولا يفرق الشارع - بالنسبة لهذا التزوير - بين طرقه المادية وطرقه المعنوية ، فلكل منهما ذات الأحكام والعقوبة .
وقد قرر الشارع لهذه الجريمة عقوبة الحبس مع الشغل . ( شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ محمود نجيب حسني، الطبعة السابعة 2012 دار النهضة العربية، الصفحة : 283 )
المحرر
تحديد معنى المحرر :
لا تقع جريمة التزوير إلا إذا وقع تغيير الحقيقة في محرر، فيخرج من هذا النطاق كل تغيير للحقيقة بالقول أو بالفعل . وإن كان يمكن أن يعتبر جريمة أخرى كشهادة الزور أو النصب أو تزييف المسكوكات .
ويقصد بالمحرر العلامات التي ينتقل بها معنى معين من شخص إلى آخر عند النظر إليها. ويستوي في العلامات أن تكون مكونة من الكلمات والحروف التي تقوم عليها اللغة أو أن تكون مجرد رموز تعبر عن معان مصطلح عليها لدى بعض الناس، كرموز الشفرة أو الاختزال. ويستوي أن يكون المحرر مكتوباً باللغة الوطنية أو بلغة أجنبية، وأن يكون مدوناً بخط اليد أو بالآلة الكاتبة أو بالطباعة، وأن يكون مدونا بالحبر أو بالحفر. كذلك لا عبرة بالمادة التي دون عليها المحرر فقد تكون من الورق أو القماش أو الجلد أو الخشب، ولكن لما كان دور المحرر في التعامل يقتضي أن يكون على قدر من الثبات والدوام حتى يمكن الرجوع إليه كلما اقتضى الأمر ذلك في خلال مدة طويلة نسبياً، فإن من مقتضى ذلك أن تكون المادة التي يدون عليها صالحة لتحقيق هذا الثبات، ويترتب على ذلك أن تنتفي صفة المحرر عن الكتابة التي تدون على الرمال، أو الجليد، أو على قطعة من الحلوى، أو على بخار متكثف على لوح من الزجاج .
طرق التزوير
حصر طرق التزوير :
حدد المشرع طرق التزوير على سبيل الحصر ، فلا تقع جريمة التزوير إلا إذا توصل الجاني إلى ارتكابها بإحدى هذه الطرق، ولذلك تلتزم المحكمة عند الحكم بالإدانة ، بأن تبين في حكمها الطريقة التي لجأ إليها الجاني في تغيير الحقيقة حتى يتسنى لمحكمة النقض أن تراقب صحة تطبيق القانون فإن أغفلت المحكمة هذا البيان كان الحكم قاصر التسبيب متعين النقض .
التزوير - وفقا للطريقة التي يتم بها - نوعان : مادی ومعنوی، فالتزوير المادي هو الذي يتم بطريقة مادية تترك في مادة المحرر أثراً يمكن إدراكه بالحواس، أما التزوير المعنوي فهو يتحقق بتغيير حقيقة معنی المحرر ومضمونه دون المساس بمادته أو شكله ، ولذلك فهو لا يترك أثراً يمكن إدراكه بالحواس .
التزوير في محرر عرفي :
يقصد بالمحرر العرفي كل محرر ليست له صفة الرسمية .
سواء كان صادراً من أحد الأفراد أو من هيئة خاصة أو من موظف عام غير مختص بتحريره ، مع ملاحظة أنه إذا كان بطلان المحرر لعدم اختصاص من صدر عنه مما يمكن أن ينخدع به الشخص المعتاد فإن تزويره يعتبر تزويراً في محرر رسمي ومن أمثلة المحررات العرفية عقود البيع والإيجار ، وسندات الديون ، والمخالصات ، والمحررات الأجنبية ولو كانت ذات صفة رسمية وفقاً لقانون بلادها .
ولا ينفي عن المحرر كونه عرفياً أن يكون مدوناً في ورقة واحدة مع محرر رسمي ، مثل تزوير كاتب المحكمة إيصالات على بعض الخصوم تفيد رد الرسوم القضائية التي دفعوها في القضايا التي تم فيها الصلح ، وتحريره هذه الايصالات بظهر القسائم الرسمية التي كانت تسلم للخصوم إيذاناً بدفعهم الرسوم ، إذ اعتبرت محكمة النقض هذه الإيصالات مخالصة عرفية على الرغم من تدوينها في ذات الورقة الرسمية .
والتزوير في المحرر العرفي قد يتم بإحدى طرق التزوير المادي أو التزوير المعنوي .
