المقال على: جريدة الجمهورية

الأمن القومي الإلكتروني القانون والمواجهة 3
نستكمل سلسة مقالاتنا المعنونة الأمن القومي الإلكتروني (القانون …والمواجهة) والذى تناول فيها الجريمة الإلكترونية ودور المشرع المصري في مواجهتها بإصدار القانون رقم ١٧٥ لسنة ٢٠١٨ بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات ونلقى الضوء على اهم ما يميز هذا القانون والذى يعد وبحق افضل التشريعات العربية المقارنة في هذا المجال لما ولاه المشرع من اهتمام بحماية حرمة الحياة الخاصة ، وهذا ما عهدناه من المشرع المصري فقد ضمن المشرع الدستوري بنصوص دستور عام ٢٠١٤ بتأكيده بنص المادة 57 منه من أن للحياة الخاصة حرمة، وهى مصونة لا تمس وقرر الحماية الدستورية للمراسلات البريدية، والبرقية، والإلكترونية، والمحادثات الهاتفية، وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها، أو الاطلاع عليها، أو رقابتها إلا بأمر قضائي مسبب، ولمدة محددة، في الأحوال التي يبينها القانون كما تلتزم الدولة بحماية حق المواطنين فى استخدامها بكافة أشكالها ، ولا يجوز تعطيلها أو وقفها أو حرمان المواطنين منها، بشكل تعسفي، وعليه قرر حماية خاصة ضد أية انتهاكات قد تحدث من وسائل التقنية المعلوماتية، ومنها الاهتمام بالحفاظ على سرية المحادثات والمراسلات البريدية وغيرها من وسائل الاتصالات والمعلومات، وحظر رقابتها أو وقفها أو تعطيلها أو الحد من كفاءتها أو التنصت عليها إلا بأمر قضائي .
وقد التزم المشرع بقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات بذلك وأفرد المشرع بالفصل الثالث
من الباب الثالث منه والمعنون “الجرائم المتعلقة بالاعتداء على حرمة الحياة الخاصة والمحتوى المعلوماتي غير المشروع ” لمكافحة الجرائم التقنية التي تقع على حرية الإنسان وانتهاك خصوصيته ونص بالمادة (25) منه على تجريم كل فعل ينطوي على اعتداء يقع على أي من المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصري أو انتهاك حرمة الحياة الخاصة، أو القيام بإرسال رسائل الإلكترونية لشخص معين بكثافة دون موافقته، أو منح بيانات شخصية إلى نظام أو موقع إلكتروني لترويج السلع أو الخدمات دون موافقة صاحب الشأن، أو نشر معلومات أو أخبار أو صور وما في حكمها عن طريق الشبكة المعلوماتية أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات يترتب عليها أن تنتهك خصوصية أي شخص دون رضاه، سواء كانت المعلومات المنشورة صحيحة أو غير صحيحة ، مقرراً عقوبة الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين ، وقد ضاعف المشرع الحد المقرر للعقوبة إذا ما تعمد الجاني استعمال برنامج معلوماتي أو تقنية معلوماتية في معالجة معطيات شخصية للغير لربطها بمحتوى مناف للآداب العامة، أو لإظهارها بطريقة من شأنها المساس باعتباره أو شرفه وفق نص المادة 26 من ذات القانون.
ونود أن نشير إلى أن الفعل الإجرامي لتعمد الإزعاج ليس جديدا على التشريع المصري فقد سبق وان نص عليها قانون العقوبات المصري وقرر عقوبة الحبس مدة لا تجاوز سنة وبغرامة لا تزيد على مائة جنية أو بإحدى هاتين العقوبتين لكل من تسبب عمداً في إزعاج غيره بإساءة استعمال أجهزة الاتصالات التليفونية ولكن المشرع بقانون مكافحة جرائم المعلومات كان اكثر حرصا على إضفاء الحماية لحرمة الحياة الخاصة من إساءة استعمال وسائل تقنية المعلومات ورسائل البريد والمواقع الإليكترونية.
وتطبيقاً لذلك اتجهت أحكام القضاء إلى تجريم كل فعل ينطوي على معاكسات أو أفعال غير مشروعة تؤدي إلى إزعاج أو مضايقات تتم بواسطة أو من خلال أي وسيلة من وسائل الاتصال سواء تليفون أو حاسب آلي أو بريد إليكتروني أو رسائل إلكترونية منها الحكم الشهير لمحكمة القاهرة الاقتصادية والمؤيد استئنافياً بمعاقبة احدي شركات إبادة الحشرات بغرامة مالية لقيامها دون وجه حق وبالمخالفة للقانون بإرسال رسائل مزعجة للمواطنين من خلال إنشاء شبكة اتصالات واستخدامها في خدمة الرسائل الجماعية وإجراء الاتصالات وذلك دون ترخيص واستخدام وسائل غير مشروعة في إجراء خدمات الاتصالات، بالإضافة إلى تهمة تعمد إزعاج المواطنين والانتفاع دون وجه حق، وحيازة برنامج مخالف للقانون واستخدامه، ومنح البيانات الشخصية للمواطنين لنظام إلكتروني للترويج عن السلع والخدمات دون الحصول على موافقة منهم ، كذلك قضاء محكمة طنطا الاقتصادية بإدانة الجاني لقيامه بإرسال رسائل بريد إلكتروني إلى موقع المجني عليها الإلكتروني وقام بوضعها على شبكة المعلومات الدولية الأنترنت وتعمده إزعاج المجني عليها وسبها وخدش حياءها والإساءة إليها.
كان ذلك جزءاً من مميزات قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات والتي تفرد بها المشرع المصري لحسن الصياغة واهتمامه الخاص بحرمة الحياة الخاصة ومواجهة انتهاك الخصوصية.
وللحديث بقية.