مقال المستشار احمد عبدالرؤوف موسى في جريدة الوفد بتاريخ 25 نوفمبر 2021

الأمن القومي الإلكتروني
الجريمة الإلكترونية


شهد العالم عصراً جديداً من التقدم التكنولوجي وما صاحبه من تطور غير مسبوق أصبحت معه مجتمعاتنا الحديثة أسيرة لما أحدثته تلك الثورة التكنولوجية من حرية تبادل المعلومات وسرعة إنتشارها وتسهيل وسائل التواصل والإتصال وما نتج عنه من ظهور جرائم جديدة تختلف عن الجرائم التقليدية تسمى الجرائم الإلكترونية أو التقنية والتي تتنوع أشكالها وأنواعها شكلت معه تهديداً للأمن القومي الإقليمي والدولي.


وتتداخل الجريمة الإلكترونية مع جرائم أخرى منها الوطني ومنها العابر للأوطان مثل جرائم الإرهاب وتمويله وبرامج التجسس وإختراق وتدمير الأنظمة الخاصة بالدولة والكيانات والمؤسسات الكبرى متعددة الجنسيات وجرائم الاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية، فضلاً عن الجرائم التي تحدث للمؤسسات والأفراد مثل جرائم الإستيلاء على الأموال والاحتيال وجرائم الملكية الفكرية وتشويه السمعة والإبتزاز والتحرش الجنسي وخدش الحياء وما قد تسببه من أضرار، لذا كان من الأهمية بمكان تحديد ماهية الجريمة الإلكترونية وتعريف الكافة بمفهوم الجريمة الإلكترونية، لم تتضمن أغلب التشريعات الدولية تعريفاً للجريمة الإلكترونية نظراً لطبيعتها، وقد سلك المشرع المصري هذا المسلك بعدم وضع تعريف لجرائم تقنية المعلومات، وقد أكتفى المشرع بالقانون رقم 175 لسنة 2018 بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات بتعريف الأفعال المقترنة بتلك الجرائم المكونة للفعل المادي لها، وهو اتجاه محمود لعدم حصر جرائم تقنية المعلومات في نطاق ضيق يتيح المجال أمام إفلات العديد من صور هذه الجريمة من دائرة العقاب خلال التطور التكنولوجي المستمر.
وبإستقراء التشريعات الدولية وإتفاقية بوادبست لمكافحة جرائم الإنترنت الصادر 2001 يمكننا القول بأن الجريمة الإلكترونية هي: الفعل الذي يرتكب بواسطة جهاز أو معدة تقنية أو عبر شبكات تداول البيانات سواء إتخذت شكل الدخول غير المصرح به أو الإعتراض دون حق او الإختراق أو إساءة إستخدامها أو التزوير أو الاحتيال او الإبتزاز أو نشر البرامج والبيانات غير القانونية والضارة وبصفة عامة أي فعل لإساءة إستعمال تكنولوجيا المعلومات ضد شخص طبيعي أو إعتباري للحصول على منفعة أو إلحاق الأذى والضرر بالمجني عليه.


ومن خلال التعريف السابق يتبين لنا تشابه الجريمة الإلكترونية مع الجريمة العادية أو التقليدية في أطراف الجريمة مع وجود الجاني “مرتكب الجريمة” والمجني عليه “الضحية”.
ويختلف نوعا الجريمتين في أداء ومكان الجريمة، ففي الجريمة الإلكترونية تكون الأداة جهاز أو معدة تقنية وأيضاً مكان الجريمة الذي لا يتطلب تواجد الجاني على مسرحه – خلافاً للتقليدية – فالكثير من تلك الجرائم تتم الجريمة عن بعد بإستخدام خطوط وشبكات الإتصال بين الجاني ومكان الجريمة.
وتتنوع أهداف الجريمة الإلكترونية حيث إنه في الغالب تحدث الجريمة الإلكترونية بسبب الرغبة في الحصول على المعلومات السرية للمؤسسات والجهات الحكومية والإفراد بشكل غير قانوني أو سرقة الحسابات المصرفية أو الإطلاع عليها وإبتزاز المجني عليه مقابل تلك المعلومات، أو تعطيل الأجهزة المزودة للخدمات “السيرفر” عن طريق الإنترنت أو الوصول إلى المعلومات بشكل غير قانوني لحذفها أو تعديلها أو بغرض تحقيق مكاسب مادية أو منفعة لدى الجاني.
كما أن للجريمة الإلكترونية عناصر خاصة حسب كيفية إرتكابها، أهمها:
سرعة التنفيذ حيث إنها لا تتطلب الكثير من الوقت في تنفيذها قد تحدث في برهة يسيرة.
يتم تنفيذ الجريمة عن بعد.


جرائم غير عنيفة حيث يمكن سلب المال دون إستخدام أية أدوات أو عنف وسيلة كالمعتاد إستخدامها بالجرائم التقليدية.
عابرة للحدود الدولية، كالجرائم التي ترتكب من خلال شبكة الإتصالات بالأقمار الصناعية والفضائيات والإنترنت.
صعوبة إثباتها في كثير من الأحيان.


وإزاء ذلك أهتم المشرع المصري بسن عدة تشريعات تناولت تنظيم مجال التقنية المعلوماتية أهمها قانون تنظيم الإتصالات وتكنولوجيا المعلومات وقانون التوقيع الإلكتروني، وما أقره المشرع الدستوري بالدستور المصري الحالي الصادر عام 2014 من نصوص منظمة لتقنية المعلومات والذي أتبعه صدور القانون رقم 175 لسنة 2018 بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات، ولائحته التنفيذية رقم 1699 لسنة 2020.


ولطول المقال في شأن التعريف بما تضمنته تلك التشريعات من أحكام فإننا سوف نلقي الضوء عليها في سلسلة مقالات متتالية تحت عنوان الأمن القومي الإلكتروني.


المستشـار
احمد عبدالرؤف موسى
المحامي بالنقض والإدارية العليا