العقوبة :
میز المشرع من حيث شدة العقوبة بين أنواع ثلاثة من المحررات العرفية وفقاً لإختلافها في الأهمية وبالتالي في مدى خطورة التزوير فيها على المجتمع .
أولاً : عقوبة التزوير في محررات القطاع العام :
نصت على عقوبة التزوير في محررات القطاع العام المادة 214 مکرراً في فقرتها الثانية التي تقضي بأن: « تكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على عشر سنين إذا وقع التزوير أو الإستعمال في محرر لإحدى الشركات أو الجمعيات المنصوص عليها في الفقرة السابقة أو لأية مؤسسة أو منظمة أو منشأة أخرى إذا كان للدولة أو لإحدى الهيئات العامة نصيب فی مالها بأية صفة كانت ».
فالتزوير الذي يقع في المحررات الصادرة عن إحدى هذه الجهات يعتبر تزويراً في محررات عرفية ، نظراً لأن المشرع لم يعتبر العاملين في هذه الجهات من الموظفين العامين أو في حكمهم كما فعل بالنسبة لنصوص الرشوة والاختلاس (المادتان 111 ، 119 مکرراً ع) ، ولكن بالنظر إلى أهمية هذه المحررات فقد اعتبر المشرع التزوير فيها جناية قرر لها عقوبة السجن الذي لا يزيد على عشر سنين سواء كان التزوير مادياً أو معنوياً ، وسواء وقع ممن يختص بتدوين المحرر أو من شخص آخر .
ثانياً : عقوبة التزوير في محررات الشركات المساهمة وما إليها :
نصت على عقوبة تزوير محررات الشركات المساهمة وما إليها المادة 214 مكرراً في فقرتها الأولى فقضت بأن « كل تزوير أو استعمال يقع فى محرر لإحدى الشركات المساهمة أو إحدى الجمعيات التعاونية أو النقابات المنشأة طبقاً للأوضاع المقررة قانوناً أو إحدى المؤسسات أو م الجمعيات المعتبرة قانوناً ذات نفع عام تكون عقوبته السجن مدة لا تزيد على خمس سنين ».
رأى المشرع أن المحررات الصادرة عن هذه الهيئات على قدر من الأهمية ولكنها لا تبلغ القدر الذي يبلغة المحرر الرسمي أو المحرر الصادر عن إحدى هيئات القطاع العام ولذلك اعتبر التزوير الواقع في أحد هذه المحررات جناية وقرر له عقوبة أخف من عقوبة تزوير أحد محررات القطاع العام ، هي عقوبة السجن الذي لا تزيد مدته على خمس سنين .
ويستوي أن يكون التزوير مادياً أو معنوياً ، واقعاً من المختص بتدوين المحرر أو من شخص آخر .
ثالثاً : عقوبة التزوير في المحرر العرفي العادي :
إذا وقع التزوير - مادياً كان أو معنوياً - في محرر عرفي غير ما تقدم ، من محررات القطاع العام والشركات المساهمة وما إليها مما نص عليه في المادة 214 مكرراً من قانون العقوبات، فإن الجريمة تعتبر جنحة يعاقب عليها المشرع بالحبس مع الشغل ( م 215 ع ) . ( شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتورة/ فوزية عبد الستار، الطبعة الرابعة 2017 دار النهضة العربية، الصفحة : 270 )
التزوير في المحررات الإلكترونية
الحماية القانونية للمحررات الإلكترونية :
بينا فيما تقدم أن الثقة في المحرر الإلكتروني توقف على إعتراف القانون به، وقد صدر القانون رقم 15 لسنة 2004 بتنظيم التوقيع الالكتروني وبإنشاء هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات فإعترف بالمحرر الالكتروني وأعطاه في نطاق المعاملات المدنية والتجارية والإدارية ذات الحجية المقررة للمحررات الرسمية والعرفية في أحكام قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية، متى استوفت الشروط المنصوص عليها في هذا القانون وفقاً للضوابط الفنية والتقنية التي تحددها لائحته التنفيذية (المادة 15) .
وتأكد هذا الإعتراف القانوني بالمحرر الإلكتروني فيما نصت عليه المادة 16 من القانون المذكور من أن الصورة المنسوخة على الورق من المحرر الإلكتروني الرسمي حجة على الكافة بالقدر الذي تكون فيه مطابقة لأصل هذا المحرر، وذلك مادام المحرر الإلكتروني الرسمي والتوقيع الإلكتروني موجودين على الدعامة الإلكترونية .
كما نصت المادة 17 من القانون نفسه على أن تسري في شأن إثبات صحة المحررات الإلكترونية الرسمية والعرفية والتوقيع الإلكتروني والكتابة الإلكترونية - فيما لم يرد بشأنه نص في هذا القانون أو في لائحته التنفيذية - الأحكام المنصوص عليها في قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية .
على أن هذه الأحكام تفيد في بحث مدى حجية المحرر في الإثبات، أما طرق التزوير فهي مسألة تخضع لقواعد الإثبات في قانون الإجراءات الجنائية، بما فيها الاقتناع الذاتي للقاضي الجنائي .
أحكام التزوير في المحررات الإلكترونية :
بينا فيما تقدم أن القانون رقم 15 لسنة 2004 قد شمل المحررات الإلكترونية بالحماية القانونية التي تتمتع بها المحررات الرسمية والعرفية من حيث الحجية المقررة لهذه المحررات في أحكام قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية متى استوفت الشروط التي يتطلبها القانون واستوفت الضوابط الفنية والتقنية التي تحددها لائحته التنفيذية .
وبناء على استيفاء المحررات الإلكترونية للمظهر المادي والقانوني للمحررات المحمية قانوناً، فإن جميع أحكام التزوير تنطبق عليها، بما فيها سريان الأحكام المتعلقة بجرائم التزوير في المحررات الرسمية والعرفية .
وبالإضافة إلى ذلك، فقد نصت المادة 23 من القانون رقم 15 لسنة 2004 على معاقبة من زور توقيعاً أو وسيطاً أو محرراً إلكترونياً بطريق الإصطناع أو التعديل أو التحوير أو بأي طريق آخر، بالحبس وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين ولما كانت عقوبة التزوير في المحررات الرسمية والمحررات العرفية أشد من ذلك، فقد نصت هذه المادة على أن هذه العقوبة لا تخل بأية عقوبة أشد منصوص عليها في قانون العقوبات أو في أي قانون آخر . ( الوسيط في قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ أحمد فتحي سرور، الطبعة السادسة الكتاب الأول 2016، الصفحة : 919 )
اعتبر المشرع التزوير في المحررات العرفية جنحة ، وأحال في شأن طرق التزوير وبقية العناصر الأخرى اللازمة لقيام الجريمة إلى ما هو مقرر في شأن التزوير في الأوراق الرسمية سواء المادي والمعنوي ومؤدى ذلك أن التزوير في المحررات العرفية من حيث العناصر المكونة للجريمة لا يفترق عن التزوير في المحررات الرسمية إلا فيما يتعلق بصفة المحرر .
المقصود بالمحررات العرفية :
اكتفى المشرع بالإشارة إلى المحررات العرفية بأنها «محررات أحد الناس»، والواقع أن المحررات العرفية يتم تعريفها بطريق الاستبعاد ، فكل ورقة اكتملت لها مقومات المحرر السابق بيانها تعتبر ورقة عرفية إذا لم يكن اعتبارها ورقة رسمية ولا ورقة من أوراق منشآت القطاع العام والجهات الأخرى التي تساهم الدولة أو إحدى الهيئات العامة في مالها بنصيب ما بأية صفة كانت ، أو الشركات والجمعيات التعاونية والجمعيات والمؤسسات المعتبرة قانوناً ذات نفع عام والنقابات المنشأة وفقاً للأوضاع القانونية ، والحقيقة هي أن أوراق الجهات الأخيرة هي في واقعها أوراق عرفية ، إلا أن المشرع راعى دور هذه الجهات في الاقتصاد القومي والتنمية الاجتماعية ولذلك أضفى عليها حماية جنائية خاصة تفوق تلك المقرر للأوراق العرفية وأفرد لها نص المادة 214 مكرراً .
وعليه فالأوراق العرفية المجمعة بنص المادة 215 إنما تتصرف إلى الأوراق التي يحررها الأفراد بوصفهم كذلك وليس بحكم صفتهم الوظيفية العامة أو الخاصة بإحدى الجهات المنصوص عليها بالمادة 214 مكرراً ، ومثال المحررات العرفية الإيصالات والدفاتر الخاصة والعقوبة العرفية غير المسجلة وجميع الأوراق التجارية كالشيكات والسندات الأذنية والدفاتر التجارية ومحررات البنوك الخاصة التي لا تندرج تحت جهة من الجهات المنصوص عليها في المادة 214 مکرراً ، وكذا الأندية الرياضية والاجتماعية .
وتعتبر الورقة عرفية ولو حررت على جزء من ورقة رسمية طالما أنها مثبتة الصلة بما حرره الموظف المختص ، كما في حالة التأشير على عقد رسمي بعد تحريره بمخالصة مزورة، فالعبرة بصفة الورقة هو ببياناتها وبحق نسبت إليه وليس بمكان وجودها طالما أنها لا تؤثر على مضمون ما أثبته الموظف المختص ويعتبر من الأوراق العرفية أيضاً الرسائل والخطابات الخاصة والأوراق الخصوصية والمنزلية طالما أن تلك الأوراق يمكن أن يترتب عليها آثار قانونية أو يكون من شأن تغيير الحقيقة فيها حدوث ضرر مادي أو أدبي للغير من ذلك مثلاً ما نصت عليه المادة 398 / ب مدنی من أن الدفاتر والأوراق المنزل لا تكون حجة على من صدرت منه إلا إذا ذكر فيها أنه استوفى ديناً أو إذا ذكر صراحة بما دونه في هذه الأوراق أن تقوم مقام السند لمن يثبت حقاً لمصلحته، أما إذا غير صاحب تلك الأوراق والدفاتر الخاصة الوثيقة لمصلحته هو تكون بصدد تزوير في محرر عرفي متى توافر لديه القصد الجنائي وكان هناك ضرر محقق أو محتمل من فعل التزوير ويلاحظ أن العبرة في وجود الضرر واحتماله إنما يرجع فيه إلى الوقت الذي وقع فيه تغيير الحقيقة بغير التفات إلى ما طرأ بعد ذلك .
ويلاحظ أن المحرر العرفي لا يكتسب حجيته في الإثبات إلا بعد التوقيع عليه، ولكن لا يشترط أن يتعمد الجاني تقليد إمضاء المجنى عليه بل يكفي لتوافر التزوير أن يضع الجاني إسم المزور عليه المحرر ولو بطريقة عادية لا تقليد فيها ، ما دام قد قصد الإيهام بأن ذلك المحرر صادر من المجني عليه ذلك أن تغيير الحقيقة في محرر عرفي بوضع إمضاء مزور يكفي لتوافر الجريمة متى كان من الممكن أن يترتب عليه ضرر للغير .
غير أنه يلزم أن يتضمن المحرر المزور إسناد أمر لم يقع ممن أسند إليه أعد المحرر لإثباته بشرط أن يكون هذا الإسناد قد ترتب عليه ضرر محقق أو محتمل، فإذا انتفى الإسناد الكاذب انتفى التزوير .
وغني عن البيان أن جريمة التزوير هي بطبيعتها جريمة وقتية تنتهي بمجرد وقوع تغيير الحقيقة في محرر بإحدى الطرق المنصوص عليها في القانون ، وعليه فيجب حساب مدة سقوط الدعوى من ذلك الوقت أما تاريخ ظهور التزوير فلا قيمة له إلا حيث لا يكون هناك دليل على وقوعه في تاريخ سابق، ويلاحظ أن استخلاص تاريخ وقوع التزوير هو من الأمور التي يستقل بها قاضي الموضوع ويستخلصه من ظروف الدعوى، وهو في هذا غير ملزم بالأخذ بالتاريخ الوارد على الورقة المزورة .
العقوبة :
العقوبة المقررة للتزوير في المحررات العرفية أياً كان مرتكبه وأياً كانت الطريقة التي استخدمت في إرتكابه هي الحبس مع الشغل . ( قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ مأمون محمد سلامة، الطبعة الأولى 2017 الجزء الأول، الصفحة : 495 )
المحرر العرفي هو كل محرر لا يصدق عليه وصف المحرر الرسمي مؤدی هذا التحديد أن المحرر العرفي تثبت له هذه الصفة بطريق سلبي، وذلك عندما لا يعد وفقاً للقانون محرراً رسمياً ويشمل ذلك المحررات الصادرة عن أحد الأفراد أو عن هيئة خاصة، كما يشمل المحرر الذي يصدر عن موظف عام غير مختص بتحريره طبقاً لما تقضي به القوانين واللوائح والمحررات العرفية عديدة، وأمثلتها العقود العرفية وسندات المديونية، والمخالصات والإيصالات والبرقيات والخطابات .
أركان التزوير في المحرر العرفي :
التزوير في المحررات العرفية لا يختلف عن التزوير في الأوراق الرسمية من حيث الأركان المكونة للجريمة، إلا فيما يتعلق بصفة المحرر لذلك يشترط لقيام جريمة التزوير في المحررات العرفية توافر أركان التزوير، ولا يلزم توافر أي شرط إضافي وقد أحال المشرع فيما يتعلق بطرق التزوير وبقية أركان الجريمة إلى ما قررته المواد السابقة في شأن التزوير في الأوراق الرسمية لذلك ينبغي لقيام هذه الجريمة أن يقع تغيير الحقيقة في محرر عرفي بإحدى طرق التزوير المادي أو المعنوي، وأن يكون من شأن التغيير إحداث الضرر بالغير، ويلزم توافر القصد الجنائي لدى من يغير الحقيقة، بعلمه بأن فعله ينصب على محرر، وبأنه يغير الحقيقة فيه تغييراً من شأنه أن يضر بالغير، وبأن تتجه إرادته إلى إحداث التغيير رغم هذا العلم وأمثلة التزوير في المحررات العرفية عديدة، منها التوقيع بإمضاء مزور على شكوى موجهة إلى السلطات، أو تزوير سند دين على أحد الأشخاص أو إصطناع عقد بيع أو إيجار ونسبته إلى مالك عقار، أو تزویر مخالصة منه .
عقوبة التزوير في المحرر العرفي :
اعتبرت المادة التي نحن بصددها تزوير المحررات العرفية جنحة ، وقررت لها عقوبة الحبس مع الشغل، والحبس حده الأقصى العام هو ثلاث سنوات .
وقد سوى المشرع في العقاب بين تزوير المحررات العرفية، واستعمال المحررات العرفية المزورة مع العلم بتزويرها ولم ينص المشرع على عقوبة خاصة للشروع، ومن ثم لا عقاب عليه لأن الجريمة جنحة كما أن المشرع لم يفرق في العقاب تبعاً لصفة من يزور في المحرر العرفي، فيستوي أن يكون شخصاً عادياً أو موظفاً عاماً سلم إليه المحرر العرفي من صاحبه بسبب وظيفته فغير من الحقيقة الثابتة فيه . ( الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الثالث، الصفحة : 222 )
هذه المادة تتناول التزوير الذي يقع في المحررات العرفية ولا يلزم لإنطباقها غیر توافر الأركان العامة للتزوير ولا صعوبة في تعيين محل الجريمة فكل محرر لا يعد رسمياً أو لا يعتبر من محررات الجمعيات التعاونية أو الشركات المساهمة وما إليها مما نصت عليه المادة 214 يكون محرراً عرفياً ومن أمثلة التزوير في هذه المحررات تزوير سند دين على أحد الأشخاص أو مخالصة منه وتزوير إمضاء محام على بطاقات مكتب والتزوير في الدفاتر التجارية .
وطرق التزوير واحدة في المحررات العرفية والرسمية ولا يفقد المحرر صفته العرفية لمجرد كونه مسطوراً في ورقة واحدة مع محرر رسمی بل يبقى لكل منهما حكمه الخاص وصفته الخاصة. والتزوير في العقود العرفية لا يكون معاقباً عليه إلا إذا ترتب على التزوير ضرر .
ويعتبر الضرر متوافراً إذا كان العقد صالحاً لأن يتخذ سند إثبات أو كان التروير واقعاً على شئ من البيانات التي أعد المحرر لإثباتها أما تزوير البيانات العرضية فلا عقاب عليه في الأصل أما كشوف الحسابات والفواتير وما شابهها لا يكون تزويرها معاقباً عليه عادة لأن مثل هذه الكشوف محل للمراجعة لمناقشة وليست حجة في ذاتها إلا إذا كانت مؤيدة بمستندات مزورة وعندئذ يعتبر الضرر حاصلاً والتزوير مستحقاً للعقاب .
والأصل في الورقة العرفية أن يكون موقعاً عليها إذ لا قيمة لها بغير توقيع من نسبت إليه وبدون هذا التوقيع لايتصور الإستناد إلى ما تضمنته الكتابة، إلا أن الورقة الخالية من التوقيع قد تغير فيها الحقيقة بتقليد خط شخص معين ونسبة المحرر إليه أو إذا كان هناك من القرائن ما يوهم بصدورها منه أو إحتمال إتخاذ الورقة مبدأ للثبوت بالكتابة ففي كل هذه الأحوال يتوافر إحتمال الضرر ويعاقب على التزوير رغم عدم التوقيع ويلاحظ أن كل كتابة تقع غشاً في الدفاتر التجارية القانونية أو الإختيار أو في الأوراق الخصوصية بنية الإستظهار بها على الخصم إجحافاً بعقوبة فهي تزوير يعاقب عليه القانون متى توفر القصد الجنائي وكان الضرر محققاً أو محتملاً . ( موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الثالث، الصفحة : 215 )